تربية الطفل في الاسلام

السيد شهاب الدين الحسيني

تربية الطفل في الاسلام

المؤلف:

السيد شهاب الدين الحسيني


الموضوع : علم‌النفس والتربية والاجتماع
الناشر: مركز الرسالة
المطبعة: ستاره
الطبعة: ٢
ISBN: 964-8629-55-2
الصفحات: ١١٥

السادس تصبح عندهم ( أعضاء التناسل منطقة مولّدة للذة ) ثم تأتي بعدها مرحلة الكمون (١).

ولهذا حذّر أهل البيت عليهم‌السلام من إثارة الطفل الجنسية في هذه المرحلة ، وأفضل طريقة لابعادهم عن الاثارة الجنسية هو ابعاده عن رؤية المباشرة بين الوالد والوالدة ، فعن الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه‌السلام قال : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : والذي نفسي بيده لو أنّ رجلاً غشي أمرأته ، وفي البيت صبي مستيقظ يراهما ويسمع كلامهما ونَفَسَهُما ما أفلح أبداً ان كان غلاماً كان زانياً ، أو جارية كانت زانية » (٢).

وقال الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه‌السلام : « لا يجامع الرجل امرأته ولا جاريته ، وفي البيت صبي فان ذلك ممّا يورث الزنا » (٣).

والطفل في هذه المرحلة يحاكي سلوك الابوين ويقلّدهم ( فيعمل ما يعمله أبواه ) (٤).

وبما ان ( اللعبة المفضلة في تلك الاعمال هي لعبة العريس والعروسة ) (٥).

لذا فإنّ الاطفال سيمارسون في لعبهم ما شاهدوه من ممارسات جنسية من قبل الوالدين ، وقد يستمرّون عليها في مراحل العمر

__________________

(١) علم النفس العلاجي : ١٠٦.

(٢) وسائل الشيعة ٢٠ : ١٣٣ / ٢ باب ٦٧.

(٣) وسائل الشيعة ٢٠ : ١٣٤ / ٧ باب ٦٧.

(٤) التربية وبناء الاجيال ، لانور الجندي : ١٦٦ ـ دار الكتاب بيروت ١٩٧٥ م ط ١.

(٥) مشاكل الآباء : ٢٠٥.

٨١

المتقدّمة.

فيجب علىٰ الوالدين التجنّب عن ذلك ، والتجنب عن مقدماته كالتقبيل وغيره ومن الخطأ الفاحش الذي يقوم به بعض الوالدين هو التحدث عن أمور الجنس أمام الأطفال في بعض المناسبات ، فان ذلك يدفع الأطفال إلىٰ زيادة فضولهم ، وعلىٰ الوالدين ان يحتاطوا في إجراء المباشرة حتىٰ في حالة نوم الطفل خوفاً من استيقاظه فجأة ، فانّ ذلك يولد في أعماقه صدمة نفسية تبقىٰ كامنة في اللاشعور.

وعلىٰ الوالدين ان يراقبوا سلوك أبنائهم وطريقة ألعابهم ، وخصوصاً في أماكن اختلائهم بعضهم بالبعض الآخر.

ويجب علىٰ الوالدين وقاية الاطفال من الإثارة الجنسية ، وهو التفريق بينهم في حالة المنام ، بان توضع فاصلة بينهم فلا ينامون تحت غطاء واحد بحيث يحتك جسم أحدهم بالآخر ، وقد وردت عدة روايات تؤكد هذه الوقاية قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « يفرّق بين الصبيان في المضاجع لست سنين » (١).

وفي رواية أخرىٰ عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « فرّقوا بين أولادكم في المضاجع إذا بلغوا سبع سنين » (٢).

والتفريق مطلق بين الذكور والذكور ، وبين الاناث والاناث ، وبين الذكور والاناث.

__________________

(١) مكارم الاخلاق : ٢٢٣.

(٢) مكارم الاخلاق : ٢٢٣.

٨٢

وفي وقتنا الحاضر وبعد انتشار اجهزة السينما والتلفزيون والفديو تكون الحاجة شديدة إلىٰ ابعاد الطفل عن الاثارة الجنسية ، ويجب علىٰ الوالدين في البلدان التي لا تتبنىٰ الإسلام منهجاً لها في الحياة ، وتعرض الافلام المثيرة ، ان يقوما بجهدٍ اضافي في مراقبة الاطفال ووقايتهم من النظر إلىٰ هذه الاجهزة حذراً من مشاهدة الافلام غير المحتشمة ، وفي الخصوص في البلدان التي ترىٰ ان أفضل اسلوب لتحرير الاطفال من الكبت المستقبلي هو عرض الافلام الجنسية ، وقد أثبت علماء النفس والتربية صحة النظرية الإسلامية في ذلك فالدكتور سپوك الامريكي يقول : ( ان النسبة المعتدلة من التحريم التي فرضت علينا جميعاً اثناء الطفولة والتي نقلناها نحن بدورنا إلىٰ ابنائنا ، تلعب دوراً ايجابياً ، في تحرير عقل الطفل في اثناء سنوات الدراسة للتفرغ لاهتمامات غير ذاتية مثل الكتابة والقراءة والحساب ) (١).

ولذا نراه ينتقد الممارسات الخاطئة في أمريكا وهو عري الرجال وعري النساء علىٰ الشواطىء الامريكية.

وخلاصة القول انّ علىٰ الوالدين ان يجيبوا علىٰ اسئلة الاطفال حول مسائل الجنس بهدوء لا تزمّت فيه ، وان يبعدوهم عن الاثارة الجنسية بمختلف الوانها واشكالها وخصوصاً في عصر السينما والتلفزيون والفديو.

__________________

(١) مشاكل الآباء : ٢٨٤.

٨٣

تاسعاً : تنمية العواطف

العواطف من أهم دوافع الإنسان للعمل ، وتبدأ العواطف كما تقدم منذ الايام الاولىٰ في مرحلة الرضاعة ثم تنمو بالتدريج حينما يتقدم الطفل في العمر ، وحينما يتسع محيطه الاجتماعي ، ويتأثر نمو العواطف وتغيّرها بالفكر الذي يؤمن به الطفل في حدود إدراكه العقلي ، فحينما يؤمن الطفل بانّ اداء العمل الفلاني يرضي والديه أو يرضي الله تعالىٰ فانه يندفع لأدائه ، والعكس صحيح ، ويمكن تقسيم العواطف إلىٰ أربعة أقسام : الفردية ، والعالية ، والاجتماعية ، والخلقية.

ونقصد بالعواطف الفردية هي العواطف التي تتعلق بذات الانسان كحب التملك وحب الاستقلال وحب التفوق علىٰ الاخرين ، وحب المكانة الاجتماعية واحترام الآخرين له ، وهي العواطف التي تجلب له المنفعة الشخصية والذاتية.

والعواطف العالية هي العواطف التي تسمو بالطفل في حدود إدراكه العقلي إلىٰ المثل الأعلىٰ فتحبّب إليه الارتباط والتعلّق بالمطلق وهو الله تعالىٰ مصدر اللطف والانعام والرأفة والرحمة ، وتحبّب اليه الحقيقة والخير ، وليس فيها تحصيل المنفعة الشخصية والذاتية.

والعواطف الاجتماعية هي العواطف التي تدفعه إلىٰ الارتباط بالآخرين ابتداءً بالوالدين والاخوة والاخوات والاقارب وانتهاءً بالمجتمع والانسانية جمعاء.

٨٤

والعواطف الخلقية هي العواطف التي تتعلق بالممنوع وغير الممنوع من انواع السلوك ، كالتعلق بالصدق وترك الكذب ، وسائر الاخلاق الممدوحة والمذمومة.

وأفضل الطرق والوسائل لتنمية العواطف عند الطفل من قبل الوالدين ، إشعاره بالحب عن طريق إحاطته بالحنان والرأفة وإشباع حاجاته المادية والروحيّة ، فاذا استشعر الطفل بذلك فانّه يرتبط ارتباطاً عاطفياً بمصدر الحب والحنان وهما الوالدان فتزداد ثقته بهما وتقليدهما ، والاستجابة أو الاقتناع بكل ما يطرحانه عليه من أفكار ومفاهيم ومثل ، ويكون مستعداً للاستجابة إلىٰ أوامرهم وتنفيذ ما يطلبانه منه ، فتصبح لهما القدرة علىٰ الهيمنة علىٰ عواطفه ، وتوجيهها توجيهاً حسناً ، ومتابعة خبراته ونشاطاته وخصوصاً أثناء اللعب ، فيتمّ لهما العمل علىٰ تنمية عواطفه وتهذيبها بالصورة المنسجمة مع المفاهيم والقيم الصالحة وخلق التوازن بين مختلف أنواع العواطف لديه ، وأهم العواطف التي يجب تنميتها هي العاطفة نحو الله تعالىٰ ، فتنمو عنده مشاعر الحب والثقة بالله تعالىٰ والتقديس له ، حينما يؤمن بان الله تعالىٰ هو مصدر الانعام والرحمة والمغفرة ، وانه تعالىٰ خلق النعيم الدائم في الجنة للصالحين والمطيعين ، ويجب علىٰ الوالدين تنمية عواطف الطفل اتجاه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسائر الرسل والانبياء وأهل البيت عليهم‌السلام وأفضل طريقة في هذا المجال هي طريق السرد القصصي الهادف ، والذي يحقق فائدتين :

الاُولىٰ : تعميق حبّهم في قلبه.

والثانية : محاولة الاقتداء بهم بعد التعلق بسلوكهم في الحياة.

٨٥

فتنمو في داخله العواطف المختلفة كحب الاخلاص وحب الكرامة وحب الشجاعة والكرم والايثار وحب القيم والسلوك الصالح ، والابتعاد عن كلِّ ما ابتعدوا عنه ، وتنمو عواطف البغض والكره والنفور من الذين خالفوهم ووقفوا في مواجهتهم واجتناب سلوكهم في الحاضر أو في المستقبل.

ومن الاساليب الاخرىٰ لتنمية العواطف هو الارشاد والتوجيه المستمرين ، حتىٰ يفهم الطفل المسموح والممنوع من السلوك ، وكذلك التشجيع علىٰ الارتباط والتعلق بالقيم والاعمال الصالحة ، والتشجيع علىٰ ممارستها في الواقع ، فحينما يعطي شيئاً من ألعابه لطفل آخر يتم تشجيعه علىٰ ذلك بالكلام الحسن ، وتعويضه بإهداء لعبة أُخرىٰ له ، وحينما يصدق في قوله ، أو يحترم الآخرين أو يرأف بالفقراء أو يساعد اخوانه أو والديه في أداء بعض الاعمال يشجّع علىٰ ذلك بالمدح والثناء والاطراء أمامه وأمام الاُسرة وأمام اقاربه وأصدقائه.

والتعامل مع الطفل كصديق يشجّعه علىٰ التعبير عن عواطفه ومشاعره المكبوتة وهذا التعبير مفيد جداً في تحقيق التوازن العاطفي ، وتهذيب العواطف غير المرضيّة.

ونحن نجد من خلال التجربة أنَّ الاسلوب القصصي من أفضل الاساليب في تنمية العواطف ، وخصوصاً الاسلوب المنسجم مع إدراكه وقدرته العقلية ، فيمكن أن نقصَّ عليه قصصاً عن الطيور والحيوانات تتضمن القيم الصالحة والقيم الطالحة التي يتخذها الطير الفلاني أو الحيوان الفلاني فتنمو عنده العواطف اتجاه العدل أو التعاون أو الايثار أو

٨٦

القيم الاخلاقية الاخرىٰ ، وتنمو عنده عاطفة حبّ المظلومين وبغض الظالمين.

والقصص عن الطيور والحيوانات مرغوبة ومحبّبة لدىٰ أطفال هذه المرحلة ، فيستمعون اليها بشوق وتلهّف أكثر من القصص الواقعية ، وتتضمن أحداثاً كثيرة تتوقف علىٰ خيال الوالدين في السرد القصصي ، وتكون شاملة لاظهار جميع أنواع وأقسام العواطف.

عاشراً : الاهتمام بالطفل اليتيم

اليتيم بعد فقد والده أو والدته أو كليهما يشعر بالحرمان المطلق ، حرمان من إشباع حاجاته العاطفية والروحية ، وحرمان من إشباع حاجاته المادية كالحاجة إلىٰ المأكل والمشرب والملبس ، فتنتابه الهواجس والمخاوف ، ويخيّم عليه القلق والاضطراب ، فالشعور بالحرمان من العطف والحنان له تأثيراتها السلبية علىٰ كيان الطفل وعلىٰ بناء الشخصية ، ومن خلال متابعة الواقع الاجتماعي نجد ان أغلب الأيتام الذين لم يجدوا العناية والاهتمام من قبل الآخرين كانوا مضطربي الشخصية تنتابهم العقد النفسية وسوء التوافق مع المجتمع الذي حرمهم من العناية والاهتمام ، لذا أوصىٰ الإسلام برعاية اليتيم رعاية خاصة لا تقل ان لم تَزِدْ علىٰ الرعاية الممنوحة للاطفال الآخرين ، فأكَّد علىٰ اشباع جميع حاجاتهم المادية والروحية ، وكانت الآيات القرآنية المختصة برعاية الايتام أكثر من الآيات المختصة بعموم الاطفال.

وأول الحاجات التي أكّد الإسلام علىٰ اشباعها هي الحاجات المادية.

٨٧

قال سبحانه وتعالىٰ : ( وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا... ) (١).

( ... أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ ) (٢).

( ... وَآتَى الْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينَ ) (٣).

وجعل الله تعالىٰ لليتيم حقاً في أموال المسلمين ( وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ للهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ... ) (٤).

وقال تعالىٰ : ( قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ ) (٥).

ونهىٰ تعالىٰ عن التصرّف باموال اليتيم إلاّ بالصورة الاحسن التي تجدي له نفعاً وربحاً ( وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّىٰ يَبْلُغَ أَشُدَّهُ ) (٦).

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من عال يتيماً حتىٰ يستغني ، أوجب الله له بذلك الجنّة » (٧).

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من كفل يتيماً من المسلمين فأدخله إلىٰ طعامه وشرابه ،

__________________

(١) الإنسان ٧٦ : ٨.

(٢) البلد ٩٠ : ١٤ ـ ١٥.

(٣) البقرة ٢ : ١٧٧.

(٤) الانفال ٨ : ٤١.

(٥) البقرة ٢ : ٢١٥.

(٦) الانعام ٦ : ١٥٢.

(٧) تحف العقول : ١٩٨.

٨٨

أدخله الله الجنّة البتة ، إلاّ أن يعمل ذنباً لا يغفر » (١).

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « أنا وكافل اليتيم في الجنّة كهاتين ـ وهو يشير باصبعيه » (٢).

وراعىٰ المنهج الإسلامي اشباع الحاجات المعنوية لليتيم كالاحسان إليه والعدل معه.

قال سبحانه وتعالىٰ : ( وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ... ) (٣).

وقال تعالىٰ : ( ... وَأَن تَقُومُوا لِلْيَتَامَىٰ بِالْقِسْطِ ) (٤).

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « خيرُ بيتٍ من المسلمين بيتٌ فيه يتيم يُحسن إليه ، وشرّ بيتٍ من المسلمين بيتٌ فيه يتيم يساء اليه » (٥).

وأوصىٰ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم علىٰ مداراة اليتيم والرفق به وتكريمه فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « حثّ الله تعالىٰ علىٰ برِّ اليتامىٰ لانقطاعهم عن آبائهم ، فمن صانهم صانه الله تعالىٰ ، ومن أكرمهم أكرمه الله تعالىٰ ، ومن مسح يده برأس يتيم رفقاً به جعل الله تعالىٰ له في الجنّة بكلِّ شعرة مرّت تحت يده قصراً أوسع من الدنيا وما فيها... » (٦).

وشجّع الإمام الصادق عليه‌السلام علىٰ التعامل مع اليتيم بحنان ورحمة فقال :

__________________

(١) مستدرك الوسائل ١ : ١٤٨.

(٢) المحجة البيضاء ٣ : ٤٠٣.

(٣) البقرة ٢ : ٨٣.

(٤) النساء ٤ : ١٢٧.

(٥) المحجة البيضاء ٣ : ٤٠٣.

(٦) المحجة البيضاء ٣ : ٤٠٣.

٨٩

« ما من عبد يمسح يَدَه علىٰ رأس يتيم ترحمّاً له إلاّ اعطاه الله تعالىٰ بكلِّ شعرة نوراً يوم القيامة » (١).

ومن رعاية اليتيم معالجة المشاكل التي تواجهه والتي تسبب له الألم والقلق والاضطراب ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « اذا بكىٰ اليتيم اهتزّ العرش علىٰ بكائه فيقول الله تعالىٰ : ياملائكتي اشهدوا عليّ أنَّ من أسكته واسترضاه أرضيته في يوم القيامة » (٢).

وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « اذا بكىٰ اليتيمُ في الارض يقول الله من أبكىٰ عبدي وأنا غيّبت أباه في التراب فو عزتي وجلالي انّ من أرضاه بشطر كلمة أدخلته الجنّة » (٣).

ومن الوصايا بشؤون اليتيم إدخال الفرح علىٰ قلبه بإشباع حاجاته المادية أو الروحية من احترام وتقدير ومحبّة أو مدح وتشجيع إلىٰ غير ذلك.

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إنَّ في الجنّة داراً يقال لها دار الفرح لايدخلها إلاّ من فرّح يتامىٰ المؤمنين » (٤).

ومن الاهتمام والعناية باليتيم هو القيام بتربيته تربية صالحة وإعداده لان يكون عنصراً صالحاً في المجتمع ، قال أمير المؤمنين عليّ عليه‌السلام : « ادّب

__________________

(١) المحجة البيضاء ٣ : ٤٠٣.

(٢) مستدرك الوسائل ٢ : ٦٢٣.

(٣) مستدرك الوسائل ٢ : ٦٢٣.

(٤) كنز العمال ٣ : ١٧٠ / ٦٠٠٨.

٩٠

اليتيم بما تؤدّب منه ولدك... » (١).

فاليتيم الذي يحصل علىٰ العناية والرعاية والحب والحنان يشعر بالراحة والطمأنينة ويعيش سويّاً في عواطفه وفي شخصيته ، امّا في حالة الحرمان فانّه لا يصبح سويّاً وقد يلتقطه بعض المنحرفين فيوجهه الوجهة غير الصالحة فيصبح عنصراً ضاراً في المجتمع.

__________________

(١) الكافي ٦ : ٤٧ / ٨ باب تأديب الولد.

٩١
٩٢



الفصل الخامس

المرحلة الرابعة : مرحلة الصبا والفتوة

تبدأ هذه المرحلة من نهاية العام السابع إلىٰ نهاية العام الرابع عشر من عمر الطفل ، وهي مرحلة إعداد الشخصية ليصبح الطفل راشداً ناضجاً وعضواً في المجتمع الكبير ، وفي بداية هذه المرحلة أو قبلها بعامٍ ينتهي بالتدريج تقليد الطفل للكبار ويبدأ بالاهتمام بما حوله ، وتكون امكانياته العقلية قادرة علىٰ التخيّل المجرد ، وقادرة علىٰ استيعاب المفاهيم المعنوية.

وفي هذه المرحلة يبدأ الطفل بالتفكير في ذاته وينظر إلىٰ نفسه انها كائن موجود مستقل ، له ارادة غير ارادة الكبار ، فيحاول أن ( يتحدىٰ وان يفعل ما يغيظ الاهل ليعلن انه كائن موجود مستقل ) (١).

ويحاول التأكيد علىٰ استقلاليته بشتىٰ الوسائل والمواقف والتي تكون غالباً مخالفة لما ألفه في المرحلة السابقة ، فيختار كل ما يخصّه أو يتعلّق به باسلوبه الخاص وبالطريقة التي يفهمها ، فيكون له ذوق خاص في اختيار ملابسه ، والرغبة في اكتساب المهارات العقلية والعلمية بمفرده ،

__________________

(١) حديث إلىٰ الامهات : ٢٠٧.

٩٣

ويحاول إقامة علاقات اجتماعية مع بقية الاطفال بالطريقة التي يختارها.

وهذه المرحلة هي من أهم المراحل التي ينبغي للوالدين ابداء عناية تربوية اضافية بالطفل لانّها أول المراحل التي يدخل فيها الطفل في علاقات اجتماعية أوسع من قبل ، وهي مرحلة الدخول في المدرسة.

ومن العوامل المؤثرة في اعداد وبناء شخصية الطفل ، علاقاته مع والديه وباقي أفراد أُسرته ، هذه العلاقة بجميع تفاصيلها تؤدي إلىٰ اتّصافه بصفات خاصة تصحبه حتىٰ الكبر ، وللمدرسة ايضاً أثر عميق في شخصيته حيثُ يجد فيها اطفالاً من مختلف المستويات العلمية أكثر أو أقل منه ذكاءً أو أكثر أو أقل نشاطاً منه ( فيباريهم أو يتغلب عليهم أو يخضع لهم فيؤثر ذلك في تكوين شخصيته ) (١).

وهنالك عوامل أُخرىٰ مؤثرة في بناء الشخصية وهي مواصفات الجسم من حيثُ الطول والقصر ومن ناحية الضخامة والضعف ، ومن ناحية الصحة والمرض.

ومن أهم العوامل الأُخرىٰ هو تأثير الافكار التي تعلمها الطفل في بناء شخصيته وفي هذه المرحلة تزداد حاجاته ، فيجب علىٰ الوالدين إشباعها ومنها (٢).

الدوافع الحيوية كالحاجة إلىٰ المأكل والمشرب والملبس وغير ذلك.

والحاجة إلىٰ السلامة النفسية والعاطفية والتحرر من القلق.

__________________

(١) علم النفس ، لجميل صليبا : ٣٨٥.

(٢) علم النفس التربوي ، لفاخر عاقل : ٤٧٨ ـ ٤٨٦.

٩٤

والحاجة إلىٰ القبول من قبل المجتمع أثناء علاقته به.

والحاجة إلىٰ الإهتمام به وتقدير مكانته.

والحاجة إلىٰ تعلم المهارات اللازمة للنجاح في الحياة الجديدة.

ونضيف إلىٰ ذلك الحاجة إلىٰ فلسفة وأفكار ومفاهيم ملائمة لمستواه العقلي ، وهذه المرحلة هي مرحلة الحاجة إلىٰ التربية المكثّفة والمتابعة المكثّفة ، مع ملاحظة الحاجة إلىٰ الاستقلال المتولدة عند الطفل.

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « الولد سيّد سبع سنين وعبد سبع سنين ووزير سبع سنين » (١).

وقال أمير المؤمنين علي عليه‌السلام : « يرخىٰ الصبي سبعاً ويؤدب سبعاً ويستخدم سبعاً » (٢).

وقال الإمام جعفر الصادق عليه‌السلام : « دع ابنك يلعب سبع سنين ويؤدّب سبعاً والزمه نفسك سبع سنين » (٣).

فهذه المرحلة مرحلة تربوية شاقّة لرغبة الطفل في الاستقلال ، ولتوسع علاقاته خارج الاسرة ، فتحتاج إلىٰ جهد متواصل في التربية والمراقبة في جميع ما يخصُّ الطفل ، في أفكاره وعواطفه وفي علاقاته ، وفي دراسته وتعلّمه ، وفي إشباع حاجاته المختلفة فهو بحاجة إلىٰ التوجيه المستمر والارشاد والتعليم ، والمساعدة في رسم طريق الحياة وتحمّل ما يصدر

__________________

(١) مكارم الاخلاق : ٢٢٢.

(٢) مكارم الاخلاق : ٢٢٣.

(٣) مكارم الاخلاق : ٢٢٢.

٩٥

منه برحابة صدر وانفتاح مصحوباً بالحسم في كثير من الاحوال. وتتحدد معالم هذه المرحلة بما يأتي :

أولاً : تكثيف التربية

التربية الصالحة وحسن الأدب من أهم المسؤوليات الملقاة علىٰ عاتق الوالدين ، وهي حق للطفل أوجبه الإسلام علىٰ الوالدين ، والطفل في هذه المرحلة التي تسبق بلوغ سن الرشد بحاجة إلىٰ تربيّة مكثّفة وجهد اضافي ، قال الإمام علي بن الحسين عليه‌السلام : « وأمّا حق ولدك... انك مسؤول عمّا وليته من حسن الأدب والدلالة علىٰ ربّه والمعونة له علىٰ طاعته فيك وفي نفسه فمثاب علىٰ ذلك ومعاقب ، فاعمل في أمره عمل المتزيّن بحسن أثره عليه في عاجل الدنيا ، المعذر إلىٰ ربّه فيما بينك وبينه بحسن القيام عليه والأخذ له منه » (١).

ولحراجة المرحلة التي يمرُّ بها الطفل فانّ الوالدين بحاجة إلىٰ الرعاية الالهية للقيام بمهام المسؤولية التربوية ، قال الإمام علي بن الحسين عليه‌السلام : « اللهّم ومُنّ عليّ ببقاء ولدي... وربِّ لي صغيرهم... وأصِحّ لي ابدانهم وأديانهم واخلاقهم... واجعلهم ابراراً اتقياء بُصراء... وأعنّي علىٰ تربيتهم وتأديبهم وبرِّهم... واعذني وذريتي من الشيطان الرجيم » (٢).

وقد أكّدت الروايات علىٰ المبادرة إلىٰ التربية وحسن الأدب.

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « أكرموا أولادكم واحسنوا آدابهم » (٣).

__________________

(١) تحف العقول : ١٨٩.

(٢) الصحيفة السجادية الجامعة : ١٢٨ ـ ١٢٩ مؤسسة الإمام المهدي قم ١٤١١ ه‍ ط ١.

(٣) مستدرك الوسائل ٢ : ٦٢٥.

٩٦

وقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : « إنّ للولد علىٰ الوالد حقاً ، وإنّ للوالد علىٰ الولد حقّاً ، فحقُّ الوالد علىٰ الولد أن يطيعه في كلِّ شيء ، إلاّ في معصية الله سبحانه ، وحقُّ الولد علىٰ الوالد أن يحسِّن اسمه ، ويحسِّن أدبه ، ويعلّمه القرآن » (١).

والتربية في هذه المرحلة أكثر ضرورة من المراحل الاخرىٰ ، لان فطرة الطفل في هذه المرحلة لا تزال سليمة ونقية تتقبّل ما يُلقىٰ اليها من توجيهات وارشادات ونصائح قبل أن تتلوّث ويستحكم التلوث فيها ، فيجب علىٰ الوالدين استثمار الفرصة لأداء المسؤولية التربوية.

قال الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام في وصيته للإمام الحسن عليه‌السلام : « ... وانّما قلب الحدث كالأرض الخالية ما أُلقي فيها من شيءٍ قبلته. فبادرتك بالأدب قبل أن يقسو قلبك ، ويشتغل لبُّك ، لتستقبل بجدِّ رأيكَ من الأمر ما قد كفاك أهل التجارب بغيته وتجربته.. » (٢).

وقال عليه‌السلام : « علّموا انفسكم وأهليكم الخير وادّبوهم » (٣).

والمنهج التربوي المراد تحكيمه في الواقع هو المنهج الإسلامي الذي يدور حول العبودية والطاعة لله تعالىٰ في كلِّ شؤون الحياة.

قال الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه‌السلام : « اعملوا الخير وذكّروا به أهليكم وأدّبوهم علىٰ طاعة الله » (٤).

__________________

(١) نهج البلاغة ، تحقيق صبحي الصالح : ٥٤٦.

(٢) نهج البلاغة : ٣٩٣.

(٣) كنز العمال ٢ : ٥٣٩ / ٤٦٧٥.

(٤) مستدرك الوسائل ٢ : ٣٦٢.

٩٧

وقال عليه‌السلام : « تأمرهم بما أمر الله به وتنهاهم عمّا نهاهم الله عنه... » (١).

وهذا الحديث جامع للقواعد الكلية التي تقوم عليها أعمدة المنهج التربوي السليم في كلِّ جوانب الحياة الفردية والاجتماعية ، العاطفية والروحية ، فإذا أبدىٰ الوالدان عناية فائقة في العمل علىٰ ضوء المنهج التربوي فانّ الطفل سيكون عضواً صالحاً في المجتمع.

وقد كان أهل البيت عليهم‌السلام قد أبدوا عناية خاصة بتربية أبنائهم في هذه المرحلة حتىٰ أعدّوهم إعداداً متكاملاً فكانوا قمة ونموذجاً أعلىٰ في كلِّ شيء ، فأمير المؤمنين عليه‌السلام تربّىٰ في مرحلة الصبا في بيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبل ان يُبعث ، فآمن في اللحظات الاولىٰ لدعوة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأخلص في ايمانه وطاعته لله ولرسوله ، وكان قمة في الشجاعة والاقدام وفي التضحية والفداء وفي الكرم والتواضع والصدق وفي كلِّ الفضائل الخلقية ، وربّىٰ عليه‌السلام بدوره أبناءه فكانوا علىٰ شاكلته في الارتقاء إلىٰ القمة الشامخة في جميع المكارم والفضائل ، وهكذا كان بقية الأئمة عليهم‌السلام.

وتزداد مسؤولية الوالدين في التربية والتأديب كلمّا ابتعد المجتمع عن الإسلام أو كان مجتمعاً اسلامياً في الظاهر ولم يتبنَّ الإسلام منهاجاً له في الواقع العملي لتأثير العادات والتقاليد والافكار والمناهج التربوية غير السليمة علىٰ تربية الطفل وخصوصاً أجهزة الاعلام كالراديو والتلفزيون والسينما وغيرها.

ويلحق بالتربية الروحية والنفسية والعاطفية ، شطرها الآخر وهو التربية

__________________

(١) بحار الانوار ١٠٠ : ٧٤.

٩٨

البدنية فهي ضرورية جداً للطفل للحفاظ علىٰ صحته البدنية واعداده للعمل البدني ، حيثُ حثّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم علىٰ التربية البدنية قائلاً : « علّموا أولادكم السباحة والرماية » (١).

وجعل الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليه‌السلام حمل الطفل وتدريبه علىٰ الامور الشاقة من المستحبّات فقال : « تستحب عرامة الصبي في صغره ليكون حليماً في كبره » (٢).

والصحة البدنية لها تأثير واضح علىٰ الصحة النفسية كما هو مشهور عند علماء النفس والتربية (٣).

ثانياً : المبادرة إلىٰ التعليم

التعليم في هذه المرحلة ضروري للطفل ، فهي أفضل مرحلة للمبادرة إلىٰ التعليم ، لنضوج القوىٰ العقلية عند الطفل ، وللرغبة الذاتية لدىٰ الطفل في ( اكتساب المهارة العلمية ) (٤).

والطفل في هذه المرحلة لديه الاستعداد التام لحفظ كل ما يُلقىٰ علىٰ مسامعه ، والتعليم في هذهِ المرحلة يساعد علىٰ رسوخ المعلومات في ذهنه وبقائها محفوظة في الذاكرة ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « مثل الذي يتعلّم في صغره كالنقش في الحجر » (٥).

__________________

(١) الكافي ٦ : ٤٧ / ٤ باب تأديب الولد.

(٢) الكافي ٦ : ٥١ / ٢ باب ٣٧ من كتاب العقيقة.

(٣) علم النفس ، لجميل صليبا : ٣٨٣.

(٤) حديث إلىٰ الامهات : ٢١٧.

(٥) كنز العمال ١٠ : ٢٩٤ / ٢٩٣٣٦.

٩٩

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « حفظ الغلام كالوسم علىٰ الحجر » (١).

ولضرورة تعليم الطفل أوصىٰ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الوالدين به : « مروا أولادكم بطلب العلم » (٢).

وجعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تعليم الطفل باباً من ابواب الرحمة الالهية للأب فقال : « رحم الله عبداً أعان ولده علىٰ برّه بالاحسان إليه ، والتألف له وتعليمه وتأديبه » (٣).

والتعليم حق للطفل علىٰ والديه ، قال الإمام علي بن الحسين عليه‌السلام : « ... وأمّا حق الصغير فرحمته وتثقيفه وتعليمه... » (٤).

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من حقِّ الولد علىٰ والده ثلاثة : يحسّن اسمه ويعلّمه الكتابة ، ويزوّجه اذا بلغ » (٥).

والتعليم علىٰ القراءة والكتابة في عصرنا الراهن تقوم به المؤسسات التعليمية وخصوصاً المدرسة ، ولكنّ ذلك لا يعني انتفاء الحاجة إلىٰ الوالدين في التعليم ، بل يجب التعاون بين المدرسة والوالدين في التعليم.

ويجب ان يكون التعليم غير مقتصر علىٰ القراءة والكتابة بل يكون

__________________

(١) كنز العمال ١٠ : ٢٣٨ / ٢٩٢٥٨.

(٢) كنز العمال ١٦ : ٨٥٤ / ٤٥٩٥٣.

(٣) مستدرك الوسائل ٢ : ٦٢٦.

(٤) تحف العقول : ١٩٤.

(٥) مكارم الاخلاق : ٢٢٠.

١٠٠