بحوث في الملل والنّحل - ج ٨

الشيخ جعفر السبحاني

بحوث في الملل والنّحل - ج ٨

المؤلف:

الشيخ جعفر السبحاني


الموضوع : الفرق والمذاهب
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
المطبعة: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
الطبعة: ٢
ISBN: 978-964-357-272-3
الصفحات: ٤٥٣
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

بعض أصحابه بإخراج العلوي ، فأخرجوه إلى دامغان وأعطاه ماله وملك القلعة.

ولما بلغ الخبر إلى نظام الملك بعث عسكراً إلى قلعة آلموت ، فحصروه فيها ، وأخذوا عليه الطرق ، فضاق ذرعه بالحصر ، فأرسل من قتل نظام الملك ، فلمّا قتل رجع العسكر عنها. (١)

وقال الذهبي : الحسن بن الصباح الملقب بالكيا صاحب الدعوة النزارية وجدّ أصحاب قلعة آلموت.

كان من كبار الزنادقة ومن دهاة العالم ، وله أخبار يطول شرحها ، إلى أن قال : وأصله من مرو ، وقد أكثر التطواف ما بين مصر إلى بلد كاشغر ، يغوي الخلق ويضل الجهلة ، إلى أن صار منه ما صار ، وكان قوي المشاركة في الفلسفة والهندسة وكثير المكر والحيل ، بعيد الغور.

قال أبو حامد الغزالي : شاهدت قصة الحسن بن الصباح لما تزهد تحت حصون آلموت ، فكان أهل الحصن يتمنّون صعوده إليهم ويمتنع ، ويقول : أما ترون المنكر كيف فشا وفسد الناس ؟ فتبعه خلق ، ثمّ خرج أمير الحصن يتصيد فنهض أصحابه وملكوا الحصن ، ثمّ كثرت قلاعهم. (٢)

واستعرض حسن الأمين في « دائرة المعارف الشيعية » تاريخ الإسماعيلية ، والانشقاق الذي طرأ على الخلافة الفاطمية بعد وفاة الخليفة الفاطمي المستنصر ، وانقسامها إلى فرقتين هي : المستعلية والنزارية وموقف الحسن بن الصباح منهما ، حيث قال :

وكان الحسن بن الصباح من أشد الناس إنكاراً لخلافة أحمد المستعلي وأكثرهم تحمسّاً لنزار. ويضيف قائلاً :

______________________

١. الكامل في التاريخ : ١٠ / ٣١٦ ـ ٣١٧.

٢. الذهبي : ميزان الاعتدال : ١ / ٥٠٠.

١٦١
 &

وثمة من يقول من النزاريين إنّ الحسن بن الصباح كان في مصر حين وقوع الخلاف على ولاية العهد ، فلم يقر ما جرى ، وكان ممّن يرون أنّ المستنصر كان مكرهاً على تولية ولده أحمد ، وأنّ الأمر هو لنزار لا لأحمد ، ففر الحسن بن الصباح من مصر داعياً لنزار ، ثمّ أرسل بعض فدائييه ، فأحضروا ابناً لنزار إلى قلعة آلموت.

وفي قول آخر : إنّه لم يخرج من مصر حتى أخرج معه ابناً لنزار ، واسمه في سلسلة الأئمة النزاريين علي ولقبه الهادي ، فأخفاه الحسن وستره.

ومهما يكن من أمر فقد أصبح الحسن بن الصباح الرجل الأوّل والموجه الفعلي للدعوة النزارية.

وبعد ذلك استعرض حسن الأمين الانحراف الخطير الذي طرأ على الدعوة النزارية وتخلّيها عن الإسلام كعقيدة وعمل ، حيث قال :

توفي الحسن بن الصباح سنة ٥١٨ هـ فخلفه من خلفه في قيادة الدعوة النزارية دون أن يعلن هو أو غيره ممّن خلفه عن عقيدة جديدة ، حتى انتهى الأمر إلى الحسن الثاني بن محمد بن بزرك أُميد سنة ٥٥٨ هـ ، فإذا به يعلن التخلّي عن الإسلام كعقيدة وعمل والأخذ بمفهوم جديد للدين يتعارض كل التعارض مع مفهوم الإسلام له.

ويصف المؤرخ علاء الدين عطاء الملك الجويني ( م ٦٥٨ هـ ) هذا الأمر وتفاصيله ويوم حدوثه ، ثمّ يقول :

فأعلن ـ أي الحسن الثاني ـ أنّ رسالة قد جاءته من الإمام المستتر مع دليل جديد.

ثمّ قال : « إنّ إمام وقتنا قد بعث إليكم صلواته ورحمته ودعاكم عباده المختارين ، ولقد أعفاكم من أعباء تكاليف الشريعة وآل بكم إلى البعث.

ثمّ يقول الجويني : وأكد حسن بالتصريح بأنّه كما في عصر الشريعة إذا لم

١٦٢
 &

يطع إنسان ولم يعبد بل تبع حكم القيامة بحجة أنّ الطاعة والعبادة هما أمران روحيان كان ينكل به ويرجم ويقتل ، كذلك الآن في عصر القيامة إذا تقيد إنسان بحرفية الشريعة وواظب على العبادة الجسدية والشعائر فانّ ذلك تعصب ينكل به ويرجم ويقتل من أجله.

ثمّ أكمل حسن كلامه قائلاً : لقد أُعفي الناس من تكاليف الشريعة ، لأنّ عليهم في فترة القيامة هذه أن يتوجّهوا بكلّ جوارحهم نحو الله ، ويهجروا كل الشعائر الدينية وجميع العبادات القائمة. فقد وضع في الشريعة بأنّ على الناس عبادة الله خمس مرات في اليوم وأن يكونوا معه. وهذا التكليف كان ظاهرياً فقط. ولكن الآن في أيام القيامة عليهم أن يكونوا دائماً مع الله في قلوبهم ، وأن يبقوا نفوسهم متوجهة دائماً نحو الحضرة الإلهية ، فإنّها الصلاة الحقيقية. انتهى.

وقد أثّر كلامه في الجموع المحتشدة تحت منبره يقول المؤرخ الجويني :

وفي ذلك اليوم الذي اقترفت فيه هذه القبائح وأُفشيت فيه تلك المساوئ في « مأمون آباد » عش الكفر ، لعب الجميع على الجنك والرباب ، وشربوا الخمر بشكل مكشوف على نفس درجات ذلك المنبر وفي مكان جلوس الخطيب.

نعم كان بين المؤمنين بالمذهب من أنكر عليهم ذلك ، فنرى أنّ يوم الأحد السادس من ربيع الأوّل سنة ٥٦١ هـ قام شقيق زوجة الحسن بطعنه في قلعة ( لمسر ) فمضى المفتري من هذه الدنيا إلى نار الله الموقدة ، ولكن الانحراف لم ينته باغتيال أصله ، بل بقي مستمراً على عهد خليفته ابنه « علاء محمد » الذي تولّى بعد أبيه وهو في التاسعة عشرة من عمره وتوفي سنة ٦٠٧ هـ ، كما كانت المعارضة الشديدة مستمرة ، وإذا كان قد تزعمها في عهد حسن ، شقيق زوجته ، فقد تزعمها الآن حفيد حسن وسميّه جلال الدين حسن ، إذ كان على خلاف أبيه وجدّه في العقيدة متشدداً في خلافه لهما كلّ التشدد.

وقام بإصلاحات كبيرة ، فقد اتصل بحكام الأقطار الإسلامية يعلنهم

١٦٣
 &

العودة إلى الإسلام ليوثق الصلات بهم وبجمهور المسلمين بعد الذي شاع عن انحراف جدّه وما أعلنه من خروج على الشريعة ، فراسل الخليفة في بغداد « الناصر لدين الله » وغيره من الملوك والأُمراء ، كما أرسل والدته وزوجته إلى الحجّ وأمر ببناء المساجد وقرّب إليه الفقهاء والقرّاء.

ومن البديهي أن لا يكون « جلال الدين حسن » قد استطاع استئصال جذور الانحراف ، وأن يظل للانحراف أتباعه الآخذون به شأن جميع الدعوات في كلّ زمان ومكان.

على أنّ أمر دولة هؤلاء النزاريين لم يطل كثيراً بعد جلال الدين ، فقد انتهى ملكهم على يد هولاكو سنة ٦٥٤ هـ ، لكن مَن أخذوا بأقوال الحسن الثاني بن محمد وانحرافه لم ينتهوا ، بل ظل للدعوة من يحملها من جيل إلى جيل حتى هذا الجيل وهم اليوم أتباع آغا خان وظلوا هم وحدهم منفردين باسم الإسماعيليين بعد أن تبرأ من هذا الاسم أصحابه الحقيقيين وتسمّوا باسم البهرة. (١)

______________________

١. حسن الأمين : دائرة المعارف الإسلامية الشيعية : ٤ / ٧٣ ـ ٧٥.

١٦٤
 &

الإمام الثاني

علي الهادي بن الإمام نزار

( ٤٧٠ ـ ٥٣٠ هـ )

ولد الإمام علي الهادي بن الإمام نزار سنة ٤٧٠ هـ وارتحل مع والده الإمام نزار إلىٰ قلعة آلموت ، ولما توفي أبوه عام ٤٩٠ هـ أصبح إماماً للإسماعيليّة ولم يتجاوز عمره عن عشرين سنة.

وقد انتشر المذهب الإسماعيلي في عهده علىٰ يد داعيته الحسن بن الصباح ، شيخ الجبل ، المعروف بالمقدرة والبطش.

عمد الإمام إلى تأليف جيش قويّ من الإسماعيليّة ، قسّمه إلى فرقتين ، الفرقة الأُولى أسماها ( الفدائية ) ، وهي المكلّفة ببذل التضحيات السريعة المستعجلة ، وتنفيذ الأوامر السرية الهامة ، ولقد تدرّب أفراد تلك الفرقة أعظم تدريب على استعمال كافة أنواع الأسلحة ، وعلى الفروسية ، كما لُقّنوا مختلف العلوم الفلسفية ، وأتقنوا أغلب لُغات أهالي تلك البلاد. أمّا الفرقة الثانية سميت بـ ( الرفقاء ) وهم المكلَّفون بنشر الدعوة الإسماعيليّة بأُسلوبهم الخاص في مختلف الأقطار والأقاليم ، وهم المدافعون عن مذهبهم بالعلم والفلسفة ، وعلى الغالب كانوا يتولون الوظائف الإدارية في البلاد التي يوفدون إليها لنشر الدعوة.

وفي سنة ٥٣٠ هجرية توفي الإمام علي الهادي ، بعد أن مكث في الإمامة أربعين عاماً ، ودفن في قلعة « لامستر » بعد أنْ نصَّ علىٰ إمامة ولده محمد المهتدي. (١)

______________________

١. مصطفى غالب : تاريخ الدعوة الإسماعيلية : ٢٥٧ ـ ٢٦٢.

١٦٥
 &

الإمام الثالث

محمد المهتدي بن الإمام علي

( ٥٠٠ ـ ٥٥٢ هـ )

ولد الإمام محمد بن علي بن الإمام نزار الملقب بالمهتدي سنة ٥٠٠ هـ في قلعة « لامستر » ، وأصبح إماماً للإسماعيلية بعد وفاة أبيه الإمام علي الهادي سنة ٥٣٠ هـ.

كان أوّل عمل قام به أن نقل مقرّه إلىٰ قلعة آلموت ، ووجه إهتمامه لبعث الجيش الإسماعيلي ( الفدائية ) من جديد ، وتدريبه تدريباً كاملاً ليستطيع الدفاع عن القلاع والحصون الإسماعيلية.

وقد وجه عنايته أيضاً لتنظيم الدعاة ، وتلقينهم أُصول العقائد الإسماعيلية ، وتدريبهم على المباحثة والمناقشة في الفلسفة ، والفقه الإسلامي والعقائد الإسلامية ، كما أوجد بينهم نظام الشيفرة ليستعملوه في اتصالاتهم الداخلية والخارجية فاستعملوا الأعداد للدلالة على الأحرف الأبجدية ، وتعرضت الإسماعيليّة أيضاً لكثير من الهجمات الداخلية والغزوات الخارجيّة.

وفي سنة ٥٥٢ هـ توفي الإمام المهتدي ودفن في قلعة آلموت بعد أن نصَّ علىٰ إمامة ولده حسن. (١)

______________________

١. المصدر السابق : ٢٦٦.

١٦٦
 &

الإمام الرابع

القاهر بقوة الله حسن بن محمد بن علي بن نزار

( ٥٢٠ ـ ٥٥٧ هـ )

ولد سنة ٥٢٠ هـ في قلعة آلموت ، وأصبح بعد وفاة أبيه ٥٥٢ هـ إماماً بموجب النص ، وكان عمره آنذاك ٢٨ سنة ، وعين الداعي محمد كيا بزرك آميد نائباً عنه وكبيراً لدعاته.

عمل الداعي بكل إخلاص ووزع الدعاة الأكفاء علىٰ جميع المناطق ، ووجّه عناية خاصة للفرقة الفدائية ، التي كانت تحتل المكان الأوّل في الجيش الإسماعيلي ، وأنشأ مدرسة خاصّةً لتثقيف الفدائية وتدريبهم التدريب الكامل على استعمال الأسلحة ، وتلقينهم أغلب اللغات المستعملة في ذلك الوقت.

توفي سنة ٥٥٧ هـ ودفن في قلعة آلموت بعد أن نصَّ علىٰ إمامة ولده الحسن علي. (١)

______________________

١. المصدر نفسه : ٢٧٢.

١٦٧
 &

الإمام الخامس

الإمام الحسن علي بن الإمام حسن القاهر

( ٥٣٩ ـ ٥٦١ هـ )

ولد الإمام حسن علي بن الحسن بن محمد بن علي بن نزار سنة ٥٣٩ هـ ، في قلعة آلموت ، وتولّى الإمامة بعد وفاة أبيه سنة ٥٥٧ هـ.

وقام بتنظيم الدعوة الإسماعيليّة فوزّع الدعاة الأكفّاء على الأقاليم الخاضعة للنفوذ الإسماعيلي.

توفي في السادس من ربيع الأوّل سنة ٥٦١ ودفن في قلعة آلموت. (١)

الإمام السادس

الإمام أعلىٰ محمد بن الإمام الحسن علي

( ٥٥٣ ـ ٦٠٧ هـ )

ولد الإمام أعلى محمد سنة ٥٥٣ هـ في قلعة آلموت ، وتولّىٰ الإمامة بعد وفاة أبيه سنة ٥٦١ هـ ، وهو في الثامنة من عمره.

ووجّه عناية خاصّة ( للمناظرات العلمية ) فخصّص يوماً واحداً من كلّ أُسبوع لإجراء المناظرات الفلسفية ، والفقهية بين الدعاة ، يحضرها بنفسه ليحكم بين المتناظرين فيعلّيهم ويرقّيهم في مراتب الدعوة ، حسب ما يظهروه من كفاءة

______________________

١. المصدر نفسه : ٢٧٥.

١٦٨
 &

علميّة ، وهذا ما ساعد الدعاة علىٰ تفهّم أُصول المذهب الإسماعيلي.

توفي الإمام أعلى محمد سنة ٦٠٧ هـ ودفن في قلعة آلموت بعد أن نصَّ على ولاية ابنه جلال الدين ، واستمرت إمامته ٤٦ سنة. (١)

الإمام السابع

الإمام جلال الدين حسن بن أعلىٰ محمد

( ٥٨٢ ـ ٦١٨ هـ )

ولد الإمام حسن بن أعلىٰ ، الملقب بجلال الدين سنة ٥٨٢ هـ في قلعة آلموت ، وأصبح إماماً بعد وفاة أبيه سنة ٦٠٧ هـ.

عمل على توثيق عُرى الصداقة بين الإسماعيلية والعالم الإسلامي ، ولهذا لقّبوه بـ « المسلم الجديد » كما أنّ علاقاته بالعباسيين زادت وثوقاً ، وخاصّةً مع الخليفة الناصر لدين الله.

تنقل كثيراً في سوريا والعراق وآذربيجان ، وأدّىٰ فريضة الحج مع عائلته مرتين ، تحالف مع جلال الدين خوارزمشاه ، عندما غزا چنگيزخان إيران ، وذلك انقاذً لمعاقله ولأتباعه. قتل بمؤامرة من النساء بالسُم سنة ٦١٨ هـ ، وخلّف ولداً هو محمد بن الحسن « علاء الدين ». (٢)

______________________

١. المصدر نفسه : ٢٧٧.

٢. عارف تامر : الإمامة في الإسلام : ١٩٢ ؛ تاريخ الدعوة الإسماعيلية : ٢٨٤.

١٦٩
 &

الإمام الثامن

علاء الدين محمد بن الحسن

( ٦٠٨ ـ ٦٥٣ هـ )

ولد الإمام علاء الدين محمد بن الإمام جلال الدين سنة ٦٠٨ هـ في قلعة آلموت ، وجلس علىٰ أريكة الإمامة الإسماعيليّة سنة ٦١٨ هـ ، وهو في العاشرة من عمره ، ودامت إمامته ٣٥ عاماً.

ومن العجب أنّ المؤرّخ المعاصر مصطفى غالب ذكر سقوط مدينة بغداد في عصر هذا الإمام مع أنّ سقوط بغداد تم بعد تدمير قلاع الإسماعيليّة ، لأنّ مسير التتر كان من قزوين ثمّ همدان ثمّ بغداد.

وتوفي عام ٦٥٣ هـ ودفن في آلموت. (١)

الإمام التاسع

ركن الدين خورشاه بن الإمام علاء الدين

( ٦٢٩ ـ ٦٥٤ هـ )

ولد الإمام ركن الدين خورشاه بن الإمام علاء الدين محمد سنة ٦٢٩ هـ في قلعة آلموت ، وأصبح إماماً بعد وفاة أبيه سنة ٦٥٣ هـ ، وأرسل هولاكو التتري جيشاً بقيادة بوكيان التتري لأطراف كوهستان لمحاربة الأمير ناصر الدين أمير

______________________

١. تاريخ الدعوة الإسماعيلية : ٢٨٦.

١٧٠
 &

تلك المقاطعة الذي كان يقيم في قلعة ( سرخوست ).

وأرسل جيشاً آخر لحصار بقية القلاع الإسماعيليّة ، ولقد استمر ذلك الحصار مدّة ستة أشهر ، نفدت بعدها مؤونة الإسماعيليين ، ففتحوا أبواب قلاعهم واشتبكوا مع التتر في معارك قويّة طاحنة ، قتل فيها اثنا عشر ألف إسماعيلي وثلاثون ألف تتري ، واحتلت الجيوش الغازية جميع القلاع الإسماعيليّة ودمّرتها عن بكره أبيها فجعلتها قاعاً صفصفاً ، وأُلقي القبض على الإمام ركن الدين خورشاه مع ولده الأصغر مظفر الدين ، وابن أخيه سيف الدين ، وبعض دعاته ، وأخذوهم إلى الخليفة في بغداد.

وفي طريق العودة بينما كانت الجيوش التترية تعبر نهر ( جيحون ) توفي الإمام ركن الدين خورشاه وكانت وفاته سنة ٦٥٤ هـ ، ودفن على ضفة ذلك النهر اليمني.

أمّا بقية الأسرىٰ فسلّموا لهولاكو الذي أمر بإعدامهم جميعاً ، والتمثيل بجثثهم ، ولم تستمر إمامة ركن الدين سوى عاماً واحداً ، قضاه في الحروب والحصار ، وبانتهاء عهده ودّعت الأئمة الإسماعيلية بلاد آلموت لتستقر في آذربيجان بعد أن دام حكمهم فيها ما يقارب ٢١٤ عام. (١)

*  *  *

إلىٰ هنا وقفت علىٰ أئمّة النزارية ، من الإسماعيليّة وأمّا غيرهم من الأئمّة الباقية الذين تسلموا مسند الإمامة بعد تدمير قلاع آلموت فيحتاج إلى تأليف مفرد.

إنّ الكتب الإسماعيليّة التاريخية المخطوطة والمصادر الصوريّة القديمة ، منذ عام ٧١٠ هـ حتى سنة ١٢١٠ هـ جاءت حافلة بذكر أُسرة مؤمن شاه وحدها ،

______________________

١. تاريخ الدعوة الإسماعيلية : ٢٨٩ ـ ٢٩٠.

١٧١
 &

وبعد سنة ١٢١٠ هـ انطفأ وخبا كلُّ نشاط علمىٍّ من جانب هذه الفرقة ( المؤمنية ) وقامت الأُسرة الثانية ( القاسميّة ) تحتل مركزها وتبرز على مسرح الإسماعيلية النزارية وبما أنّ الأُسرة الآغاخانية تزعّمت الإسماعيلية النزارية ما يربو عن القرنين ، فلذلك خصصنا الفصل التالي لبيان حياة تلك الأُسرة.

إنّ الفرقة الإسماعيلية النزارية المؤمنية تقطن في عهدنا الحاضر في بلدتي « القدموس » و « مصياف » السوريتين وفي بعض قرىٰ سلمية وفي سلمية نفسها ، وأمّا الفرقة القاسمية النزارية الآغاخانية فتقطن في سلمية ، وما يتبعها من القرىٰ ، وفي نهر الخوابي قرب طرطوس ، كما تقطن في إيران ، والهند ، وباكستان ، وبورما ، والصين ، وإفريقية الشرقية ، والكونغو ومدغشقر و زنجبار وغيرها. (١)

______________________

١. عارف تامر : الإمامة في الإسلام : ١٧٠.

١٧٢
 &

بحوث في الملل والنحل الجزء الثامن لشيخ جعفر السبحاني

١٧٣
 &

بحوث في الملل والنحل الجزء الثامن لشيخ جعفر السبحاني

١٧٤
 &

قد عرفت أنّ النزاريّة انقسمت إلىٰ طائفتين : « مؤمنيّة » و « قاسمية » ويطلق على « القاسمية » في الآونة الأخيرة « الآغاخانية » واشتهروا في هذه الأعصار باللقب الأخير وأئمة هذه الأُسرة هم :

١. حسن علي شاه.

٢. علي شاه.

٣. سلطان محمد شاه.

٤. كريم خان.

١. حسن علي شاه : ( ١٢١٩ ـ ١٢٩٨ هـ )

ولد في بلدة محلّات سنة ١٢١٩ هـ وهو أوّل من لُقّب بـ « آغا خان » كان معاصراً للشاه « محمد القاجاري » وفي عهده قُتل الشاه القاجاري وجلس مكانه فتح علي شاه ، وقد عامل الإسماعيليين معاملة طيبة ، وزوّج حسن علي شاه من كريمته ، ولكنَّ حياته لم تطل فمات ، واستلم مكانه « علي محمد شاه ».

فلاحظ أنّ مركز الإمام حسن علي شاه قد أصبح قويّاً وخطيراً ، فاعتبره خطراً علىٰ شؤون المملكة ، وأمر بإبعاده عن إيران ، فذهب إلى السند ، واستقر بين أتباعه الكثيرين في كراتشي يُنظّم أُمورهم ويصلح أحوالهم ، ويقرّب وجهات النظر بين ملوك السند والبريطانيين ، وأخيراً انتقل إلى الهند.

وتوفي سنة ١٢٩٨ هـ ودفن في محلة « مجكائون » أو « حسن آباد » عن أربعة أولاد ، هم : آغا علي شاه ، وآغا جهانگير شاه ، وآغا جنگي شاه ، وآغا جلال شاه ،

١٧٥
 &

وكان عليُّ هو وصيّه ووريث الإمامة. (١)

يقول المؤرّخ المعاصر مصطفى غالب : دخل الإمام حسن علي شاه مدينة « بومباي » واسْتقبِل من قبل حاكم تلك المدينة ورجال السلك السياسي وممثلي الدول ومختلف طبقات الشعب ، ومنحته المملكة البريطانية لقب صاحب السمو ، وأرفع وسام للسلام في المملكة. (٢)

ولعلّ مغادرته لإيران وإقامته في بومباي هيّأت له أرضية الاتصال بالبلاط البريطاني ، وتوثقت عُرى الصداقة بينهما عبر العصور ، فلم تزل أئمة الطائفة بعده متهمين بالعمالة للبريطانيين.

٢. علي شاه : ( ١٢٤٦ ـ ١٣٠٢ هـ )

ولد عام ١٢٤٦ هـ في بلدة محلّات ، وجلس علىٰ مسند الإمامة بعد وفاة أبيه سنة ١٢٩٨ هـ ، واشتهر بـ « آغا خان الثاني » والدته هي كريمة فتح علي شاه القاجاري.

يذكر أنّه كان مولعاً بصيد الأُسود والرماية ، وقوة الساعد والرجولة. تزوّج شمس الملوك ابنة ميرزا علي خان الإيرانية.

أنجب ثلاثة أولاد ، هم : سلطان محمد شاه ، وشهاب الدين شاه ، ونور شاه ، ووليُّ عهده هو السلطان محمد شاه آغا خان الثالث.

وفي احتفال مهيب ضم آلاف الإسماعيليّة الذين قدموا لتقديم الزكاة والخمس للإمام ، أعلن الإمام علي شاه بأنّ نجله الأكبر سلطان محمد شاه قد أصبح وليّاً للعهد ، وسيكون إماماً من بعده.

______________________

١. عارف تامر : الإمامة في الإسلام : ٢٢٨.

٢. مصطفى غالب : تاريخ الدعوة الإسماعيلية : ٣٣٦.

١٧٦
 &

قدم إليه وفد من إسماعيليّة سوريا ، وطلبوا من الإمام رفع مشاكلهم وأن يدفع إليهم السلطان العثماني مكاناً يقطنون فيه بعد أن ضاقت بهم معاقلهم ، فقام الإمام بتنفيذ طلبهم واتصل بالسلطان العثماني إلى أن أصدر السلطان أمره إلى والي دمشق ليسمح للإسماعيليّة بأن يختاروا مكاناً ليشيدوا فيه مساكن لهم ، شريطة أن يعفوا من الضرائب والجندية ، تجمّع الإسماعيليون بزعامة الأمير إسماعيل ، وذهبوا باتجاه المنطقة الشرقيّة حتى وصلوا إلى سهول السلمية فقرروا أن يعيدوا تأسيس مدينة « السلمية » التاريخية ، بعد أن دمّرتها الحروب.

توفي الإمام علي شاه سنة ١٣٠٢ هـ ، ونقل جسده إلى مدينة كربلاء ودفن هناك. (١)

٣. سلطان محمد شاه « آغا خان الثالث » : ( ١٢٩٤ ـ ١٣٨٠ هـ )

ولد « محمد سلطان الحسيني » المعروف بآغا خان الثالث عام ١٢٩٤ هـ في محلة « شهر العسل » بكراتشي ، وفي الثامنة من عمره اجتمع به رجال الدعوة الإسماعيليّة في الهند وسلّموه شؤون الإمامة باحتفال مهيب ، وتزوّج في سن العشرين ابنة عمّه « شاه زاده » وزار الغرب لأوّل مرّة واصلاً إلى لندن ، فمنح لقب « كوماندور » للامبراطورية الهندية. كما زار ألمانيا وفرنسا وإيران وتركيا ومناطق عديدة من العالم ، وتزوّج عدّة مرّات ، وساهم بإنشاء جامعة عليكرة ، وبإرسال بعثة إسلامية لتدريس الدين الإسلامي في اليابان.

وفي حياته نقاط جديرة بالمطالعة ، منها :

١. يقول عارف تامر : ورأيته في القاهرة سنة ١٩٥٦ م يقول لأتباعه الذين جاءوا لزيارته : علّموا أولادكم العلوم العمليّة ، وأبعدوهم عن العلوم النظرية ،

______________________

١. الإمامة في الإسلام : ٢٢٨ ـ ٢٢٩ ؛ وتاريخ الدعوة الإسماعيلية : ٣٣٩ ـ ٣٤١.

١٧٧
 &

فالعالم قادم على انقلاب خطير وتطور سريع في ميدان الاستنباط والاختراع. (١)

أقول : ماذا يقصد من العلوم النظرية ؟ وهل تختص بالعلوم الدينية ، أعني : الكلام والتفسير والفقه ، أو تشمل سائر العلوم الإنسانية الأُخرى كمعرفة النفس وعلم الاجتماع والقانون ؟ وعلىٰ أيّة حال فإرشاداته لا اعتبار بها ، وكان الأفضل أن يرشدهم بالقول : علّموا أولادكم الصناعات الحديثة والعلوم العمليّة إلى جانب سائر العلوم ، يقول سبحانه : ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ (٢) فإنّ تزويد البشر بالصناعات الحديثة دون الإيمان كتزويد المجنون بالسلاح ، والذي يكبح جماح البشر عن استخدامه لتلك الصناعات الحديثة من سبيل الشر ، هو الإيمان بالله ، والاعتقاد بالمبدأ والمعاد ، التي تتكفل العلوم النظرية بيانه.

٢. يقول ـ للوفد الإسلامي الذي جاء يطالبه بالمساهمة ببناء كلية إسلامية في مدينة « منباسا » كينيا ـ : إنّني لا أُساهم إلّا بإنشاء مدرسة صناعية كبرى لتعليم الصناعات المختلفة ، والمهن الحرّة ، فقد كفانا نوماً وركضاً وراء الخيالات والأحلام. (٣)

أقول : ماذا يريد بقوله : كفانا نوماً وركضاً وراء الخيالات والأحلام ؟! فهل مقصوده أنّ العلوم الدينيّة هي منبع للخيالات والأحلام ؟! فحينئذٍ ستكون قيادته مبنيّة على الأوهام والخيالات ، فما أشبه كلامه بفعل من تسلّق الشجرة وأخذ يقطع ما تحته. بل إنّ كلامه هذا تفريغ واضح وصريح لحالة القداسة الدينية التي طالما حاول أن يظهر بها أمام المسلمين عامة وأتباعه بصورة خاصة.

٣. يقول المؤرّخ المعاصر مصطفى غالب : سمو آغا خان يملك قصوراً كثيرة في جميع أنحاء العالم ، وطائرات حديثة من أفخر طراز ، وعدداً كبيراً من

______________________

١. عارف تامر : الإمامة في الإسلام : ٢٣١.

٢. الروم : ٥٦.

٣. عارف تامر : الإمامة في الإسلام : ٢٣٣.

١٧٨
 &

أحدث اصطبلات الجياد في العالم ، ويحتفظ بفصيلة جياد ( هاراث ) التي تملكها أُسرته منذ زمن بعيد ، ومنها ينتج أحسن خيول السباق المعروفة ، وقد ربحت هذه الخيول أكبر الجوائز العالمية لسباق ( دربي ).

والإمام آغا خان يُعد من أغنىٰ أغنياء العالم ، إذ يُقدّر إيراده السنوي بمبلغ يتراوح بين ٦٠٠ ألف و١٠ ملايين دولار ، وقد قُدّرت مجموعة الجواهر التي يملكها بمبلغ ٢٠٠ مليون دولار. (١)

لا شكّ أنّ حياة البذخ التي عاشها الإمام آغا خان ليست نتيجة كد عمله ومحصول جهده إنّما هي أموال شرعية باسم الزكاة والخمس قدمتها إليه الطائفة الإسماعيليّة المتشكلة من الفلاحين والعمال وأصحاب المكاسب الحرّة ، لا أنّها أموال شخصيّة للإمام ، بل ملك لمنصب الإمامة يصرفها في المشاريع الخيرية ، فأين حياة البذخ هذه ممّا كان عليه الإمام أمير المؤمنين ذلك الأُسوة الحسنة لعامة البشر والمسلمين خاصة حيث يكتب إلى عامله بالبصرة عثمان بن حنيف : « ألا وإنّ لكلّ مأموم إماماً يقتدي به ويستضئ بنور علمه ، ألا وإنّ إمامكم قد اكتفىٰ من دنياه بطمريه ، ومن طعمه بقرصيه ، إلى أن يقول : ولعلّ بالحجاز واليمامة من لا طمع له بالقرص ، ولا عهد له بالشبع ، أو أبيت مبطاناً وحولي بطون غرثى ، وأكباد حرّى ، أو أكون كما قال القائل :

وحسبك داءً أن تبيت ببطنةٍ

وحولك أكباد تحن إلى القد

أأقنع من نفسي بأن يقال هذا أمير المؤمنين ، ولا أُشاركهم في مكاره الدهر ، أو أكون أُسوة لهم في جشوبة العيش ، فما خُلقت ليشغلني أكل الطيبات ، كالبهيمة المربوطة همّها علفها ، أو المرسلة شغلها تقمّمها ». (٢)

______________________

١. مصطفى غالب : تاريخ الدعوة الإسماعيلية : ٣٦٦.

٢. نهج البلاغة : قسم الرسائل ، رقم ٤٥ ، تعليق صبحي الصالح.

١٧٩
 &

٤. يقول : ويجب أن لا يغرب عن بالكم ، بأنّ هذه المشاريع لا يمكن أن تتحقق ، ولا يكتب النجاح لهذه النهضة الإصلاحية إلّا إذا دفعت ضريبة العشر ، والعشر هذا تضحية جزئية واجبة علىٰ كلّ إسماعيلي يعتقد ولايتنا ويخلص لنا. (١)

ويلاحظ عليه : بأنّ الفريضة مختلفة في الزكاة ، وليست مبعضة بالعشر كما هو واضح ، لمن له أدنىٰ إلمام بالفقه الإسلامي من سنة وشيعة ، كما أنّ الواجب في المعادن ، والركائز ، وأرباح المكاسب ، هو الخمس ، لا العشر ، فالتركيز على العشر ، وحذف المعايير الأُخر إبطال للشريعة.

٥. ومن نصائحه لأتباعه أنّه أمرهم بالزهد ، ويقول : لا تسرفوا شيئاً على طقوس الأموات والزواج ، وازهدوا في لذائذ الحياة الدنيا ، وادّخروا شيئاً من نفقاتكم الشهريّة ، وابتاعوا بها سندات شركات التأمين وأوراق الدولة المالية. (٢)

إنّ هذه النصيحة ممزوجة بالحقّ والباطل ، فهو يأمرُ أتباعه بالزهد ، بينما يعيش هو حياة البذخ والإسراف ، أتقولون ما لا تفعلون ؟!

٦. قال لزوجته الفرنسية في صباح اليوم الذي قرّر أن تتم به حفلة زواجهما :

ابنتي العزيزة !! ...

أنت لا تجهلين ولا ريب بأنّي أميرٌ شرقي كبيرٌ وأعتقد بأنّك تجهلين بأنّ آلافاً وآلافاً من البشر يعتقدون بأنّ الإله متجسم فيَّ تقريباً. (٣)

أقول : يبدو بأنّه إمّا يصحح عقيدة أتباعه في حقّه ، أو يخطّئهم ، فعلى الوجه الأوّل هو إله متجسِّم حسب عقيدته ، وعلى الوجه الثاني مقصّر في إضفاء الشرعية علىٰ عقيدة قومه ، وعدم تخطئتهم ، وإرشادهم إلى الحقّ.

______________________

١. مصطفى غالب : تاريخ الدعوة الإسماعيلية : ٣٦٥.

٢. المصدر السابق : ٣٦٨.

٣. المصدر السابق : ٣٧٢.

١٨٠