ليلة عاشوراء في الحديث والأدب

الشيخ عبد الله الحسن

ليلة عاشوراء في الحديث والأدب

المؤلف:

الشيخ عبد الله الحسن


الموضوع : الشعر والأدب
الناشر: المؤلّف
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٣٢

يا ليلةً يا مخاضَ الدهرِ يا حِقباً

قدسيةً يا نضالاً مورقاً ذهبا

يا ليلة من عذابات مطرّزة

بالكبرياء شطبت المحل والجدبا

يا ليلة عمرها التاريخ أجمعه

والمجدُ أشرفُه بالعزّ ما اكتسبا

أو هي حركية سموّ ورفعة على الزمن بأيامه ولياليه كما عند السيد محمد شعاع فاخر :

أليل سجى في كربلاء أم الحشر ؟

تسامت به الأيام وافتخر الدهر

د ـ البعد الزمني المتقابل :

وهو بعد يقابل فيه الشاعر الليلة مع النهار كمفاهيم زمنية ليُخرِج الليلة من زمنيتها ولحظويتها كما عند الشاعر عبد الكريم آل زرع :

أليلة عاشوراء يا حلكاً شبّا

حنينكِ أدرى من نهارك ما خبّا

أما تقابل صفات الليل والنهار ، فبين السواد والبياض يعرض سعيد العسيلي ذلك :

هي ليلة كانت برغم سوادها

بيضاء تبعث في الهدى تغريدا

ه‍ ـ البعد التشكيلي :

وهو بعد الإستبطان وإعادة الصياغة والإنشاء التصويري للمفردات ، فالليلة تبدو فاجعة في إنعكاسها عند الشيخ علي الفرج ليصفها هكذا :

أنت يا ليلة إنخساف المرايا

في وجوه السنين والأحقاب

ويطالب الشاعر جواد جميل الليلة أن تُطفئ شموعه بدم الطفوف في تشكيل صوري بين سيولة الدماء واشتعال الشموع في تقابل ( الماء ـ النار ) من

٢٠١

العناصر الأربعة في جدلها عندما يخاطب الليلة قائلاً :

آهِ يا ليلة الأسى والدموعِ

أطفئي في دم الطفوف شموعي

وسنتوسع مع أحد أبيات الشاعر جاسم الصحيّح فيما بعد والذي يحقق هذا البعد أيضاً حين يقول :

يا ليلة كست الزمان بغابةٍ

من روحها قمرية الأدغالِ

أما الشاعر فرات الأسدي فقد خاطب الليلة عبر إخراجها عن دلالتها الزمنية إلى دلالة تشكيلية ملونة بلون النزيف حقّق فيها ظاهرة لغوية قرآنيّة في التلاوة تسمّى تعانق الوقف ، فبإمكاننا أن نقرأ بيته التالي :

فَناوِلي دمه يا ليلةً عبرتْ

إلى النزيف جريح الخطو منسكبا

إمّا أن تكون شبه الجملة ( إلى النزيف ) عائدةً إلى ( يا ليلةً عبرت ) أو عائدةً إلى ( فناولي دمه ) لتندمج بذلك حالتا التشكيل الرؤيويّة واللفظيّة كما هو معهود عنده.

٢٠٢

القسم الثاني : ظاهرة الإستحضار الحسي

بعد أن يتم الإتصال بين الشاعر ـ في لحظته الزمنية الهشّة .. وبين الواقعة التي تكرّست كموقف وجودي للإنسان النوعي في لحظتها الزمنية الخارجة على التسلسل الطبيعي لسيرورة الزمن ـ يقرّر الشاعر أن يشتغل على إستحضار الهيئة الحسيّة أو الشعورية للواقعة ، فيكون هناك مفترق طرق في أساليب التناول والمعالجة.

ولأن الواقعة أرسلت تفاصيلها رسالة إليه ( عبر نظام إتصال ماديّ ـ كتب المقاتل والسير والتأريخ عادة ـ ضمن سياق تاريخي حاضر يؤطرها ويحميها ويؤمّن توصيلها كمعنى حيوي وطازج ، إضافة إلى وجود شفرة شفافة موجّهة ومحفزة لانتباه المتلقي للرسالة ) عبر طريق إتصال كتابي ، فسيكون الإشتغال على الوثيقة المكتوبة الناقلة للواقعة كظاهرة لغوية فإما أن يطابقها باستنساخ فوري على ورقة أخرى ـ إن صح التعبير ـ أو أن لا يفعل ذلك ، ولغرض فحص هذه الفرضية سنتعرض ـ على مستوى الإمتداد التطبيقي للفرضية ـ إلى محطتين أو موقفين من مواقف ليلة عاشوراء الحافلة بالمواقف لنلاحظ كيف عالج الشعراء هذين الموقفين في شعرهم :

٢٠٣

محطة ( اتخاذ الليل جملاً )

نبدأ أولاً بالنص الذي حاور به الإمام الحسين عليه‌السلام أصحابه ليلة العاشر من المحرم ليتركوه وحده للأعداء في نص يحمل كلّ أسرار البلاغة العلوية حين قال لهم : ( هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملاً ).

فسنرى كيف تناول الشعراء مقطعاً منه تحديداً وإختصاراً وهو نص ( فهذا الليل فاتخذوه جملاً ) فعند محاولة استحضاره وأستضافته سيكون هناك استحضاران للأداء الشعري المقابل في صيغة إعادة إنتاج أو مقاربة متدرجة وهما :

١ ـ الإستحضار اللفظي :

في هذا الجزء من النصّ الأصلي ثلاث كلمات هي ( الليل ، فاتخذوه ، جملاً ) وبما أن السياق الذي جاءت فيه هذه الكلمات في النص هو سياق الخطاب النثري غير الموزون فسوف يقرّبه الشعراء إلى واقع النظم وفقاً لمتطلبات الأوزان العروضية التي سيستخدمونها ، وسنقسّم هذا الإستحضار اللفظي وفقاً لوجود الكلمات الثلاث إلى :

أ ـ لفظي تام :

إستطاع الشعراء أن يستخدموا الكلمات الثلاث فيه ومنهم الشيخ هادي آل كاشف الغطاء في إرجوزته حيث قال من بحر الرجز :

٢٠٤

الليل قد أجنّكم وأقبلا

فاتخذوه للنجاة جملا

وكذلك السيد محد رضا القزويني حيث قال من بحر الرمل :

أقبل الليل ألا فاتخذوه جملاً فالستر أحرى ...

ب ـ لفظي ناقص :

إستخدم الشيخ عبد المنعم الفرطوسي لفظة ( الظلام ) بدلاً عن لفظة ( الليل ) لمقتضيات عروضية إقتضاها النظم على بحر الخفيف فقال :

جنّ هذا الظلام فاتخذوه

جملاً للنجا وأضفى غشاء

ومن بحر الكامل قال السيد محسن الأمين في قصيدته ( همم على هام النجوم ) :

جاء المسا فدعاهمُ قوموا اذهبوا

فالليلُ ستر جهرهُ إخفات

وقال في قصيدته الاُخرى بعد أن إستبدل لفظة ( الليل ) بلفظة ( المساء ) ولم يذكر الكلمتين الأخريتين :

وأتى المساء وقد تجهّم وجهه

واليوم محتشد البلاء عصيبُ

قال اذهبوا وانجوا ونجّوا أهل‍

بيتي إنني وحدي أنا المطلوب

وقال السيد أحمد العطار بعد إبداله نفس اللفظة بلفظة ( الدجى ) ولم يذكر غيرها أيضا من بحر الخفيف :

إذهبوا فالدجى ستير وما الوقت

هجيراً ولا السبيل خطيرا

وكذلك الشيخ محمد سعيد المنصوري باستبدالها بلفظة ( الغروب ) ولم يذكر غيرها أيضاً من بحر الخفيف :

٢٠٥

قال يا صحبي الكرام وفيتم

فاذهبوا في ظلام هذا الغروب

ومن الشعراء من ذكر لفظة ( الليل ) دون غيرها كما فعل الشيخ ابن مغامس من بحر الطويل :

ألا فارحلوا فالليل مرخٍ سدوله

عليكم ومنهاج البسيطة خالِ

وكذلك فعل الشاعر بولس سلامه من بحر الخفيف :

وخذوا عترتي وهيموا بجنح الليل

فالليل درعكم للنجاة

وكذلك الشاعر ابن الخلفة من بحر الكامل :

قوموا بحفظ الله سيروا واغنموا

ليلاً نجاة النفس قبل فواتها

وكذلك العسيلي في ملحمته من بحر الكامل :

هذا سواد الليل مدّ ظلامه

وجناحه من فوقكم مسدول

هيا إذهبوا إن الفلاة وسيعة

وجبالها حصن لكم ومقيل

وكذلك الشيخ النصيراوي من بحر البسيط :

ويعجب الناس أن الليل حين بدا

يمدّ جنحاً من الظلماء محتدما

قال الحسين لهم : خفّوا على عجل

فما سواي أراد المعتدون دما

وممن إستبدل لفظة ( الليل ) بتركيب ( قبل الصبح ) الشيخ لطف الله الحكيم فقال من بحر الكامل :

يا قوم من يُردِ السلامة فليجدَّ

السير قبل الصبح وليترحّلِ

٢ ـ الإستحضار المعنوي :

جرى التفاعل هنا مع الصورة البصرية لاتخاذ الليل جملا ، فاستحضرت هيئة

٢٠٦

الركوب المجازية التي قالها الإمام الحسين عليه‌السلام ببلاغة التركيب المنتج للمعنى فتمّ للشاعر نزار سنبل باستحضار لفظي ناقص ـ كما أسميناه ـ أن ياتي باستحضار معنوي فيه الكثير من دقة المعنى فقال بعد أن مهّد لقوله بصورة مركبة عن إرتداء الدرب :

إرتدوا الدرب في الخفاء سراعاً

وإركبوا الليل أيّها الأزكياء

على أن الشاعر محمد سعيد المناميين يتوسّع مع قرينة الركوب ليفصّلها ويفكّكها إلى أدواتها ، ويوصل الركوب إلى الإمتطاء فيخصصه لأن الإمتطاء يكون ركوباً على ظهور الحيوانات فقط ليطابق مع لفظة النص ( جملا ) معنوياً ويستبدل لفظة ( الليل ) بلفظة ( الظلام ) وهو المطلوب من الليل في حديث الإمام الحسين عليه‌السلام.

لكن المناميين يتوغل في مطابقة المعنى بإيراده للفظة ( صهوة ) وأضاف ( الظلام ) اليها ، ليحسن لديه جمال التركيب أيضاً إضافة إلى الإيجاز والتمكّن من حصر كل هذا في مجزوء الخفيف حيث قال :

فامتطوا صهوة الظلامْ

أسرعوا لا تلفّتوا

محطة ( دويّ النحل )

بعد أن رأينا التعامل مع الصورة البصرية فيما سبق سنتناول الآن صورة ( دويّ النحل ) السمعية ، ومع إن استحضار الواقعة التاريخية يجري عادة على المستوى الشعوري حسّاً وانفعالاً ، فإن الصورة البصرية تكون قريبة الاثر في الاستحضار أكثر من الصورة السمعية لأسباب تتعلق بطبيعة حاسة البصر وقابليتها التخييلية فهي

٢٠٧

تعطي الإنفعال مساحة أوسع من قابلية حاسة السمع على ذلك ، نظراً للمسحة الموضوعية الدقيقة التي تتمتع بها السمعيات.

فالسمع والمسموعات أكثر عقلنة ـ إن صح التعبير ـ من البصر والمرئيات. وفي موضوع معالجتنا للصورة السمعية التي تناولها شعراء المجموعة سنفترض وجود اسلوبين من الاستحضار هما :

١ ـ الإستحضار المقترب :

وهو استحضار تدرّج في الاقتراب من اللفظ على الأقل وورد على نوعين :

أ ـ مقترب مطابق :

وهو إستحظار جاء فيه التركيب كاملاً ( دويّ النحل ) مثلما أورده الشيخ هادي كاشف الغطاء في إرجوزته :

لهم دويّ كدويّ النحل

من ذاكر لله أو مصلِّ

وجاء في ملحمة ( أهل البيت عليهم‌السلام ) للشيخ الفرطوسي :

كدويّ النحل ابتهالاً ونجوى

لهم في غياهب الظلماء

أو إستخدام السيد محمد رضا القزويني له في :

ولهم فيها دويّ كدويّ النحل قد غادر وكرا

أو الشيخ محمد حسين الأنصاري حين قال :

ودويّ كالنحل في صلوات

لو أتوها على الوجود لزالا

أو السيد الأمين في قصيدته ( همم على هام النجوم ) :

٢٠٨

بات الحسين وصحبُه من حوله

ولهم دويّ النحل لمّا باتوا

ب ـ مقترب غير مطابق :

وهو في إستحضار جزء من التركيب لمتطلبات ومقتضيات جعلته هكذا كما في بائية السيد محسن الأمين :

باتوا وبات إمامهم ما بينهم

ولهم دويٌّ حوله ونحيب

أو الشيخ محمد سعيد المنصوري عندما أورده ناقصاً :

ثم باتوا لهم دويّ تعالى

بالمناجاة للإله المجيب

وكذلك فعل الشيخ عبد الكريم آل زرع :

يقضّي بها صحب الحسين دُجاهم

دويّاً كمن يُحصي بجارحة تعبى

٢ ـ الإستحضار المُزاح :

وهو استحضار يتمثّل اللحظة جمالياً من خلال طاقتها الصوتية ويتمادى أحياناً في إستخدام جزء صغير من الظاهرة الصوتية وهو إهتزاز الحبال الصوتية فيركّب صورة ذهنية مرتبطة بالجوّ العام لكنها مزاحة بالكامل عن ألفاظها في النص ، مثل هذا الإستخدام ورد في قصيدة فرات الأسدي ( الليلة الآخرة ) :

عكفت تشحذ للموت نصالا

أو تهزّ الليل ذكراً وابتهالا

أو تتم الإزاحة إلى ظاهرة صوتية طبيعية أخرى عبر إستحضار مقترب غير مطابق كما عند الشيخ المصلّي عندما أزاح النحل عن الدويّ ليشكل صورة أخرى بربطه للدويّ بالنهر في إنشاء تصويري يفيض إيحاءً وترميزاً فيقول :

٢٠٩

في دويّ كالنهر يملؤه التسبيح

ينساب من رُبى شلال

لكن الإزاحة عند الشيخ علي الفرج جاءت متشابكة مع الإقتراب المطابق حيث استخدم التركيب كاملاً ( دويّ النحل ) وأضاف اليه ظاهرة الإهتزاز أيضاً ليصورهما في بيت محبوك بحنكة ودراية وتأمل :

عجب أن أرى لديك ( دويّ النحل )

يهتزّ من اسود الغاب

وقُصارى القول أن التحام الشاعر مع هذه الليلة الجليلة القدر يتم بوجل وخوف وخصوصاً عندما يتم اختيار الشعر لتوثيق الواقعة أو توصيلها بشكلها الشعري ، فكما هو معلوم ، فالشاعر ليس مدوّناً ولا موثّقاً ولا مسجّلاً للأحداث ، لكنه كائن نوعي ينفعل بواقعة عظيمة فيختار أن يوصلها عبر قنوات التعبير الفني والجمالي.

٢١٠

٢١١
٢١٢

١ ـ للشيخ ابراهيم النصيراوي (١)

ليلة الحزن

يا ليلةَ الحزنِ خُطي للنُهى علما

فقد كتبناكِ في أعماقِنا ألما

ثارت بك الاُسدُ والعلياءُ مقصدُها

لِتحصُدَ الغيَّ مِمن عاثَ أو ظلما

هزَّتْ عروشَ بني سفيان قاطبةً

ًبصرخةٍ أسمعت من يشتكي الصمَما

قومٌ قليلونَ لكن عزمهُم جبلٌ

إذا دنا السيفُ منهم رنَّ وارتطما

اُولاءِ سُلاّكُ دربٍ قصده وهجٌ

مِنَ الضميرِ يرى فيض الدما نِعَما

يحدو بهم للمنايا نصرُ مبدئِهم

فعانقوا الفجرَ يَسقونَ العدى حِمما

ما زّل يوماً لهم في موقف قدمٌ

وما أقرّوا على ظُلمٍ لِمَنْ حكما

يستبشرون وهم في ليلةٍ مُلئتْ

رُعباً كأنّ المنايا كانت الحُلما

جَنَّ الظلامُ وأرضُ الطفِ مشرقةٌ

بأوجهٍ لم يُخالِط حُسنها السأما

تدنو المنيةُ والأصحابُ في شُغلٍ

عن الحياةِ ولم يَبدو لها ندما

ويعجبُ الناسُ إنّ الليلَ حين بدا

يَمدُّ جُنحاً من الظلماءِ مُحتدما

قال الحسينُ لهم خُفّوا على عجلٍ

فما سوايَ أرادَ المعتدونَ دما

__________________

(١) هو : الخطيب الشاعر الفاضل الشيخ إبراهيم بن علوان النصيراوي ، ولد سنة ١٣٧٦ ه‍ في محافظة العمارة ـ العراق ، أكمل دراسته الأعدادية ثم التحق بالحوزة العلمية في النجف الأشرف عام ١٣٩٩ ه‍ ، وبعد أن أكمل مراحلها الأولى حضر درس السيد الخوئي قدس‌سره ، ومن تأليفاته : ١ ـ حديث كربلاء ٢ ـ القواعد النحوية ٣ ـ أعلام الفقهاء ٤ ـ ديوان شعر ( مخطوط ) ، وله مشاركات في النوادي الأدبية والثقافية والدينية.

٢١٣

هَبّوا وأعُينهم بالدمعِ ناطقةٌ

واللهِ دونكَ نرجو الساعةَ العدما

لو قطَّعونا بأسيافٍ لهم إرباً

لَما رضخنا ونمضي للفدا قُدُما

إنَّا على العهد لم نخذلكَ في غدنا

وكيفَ يخذلُ مَنْ في حُبكم فُطما

* * *

ثم انثنى لبناتِ الوحي ينظُرها

رأى الجلال على تلك الوجوهِ سَما

قد جلّلتهُنّ أيدي المكرماتِ فما

أرجفنَ في القول أو ثبَّطن من عزما

تقودهُنَّ إلى العلياءِ زينبُهمْ

تلك التي ورثت من حيدرٍ عِظما

قد ودّعت إخوةً عزّت نظائرُها

بأدمُعِ البِشرِ منها سالَ وانتظما

تضمُّ في كفّها قلباً لها وَجِلاً

وعَزمُها يتحدى ظالماً رَغما

تحكي علياً ويومُ الروعِ يعرفُه

يُعطي البسالةَ حقاً صارماً وفَما

ما احتجّ إلا وكان الندُّ مُنكسراً

أو كرَّ إلاّ وكان الخصمُ مُنهزِما

وهؤلاء بنوه الوارثون أباً

بسيفه وبه جبريلُ قد قسما

هُم هؤلاء لهم يهوى العُلا شرفاً

هُم هؤلاءِ رقوا في مجدهم قِمما

قد جَنّهم ليل حزنٍ حاملاً غُصصاً

لو مَست الطودَ أضحى صَلدُه رِمما

جيشانِ جيشٌ يحاكي الشمسَ منظرُه

وآخرٌ راح في درب الضلال عمى

يُعمّرون لهم ديناً على وهمٍ

وإنَّ أخسر شيءٍ من بنى وهما

إبراهيم النصيراوي

٨ / ذو القعدة / ١٤١٦ ه‍

٢١٤

الشيخ إبراهيم النصيراوي

هناك قلّة من خطباء المنبر الحسيني من يستطيع أن يفلت من متطلبات الخطابة عندما ينظم ، فهم ـ ومنهم النصيراوي ـ ذوو حس يتفوق عليهم فيوظّفون كل معارفهم لخدمة هذه الوسيلة المباركة للإتصال المحاطة بالعناية الإلهية المسددة.

فلا محيص من التسليم بنفور الشعر من أن يصغي ويعمل وفقاً لشروط ومتطلبات من خارج قوانينه ، فلذا تتميز القصيدة المنبرية بمميّزات سنشرحُها عندما نتعرض لنصوص الشيخ محمّد سعيد المنصوري وإني آمل من خلال معرفتي برغبة ونزوع الشيخ النصيراوي لتطوير قابليته الشعرية والخطابية أن يكون من القلّة من الخطباء الشعراء.

وأنوّه أن للنصيراوي قصائد ولائية أخرى نلمس فيها بدقةٍ هذا المنحى الذي لا نجده في قصيدته هذه عن ليلة عاشوراء.

٢١٥

٢ ـ للشيخ ابن حمّاد رحمه‌الله

وفاء الأصحاب

لست أنساهُ حين أيقن بالموت

دعاهم فقام فيهم خطيبا

ثم قال الحقوا بأهليكُم إذ

ليس غيري أرى لهم مطلوبا

شكر الله سعيكم إذ نصحتم

ثم أحسنتم لي المصحوبا

فأجابوه ما وفيناك إن نحن

تركناك بالطفوف غريبا

أي عذرٍ لنا يوم نلقى

الله والطهر جدّك المندوبا (١)

حاش لله بل نواسيك أو يأخذ

كلّ من المنون نصيبا

فبكى ثم قال جوزيتم الخير

فما كان سعيكم أن يخيبا

ثم قال اجمعوا الرجال وشبّوا

النار فيها حتى تصير لهيبا

وغدا للقتال في يوم عاشوراء

فأبدى طعناً وضرباً مُصيبا

فكأنّي بصحبه حوله صرعى

لدى كربلا شباباً وشيبا (٢)

__________________

(١) هكذا ورد في المنتخب وواضح أن صدر البيت جاء على مجزوء المتدراك المرفّل أي ( فاعلن فاعلن فاعلاتن ) وليس من بحر الخفيف الذي نظمت عليه القصيدة.

(١) المنتخب للطريحي : ص ٣٩٩ ـ ٤٠٠.

٢١٦

٣ ـ للشيخ ابن مغامس رحمه‌الله

الإمام المفدّى

فديتك من ناعٍ إلى الناس نفسَهُ

وموذنِ أهليه بوشكِ وبالِ

كأن حياةَ النفسِ غير أحينةٍ

فمالك لا ترنو لها بوصالِ

لعمرك إن الموتَ مُرٌّ مذاقُه

فما بالُ طعم الموتِ عندك حالي

فديتُ وحيداً قد أحاط برحلهِ

لآل أبي سفيان جيشُ ظلالِ

يقول لأنصارٍ له قد أبحتُكُمْ

ذمامي وعهدي فاسمعوا لمقالِ

ألا فارحلوا فالليلُ مرخ سدولَهُ

عليكم ومنهاجُ البسيطةِ خالِ

فمالهم من مطلب قد تألَّبوا

عليه سوى قتلي ونهبِ رحالي

فقالوا جميعاً ما يُقال لنا وما

نقولُ جواباً عندَ ردِّ سؤالِ

تقيكَ من الموتِ الشديدِ نفوسُنا

ويرخصُ عندَ النفسِ ما هو غالِ

أمِنْ فَرَقٍ نبغي الفريق وكلُّنا

لأولاده والعيش بعدك قالِ

فطوبى لهم قد فاز والله سعيُهُم

فكلُهم في روضةٍ وظلالِ (١)

__________________

(١) المنتخب للطريحي : ص ٣٠١.

٢١٧

٤ ـ للسيد أحمد العطار (١) رحمه‌الله

اللؤلؤُ المنثور

لست أنسى إذ قام في صحبه

ينثر من فيه لؤلؤاً منثورا

قائلاً ليس للعدى بغية غيري

ولا بُدَّ أن أردّى عفيرا

اذهبوا فالدجى ستيرٌ وما الوقت

هجيراً ولا السبيل خطيرا

فأجابوه حاش لله بل نفديك

والموت فيك ليس كثيرا

لا سلمنا إذن اذا نحن اسلم‍

ناك وتراً بين العدى موتورا

أنخليّك في العدو وحيداً

ونولّي الأدبار عنك نفورا

لا أرانا الإله ذلك واختا

روا بدار البقاء مُلكاً كبيرا

بذلوا الجهد في جهاد الأعادي

وغدا بعضهم لبعض ظهيرا

ورموا حزب آل حرب بحربٍ

مأزقٌ كان شرّهُ مستطيرا

كم أراقوا منهم دماً وكأيٍّ

من كمّيٍ قد دمّروا تدميرا

فدعاهم داعي المنون فسّروّا

فكأن المنون جاءت بشيرا

__________________

(١) هو : الحجة الفاضل السيد أحمد بن محمد بن علي بن سيف الدين الحسني البغدادي الشهير بالسيد أحمد العطار ، ولد في النجف الاشرف سنة ١١٢٨ ه‍ ، كان فاضلاً فقيهاً اصولياً رجالياً ، أديباً شاعراً ، عَلماً من اعلام عصره ، وله مؤلفات في الفقه والأدب منها ١ ـ التحقيق في الفقه ٢ ـ اصول الفقه في مجلدين ٣ ـ رياض الجنان في اعمال شهر رمضان ٤ ـ الرائق في الشعر والأدب ، توفي عليه الرحمة في النجف الاشرف سنة ١٢١٥ ه‍ راجع : ادب الطف للسيد جواد شبر : ج ٦ ص ٦٩ ـ ٧٠.

٢١٨

فاجأبوه مسرعين إلى القتل

وقد كان حظهم موفورا

فلئن عانقوا السيوف ففي مق‍

عدِ صدقٍ يُعانقون الحورا

ولئن غودروا على الترب صرعى

فسيجزون جنةً وحريرا

وغداً يشربون كأساً دهاقا

ويُلقّون نظرةً وسرورا

كان هذا لهم جزاءً من

الله وقد كأن سعيهم مشكورا

فغدا السبط بعدهم في عراص الطف

يبغي من العدو نصيرا

كان غوثاً للعالمين فأمسى

مستغيثاً يا للورى مستجيرا

فأتاه سهمٌ مشومٌ به انقضّ

جديلاً على الصعيد عفيرا

فأصاب الفؤاد منه لقد

اخطأ من قد رماه خطأً كبيرا

فأتاه شمرٌ وشَمّر عن سا

عد أحقاد صدره تشميرا

وارتقى صدره اجتراءً على

الله وكان الخبُّ اللئيم جسورا

وحسين يقول ان كنت من يجهل

قدري فاسأل بذاك خبيرا

فبرى رأسه الشريف وعلاّ

ه على الرمح وهو يُشرق نورا

ذبح العلمَ والتقى إذ براه

وغدا الحقّ بعده مقهورا

عجباً كيف تلفح الشمس شمساً

ليس ينفك ضوؤها مستنيرا

عجباً للسماء كيف استقرت

ولبدر السماء يبدو منيرا

كيف من بعده يضيء أليس البدر

من نوره وجهه مستعيرا

غادروه على الثرى وهو ظل الله

في أرضه يقاسي الحرورا (١)

__________________

(١) أدب الطف للسيد جواد شبر : ج ٦ ، ص ٦٤ ـ ٦٦.

٢١٩

٥ ـ للأُستاذ بولس سلامه (١)

(١)

مناجاة الحسين عليه‌السلام

ناولوني القرآن قال حسين :

لذويه » وجدَّ في الركعاتِ

فرأى في الكتاب سِفرَ عزاءٍ

ومشى قلبه على الصفحاتِ

ليس في القارئين مثلُ حسينٍ

عالماً بالجواهر الغالياتِ

فهو يدري خلف السطور سُطوراً

ليس كلُ الأعجاز في الكلماتِ

للبيان العُلوي ، في أنفُس الأطهار ،

مسرى يفوقُ مسرى اللغاتِ

وهو وقفٌ على البصيرة ، فالأبصارُ

تعشو ، في الأنجم الباهراتِ

يقذف البحرُ للشواطىء رملاً

واللآلي تغوص في اللُّجاتِ

والمصلُّون في التلاوة أشباه

وإنَّ الفروق بالنيّاتِ

فالمناجاة شعلةٌ من فؤادٍ

صادق الحس مُرهف الخلجاتِ

__________________

(١) هو : الأديب اللبناني الكبير الأستاذ بولس سلامه ،ولد سنة ١٩١٠ م في قضاء جزين ـ لبنان ، درس الحقوق في الجامعة اليسوعية ، وعمل قاضياً سنة ١٩٢٨ م ، وتوفي سنة ١٩٧٩ م ، له عدة دراسات أدبية وفكرية معروفة ، من مؤلفاته : ١ ـ أيام العرب ( ملحمة ) ، ٢ ـ عيد الغدير ( ملحمة إسلامية ) ، تناول فيها سيرة أهل البيت عليهم‌السلام في أهم ما يتصل بهم واختتمها بمأساة كربلاء ، وقد أنتج هذه الملحمة على فراش الألم كما يُذكر ، وذلك باقتراح من المرحوم الحجة السيد عبد الحسين شرف الدين قدس‌سره.

٢٢٠