ليلة عاشوراء في الحديث والأدب

الشيخ عبد الله الحسن

ليلة عاشوراء في الحديث والأدب

المؤلف:

الشيخ عبد الله الحسن


الموضوع : الشعر والأدب
الناشر: المؤلّف
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٣٢

والخوارزمي ، قالا : وجاء شمر بن ذي الجوشن في نصف اليل يتجسّس ومعه جماعة من أصحابه حتي قارب معسكر الحسين عليه‌السلام فسمعه يتلو قوله تعالى : ( وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ * مَا كَانَ اللهُ لِيَذَرَ المُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ الخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ) (١) الآية.

فصاح رجل من أصحاب شمر : نحن وربّ الكعبة الطيبون ، وأنتم الخبيثون وقد مُيّزنا منكم ، فقطع برير بن خضير الهمداني صلاته ، ثم نادى : يا فاسق ، يا فاجر ! يا عدو الله ، يابن البوال على عقبيه ، أمثلُك يكون من الطيبين !؟ والحسين ابن رسول الله من الخبيثين ، والله ما أنت إلا بهيمة لا تعقل ما تأتي وما تذر ، فابشر يا عدو الله بالخزي يوم القيامة والعذاب الأليم ، فصاح شمر : إن الله قاتلك وقاتل صاحبك عن قريب.

فقال برير أبالموت تخوفني ؟! والله إن الموت مع ابن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أحب اليَّ من الحياة معكم ، والله لا نالت شفاعةُ محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله قوماً أراقوا دماء ذريته وأهل بيته !

فجاء إليه رجل من أصحابه وقال : يا برير إن أبا عبد الله يقول لك : ارجع إلى موضعك ولا تُخاطب القوم ، فلعمري لئِن كان مؤمن آل فرعون نصح لقومه وأبلغ في الدعاء ، فلقد نصحت وأبلغت في النصح والدعاء (٢).

__________________

(١) سوره آل عمران : الآيه ١٧٨ ـ ١٧٩.

(٢) الفتوح لابن الأعثم الكوفي : ج ٥ ، ص ١١٠ ـ ١١١ ، مقتل الحسين للخوارزمي : ج ١ ، ص ٢٥١.

٦١

عبادة الحسين عليه‌السلام وأصحابه

وَبات الحسينُ عليه‌السلام وأصحابُه ـ ليلةَ عاشوراء ـ وَلهم دويٌّ كَدويِّ النحلِ ، مَا بَينَ راكعٍ وساجد ، وقائمٍ وقاعد ، فَعبرَ عليهم مِنْ عسكرِ عُمر بنِ سَعد اثنانِ وَثلاثونَ رَجلاً ، وَكذا كانت سجيةُ الحسينِ عليه‌السلام في كَثرةِ صَلاتِه وَكمالِ صِفاته (١).

فكان صلوات الله عليه كما وصفه ابنه إمامنا المهدي عليه‌السلام : كنت للرسول ولداً ، وللقرآن سنداً ، وللأُمة عضُداً ، وفي الطاعة مجتهداً ، حافظاً للعهد والميثاق ، ناكباً عن سبيل الفُسّاق ، تتأوّه تأوّه المجهود ، طويلَ الرّكوعِ والسّجود ، زاهداً في الدنيا زهدَ الرَّاحل عنها ، ناظراً إليها بعين المستوحشين منها (٢).

وقيل للامام علي بن الحسين عليهما‌السلام : ما أقلَّ ولد أبيك ؟

فقال عليه‌السلام : العجب كيف ولدت له ، وكان يصلي في اليوم والليلة ألف ركعة ، فمتى كان يتفرغ للنساء !! وحجّ خمسة وعشرين حجة راجلاً (٣).

وروي عن الإمام علي بن الحسين عليهما‌السلام : أنّه في الليلة التي قُتل أبوه في غدها ، قال عليه‌السلام : إن أباه قام الليل كلَّه يصلّي ، ويستغفر الله ويدعو ويتضرع ، وقام أصحابه كذلك يدعون ويصلّون ويستغفرون (٤).

__________________

(١) اللهوف لابن طاووس : ص ٤١.

(٢) بحار الأنوار : ج ٩٨ ، ص ٢٣٩ ، نفس المهموم للقمي : ص ٢٣٣.

(٣) العقد الفريد للأندلسي : ج ٣ ، ص ١٦٩ ، و ج ٤ ، ص ٣٨٤ ، دار الكتاب العربي و ج ٣ ، ص ١١٤ ـ ١١٥ ، و ج ٥ ، ص ١٣٣ نشر دار الكتب العلمية ، تاريخ اليعقوبي : ج ٢ ، ص ٢٤٧.

(٤) إعلام الوري : ص ٢٤٠ ، الإرشاد للمفيد : ص ٢٣٢ ، بحار الأنوار : ج ٤٥ ، ص ٣.

٦٢

وقيل : انه ما نام في هذه الليلة الحسين عليه‌السلام ولا أحد من أصحابه وأعوانه إلى الصبح ، وكذلك النسوة والصبيان وأهل البيت كلّهم يدعون ، ويوادعون بعضهم بعضاً (١).

قال السيد الأمين ـ عليه الرحمة ـ :

باتوا وبات إمامهم ما بينهم

ولهم دوي حوله ونحيب

من راكع أو ساجدٍ أو قاريءٍ

أو مَنْ يُناجي رَبَّهُ وَينيبُ (٢)

وقال أيضاً ـ عليه الرحمة ـ :

باتَ الحسينُ وصَحبُه مِنْ حولهِ

وَلَهم دويُّ النحل لـمّا باتوا

من رُكّعٍ وَسطَ الظلامِ وسُجّدٍ

للهِ مِنهم تَكثر الدعواتُ

وتراءت الحورُ الحسانُ وزُيّنت

لقدومِهم بنعيمِها الجنّاتُ

وَبدا الصباحُ وَلم تنمْ عينٌ لَهمْ

كلاّ وَلا نَابتْهُمُ غَفواتُ (٣)

عبادةُ أبي الفضل العباس عليه‌السلام

وكان العباس عليه‌السلام في العبادة وكَثرة الصلاة والسجود بمرتبة عظيمة ، قال الصدوق ـ عليه الرحمة ـ في ثواب الأعمال : كان يُبصَرُ بين عينيه أثَر السجود (٤)،

__________________

(١) الإمام الحسين عليه‌السلام وأصحابه للقزويني : ج ١ ، ص ٢٦٢.

(٢) الدر النضيد للسيد الامين : ص ٢٣.

(٣) نفس المصدر : ص ٧٣.

(٤) ثواب الأعمال للصدوق : ص ٢٥٩.

٦٣

لكن وأي عبادة أزكى وأفضل من نصرة ابن بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وحماية بنات الزهراء ، وسقي ذراري رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله .

قيل : إن أصحاب الحسين عليه‌السلام باتوا ليلة العاشر من المحرّم ما بين قائم وقاعد وراكع وساجد ، لكن خُصّص العباس عليه‌السلام من بينهم بحفظ بنات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته ، كان راكباً جواده متقلّداً سيفه آخذاً رمحه يطوف حول الخيم ، لأنه آخر ليلة أراد أن يوفِ ما كان عليه ويرفع الوحشة عن قلوب الهاشميات حتى يَجدنَ طيب الكرى ، وقد أحاطت بهن الأعداء !

وكانت عيون الفاطميات به قريرةً ، وعيون الأعداء منه باكية ساهرةً ، لأنهم خائفون مرعوبون من أبي الفضل عليه‌السلام وما تنام أعينهم خوفاً من بأسه وسطوته ونكال وقعته ، وانقلب الأمر ليلة الحادي عشر ، قرّت عيون العسكر ، وبكت وسهرت عيون الفاطميات ، ولنعم ما قيل :

اليوم نامت أعينٌ بك لم تنمْ

وتسهّدت أخرى فعزّ منامُنها (١)

وقال الفرطوسي ـ عليه الرحمة ـ :

وبنو هاشم نطاقُ عيونٍ

مستدير على خيام النساءِ

وأبو الفضل فارسُ الجمع ترنو

مقلتاهُ لمقلة الحوراءِ (٢)

ويقول السيد مدين الموسوي :

نامت عيونُ القوم أجمعُها

وعُيونهم مشبوحةُ النظرِ

لله ترمقهُ ويرمقُها

كِبراً وهم يعلون في كبرِ

__________________

(١) معالي السبطين للحائري : ج ١ ، ص ٤٤٣.

(٢) ملحمة أهل البيت للفرطوسي : ج ٣ ، ص ٢٩٢.

٦٤

عبادةُ العقيلة زينب عليها‌السلام

كانت زينب عليها‌السلام في عبادتها ثانية أمّها الزهراء عليها‌السلام وكانت تقضي عامّة لياليها بالتهجد وتلاوة القرآن.

قال بعض ذوي الفضل : إنها ـ صلوات الله عليها ـ ما تركت تهجّدها لله تعالى طول دهرها ، حتى ليلة الحادي عشر من المحرم.

قال : وروى عن زين العابدين عليه‌السلام أنه قال : رأيتها تلك الليلة تصلّي من جلوس !

وعن الفاضل القائيني البيرجندي ، عن بعض المقاتل المعتبرة ، عن مولانا السجاد عليه‌السلام أنه قال : إن عمتي زينب عليها‌السلام مع تلك المصائب والمحن النازلة بها في طريقنا إلى الشام ما تركت نوافلها الليلية.

وعن الفاضل المذكور ، إن الحسين عليه‌السلام لمّا ودّع أخته زينب عليها‌السلام وداعه الأخير قال لها : يا أختاه لا تنسيني في نافلة الليل.

وفي مثير الأحزان (١) للعلامة الشيخ شريف الجواهري قدس‌سره : قالت فاطمة بنت الحسين عليهما‌السلام وأما عمتي زينب عليها‌السلام فإنها لم تزل قائمة في تلك الليلة ـ أي العاشرة من المحرم ـ في محرابها تستغيث إلى ربها ، فما هدأت لنا عين ، ولا سكنت لنا رنّة (٢).

__________________

(١) مثير الأحزان للجواهري : ص ٥٦.

(٢) زينب الكبرى للنقدي : ص ٨١ ـ ٨٢.

٦٥

يقول العلامة النقدي عليه الرحمة :

ربيبة عصمة طُهُّرت وطابتْ

وفاقت في الصّفات وفي الفعالِ

فكانت كالأئمة في هُداها

وإنقاذ الأنام من الضلالِ

وكان جهادُها بالقول أمضى

من البيض الصوارم والنصالِ

وكانت في المُصلّى إذ تُناجي

وتدعو الله بالدمع المُذالِ

ملائكة السماء على دُعاها

تُؤمّن في خضوع وابتهالِ

روت عن أمها الزهرا علوماً

بها وصلت إلى حدّ الكمالِ

مقاماً لم تكن تحتاج فيه

الى تعليم علمٍ أو سؤالِ

ونالت رتبةً في الفخر عنها

تأخرت الأواخر والأوالي

فلو لا أمها الزهراء سادت

نساءَ العالمينَ بلا جدالِ (١)

الإمام الحسين عليه‌السلام يطلي بالنورة

وبرير يهازل عبد الرحمن

روي عن أبي صالح الحنفيِّ عن غلامٍ لعبد الرحمن بن عبدربه الأنصاري (٢) ،

__________________

(١) زينب الكبري للنقدي : ص ١٧٣.

(٢) هو : عبد الرحمن بن عبد ربه الأنصاري الخزرجي ، أحد الشخصيات البارزة ، وكان صحابياً ومن مخلصي أصحاب أمير المؤمنين عليه‌السلام وهو أحد الصحابة الذين شهدوا لأمير المؤمنين بالولاية ، لما نشدهم في الرحبة بحديث الغدير : من كنت مولاه فعلي مولاه ، وقيل إن أمير المؤمنين هو الذي علّم

٦٦

قال : كنت مع مولاي فلما حضر الناس وأقبلوا إلى الحسين عليه‌السلام أمر الحسين بفسطاط فضرب ثم أمر بمسك (١) فميث (٢) في جفنة (٣) عظيمة أو صفحة ، قال : ثم دخل الحسين عليه‌السلام ذلك الفسطاط فتطلى بالنورة ، قال : ومولاي عبد الرحمن بن عبدربه وبُرير بن خضير الهمداني على باب الفسطاط تحتكّ مناكبهما ، فازدحما أيهما يطلي على أثره فجعل برير يهازل عبد الرحمن !

فقال له عبد الرحمن : دعنا فوالله ما هذه بساعة باطل ! فقال له برير : والله لقد علم قومي أني ما أحببت الباطل شاباً ولا كهلاً ، ولكن والله إني لمستبشر بما نحن لاقون ، والله إن بيننا وبين الحور العين إلاّ أن يميل هؤلاء علينا بأسيافهم ولوددت أنهم قد مالوا علينا بأسيافهم !

قال : فلما فرغ الحسين عليه‌السلام دخلنا فاطّلينا (٤) (٥).

__________________

عبد الرحمن القرآن وربّاه ، وكان عبد الرحمن أحد الذين أخذوا البيعة للحسين عليه‌السلام في الكوفة ، وجاء مع الحسين فيمن جاء من مكة ، وقُتل عبد الرحمن في الحملة الاُولى.

راجع : إبصار العين : ص ٩٣ ، أنصار الحسين لشمس الدين : ص ٩٧.

(١) روي عن يسار بن عبد الحكم قال : أنتُهب عسكر الحسين عليه‌السلام فوَجِدَ فيه طيب ، فما تطيّبت به امرأة إلا برصت. العقد الفريد : ج ٤ ، ص ٣٨٤ دار الكتاب العربي ، وج ٥ ، ص ١٣٣ ، دار الكتب العلمية.

(٢) موث : ماث موثاً وموثاناً ، الشيء بالشيء خلطه به ، والشيء في الماء أذابه فيه ، المنجد : ص ٧٧٩.

(٣) الجَفْنَة : القصعة الكبيرة.

(٤) قد اُختلف في وقوع هذه الحادثة ليلاً ، وقد رواها أبو مخنف في اليوم التاسع ، قال الفاضل القزويني : ويظهر من ابن نما أيضاً أن ذلك كان في غداة يوم عاشوراء ، وهو بعيد جداً ، وأبعد منه أن ذلك كان في ليلة تاسوعاء ، صرح بذلك في الناسخ ، وقد ذكر جملة من وقائع ليلة عاشوراء في ليلة تاسوعاء ، وهو اشتباه في اشتباه. والأكثر ـ على ما صرحوا به ـ أنه كان في ليلة عاشوراء وهو الأصح نقلاً واعتباراً. الإمام الحسين وأصحابه للقزويني : ج ١ ، ص ٢٥٩.

٦٧

وجاء في البداية : فعدل الحسين عليه‌السلام إلى خيمة قد نُصبت فاغتسل فيها وانطلى بالنورة وتَطيّب بمسك كثير ، ودخلَ بعدَهُ بعضُ الأمراء ففعلوا كما فعل ، فقال بعضهم لبعض : ما هذا في هذه الساعة ؟! فقال بعضهم : دعنا منك ، والله ما هذه بساعة باطل ! فقال يزيد بن حصين : والله لقد علم قومي أني ما أحببت الباطل شاباً ولا كهلاً ، ولكن والله إني لمستبشر بما نحن لا قون ، والله ما بيننا وبين الحور العين إلا أن يميل علينا هؤلاء القوم فيقتلوننا (١).

استبشار الأنصار بالشهادة

ولقد مزح حبيب بن مظاهر الأسدي ، فقال له يزيد بن خضير الهمداني ، وكان يقال له سيد القرآء : يا أخي ليس هذه بساعة ضحك ! قال : فأيُّ موضعٍ أحقُّ من هذا بالسرور ، والله ما هو إلا أن يميل علينا هذه الطُّغام بسيوفهم فنعانق الحور العين (٢).

هكذا كان أصحاب الحسين عليه‌السلام مستأنسين بالمنيّة غير مكترثين بما يجري عليهم فقد روي أن نافع بن هلال البجلي ـ رضي الله تعالى عنه ـ قضى شَطرَ ليله في كتابة اسمه على سهام نبله ، إمعاناً في طلب المثوبة والأجر ، وإمعاناً في السخرية

__________________

(٥) تاريخ الطبري : ج ٤ ، ص ٣٢١ ، الكامل في التاريخ لابن الأثير : ج ٤ ، ص ٦ ، اللهوف : ص ٤١ ، بحار الأنوار : ج ٤٥ ، ص ١.

(١) البداية والنهاية لابن كثير : ج ٤ ، ص ١٧٨.

(٢) إختيار معرفة الرجال للطوسي : ج ١ ، ص ٢٩٣ ، بحار الأنوار : ج ٤٥ ، ص ٩٣.

٦٨

من الخطر ، وإمعاناً في الترحيب بالموت (١).

وقد أجاد السيد مدين الموسوي إذ يقول :

ما هزهم عصفٌ ولا رعشت

أعطافهم في داهم الخطرِ

يتمايلون وليس من طربٍ

ويسامرون وليس من سمرِ

إلا مع البيض التي رقصت

بأكفهم كمطالع الزهرِ

يتلون سر الموت في سورٍ

لم يتلها أحد مع السورِ

ويرتّلون الجرح في ولهٍ

فكأنه لحنٌ على وترِ

خفّوا لداعي الموت يسبقهم

عزمٌ تحدى جامد الصخرِ

مُذ بان جنب الله مقعدهم

ورأوه ملءَ الروح والبصرِ

الإمام الحسين عليه‌السلام يرسل ابنه عليّاً عليه‌السلام لسقاية الماء

روي عن الإمام الصادق عليه‌السلام في الأمالي : ثم إن الحسين عليه‌السلام أمر بحفيرة فحفرت حول عسكره شبه الخندق وأمر فحُشيت حطباً ، وأرسل علياً ابنه عليه‌السلام في ثلاثين فارساً وعشرين راجلاً ليستقوا الماء وهم على وجل شديد وأنشأ الحسين عليه‌السلام يقول :

يا دهر اُفٍ لك من خليلِ

كم لك في الإشراق والأصيلِ

من طالب وصاحب قتيلِ

والدهرُ لا يقنعُ بالبديلِ

__________________

(١) أبناء الرسول في كربلاء ، خالد محمد خالد : ص ١١٩ ، الدوافع الذاتية لأنصار الحسين ، محمد عابدين : ص ٢٣١.

٦٩

وإنما الأمر إلى الجليلِ

وكلُ حيّ سالكٌ سبيلي

ثم قال عليه‌السلام لأصحابه : قوموا فاشربوا من الماء يكن آخر زادكم وتوضّأوا واغتسلوا واغسلوا ثيابكم لتكون أكفانكم ، ثم صلّى بهم الفجر (١).

الأحداث بعد صلاة الفجر

قال بعض المؤرخين : إنه عليه‌السلام تيمّم هو وأصحابه للصلاة نظراً لعدم وجود الماء عندهم ، وقد أئتمَّ به أهله وصحبه ، وقبل أن يتموا تعقيبهم دقت طبول الحرب من معسكر ابن زياد ، واتجهت فرقٌ من الجيش وهي مدججةٌ بالسلاح تنادي بالحرب أو النزول على حكم ابن مرجانة (٢).

ولما أصبح الحسين عليه‌السلام يوم عاشوراء وصلّى بأصحابه صلاة الصبح ، قام خطيباً فيهم حمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : إن الله تعالى أذن في قتلكم ، وقتلي في هذا اليوم فعليكم بالصبر والقتال (٣).

التعبئة للحرب وإشعال النار في الخندق

وعبّأ عليه‌السلام أصحابه بعد صلاة الغداة ، وكان معه اثنان وثلاثون فارساً وأربعون راجلاً ، فجعل زهير بن القين في ميمنة أصحابه ، وحبيب بن مظاهر في ميسرة

__________________

(١) أمالي الصدوق : ص ١٣٣ ـ ١٣٤.

(٢) حياة الإمام الحسين للقرشي : ج ٣ ، ص ١٧٩.

(٣) كامل الزيارات لابن قولويه : ص ٧٣ ، إثبات الوصية للمسعودي : ص ١٦٣ ، بحار الأنوار : ج ٤٥ ص ٨٦.

٧٠

أصحابه ، وأعطى رايته العباس أخاه ، وجعلوا البيوت في ظهورهم ، وأمر بحطبٍ وقصبٍ كان من وراء البيوت أن يُترك في خندق كان قد حُفر هناك ، وأن يُحرق بالنار مخافةَ أن يأتوهم من ورائهم.

وأصبح عمر بن سعد في ذلك اليوم ، وهو يوم الجمعة ، وقيل يوم السبت ، فعبّأ أصحابه وخرج فيمن معه من الناس نحو الحسين عليه‌السلام وكان على ميمنته عمرو بن الحجاج ، وعلى ميسرته شمر بن ذي الجوشن ، وعلى الخيل عروة بن قيس ، وعلى الرجالة شبث بن ربعي ، وأعطى الراية دُريداً مولاه.

دعاءُ الإمام الحسين عليه‌السلام

روي عن الإمام علي بن الحسين زين العابدين عليهما‌السلام أنه قال : لمّا أصبحت الخيل تقبل على الحسين عليه‌السلام رفع يديه وقال : أللهم أنت ثقتي في كل كربٍ ، وأنت رجائي في كل شدةٍ ، وأنت لي في كل أمرٍ نزل بي ثقةٌ وعدة ، كم مِنْ همٍّ يضعف فيه الفؤاد ، وتقلّ فيه الحيلة ، ويخذل فيه الصديق ، ويشمت فيه العدو ، أنزلته بك وشكوته اليك ، رغبةً منيّ إليك ، عمّن سواك ففرجته عني وكشفته ، فأنت وليُّ كل نعمة ، وصاحب كل حسنةٍ ، ومنتهى كلّ رغبةٍ.

الأعداء يجولون حول بيوت الحسين عليه‌السلام

قال : وأقبل القوم يجولون حول بيوت الحسين عليه‌السلام فيرون الخندق في

٧١

ظهورهم ، والنار تضطرم في الحطب والقصب الذي كان اُلقي فيه.

فنادى شمر بن ذي الجوشن بأعلى صوته : يا حسين أتعجّلت النار قبل يوم القيامة.

فقال الحسين عليه‌السلام مَنْ هذا كأنه شمر بن ذي الجوشن !! فقالوا له : نعم.

فقال له : يابن راعية المعزى أنت أولى بها صليّا !

ورام مسلم بن عوسجة أن يرميه بسهمٍ فمنعه الحسين عليه‌السلام من ذلك.

فقال له : دعني حتى أرميه فإنه الفاسق من أعداء الله وعُظماء الجبارين وقد أمكن الله منه.

فقال له الحسين عليه‌السلام : لا ترمه فإني أكره أن أبدأهم (١).

وجاء في الأمالي : عن الإمام الصادق عليه‌السلام : وأقبل رجل من عسكر عمر بن سعد على فرس له ، يقال له : ابن أبي جويرية المزني ، فلما نظر إلى النار تتّقد صَفق بيده ونادى : يا حسين وأصحاب الحسين ، أبشروا بالنار فقد تعجّلتموها في الدنيا.

فقال الحسين عليه‌السلام : مَن الرجل ؟ فقيل : ابن أبي جويرية المزني.

فقال الحسين عليه‌السلام : اللهم أذقه عذاب النار في الدنيا ، فنفرَ به فرسُه فألقاه في تلك النار فاحترق.

ثم برز من عسكر عمر بن سعد رجلٌ آخر ، يقال له : تميم بن الحصين الفزاري ، فنادى : يا حسين ويا أصحاب الحسين ، أما ترون إلى ماء الفرات يلوح كأنه بطون الحيّات ، والله لا ذقتم منه قطرة حتى تذوقوا الموت جزعاً.

__________________

(١) الإرشاد للشيخ المفيد : ص ٢٣٣ ـ ٢٣٤ ، بحار الأنوار : ج ٤٥ ، ص ٤ ـ ٥ ، تاريخ الطبري : ج ٤ ، ص ٣٢١ ـ ٣٢٢.

٧٢

فقال الحسين عليه‌السلام : مَن الرجل ؟ فقيل : تميم بن حُصين.

فقال الحسين عليه‌السلام : هذا وأبوه من أهل النار ، أللهم اقتل هذا عطشاً في هذا اليوم.

قال : فخنقه العطش حتى سقط عن فرسه ، فوطأته الخيل بسنابكها فمات.

ثم أقبل آخر من عسكر عمر بن سعد ، يقال له محمد بن أشعث بن قيس الكندي ، فقال : يا حسين بن فاطمة ، أيةُ حرمة لك من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ليست لغيرك ؟!

قال الحسين عليه‌السلام : هذه الآية ( إِنَّ اللهَ اصْطَفَىٰ آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً ) (١). ثم قال : والله إنَّ محمداً لَمن آل إبراهيم وإن العترة الهادية لمن آل محمد ، مَن الرَجل ؟ فقيل : محمد بن أشعث بن قيس الكندي.

فرفع الحسين عليه‌السلام رأسه إلى السماء فقال : أللهم أرِ محمدَ بن الأشعث ذُلاًّ في هذا اليوم لا تعزّه بعد هذا اليوم أبداً ، فعرض له عارض فخرج من العسكر يتبرز فسلّط الله عليه عقرباً فلذعه فمات باديَ العورة.

فبلغ العطش من الحسين عليه‌السلام وأصحابه ، فدخل عليه رجل من شيعته يقال له : يزيد بن الحصين الهمداني ... فقال : يا بن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أتأذن لي فأخرج إليهم فآمُلُهم ، فأذن له.

فخرج إليهم فقال : يا معشر الناس إن الله ـ عزوجل ـ بعث محمداً بالحقِّ بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً ، وهذا ماءُ الفرات تقع فيه خنازير

__________________

(١) آل عمران الآية : ص ٣٣ ـ ٣٤.

٧٣

السواد وكلابها ، وقد حيل بينه وبين ابنه ؟

فقالوا : يا يزيد فقد أكثرت الكلام فاكفف فوالله ليعطش الحسين عليه‌السلام كما عطش مَنْ كان قبله.

فقال الحسين عليه‌السلام : اقعد يا يزيد ، ثم وثب الحسين عليه‌السلام متوكياً على سيفه ....الخ (١).

إلى هنا قد تم ما تسنّى لي جمعُه وإعدادُه من كتب السيرة والحديث في خصوص أحداث ووقائع هذه الليلة العظيمة على أهل بيت محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله وما يرتبط بها ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ، وسيعلمُ الذين ظلموا ـ آل بيت محمدٍ ـ أيَّ منقلب ينقلبون ، والعاقبةُ للمتّقين.

وذلك في ليلة الخميس السابعة من شهر رجب المرجب عام ألف وأربعمائة وستة عشر للهجرة المباركة على مهاجرها وآله أفضل الصلاة والتسليم.

__________________

(١) أمالي الصدوق : ص ١٣٤ ـ ١٣٥.

٧٤

٧٥

٧٦

فضل إحياء ليلة عاشوراء بالعبادة

قد ورد في بعض الأحاديث التأكيد الشديد على إحياء هذه الليلة بالعبادة ، والمحافظة عليها وعدم إغفالها مهما أمكن ، وأن لها فضلاً عظيماً ، قال أحد الأعلام ـ عليه الرحمة ـ : في حديثه عن أعمال ليلة عاشوراء ويومها من الصلوات والدعوات ، إنها ـ أي الأعمال ـ ولو كانت واردة أيضاً يمكن أن يُحكم بترجيح الإشتغال بمراسم التعزية ، والصلوات له وللمستشهدين بين يديه عليهم‌السلام ، ولعن قاتليهم ـ على الإشتغال بالعبادة ـ وإن تأكيدها أيضاً ثابت بالروايات (١).

ومن الأحاديث الواردة فيها ما يلي :

١ ـ ما روي في كتاب دستور المذكّرين بإسناده عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : مَن أحيا ليلة عاشوراء فكأنّما عبد الله عبادة جميع الملائكة ، وأجر العامل فيها كأجر سبعين سنة (٢).

٢ ـ ما روي عن الحارث بن عبد الله عن علي أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : إن استطعتَ أن تحافظ على ليلة الفطر ، وليلة النحر ، وأول ليلة من المحرّم ، وليلة عاشوراء ، وأوّل ليلة من رجب ، وليلة النصف من شعبان ، فافعل وأكثر فيهنّ من الدعاء والصلاة وتلاوة القرآن (٣).

__________________

(١) المراقبات ( أعمال السنة ) للملكي التبريزي : ص ١٥.

(٢) الإقبال لابن طاووس : ج ٣ ، ص ٤٥ ، وعنه بحار الأنوار : ج ٩٥ ، ص ٣٣٦.

(٣) مصباح المتهجد للطوسي : ص ٧٨٣ ، وسائل الشيعة : ج ٥ ، ص ٢٤١ ، ح ١٠.

٧٧

قال السيد ابن طاووس ـ عليه الرحمة ـ في ذكره فضل إحياء هذه الليلة : اعلم أنّ هذه الليلة أحياها مولانا الحسين ـ صلوات الله عليه ـ وأصحابه بالصلوات والدعوات ، وقد أحاط بهم زنادقة الإسلام ، ليستبيحوا منهم النفوس المعظّمات ، وينتهكوا منهم الحرمات ، ويسبوا نساءهم المصونات.

فينبغي لمن أدرك هذه الليلة ، أن يكون مواسياً لبقايا أهل آية المباهلة وآية التطهير ، فيما كانوا عليه في ذلك المقام الكبير ، وعلى قدم الغضب مع الله جلّ جلاله ورسوله صلوات الله عليه ، والموافقة لهما فيما جرت الحال عليه ، ويتقرّب إلى الله جلّ جلاله بالإخلاص من موالاة أوليائه ومعاداة أعدائه (١).

وأما أعمال هذه الليلة وما ورد فيها من الصلوات والأدعية فنذكر هنا ما ذكره ابن طاووس ـ عليه الرحمة ـ من الأعمال الواردة فيها وقد ذكر ـ عليه الرحمة ـ أن اعتماده على مثل هذه الأحاديث هو على ما رواه عن الإمام الصادق عليه‌السلام أنه : من بلغه شيءٌ من الخير فعمل كان له ذلك ، وإن لم يكن الأمر كما بلغه (٢). وإليك ما ذكره من الأعمال :

__________________

(١) الإقبال لابن طاووس : ج ٣ ، ص ٤٥.

(٢) الإقبال لابن طاووس : ج ٣ ، ص ٤٧.

٧٨

أ ـ الصلوات الواردة في ليلة عاشوراء

١ ـ ما روي عن محمد بن أبي بكر المديني الحافظ من كتاب دستور المذكّرين بإسناده المتصل عن وهب بن منبه ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : مَنْ صلّى ليلة عاشوراء أربع رَكَعَات من آخر اللّيل ، يقرأ في كلّ ركعة بفاتحة الكتاب وآية الكرسي ـ عشر مرّات ، و ( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ) ـ عشر مرّات ، و ( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ) ـ عشر مرّات ، و ( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ) ـ عشر مرّات ، فإذا سلّم قرأ ( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ) مائة مرّة ، بَنَى الله تعالىٰ له في الجنّة مائة ألف ألف مدينة من نور ، في كلّ مدينة ألف ألف قصر ، في كل قصر ألف ألف بيت في كلّ بيت ألف ألف سرير ، في كل سرير ألف ألف فراش ، في كل فراش زوجة من الحور العين ، في كلّ بيت ألف ألف مائدة ، في كلّ مائدة ألف ألف قصعة ، في كلِّ قصعة مائة ألف ألف لون ، ومن الخدم علىٰ كلّ مائدة ألف ألف وصيف ، ومائة ألف ألف وصيفة ، علىٰ عاتق كلّ وصيف ووصيفة منديل ، قال وهب بن منبّه : صمّت أذناي إن لم أكن سمعت هذا من ابن عباس.

٢ ـ ما روي أيضاً عن كتاب دستور المذكرين بإسناده المتصل عن أبي أُمامة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من صلىٰ ليلة عاشوراء مائة ركعة بالحمد مرة و ( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ) ثلاث مرّات ، ويسلّم بين كلّ ركعتين فإذا فرغ من جميع صلاته قال : سُبحانَ الله والحمْدُ للهِ ولا إله إِلا اللهُ والله أكبرُ ولا حوْلَ ولا قُوّةَ إلا باللهِ العليِّ العظيم ـ سبعين مرّة.

قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من صلّىٰ هذه الصلاة من الرجال والنساء ملأ الله

٧٩

قبره إذا مات مسكاً وعنبراً ، ويدخل إلىٰ قبره في كل يوم نور إلىٰ أن يُنفخ في الصور ، وتوضع له مائدة منها نعيم يتناعم به أهل الدنيا منذ يوم خلق إلىٰ أن يُنفخ في الصور ، وليس من الرجال والنساء إذا وضع في قبره إلا يتساقط شعورهم إلاّ مَنْ صلّىٰ هذه الصّلاة ، وليس أحدٌ يخرج من قبره إلا أبيض الشعر إلا من صلّىٰ هذه الصلاة.

والّذي بعثني بالحقِّ إنّه من صلّىٰ هذه الصلاة ، فإنّ الله عزوجل ينظر إليه في قبره بمنزلة العروس في حجلته إلىٰ أن يُنفخ في الصور ، فإذا نُفخ في الصّور يخرج من قبره كهيئته إلىٰ الجنان كما يُزفُّ العروس إلىٰ زوجها ـ إلخ.

٣ ـ ما روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال : تصلي ليلة عاشوراء أربع ركعات في كلِّ ركعة الحمد مرَّة ، و ( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ) خمسون مرَّة ، فإذا سلّمت من الرّابعة فأكثر ذكر الله تعالىٰ ، والصلاة على رسوله ، والعن لأعدائهم ما استطعت.

٤ ـ ما ذكره صاحب المختصر من المنتخب قال : الدعاء في ليلة عاشوراء أن يصلّي عشر ركعات في كلِّ ركعة فاتحة الكتاب مرّة واحدة ، و ( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ) مائة مرّة.

وقد روي أن يصلي مائة ركعة يقرأ في كلِّ ركعة الحمد مرّة و ( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ) ثلاث مرّات ، فإذا فرغت منهنّ وسلّمت تقول : سُبْحان اللهِ والحمدُ للهِ ولا إلهَ إلا اللهُ واللهُ أكبرُ ، ولا حوْلَ ولا قُوَّةَ إلا بالله العلي العظيم ، مائة مرّة ، وقد روي سبعين مرَّة ، وأستغفرُ الله مائة مرّة ، وقد روي سبعين مرَّة ، وصلىٰ الله على محمدٍ وآلِ محمدٍ مائة مرَّة ، وقد روي سبعين مرَّة (١).

__________________

(١) الإقبال لابن طاووس : ج ٣ ، ص ٤٦ ـ ٤٨ ، وعنه بحار الأنوار : ج ٩٥ ، ص ٣٣٦ ـ ٣٣٨ ، وذكرها بتفاوت في وسائل الشيعة : ج ٥ ، ص ٢٩٥ ، ح ٣ ـ ٦.

٨٠