بحوث في الملل والنّحل - ج ٦

الشيخ جعفر السبحاني

بحوث في الملل والنّحل - ج ٦

المؤلف:

الشيخ جعفر السبحاني


الموضوع : الفرق والمذاهب
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٢
الصفحات: ٧٠٤

أربع ملايين والجميع يعيشون في حرّية وسلام. يلمسها كل من ورد الجمهورية الإسلامية.

إنّ هنا اُموراً لا محيص ، عن طرحها وتحليلها لأنّها من المواضع التي كثر فيها اللغط وقد أكثر المستشرقون وغيرهم فيها الصخب والهياج وهي :

١ ـ ما هو السبب الحقيقي لدخول الفرس في الاسلام؟

٢ ـ ما هو السبب الحقيقي لجنوحهم آل البيت؟

٣ ـ سببان مزعومان : الاصهار ، وإرادة هدم الإسلام وإليك تحليل تلك النقاط.

١ ـ ما هو السبب لدخول الفرس في الإسلام

إنّ الفرس دخلوا في الإسلام كدخول سائر الشعوب والعلّة في الجميع واحدة أو متقاربة وحاصلها أنّهم وقفوا على أنّ في هذه الشريعة الغرّاء ، من سمات العدل والمساواة ، ورفض التمييز العنصري ، والنظام الطبقي ، وأنّ الناس فيه كأسنان المشط لافضل لعجمي على عربي ، ولا لعربي على عجمي إلاّ بالتقوى ، وكانت الثورة الإسلامية تحمل يوم تفجّرها رايات العدل ، وكان ذلك هو الدافع المهم للشعوب للدخول في الإسلام والانضواء تحت رايته ، من غير فرق بين قوم دون قوم وشعب دون شعب.

٢ ـ ما هو السبب الحقيقي لولائهم آل البيت :

إنّ السبب الحقيقي لولائهم وجنوحهم إلى أهل البيت هو أنّهم شاهدوا أنّ علياً وأهل بيته ـ خلافاً للخلفاء عامتهم ـ يكافحون فكرة القومية ويطبّقون المساواة فأخذوا يتحنّنون إليهم حيناً بعد حين ، وشبراً بعد شبر ، فكان ذلك نواة لبذر الولاء في

٦٢١

قلوب بعضهم ، يرثه الأبناء من الآباء وإن لم يكن الحب ـ يوم ذاك ـ ملازماً للقول بخلافتهم عن الرسول وامامتهم بعده ، بل كان حبّاً وودّاً خالصاً لأسباب نفسية لا قيادية ، ويدل على ذلك عشرات من القضايا نذكر بعضها.

١ ـ روى الفضل بن أبي قرة عن الامام الصادق عليه‌السلام قال : أتت الموالي أميرالمؤمنين عليه‌السلام فقالوا : نشكوا إليك هؤلاء العرب. انّ رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يعطينا معهم العطايا بالسوية وزوّج سلمان ، وبلالا وصهيباً ، وأبوا علينا هؤلاء ، وقالوا : لا نفعل ، فذهب إليهم أميرالمؤمنين عليه‌السلام فكلّمهم فيهم فصاح الأعاريب : أبينا ذلك يا أبا الحسن ، أبينا ذلك ، فخرج وهو مغضب يجرّ رداءه وهو يقول : يا معشر الموالي إنّ هؤلاء قد صيّروكم بمنزلة اليهود والنصارى يتزوّجون إليكم ولا يزوّجونكم ولا يعطونكم مثل ما يأخذون ، فاتَّجروا بارك اللّه لكم ، فانّي قد سمعت رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : الرزق عشرة أجزاء ، تسعة أجزاء في التجارة وواحدة في غيرها (١).

٢ ـ روى أبو إسحاق إبراهيم بن محمّد بن سعيد الثقفي في غاراته : عن عباد ابن عبداللّه الأسدي ، قال : كنت جالساً يوم الجمعة ، وعلي عليه‌السلام يخطب على منبر من آجر ، وابن صوحان جالس فجاء الأشعث فقال : يا أميرالمؤمنين غلبتنا هذه الحمراء على وجهك ، فغضب ، فقال ابن صوحان : ليبين اليوم من أمر العرب ما كان يخفي ، فقال علي عليه‌السلام : من يعذرني من هؤلاء الضياطرة يقبل أحدهم يتقلب على حشاياه ، ويهجِّد قوم لذكر اللّه ، فيأمرني أن أطردهم فأكون من الظالمين؟ والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لقد سمعت محمّداً صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : ليضربنّكم واللّه على الدين عوداً كما ضربتموهم عليه بدءاً.

__________________

١ ـ الكليني : الكافي ٥ / ٣١٨.

٦٢٢

قال مغيرة : كان علي عليه‌السلام أميل إلى الموالي وألطف بهم ، وكان عمر أشدّ تباعداً منهم (١).

٣ ـ روى ابن شهر آشوب : لمّا ورد بِسبي الفرس إلى المدينة أراد عمر بيع النساء ، وأن يجعل الرجال عبيد العرب ، وعزم على أن يحملوا العليل والضعيف ، والشيخ الكبير في الطواف وحول البيت على ظهورهم ، فقال أميرالمؤمنين عليه‌السلام : إنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : أكرموا كريم قوم ، وإن خالفوكم ، وهؤلاء الفرس حكماء كرماء ، فقد ألقوا إلينا بالسلم ، ورغبوا في الإسلام وقد أعتقت منهم لوجه اللّه حقّي وحقّ بني هاشم ، فقالت المهاجرون والأنصار : وقد وهبنا حقّنا لك يا أخا الرسول اللّه فقال : اللّهمّ فاشهد انّهم قد وهبوا ، وقبلت وأعتقت ، فقال عمر : سبق إليها علي بن أبي طالب عليه‌السلام ونقض عزمتي في الأعاجم (٢).

٤ ـ روى الصدوق عن الامام الصادق ، قال : قال رجل له : إنّ الناس يقولون : من لم يكن عربياً صلباً ، أو مولى صريحاً ، فهو سفلي فقال : وأي شيء المولى الصريح ، فقال له الرجل : من ملك أبواه ، فقال : ولم قالوا هذا؟ قال : يقول رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مولى القوم من أنفسهم فقال سبحان اللّه : أما بلغك أنّ رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : أنا مولى من لا مولى له ، أنا مولى كل مسلم ، عربيها وعجميها ، فمن والى رسول اللّه أليس يكون من نفس رسول اللّه؟ ثمّ قال : أيّهما أشرف ، من كان من نفس رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو من كان

__________________

١ ـ الثقفي : الغارات ٣٤٠ طبع بيروت ، الحمراء : الموالي ، الضياطرة جمع الضياطر : الضخام الذين لا عناد عندهم.

٢ ـ ابن شهر آشوب : مناقب آل أبي طالب ٤ / ٤٨.

٦٢٣

من نفس أعرابي جلف بايل على عقبيه؟ ثمّ قال : من دخل في الإسلام رغبة ، خير ممن دخل رهبة ، ودخل المنافقون رهبة ، والموالي دخلوا رغبة (١).

٥ ـ روى الفضل بن شاذان ( ت ٢٦٠ ) أنّ عمر بن الخطاب نهى عن أن يتزوّج العجم في العرب وقال : لأمنعنّ فروجهنّ إلاّ من الأكفّاء (٢).

٦ ـ روى المفيد أنّ سلمان الفارسي ـ رضي اللّه عنه ـ دخل مسجد رسول اللّه ذات يوم فعظّموه وقدّموه وصدّروه اجلالاً لحقّه ، واعظاماً لشيبته واختصاصه بالمصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فدخل عمر فنظر إليه ، فقال : من هذا العجمي المتصدّر فيما بين العرب؟ فصعد رسول اللّه المنبر وخطب ، فقال : إنّ الناس من عهد آدم إلى يومنا هذا مثل أسنان المشط ، لا فضل للعربي على العجمي ، ولا للأحمر على الأسود إلا بالتقوى ، سلمان بحر لا ينزف ، وكنز لا ينفذ ، سلمان منّا أهل البيت ، سلسل يمنح الحكمة ويؤتي البرهان (٣).

٧ ـ روى الثقفي في « الغارات » عن مغيرة أنّه قال : كان علي أميل إلى الموالي وألطف بهم ، كان عمر أشد تباعداً منهم (٤).

٨ ـ وروى أيضاً : إنّ امرأتين أتتا علياً عليه‌السلام عند القسمة ، إحداهما من العرب ، والاُخرى من الموالي ، فأعطى كل واحدة خمسة وعشرين درهماً ، وكرّاً من الطعام ، فقالت العربية : يا أميرالمؤمنين! إنّي امرأة من العرب ، وهذه امرأة من العجم ، فقال علي عليه‌السلام إنّي لا أجد لبني إسماعيل في هذا

__________________

١ ـ الصدوق : معاني الأخبار كما في سفينة البحار ٢ مادة ولى.

٢ ـ الايضاح ٢٨٠.

٣ ـ المفيد : الاختصاص ٣٤١.

٤ ـ الغارات ٤٦.

٦٢٤

الفيء فضلا على بني إسحاق (١).

٩ ـ روى المفيد عن ربيعة وعمارة وغيرهما : انّ طائفة من أصحاب أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب مشوا إليه عند تفرّق الناس عنه ، وفرار كثير منهم إلى معاوية ، طلباً لما في يديه من الدنيا ، فقالوا له : يا أميرالمومنين اعط هذه الأموال ، وفضّل هؤلاء الأشراف من العرب ، وقريش على الموالي والعجم ، ومن يخاف خلافه عليك من الناس ، وفراره إلى معاوية ، فقال لهم أميرالمؤمنين عليه‌السلام : أتأمروني أن أطلب النصر بالجور؟! لا واللّه ما أفعل ما طلعت شمس ولاح في السماء نجم (٢).

١٠ ـ روى المبرد : قال الأشعث بن قيس لعلي بن ابي طالب رحمه‌الله وأتاه يتخطّى رقاب الناس وعلي على المنبر ، فقال : يا أميرالمؤمنين غلبتنا هذه الحمراء على قربك ، قال : فركض على المنبر برجله ، فقال صعصعة بن صوحان العبدي : ما لنا ولهذا؟ ـ يعني الأشعث ـ ليقولن أميرالمؤمنين اليوم في العرب قولاً لا يزال يذكر ، فقال علي : من يعذرني من هذه الضياطرة يتمرّغ أحدهم على فراشه تمرّغ الحمار ، ويهجر قوم للذكر ، فيأمرني أن أطردهم ، ما كنت لأطردهم فأكون فأكون من الجاهلين ، والذي فلق الحبّة ، وبرأ النسمة ليضربنّكم على الدين عوداً كما ضربتموهم عليه بدءاً (٣).

هذه الشواهد الكثيرة توقفنا على السبب الحقيقي لتوجّه الفرس والموالي إلى آل البيت وأنّه لم يكن إلاّ لصمودهم في طريق تحقيق العدل والمساواة ، والمكافحة

__________________

١ ـ الغارات ٣٤١.

٢ ـ المفيد : المجالس ٥٧ طبع النجف.

٣ ـ الكامل ٢ / ٥٣ طبع مصر سنة ١٣٣٩ هـ.

٦٢٥

ضد العنصرية.

١ ـ هل الاصهار كان سبباً للولاء :

روى الزمخشري في ربيع الأبرار وغيره : انّ الصحابة جاءوا بسبي فارس في خلافة الخليفة الثاني كان فيهم ثلاث بنات ليزدجرد ، فباعوا السبايا وأمر الخليفة ببيع بنات يزدجرد فقال الامام علي : « إنّ بنات الملوك لا يعاملن معاملة غيرهن » فقال الخليفة : كيف الطريق إلى العمل معهن؟ فقال : « يقوّمن ومهما بلغ ثمنهنّ قام به من يختارهنّ « فقوّمن فأخذهنّ » علي فدفع واحدة لعبداللّه بن عمر واُخرى لولده الحسين واُخرى لمحمّد بن أبي بكر ، فأولد عبداللّه بن عمر ولده سالماً ، وأولد الحسين زين العابدين ، وأولد محمّد ولده القاسم ، فهؤلاء أولاد خالة واُمّهاتهم بنات يزدجرد (١).

وقد استند إلى هذه القصة أحمد أمين في فجر الإسلام ، والدكتور حسن إبراهيم في التاريخ السياسي للاسلام (٢) وذهبا إلى أنّ الاصهار صار سبباً لتشيّع الفرس.

نحن لا نقوم حول هذه القصة وأنّها هل هي صادقة أو ممّا وضعها أصحاب الأساطير ، وكفانا لتكذيب هذه القصة من رأسها ما ألّفه زميلنا العزيز الدكتور السيد جعفر شهيدي (٣) ولو وقفنا إلى جانب هذه القصة وسلمنا بها نسأل : أيّ صلة بين دخول الفرس في التشيّع ومصاهرة الامام الحسين يزدجرد ، فلو كانت تلك علّة فليكن تسنّن

__________________

١ ـ ربيع الأبرابر.

٢ ـ التاريخ الإسلام السياسي ٢ / ٧.

٣ ـ الامام علي بن الحسين ـ باللغة الفارسية ـ.

٦٢٦

الفرس لاصهار عبداللّه بن عمر ومحمّد بن أبي بكر لهم ، فانّ الرجلين من أبناء الخليفتين ، على أنّ هناك من الخلفاء الاُمويين والعباسيين ينسبون من جانب الاُم إلى البلاط الايراني ، والحق أنّ تفسير إنتماء التشيّع وجنوحهم إلى آل البيت على هذا الحدث منطق ضئيل أشبه بمنطق الصبيان.

٣ ـ إرادة هدم الإسلام :

دخل الفرس في المذهب الشيعي وتستّر بحب أهل البيت لغاية هدم الإسلام تحت ذلك الغطاء وقد اعتمد عليه أحمد أمين وقال : والحق أنّ التشيّع كان مأوى يلجأ إليه كل من أراد هدم الإسلام لعداوة أو حقد ، ومن كان يريد ادخال تعاليم آبائه من يهودية ونصرانية وزرادشتية وهندية ، ومن يريد استقلال بلاده والخروج على مملكته ، كل هؤلاء كانوا يتّخذون حبّ أهل البيت ستاراً (١).

وقد استغلّ الفكرة الكاتب الأمريكي « لو تروب ستودارد » في كتابه « حاضر العالم الاسلامي » الذي نقله إلى العربية الأمير شكيب أرسلان ، وتجد الفكرة أيضاً عند صاحب المنار ومحبّ الدين الخطيب وغيرهم من كتّاب العصر.

وهذا الكلام أشبه بكلام من أعمى اللّه بصره وبصيرته ، فإنّ من نظر إلى تاريخ الفرس وجد أنّهم خدموا الإسلام بنفسهم ونفيسهم وأقلامهم وآرائهم من غير فرق بين الشيعي والسنّي ، وهؤلاء أصحاب الصحاح فانّ أكثرهم فارسي الأصل والمنشأ فقد نصّ من بينهم على أنّ مسلم بن الحجاج القشيري عربي وما عداه فارسي ، وقد كفانا في ذلك كتب الرجال والتراجم. على أنّ المذهب السائد بين الفرس يوم أسلموا ، إلى أوائل القرن العاشر ، كان هو التسنّن فلو كانت الفرس أسلموا لغاية هدم الاسلام

__________________

١ ـ فجر الإسلام : فصل الشيعة.

٦٢٧

فقد تستروا بالسنّة لا بالشيعة.

دول الشيعة :

حاول الأمويون القضاء على التشيّع وأراد العباسيّون الوقوف في وجه انتشاره بعد اليأس عن استئصاله. ولكن نما وازدهر عبر القرون بالرغم من تلك العوائق بل قامت لهم هنا وهناك دول ودويلات نظير :

١ ـ دولة الأدراسة في المغرب ١٩٤ ـ ٣٠٥.

٢ ـ دولة العلويين في الديلم ٢٠٥ ـ ٣٠٤.

٣ ـ دولة البويهيين في العراق وما يتّصل به من بلاد فارس ٣٢١ ـ ٤٤٧.

٤ ـ دولة الحمدانيين في سوريا والموصل وكركوك ٢٩٣ ـ ٣٩٢.

٥ ـ دولة الفاطميين في مصر ٢٩٦ ـ ٥٦٧.

٦ ـ دولة الصفويين في إيران ٩٠٥ ـ ١١٣٣.

٧ ـ دولة الزنديين ١١٤٨ ـ ١١٩٣.

٨ ـ دولة القاجاريين ١٢٠٠ ـ ١٣٤٤.

أضف إلى ذلك وجود امارات للشيعة في نقاط مختلفة.

إنّ افاضة القول في مؤسّسي هذه الدول وترجمة أحوالهم وما آل إليه مصيرهم يحوجنا إلى تأليف كتاب مستقل في ذلك (١) فنترك المقال في ذلك فعلى القرّاء مراجعة الكتب المؤلفة في هذه المواضيع.

__________________

١ ـ ومن أراد الالمام على وجه الايجاز فعليه الرجوع إلى كتاب « الشيعة والتشيّع » للكتاب القدير محمّد جواد مغنية ـ رضوان اللّه عليه ـ.

٦٢٨

الجامعات العلمية للشيعة :

الإسلام دين العلم والمعرفة ، دفع الإنسان من حضيض الجهل والاُمّية إلى أعلى مستويات العلم والكمال من خلال تشجيعه على القراءة والكتابة (١) ، والتدبّر في آثار الكون ومظاهر الطبيعة ونبذ التقليد في تبنّي العقيدة فأراد للانسان حياة نابضة بالفكر والثقافة.

وقد كانت للشيعة خلال القرون الماضية جامعات وحوزات علمية نشير إلى بعضها اجمالا :

١ ـ المدينة المنورة :

إنّ المدينة المنوّرة هي المنطلق العلمي الأوّل ، لنشر العلم والثقافة فهي المدرسة الاُولى للمسلمين نشأ فيها عدّة من الأعلام من شيعة أمير المؤمنين وعلى رأسهم ابن عباس حبر الاُمّة ، وسلمان الفارسي ، وأبو ذر الغفاري ، وأبو رافع. الذي هو من خيار شيعة الامام علي مؤلّف كتاب السنن والأحكام والقضاء (٢) وغيرهم.

جاءت بعدهم طبقة من التابعين تخرّجوا من تلك المدرسة على يد الامام علي بن الحسين زين العابدين عليهما‌السلام ولقد روى الكليني عن الامام الصادق أنّه قال : كان سعيد بن المسيب والقاسم بن محمّد بن أبي بكر وأبو خالد الكابلي من

__________________

١ ـ قال سبحانه : ( إقْرَأ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِى خَلَقْ ) وهي أوّل سورة نزلت على النبي الأكرم. وأقسم اللّه عزّوجلّ بالقلم وقال سبحانه : ( ن والقلم ). وبذلك أوقف المجتمع الانساني ، على قيمة وعلو شأنه.

٢ ـ النجاشي : الرجال ٦٤ برقم ١.

٦٢٩

ثقات علي بن الحسين عليهما‌السلام (١).

وازدهرت تلك المدرسة في عصر الامامين الصادق والباقر عليهما‌السلام وزخرت بطلاّب العلوم ووفود الأقطار الإسلامية فكان بيتهما ، جامعة إسلامية يزدحم فيها رجال العلم وحملة الحديث ، يأتون إليها من كل فجّ عميق ، وقد عرفت دور الامامية في بسط العلوم في الفصل الثاني عشر.

٢ ـ الكوفة وجامعها الكبير :

قد سبق أنّ الامام أمير المؤمنين هاجر من المدينة إلى الكوفة واستوطن معه خيار شيعته ومن تربّى على يديه من الصحابة والتابعين.

ولقد أتى ابن سعد في طبقاته الكبرى على ذكر جماعة من التابعين الذين سكنوا الكوفة (٢) ولقد أعان على ازدهار مدرسة الكوفة مغادرة الامام الصادق المدينة المنوّرة إلى الكوفة أيّام أبي العباس السفاح حيث بقى فيها مدّة سنتين.

اغتنم الامام فرصة ذهبيّة أو جدتها الظروف السياسية آنذاك وهي أنّ الحكومة العباسية كانت جديدة العهد وقد سقطت الحكومة الاموية. فلم يكن للعباسيين يومذاك قدرة على الوقوف في وجه الامام لانشغالهم باُمور الدولة. بالاضافة إلى أنّهم كانوا قد رفعوا شعار العلويين للوصول إلى السلطة وقد نشر زمن اقامته بها علوماً جمّة.

ولمّا انتشر نبأ وروده الحيرة تقاطرت وفود للارتواء من منهله العذب. وهذا الحسن بن علي بن زياد الوشاء يحكي لنا ازدهار مدرسة الكوفة في تلك الظروف ويقول :

__________________

١ ـ الكليني : الكافي ، كما في تأسيس الشيعة ٢٩٩.

٢ ـ الطبقات الكبرى ٦و قسّمهم على تسع طبقات.

٦٣٠

أدركت في هذا المسجد ـ يعني مسجد الكوفة ـ تسعمائة شيخ كلّ يقول حدّثني جعفر بن محمّد. ويضيف النجاشي : كان هذا الشيخ عيناً من عيون هذه الطائفة وله كتب ثم ذكر اسماءها (١).

وكان من خريجي هذه المدرسة لفيف من الفقهاء الكوفيين نظراء أبان بن تغلب بن رباح الكوفي ، ومحمّد بن مسلم الطائفي ، وزرارة بن أعين إلى غير ذلك ممّن تكفّل ذكرهم كتب الرجال وقد وقفت على أسماء عدّة منهم سابقاً باسم تلاميذ الامام الباقر والصادق عليهما‌السلام.

ولقد ألّف فقهاء الشيعة ومحدّثوهم في هذه الظروف في الكوفة ٦٦٠٠ كتاب ولقد امتاز من بينها ٤٠٠ كتاب اشتهرت بالأُصول ٤٠٠ (٢) فهذه الكتب هي التي أدرجها أصحاب الجوامع الحديثية في كتبهم كما مرّ آنفا.

ولم تقتصر الدراسة آنذاك على الحديث والتفسير والفقه بل شملت علوماً اُخرى ولأجل ذلك خرج منها مؤلّفون كبار صنّفوا كتباً كثيرة في علوم مختلفة ومتنوّعة كهشام بن محمّد بن السائب الكلبي ألّف أكثر من مائتي كتاب (٣) وابن شاذان ألّف ٢٨٠ كتابا (٤) وابن عمير صنّف ١٩٤ وابن دول الذي صنّف ١٠٠ كتابا (٥) وجابر بن حيان اُستاذ الكيمياء والعلوم الطبيعية إلى غير ذلك من المؤلّفين العظام ، في كافّة العلوم الإسلامية.

____________

١ ـ النجاشي : الرجال ١ / ١٣٧ رقم ٧٩.

٢ ـ وسائل الشيعة ج ٢٠ الفائدة الرابعة وقد بيّنا الفرق بين الكتاب والأصل في كتابنا « كليات في الرجال ».

٣ ـ الطهراني : الذريعة ١ / ١٧.

٤ ـ المصدر نفسه.

٥ ـ المصدر نفسه.

٦٣١

٣ ـ مدرسة قم والري :

دخل الفرس الإسلام وكان أكثرهم على غير مذهب الشيعة نعم كانت قم والري وكاشان وقسم من خراسان مركزاً للشيعة وقد عرفت انّ الأشعريين هاجروا ـ خوفاً من الحجاج ـ إلى قم وجعلوها موطنهم ومهجرهم ، وكانت تلك الهجرة نواة للشيعة في ايران.

كانت مدرسة الكوفة مزدهرة بالعلم والثقافة ، ولكن ربّما كانوا يعانون من الضغط العباسي. ففي هذه الفترة إلى حوالي سنة ٢٥٠ هاجر إبراهيم بن هاشم الكوفي تلميذ يونس بن عبدالرحمان وهو من أصحاب الامام الرضا عليه‌السلام إلى قم ونشر فيها حديث الكوفيين فصارت مدرسة قم والري مزدهرة بعد ذاك بالمحدّثين والرواة الكبار. وساعد على ذلك ، بسط الدولة البويهية نفوذهم على تلك البلدان ولقد خرج من تلك المدرسة علماء ومحدّثون نظراء :

١ ـ علي بن إبراهيم شيخ الكليني. الذي كان حيّاً سنة ٣٠٧ (١).

٢ ـ محمّد بن يعقوب الكليني. المتوفّى سنة ٣٢٩. مؤلّف الكافي في الفروع والاُصول.

٣ ـ علي بن الحسين بن بابويه والد الشيخ الصدوق صاحب الشرائع المتوفّى ٣٢٩.

٤ ـ ابن قولويه أبو القاسم جعفر بن محمّد ( ٢٨٥ ـ ٣٦٨ ) من تلامذة الكليني واُستاذ الشيخ المفيد. والذي يدل على وجود النشاط الفكري في أوائل القرن الثالث ما رواه الشيخ في كتاب الغيبة أنّه أنفذ الشيخ حسين بن روح ـ رضي اللّه تعالى عنه ـ ، النائب الخاص للإمام المنتظر ـ عجل اللّه تعالى فرجه الشريف ـ كتاب التأديب إلى فقهاء

__________________

١ ـ الطهراني : الذريعة ٤ / ٣٠٢ برقم ١٣١٦.

٦٣٢

قم. وقال لهم : اُنظروا ما في هذا الكتاب. وانظروا فيه شيء يخالفكم (١).

فهذه الرواية وغيرها تعرب عن وجود نشاط فكري وفقهي في ذينك البلدين في القرن الثالث والرابع ، وكفى في فضلها أنّ كتاب « الكافي » وكتاب « من لا يحضره الفقيه » وكتب محمّد بن أحمد بن خالد البرقي ت ٢٧٤ من ثمار هذه المدرسة العظيمة.

٤ ـ مدرسة بغداد :

كانت مدرسة الكوفة تزدهر بمختلف النشاطات العلمية عندما كانت بغداد عاصمة الخلافة. ولمّا دبّ الضعف في السلطة العباسية وصارت السلطة بيد البويهيين تنفّس علماء الشيعة في أكثر مناطق العراق فاُسّست مدرسة رابعة للشيعة في العاصمة أنجبت شخصيات مرموقة تفتخر بها الإنسانية ومن نتائجها ظهور أعلام نظير :

١ ـ الشيخ المفيد ( ٣٣٦ ـ ٤١٣ ) تلك الشخصية الفذّة الذي اعترف الموافق والمخالف بعلمه ، ترجم له اليافعي في مرآة الجنان بقوله : عالم الشيعة وإمام الرافضة ، صاحب التصانيف الكثيرة ، المعروف بالمفيد ، وبابن المعلم أيضاً ، البارع في الكلام والجدل والفقه ، وكان ينازع كل عقيدة بالجلالة والعظمة ومقدّماً في الدولة البويهية وكان كثير الصدقات ، عظيم الخشوع ، كثير الصلاة ، والصوم ، خشن اللباس وكان عضد الدولة ربّما زار الشيخ المفيد وكان شيخاً ربعة ، نحيفاً أسمر ، عاش ستّاً وسبعين سنة وله أكثر من ٢٠٠ مصنّف وكان يوم وفاته مشهور وشيّعه ٨٠ ألفاً من الرافضة والشيعة وأراح اللّه منه (٢).

__________________

١ ـ الطهراني : الذريعة ٣ / ٢١٠ برقم ٧٧٥.

٢ ـ مرآة الجنان ٣ / ٢٨ حوادث عام ٤١٣.

٦٣٣

٢ ـ السيد المرتضى.

٣ ـ السيد الرضي وهما كوكبان في سماء العلم والأدب غنيان عن التعريف.

٤ ـ الشيخ الطوسي ( ٣٨٥ ـ ٤٦٠ ) وهو شيخ الطائفة ومن أعلام الاُمّة ، تربّى على يد شيخه المفيد والسيد المرتضى وله كتاب « التبيان في تفسير القران » و « التهذيب » و « الاستبصار » وهما من المصادر المهمّة عند الشيعة وكانت مدرسة بغداد زاهرة في عهد هذه الأعلام الثلاثة واحد بعد الآخر ، وقام كل منهم بدور كبير في تطوير العلوم وتقدّمها ، وكان يحضر في حلقات دروسهم مئات من المجتهدين والمحدثين من الشيعة والسنّة.

إلى أن ضعفت سلطة البويهيين ، ودخل طغرل بك الحاكم التركي بغداد ، وأشعل نار الفتنة بين الطائفتين السنّة والشيعة ، وأحرق دوراً في الكرخ ولم يكتف بذلك حتّى كبس دار الشيخ الطوسي وأخذ ما وجد من دفاتره وكتبه ، وأحرق الكرسي الذي كان الشيخ يجلس عليه (١).

٦ ـ مدرسة النجف الأشرف :

إنّ هذه الحادثة المؤلمة التي أدّت إلى ضياع الثروة العلمية للشيعة وقتل الأبرياء ، دفعت الشيخ لمغادرة بغداد واللجوء إلى النجف الأشرف وتأسيس مدرسة علمية شيعية في جوار قبر أميرالمؤمنين عليه‌السلام ، وشاء اللّه تبارك وتعالى أن تكون هذه المدرسة مدرسة كبرى أنجبت خلال ألف سنة من عمرها ، عشرات الآلاف من العلماء والفقهاء والمتكلّمين والحكماء.

المعروف أنّ الشيخ هو المؤسّس لتلك الجامعة العلمية المباركة. وهو حق

__________________

١ ـ ابن الجوزي : المنتظم حوادث عام ٤٤٧ ـ ٤٤٩ ، ج ١٦ / ٨ و ١٦ ط بيروت.

٦٣٤

لا غبار عليه ، ومع ذلك يظهر من النجاشي وغيره أنّ الشيخ ورد عليها وكانت غير خالية من النشاط العلمي. يقول في ترجمة الحسين بن أحمد بن المغيرة : له كتاب عمل السلطان. أجازنا بروايته أبو عبداللّه بن الخمري الشيخ صالح في مشهد مولانا أميرالمؤمنين سنة ٤٠٠ عنه (١).

ولقد استغلّ الشيخ تلك الأرضية العلمية وأعانه على ذلك ، الهجرة العلمية الواسعة التي شملت أكثر الأقطار الشيعية فتقاطرت الوفود إليها ، من كل فجّ ، فصارت حوزة علمية وكلية جامعة في جوار النبأ العظيم علي أميرالمؤمنين ـ من عصر تأسيسه ٤٤٨ ـ إلى يومنا هذا. ولقد مضى على عمرها قرابة ١٠٠٠ سنة. وهي بحق شجرة طيبة أصلها في الأرض وفرعها في السماء آتت اُكلها كل حين باذن ربّها.

إنّ لجامعة النجف الأشرف حقوقاً كبرى على الإسلام والمسلمين عبر القرون ، فمن أراد الوقوف على تاريخها والبيوتات العلمية التي أنجبتها ، فعليه الرجوع إلى كتاب « ماضي النجف وحاضرها » في ثلاثة أجزاء (٢) ، وقد قام الباحث ، وهو الشيخ هادي الأميني بتخريج أسماء لفيف من العلماء الذين تخرّجوا من هذه المدرسة الكبرى.

٧ ـ مدرسة الحلّة :

في الوقت الذي كانت جامعة النجف تزدهر وتنجب أفذاذاً ، إذ أسّست الشيعة في الحلّة الفيحاء جامعة كبيرة اُخرى كانت تحتفل بكبار العلماء ، وتزدهر بالنشاط

__________________

١ ـ النجاشي : الرجال ١ / ١٩٠ برقم ١٦٣.

٢ ـ تأليف الشيخ جعفر آل محبوبة طبع النجف.

٦٣٥

الفكري عقدت فيها ندوات البحث والجدل ، وحلقات الدراسة والمدارس والمكاتب ، وظهر في هذا الدور فقهاء كان لهم الأثر الكبير في تطوير الفقه الشيعي واُصوله نأتي بأسماء بعضهم :

١ ـ المحقق الحلّي : نجم الدين أبو القاسم جعفر بن سعيد ، من كبار فقهاء الشيعة يصفه تلميذه ابن داود بقوله : الامام العلاّمة واحد عصره ، كان ألسن أهل زمانه وأقواهم بالحجّة وأسرعهم استحضارا (١) توفّي عام ٦٧٦ هـ. له من الكتب « شرائع الإسلام » في جزأين ، وهو أثر خالد شرحه العلماء وعلّقوا عليه. واختصره في كتاب أسماه « المختصر النافع » وشرحه أيضاً وأسماه « المعتبر في شرح المختصر ».

٢ ـ العلامة الحلّي ، جمال الدين حسن بن يوسف ( ٦٤٨ ـ ٧٢٦ هـ ) تخرّج على يد خاله المحقق الحلّي في الفقه ، وعلى يد المحقق الطوسي في الفلسفة والرياضيات ، وعرف بالنبوغ ، وهو بعد لم يتجاوز سن المراهقة ، وقد بلغ الفقه الشيعي في عصره القمة ، وله موسوعات فيه أجلّها « تذكرة الفقهاء » ولعلّه لم يؤلّف مثله.

٣ ـ فخر المحققين ، محمّد بن الحسن بن يوسف ( ٦٨٢ ـ ٧٧١ هـ ) ولد العلاّمة الحلّي ، تتلمذ على يد أبيه ونشأ تحت رعايته وعنايته ، وألّف والده لفيفاً من كتبه بالتماس منه ، وقد تتلمذ عليه امام الفقه الشهيد الأوّل ( ٧٣٤ ـ ٧٨٦ هـ ).

إلى غير ذلك من رجال الفكر كابن طاووس وابن ورام ، وابن نما وابن أبي الفوارس الحلّيين ، الذين احتلفت بهم مدرسة الحلّة ، ولهم على العلم وأهله أيادي بيضاء لا يسعنا ذكر حياتهم.

__________________

١ ـ ابن داود : الرجال / القسم الأول ٦٢ برقم ٣٠٤.

٦٣٦

٨ ـ الجامع الأزهر :

امتدّ سلطان الدولة الفاطمية من المحيط الأطلسي غرباً إلى البحر الأحمر شرقاً ونافست الدولة الفاطمية الشيعية ، خلافة الحكّام العباسيين في بغداد ، وكان المعز لدين اللّه أحد الخلفاء الفاطميين بمصر رجلا مثقّفاً ومولعاً بالعلوم والآداب وقد اتّخذ بفضل تدبير قائده العكسري القاهرة عاصمة للدولة الجديدة ، وبنى الجامع الأزهر ، وعقدت فيه حلقات الدرس ، وكان يركز على نشر المذهب الشيعي بين الناس وقد أمر أن يؤذّن في جميع المساجد بـ « حىّ على خير العمل » ومنع من لبس السواد شعار العباسيين.

إنّ المسلمين عامة وفي طليعتهم المصريين مدينون في ثقافتهم وازدهار علومهم وتقدّمهم في مجال العلم والصنعة للفاطميين وهممهم العالية ، فانّ الجامع الأزهر لا يزال مزدهراً من يوم بني إلى يومنا هذا كأعظم الجامعات العلمية (١) وهي كانت جامعة شيعية من بدء تأسيسها إلى قرنين.

وإن شئت أن تقف على صورة صغيرة من خدماتهم الجليلة فاقرأ ما كتبه السيد مير علي : « كان الفاطميون يشجّعون على العلم ، ويكرمون العلماء فشيّدوا الكليّات والمكاتب العامة ، ودار الحكمة ، وحملوا إليها مجموعات عظيمة من الكتب في سائر العلوم والفنون ، والآلات الرياضية ، لتكون رهن البحث والمراجعة ، وعيّنوا لها أشهر الأساتذة ، وكان التعليم فيها حرّاً على نفقة الدولة كما كان الطلاب يمنحون جميع الأدوات الكتابية مجّاناً ، وكان الخلفاء يعقدون المناظرات في شتى فروع العلم ، كالمنطق والرياضيات والفقه والطب ، وكان الأساتذة يتشحون بلباس خاص عرف بالخلعة ، أو العباءة الجامعية ـ كما هي الحال

__________________

١ ـ بروكلمان : تاريخ الشعوب الإسلامية ٢ / ١٠٨.

٦٣٧

اليوم ـ واُرصدت للانفاق على تلك المؤسّسات وعلى أساتذتها ، وطلاّبها وموظّفيها أملاك بلغ إيرادها السنوي ٤٣ مليون درهم ، ودعي الأساتذة من آسيا والأندلس لالقاء المحاضرات في دار الحكمة ، فازدادت بهم روعة وبهاء (١).

وقد ألّف غير واحد من المؤرّخين كتباً ورسائل حول الأزهر الشريف ومن أراد التفصيل فليرجع إليه.

مدارس الشيعة في الشامات :

كانت الشيعة تعيش تحت الضغط والارهاب السياسي من قبل الأمويين والعباسيين ، ولمّا دبّ الضعف في جهاز الخلافة العباسي وظهرت دول شيعية في العراق خصوصاً دولة الحمدانيين في الموصل وحلب ، استطاعت الشيعة أن تجاهر بنشاطها الثقافي ، وفي ظل هذه الحرية أسّست مدارس شيعية في جبل عامل ، وحلب فقد خرج من مدرسة حلب شخصيات كبيرة كأبناء زهرة وغيرهم.

الذين احتفل تاريخ حلب الشهباء بذكرهم ، وأمّا مدرسة جبل عامل فقد كانت تتراوح بين القوة والضعف ، إلى أن رجع الشهيد الأوّل من العراق إلى مسقط رأسه « جزين » ، فأخذت تلك المدرسة في نفسها نشاطاً ، واسعاً ، وقد خرج من تلك المدرسة منذ تلك العهود إلى يومنا هذا مئات من الفقهاء والعلماء لا يحصيها إلاّ اللّه سبحانه ، ومن أكبر الشخصيات المنتجبة في هذه المدرسة المحقق الشيخ علي الكركي ( ت ٩٤٠ ) مؤلّف « جامع المقاصد » وبعده الشيخ زين الدين المعروف بالشهيد الثاني ( ٩١١ ـ ٩٦٦ ) الذي كان منذ صباه تظهر منه ملامح النبوغ والذكاء ، وله الأثر الخالد الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية ».

__________________

١ ـ السيد مير علي : مختصر تاريخ العرب ٥١٠ ط ١٩٣٨.

٦٣٨

هذا غيض من فيض وقليل من كثير ممّن أنجبتهم هذه التربة الخصبة بالعلم والأدب.

ولنكتف بهذا المقدار من الاشارة إلى الجامعات الشيعية فانّ الاحصاء يحوجنا إلى بسط في المقال ، ويطيب لنا الاشارة إلى أسماء المعاهد الاُخرى مجردة.

جامعات اُخر للشيعة في أقطار العالم :

كانت للشيعة جامعات في أقطار العالم ولم تزل بعضها زاهرة إلى اليوم.

إنّ الشرق الاسلامي كافغانستان والباكستان والهند تزخر بالشيعة ولهم هناك جامعات وكليّات في هرات وبمباي ولكنهو ، كما أنّ للشيعة نشاطات ثقافية في آسيا الجنوبية الشرقية كماليزيا وتايلند ، ومن أراد الوقوف على الخريجين من هذه المدارس فعليه أن يقرأ تاريخ هذه البلاد خصوصاً بلاد الهند.

فمذ تسنّم الصفوية منصّة الحكم اُسّست في ايران حوزات فقهية ، كلامية ، فلسفية زاهرة ، وقد خرج منها آلاف من العلماء كجامعة اصفهان ، وطهران ، وخراسان ، وتبريز ، وقزوين ، وزنجان ، وشيراز وأخيراً الجامعة الكبرى للشيعة في قم المحمية بجوار الحضرة الفاطمية التي أسّسها رجل العلم والزهد الشيخ عبدالكريم اليزدي ( ١٢٧٤ ـ ١٣٥٥ ) سنة ١٣٤٠ هـ ، ولم تزل هذه الجامعة مُشعَّة زاهرة ، وقد تقاطرت إليها الأساتذة ووفود الطلاب من نقاط شتّى ، من جنسيات مختلفة منذ أوّل يومها ويتجاوز عدد الطلاب فيها في هذه السنين ٢٥٠٠٠ وفيها مكتبات زاخرة ، ومؤسّسات علمية ، ومراكز تحقيقية ، ومطابع حديثة ، وعمالقة الفكر وأساتذة القلم ، ومنها تفجّرت الثورة الإسلامية على يد أحد خريجيها الامام الخميني ـ قدس اللّه سره ـ فانبثقت أنوارها على ربوع العالم وأيقظت الاُمّة من سباتها العميق.

٦٣٩

عدد الشيعة :

إنّ مراكز الاحصائيات في العالم تخضع لنفوذ أعداء الإسلام خصوصاً الصهاينة ، وقد صار ذلك سبباً لعدم وجود احصاء دقيق بأيدينا عن عدد المسلمين وعامة طوائفهم ومنهم الشيعة. ولكن القرائن تشهد على أنّ الشيعة بطوائفها الثلاث : الإمامية والزيدية والاسماعيلية يشكّلون خمس أو ربع المسلمين ، فلو كان عدد المسلمين ـ على ما يقولون ـ مليار نسمة فالشيعة تبلغ ٢٠٠ مليون ، وأكثرهم عدداً هم الإمامية المعروفة بالاثني عشرية أو الجعفرية.

نسأله سبحانه أن يرفع كلمة التوحيد في ربوع العالم ، ويوفّق المسلمين لتوحيد الكلمة ورصّ الصفوف إنّه على ذلك لقدير.

٦٤٠