بحوث في الملل والنّحل - ج ٨

الشيخ جعفر السبحاني

بحوث في الملل والنّحل - ج ٨

المؤلف:

الشيخ جعفر السبحاني


الموضوع : الفرق والمذاهب
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
المطبعة: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
الطبعة: ٢
ISBN: 978-964-357-272-3
الصفحات: ٤٥٣
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

٢. القضاء والقدر لا يسلبان الاختيار

إنّ القضاء والقدر من العقائد الإسلاميّة التي لا محيص لمسلم عن الاعتقاد بهما ، غير أنّ البحث فيهما ينصّب على نكتة مهمة وهي هل أنّهما يسلبان الاختيار أو لا ؟

فالظاهر من أهل السنّة ، إلّا مَنْ شذَّ ، تفسيرهما على وجه يسلبان الاختيار ، على خلاف ما ذهبت إليه العدليّة.

والإسماعيليّة تُثبت القضاء والقدر حقيقةً لا مجازاً ، ولكنها تُنفي كونهما سالبين للاختيار.

يقول الداعي علي بن محمد الوليد : القضاء والقدر حقيقة لا مجاز ، ولهما في الخلق أحوال على ما رتب الفاعل سبحانه ، من غير جبر يلزم النفوس الآدمية الدخول إلى النار أو الجنة.

إلى أن قال : إذ لو كان كذلك لذهبت النبوات والأوامر المسطورات في الكتب المنزّلة ، في ذم قوم على ما اقترفوه ، ومدح قوم على ما فعلوه.

ثمّ إنّه فسّر القضاء بمعنى الفراغ ، والأمر ، والخبر ، والفعل ، والوصيّة ، وأرجع الجميع إلى معنى الفراغ.

وأمّا القدر : فقد فسّره بأنّه من المقدار ، والتقدير ، والترتيب ، ثمّ جعل له تفاسير ثمانية ، ومن أراد فليرجع إليه. (١)

وقد نقل في آخر الفصل رسالة الحسن البصري إلى الحسين بن علي عليهما‌السلام يسأله عن القضاء والقدر ، كما نقل جواب الإمام إليه ، وقد جاءت هذه الرسالة أيضاً في كتاب « تحف العقول » للحلبي الحراني مع اختلاف يسير.

______________________

١. تاج العقائد : ١٧٩.

٢٠١
 &

الإسماعيلية والأُصول الخمسة

٣

عقيدتهم في النبوة

١. النبوّة أعلى درجات البشر

النبوّة : عبارة عن ارتقاء النفس إلى مرتبة تصلح لأن يتحمل الوحي.

يقول الداعي علي بن محمد الوليد : إنّ الرسول الحائز لرتبة الرسالة ، لا ينبغي أن يكون كمالاً يفوق كماله ولا علماً يخرج عن علمه ، وأنّه الذي به تكون سعادة أهل الدور من أوّله إلى آخره ، وأنّ السعادة الفلكيّة ، والأشخاص العاليّة ، والمؤثرات ، خدم له في زمانه.

والوجود مكشوف له ، وبين يديه ، فنظره ثاقب ، وإحاطته كلّية ، وحدود أوضاعه مبرّأة من النقص ، وجميع ما يأتي به محرر ، لا يحتاج إلى زيادة ، وأقواله لا تردّ ، ولا يوجد فيما ينطق به خلل ، وجوهره المقدّس نهاية في الشرف ، وأنّ القوة الملكية عليه أغلب وحواسه خادمة لنفسه ، وعقله لا ينظر إلّا إلى أوامر الله تعالى خالقه ، وأنّه في نهاية من المنازل من مولودات العالم في حسنه. (١)

٢. الرسالة الخاصة والعامة

إنّ الرسالة على ضربين : خاصّة ، وعامّة.

______________________

١. تاج العقائد : ٥٧ ـ ٥٨.

٢٠٢
 &

فالرسالة العامّة شاملة طبعاً ، وعقلاً ، ولولا الرسالة الأُولى العامّة ، لن تُقبل الرسالة الخاصّة ، وذلك لأنّه تعالى خلق الصورة الآدميّة ، وأكمل منافعها ، وسوّاها على أحسنِ هيئة ، ووضع فيها العقل الغريزي ، الذي إليه ترجع أحوال الصورة لنيل منافعها ، فهو الرسول الأوّل المُعدُّ لقبول أمر الرسول الثاني ، الخاص لمنافع النفس في الآخرة ، مثلما كان الأوّل لمنافع الدنيا ، وعلى الأوّل يعول في الاغتذاء ، وطلب المصالح بغير ثواب ولا عقاب ، إذ هو أمرٌ بديهي لمنافع الصورة ، وعلى الثاني يكون الحساب والعقاب ، إذ هو أمرٌ ربّانيّ ، يدعو إلى دار غير دار الطبيعة.

إلى أن قال :

فإذا أظهر الرسول الرسالة ، كانت الفضيلة على المستضيء المنتفع بها ، وذلك القادح هو الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى الخلق وحجّته على أهل زمانه ، وهو لسانه فيهم ، وترجمانه في العالم السفلي بأسره ، والمتبحّر أبداً في الحكمة. (١)

أقول : إنّ تسمية العقل الإنسانيّ بالرسول لا يخلو من شيء ، والأولى تسميته بالحُجّة الباطنة ، في مقابل الحجّة الظاهرة ، الذي هو النبي.

٣. الوحي

إنّ الوحي : إلهام خاص بالأنبياء والمرسلين ، إذا كانت لغاية التشريع ، وتبيين الوظائف لمن بعثوا إليهم ، وله طرق ثلاثة ، جاء في الذكر الحكيم ، قال سبحانه :

﴿ وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّـهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ ﴾. (٢)

______________________

١. تاج العقائد : ٤٨ ـ ٥٠.

٢. الشورى : ٥١.

٢٠٣
 &

وأمّا الوحي عند الإسماعيليّة ، فيقول الداعي علي بن محمد الوليد : إنّ الوحي : هو ما قبلته نفس الرسول من العقل ، وقبله العقل من أمر باريه ، ولم يخالفه علم تألفه النفس الناطقة ، بقواها ، ثمّ تتأمّل منه النفس ما ليس لها استنباطاً بذاتها ، ولا تستخرجه بفكرها ، وتكون فيه غاية لسداد قصدها ، ومصلحة لجميع أمرها.

إلى أن قال : والفرق بين الوحي وغيره من سائر العلوم ، أنّ الوحيَ يرد على من يوحىٰ إليه مفروغاً منه ، قد استغنى عن الزيادة فيه والنقصان منه ، كما يقع الصحيح للمستمع من المتكلم ، وصفه ومعناه خارجين عن قدرة من جاء به ، وليس كذلك العلوم ، لأنّها تكون بالمقايسة ، وكثرة الذّوبِ فيها ، وإعمال الفكر و الرّويّة والتأليف والتحرير. (١)

ثمّ للداعي الكرماني كلام مفصّلٌ في الوحي لا يخلو من تعقيد. أعرضنا عن نقله. (٢)

٤. في أنّ الأنبياء لا يولدون من سِفاح

يقول علي بن محمد الوليد : إنّ الأنبياء والأئمّة عليهم‌السلام لا يلدهم الكفّار ، ولا يولدون من سِفاح ، ثمّ استدلَّ ببعض الآيات ، وما جاء في التاريخ في حقّ عبد المطلب وأبي طالب. (٣)

٥. في صفات الأنبياء

يقول الداعي الكرماني : المؤيد المبعوث مجمع الفضائل الطبيعيّة ، التي هي

______________________

١. تاج العقائد : ٤٧ ـ ٤٨.

٢. راجع راحة العقل : ٤٠٩ ـ ٤١٠.

٣. تاج العقائد : ٥١.

٢٠٤
 &

أسبابٌ في نيل السعادة الأبديّة ، وهو فيها على أمر يكون به على النهاية في جميعها ، من جودة الفهم والتصوّر لما يشار إليه ويومأ ، ومن جَودة الحفظ لما يراه الخاطر والعين على تباينه ، ويدركه السمع من الصوت على اختلافه ، ومن جودة الفِطنة والذكاء والتوقّد فيهما ، ومن جودة الذكر ، ومن جودة الأعضاء وسلامتها ، والقدرة على التأنّي بمعاناة أُمور الحرب ومباشرتها والصبر عليها ، ومن جودة الفطرة والطبع ، ومن جودة النحيزة ( الخير ) في السلامة والانقياد لكلّ خير ، فيكون خالياً من الرذائل ، التي هي الشره والطمع والرغبة في المأكول والمشروب والمنكوح زيادة على الحاجة ، واللعب واللهو ، وعاطلاً في الجملة ، من الأُمور التي تعوق على النفس سعادتها.

ويكون عظيم النفس كريماً ، محبّاً للعدل ، مبغضاً للظلم والجور ، مؤثراً لما يعود على النفس منفعته من العبادة ، مقداماً في الأُمور ، جسوراً عليها ، لا يروعه أمر في جنب ما يراه صواباً بجوهره. (١)

٦. الرسول الناطق

الرسول الناطق ، هو الأصل الذي يصدر عنه الدين بما فيه من علم وعمل ، وبمن فيه من أئمة يدعون إلى التحقّق بكمال العلم عن طريق العبادة الظاهرة. (٢)

وفي الحقيقة ، الرسولُ الناطق عندهم ، عبارة عن أُولي العزم من الرُّسل ، غير أنّهم يعدون آدم منهم ، والمشهور عند سائر المسلمين أنّه ليس منهم ، ويضيفون إليهم محمد بن إسماعيل باسم القائم ؛ وإليك أسماءهم : آدم ، نوح ، إبراهيم ، موسى ، عيسى ، محمد ، القائم.

______________________

١. راحة العقل : ٤٢١ ـ ٤٢٢.

٢. مصطفى غالب : في مقدمة كتاب الينابيع : ١٧.

٢٠٥
 &

وكلّ واحد منهم رسول ناطق ، يتقدّمه إمام مقيم ويتلوه الأئمة الأساس ـ المتم ـ المستقر ـ المستودع ـ وهم يتعاملون مع القائم الذي يبتدأ به الدور ، أعني : محمد بن إسماعيل ، معاملة الرسول الناطق ، ولا يشترط أن يكون في كلّ دور إمامٌ مستودعٌ ، فإنّه إنّما يتسلّم شؤون الإمامة في الظروف الاستثنائية ، وكأنّه ينوب عن الإمام المستقر كما سيتضح معنى ذلك.

ولا يخفى أنّ في صميم العقائد الإسماعيليّة تناقضاً وتعارضاً ، فمن جانب نراهم يصرّحون بخاتميّة النبوة والرسالة ، وأنّ القرآن حجّة خالدةً إلى يوم القيامة ، وأنّه لا ينسخ القرآن إلّا بالقرآن. (١)

ومع ذلك فمحمد بن إسماعيل ، المعبّر عنه بالقائم عندهم من النطقاء (٢) ، ولأجل إيضاح ذلك سوف نبحث عن عقيدتهم في الإمامة إن شاء الله.

٧. في المعجزات التي يأتي بها الرسل

قال علي بن محمد الوليد : إنّ المعجزات التي ترد وقت إظهار الشرائع من الرسول حقيقية ، وإنّها على ثلاثة أقسام :

الأوّل : خرق العادة في تكوين العالم بظهور ما يعجز العقل عن وجوده من الأُمور الطبيعية ، من ردّ ما في الطبيعة عن قانونه المعهود لقهر العقول ، ودخولها تحت أمر المعقولات ، ومن أجله يعلم أنّه متصل بالفاعل ، الذي لا يتعذّر عليه متى أراد ، إذ كلّما في العالم لا يتحرك إلّا بمادته وتدبيره.

الثاني : ما يأتي به الشخص المبعوث من النطق المنسوب إلى من أظهر له المعجزات ، وأعجز كافّة أهل الدور عن الإتيان بمثله.

______________________

١. تاج العقائد : ٩٨.

٢. وقد مرّ كلامهم في ذلك ص ٩٢. وما علقنا عليه فلاحظ.

٢٠٦
 &

الثالث : جميع الفضائل الموجودة في أشخاص العالم فيه حتى لا يوجد فوق كماله كمال في وقته. (١)

أقول : إنّ القسم الثاني الذي يريد به القرآن الكريم داخل تحت القسم الأوّل ، فلا وجه لعدّه قسماً ثانياً.

والقسم الثالث : كمالات النبي ، ولا تعدّ معجزة.

٨. في أنّ الرسول الخاتم أفضل الرّسل

يُفضَّلُ رسول الله على سائر الرسل والأنبياء من وجوه ، أفضلها الوجوه التالية :

أ : هو أنّه سبحانه جعل شريعته مؤيّدة لا تُنسخ أبداً ، وجعل الإمامة في ذريّته إلى قيام السّاعة ، ولم يُقدَّر ذلك لغيره.

ب : انّ الله عزّ وجلّ أعطاه الشفاعة في الخلق. ولم يعطها إلى نبي قبله.

ج : انّ الأنبياء قبله بطلت معجزاتهم من بعدهم ، ومعجزة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهي « القرآن » ثابتة مؤيّدة لا تفنى أبداً إلى حين زوال أحكام الدنيا. (٢)

٩. في أنّ الشريعة موافقة للحكمة

إنّ الحكمة والفلسفة العقليّة ، هي والحكمة الشرعيّة سواء ، لأنّ الله سبحانه خلق في عباده حكماء ، وعقلاء ، ومحال أن يشرع لهم شرعاً غير محكم وغير معقول ، ولا يبعث برسالته وشرعه إلّا حكيماً عاقلاً مدركاً مبيّناً لِما تحتاجه العقول ، ويكلّف لها بما يسعدها ويقوّي نورها ويعظّم خطرها. (٣)

______________________

١. تاج العقائد : ٩٧.

٢. تاج العقائد : ٥٩ ـ ٦٠.

٣. المصدر نفسه : ١٠١.

٢٠٧
 &

١٠. في أنّ الشريعة لها ظاهر وباطن

يقول علي بن محمد الوليد : إنّ الشارع قد وضع أحكام شريعته وعباداتها من الطهارة والصلاة والزكاة والصيام والحجّ وغير ذلك ، مضّمنة للأُمور العقليّة والأحكام والمعاني الإلهيّة ، وما يتخصص منها من الأُمور الظاهرة المشاكلة لظاهر الجسم ، والأُمور الباطنة المشاكلة للعقل ، والنفس ، وكلُّ من حقق ذلك كانت معتقداته سالمة. (١)

أقول : هذا المقام هو المزلقة الكبرى للإسماعيلية المؤوّلة ، إذ كلُّ إمام وداعٍ ، يسرح بخياله فيضع لكل ظاهر باطناً ولكلّ واجب حقيقةً ، يسمي أحدهما بالشريعة الظاهرية والآخر بالباطنية من دون أن يدلّ عليه بدليل من عقل أو نقل ، فكلُّ ما يذكرونه من البواطن للشريعة ذوقيات ، أشبه بذوقيات العرفاء في تأويل الأسماء والصفات وغير ذلك ، وكأنّ الجميع فروع من شجرة واحدة. وستوافيك نظرية المثل والممثول في فصل خاص ، وتقف على تأويلاتهم.

______________________

١. تاج العقائد : ١٠١.

٢٠٨
 &

الإسماعيلية والأُصول الخمسة

٤

عقيدتهم في الإمامة

تحتل الإمامة عند الإسماعيلية مركزاً مرموقاً حيث جعلوها على درجات ومقامات وزودوا الأئمة بصلاحيات واختصاصات ، ولتسليط الضوء على عقيدتهم فيها نبحث في مقامين :

المقام الأوّل : الإمامة المطلقة

إنّ درجات الأئمّة ورتبهم لا تتجاوز عن الخمسة من دون أن تختص بالشريعة الإسلامية ، بل تعم الشرائع السماوية كلّها ، وبما أنّ مذهب الإسماعيلية أُحيط بهالة من الغموض عبر القرون لم يكن من الممكن أن يقف أحداً عليها إلّا طبقة خاصة من علمائهم ، وكانوا يبخلون بآرائهم وكتبهم على الغير ، غير أنّ الأحوال الحاضرة رفعت الستر عن كتبهم ومنشوراتهم ، فقام المستشرقون وفي مقدّمتهم « ايفانوف » الروسي وتبعه عدد آخر من المحقّقين بنشر آثارهم ، وعند ذلك تجلّت الحقيقة بوجهها الناصع ، كما قام الكاتبان الإسماعيليان عارف تامر ومصطفى غالب ببذل الجهود الحثيثة في نشر آثار تلك الطائفة ، فكشفا النقاب عن وجه العقيدة الإسماعيلية وبيّناها بوجه واضح خالياً من الغموض والتعقيد الموجودين في عامة كتب الإسماعيلية وإن كان بين الكاتبين اختلاف في بعض

٢٠٩
 &

الموارد ، ونحن نعتمد في تفسير درجات الإمامة علىٰ كتاب « الإمامة في الإسلام » للكاتب عارف تامر ، وإليك بيانه :

درجات الإمامة خمس وهي :

١. الإمام المقيم.

٢. الإمام الأساس.

٣. الإمام المتم.

٤. الإمام المستقر.

٥. الإمام المستودع.

وربما يضاف إليها رتبتان الإمام القائم بالقوة ، والإمام القائم بالفعل.

فالمهم هو الوقوف على هذه الدرجات.

يعتقد عارف تامر في كتابه « الإمامة في الإسلام » انّ هذه الدرجات ظلّت حقبة طويلة من الزمن مجهولة لدى الباحثين إلّا طبقة خاصة من العلماء ، أو لا أقلّ في التقية والاستتار والكتمان.

١. الإمام المقيم

هو الذي يقيم الرسول الناطق ويعلّمه ويربّيه ويدرجه في مراتب رسالة النطق ، وينعم عليه بالإمدادات وأحياناً يطلقون عليه اسم « رب الوقت » و « صاحب العصر » ، وتعتبر هذه الرتبة أعلى مراتب الإمامة وأرفعها وأكثرها دقة وسرية.

٢. الإمام الأساس

هو الذي يرافق الناطق في كافة مراحل حياته ، ويكون ساعده الأيمن ،

٢١٠
 &

وأمين سره ، والقائم بأعمال الرسالة الكبرى ، والمنفذ للأوامر العليا ، فمنه تتسلسل الأئمة المستقرون في الأدوار الزمنية ، وهو المسؤول عن شؤون الدعوة الباطنية القائمة على الطبقة الخاصة ممن عرفوا « التأويل » ووصلوا إلى العلوم الإلهية العليا.

٣. الإمام المتم

هو الذي يتم أداء الرسالة في نهاية الدور ، والدور كما هو معروف أصلاً يقوم به سبعة من الأئمة ، فالإمام المتم يكون سابعاً ومتماً لرسالة الدور ، وانّ قوته تكون معادلة لقوة الأئمّة الستة الذين سبقوه في الدور نفسه بمجموعهم. ومن جهة ثانية يطلق عليه اسم ناطق الدور أيضاً ، أي انّ وجوده يشبه وجود الناطق بالنسبة للأدوار. أمّا الإمام الذي يأتي بعده فيكون قائماً بدور جديد ، ومؤسساً لبنيان حديث.

٤. الإمام المستقر

هو الذي يملك صلاحية توريث الإمامة لولده ، كما أنّه صاحب النص على الإمام الذي يأتي بعده ، ويسمّونه أيضاً الإمام بجوهر والمتسلم شؤون الإمامة بعد الناطق مباشرة ، والقائم بأعباء الإمامة أصالة.

٥. الإمام المستودع

هو الذي يتسلّم شؤون الإمامة في الظروف والأدوار الاستثنائية ، وهو الذي يقوم بمهماتها نيابة عن الإمام المستقر بنفس الصلاحيات المستقرة للإمام المستقر ، ومن الواضح أنّه لا يستطيع أن يورث الإمامة لأحد من ولده ، كما أنّهم يطلقون عليه (نائب غيبة ). (١)

______________________

١. عارف تامر : الإمامة في الإسلام : ١٤٣ ـ ١٤٤.

٢١١
 &

والعجب انّهم عندما بحثوا موضوع الإمامة لم يجعلوا تسلسلها من إسماعيل ابن جعفر الصادق فحسب ، بل ذهبوا إلى أبعد من ذلك ، وحجتهم انّ الإمامة إذا كانت قد بدأت من هذا العهد المبكر فتكون محدثة ولا يقوم وجودها على أساس (١) ، فذهبوا إلى عهد بدء الخليقة المعروف بعهد آدم وسلسلة الإمامة من عصر آدم إلى يومنا هذا ، ثمّ أضافوا إلى ذلك قولهم بالأدوار والأكوار ، فقد جعلوا كل دور يتألف من إمام مقيم ورسول ناطق أو أساس له ، ومن سبعة أئمة يكون سابعهم متم الدور ، ويمكن أن يزيد عدد الأئمّة عن سبعة في ظروف أُخرى وفي فترات استثنائية ، وهذه الزيادة تحصل في عداد الأئمّة المستودعين دون الأئمّة المستقرين ، أمّا الدور فيكون عادة صغيراً وكبيراً ، فالدور الصغير هو الفترة التي تقع بين كلّ ناطق وناطق يقوم فيها سبعة أئمّة. أمّا الدور الكبير فيبتدئ من عهد آدم إلى القائم المنتظر الذي يسمّى دوره الدور السابع ، ويكون بالوقت ذاته متماً لعدد النطقاء الستة.

فلأجل عرض صورة عن عقائدهم في مجال تسلسل الإمامة من عصر أبينا آدم إلى يومنا هذا سوف نأتي بالجداول التي استخرجها ، عارف تامر في كتاب « الإمامة » ومصطفى غالب في كتاب « تاريخ الدعوة الإسماعيلية ».

يقول عارف تامر : إنّ هذا الموضوع من أدق المواضيع وأصعبها ، بل هو بالحقيقة من الدعائم المتينة في عقائد الإسماعيلية ، وقد يبدو لكل باحث فيها انّ دعاتها حافظوا على سريته التامة طيلة العصور الماضية وجعلوا معرفته مقتصرة على طبقة خاصة من العلماء والدعاة. (٢)

وسوف توافيك تلك الجداول تحت عنوان « شجرة الإمامة الإسماعيلية » في الفصل الحادي عشر فانتظر.

______________________

١. ماذا يعنون من هذه الجملة ، هل الإمامة أمر أزلي ، أو الإمام موجود قديم مع تضافر البراهين على حدوث ما سوى الله سبحانه ؟!

٢. الإمامة في الإسلام : ١٤١.

٢١٢
 &

المقام الثاني : في الإمامة الخاصة

قد تعرفت على نظام الإمامة في مذهب الإسماعيلية ولكن المهم هو الوقوف على ملامح الإمامة عندهم بصورة عامة ، وقد تصدّى لذكرها الداعي اليمني علي ابن محمد الوليد في كتابه « تاج العقائد » ونحن ننقل منه ما يبيّن عقيدتهم في ذلك :

١. صاحب الوصية أفضل العالم بعد النبي في الدور

إنّ صاحب الوصية هو الذي جوهره لاحق بجوهره ، وكماله مشتق من كماله ، وإنّ معاني أقواله ورموز شريعته وأسرار ملته وحقائق دينه توجد عنده ، ولا تتعداه ، ولا تؤخذ إلّا منه ، وانّه المبرهن عن أغراضه ، والمفصح لأقواله ، المبين لأفعاله ، القائم بالهداية بعده لمن قصد المعرفة لما جاء به ، والحافظ لشريعته من الآراء المختلفة ، وبذلك كان وصياً ، ولا يوجد في الأصحاب من يقوم مقامه ، ولا يسد مسده في حفظ معاني تكليفه الذي أخذه عن باريه مع ما يوجد فيه من الطهارة ، وصدق القول ، وزكاة النفس ، والاحتواء على العلوم ، والقربة منه في الطبع ، والجوهر ، والسابقة ، والصحبة ، والأصل. (١)

في أنّ الإمامة في آل بيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

يُعْتقد انّ الإمامة في آل بيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من نسل علي وفاطمة فرض من الله سبحانه أكمل به الدين فلا يتم الدين إلّا به ، ولا يصحّ الإيمان بالله والرسول إلّا بالإيمان بالإمام والحجّة ، ويدل على فرض الإمامة إجماع الأُمّة على أنّ الدين والشريعة لا يقومان ولا يصانان إلّا بالإمام ، وهذا حقّ لأنّه سبحانه لا يترك الخلق

______________________

١. تاج العقائد : ٦٥.

٢١٣
 &

سدى. ولا يمنعهم هذه الفريضة التي لا تسوغ الهداية إلّا بها.

وإنّ الرسول نص على ذلك نصاً تشهد به الأُمة كافة بقوله : « الحسن والحسين إمامان إن قاما وإن قعدا ، وأبوهما خير منهما » ، ولم يحوج الأُمّة إلى اختيارها في تنصيب الإمام ، بل نص عليها بهذا لأنّ بالإمامة كمال الدين.

فلو أنّ الرسول تركها حتى تكون الأُمة هي التي تفعلها ويتم بما فعلوه ( في ) دين الله بقولهم انّ الرسول لم ينص على الوصية ولا استخلف أحداً لخرجت الإمامة عن أن تكون فرضاً على الأُمة ، وكان سبيلها سبيل الولاة في كلّ زمان ، القائمين بأُمور الناس.

إلى أن قال : وقد اعترف المخالفون انّ إمامة الثلاثة ليست بنص ، لأنّهم قد جحدوا النص والوصية وفيما جرى في السقيفة من الأُصول ما يجب للعاقل أن يفكر فيه وغير معيوب على المتخلّف عن بيعتهم والخلاف لهم فيها إذ كان الحال فيما تقرّر مشهوراً غير مستور ، والعودة إلى الحقائق أولى لمن يعتمد عليها إذا كان طالباً للهداية مع ترك التعصب. (١)

٣. في أنّ الإمامة وارثة النبوة والوصاية

الإمام يرث من النبوة الظواهر والأحكام وجري الأُمور على ما علمه من النظام.

ويرث من صاحب الوصاية المعاني التي ورثها عن النبوة ، ليكون الكمال موجوداً لقاصده ، ومسلماً في شريعته التي جعلها عصمة لمن التجأ إليها ، وطهارة لمن التزم قوانينها وسار على محجَّتها ، فتسلم له دنياه ويفوز في عقباه بالتجائه إلى من عنده علم النجاة وحقيقة الشريعة السالمة من كلّ تغيير وتمويه مع سلامة

______________________

١. المصدر نفسه : ٦٥ ـ ٦٦.

٢١٤
 &

توحيده لباريه. (١)

أقول : ولا يذهب عليك أنّ الإمام على هذا أفضل من النبي كما هو أفضل من الوصي ، لأنّ الإمام جامع للمنقبتين ظاهر الشريعة وباطنها ، إلّا إذا كان النبي رسولاً فهو جامع أيضاً للمنقبتين ، ولا أدري من أين لهم هذه الضوابط والقواعد ، وما هو الدليل على هذا التقسيم ؟!

٤. في انقطاع الوصاية بعد ذهاب الوصي

يُعْتقد أنّ الوصي إنّما يوصيه الرسول على معالم شريعته ، وأسرار ملّته ، وعيون هدايته ، وحقيقة أقواله ، وحفظ أسراره ، فإذا قام بها ومضى إلى دار كرامته استحال قيام وصي ثان بعده ، لأنّ الشريعة لم تتغير ، ولا ذهبت فتأتي أوامر جديدة تحتاج إلى من يوصّى بحفظها والقيام بمعانيها وضبط أحوالها ، فلهذا كان انقطاع الوصية بعد مضي الوصي الذي خلّفه الرسول في العالم. (٢)

٥. في استمرار الإمامة في العالم دون النبوة والوصاية

يُعْتقد : انّ الإمامة مستمرة الوجود في الأدوار جميعها ، من أوّلها إلى آخرها ، لأنّ الإمام هو الوارث لما جاء به النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الشرع والوصي على البيان ، لكونه حافظاً في الأُمة على الهداية التي ورثها منهما ، ولمّا كان أمر الرسول والوصي جارياً على أهل الدور من أوّله إلى آخره ، كان من ذلك حفظ درجة الإمامة على الدور بالاستمرار ، والتوالي ، إذ لم يبق زيادة تستجد فتحتاج إلى منزلة مستجدة ، فكانت هداية موروثة منسوبة إلى أصل الدور ، ومعلم الشريعة والبيان ، فلا تزال هذه

______________________

١. تاج العقائد : ٦٦.

٢. المصدر نفسه : ٦٨.

٢١٥
 &

الحالة مستمرة إلى حين تأذن الحكمة الإلهية بتجديد شريعة ثانية ، وأمر يحتاج العالم إليه لحفظ نظامه ، ولمّا كانت هذه الشريعة ، أي شريعة محمد ، لا تنسخ ، ولا يفقد حكمها حتى قيام الساعة ، بقيت الإمامة فيها موجودة ، ومحفوظة إلى حين قيام الأشهاد ، ويوم التناد ، فلهذا استمرت الإمامة في العالم دون النبوة ، والوصاية. (١)

وعلى هذا فكلّ إمام غائب أو حاضر بعد الإمام الصادق يساوي في الفضل والعلم والكمال الإمام المنصوص في يوم الدار ويوم الغدير ، فالإمام الحاضر ، أعني به : كريم آغا خان ، تساوي كفته في معالي الأُمور كفّة الإمام علي بن أبي طالب عليه‌السلام فيقوم بنفس ما يقوم به الإمام.

يا تُرَى ما هذا الجور في القضاء والاعتساف في الحكم ، فكيف يكون الإمام المذكور إماماً عالماً محيطاً بالشريعة وواقفاً على أسرارها مع أنّه تلقى علومه الأوّلية في مدارس سويسرا فأتقن الانكليزية والفرنسية والإسبانية كما درس اللغة العربية وبعد أن أكمل تحصيله في سويسرا انتسب إلى جامعة هارفرد الأمريكية ؟!! (٢)

والإمام الذي يتلقّى العلوم الظاهرية في المدارس والجامعات كيف يكون واسطة في الفيض ، واقفاً على الأسرار ، وإماماً يعادل في التقى والعصمة والعلم والفضل الأئمّة المعصومين المنصوبين من قبل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟!

وكأنّي بابن المعرة يقول :

فيا موت زر إنّ الحياة ذميمة

ويا جد جدي ان سعيك هازل

______________________

١. تاج العقائد : ٦٩.

٢. راجع تاريخ الدعوة الإسماعيلية : ٤٠٣.

٢١٦
 &

٦. في أنّ الإمام لا تجوز غيبته من الأرض

إنّ الإمام لا تجوز غيبته عن الأُمة بوجه ، ولا بسبب ، وإن حدثت فترة فتكون خواص شيعته على اتصال به ويعرفون مقامه ، ويدلّون من خلصت نيته إلى مقره.

والغيبة لا تخلو من ثلاث خصال :

١. أن تكون غيبته من قبل الله.

٢. أن تكون من قبل نفسه.

٣. أن تكون من قبل الناس وخيفة من أعدائه.

فباطل أن تكون الغيبة من قبل الله ، لأنّ ذلك لا يليق بالحكيم العادل.

وإذا رجعنا إلى نفسه فلا نجدها من قبلها ، لأنّه معصوم من الخطايا وفرض ولايته يوجب حضوره .

وإن كان من قبل الناس ، فقد شكّ في دين الله ، لأنّ الله نصبه وتكفل إيصال الهداية إلى الأُمة به ، وعرّفه أنّه لا يخرج من العالم حتى يورث مقامه هادياً مثله.

إذن فليس لخوفه من الناس وجه.

إلى أن قال : والإمام هو الحاكم بين عباد الله ، الموهوب له الحكم من الحكيم الخبير والنائب في خلافته على الخلق ، الوارث الأرض ، والمتصرف بأحكامها ولا يجب زواله ولا عدمه بوجه من الوجوه. (١)

أقول : إنّ المراد من الغيبة ليس هو الغيبة عن عالم الوجود كما تصوّره ذلك الكاتب ، بل المراد من الغيبة هو الغيبة عن أعين الناس ، فهو يبعث بين الناس فيعرفهم ولا يعرفونه ، لا أنّه يخرج من الدنيا ويعيش في عالم آخر يباين ذلك العالم ،

______________________

١. تاج العقائد : ٦٩ ـ ٧٠.

٢١٧
 &

وهذا يعرب عن أنّ الداعي لم يرجع إلى كتب الإمامية الاثني عشرية ، وهو مع ذلك يتصرف في الأُمور حسب مصالح الناس وإن كان الناس لا يعرفونه ، ويتشرف بحضوره ويتمتع بلقائه من هو أهل لذلك وإن كان يكتمه ولا يظهره إلّا للخاصة من الناس.

هذا هو القرآن الكريم يعرّف لنا ولياً من أوليائه سبحانه ، كان يعيش بين الناس ويركب سفينتهم ويتصرف فيها أمام أعينهم وهم لا يعرفونه ويتصرف في أُمور أشد من ذلك يقتل غلاماً معصوماً بإذن من الله ولا يُلاحَق ، ويبني جداراً في حال الانقضاض تحته كنز ليتيمين لغاية الستر عليه حتى يستخرجا كنزهما رحمة من ربه يقول سبحانه :

﴿ أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا * وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا * فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِّنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا * وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ ﴾. (١)

وقد غاب عن أعين الناس على وجه لم يكن الرسول موسى عليه‌السلام عارفاً به ، وإنّما عرفه بتعريف من الله سبحانه.

فلماذا لا تكون غيبة الإمام بهذه الصورة ، أي يكون غائباً عن أعين الناس ولكن متصرفاً في مصالحهم ويلتقي مع خيار أُمته ؟

هذا وانّ لأصحابنا كتباً ورسالات حول غيبة الإمام الثاني عشر كشفوا فيها علل الغيبة ومصالحها وفوائدها ، فمن أراد فليرجع إليها. (٢)

______________________

١. الكهف : ٧٩ ـ ٨٢.

٢. لاحظ ، كمال الدين للشيخ الصدوق ، الغيبة للشيخ الطوسي ، ومنتخب الأثر للعلامة الصافي.

٢١٨
 &

٧. في الوصية بعد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى الوصي

يعتقد بوصية الرسول إلى علي بن أبي طالب عليه‌السلام من اثني عشر وجهاً ، منها :

١. قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لا يحل لامرئ مسلم أن يبيت ليلتين إلّا ووصيته مكتوبة عند رأسه ».

٢. إجماعنا على أنّ الرسول استخلف علي في المدينة في غزوة تبوك مقتدياً باستخلاف موسى لأخيه هارون عند مضيه لميقات ربه ، وفي هذا الاستخلاف قال له : « يا علي أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبي بعدي ».

٣. حديث الدار والإنذار وقد ذكره المفسرون في تفسير قوله سبحانه : ﴿ وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (١). (٢)

أقول : والعجب انّه لم يذكر حديث الغدير الذي اتفقت الأُمّة علىٰ نقله !!

٨. في قعود علي عن الخلافة

ويعتقد انّ قعود الوصي بعد الوصية لم يكن عن عجز ، ولا تفريط ، وذلك لأنّ الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد أعلمه عن دولة المتغلبين ، وعقوبة الله عزّ وجلّ لهم في ذلك بقوله : « إنّ لك يا علي في أُمّتي من بعدي أمر ، فإن ولّوك في عافية ، وأجمعوا عليك في رضى ، فقم بأُمورهم ، وإن اختلفوا واتبعوا غيرك ، فدعهم وما هم فيه ، فإنّ الله سيجعل لك مخرجاً ».

فلمّا قام أمير المؤمنين في يوم الجمل وصفين والنهروان قام في الوصية أيضاً لقول الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « يا علي تقاتل بعدي الناكثين والمارقين والقاسطين ».

______________________

١. الشعراء : ٢١٤.

٢. تاج العقائد : ٦٠ ـ ٦٤.

٢١٩
 &

فليت شعري من هؤلاء الذين نكثوا ومرقوا وقسطوا حتى قاتلهم ، هل هم غير أُمّة محمد الذين نكثوا بيعة وصيّه ومرقوا عن أمره ، وقسطوا وأظهروا الأحقاد الكامنة له ولأهل بيته بالرغم من أوامر الرسول إليهم. (١)

٩. في فساد إمامة المفضول

يعتقد فساد إمامة المفضول وإبطال إمامة المشرك الناقض لقوله عزّ وجلّ : ﴿ وَإِذِ ابْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ﴾. (٢)

فجلّ ثناؤه وتقدّست أسماؤه بيّن أنّ عهد الإمامة وخلافة الله تعالى لا تلحق من أشرك بالله طرفة عين ، وإنّما يكون ميراثها في الطاهرين المصطفين العلماء ، لقوله تعالى : ﴿ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّـهِ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ ﴾. (٣)

وقوله : ﴿ أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لَّا يَهِدِّي إِلَّا أَن يُهْدَىٰ فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ﴾. (٤)

وقد ثبت انّ كلّ من دخل في الإسلام من الجاهلية فقد عبد الأصنام وتدنس بالشرك مع ما كانوا يفعلون برسول الله أيام حياته ممّا هو مشهور غير خفي.

وتوقف كلّ واحد منهم بعده وحاجتهم إلى علم علي مع طهارته واصطفائه عليهم في حالتي العلم والجسم ، وكونه لم يسجد لصنم ، ولا توقف عن أمر محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا كانت له سابقة في الجاهلية ، ولا أشرك في الله طرفة عين ، ولا

______________________

١. المصدر نفسه : ٧٢.

٢. البقرة : ١٢٤.

٣. فاطر : ٣٢.

٤. يونس : ٣٥.

٢٢٠