بحوث في الملل والنّحل - ج ٨

الشيخ جعفر السبحاني

بحوث في الملل والنّحل - ج ٨

المؤلف:

الشيخ جعفر السبحاني


الموضوع : الفرق والمذاهب
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
المطبعة: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
الطبعة: ٢
ISBN: 978-964-357-272-3
الصفحات: ٤٥٣
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

وأهلُه الذين قد كانوا معه

فقام بالأمر ، وقاموا أربعة

لمّا مضى كلّهم لصلبه

مستترين بعده بحسبه

قد دخلوا في جملة الرعية

لشدة المحنة والرزية

وكلهم له دعاة تسري

ودعوة في الناس كانت تجري

يعرفهم في كل عصر وزمن

وكل حين وأوان ، كلُّ مَن

والاهم ، وكلُّ أوليائهم

يعلم ما علم من أسمائهم

ولم يكن يمنعني من ذكرهم

إلّا احتفاظي بمصون سرهم

وليس لي بأن أقول جهراً

ما كان قد أُدّي إليّ سرّاً

وهم على الجملة كانوا استتروا

ولم يكونوا إذ تولّوا ظهروا

بل دخلوا في جملة السواد

لخوفهم من سطوة الأعادي

حتى إذا انتهى الكتاب أجله

وصار أمر الله فيمن جعله

بمنّه مفتاحَ قفل الدين

أيّده بالنصر والتمكين

وممّا ينبغي إلفات القارئ إليه انّ القاضي في كتابه « الأُرجوزة المختارة » وإن ذكر في المقام استتار الأئمة بعد رحيل الإمام الصادق وهو يوافق عقيدة الإسماعيلية ، لكنّه في مقام الرد والنقد ، رد على جميع الفرق الشيعية ما عدا الإمامية الاثني عشرية ، فقد رد على مقالات الحريرية ، الراوندية ، الحصينية ، الزيدية ، الجارودية ، البترية ، المغيرية ، الكيسانية ، الكربية ، البيانية ، المختارية ، الحارثية ،

______________________

١. لو صحّ ما ذكره يجب على سائر الدعاة سلوك مسلكه وعدم التنويه بأسمائهم ، لكن المشهور خلافه ، ولعلّ الاختلاف في أسمائهم وسائر خصوصياتهم دفعه إلى هذا الاعتذار.

٢. القاضي النعمان : الأرجوزة المختارة : ١٩١ ـ ١٩٢ ، والأُرجوزة تبحث عن قضية الإمامة منذ وفاة الرسول ، إلى عصره ، والظاهر أنّه ألّفها في عهد الخليفة الفاطمي الثاني القائم بأمر الله وكان حكمه من سنة ٣٢٢ إلى ٣٣٤ كما استظهر محقّق الكتاب.

١٠١
 &

العباسية ، الرزامية. ولم يردّ على الإمامية بشيء فلو لم يكن المذهب الاثنا عشري مرضيّاً عنده لما فاته التعرض عليه ، كيف وهو من أعظم فرق الشيعة ؟!

وهذا يدل على أنّ المؤلف كان إمامياً اثني عشرياً ـ حسب رأي المحدّث النوري ـ ، ويعيش في حال التقية في عصر الخليفة الفاطمي المعزّ بدين الله في القاهرة ويجاريه ، وقد ألف دعائم الإسلام ، الذي اعتمدت عليه الإسماعيلية والاثنا عشرية ، وإنّما المهم هو كتاب « تأويل الدعائم » الذي انفرد المذهب الإسماعيلي في الاعتماد عليه. ولعلّه كان هناك مبرر لتأليف هذا الكتاب وما ماثله والله العالم.

ومع ذلك سيوافيك ما يخالف هذا الرأي في الفصل الثالث عشر ضمن ترجمة أبي حنيفة النعمان.

إلى هنا تمت ترجمة سيرة الأئمّة المستورين ، فلو جعلنا إسماعيل بن جعفر أوّل الأئمّة ، فالأئمّة المستورون خمسة وهم :

١. إسماعيل بن جعفر ، وقد عرفت أنّه لم تكن له أيّة دعوة ، وإنّما ذكرناه في هذه القائمة مجاراة للقوم.

٢. محمد بن إسماعيل ، ولم تثبت عندنا له دعوة ، بل كان يتعاطى مع هارون الرشيد على ما عرفت.

٣. عبد الله بن إسماعيل ، المعروف بالوفي.

٤. الإمام أحمد بن عبد الله ، المعروف بالتقي.

٥. الحسين بن أحمد ، المعروف بالرضي.

وعلى هذا فالإمام السادس أعني عبيد الله المهدي ـ الذي خرج عن كهف الاستتار ، وأسّس دولة إسماعيلية بإفريقية ـ هو ابن الإمام السابق ، أعني : الحسين بن أحمد ، وعلىٰ ذلك جرى مؤرخو الإسماعيلية فيذكرونه ابناً للإمام السابق ، ومع

١٠٢
 &

ذلك ففي نسبه خلاف كما سيوافيك تفصيله.

تتمة

الموجود في كتب أنساب الطالبيين أنّ محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق لم يعقّب إلّا من رجلين ، ولم يتعرّضوا لعبد الله بن محمد ، فضلاً عن أحمد بن عبد الله وولده الحسين.

قال الرازي : ولمحمد بن إسماعيل هذا من الأولاد المعقبين اثنان : إسماعيل الثاني ، وجعفر الأكبر السلامي. (١)

وقال أبو طالب الأزوَرقاني : وعقّب محمد من رجلين : جعفر الأكبر السلامي ، وإسماعيل الثاني. (٢)

وقال ابن عنبة : وأعقب محمد بن إسماعيل من رجلين : إسماعيل الثاني ، وجعفر الشاعر « السلامي ». (٣)

نعم ذكر الشهرستاني : انّ ثلاثة من أولاد محمد بن إسماعيل بقوا مستورين لا وقوف لأحد عليهم : الرضي ، والوفي ، والتقي ﴿ قُل رَّبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ (٤) ثمّ ظهر المهدي بالمغرب وبنى المهدية. (٥)

ولكن ما ذكره الشهرستاني رأي تفرّد به.

ولذلك نرى أنّ بعض علماء الأنساب جعل أئمّة الإسماعيلية على الترتيب التالي :

______________________

١. الرازي : الشجرة المباركة : ١٠١.

٢. أبو طالب الأزورقاني : الفخري في انساب الطالبيين : ٢٣.

٣. ابن عنبة : عمدة الطالب : ٢٣٤.

٤. الكهف : ٢٢.

٥. الرازي : الشجرة المباركة : ١٠٣.

١٠٣
 &

١. إسماعيل بن الإمام جعفر الصادق.

٢. محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق ، المعروف بالمكتوم.

٣. ابنه : جعفر بن محمد السلامي ، المعروف بالمصدق.

٤. ابنه : محمد بن جعفر ، المعروف بالحبيب. (١)

٥. ابنه : عبيد الله المهدي ابن محمد الحبيب ، وعليه يكون المهدي الإمام الخامس.

وفي بعض الروايات انّه ابن جعفر بن الحسن بن الحسن ، بن محمد بن جعفر الشاعر السلامي بن محمد بن إسماعيل. (٢)

١٠٤
 &

بحوث في الملل والنحل الجزء الثامن لشيخ جعفر السبحاني

١٠٥
 &

بحوث في الملل والنحل الجزء الثامن لشيخ جعفر السبحاني

١٠٦
 &

الإمام السادس

عبيد الله المهدي

( ٢٦٠ ـ ٣٢٢ هـ )

الإمام عبيد الله الملقب بالمهدي ، هو مؤسس الدولة الإسماعيلية في المغرب.

ولد بسلمية التي هي بلدة بالشام من اعمال حمص عام ٢٦٠ ـ ٢٥٩ ودعي له بالخلافة على منابر : رقادة ، والقيروان ، يوم الجمعة لتسع بقين من شهر ربيع الآخر سنة ٢٨٩ هـ ، فخرجت بلاد المغرب عن ولاية بني العباس ، وبنى البلدة المعروفة بـ « المهدية » وتوفي بها عام ٣٢٢ هـ.

إذا سبرنا التاريخ نجد أنّ المؤرخين ، وأصحاب المعاجم ، لا يمسّون إسماعيل ولا الأئمّة الذين تلوه بكلمة مشينة ، وإنّما يذكرونهم كسائر الفرق فلهم ما لهم وعليهم ما عليهم ، فلما وصل الأمر إلى عبيد الله الذي أسس دولة شيعية في المغرب وتعاقب على حكمها خلفاء تمكنوا من إرساء دعائمها وتقوية مرتكزاتها ، ثارت ثائرة السنّة المعاندين ، وأخذوا يصبّون عليهم قوارع الكلم ، ويرمونهم بأفظع النسب والتهم ، ممّا يندىٰ لها الجبين ، والذي دعاهم لذلك أمران :

الأوّل : عداؤهم السياسي ، فهؤلاء الخلفاء أخرجوا المغرب ومصر والشامات من قبضة الخليفة ببغداد ، مما حرض البلاط العباسي ووعاظ الخلفاء على سبّهم والطعن في نسبهم ، وانّ نسب عبد الله المهدي لا يصل إلى آل علي ، بل إلى مجوسي أو يهودي.

١٠٧
 &

الثاني : بغضهم للشيعة ، فلقد قام الخلفاء الفاطميون بتأسيس دولة إسلامية شيعية ، لأوّل مرة في أقصاع كبيرة من الأرض وأشاعوا فيها التشيع ، وحب أهل البيت ، وأمروا بإدخال « حي علىٰ خير العمل » في الأذان ، وترك بعض البدع ، كإقامة صلاة التراويح جماعة وغيرها ، ممّا حدا بالمتعصبين من أهل السنّة كالذهبي ، ومن لف لفه ـ الذي كان لا يقيم للأشاعرة من أهل العقائد ولا لغير الحنابلة من أهل الفقه وزناً ولا قيمة ، فكيف للشيعة المنزهة لله سبحانه عن الجسم ولوازمه ـ أن يسبّهم ويتّهمهم بتهم رخيصة ، وانّهم من عناصر يهودية قلبوا الإسلام ظهراً لبطن.

فما نرى في كتب التاريخ والمعاجم حول نسب عبيد الله المهدي ، كـ « وفيات الأعيان » لابن خلكان ، وسير أعلام النبلاء للذهبي وغيرهما لا يمكن الاعتماد عليها والوثوق بها ، لأنّها وليدة أجواء العداء السياسي ، والاختلاف المذهبي ، اللّذين يعميان ويصمان.

نعم هناك من رد تلك التهم المشينة من المؤرخين برحابة صدر كابن خلدون في مقدمته ، والمقريزي في خططه.

يقول ابن خلدون : أوّلهم عبيد الله المهدي بن محمد الحبيب بن جعفر الصادق (١) بن محمد المكتوم بن (٢) جعفر الصادق ، ولا عبرة بمن أنكر هذا النسب من أهل القيروان وغيرهم وبالمحضر الذي ثبت ببغداد أيام القادر بالطعن في نسبهم ، وشهد فيه أعلام الأئمّة ، وقد مرّ ذكرهم. فإنّ كتاب المعتضد

______________________

١. هو جعفر الأكبر السلامي ، ولد محمد بن إسماعيل ابن الإمام الصادق عليه‌السلام وربما يعبر عنه بالمصدق ليتميز عن جدّه الإمام الصادق عليه‌السلام.

٢. سقط عن الطبع : ابن إسماعيل بن جعفر الصادق ، أُنظر عمدة الطالب : ٢٣٥ ، وقد ذكر ابن خلدون نفسه في مكان آخر نسبه وقال : لما توفّي محمد الحبيب بن جعفر بن محمد بن إسماعيل الإمام عهد إلى ابنه عبيد الله وقال : أنت المهدي ...التاريخ ٤ / ٤٤.

١٠٨
 &

إلى ابن الأغلب بالقيروان وابن مدرار بسجلماسة يغريهم بالقبض عليه ، لمّا سار إلى المغرب ، شاهد بصحة نسبه ، وشعر الشريف الرضي مسجل بذلك. والذين شهدوا في المحضر فشهادتهم على السماع وهي ما علمت ، وقد كان نسبهم ببغداد منكراً عند أعدائهم شيعة بني العباس منذ مائة سنة ، فتلون الناس بمذهب أهل الدولة وجاءت شهادة عليه مع أنّها شهادة على النفي ، مع أنّ طبيعة الوجود في الانقياد إليهم ، وظهور كلمتهم حتىٰ في مكة والمدينة أدل شيء علىٰ صحّة نسبهم.

وأمّا من يجعل نسبهم في اليهودية والنصرانية ليعمونَ القدح وغيره ، فكفاه ذلك إثماً وسفسفة. (١)

ثمّ إنّ تقي الدين المقريزي بعد ما نقل أقوال المخالفين في حقّ عبيد الله المهدي ـ حيث إنّهم وصفوه تارة بأنّه ابن مجوسي ، وأُخرى أنّه ابن يهودي ـ أخذ بالقضاء العادل وقال :

وهذه أقوال إن أنصفت تبيّن لك أنّها موضوعة ، فإنّ بني علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ قد كانوا إذ ذاك على غاية من وفور العدد وجلالة القدر عند الشيعة ، فما الحامل لشيعتهم على الإعراض عنهم والدعاء لابن مجوسيّ أو لابن يهودي ؟! فهذا ممّا لا يفعله أحد ولو بلغ الغاية في الجهل والسخف ، وإنّما جاء ذلك من قبل ضَعَفة خلفاء بني العباس عندما غصوا بمكان الفاطميّين ، فإنّهم كانوا قد اتصلت دولتهم نحواً من مائتين وسبعين سنة ، وملِكوا من بني العباس بلاد المغرب ومصر والشام وديارَ بكر والحرمين واليمن ، وخطب لهم ببغداد نحو أربعين خطبة وعجزت عساكر بني العباس عن مقاومتهم.

فلاذت حينئذٍ بتنفير الكافة عنهم بإشاعة الطعن في نسبهم ، وبث ذلك عنهم خلفاؤهم وأعجب به أولياؤهم وأُمراء دولتهم الذين كانوا يحاربون عساكر الفاطميين كي يدفعوا بذلك عن أنفسهم وسلطانهم معرّة العجز عن مقاومتهم ،

______________________

١. ابن خلدون : التاريخ : ٤ / ٤٠.

١٠٩
 &

ودفعهم عمّا غُلِبُوا عليه من ديار مصر ، والشام والحرمين حتى اشتهر ذلك ببغداد ، وأسجل القضاة بنفيهم من نسب العلويين ، وشهد بذلك من أعلام الناس جماعة منهم الشريفان الرضي والمرتضى (١) وأبو حامد الاسفرائيني والقدوري في عدّة وافرة عندما جمعوا لذلك في سنة اثنتين وأربعمائة أيام القادر.

وكانت شهادة القوم في ذلك على السماع لما اشتهر ، وعرف بين الناس ببغداد وأهلها من شيعة بني العباس ، الطاعنون في هذا النسب ، والمتطيّرون من بني علي ابن أبي طالب ، الفاعلون فيهم منذ ابتداء دولتهم الأفاعيل القبيحة ، فنقل الأخباريون وأهل التاريخ ذلك كما سمعوه ، ورووه حسب ما تلقوه من غير تدبّر ، والحقّ من وراء هذا.

وكفاك بكتاب المعتضد من خلائف بني العباس حجة ، فإنّه كتب في شأن عبيد الله إلى ابن الأغلب بالقيروان وابن مدرار بسجلماسة (٢) بالقبض على عبيد الله ، فتفطّن ـ أعزك الله ـ لصحّة هذا الشاهد ، فإنّ المعتضد لولا صحّة نسب عبيد الله عنده ما كتب لمن ذكرنا بالقبض عليه ، إذ القوم حينئذٍ لا يَدْعون لِدعيّ البتة ولا يذعنون له بوجه ، وإنّما ينقادون لمن كان علويّاً ، فخاف ممّا وقع ، ولو كان عنده من الأدعياء ، لما مرّ له بفكر ولا خافه على ضيعة من ضياع الأرض.

وإنّما كان القوم ، أعني : بني علي بن أبي طالب ، تحتَ ترقّب الخوف من بني العباس لتطلّبهم لهم في كلّ وقت ، وقصدهم إيّاهم دائماً بأنواع من العقاب ، فصاروا ما بين طريد شريد ، وبين خائف يترقّب ، ومع ذلك فإنّ لشيعتهم الكثيرة المنتشرة في أقطارهم من المحبة لهم ، والإقبال عليهم ما لا مزيد عليه ، وتكرّر قيام

______________________

١. سيوافيك كلام الرضي الذي نقله ابن أبي الحديد في شرحه.

٢. سجلماسة مدينة انشئت سنة ١٤٠ هـ ، وتقع في محلة تافيلات اليوم في طرف صحراء المغرب على بعد حوالي ٣٢٥ كلم إلى الجنوب الشرقي لمدينة فاس ، عمرها بربر مكناسة ، ولمّا تولّاها اليسع بن سمغون المكناسي أحاطها بسور وبنى بها عدّة مصانع وقصور ، وقد استمر عمران هذه المدينة إلى القرن العاشر الهجري. ( دولة التشيع في بلاد المغرب : ١٠٩ ).

١١٠
 &

الرجال منهم مرّة بعد مرّة والطلب عليهم من ورائهم ، فلاذوا بالاختفاء ولم يكادوا يُعْرفُون ، حتى تسمّى محمد بن إسماعيل الإمام جدُ عبيد الله المهدي بالمكتوم ، سمّاه بذلك الشيعة عند اتّفاقهم على إخفائه ، حذراً من المتغلّبين عليهم ، وكانت الشيعة فرقاً.

فمنهم من كان يذهب إلى أنّ الإمام من ولد جعفر الصادق هو إسماعيل ابنه ، وهؤلاء يعرفون من بين فرق الشيعة بالإسماعيلية من أجل انّهم يرون أنّ الإمام من بعد جعفر ابنه إسماعيل ، وانّ الإمام بعد إسماعيل بن جعفر الصادق هو ابنه محمد المكتوم ، وبعد ابنه محمد المكتوم ، ابنه جعفر الصادق (١) ، ومن بعد جعفر الصادق ، ابنه محمد الحبيب ، وكانوا أهل غلو في دعاويهم في هؤلاء الأئمّة.

وكان محمد بن جعفر هذا يؤمل ظهوره وانّه يصير له دولة ، وكان باليمن من أهل هذا المذهب كثير بعدن وبإفريقية وفي كتامة ونفره ، تلقوا ذلك من عهد جعفر الصادق ، فقدم على محمد ( الحبيب ) بن جعفر والد عبيد الله رجل من شيعته باليمن فبعث معه الحسن بن حوشب في سنة ثمان وستين ومائتين ، فأظهرا أمرهما باليمن ، وأشهرا الدعوة في سنة سبعين ، وصار لابن حوشب دولة بصنعاء ، وبثّ الدعاة بأقطار الأرض ، وكان من جملة دعاته أبو عبد الله الشيعي ، فسيّره إلى المغرب فلقي كتامة ودعاهم ، فلمّا مات محمد ( الحبيب ) بن جعفر عهد لابنه عبيد الله فطلبه المكتفي العباسي وكان يسكن عسكر مكرم ، فسار إلى الشام ، ثمّ سار إلى المغرب فكان من أمره ما كان ، وكانت رجال هذه الدولة الذين قاموا ببلاد المغرب وديار مصر أربعة عشر رجلاً.

هذه خلاصة أخبارهم في أنسابهم ، فتفطّن ولا تغتر بزخرف القول الذي لفّقوه من الطعن فيهم ، والله يهدي من يشاء. (٢)

______________________

١. كان التعبير بالمصدَّق.

٢. المقريزي : الخطط : ١ / ٣٤٨ ـ ٣٤٩.

١١١
 &

ولا يظن القارئ الكريم انّ الكاتب بصدد الدفاع عن عقيدتهم وأُصولهم ، وما اقترفوه من الأعمال الشنيعة كسائر الخلفاء والملوك ، وإنّما الهدف إيقاف القارئ على بَخس حملة الأقلام لحق هؤلاء ، ولو كان لآل البيت حرية ولم يكن لهم اضطهاد لما التجأوا إلى ترك أوطانهم والهجرة إلى أقاصي البلاد هرباً ممّا يحيط بهم من الأخطار.

ونعم ما قال العزيز بالله أحد الخلفاء الفاطميين :

نحن بنو المصطفى ذوو مَحن

أوّلنا مبتلىٰ وخاتمنا

عجيبة في الأيام محنَتنا

يجرعها في الحياة كاظمنا

يفرح هذا الورى بعيدهم

طرّاً وأعيادنا مآتمنا (١)

إنّ الباطل إذا خلص من شائبة الحق ، لا يمكن أن يدوم ٢٧٢ سنة حاكماً ، ٢٠٨ أعوام منها على مصر ، وعلى مساحات شاسعة من المغرب والشام والعراق ، فلم تكن الدعوة إلحادية ، ولا مجوسية ، ولا يهودية ، بل دعوة إسلامية على نهج آل البيت ، لكنّهم ضلّوا في الطريق ، فأخذوا ببعض وتركوا بعضاً.

أضف إلى ذلك انّ الناس بايعوا الحاكم بالله الإمام الحادي عشر وهو ابن خمس وستين سنة ممّا يدلّل على أنّ قلوب الأُمّة كانت تهوي إليهم لمّا شاهدوا بأمّ أعينهم من إشاعة للعدل وعمران للبلاد ، وبسط للثقافة وأمن للطرق.

وأمّا ما نسب المقريزي إلى الشريف الرضي من أنّه وافق القوم في نفي انتسابهم إلى البيت العلوي فيصفه ابن أبي الحديد ويقول :

« ذكر أبو الحسن الصابي وابنه غرس النعمة محمد في تاريخهما : أنّ القادر بالله عقد مجلساً أحضر فيه الطاهر أبا أحمد الموسوي ، وابنه أبا القاسم المرتضىٰ وجماعة من القضاة والشهود والفقهاء ، وأبرز إليهم أبيات الرضي أبي الحسن التي

______________________

١. الذهبي : سير الأعلام : ١٥ / ١٦٧ ـ ١٦٨. وسيوافيك أيضاً في ترجمته ، فانتظر.

١١٢
 &

أوّلها :

ما مقامي على الهَوان وعندي

مِقْول صارِم وأنف حَمِيّ

وإباء مُحلِّقٌ بي عن الضيـ

ـم كما زاغَ طائر وحشيّ

أي عذر له إلى المجد إن ذ

ل غلام في غمده المشرفيّ

أحمل الضيمَ في بلاد الأعادي

وبمصر الخليفةُ العلوي

من أبوه أبي ، ومولاه مولا

ي إذا ضامني البعيدُ القصيّ

لفَّ عِرقي بِعِرْقِه سيدا النا

س جميعاً محمد وعليّ

وقال القادر للنقيب أبي أحمد : قل لولدك محمد : أيَّ هوان قد أقام عليه عندنا ؟! أيّ ضيم لقي من جهتنا ؟! وأي ذُلّ أصابه في مملكتنا ؟! وما الذي يعمل معه صاحب مصر لو مضىٰ إليه ؟! أكان يصنع إليه أكثر من صنيعنا ؟! ألم نولِّه النقابة ؟! ألم نولِّه المظالم ؟! ألم نستخلفه على الحرمين والحجاز ، وجعلناه أمير الحجيج ؟! فهل كان يحصل له من صاحب مصر أكثر من هذا ؟! ما نظنّه كان يكون لو حصل عنده إلّا واحداً من أبناء الطالبيين بمصر.

فقال النقيب أبو أحمد : أمّا هذا الشعر فممّا لم نسمعه منه ، ولا رأيناه بخطه ، ولا يبعد أن يكون بعضُ أعدائه نَحله إيّاه ، وعزاه إليه.

فقال القادر : إن كان كذلك ، فلتكتب الآن محضراً يتضمن القدح في أنساب ولاة مصر ، ويكتُب محمد خطَه فيه. فكتب محضراً بذلك ، شهد فيه جميع من حضر المجلس ، منهم النقيب أبو أحمد ، وابنه المرتضى ، وحمل المحضر إلى الرضي ليكتب خطّه فيه ، حَمَله أبوه وأخوه ، فامتنع من سطر خطه ، وقال : لا أكتب وأخاف دعاة صاحب مصر ، وأنكر الشعر ، وكتب خطه وأقسم فيه أنّه ليس بشعره ، وأنّه لا يعرفه. فأجبره أبوه علىٰ أن يكتب خطّه في المحضر ، فلم يفعل ، وقال : أخاف دعاة المصريين وغيلتهم لي فانّهم معروفون بذلك ، فقال أبوه :

١١٣
 &

يا عجباه ، أتخاف من بينك وبينه ستمائة فرسخ ، ولا تخاف من بينك وبينه مائة ذراع ؟! وحلف ألّا يكلّمه ، وكذلك المرتضى ، فعلا ذلك تقية وخوفاً من القادر ، وتسكيناً له.

ولمّا انتهى الأمر إلى القادر سكتَ على سوءٍ أضمره ، وبعد ذلك بأيام صرفه عن النقابة ، وولّاها محمد بن عمر النهر السايسي. (١)

ذهاب عبيد الله إلى إفريقية

لمّا تمكن أبو عبد الله واستقر أمره مهّد الطريق لإمامة عبيد الله المهدي ، فبعثَ برجال من كتامة إلى سلمية في أرض الشام ، فقدِموا على عبيد الله وأخبروه بما فتح الله عليه ، وكان قد اشتهر هناك انّ الخليفة المكتفي طلبه ، فخرج من سلَمية فارّاً ومعه ابنه أبو القاسم نزّار ، ومعهما أهلهما فأقاما بمصر مستقرين ، ثمّ سار إلى طرابلس وقد سبقَ خبره إلى « زيادة الله » فسار إلى قسطيلية فقدم كتاب « زيادة الله » ابن الأغلب إلى عامل طرابلس بأخذ عبيد الله وقد فاتهم ، فلم يدركوه ، فرحل إلى سجلماسة وأقام بها ، فوافىٰ عامله علىٰ سجلماسة كتاب زيادة الله ، بالقبض علىٰ عبيد الله فلم يجد بداً من أن قبض عليه وسجنه. فلمّا دخل شهر رمضان سار أبو عبد الله من رقادة في جيوش عظيمة يريد سجلماسة ، فحاربه اليسع يوماً كاملاً إلى الليل ثمّ فر عاملها في خاصته ، فدخل أبو عبد الله من الغد إلى البلد وأخرج عبيد الله وابنه ومشى في ركابهما بجميع رؤساء القبائل ، وهو يقول للناس : هذا مولاكم ، وهو يبكي من شدة الفرح حتى وصل بهما إلىٰ فسطاط وأقاما فيها أربعين يوماً ، ثمّ سار إلى إفريقية في ربيع الآخر سنة سبع وتسعين ونزل برقادة ، وقسّم علىٰ وجوه كتامة أعمال إفريقية. (٢)

______________________

١. شرح نهج البلاغة : ١ / ٣٧ ـ ٣٩.

٢. المقريزي : الخطط المقريزية : ١ / ٣٥٠ ، دار صادر ؛ ابن خلكان : وفيات الأعيان : ٢ / ١٩٢.

١١٤
 &

ولكن العجب انّ عبيد الله جزىٰ أبا عبد الله الشيعي جزاء السنمار ، وذلك انّ المهدي لما استقامت له البلاد ، ودانت له العباد ، وباشر الأُمور بنفسه وكف يد أبي عبد الله ويد أخيه أبي العباس ، داخل أبا العباس الحسد وعظم عليه الفطام عن الأمر والنهي والأخذ والعطاء ، فأقبل يزري على المهدي في مجلس أخيه ويتكلّم فيه وأخوه ينهاه ولا يرضىٰ فعله فلا يزيده ذلك إلّا لجاجاً ، ولم يزل حتى أثّر في قلب أخيه وكلّ ذلك يصل إلى المهدي وهو يتغافل ، ثمّ صار أبو العباس يقول : إنّ هذا ليس الذي كنّا نعتقد طاعتَه وندعو إليه ، لأنّ المهدي يختم بالحجة ويأتي بالآيات الباهرة ، فأخذ قوله بقلوب كثير من الناس ، منهم إنسان في كتامة يقال له شيخ المشايخ ، فواجه المهدي بذلك وقال : إن كنت المهدي ، فأظهر لنا آية فقد شككنا فيك ، فقتله ، فخافه أبو عبد الله وعلم أنّ المهدي قد تغيّر عليه واتّفق هو وأخوه ومن معهما على الاجتماع عند أبي زاكي وعزموا علىٰ قتل المهدي ، واجتمع معهم قبائل كتامة إلّا قليلاً منهم وكان معهم رجل يظهر أنّه منهم وينقل ما يجري إلى المهدي.

فلمّا وقف المهديّ علىٰ أمرهم حاربهم وأمر رجالاً معه أن يرصدوا أبا عبد الله وأخاه أبا العباس ويقتلوهما. (١)

ولكن الإسماعيلية تنكر ذلك ، وتقول : وهذه الأقوال لا يقرّها المنطق ، ولا يمكن أن يصدّقها العقل ، فلو كان أبو عبد الله الشيعي يبغي الخلافة لنفسه لكان باستطاعته أن يحصل عليها قبل قدوم الإمام محمد المهدي إلى إفريقية عندما كانت جيوشه يربو عددها على المائة ألف مقاتل بينما كان الإمام المهدي في الرملة بطريقه إليه.

ثمّ يقول : إنّ أبا عبد الله الشيعي قضى آخر أيّامه بقرب الإمام مخلِصاً له

______________________

١. الجزري : الكامل في التاريخ : ٨ / ٥٠ ـ ٥٣ ، دار صادر.

١١٥
 &

حتّى أدركته الوفاة ، فدفن باحتفال مهيب وصلّى عليه الإمام المهدي. (١)

ولكن فات الكاتب أنّ أبا عبد الله الشيعي وإن كان لا يبغي الخلافة لنفسه لفقدانه الرصيد الشعبي ، ومع ذلك كان يتطلع للمشاركة في الأُمور ، وقد حال المهدي دون ذلك ، فعند ذلك ثارت ثائرته. وتآمر على إمامه.

ثمّ إنّ هناك نكتة أُخرى هامة وهي أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أخبر عن خروج المهدي في آخر الزمان ، وانّه يملك الشرق والغرب ، ويجري القسط والعدل بين الناس ، فاتخذ المهدي هذا الخبر الذائع الصيت ذريعة لاستقطاب الناس حوله ، وقد سمّىٰ نفسه محمّداً ، ولقب نفسه بالمهدي فتقمّص أوصاف المهدي الذي أخبر به النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ليتخذها وسيلة لتحقيق مآربه وانّه مفترض الطاعة.

وقد مات عبيد الله في ليلة الثلاثاء منتصف شهر ربيع الأوّل سنة ٣٢٢ هـ بالمهدية في القيروان عن ثلاث وستين سنة ، وكانت خلافته أربعاً وعشرين سنة وشهراً وعشرين يوماً ، وقام بعده ابنه.

______________________

١. مصطفى غالب : تاريخ الدعوة الإسماعيلية : ١٨٣.

١١٦
 &

الإمام السابع

القائم بأمر الله

( ٢٨٠ ـ ٣٣٤ هـ )

ولد الإمام القائم بأمر الله ، ابن الإمام عبيد الله المهدي ، في محرم سنة ٢٨٠ هجرية « بالسلَمية » ، وارتحل مع أبيه الإمام محمد المهدي إلى المغرب ، وعَهد إليه بالإمامة من بعده حسب الأُصول الإسماعيلية ، فاقتفى إثر أبيه وخطا خطاه ، ونهج نهجه ، وعمل جاهداً على تعزيز وازدهار الدعوة الإسماعيلية ، وتعميمها في جميع البلدان والأقاليم ، ووجّه اهتمامَه الزائد لتنظيم وتقويةَ البحرية الإسماعيلية ، فشكل اسطولاً عظيماً ، تمكن بواسطته من قهر العصابات البحرية المالطية ، التي كانت تأتي بأعمال القرصنة لغزو البلاد الإسماعيلية ، وقيامهم بأعمال النهب والسلب والتخريب. واحتلَّ الاسطول الإسماعيلي « جنوه » و « لونبارتي » و « غرناطة » وغيرها من البلاد الايطالية التي كانت خاضعة لحكم الروم ، كما فتح الإسماعيلية جزيرة « صقليا ». (١)

يقول المقريزي : كان اسمه بالمشرق عبد الرحمان فتسمىٰ في بلاد المغرب بمحمد ، فلما فرغ من جميع ما يريده وتمكّن ، أظهر موتَ أبيه ، واستقلّ بالأمر وله سبع وأربعون سنة ، وتبع سيرة أبيه ، وثار عليه جماعة فظفر بهم ، وبثَّ جيوشَه في البرّ والبحر فسبَوا وغَنِمُوا من بلد « جنوه » وبعث جيشاً إلى مصر فملكوا

______________________

١. مصطفى غالب : تاريخ الدعوة الإسماعيلية : ١٨٤.

١١٧
 &

الاسكندرية ، والاخشيد يومئذٍ أمير مصر ، فلما كان في سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة خرج عليه أبو يزيد مخلد بن كندار النكاري الخارجي بإفريقية ، واشتدّت شوكتُه وكثرت أتباعه ، وهزمَ جيوشَ القائم غير مرة ، وكان مذهبه تكفير أهل الملّة ، وإراقة دمائهم ديانة ، فملك « باجه » وحرّقها ، وقتل الأطفال ، وسبى النسوان ، ثمّ ملك القيروان ، فاضطرب القائم ، وخاف الناس ، وهمّوا بالنقلة من « زويلة » وقوى أمر أبي يزيد ونازل المهدية وحصر القائم بها ، وكاد أن يغلب عليها ، فلما بلغ المصلّىٰ حيث أشار المهدي أنّه يصل ، هزمه أصحاب القائم وقتلوا كثيراً من أصحابه ، وكانت له قصص وأنباء ، إلى أن مات القائم لثلاث عشرة خلت من شوال سنة أربع وثلاثين وثلاثمائة ، عن أربع وخمسين سنة وتسعة أشهر ، ولم يرق منبراً ، ولا ركب دابّة لصيدٍ مدّة خلافته حتى مات ، وصلى مرّةً على جنازةٍ ، وصلى بالناس العيدَ مرة واحدة ، وكانت مدّة خلافته اثنتي عشرة سنة وستة أشهر وأيّاماً ، وترك أبا الظاهر إسماعيل ، وأبا عبد الله جعفر أو حمزة ، وعدنان ، وعدّة أُخر ، وقام من بعده ابنه. (١)

يقول الجزري في حوادث سنة (٣٣٤) : وفي هذه السنة توفي القائم بأمر الله ، أبو القاسم محمد بن عبد الله المهدي العلوي صاحب إفريقية ، لثلاث عشرة مضت من شوال ، وقام بالأمر بعده ابنه إسماعيل ، وتلقّب المنصور بالله ، وكتم موته (٢) خوفاً أن يعلم بذلك أبو يزيد ، وهو بالقرب منه على « سوسة » وأبقى الأُمور على حالها ، ولم يتسمّ بالخليفة ، ولم يغير السكّة ، ولا الخطبة ، ولا البنود ، وبقي على ذلك إلى أن فرغ من أمر أبي يزيد ، فلما فرغ منه أظهر موته ، وتسمّىٰ بالخلافة ، وعمل آلات الحرب والمراكب ، وكان شهماً شجاعاً ، وضبط الملك والبلاد. (٣)

______________________

١. المقريزي : كتاب الخطط المقريزية : ٣٥١ ، دار صادر.

٢. كسيرة أبيه في حقّ المهدي.

٣. الجزري : الكامل في التاريخ : ٨ / ٤٥٥ ، دار صادر.

١١٨
 &

وقد ذكره الذهبي السلفي وبالغ في ذمه ، وسلك في ترجمته نفس ما سلكه في ترجمة أبيه ، ولأجل ذلك تركنا النقل عنه ، ومن أراد الوقوف عليه فليرجع إلى كتابه. (١)

______________________

١. الذهبي : سير أعلام النبلاء : ١٥ / ١٥١ ، مؤسسة الرسالة.

١١٩
 &

الإمام الثامن

الإمام المنصور بالله

( ٣٠٣ ـ ٣٤٦ هـ )

ولد الإمام المنصور بالله ، إسماعيل بن الإمام القائم بـ « المهدية » في أوّل جمادى الآخرة سنة ٣٠٣ هـ ، وقيل : ولد بالقيروان سنة ٣٠٢ هـ ، تسلّم شؤون الإمامة بعد وفاة أبيه سنة ٣٣٤ هـ ، وكان سياسيّاً عظيماً ، ومحارباً قديراً ، وخطيباً من أفصح الخطباء وأبلغهم. (١)

وقال المقريزي : جدّ في حرب أبي يزيد حتى ظفر به وحمل إليه فمات من جراحات كانت به ، سلخ المحرّم سنة ست وثلاثين وثلاثمائة ولم يزل المنصور إلى أن مات سلخ شوال سنة إحدىٰ وأربعين وثلاثمائة عن إحدىٰ وأربعين سنة وخمسة أشهر ، وكانت مدّة خلافته ثمان سنين وقيل سبع سنين وعشرة أيّام ، وقد اختلف في تاريخ ولادته فقيل : ولد أوّل ليلة من جمادى الآخرة سنة ٣٠٣ هـ بالمهدية ، وقيل : بل ولد في سنة اثنتين وقيل : سنة إحدى وثلاثمائة ، وكان خطيباً بليغاً يرتجل الخطبة لوقته شجاعاً عاقلاً ، وقام من بعده ابنه. (٢)

يقول المؤرخ المعاصر : وما زال أبو يزيد هارباً والجيوش تلاحقه حتى التجأ إلى جبل البربر ، وجمع خلقاً كثيراً لمقابلة جيش الإمام المنصور ، ولكنّه هزم ، فأدركه

______________________

١. مصطفى غالب : تاريخ الدعوة الإسماعيلية : ١٨٩.

٢. المقريزي : الخطط : ١ / ٣٥١ ، دار صادر.

١٢٠