بحوث في الملل والنّحل - ج ٦

الشيخ جعفر السبحاني

بحوث في الملل والنّحل - ج ٦

المؤلف:

الشيخ جعفر السبحاني


الموضوع : الفرق والمذاهب
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٢
الصفحات: ٧٠٤

٤ ـ قال السيوطي في تاريخ الخلفاء : وعند أحمد والبزار بسند حسن عن ابن مسعود ، انّه سئل كم يملك هذه الاُمّة من خليفة؟ فقال : سألنا عنها رسول اللّه فقال : « اثنا عشر كعدة نقباء بني إسرائيل » (١).

٥ ـ قال ابن حجر في الصواعق : أخرج الطبراني عن جابر بن سمرة انّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « يكون بعدي اثنا عشر أميراً كلّهم من قريش » (٢).

إلى غير ذلك من الأحاديث الدالّة على أنّ الأئمة بعد النبي الأكرم اثنا عشر ، وقد جاء فيها سماتهم وصفاتهم وعددهم ، غير أنّ المهم هوتعيين مصاديقها والاشارة إلى أعيانها وأشخاصها ، ولا تعلم إلاّ بوجود السمات الواردة في هذه الأحاديث فيهم ، وأمّا السمات الواردة فيها فإليك مختصرها :

١ ـ لا يزال الإسلام عزيزاً إلى اثني عشر خليفة.

٢ ـ لا يزال هذا الدين عزيزاً منيعاً.

٣ ـ لا يزال الدين قائماً.

٤ ـ لا يزال أمر اُمّتي صالحاً.

٥ ـ لا يزال أمر هذه الاُمّة ظاهراً.

٦ ـ حتّى يمضي فيهم اثنا عشر.

٧ ـ ما وليهم اثنا عشر خليفة كلّهم من قريش.

٨ ـ عددهم كعدد نقباء بني إسرائيل.

وهذه السمات والخصوصيات لا توجد مجتمعة إلاّ في الأئمّة الاثني عشر المعروفين عند الفريقين ، وتلك الأحاديث من أنباء الغيب ومعجزات النبي الأكرم

____________

١ ـ تاريخ الخلفاء ١٠.

٢ ـ الصواعق ١٨٩ ط تخريج عبدالوهاب وعبداللطيف.

٦١

خصوصاً إذا ضُمّت إليها أحاديث الثقلين والسفينة وكون أهل بيت النبي أماناً لأهل الأرض كما أنّ النجوم أمان لأهل السماء ، وسيوافيك تفصيل هذه الأحاديث الثلاثة.

فالأئمّة الاثناعشر المعروفون بين المسلمين ، أوّلهم علي أميرالمؤمنين ، وآخرهم المهدي تنطبق عليهم تلك العلائم ، ومن وقف على حياتهم العلمية والاجتماعية والسياسية يقف على أنّهم هم المثل العليا في سماء الاخلاق وفي القمّة والذروة في العلم والاحاطة بالقرآن والسنّة ، وانّه سبحانه بهم حفظ دينه عن التحريف وبهم اعتزّ الدين.

وأمّا ما ورد في بعض هذه الطرق : « كلّهم تجتمع عليهم الاُمّة » على فرض الصّحة ، فالمراد تجتمع على الاقرار بإمامتهم جميعاً وقت ظهور آخرهم ، وعلى فرض الابهام ـ لا تمنع عن الأخذ بمضامين الحديث.

هلمّ معي نقرأ ماذا يقول غير الشيعة في حق هذه الأحاديث ، فكيف يفسّرها بالخلفاء القائمين بالأمر بعد النبي الأكرم؟ وإليك نقل كلامهم :

١ ـ إنّ قوله اثنا عشر اشارة إلى عدد خلفاء بني اُميّة وأوّل بني اُميّة يزيد بن معاوية وآخرهم مروان الحمار وعدتهم اثنا عشر ولا يعد عثمان ومعاوية ولا ابن الزبير لكونهم صحابة ، ولا مروان بن الحكم لكونه صحابياً أولأنّه كان متغلبا بعد أن اجتمع الناس على عبداللّه بن الزبير ، وليس على المدح بل على استقامة السلطنة وهم يزيد بن معاوية وابنه معاوية ثم عبدالملك ثم الوليد ثم سليمان ثم عمر بن عبدالعزيز ثم يزيد بن عبدالملك ثم هشام بن عبدالملك ثم الوليد بن يزيد ثم يزيد بن الوليد ، ثم إبراهيم بن الوليد ثم مروان بن محمّد (١).

__________________

١ ـ فتح الباري في شرح صحيح البخاري ١٣ / ٢١٢ ط دار المعرفة. وفي المصدر : عدتهم ثلاثة عشر.

٦٢

يلاحظ عليه : إذا كان الرسول أراد هذا ولم يكن في مقام مدحهم فأي فائدة في الأخبار بذلك. ثمّ كيف يقول انّها صدرت على غير سبيل المدح مع ما عرفت من السمات الواردة الصريحة في المدح فيقول : « لا يزال هذا الدين عزيزاً منيعاً قائماً » ، أو« أمر اُمّتي صالحاً » والعجب انّه جعل أوّل الخلفاء يزيد بن معاوية بحجّة أنّه استقامت له السلطنة مع أنّه كيف استتبّت له السلطنة وقد ثار عليه العراق في السنة الاُولى وثار عليه أهل المدينة في السنة الثانية وكان مجموع أيّامه مؤلّفة من حروب دامية بين قتل ونهب وتدمير.

٢ ـ « إنّ المراد أنّه يملك اثنا عشر خليفة بهذه السمات بعد وفاة المهدي » وهذا من أغرب التفاسير لأنّها ظاهرة في اتصال خلافتهم بعصر النبي الأكرم ولأجل تبادر ذلك سأل الناس عبداللّه بن مسعود عن عدد من يملك أمر هذه الاُمّة (١).

٣ ـ ما نقله ابن حجر في فتح الباري عن القاضي عياض انّ المراد الخلفاء الذين اجتمع عليهم الناس وهم أبوبكر ، وعثمان ، وعلي ، ومعاوية ، ويزيد ، وعبدالملك ، وأولاده الأربعة : الوليد ثم سليمان ثم يزيد ثم هشام ، وعمر بن عبدالعزيز بين سليمان ويزيد ، فهؤلاء سبعة بعد الخلفاء الراشدين والثاني عشر هوالوليد بن يزيد بن عبدالملك (٢).

ولا يكاد ينقضي تعجّبي من القاضي عياض وابن حجر كيف يعرّفان هؤلاء بمن عزّ بهم الإسلام والدين وصار منيعاً وفيهم يزيد بن معاوية ذلك السكير المستهتر الذي كان يشرب الخمر ويدع الصلاة ، ولم يكتف بذلك بل ضرب الكعبة بالمنجنيق

__________________

١ ـ فتح الباري في شرح صحيح البخاري ١٣ / ٢١٣ ومثله ما نقله أيضاً : اثنا عشر خليفة في جميع مدة الاسلام إلى يوم القيامة.

٢ ـ المصدر نفسه ولاحظ تاريخ الخلفاء ١١.

٦٣

وأباح المدينة ثلاثة أيّام بأعراضها وأموالها وأنفسها.

وهل اعتزّ الإسلام بعبد الملك وكفى في مساويه تنصيبه الحجاج على العراق فقتل من الصحابة والتابعين ما لا يخفى (١).

كيف اعتزّ الدين بالوليد بن يزيد بن عبدالملك المنتهك لحرمات اللّه الذي حاول أن يشرب الخمر فوق ظهر الكعبة ففتح المصحف فخرج ( فَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلّ جَبّارٍ عَنِيد ) فألقاه ورماه بالسهام وقال :

تهددني بجبّار عنيد

فها أنا ذاك جبّار عنيد

إذا ماجئت ربّك يوم حشر

فقل يا رب مزّقني الوليد

ومن أراد أن يقف على جنايات الرجل وأقربائه وأجداده فليقرأ التاريخ الذي اسودّت صفحاته بسبب أفعالهم الشنيعة.

إنّ للكاتب القدير السيد محمّد تقي الحكيم كلاماً في هذه الأحاديث يطيب لي نقله. قال : والذي يستفاد من هذه الروايات :

١ ـ أنّ عدد الاُمراء أوالخلفاء لا يتجاوز الاثني عشر وكلّهم من قريش.

٢ ـ أنّ هولاء الاُمراء معيّنون بالنص كما هومقتضى تشبيههم بنقباء بني إسرائيل لقوله تعالى : ( وَلَقَد أَخَذَ اللّهُ مِيثاقَ بَنِي إسْرائِيلَ وبعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَىْ عَشَرَ نَقِيباً ) (٢).

٣ ـ أنّ هذه الروايات افترضت لهم البقاء ما بقي الدين الاسلامي أوحتّى تقوم الساعة كما هومقتضى رواية مسلم « انّ هذا الأمر لا ينقضي حتّى يمضى فيهم اثنا عشر خليفة » وأصرح من ذلك روايته الاُخرى في نفس الباب : « لا يزال هذا الأمر في قريش

__________________

١ ـ تاريخ الخلفاء ٢٥٠ وغيره.

٢ ـ المائدة / ١٢.

٦٤

ما بقى من الناس اثنان ».

إذا صحّت هذه الاستفاده فهي لا تلتئم إلاّ مع مبنى الإمامية في عدد الأئمة وبقائهم وكونهم من المنصوص عليهم من قبله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهي منسجمة جدّاً مع حديث الثقلين وبقاؤهما حتّى يردا عليه الحوض.

وصحّة هذه الاستفادة موقوفة على أن يكون المراد من بقاء الأمر فيهم بقاء الإمامة والخلافة ـ بالاستحقاق ـ لا بالسلطة الظاهرية لأنّ الخليفة الشرعي خليفة يستمد سلطته من اللّه ، وهي في حدود السلطة التشريعية لا التكوينية ، لأنّ هذا النوع من السلطة هوالذي تقتضيه وظيفته كمشرع ، ولا ينافي ذلك ذهاب السلطة منهم في واقعها الخارجي وتسلّط الآخرين عليهم ، على أنّ الروايات تبقى بلا تفسير لوتخلّينا عن حملها على هذا المعنى لبداهة أنّ السلطة الظاهرية قد تولاّها من قريش أضعاف أضعاف هذا العدد ، فضلاً عن انقراض دولهم وعدم النص على أحد منهم ـ أمويين وعباسيين ـ باتّفاق المسلمين.

ومن الجدير بالذكر أنّ هذه الروايات كانت مأثورة في بعض الصحاح والمسانيد قبل أن يكتمل عدد الأئمة فلا يحتمل أن يكون من الموضوعات بعد اكتمال العدد المذكور ، على أنّ جميع رواتها من أهل السنّة ومن الموثوقين لديهم ولعلّ حيرة كثير من العلماء في توجيه هذه الأحاديث وملاءمتها للواقع التأريخي كان منشؤها عدم تمكّنهم من تكذيبها ، ومن هنا تضاربت الأقوال في توجيهها وبيان المراد منها.

والسيوطي ـ بعد أن أورد ما قاله العلماء في هذه الأحاديث المشكلة ـ خرج برأي غريب وهو: وعلى هذا فقد وجد من الاثني عشر الخلفاء الأربعة والحسن ومعاوية وابن الزبير وعمر بن عبدالعزيز في بني اُمية وكذلك الظاهر لما اوتيه من العدل ، وبقي الاثنان منتظران ، أحدهما المهدي لأنّه من أهل بيت محمّد ولم يُبيّن

٦٥

المنتظر الثاني ، ورحم اللّه من قال في السيوطي : انّه حاطب ليل ».

يستفاد من حديث الثقلين اُمور مهمة لواهتمّت بها الاُمّة لاجتمعت على مائدة أهل البيت واستغنت عن غيرهم ، وهاهي :

١ ـ إنّ اقتران العترة الطاهرة بالقرآن الكريم إشارة إلى أنّ عندهم علم القرآن وفهمه علماً لائقاً بشأنه.

٢ ـ إنّ التمسّك بالكتاب والعترة يعصم من الضلالة ولا يغني أحدهما عن الآخر.

٣ ـ يحرم التقدّم على العترة كما يحرم الابتعاد عنهم.

٤ ـ إنّ العترة لا تفارق الكتاب ، وانّهما مستمرّان إلى يوم القيامة.

أفيصحّ بعد هذه التصريحات والاشارات ترك العترة والأخذ بقول غيرهم؟

مقتضى الكتاب في صيغة القيادة بعد الرسول :

قد تعرّفت على مقتضى السنّة النبوية في مجال القيادة بعد الرسول ، وكلّها تدل على أنّ الرسول قام بتعيين الوصي بعده ، وعيّن خليفة المسلمين تعييناً شخصياً ، وقد كرّر وأكّد ذلك في مواقف متعدّدة ـ حتّى لا يبقى شكّ ـ وحاول تأكيد الأمر في آخر ساعة من حياته الشريفة عن طريق الكتابة ، ولكن حال بعضهم دون تحقق اُمنية الرسول ، فلم يكتب شيئاً ، وأمرهم بالخروج عن مجلسه ، ونردف ذلك البحث بما وعدناه سابقاً من تبيين مقتضى الكتاب في مسألة الخلافة ، وقد نزلت آيات أوضحها آية الولاية في سورة المائدة ، فنحن نأتي بها مع ما يتقدّمها حتّى تتّضح دلالتها : ( يَا أَيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا اليَهُودَ وألنَّصارى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُم أَولِيَاءُ بَعْض وَمن يَتَوَلَّهُم مَنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِى القَوْمَ الظَّالِمينَ *

٦٦

فَتَرَى الَّذِينَ فِى قُلُوبِهِم مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللّهُ أَن يَأَتِىَ بِالْفَتْحِ أوْ أَمْرٍ مِنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِى أَنفُسِهِمْ نَادِمينَ * وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أهَؤلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِى اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى المُؤمِنيِنَ أَعِزَّة عَلى الكَافِرينَ يُجَاهِدُونَ فِى سَبِيلِ اللّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لاَئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشآءُ وأللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وألَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُم راكِعُونَ * وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الغَالِبُونَ ) (١) ، وموضع الاستدلال هوالآيتان الأخيرتان.

وقبل الاستدلال بالآية نذكر شأن نزولها :

روى المفسّرون عن أنس بن مالك وغيره أنّ سائلا أتى المسجد وهويقول : من يقرض المليّ الوفي ، وعلي راكع يشير بيده للسائل : اخلع الخاتم من يدي. فما خرج أحد من المسجد حتّى نزل جبرئيل بـ : ( إنَّما وليّكم اللّه ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ) فأنشأ حسّان بن ثابت يقول :

أبا حسن تفديك نفسي ومهجتي

وكل بطيء في الهدى ومسارع

أيذهب مدحي والمحبين ضايعا

وما المدح في ذات الإله بضايع

فأنت الذي أعطيت إذ أنت راكع

فدتك نفوس القوم يا خير راكع

بخاتمك الميمون يا خير سيّد

ويا خير شارٍ ثمّ يا خير بايع

__________________

١ ـ المائدة / ٥١ ـ ٥٦.

٦٧

فأنزل فيك اللّه خير ولاية

وبيّنها في محكمات الشرايع (١)

وإليك تفصيل الآية حرفياً :

١ ـ الولي والمولى والأولى بمعنى واحد ، قال رسول اللّه : « أيّما امرأة نكحت بغير اذن وليّها فنكاحها باطل ... » (٢) وقال : « يا علي أنت ولي كل مؤمن من بعدي » (٣) ولواُطلق على الناصر والمحب فهوكاطلاق المولى عليهما ، وقد عرفت أنّه ليس للمولى إلاّ معنى واحد وهوالأولى ، فلوأُطلق على الناصر والمحب فلأجل أنّ المحب أولى بالدفاع عن محبوبه والتزامه بنصرته ، والصديق أولى بحماية صديقه ، فتفسير الولي بالمحب والناصر والصديق من باب خلط المتعلّق بالمفهوم.

٢ ـ لوكان المراد من الولي هوالناصر وما أشبهه يلزم الاكتفاء بقوله ( إنّما وليّكم اللّه ورسوله والذين آمنوا ) من دون حاجة إلى التقييد بإيتاء الزكاة حال الركوع.

٣ ـ لوكان الولي بمعنى الناصر أوالمحب يلزم وحدة الولي والمولّى عليه في قوله : ( والذين آمنوا ) وما هذا إلاّ لأنّ كل مؤمن ناصر لأخيه المؤمن ومحبّ له (٤). مع أنّ ظاهر الآية أنّ هناك أولياء ثلاثة : ١ ـ اللّه ، ٢ ـ رسوله ، ٣ ـ المؤمنون بالشروط الثلاثة ، وأنّ هناك مولى عليه ، وهوغير الثلاثة ولا يتحقّق

__________________

١ ـ رواه الطبري في تفسيره ٦ / ١٨٦ والجصاص في أحكام القرآن ٢ / ٤٤٦ والسيوطي في الدر المنثور ٢ / ٢٩٣ وغيرهم.

٢ ـ مسند أحمد ٦ / ٦٦ روتها عائشة عن النبي الأكرم.

٣ ـ مسند أحمد ٤ / ٤٣٧ ، مستدرك الحاكم ٣ / ١١١.

٤ ـ اللّهمّ أن يقول القائل انّ المؤمنين الموصوفين بالأوصاف الثلاثة أولياء المؤمنين غير الموصوفين بها وهوكماترى تفسير ساقط.

٦٨

ذلك المعنى إلاّ بتفسير الولي بالزعيم والمتصرّف في شؤون المولّى عليه ، فهؤلاء الثلاثة أولياء وغيرهم مولّى عليهم.

٤ ـ فإذا كانت الحال كذلك فلماذا أفرد الولي ولم يجمعه؟ والجواب عنه واضح ، وهوأنّه أفرده لإفادة أنّ الولاية للّه على طريق الأصالة وللرسول والمؤمنين على سبيل التبع ، ولوقيل إنّما أولياؤكم اللّه ورسوله والذين آمنوا لم يكن في الكلام أصل وتبع.

٥ ـ إنّ قوله ( الذين يقيمون ) بدل من ( الذين آمنوا ) كما أنّ الواوفي قوله ( وهم راكعون ) للحال ، وهوحال من قوله ( يؤتون الزكاة ) معنى ذلك انّهم يؤتونها حال ركوعهم في الصلاة.

٦ ـ إذا كان المراد من قوله : ( الذين آمنوا ) هوالإمام علي بن أبي طالب عليه‌السلام فلماذا جيئ بلفظ الجماعة؟ والجواب : جيئ بها ليرغّب الناس في مثل فعله لينالوا مثل ثوابه ، ولينبّه على أنّ سجيّة المؤمنين يجب أن تكون على هذه الغاية من الحرص على البر والإحسان وتفقّد الفقراء حتّى إن لزمهم أمر لا يقبل التأخير وهم في الصلاة لم يؤخّروا إلى الفراغ منها (١).

وهناك وجه آخر ، وهوأنّه أتى بلفظ الجمع دون المفرد لأجل أنّ شانئي علي وأعداء بني هاشم ، وسائر المنافقين من أهل الحسد والحقد ، لا يطيقون أن يسمعوها بصيغة المفرد ، إذ لا يبقى لهم حينئذ مطمع في تمويهٍ ، ولا ملتمس في التضليل ، فيكون منهم ـ بسبب يأسهم ـ حينئذ ما تُخشى عواقبه على الإسلام ، فجاءت الآية بصيغة الجمع مع كونها للمفرد اتّقاء من معرّتهم ، ثمّ كانت النصوص بعدها تترى بعبارات مختلفة ومقامات متعدّدة وبثّ فيهم أمر الولاية تدريجاً تدريجاً

__________________

١ ـ الكشاف ١ / ٤٦٨ طبع مصر الحلبي.

٦٩

حتّى أكمل اللّه الدين وأتمّ النعمة ، جرياً منه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على عادة الحكماء في تبليغ الناس ما يشق عليهم (١).

وهناك وجه ثالث أشار إليه الشيخ الطبرسي في تفسير الآية ، وهوأنّ النكتة في اطلاق لفظ الجمع على أمير المؤمنين ، تفخيمه وتعظيمه ، وذلك أنّ أهل اللغة يعبّرون بلفظ الجمع عن الواحد على سبيل التعظيم ، وذلك أشهر في كلامهم من أن يحتاج إلى الاستدلال عليه (٢).

٧ ـ إنّما ذكر من صفات الولي من الذين آمنوا إقامة الصلاة ، وايتاء الزكاة ، لأنّهما ركنان عظيمان للإسلام ووظيفتان رئيسيتان للقائد ، وهوأن يقيم الصلاة ( لا أن يصلّي وحده ) ويؤتي الزكاة.

وعلى كل تقدير فتقييد الولي من المؤمنين بالاُوصاف الثلاثة ، وتقييد إيتاء الزكاة بحال الركوع يجعل الكلّي مخصّصاً في فرد واحد ، وهومثل قولك : « رأيت رجلاً سلّم عليّ أمس قبل كل أحد » وهووإن كان كلّياً قابلاً للانطباق على كثيرين قبل التطبيق ، لكنّه بعده ينحصر في فرد.

ثمّ إنّ إمام المشكّكين فخر الدين الرازي استشكل على الاستدلال بالآية بوجوه رديئة ساقطة نذكر بعضها ونترك الباقي صيانة للوقت عن الضياع ، ولعلّه لأجل هذه التشكيكات لمّا دنا أجله أملى على تلميذه إبراهيم بن أبي بكر الاصفهاني وصيّة في الحادي والعشرين من محرّم سنة ٦٠٦ ، وجاء في الوصيّة قوله : فاعلموا أنّي كنت رجلا محبّاً للعلم ، فكنت أكتب في كل شيء شيئاً لا أقف على كمّيته وكيفيته ،

__________________

١ ـ المراجعات ١٤٦.

٢ ـ مجمع البيان ٢ / ٢١١.

٧٠

سواء أكان حقّاً أو باطلا أو غثّاً أو سميناً ... (١).

ألف ـ إنّ المراد من الولي في الآية ليس هو المتصرّف ، بل المراد الناصر والمحب ، بشهادة ما قبلها وما بعدها ، أمّا ما قبل هذه الآية فلأنّه تعالى قال :(إنما وليّكم اللّه ورسوله والذّينَ آمنوا) وأما بعد هذه الآية فلقوله : ( يا أيّها الذين آمنوا لا تَتَّخذوا اليهود والنصارى أولياء ) وليس المراد لاتتّخذوا اليهود والنصارى أئمة متصرّفين في أرواحكم وأموالكم ، لأنّ بطلان هذا كالمعلوم. بل المراد لا تتّخذوا اليهود والنصارى أحباباً وأنصاراً ولا تخالطوهم ولا تعاضدوهم ، ثمّ لمّا بالغ في النهي عن ذلك قال : ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذوُا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَالكُفَّارَ أَوْلِياءَ وَاتَّقُوا اللّهَ إِن كُنتُم مُؤْمِنِينَ ) ـ المائدة/٥٧ ـ (٢).

حاصل التشكيك هو أنّ الولي في الآية المتقدّمة والمتأخّرة بمعنى المحب والناصر فلو فسّرت في الآية بالمتصرّف يلزم التفكيك.

والجواب أنّ الولي في الآية المتقدّمة عليها والمتأخّرة عنها ، وفي نفسها بمعنى واحد ليس له في جميع المقامات إلاّ معنى واحد وهو الأولى ، غير أنّه يختلف متعلّق الولاية جوهراً أوّلا وسعة وضيقاً ثانياً ، حسب اختلاف موصوفها ومن قامت به الولاية. فلو كان الولي هو اللّه والرسول فيكون متعلّق الولاية هو النفس والنفيس ، فهم أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، فكيف بأموالهم ، فهما أولى بالتصرّف في كل مايمت إلى المؤمنين.

ولو كان الولي من الأب والجد ، يكون المتعلّق شؤون الصغير ومصالحه ،

____________

١ ـ دائرة المعارف لفريد وجدي ٤ / ١٤٨.

٢ ـ مفاتيح الغيب ١٢ / ٢٨.

٧١

من حفظ نفسه وعرضه وماله. فيكون أولى بالتصرّف من الصغير في أمواله وشؤونه ، ومنها تزويجه بالغير.

ولو كان الموصوف رئيس القبيلة ، حيث كان الرائج في عهد الجاهلية ، عقد ولاء الدفاع بين القبيلتين ، فيكون هو أولى بالدفاع عن المنتمي في النوائب والنوازل ، إلى غير ذلك من الموارد المختلفة حسب الموصوف.

وبذلك يظهر أنّ المراد من الأولياء في قوله ( لا تتّخذوا اليهود والنصارى أولياء ) هو الأولى لما ستعرف من أنّها نزلت في حق ( عبادة بن الصامت وعبداللّه بن اُبيّ ) واليهود ، وكان بينهما وبين اليهود عقد ولاء الدفاع فكان كل من الطرفين وليّاً للآخر ، أي أولى بالدفاع والذب عن المولى عليه من غيره. قال المفسّرون : نزلت في حق عبادة بن الصامت وعبداللّه بن اُبي بعد غزوة بدر ، حيث لمّا انهزم أهل بدر قال المسلمون لأوليائهم من اليهود : آمنوا قبل أن يُصيبكم اللّه بيوم مثل يوم بدر ، فقال مالك بن ضيف ( اليهودي ) : أغرّكم أن اصبتم رهطاً من قريش لاعلم لهم بالقتال ، أما لو أمرونا العزيمة أن نستجمع عليكم ، لم يكن لكم يدان لقتالنا ، فجاء عبادة بن الصامت الخزرجي إلى رسول اللّه فقال : يا رسول اللّه إنّ لي أولياء من اليهود ، كثير عددهم قويّة أنفسهم ، شديدة شوكتهم ، وانّي أبرأ إلى اللّه ورسوله من ولايتهم ، ولا مولى لي إلاّ اللّه ورسوله. فقال عبداللّه بن اُبي : لكنّي لا أبرأ من ولاية اليهود ، لأنّي أخاف الدوائر فلابد لي منهم. فقال رسول اللّه : « يا أبا الحباب ما نفست به من ولاية اليهود على عبادة بن الصامت فهو لك دونه » قال : اذن اقبل ، وأنزل اللّه الآية (١).

فقد اتّخذ الرجلان اليهود أولياء ليتفرّع عليه النصرة والذبّ كما أنّه سبحانه

__________________

١ ـ مجمع البيان ٢ / ٢٠٦ وغيره.

٧٢

جعل الأب والجد أولياء ليتفرّع عليه حفظ شؤون المولى عليه ، وعلى ضوء ذلك فالولي في جميع المقامات بمعنى واحد ، والاختلاف انّما هو فيما يتفرّع على الولاية ، لا أنّه تارة بمعنى الأولى وثانياً بمعنى الناصر وثالثاً بمعنى المحب.

ب ـ والّذي يرشدك على أنّ الولي في قوله سبحانه : ( يا أيّها الّذين آمنوا لا تتََّخذوا اليهود والنصارى أولياء ) ليس بمعنى الحب والمحبّة كما احتمله الرازي ، انّه ورد نظير هذا النص في قوله سبحانه : ( يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا اَبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِياءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الكُفْرَ عَلَى الإيمَانِ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِنكُمْ فَاُوْلئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) (١) وليس الولي بمعنى المحبوب. وذلك لأنّ حب الآباء والاخوان أمر فطري ، فطرالناس عليه من غير فرق بين الكافر والمسلم ، ولو كان المراد من التولّي هو الحب يلزم النهي عن أمر جبلّيّ ولأجل ذلك لا محيص عن تفسيره باتخاذهم أولياء على غرار اتخاذ الرسول والإمام أولياء ، بأن تكون ولايتهم على أعناق المؤمنين ، كما أنّه ليس أيضاً بمعنى النصرة لجواز طلب النصرة من الكافر وهذا هو القرآن يجعل شيئاً من الزكاة للمؤلّفة قلوبهم.

ج ـ إنّ قوله ( ومن يتولّهم منكم فإنّه منهم ) يحكي عن أنّ التولّي على وجه يلحق المتولّي باليهود والنصارى ، وهو لا ينطبق على مجرّد الحب وطلب النصرة والحبّ لا لأجل كونهم كافرين ، بل لأسباب اُخرى من حسن الجوار وغيره.

د ـ إنّه سبحانه يندّد ببعض المؤمنين بقوله : ( يا أيّها الذين آمنوا من يرتدّ منكم عن دينه ... ) وهذا يعرب عن أنّ التولّي كان على وجه ينتهي إلى ارتداد المتولّي.

__________________

١ ـ التوبة / ٢٣.

٧٣

أفبعد هذه القرائن يصح للرازي أن يفسّر التولّي في هذه الآيات بالحب والنصرة. على أنّ تفسير ولاية اللّه والرسول بالحبّ والنصرة تفسير بأمر واضح لا يحتاج إلى زيادة تأكيد.

هذه هي الشبهة المهمّة في كلامه ، وأمّا باقي الشبهات ، فليس بشيء ذي بال.

مثلا يقول : لو نزلت الآية في حق علي ، يجب أن يكون نافذ التصرّف حال حياة الرسول ، والآية تقتضي كون هؤلاء المؤمنين موصوفين بالولاية في الحال (١).

والجواب : انّ هذا المقام كان ثابتاً لعلي كثبوته للّه سبحانه والرسول ، غير أنّه لا يقوم بتطبيقه على صعيد الحياة إلاّ عند الحاجة ، وهو عند ارتحال الرسول ومفارقته الاُمّة ، وهذا هو المفهوم من تعيين ولي العهد عند الاُمم.

وأنت إذا قارنت الآية وما ورد حولها من شأن النزول ، وما نزل في حق علي من الآيات التي تعرّف طهارته من الذنب (٢) ، وكون حبّه ومودّتهم أجراً للرسالة (٣) ، وانّه نفس النبي الأكرم (٤) ، وانّ بيته من أفضل البيوت التي قال في حقّها سبحانه : ( فِي بُيُوتٍ أِذِنَ اللّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيها اسْمُهُ ) ـ النور / ٣٦ ـ (٥) لوقفت على أنّ الذكر الحكيم يواكب السنّة في تعيين مصير الاُمّة الإسلامية في مجال القيادة

__________________

١ ـ مفاتيح الغيب ١٢ / ٢٨.

٢ ـ اشاره إلى نزول قوله سبحانه : ( إنّما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) في حق علي وأهل بيته ـ الأحزاب / ٣٣ ـ.

٣ ـ اشاره إلى قوله سبحانه : ( قل لا أسئلكم عليه أجراً إلاّ المودّة فى القربى ) ـ الشورى / ٢٣ ـ.

٤ ـ إشاره إلى قوله سبحانه في أمر المباهلة مع نصارى نجران : ( فقل تعالوا ندع أبناءَنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ) ـ آل عمران / ٦١ ـ.

٥ ـ إشاره الى ما رواه السيوطي في الدر المنثور من قول أبي بكر للنبىّ بعد نزول الآية : قال يا رسول اللّه أهذا البيت منها ـ أي بيت علي وفاطمة ـ؟ قال : هم من أفاضلها ٥ / ٥٠.

٧٤

والخلافة وأنّه سبحانه ألقى مقاليد الزعامة إلى الإمام أميرالمؤمنين ، وبذلك أخرج الاُمّة من التنازع والاحتكاك بعد الرسول الأعظم.

ونحن نكتفي من البرهنة على خلافة الإمام بهذه الآية ، وهناك آيات استدلّ بها الأصحاب على ولاية الإمام ، ونفي ولاية الغير ، أوضحنا مداليلها في مؤلفاتنا الكلامية ، فمن أراد فليرجع (١).

__________________

١ ـ الإلهيات ٢ / ٦١٨ ـ ٦٣٢.

٧٥
٧٦

الفصل الرابع

ما هو السرّ

في مخالفة الجمهور نص الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

٧٧
٧٨

لقد ظهرت الحقيقة بأجلى صورها وثبت أنّ الرسول لم يرحل عن أُمّته إلاّ بعد أن نصّب علياً للخلافة والقيادة ، ولكن هناك سؤال يطرح نفسه وهو أنّه لو كان الحق كما نطقت به النصوص كتاباً وسنّة ، فلماذا أعرض الجمهور عن ما اُمروا أن يتمسّكوا به؟ وهذه هي الشبهة المهمّة في الباب وهذا هو السؤال الذي ترك العقول متحيرة تبحث عن جواب مقنع ، وقد اعتمد على ذلك بعض المنصفين من أهل السنّة في ردّه لمذهب أهل البيت عليهم‌السلام ، فقال : اُنظر إلى جمهور أهل القبلة والسواد الأعظم من ممثّلي هذه الملّة فإذا هم مع أهل البيت على خلاف ما توجبه ظواهر تلك الأدلّة ، فانا اُؤامر منّي نفسين ، نفساً تنزع إلى متابعة الأدلّة واُخرى تفزع إلى الأكثرية من أهل القبلة (١).

والاجابة عن الشبهة سهلة لمن راجع التاريخ وسيرة الصحابة في عصر الرسول وبعده. فإنّ القرآن الكريم رغم أمره باتباع الرسول وعدم التقدّم عليه (٢) ، ورغم أمره

__________________

١ ـ من كلام شيخ الأزهر الشيخ سيلم البشري في رسالته إلى السيد شرف الدين ، لاحظ المراجعات ص ٢٥ ، رقم المراجعة ١١.

٢ ـ ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاتُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَىِ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللّهَ إِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) ـ الحجرات

٧٩

بالتسليم له وأنّ الايمان رهنه (١) ، ورغم أنّه يندّد ببعض المسلمين الذين كانوا يتمنّون طاعة الرسول لهم في بعض المواقف وقال : ( وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللّهِ لَوْ يُطيعُكُمْ فِى كَثِيرٍ مِنَ الأَمْرِِ لَعَنِتُّمْ ) (٢). رغم كل ذلك نشاهد رجالاًٍ يقفون أمام النبي في غير واحد من المواقف ويخالفونه بعنف وقوّة ويقدّمون الاجتهاد والمصالح الشخصية على أوامر الرسول في مواطن كثيرة ، وإليك نزراً يسيراً منها وبالالمام بها تسهل عليك الاجابة عن السرّ في مخالفة عدّة من الأصحاب لأمر النبي في مسألة الوصاية والقيادة :

١ ـ اختلافهم مع النبي في الأنفال والاُسرى :

انتصر المسلمون في غزوة بدر وجمع غير واحد من المسلمين ما في معسكر العدو فاختلف المسلمون فيه ، فقال من جمعه : هو لنا ، وقال الذين يقاتلون العدوّ ويطلبونه : واللّه لولا نحن ما أصبتموه ، لنحن شغلنا عنكم القوم حتّى أصبتم ما أصبتم ، وقال الذين يحرسون رسول اللّه : ما أنتم بأحقّ به منّا واللّه لقد رأينا أن نقتل العدوّ إن منحنا اللّه أكتافهم ، و قد رأينا أن نأخذ المتاع حين لم يكن دونه من يمنعه فخفنا على رسول اللّه كرّة العدوّ فقمنا دونه ، فما أنتم بأحق به منّا. فنزل قوله سبحانه : ( يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ قُلِ الأَنفَالُ للّهِ والرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتِ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللّهَ وَرَسُولَهُ إِِن كُنتُم مُؤمِنينَ ) ـ الأنفال / ١ ـ (٣).

وأمّا اختلافهم في الأسرى فيكفي في ذلك قوله سبحانه : ( مَا كَانَ لِنَبِىٍّ أنْ

____________

١ ـ ( فَلاَ وَرَبِّكَ لا يُؤمِنونَ حتّى يُحَكِّمُوكَ فِيَما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوْا فِى أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ ويُسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) ـ النساء / ٦٥ ـ.

٢ ـ الحجرات / ٧.

٣ ـ السيرة النبوية لابن هشام ١ / ٦٤١ ـ ٦٦٢.

٨٠