بحوث في الملل والنّحل - ج ٦

الشيخ جعفر السبحاني

بحوث في الملل والنّحل - ج ٦

المؤلف:

الشيخ جعفر السبحاني


الموضوع : الفرق والمذاهب
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٢
الصفحات: ٧٠٤

مؤلّفاتهم ، فأصبحت مكتبته من أغنى دور الكتب ببغداد ، وقد احترقت هذه المكتبة العظيمة فيما احترق من محال كرخ عند مجيئ طغرل بيك وتوسّعت الفتنة حتى اتّجهت إلى شيخ الطائفة وأصحابه فأحرقوا كتبه وكرسيه الذي كان يجلس عليه للكلام.

وقال ابن الجوزي في حوادث سنة ٤٤٨ :

وهرب أبو جعفر الطوسي ونهبت داره ، ثمّ قال في حوادث سنة ٤٤٩ : وفي صفر هذه السنة كبست دار أبي جعفر الطوسي المتكلّم الشيعة في الكرخ ، واُخذ ما وجد من دفاتره وكرسيّ يجلس إليه للكلام ، واُخرج إلى الكرخ واُضيف إليه ثلاث سناجيق بيض كان الزوّار من أهل الكرخ قديماً يحملونها معهم إن قصدوا زيارة الكوفة ، فاُحرق الجميع (١).

وأنت إذا سبرت غضون التأريخ المؤلّف في عصور الامويّين والعباسيّين ومن بعدهم ـ مع أنّه قد لعبت به الهوى ودسّ فيها أشياء وأشياء ـ تقف على أنّ بقاء الشيعة إلى العصر الحاضر من المعاجز والكرامات وخوارق العادات ، وكيف وانّ تاريخهم هو الذبح ، والقتل ، والقمع ، والاستئصال ، والسحق ، والإبادة ، قد تضافرت قوى الكفر والفسق على إهلاكهم وقطع جذورهم ومع ذلك فقد كانت لهم دول ودويلات ، ومعاهد وكلّيّات ، وبلدان وحضارات ، وأعلام ومفاخر وعباقرة وفلاسفة ، وفقهاء ومحدّثون ووزراء وسياسيّون ، ويشكلون اليوم خمس المسلمون أو ربعهم ، إنّ ذلك من فضله سبحانه لتعلّق مشيئته على إبقاء الحقّ

____________

١ ـ المنتظم ٨ / ١٧٣ ـ ١٧٩ ، نقلنا ما يتعلّق بمكتبة أبي نصر سابور والشيخ الطوسي عن مقدّمة شيخنا الطهراني على التبيان وذكرنا المصادر التي أومأ هو إليها في الهامش ، لاحظ الصفحة هـ ـ ومن المقدمة.

٢٤١

و إزهاق الباطل في ظل قيام الشيعة طيلة القرون بواجبها وهو الصمود أمام الظلم ، والتضحية والتفدية للمبدأ والمذهب وقد قال سبحانه : ( إنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشرونَ صابِرونَ يَغْلِبُوا مائَتَينِ وإنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا ألْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفروا بِأنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ ) (١).

ولا يفوتنّك انّ ثوراتهم المتعاقبة أدّت إلى تشريدهم وقتلهم والفتك بهم ، ولو أنّهم ساوموا السلطة الأموية والعباسية ، لكانوا في أعلى المناصب والمدارج ، لكن ثوراتهم لم تكن عنصريّة أو قوميّة أو طلباً للرئاسة ، بل كانت لإزهاق الباطل ورفع الظلم عن المجتمع ، والدعوة إلى اعلاء كلمة اللّه وغير ذلك ممّا هو من وظائف العلماء العارفين.

__________________

١ ـ الأنفال / ٦٥.

٢٤٢

الفصل العاشر

في عقائد الشيعة الإمامية

٢٤٣
٢٤٤

إنّ المناهج الكلامية التي فرّقت المسلمين إلى مذاهب حدثت في أواخر القرن الأوّل الهجري ، واستمرّت في القرون التالية ، نجمت عنها فرق اسلامية كالمرجئة ، والجهمية ، والمعتزلة ، والحشوية ، والأشعرية ، والكرامية بفرقهم المتشعّبة ، فأكثر الفرق الإسلامية أو جميعها نتاج البحث والمذاكرة بالاضافة إلى الإحتكاك الفكري بين المسلمين والاُمم الاُخرى التي حملت إليهم مسائل وموضوعات جديدة ، فلا تجد لأكثرها أو جميعها تأريخاً متّصلاً بزمن النبيّ الأكرم ، ويقف على صدق ما ذكرنا من سبر أجزاء كتابنا هذا.

مثلاً الخوارج ـ مضافاً إلى أنّها كانت فرقة سياسيّة نجمت عام ٣٧ من الهجرة أثناء حرب صفين ـ تبدّلت إلى فرقة دينيّة في أواخر القرن الأوّل وأوائل القرن الثاني.

والمرجئة ظهرت على الأوساط الإسلاميّة عند اختلاف الناس في الخليفتين عثمان وعلي ، ثمّ تطوّرت إلى معنى آخر وكانت حصيلة التطوّر هو تقديم الإيمان وتأخير العمل.

والجهمية نتيجة أفكار « جهم بن صفوان » المتوفّى سنة ١٢٨ ، والمعتزلة تستمد من واصل بن عطاء تلميذ الحسن البصري المتوفّى عام ١٣٠ ، وهكذا القدريّة

٢٤٥

والكراميّة والظاهريّة والأشعريّة كلّها فرق نتجت عن البحث الكلامي وصقلها الجدل عبر القرون ، فلا تجد لهذه الفرق سنداً متّصلا بالنبيّ الأكرم.

وأمّا عقائد الشيعة الإماميّة ، فليست حصيلة الاحتكاك بالثقافات الأجنبيّة ولا ما أنتجته البحوث الكلاميّة طوال القرون ، وإنّما هي عقائد مأخوذة من الذكر الحكيم أوّلا ، والسنّة النبويّة ثانياً ، وخطب الامام علي وكلمات العترة الطاهرة المأخوذة من النبيّ الأكرم ثالثاً. فلأجل ذلك يحدّد تاريخ عقائدهم بتاريخ الإسلام وحياة أئمّتهم الطاهرين.

وهذا لا يعني أنّ الشيعة تتعبّد بالنصوص في اُوصلها من دون تحليل وتفكير ، بل يعني أنّ اُصول العقائد الواردة في المصادر المذكورة ، أخذها علماؤهم منها ، وحرّروها بأوضح الوجوه ، ودعموها بالبرهنة ، نعم لا يعتمدون في مجال العقيدة على آحاد الروايات بل يشترط فيها أن تكون متواترة ، أو محفوفة بالقرائن المفيدة للعلم واليقين ، إذ ليس المطلوب في باب الاعتقاد مجرّد العمل ، بل المطلوب هو الاذعان والإيمان ولا يحصل بآحاد الروايات.

وهنا نكتة جديرة بالتنبيه ، وهي أنّ قوام التشيّع عبارة عن الاعتقاد بأنّ الإمام عليّاً منصوص عليه بالوصاية على لسان النبيّ الأكرم ، وأنّه وعترته الطاهرة هم المرجع الوحيد بعد الذكر الحكيم. هذا هو العنصر المقوّم للتشيّع وأمّا سائر الاُصول فإنّها عقائد اسلامية لا تتّصل بالتشيّع دون غيرهم.

وها نحن نذكر قصاصات من عقائد الشيعة الامامية ، الواردة في أحاديث أئمّتهم تارة ، وكلمات علمائهم الأقدمين ثانياً ، حتّى يقف القارئ على جذور تلك العقائد وأنّها مأخوذة عن أئمّتهم الطاهرين ، وفي مقدّمتهم خطب الامام علي عليه‌السلام.

٢٤٦

١ ـ ما كتبه الامام الرضا عليه‌السلام للمأمون في محض الإسلام :

روى الصدوق بسنده عن الفضل بن شاذان قال : سأل المأمون علي بن موسى الرضا أن يكتب له محض الإسلام على سبيل الإيجاز والاختصار ، فكتب عليه‌السلام له : « إنّ محض الإسلام شهادة أن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له إلهاً واحداً أحداً فرداً صمداً قيّوما ، سميعاً ، بصيراً ، قديراً ، قديماً ، قائماً ، باقياً ، عالماً لا يجهل ، قادراً لا يعجز ، غنيّاً لا يحتاج ، عدلا لا يجور ، وانّه خالق كلّ شيء ، ليس كمثله شيء ، لا شبه له ولا ضدّ له ولا ندّ له ولا كفو له ، وانّه المقصود بالعبادة والدعاء والرغبة والرهبة.

وانّ محمّداً عبده ورسوله وأمينه وصفيّه وصفوته من خلقه ، وسيّد المرسلين وخاتم النبيين وأفضل العالمين ، لا نبيّ بعده ولا تبديل لملّته ولا تغيير لشريعته ، وانّ جميع ما جاء به محمّد بن عبداللّه هو الحقّ المبين ، والتصديق به وبجميع من مضى قبله من رسل اللّه ، وأنبيائه ، وحججه ، والتصديق بكتابه ، الصادق العزيز الذي ( لا يأْْتِيهِ الباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكيمٍ حَميد ) (١) وانّه المهيمن على الكتب كلّها ، وانّه حقّ من فاتحته إلى خاتمته ، نؤمن بمحكمه ومتشابهه ، وخاصّه وعامّه ، ووعده ووعيده ، وناسخه ومنسوخه ، وقصصه واخباره ، لا يقدر أحد من المخلوقين أن يأتي بمثله.

وانّ الدليل بعده والحجّة على المؤمنين والقائم بأمر المسلمين ، والناطق عن القرآن ، والعالم بأحكامه ، أخوه وخليفته ووصيّه ووليّه ، والذي كان منه بمنزلة هارون من موسى : علي بن أبي طالب عليه‌السلام أميرالمؤمنين ، وإمام

__________________

١ ـ فصّلت / ٤٢.

٢٤٧

المتّقين ، وقائد الغرّ المحجّلين ، وأفضل الوصيّين ووارث علم النبيّين والمرسلين ، وبعده الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنّة ، ثمّ علي بن الحسين زين العابدين ، ثمّ محمّد بن علي باقر علم النبيّين ، ثمّ جعفر بن محمّد الصادق وارث علم الوصيّين ، ثمّ موسى بن جعفر الكاظم ، ثمّ علي بن موسى الرضا ، ثمّ محمّد بن علي ، ثمّ علي بن محمّد ، ثمّ الحسن بن علي ، ثمّ الحجّة القائم المنتظر ـ صلوات اللّه عليهم أجمعين ـ.

أشهد لهم بالوصيّة والإمامة ، وأنّ الأرض لا تخلو من حجّة للّه تعالى على خلقه في كلّ عصر وأوان ، وانّهم العروة الوثقى ، وأئمّة الهدى ، والحجّة على أهل الدنيا ، إلى أن يرث اللّه الأرض ومن عليها ، وانّ كل من خالفهم ضال ، مضل ، باطل ، تارك للحقّ والهدى ، وانّهم المعبّرون عن القرآن ، والناطقون عن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالبيان ، ومن مات ولم يعرفهم مات ميتة جاهلية ، وانّ من دينهم الورع ، والفقه ، والصدق والصلاة والاستقامة والاجتهاد ، واداء الأمانة إلى البر والفاجر ، وطول السجود وصيام النهار وقيام الليل واجتناب المحارم ، وانتظار الفرج بالصبر ، وحسن العزاء وكرم الصحبة (١).

ثمّ ذكر الامام فروعاً شتّى من مختلف أبواب الفقه وأشار إلى بعض الفوارق بين مذهب أهل البيت وغيرهم لا يهمّنا في المقام ذكرها ومن أراد الوقوف عليها فليرجع إلى المصدر.

٢ ـ عرض السيّد عبدالعظيم الحسني عقائده على الإمام الهادي :

روى الصدوق عن عبدالعظيم الحسني (٢) قال : دخلت على سيدي علي بن

__________________

١ ـ عيون أخبار الرضا ٢ / ١٢١ ـ ١٢٢.

٢ ـ عبدالعظيم بن عبداللّه بن علي بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب

٢٤٨

محمّد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم‌السلام فلمّأ بَصُرَبي ، قال لي : « مرحباً بك يا أباالقاسم أنت وليّنا حقّا » قال : فقلت له : ياابن رسول اللّه إنّي اُريد أن أعرض عليك ديني ، فإن كان مرضيّاً ثبتّ عليه حتّى ألقى اللّه عزّوجلّ. فقال : « هاتها أبا القاسم ».

فقلت : إنّي أقول : إنّ اللّه تبارك وتعالى واحد ليس كمثله شيء ، خارج من الحدّين : حدّ الابطال ، وحدّ التشبيه ، وانّه ليس بجسم ولا صورة ولا عرض ولا جوهر ، بل هو مجسّم الأجسام ومصوّر الصور ، وخالق الاعراض والجواهر ، وربَّ كل شيء ومالكه وجاعله ومحدثه ، وانّ محمّداً عبده ورسوله خاتم النبيّين ، فلا نبيّ بعده إلى يوم القيامة ، وأقول : إنّ الامام والخليفة ووليّ الأمر بعده أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، ثمّ الحسن ، ثمّ الحسين ، ثمّ علي بن الحسين ، ثمّ محمّد بن علي ، ثمّ جعفر بن محمّد ، ثمّ موسى ابن جعفر ، ثمّ علي بن موسى ، ثمّ محمّد بن علي ، ثمّ أنت يا مولاي.

فقال عليه‌السلام : « ومن بعدي الحسن ابني ، فكيف للناس بالخلف من بعده؟ قال : فقلت : وكيف ذلك يا مولاي؟ قال : لأنّه لا يرى شخصه ولا يحل

__________________

عليهم‌السلام من أصحاب الإمام الهادي ، قال النجاشي : له كتاب خطب أميرالمؤمنين ورد الري هارباً من السلطان وسكن سربا في دار رجل من الشيعة في سكة الموالي ، فكان يعبد اللّه في ذلك السرب ويصوم نهاره ويقوم ليله ، فكان يخرج مستتراً ، فيزور القبر المقابل قبره وبينهما الطريق ويقول هو قبر رجل من ولد موسى بن جعفر عليه‌السلام فلم يزل بأوى إلى ذلك السرب ويقع خبره إلى الواحد بعد الواحد من شيعة آل محمّد عليهم‌السلام حتى عرفه اكثرهم. رجال النجاشي ٢ / ٦٥ ـ ٦٦ ، ومات عبد العظيم بالري وقبره مزار. يزوروه الناس. وذكره الشيخ الطوسي في رجاله في أصحاب الإمام الهادي والعسكري تحت رقم ١ و٢٠. وذكره أيضاً عمدة الطالب ٩٤.

٢٤٩

ذكره باسمه حتى يخرج فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجورا.

قال : فقلت : أقررت وأقول : إنّ وليّهم وليّ اللّه ، وعدوّهم عدوّ اللّه ، وطاعتهم طاعة اللّه ومعصيتهم معصية اللّه ، وأقول : إنّ المعراج حقّ ، والمساءلة في القبر حقّ ، وانّ الجنّة حقّ ، والنار حقّ ، والميزان حقّ ، وانّ الساعة آتية لا ريب فيها وانّ اللّه يبعث من في القبور ، وأقول : إنّ الفرائض الواجبة بعد الولاية الصلاة والزكاة ، والصوم ، والحج ، والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

فقال علي بن محمّد عليه‌السلام : يا أبا القاسم : « هذا واللّه دين اللّه الذي ارتضاه لعباده ، فاثبت عليه ثبّتك اللّه بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة » (١).

وقد اكتفينا بهذين النصّين من الإمامين الطاهرين ، أحدهما قولي ، والآخر امضائي ، وقد أخذوا عقائدهم عن آبائهم الطاهرين.

٣ ـ رسالة الصدوق ٣٠٦ ـ ٣٨١ في عقائد الإمامية :

إنّ لمشايخنا الإمامية قصاصات في بيان عقائد الشيعة ومعارفهم ، ونختار في المقام رسائل موجزة ، من المتقدّمين :

صنّف الشيخ الصدوق ٣٠٦ ـ ٣٨١ رسالة موجزة في عقائد الإمامية ، قال : اعلم انّ اعتقادنا في التوحيد ، أنّ اللّه تعالى واحد ، أحد ، ليس كمثله شيء ، قديم لم يزل ولا يزال ، سميعاً بصراً ، عليماً حكيماً ، حيّاً قيّوماً ، عزيزاً قدّوساً ، عالماً قادراً ، غنيّاً ، لا يوصف بجوهر ولا جسم ولا صورة ولا عرض إلى أن قال : ـ وأنّه تعالى متعال عن جميع صفات خلقه ، خارج عن الحدّين ، حد الأبطال ، وحدّ التشبيه ،

__________________

١ ـ التوحيد : باب التوحيد والتشبيه ٨١ رقم الحديث ٣٧.

٢٥٠

وأنّه تعالى شيء لا كالأشياء ، أحد صمد لم يلد فيورث ، ولم يولد فيشارك ، ولم يكن له كفواً أحد ، ولا ند ولا ضد ، ولا شبه ولا صاحبة ، ولا مثل ولا نظير ولا شريك له ، لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار ، ولا الأوهام وهو يدركها ، لا تأخذه سنة ولا نوم وهو اللطيف الخبير ، خالق كل شيء لا إله إلا هو ، له الخلق والأمر تبارك اللّه ربّ العالمين.

ومن قال بالتشبيه فهو مشرك ، ومن نسب إلى الإمامية غير ما وصف في التوحيد فهو كاذب ، وكل خبر يخالف ما ذكرت في التوحيد فهو موضوع مخترع ، وكل حديث لا يوافق كتاب اللّه فهو باطل ، وإن وجد في كتب علمائنا فهو مدلس ... ثمّ إنّه قدّس اللّه سرّه ذكر الصفات الخبرية في الكتاب العزيز وفسّرها ، وبيّن حدّاً خاصّاً لصفات الذات وصفات الأفعال ، وما هو معتقد الإماميّة في أفعال العباد ، وانّه بين الجبر والتفويض ، كما ذكر عقائدهم في القضاء والقدر ، والفطرة والاستطاعة إلى غير ذلك من المباحث الهامّة ، التي تشكّل العمود الفقري للمعارف الإلهية. حتّى انّه قال :

اعتقادنا أنّ القرآن الذي أنزله اللّه تعالى على نبيّه محمّد هو ما بين الدفّتين ، وهو ما في أيدي الناس ليس بأكثر من ذلك ، ومبلغ سورة عند الناس ١١٤ سورة ، وعندنا أنّ الضحى والانشراح سورة واحدة ، كما أنّ الإيلاف والفيل سورة واحدة. ومن نسب إلينا أنّا نقول إنّه أكثر من ذلك فهو كاذب ... إلى آخر الرسالة (١).

ثمّ إنّ الشيخ المفيد ٣٣٦ ـ ٤١٣ قد شرح تلك الرسالة بكتاب أسماه شرح عقائد الصدوق ، أو تصحيح الاعتقاد ناقش فيها اُستاذه الصدوق في بعض المواضع التي

____________

١ ـ لاحظ رسالة الصدوق في الاعتقادات ، وقد طبعت غير مرّة ، وعليها شروح وتعاليق العلماء منهم العلّامة المجلسي.

٢٥١

استند فيها الصدوق على روايات غير جامعة للشرائط في باب العقائد (١).

٤ ـ ما أملاه هو أيضاً على جماعة في المجلس الثالث والتسعون ، وجاء فيه : واجتمع في هذا اليوم إلى الشيخ الفقيه أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن موسى ابن بابوية أهل مجلسه والمشايخ ، فسألوه أن يملي عليهم وصف دين الإماميّة على الإيجاز والاختصار ، فقال : دين الإماميّة هو الإقرار بتوحيد اللّه تعالى ذكره ونفي التشبيه عنه ، وتنزيهه عمّا لا يليق ، والإقرار بأنبياء اللّه ورسله وحججه وملائكته وكتبه ، والإقرار بأنّ محمّداً هو سيّد الأنبياء والمرسلين ، وانّه أفضل منهم ومن جميع الملائكة المقرّبين ، وأنّه خاتم النبيّين فلا نبيّ بعده ... إلى آخر ما ذكر (٢).

٥ ـ جمل العلم والعمل للسيّد الشريف المرتضى ٣٥٥ ـ ٤٣٦ :

ألّف السيّد الشريف المرتضى رسالة موجزة في العقائد أسماها جمل العلم والعمل. وفيه عقائد الشيعة على وجه الإيجاز نذكر خصوص ما يرجع إلى التوحيد فعلى القارئ الكريم مطالعة نفس الرسالة ونقتطف ما يلي :

بيان ما يجب اعتقاده أبواب التوحيد :

الأجسام محدَثة لأنّها لم تسبق الحوادث ، فلها حكمها في الحدوث ، ولابدّ لها من محدث ، لحاجة كل محدَث في حدوثه إلى محدِث كالصناعة والكتابة.

ولا بدّ من كونه ( تعالى ) قادراً لتعذّر الفعل على من لم يكن قادراً وتيسّره على

__________________

١ ـ طبع الكتاب مع كتاب أوائل المقالات للشيخ المفيد في تبريز عام ١٣٧١.

٢ ـ الأمالي للشيخ الصدوق ـ أملاه يوم الجمعة الثاني عشر من شعبان سنة ٣٦٨ ـ لاحظ ٥٠٩ طبع بيروت.

٢٥٢

من كان كذلك.

ولابدّ من كون محدثها عالماً لأنّ الإحكام ظاهر في كثير من العالم ، والمحكم لا يقع إلا من عالم.

ولابدّ من كونه موجوداً ، لأنّ له تعلّقاً من حيث كان قادراً عالماً ، وهذا الضرب من التعلّق لا يصح إلا مع الوجود.

ويجب كونه قديماً ، لانتهاء الحوادث إليه.

ويجب كونه حيّاً ، وإلا لم يصح كونه قادراً ، عالماً ، فضلاً عن وجوبه.

ويجب أن يكون مدرٍِكاً اذا وجدت المدرَكات ، لاقتضاء كونه حيّاً.

ذلك ، وواجب كونه سميعاً بصيراً ، لأنّه ممّن يجب أن يدرك المدركات إذا وجدت ، وهذه فائدة قولنا سميع بصير.

ومن صفاته ـ وإن كانتا عن علّة ـ كونه تعالى ، مريداً وكارهاً لأنّه تعالى ، قد أمر وأخبر ونهى ، ولا يكون الأمر والخبر ، أمراً ولا خبراً إلا بالإدارة. والنهي لا يكون نهياً إلا بالكراهة.

ولا يجوز أن يستحق هاتين الصفتين لنفسه ، لوجوب كونه مريداً ، كارهاً للشيء الواحد ، على الوجه الواحد.

ولا لعلّة قديمة ، لما سنبطل به الصفات القديمة.

ولا لعلّة محدثة في غير حي لافتقار الإرادة إلى تنبيه. ولا لعلّة موجودة في حي ، لوجوب رجوع حكمها إلى ذلك الحي. فلم يبق إلا أن توجد لا في محل.

ولا يجوز أن يكون له في نفسه صفة زائدة على ما ذكرناه لأنّه لا حكم لها معقول.

وإثبات ما لا حكم له معقول من الصفات ، يفضي إلى الجهالات.

ويجب أن يكون قادراً فيما لم يزل ، لأنّه لو تجدّد له ذلك لم يكن إلا لقدرة

٢٥٣

محدثة ، ولا يمكن اسناد احداثها إلا إليه ، فيؤدّي إلى تعلّق كونه قادراً ، بكونه محدثاً وكونه محدثاً ، بكونه قادراً. وثبوت كونه قادراً فيما لم يزل ، يقتضي أن يكون فيما لم يزل حيّاً موجوداً.

ويجب أن يكون عالماً فيما لم يزل لأنّ تجدّد كونه عالماً ، يقتضي أن يكون بحدوث علم ، والعلم لا يقع إلا ممّن هو عالم.

ووجوب هذه الصفات ، لم تدل على أنّها نفسيّة ، وادّعاء وجوبها لمعان قديمة ، تبطل صفات النفس. ولأنّ الاشتراك في القدم ، يوجب التماثل والمشاركة في سائر الصفات. لا يجوز خروجه تعالى عن هذه الصفات لإسنادها إلى النفس.

ويجب كونه تعالى غنيّاً غير محتاج ، لأنّ الحاجة تقتضي أن يكون ممّن ينتفع ويستضر وتؤدّي إلى كونه جسماً.

لا يجوز كونه تعالى ( متّصفاً ) (١) بصفة الجواهر والأجسام والاعراض لقدمه وحدوث هذه أجمع ، ولأنّه فاعل الأجسام. الجسم يتعذّر عليه فعل الجسم.

ولا يجوز عليه تعالى الرؤية لأنّه كان يجب مع ارتفاع الموانع وصحّة أبصارنا أن تراه.

ولمثل ذلك يعلم أنّه لا يدرك بسائر الحواس.

ويجب أن يكون تعالى واحداً لا ثاني له في القدم ، لأنّ إثبات ثان يؤدي إلى إثبات ذاتين لاحكم لهما يزيد على حكم الذات الواحدة ويؤدّي أيضاً إلى تعذّر الفعل على القادر من غير جهة منع معقول. وإذا بطل قديم ثان بطل قول الثنوية

__________________

١ ـ أضفناها من عندنا لاقتضاء السياق.

٢٥٤

و النصارى والمجوس ... إلى آخرها (١).

٦ ـ البيان عن جمل اعتقاد أهل الإيمان للكراجكي ت ٤٤٩ :

كتب الإمام أبو الفتح الشيخ محمّد بن علي الكراجكي الطرابلسي رساله موجزة في عقائد الإمامية وأسماها « البيان عن جمل اعتقاد أهل الايمان ».

قال : سألت يا أخي أسعدك اللّه بألطافه ، وأيّدك باحسانه ، واسعافه ، أن اثبت لك جملاً من اعتقادات الشيعة المؤمنين ، وفصولاً في المذهب يكون عليها بناء المسترشدين لتذاكر نفسك بها ، وتجعلها عدّة لطالبها ، وأنا أختصر لك القول واُجمله ، واُقرّب الذكر واُسهّله وأورده على سنن الفتيا في المقالة ، من غير حجّة ولا دلالة ، وما توفيقي إلا باللّه.

في توحيده سبحانه :

إعلم أنّ الواجب على المكلّف : أن يعتقد حدوث العالم بأسره ، وانّه لم يكن شيئاً قبل وجوده ، ويعتقد أن اللّه تعالى هو محدِث جميعه ، من أجسامه ، واعراضه ، إلا أفعال العباد الواقعة منهم ، فانّهم محدثوها دونه سبحانه.

ويعتقد أن اللّه قديم وحده ، لا قديم سواه ، وانّه موجود لم يزل ، وباق لا يزال ، وانّه شئء لا كالأشياء. لا شبيه الموجودات ، ولا يجوز عليه ما يجوز على المحدثات وانّ له صفات يستحقّها لنفسه لا لمعان غيره ، وهي كونه حيّاً ، عالماً ،

__________________

١ ـ جمل العلم والعمل قسم العقائد ، الطبعة الثانية تحقيق رشيد الصفار ، طبعة النجف طالع الرسالة بأجمعها ، نعم رأيه في اعجاز القرآن من القول بالصرف رأي شخصي له ولا يمثّل رأي جمهور الامامية وفيها وراء النصوص ، آراء كلامية.

٢٥٥

قديماً ، باقياً لا يجوز خروجه عن هذه الصفات إلى ضدّها ، يعلم الكائنات قبل كونها ، ولا يخفى عليه شيء منها.

في عدله سبحانه :

وانّ له صفات أفعال ، لا يصح اضافتها إليه في الحقيقة ، إلا بعد فعله ، وهي ما وصف به نفسه من انّه خالق ، ورازق ، ومعط ، وراحم ، ومالك ، ومتكلّم ، ونحو ذلك. وانّ له صفات مجازات وهي ما وصف به نفسه ، من أنّه يريد ، ويكره ، ويرضى ، ويغضب. فارادته لفعل هي الفعل المراد بعينه ، وارادته لفعل غيره هي الأمر بذلك الفعل ، وليس تسميتها بالارادة حقيقة ، وانّما هو على مجاز اللغة ، وغضبه هو وجود عقابه ، ورضاه هو وجود ثوابه ، وانّه لا يفتقر إلى مكان ، ولا يدرك بشيء من الحواس.

وانّه منزّه من القبائح ، لا يظلم الناس وإن كان قادراً على الظلم ، لأنّه عالم بقبحه ، غني عن فعله ، قوله صدق ، ووعده حق ، لا يكلّف خلقه على ما لا يستطاع ، ولا يحرمهم صلاحاً لهم فيه الانفاع ، ولا يأمر بما لا يريد ، ولا ينهي عمّا يريد. وانّه خلق الخلق لمصلحتهم ، وكلّفهم لأجل منازل منفعتهم ، وأزاح في التكليف عللهم ، وفعل أصلح الأشياء بهم. وانّه أقدرهم قبل التكليف ، وأوجد لهم العقل والتمييز.

وانّ القدرة تصلح أن يفعل بها وضده بدلاً منه. وانّ الحق الذي يجب معرفته ، يدرك بشيئين ، وهما العقل والسمع ، وانّ التكليف العقلي لا ينفك عن التكليف السمعي. وانّ اللّه تعالى قد أوجد ( للناس ) في كل زمان مسمعاً ( لهم ) من أنبيائه ، وحججه بينه وبين الخلق ، ينبّههم على طريق الاستدلال في العقليات ويفقّههم على ما لا يعلمونه إلا به من السمعيات. وانّ جميع حجج اللّه تعالى محيطون

٢٥٦

علماً بجميع ما يفتقر إليهم فيه العباد. وانّهم معصومون من الخطأ والزلل عصمة اختيار. وانّ اللّه فضّلهم على خلقه ، وجعلهم خلفاءه القائمين بحقّه. وانّه أظهر على أيديهم المعجزات ، تصديقاً لهم فيما ادّعوه من الأنباء والاخبار. وانّهم ـ مع ذلك ـ بأجمعهم عباد مخلوقون ، بشر مكلّفون ، يأكلون ويشربون ، ويتناسلون ، ويحيون بإحيائه ، ويموتون بإماتته ، تجوز عليهم الآلام المعترضات فمنهم من قتل ، ومنهم من مات ، لا يقدرون على خلق ، ولا رزق ، ولا يعلمون الغيب إلا ما أعلمهم إله الخلق. وانّ أقوالهم صدق ، وجميع ما أتوا به حق.

في النبوّة العامّة والخاصّة :

وانّ أفضل الأنبياء اُولوا العزم ، وهم خمسة : نوح ، وابراهيم ، وموسى ، وعيسى ، ومحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وانّ محمّداً بن عبد اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أفضل الأنبياء أجمعين ، وخير الأوّلين والآخرين. وانّه خاتم النبيين وانّ آباءه من آدم عليه‌السلام إلى عبداللّه بن عبد المطلب ـ رضوان اللّه عليهم ـ كانوا جميعاً مؤمنين ، وموحّدين لله تعالى عارفين ، وكذلك أبو طالب ـ رضوان اللّه عليه ـ.

ويعتقد أنّ اللّه سبحانه شرّف نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بباهر الآيات ، وقاهر المعجزات ، فسبّح في كفّه الحصاء ، ونبع من أصابعه الماء ، وغير ذلك ممّا قد تضمّنته الأنباء ، وأجمع على صحّته العلماء ، وأتى بالقرآن المبين ، الذي بهر به السامعين ، وعجز من الاتيان بمثله سائر الملحدين.

وانّ القرآن كلام ربّ العالمين ، وانّه محدث ليس بقديم. ويجب أن يعتقد أنّ جميع ما فيه من الآيات الذي يتضمّن ظاهرها تشبيه ألله تعالى بخلقه ، وانّه يجبرهم على طاعته أو معصيته ، أو يضل بعضهم عن طريق هدايته ، فإنّ ذلك كلّه لا يجوز حمله على ظاهرها ، وانّ له تأويلاً ، يلائم ما تشهد به العقول ممّا قدّمنا ذكره في

٢٥٧

صفات اللّه تعالى ، وصفات أنبيائه.

فإن عرف المكلّف تأويل هذه الآيات فحسن ، وإلا أجزأ أن يعتقد في الجلمة أنّها متشابهات ، وأنّ لها تأويلاً ملائماً ، يشهد بما تشهد به العقول والآيات والمحكمات ، وفي القرآن المحكم والمتشابه ، والحقيقة والمجاز ، والناسخ والمنسوخ والخاص والعام.

ويجب عليه أن يقر بملائكة اللّه أجمعين ، وأنّ منهم جبرئيل وميكائيل ، وأنّهما من الملائكة الكرام ، كالأنبياء بين الأنام ، وأنّ جبرئيل هو الروح الأمين ، الذي نزل بالقرآن على قلب محمّ خاتم النبيين ، وهو الذي كان يأتيه بالوحي من ربّ العالمين.

ويجب الاقرار بأنّ شريعة الاسلام التي أتى بها محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ناسخة لما خالفها من شرائع الأنبياء المتقدّمين.

وأنّه يجب التمسّك بها والعمل بما تضمنّته من فرائضها ، وأنّ ذلك دين اللّه الثابت الباقي إلى أن يرث اللّه الأرض ومن عليها ، لا حلال إلا ما أحلّت ، ولا حرام إلا محرّمت ، ولا فرض إلا ما فرضت ، ولا عبادة إلا ما أوجبت.

وانّ من انصرف عن الاسم ، وتمّسك بغيره ، كافر ضال ، مخلّد في النار ، ولو بذل من الاجتهاد في العبادة غاية المستطاع.

وانّ من أظهر الاقرار بالشهادتين كان مسلماً ، ومن صدّق بقلبه ، ولم يشك في فرض أتى به محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان مؤمناً.

ومن الشرائط الواجبة للإيمان ، العمل بالفرائض اللازمة ، فكل مؤمن مسلم ، وليس كل مسلم مؤمن :

وقوله تعالى :

٢٥٨

( إنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللّهِ الإسْلام ) (١).

إنّما أراد به الإسلام الصحيح التام ، الذي يكون المسلم فيه عارفاً ، مؤمناً ، عالماً بالواجبات طائعاً.

في الإمامة والخلافة :

ويجب أن يعتقد أنّ حجج اللّه تعالى بعد رسوله الذين هم خلفاؤه ، وحفظة شرعه ، وأئمّة اُمّته ، اثنا عشر أهل بيته ، أوّلهم أخوه وابن عمّه ، وصهره بعل فاطمة الزهراء ابنته ، ووصيّه على اُمّته : على بن أبي طالب أمير المؤمنين ، ثمّ الحسن بن على الزكي ، ثمّ الحسين بن علي الشهيد ، ثم علي بن الحسين زين العابدين ، ثمّ محمد بن علي باقر العلوم ، ثمّ جعفر بن محمّد الصادق ، ثمّ موسى بن جعفر الكاظم ، ثمّ علي بن موسى الرضا ، ثمّ محمّد بن علي التقي ، ثمّ علي ابن محمّد المنتجب ، ثمّ الحسن بن علي الهادي ، ثمّ الخلف الصالح بن الحسن المهدي ( صلوات اللّه عليهم أجميعن ).

لا إمامة بعد رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلا لهم عليهم‌السلام ولا يجوز الاقتداء في الدين إلا بهم ، ولا أخذ معالم إلا عنهم.

وأنّهم في كمال العلم والعصمة من الآثام نظير الأنبياء عليهم‌السلام.

وأنّهم أفضل الخلق بعد رسول اللّه عليه‌السلام.

وإنّ إمامتهم منصوص عليها من قبل اللّه على اليقين والبيان.

وأنّه سبحانه أظهر على أيديهم ألآيات ، وأعلمهم كثيراً من الغائبات ، والاُمور المستقبلات ، ولم يعطهم من ذلك إلا ما قارن وجهاً يعلمه من اللطف

__________________

١ ـ آل عمران / ١٩.

٢٥٩

والصلاح.

وليسوا عارفين بجميع الضمائر والغائبات على الدوام ، ولا يحيطون بالعلم بكل ما علمه اللّه تعالى.

والآيات التي تظهر على أيديهم هي فعل اللّه دونهم ، أكرمهم بها ، ولا صنع لهم فيها.

وأنّهم بشر محدثون ، وعباد مصنوعون ، لا يخلقون ، ولا يرزقون ، ويأكلون ويشربون ، وتكون لهم الأزواج ، وتنالهم الآلام والاعلال ، ويستضامون ، يخافون فيتقون ، وأنّ منهم من قتل ، ومنهم من قبض.

وأنّ إمام هذا الزمان هو المهدي ابن الحسن الهادي ، وأنّه الحجّة على العالمين ، وخاتم الأئمّة الطاهرين ، لا إمامة لأحد بعد إمامته ، ولا دولة بعد دولته ، وأنّه غائب عن رعيته ، غيبة اضطرار وخوف من أهل الضلال ، وللمعلوم عند اللّه تعالى في ذلك الصلاح.

ويجوز أن يعرّف نفسه في زمن الغيبة لبعض الناس ، وأنّ اللّه عزّوجلّ سيظهره وقت مشيئته ، ويجعل له الأعوان والأصحاب ، فيمهّد الدين به ، ( و ) يطهّر الأرض على يديه ، ويهلك أهل الضلال ، ويقيم عمود الإسلام ويصير الدين كلّه للّه.

وأنّ اللّه عزّوجلّ يظهر على يديه عند ظهوره ، الأعلام ، وتأتيه المعجزات بخرق العادات ، ويحيي له بعض الأموات ، فإذا ( أ ) قام في الناس المدّة المعلومة عند اللّه سبحانه قبضه إليه ، ثم لا يمتد بعده الزمان ، ولا تتّصل الأيام حتّى تكون شرائط الساعة ، واماتة من بقى من الناس ، ثم يكون المعاد بعد ذلك.

ويعتقد أنّ أفضل الأئمّة عليهم‌السلام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب ، وأنّه لا يجوز أن يسمّى بأميرالمؤمنين أحد سواه.

وأنّ بقيّة الأئمّة ـ صلوات اللّه عليهم ـ ، يقال لهم : الأئمة ، والخلفاء ،

٢٦٠