ليلة عاشوراء في الحديث والأدب

الشيخ عبد الله الحسن

ليلة عاشوراء في الحديث والأدب

المؤلف:

الشيخ عبد الله الحسن


الموضوع : الشعر والأدب
الناشر: المؤلّف
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٣٢

الأستاذ سلمان الربيعي

قصيدة الربيعي مثبّتة في المتن الشعري كنصٍّ يستحضر بإخلاص وجهد تجربة تدّعي التجارب الشعرية الجديدة أنها قد طواها الزمن لكن الربيعي يراها لا تزال حيّة ونابضة وله الحقُّ في ذلك طالما أن هناك فئات كثيرة من القرّاء لا زالت تستحسن ذلك وتعدّه صحيحاً وتجد في الربيعي من الشعراء مَنْ يُرسّخ ويثبّت هذا الإستصحاب لِما كان في نتاجه الغزير لإثراء هذا التوجه كمّاً ونوعاً.

وللإنصاف فالربيعي من الشعراء المعدودين الذين يواصلون سدّ إحتياجات المنبر الحسيني إلى الجديد من النصوص خطباء ومنشدي عزاء وهو شاعر على أهبة الإستعداد لتلبية نداءات الولاء والقضية الحسينية.

والقصيدة عند الربيعي تعبويّة التوجّه مخطّطٌ لها بإحكام يركن بجدّ إلى معطيات علوم العربية في كلّ تشعّباتها من نحوٍ وصرف وبلاغة وبيان ومعان وعروض ، وأغلب شعره يُرى فيه قابليته لأن يكون شاهداً من شواهد العلوم.

فالربيعي يستعرض ما تعلّمه من فنون وعلوم في شعره وخصوصاً في تفريعات العلوم اللغوية ويرى فيه نوعاً من الإنتماء إلى الأصيل والثابت الذي يشكّل هويته الشعرية والذي يُخلص في الالتحام به على الرغم من كون هذه النظرة نظرة تراثية إلى التراث نفسه ، لكن الربيعي يحتمي تحت سقفها وله فيها كل الحق.

ولا زلت أرى في خروجه على طوق النظم في بحر الكامل ـ الأثير لديه ـ وتثبيت هذا الخروج إنفتاحاً على إمكانات بنائية تمنحها الأبحر الأخرى للربيعي الذي بدأ ذلك في مجموعته الشعرية الثالثة ـ طيف الوطن ـ ولكن بحذرٍ شديد وتوجس.

٢٦١

١٢ ـ للشاعر الأستاذ شفيق العبادي (١)

إلى سيدتي الذكري

أطلّي ...

فقد أينع الشوقُ وانداحَ عطرُ الحنين

وجئنا على الوعد يا امرأةً زادُها الحزنُ والذكرياتْ

لأبنائها الراحلينْ

مع الشمس كي يُشعلوا ظُلمات المساءْ

لنقطف من شجر القلب أشهى القصائدْ

وننثُرها بين كفّيك يُنبوع ماءْ

قرابينَ

لكنها ...

ـ يالفرط البلاهة ـ

من أحرف مطفآت

لكيما ...

__________________

(١) هو : الشاعر الأستاذ شفيق معتوق العبادي ، ولد سنة ١٣٨٥ ه‍ فى تاروت ـ القطيف اكمل الثانوية العامة ، يعمل حاليا موظّفا فى كلية الطب بجامعة الملك فيصل بالدمام ، يكتب الشعر والمقالة والقصة وينشر نتاجه الأدبي في الصحف المحلية وبعض الصحف العربية ، كتب عنه في عدد من الكتب التي تناولت ادب المنطقة وفي الدوريات الأدبية وله مشاركات بارزة على الصعيد الادبي والثقافي.

٢٦٢

تُضمّد أحزانها وتطيرْ

وتبقين وحدك في وحشة الدرب

ترعين غرس الدماءْ

* * *

ولكنه العشق سيّدتي فاعذريني

إذا ما خدشتُ حياء القصيدةْ

فجاءتْك ترقص في موكب الحزن مأنوسة بالجراحْ

وقد راح غيري يروّيك بالأدمع الخاثراتْ

ففي حضرة الوجد مَنْ ذا يُطيق إغتصاب الحروفْ ؟

* * *

إذا ما انتحيت عن السرب حلّقتُ وحدي

أُعير جناحيَّ للريح كيما تحلّقَ بي للفضاءْ

فلا أُفق .. غير العيون المليحات يستوطن الشعرَ

لا شيء يُطرب هذا اليراع المعنّى

سوى لغةٍ منكِ تُذكي لظاهْ

ليرحلَ نحو النجومِ البعيدةْ

٢٦٣

ويبحثَ عن لغةٍ طعمُها العشقُ

عن لغةٍ لونُها العشقُ

كي يستعير القوافي

ليستلهم الذكريات العذارى

ويروي الحروف الظماءْ

ويعزف من وجع القلب ذكرى هواهْ

وذكرى صباهْ

وذكرى الليالي الجميلةْ

فأنت العيون التي ألهمت ريشتي كلّ هذا الغناءْ

* * *

وأنت العيون التي شاغلتني خطاها طويلاً

وأوسعتها غزلاً

ذبتُ فيها جوى

سرتُ من أجلها في دروب المنافي

تأرجحت فوق حبال المشانقِ

خالفت في شرعة الحب كلّ القوانينِ

عارضت كلّ رجالِ القبيلةْ

فلولاكِ ..

٢٦٤

لولاكِ ..

يا حلوتي ما تجشّمتُ هذا العناءْ

* * *

وسافرتُ بين سواحلها الزرق

أبحث عن نورس أنكرتْه الشواطئُ

ضاقت بعينيه كلّ الدروبْ

وقصَّ جناحيه بردُ المدينةْ

جزيرتُه في أقاصي البحار

وأعراقُها في حنايا السماءْ

يجيء على فرس الريح في كلّ عامٍ اليها

ليُسمِعها الأغنيات الحزينةْ

ويحمل ما بين عينيه ذكرى جديدةْ

لملحمة الكبرياء

ليغرس

أعشاشها في الذرى

ويرحل عنها لُقىً في العراءْ

شفيق العبادي

٢٠ / ٢ / ١٤١٧ ه‍ تاروت

٢٦٥

الأستاذ شفيق العبّادي

شفيق العبّادي حسٌّ نابض بحيوية العاطفة وصدقها ، بجرأة المواجهة يُغنّي موّالاً مفرداً بأسى عميق لكن بلا دموع ، فهو يحتفل بحزنه الخاص على طريقته الخاصة أيضاً ، لذا فهو يعزف تحت شرفة الذكرى ، يعزف على أوتار الشوق اليانع والحنين المعطّر لكي تُطلّ عليه الليلة بحزنها وذكرياتها ليتمّ لقاؤه بها ، فينثر بين كفيها قصائده النابعة من القلب بأحرفها المطفآت ليعبّر لها عن الخيبة والمرارة لأنه صادق العواطف لكنّه يصاب بالبله أمام جلالها الآسر فلا يمنحها إلاّ خواء قصائده التي تضمّد أحزانها بعد اللقاء وتطير في سماواتها لتبقى الذكرى وحدها في عمليةٍ مستحيلة لغرس الدماء.

ويرجع العبّادي ثانية ليعزف على وتر آخر هو وتر العشق ليرقّص قصيدته المخدوشة في حيائها في الموكب العام للحزن ، في الإحتفالية الجماعية بقدوم الذكرى.

يحس العبّادي بتفرده فيسلك سلوكاً مغايراً للسائد والمتعارف وكل ذلك بسبب من علاقة حضور صوفيّة أسماها ( الوجد ) تضيع فيها اللغة وتعود للحروف بكارتها الاولى فلا يستطيع الواجد الصوفي أن يرى إغتصاب الحروف فيلجأ إلى نوع من الصمت الناطق بالحيرة والذهول والتفرّد والإنتحاء عن السرب والتحليق المنفرد التائه لأنه يعير أجنحته للريح لضياع أمكنته فلا أفق له ، لكن عيون الذكرى تستوطن الشعر وتشعل إنطفاءاته ليبتدئ البحث عن لغةٍ حسيّة بطعم العشق ولونه

٢٦٦

فتكتمل أدوات الشاعر ليعزف على وتر الوجع ، تكتمل أدوات الفن كلّها ، ريشة ملهمة تغنّي ووتر يعزف ، ويبدأ عزف آخر على وتر الغزل لتنكشف تضحيات الشاعر وعناؤه وذوبانه ثمّ نفيه ثم بحثه عن قناع يندرج تحت ظلاله فيجده في نورسٍ منفيّ تنكره بيئته البحرية وتمنعه المدن بظواهرها غير الطبيعية من الطيران فيعاني غيبة وانقطاعاً عن المكان ، لكنه يتواصل مع الذكرى تواصلاً حياً دفّاقاً ، له موعدٌ محدّد يجدّد الذكرى التي يحملها ما بين عينيه ويغرس حنوّه والتحامه معها ثم يرحل أيضاً.

والعبّادي يحاصر تجربته بجوّ محزنٍ حادّ ويمسحها بجناح رومانسي محلّق ويطوّع نَفَساً ونبرة إيقاعيتين متبادلتين ومتعامدتين في تتابع مقاطع القصيدة ، فمع أفقية النَفَس ( الذي لا يفارق القافية بيسرٍ بل يختم مقاطع القصيدة بقافيةٍ همزيةٍ متكرّرة ـ الدماء ، الفناء ، العناء ، العراء ـ وهذه الظاهرة فيها بصمات الإكثار من النظم على طريقة العمود ) تقفز تلك النبرة المتخفية لتلملم شتات التداعيات ليسلم تأمله الشارد من أضطرابات اللاشعور الذي يكشف رغبات وأماني الشاعر المكبوتة في تجاوز الألم التقليدي وإكتشاف شعائر أخرى للتعامل مع المتخيَّل عند الجماعة ، فهو تجنّب السطحية والتقريرية والمباشرة لصالح الغموض وعَمَه الرموز الذي قد يؤدي إلى العجز عن تصوّر أو تشكيل رموزه عند المتلقّين مما يحقّق فجوة عريضة على مستوى التوصيل.

٢٦٧

١٣ ـ للسيد ضياء الخباز (١)

(١)

صفحات من مسرح الدم

حرّكَ الليل سيفَهُ الأمويّا

يَرسمُ الصبحَ مسرحاً دمويّا

يطعنُ النجمَ والدراري اغتيالاً

غاضَهُ الأفقُ مُذ بدا قمريا

فتلقتُه أنجمٌ زاهراتٌ

سكبت فيه نورَها العلويا

نحتتهُ النجومُ ليلاً منيراً

تحسدُ الشمسُ نورَه السرمديا

ثم غنّتهُ للّيالي نشيداً

ملأ الأفقَ صرخةً ودويا

إنَّ لحناً به الحسينُ تغنّى

سوفَ يبقى على المدى أبديّا

* * *

خيّمَ الصمتُ والحسينُ هديرٌ

أرهبَ الصحبَ منه ذاكَ المُحيّا

واستدارت حروفُه في شِفاهٍ

تصهرُ الروحَ عزمةً ومضيّا

__________________

(١) هو : الخطيب الفاضل السيد ضياء السيد عدنان الخباز ، ولد سنة ١٣٩٦ ه‍ في القطيف ، وفيها درس المقدمات الحوزوية والتحق بحوزة قم المقدسة سنة ١٤١٥ ه‍ ولا يزال يواصل دراسته العلمية ، وله مشاركة في النوادي الأدبية والدينية ومن تأليفه ١ ـ كتاب صفحات مشرقة من حياة الإمام السبزواري ٢ ـ مجموعة شعرية في المناسبات وغيرها ٣ ـ كتابات أُخرى.

٢٦٨

قال « اُفٍّ » وليته لم يقلْها

فبها ظلّ دهرُنا أمويا

ويدُ الموتِ خلفَهُ تنسجُ الموتَ

طريقاً إلى العُلى دمويا

قبّلتْها أنصارُه في هيامٍ

وجدوا الموتَ في الحسينِ هنيّا

قرأوا في الدماءِ جناتِ عدنٍ

صاغها اللهُ مرفأً أزليا

فمضَوا للخلودِ في زورق الطفّ

وخاضوا نهر الدماءِ الزكيا

ما ألذّ الدماء في نُصرةِ الله

إذا كان نبعُها حيدريّا

* * *

وتلاقتْ على الهدى بسماتٌ

لم يرعْها موتٌ يلوحُ جليّا

ضحكوا يهزؤون بالموتِ شوقاً

للقاءٍ يحوي الإمامَ عليّا

وانبروا للّقاء في سكرةِ الحُبّ

الإلهيِّ بالصلاة سويّا

وانقضى الليلُ وهو يرسمُ صبحاً

نحتَ اللهُ شمسَهُ في الثريّا

أطفأتْ وهجَهُ السيوفُ فما

زالت رماداً ولم يزل هو حيّا

ضياء الخباز

١٩ / شوال / ١٤١٦ ه‍

٢٦٩

(٢)

فصول من قصة الحسين عليه‌السلام

وغفا الليل في عيون الصحارىٰ

يتخفّىٰ في جفنها إعصارا

والعيونُ السمراءُ كانتْ رماداً

وهو تحت الجفون كان جِمارا

وإذا أقبلَ الصباحُ سيمت‍

‍دُّ ضباباً يخفىٰ لهيباً ونارا

فأعدَّ الحسينُ سيفاً من النور

ونحراً وثلةً أقمارا

هاتفاً يا ظلامُ ( أُفٍ ) فكم أطفأ

تَ فجراً وكم نحرتَ نهارا

ولقد آنَ أن تموت لتحيا

فوقَ أشلائِكَ الشموسُ العذارى

* * *

قصةُ الليل والحسين حَكاياتُ

جراحٍ تفجّرتْ أنهارا

قصةٌ لم تزل تتوّجُ عرشَ الفجر

نوراً وللشموس مدارا

فبها ينفخ الحسينُ فتسري

في شرايينها الحروفُ سكارى

قصةٌ صاغها الحسينُ ولولا

زينبٌ ما تمخّضتْ إعصارا

* * *

ورنت زينبُ البطولة في كفّ

أخيها سيفاً ونوراً ونارا

٢٧٠

يوقد النارَ للألى طعنوا الشمس

ونوراً للتائهين الحيارىٰ

يعزفُ الموتَ للحياةِ وكان

السيفُ في وحي صمته قيثارا

قرأت في عينيه من لغة الدمّ

حروفاً قد عاهدتُه انتصارا

ورأته يبني الشموخَ على أطلالِ

جُرحٍ لم يعرف الإنكسارا

ويريقُ الشريانَ شلالَ هديٍ

كانَ ينسابُ من يديه بحارا

فانبرت والرمالُ تسبقُها خَطواً

إلى الشمس قبل أن تتوارىٰ

إيهِ يا شمسُ لا تموتي فإنّا

ما ألفنا من غير شمسٍ نهارا

إن عزمتِ على الغروب فردينا إلى

موطن إشراقك لنحياكِ ثارا

وهنا المسرحُ الحسينيُّ قد

أسدل ستراً وأطفا الأنوارا

ضياء الخباز

٢٥ / ١٠ / ١٤١٧ ه‍

٢٧١

السيد ضياء الخباز

إعلان الشاعرية أمام ساحة التلقي شيءُ ، ومواجهتها للجهد النقدي فحصاً وإختباراً شيءٌ آخر ، بمشاركتين يثبت السيد ضياء الخباز بدايته كسائر في طريق الإبداع الشعري الطويل ، زوّادته الولاء والحب والعشق الإلهي ، وأدواته الألفاظ الرقيقة والتراكيب الرشيقة والصور الخلاّبة المشرقة .. ولعلّ في قصيدتيه أصداء من الآخرين نجح في إخفائها بتفوّقٍ ظاهر مما يحقق لديه نتائج قراءاته وإصغائه في شكلٍ يتداخل فيه نصّه الشعري مع نصوص الآخرين الشعرية في عملية تلاقحٍ منتج تفيد تجربته الواعدة وتغنيها فنرجو منه أن لا يستسلم لعوامل الإحباط والخيبة ، فالعملية الشعرية عسرة المخاض والولادة ولاتتأتّى لصاحبها بالهيّن من الجهد بل بالمثابرة والتواصل والمتابعة المستمرة.

ونحن نترك للقرّاء إكتشاف هذه الموهبة الواعدة من خلال نصّيه المدرجين.

٢٧٢

١٤ ـ الشيخ عبدالحسين الديراوي (١)

ليلة الحداد

يا ليلَ عَشرِ محرمٍ ألبستنا

ثوبَ الحدادِ فكلُّنا مثكولُ

وافيتنا بالنائباتِ وإنَّها

أمرٌ على كلِّ النفوس ثقيلُ

فجَّرْتها يومَ الطفوفِ عظيمةً

منها ربوعٌ قد بكت وطلولُ

حاربتَ مَنْ في فضلهم دون الورى

نطق الكتابُ ونوّهَ الانجيلُ

لما رأيتَ ابن النبي ونورَه

( عُرضُ الدُنى فيه زها والطولُ )

أمَّ العراقَ بِفتيةٍ من أهله

ليُقيمَ أمراً قد عراه خمولُ

أثقلتَ كاهلَه بها وأعَقْتَه

من أن يحقّقَ ما هو المأمولُ

ورميتَه بسهام غدرٍ ما ابتلى

فيها وصيٌ قبلَه ورسولُ

خَذَلَتْه أقوامٌ تسابقَ رُسْلُهم

منهم مُريحٌ عنده وعجولُ

برسائلٍ مضمونُها وحديثُها

أن ليس غيرُك للنجاةِ سبيلُ

إنّا لأمرك طائعون فقم بنا

فإلامَ يحكم في البلاد جهولُ

عجِّل فدتك نفوسُنا فكبيرُنا

وصغيرُنا لك ناصحٌ ووصولُ

__________________

(١) هو : الخطيب المعاصر الشيخ عبد الحسين عبد السادة الديراوي ولد في خوزستان وسلك في عداد خدّام المنبر الحسيني كما درس في الحوزة العلمية في قم المقدسة والأهواز ، وله ديوان شعر شعبي ( مطبوع ) أغلبه في واقعة الطف وله مشاركاتٌ في المناسبات الدينية وغيرها.

٢٧٣

تالله إن لم تستجب لندائنا

فالدينُ دين أميّةٍ سيؤولُ

ومن المدينة حين راح يحفّه

مَنْ مالَهم في العالمين مثيلُ

قد نُزِّهوا عن كل ما من شأنهِ

يُوري فهم لذوي العُلا إكليلُ

نزلوا بأرض الغاضرية فازدهتْ

من نورهم ليت المقام يطولُ

باتوا وبات ابن النبي كأنَّه

بدرُ السماء وذالكمْ تأويلُ

أحيىٰ وأحيوا ليلَهم بتضرّعٍ

وتبتُّل وعلا لهم تهليل

وغدا يودّعُ بعضُهم بعضاً فما

أحرى بأن يبكي الخليلَ خليلُ

حتى إذا ولَّى الظلامُ وأصبحوا

أُسداً تجول على العدى وتصولُ

شهدت ببأسهم الفيالقُ إذ رأتْ

موتَ الزؤام له بهم تعجيلُ

فكأنَّ يومَ النفخ آن أوانُه

وبه الموكّل أُعطيَ التخويلُ (١)

منهم تهيَّب جيشُ آل أميةٍ

وعرا الجميعَ تخاذلٌ وذهولُ

وَعَلَيهِمُ حام القضا فدعاهُم

داعي المنونِ وإنَّه لعجولُ

فهووا على حرِّ الصعيدِ وبعدَهم

نُكِبَ الهدى إذ ربُّه المثكولُ

أمَّ الخيام إلى النساء معزِّياً

ومودِّعاً فبدا لهنَّ عويلُ

وغدا يُسَلِّي الثاكلاتِ وهكذا

حتى هَدَأنَ فقام وهو يقولُ

(مَنْ ذا يُقدّمُ لي الجوادَ ولامتي

والصحبُ صرعى والنصيرُ قليلُ)

__________________

(١) في القيامة اقواءٌ واضح.

٢٧٤

١٥ ـ للشاعر الشيخ عبد الله آل عمران (١)

الليلة الخالدة

خَيَّمَ الليل والذوي صقيعُ

وسجودٌ وشاحُهُ وركوعُ

وجه السبطُ محورَ القلب يدعو

بالعباداتِ قدرَ ما يستطيعُ

ودعا اللهَ سيدُ الكون يرنو

أن يطيل الظلامَ ربٌّ سميعُ

خَيَّم الليلُ فالعبادة وهجّ

يتمنى أن لا يضيء الصديعُ

لا لأن الرحيل صعبٌ ولكن

عشق النسك فالفراق مروعُ

حيث لو خيَّروه بين جنان

أو رجوع لها لقال : الرجوعُ

* * *

قال يا صاحب إننا سوف نمضي

للمنايا وليس منها منيعُ

فانظروا كيف تصنعون فكلٌ

في اختيار إذا عصى أو يطيعُ

فتلقوه بالصمود ونادوا

يا ابن بنت النبي نحن الدروع

__________________

(١) هو : الشاعر الشيخ عبد الله بن أحمد بن مهدي آل عمران ، ولد سنة ١٣٩٠ ه‍ في جزيرة تاروت ـ القطيف ، أكمل دراسته الأكاديمة ، وحاز على شهادة البكالوريوس في العلوم الادارية من جامعة الرياض ، وله مشاركة في النوادي الأدبية والثقافية الدينية.

٢٧٥

فامض : فينا فان أرواحنا تف‍

ديك حتى يسيلَ النجيعُ

قال : قد هوَّم الظلامُ فهبّوا

نحو إحيائه فلبى الجميعُ

فَهُمُ بين قارئٍ ومصلي

في اشتياقٍ وقد براهمْ خضوعُ

هكذا كان ليلُهم في وداعٍ

ولذا ما غشي العيونَ هجوعُ

* * *

ها هنا فرقتان فالسبط والآ

لُ وسربالُها التقى والخشوعُ

وبنو الحقد والنفاق وتبدو

في نفوس وقد غشاها الخنوعُ

هذه أنفسٌ من القدس صيغتْ

ونفوسُ الأعدادِ بناها وضيعُ

وهنا العزُ والبسالةُ روحاً

وهمُ ساقهم جبانٌ جزوعُ

وهنا عفةٌ وصدقٌ وحلمٌ

وهناكَ الدها وغدرٌ فظيعُ

وهنا للفداء عنوانُ حقٍ

وهناك فنُ القذارات ريعُ

وهنا العطف والحنان تسامى

وهم ما نجى ـ لديهم ـ رضيعُ

وهنا تزدهي الصراحةُ شمساً

وهم خادع له مخدوعُ

هذه صفحةٌ من الطُهر صيغت

وعلى تلكم الهوى والميوعُ

واشترى الله أنفساً طاهراتٍ

لا تحابي بمبدأ أو تبيعُ

ها هم الصحبُ بالوفاءِ تسمّوا

فمجال الوفاء قطعاً وسيعُ

* * *

٢٧٦

قد بدا الحقدُ في ابن سعدٍ فجرماً

قد أتاه فساء منه صنيعُ

أسخطوا الوحي والسماءَ عليهمْ

إن حرب الحسين جرمٌ شنيعُ

ليس حرباً لشخصه بل لروحٍ

هي للدين أصله والفروعُ

فغذاً هذه الشموعُ ستدوّي

ذاك فوق الصعيد مرمى صريعُ

وعزيزٌ بكت عليه الثكالى

خضّبوهُ فسال منه النجيعُ

ونساءٌ يصحن إنا عطاشى

وأبو الفضل لليدين قطيعُ

وغداً تندب اليتامى لقتلي

صحْنَ قد ( قوض العماد الرفيعُ )

إنما هذه الضحايا ستبقى

وستهدي الأنام هذي الشموعُ

وسيبقى الحسينُ يجري بدمٍ

في عروقي فبالعبير يضوعُ

ويهيم الفؤاد في تلبياتٍ

كُلّما مرّ ذكرُهُ ويميعُ

ليلة السبطِ خلَّدت دينَ طه

حيث لولاه دينُ طه يضيعُ

عبد الله أحمد آل عمران

٢٠ / ١١ / ١٤١٦ ه‍

٢٧٧

الشيخ عبد الله آل عمران

القصيدة محاولة جادة بالأدوات الشعرية التوصيل رؤى الشاعر وتصوراته الخاصة عن ليلة عاشوراء ، وبطريقة تجريبية اختار الشاعر مساحة عريضة للتعبير ليفحص طول نَفَسه الشعري مع بحر مركّب التفعيلات متداخل الإيقاع هو بحر الخفيف وكذلك مع قافية صعبة المنال وعسرة الرويّ هي قافية حرف العين.

إن على الشاعر المتصدّي لإحياء أمر أهل البيت عليهم‌السلام أن ينتبه إلى أنه يطرح شعره أمام متلقين منصهرين النصوص ، فهم يتلون آيات القرآن الكريم في الصلاة وغيرها ، ويزورون الأئمة عليهم‌السلام بنص ، ويقرأون أدعيتهم بنصٍ أيضاً ، مما يجعل مساحة تعاملهم مع النصوص مساحة عريضة ، ودرجة تلقّيهم عالية التوتر ، فيجب الإلتفات إلى القابلية المتحصّلة لديهم لغرض تحقيق التوصيل الحامل للمتطلبات الفنية والأدبية والجمالية.

ونخلص إلى أن آل عمران مع حمله للبذرة الساحرة المسحورة التي تمكنه من الثبات والتفوق في الساحة الشعرية فقد حاول التعبير عن أحداث الليلة لاجئاً إلى التطابق الواقعي مع التفاصيل دون التطابق الفني فامتدّ نصه حين شرح التقابل بين المعسكرين لينتهي بعلاقته الشخصية بالإمام الحسين عليه‌السلام ويُقرر في النهاية قراراً نهائياً عن ليلة عاشوراء قائلاً :

ليلةُ السبطِ خلّدت دينَ طه

حيث لولاه دين طه يضيعُ

٢٧٨

١٦ ـ للشيخ عبد الله العوى القطيفي (١)

منازل كربلاء

فمضى يخبّر صحبه عما جرى

ويُبين للأمر المهول الأكبرِ

هذي الطفوف وذي منازل كربلا

أفما ترون لسابقي لم يجسر

قد قال جدي إنها أوطاننا

وبها تسيل دماؤنا كالأبحر

وبها تسام الخسف نسوة أحمد

وبها تصيب الدين طعنة أكفر

لكنّكم في الحلّ مني فارحلوا

من قبل ابلاج الصباح المسفر

قالوا له انت الصباح وسيره

فيه الصلاحُ لعاقلٍ مستبصر

ماذا نقول إذا أتينا أحمداً

وأباك والزهراء عند الكوثر

تفديك يا نفس الرسول نفُوسنا

وأقل شيءٍ أن تُراق بمحضر

فاصدع بأمرك تحظ قصدك عاجلاً

وترَ الصحيح من القتال الأكبر

لله در نفوسهم لمّا علوا

فوق السوابق والخيول الضمَّر

فكأنَّهم فوق الخيول كواكبٌ

تسمو على مرّيخها والمشتري

وكأنَّ خيلهمُ نجومٌ قد هوت

رجماً لشيطانٍ وكلّ مكفّر

لم يحسبوا رشق النبال أذَّيةً

كلا ولا طعن الرماح بمُذعر

ولكم أبادوا من عُصاةٍ ذادةٍ

لبسوا الدروعَ واقبلوا كالأنسُر

حتى قضوا ما بين مشتبك القنا

وبقي حسينٌ مفرداً لم يُنصر (٢)

__________________

(١) هو المرحوم الشيخ عبد الله بن الشيخ علي بن محمد بن علي بن درويش القطيفي المشهور بالعوى ، أحد أعلام القرن الثالث الهجري توفي سنة ١٢١٠ ه‍.

(٢) محرك الأشجان : للحاج أحمد العوى : ص ٥٥٨.

٢٧٩

١٧ ـ للشيخ عبد الكريم آل زرع (١)

العبق الفواح

أليلة عاشوراء يا حلكاً شَبَّا

حنينك أدرى من نهارك ما خبّا

وما خبّأ الآتي صهاريج أدهُرٍ

بساعَاتِه قد صبّ صاليَها صبّا

بساعات ليلٍ صرَّم الوجدُ حينها

يُناغي بها الولهان معشوقه حُبّا

يُقضِّي بها صحبُ الحسين دجاهُمُ

دَويّاً كمن يُحصي بجارحةٍ تعبى

لقد بيّتوا في خاطر الخلدِ نيةً

أضاءت دُجى التاريخ نافثةً شُهبا

وقد قايضوا الأرواح بالخلد والظما

برشف فرنْدٍ يحتسون به الصَّهبا

فواعظمهم أنصار حَقٍّ توغّلوا

إلى حِمِم الهيجاءِ واستنزفوا الصعبا

فأكبْر بهم عزّاً وأكرمْ بهم تُقىً

وأعظمْ بهم شُوساً وأنعمْ بهم صحبا

بهم ظمأٌ لو بالجبال لهدَّها

ولو بالصّخور الصُمِّ فتّتهّا تُربا

عزائمُهمْ لو رامت الشمسَ بُلِّغت

ولو رامت الأفلاك كانت لها تربا

وأعيُنُهمْ لا يَسبر الفكرُ غورَها

شُرودٌ بها قد حَيَّر الفِكرَ واللبّا

__________________

(١) هو : الشاعر الشيخ عبد الكريم بن مبارك آل زرع ، ولد في تاروت ـ القطيف سنة ١٣٨١ ه‍ ، يعمل حالياً في شركة ارامكو ، ولا يزال أيضاً يواصل دراسته الحوزوية في القطيف ، ومن نتاجه الأدبي القيّم ديوان شعر ( مخطوط ) أكثره في أهل البيت عليهم‌السلام ، وهو أحد النشطين بالمشاركة في النوداي الأدبية والدينية.

٢٨٠