الإنصاف في مسائل دام فيها الخلاف - ج ٣

الشيخ جعفر السبحاني

الإنصاف في مسائل دام فيها الخلاف - ج ٣

المؤلف:

الشيخ جعفر السبحاني


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
المطبعة: الإعتماد
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٤٥

هذه الحالة؟ فهو بحث آخر سنرجع إليه في مستقبل الأبحاث.

فإذا كانت العصمة من سنخ التقوى والدرجة العليا منها ، يسهل لك تقسيمها إلى العصمة المطلقة والعصمة النسبية.

فإنّ العصمة المطلقة وإن كانت تختص بطبقة خاصة من الناس لكن العصمة النسبيّة تعم كثيراً من الناس من غير فرق بين أولياء الله وغيرهم ، لأنّ الإنسان الشريف الذي لا يقل وجوده في أوساطنا ، وإن كان يقترف بعض المعاصي لكنه يجتنب عن بعضها اجتناباً تاماً بحيث يتجنب عن التفكير فيها فضلاً عن الإتيان بها.

مثلاً الإنسان الشريف لا يتجوّل عارياً في الشوارع والطرقات مهما بلغ تحريض الآخرين له على ذلك الفعل ، حتّى أنّ كثيراً من اللصوص لا يقومون بالسرقة في منتصف الليل متسلحين لانتهاب شيء رخيص ، كما أنّ كثيراً من الناس لا يقومون بقتل الأبرياء ولا بقتل أنفسهم وان عرضت عليهم مكافآت مادية كبيرة ، فإنّ الحوافز الداعية إلى هذه الأفاعيل المنكرة غير موجودة في نفوسهم ، أو أنّها محكومة ومردودة بالتقوى التي تحلّوا بها ، ولأجل ذلك صاروا بمعزل عن تلك الأفعال القبيحة حتى أنّهم لا يفكّرون فيها ولا يحدّثون بها أنفسهم أبداً.

والعصمة النسبية التي تعرفت عليها ، تقرّب حقيقة العصمة المطلقة في أذهاننا ، فلو بلغت تلك الحالة النفسانية الرادعة في الإنسان مبلغاً كبيراً ومرحلة شديدة بحيث تمنعه من اقتراف جميع القبائح ، يصير معصوماً مطلقاً ، كما أنّ الإنسان في القسم الأوّل يصير معصوماً نسبياً.

وعلى الجملة : إذا كانت حوافز الطغيان والعصيان والبواعث على المخالفة

٢٦١

محكومة عند الإنسان ، منفورة لديه لأجل الحالة الراسخة ، يصير الإنسان معصوماً تاماً منزهاً عن كل عيب وشين.

٢. العصمة : نتيجة العلم القطعي بعواقب المعاصي

العلم القطعي بعواقب المعاصي والآثام ، يصدّ الإنسان عن اقترافها وارتكابها ، والمراد من هذا العلم ، هو بلوغ الإنسان من حيث الكمال درجة يلمس في هذه النشأة لوازم الأعمال وآثارها في النشأة الأُخرى وتبعاتها فيها ، وهذا النوع من العلم القطعي يزيل الحجب بين الإنسان وآثار العمل ، وكأنّه سبحانه يريد أمثال هذا العلم من قوله : (كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ * لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ). (١)

فمن رأى درجات أهل الجنّة ودركات أهل النار يكون مصوناً من الخلاف والعصيان ، وأصحاب هذا العلم هم الدين يصفهم الإمام علي ـ عليه‌السلام ـ بقوله : «فهم والجنّة كمن قد رآها فهم فيها منعّمون ، وهم والنار كمن قد رآها وهم فيها معذّبون». (٢)

فإذا ملك الإنسان هذا النوع من العلم وانكشف له الواقع كشفاً قطعياً ، فهو لا يحوم حول المعاصي بل لا يفكر حوله.

ولأجل تقريب الذهن إلى أنّ العلم بأثر العمل السيئ يصدّ الإنسان عن اقترانه واقترافه نأتي بمثال :

«إنّ الإنسان إذا وقف على أنّ في الأسلاك الكهربائية طاقة ، من شأنها قتل الإنسان إذا مسّها من دون حاجز أو عائق بحيث يكون المسّ والموت مقترنين ، أحجمت نفسه عن مس تلك الاسلاك والاقتراف منها دون عائق.

__________________

(١) التكاثر : ٥٦.

(٢) نهج البلاغة ، ٢ ، الخطبة ١٨٨ ، طبعة عبده.

٢٦٢

هذا نظير الطبيب العارف بعواقب الأمراض وآثار الجراثيم ، فإنّه إذا وقف على ماء اغتسل فيه مصاب بالجذام أو البرص أو السلّ ، لم يقدم على شربه والاغتسال منه ومباشرته مهما اشتدّت حاجته إلى ذلك لعلمه بما يجرّ عليه الشربُ والاغتسالُ بذلك الماء الموبوء ، فإذا وقف الإنسان الكامل على ما وراء هذه النشأة من نتائج الأعمال وعواقب الفعال ورأى بالعيون البرزخية تبدل الكنوز المكتنزة من الذهب والفضة إلى النار المحماة التي تكوى بها جباه الكانزين وجنوبهم وظهورهم ، امتنع عن حبس الأموال والإحجام عن إنفاقها في سبيل الله.

قال سبحانه : (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هذا ما كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ). (١)

إنّ ظاهر قوله سبحانه : (هذا ما كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ) هو انّ النار التي تكوى بها جباه الكانزين وجنوبهم وظهورهم ، ليست إلاّ نفس الذهب والفضة ، لكن بوجودهما الأُخرويّين ، وأنّ للذهب والفضة وجودين أو ظهورين في النشأتين فهذه الأجسام الفلزية ، تتجلّى في النشأة الدنيوية في صورة الذهب والفضة ، وفي النشأة الأُخروية بصورة النيران المحماة.

فالإنسان العادي اللامس لهذه الفلزات المكنوزة وان كان لا يحس فيها الحرارة ولا يرى فيها النار ولا لهيبها ، إلاّ أنّ ذلك لأجل أنّه يفقد حين المس ، الحسَّ المناسب لدرك نيران النشأة الآخرة وحرارتها ، فلو فرض إنسان كامل يمتلك هذا الحس إلى جانب بقية حواسه العادية المتعارفة ويدرك بنحو خاص الوجه الآخر لهذه الفلزات ، وهو نيرانها وحرارتها ، يجتنبها ، كاجتنابه النيران الدنيوية ، ولا يُقدم

__________________

(١) التوبة : ٣٤ ـ ٣٥.

٢٦٣

على كنزها ، وتكديسها.

وهذا البيان يفيد انّ للعلم مرحلة قويّة راسخة تصد الإنسان عن الوقوع في المعاصي والآثام ولا يكون مغلوباً للشهوات والغرائز.

٣. الاستشعار بعظمة الربّ وكماله وجماله

إنّ استشعار العبد بعظمة الخالق وتفانيه في حبّه ، يصدّه عن سلوك ما يخالف رضاه ، فانّ حبّه لجماله وكماله من العوامل الصادّة للعبد عن مخالفته.

إذا عرف الإنسان خالقه كمال المعرفة الميسورة ، وتعرَّف على معدن الكمال المطلق وجماله وجلاله ، وجد في نفسه انجذاباً نحو الحق ، وتعلّقاً خاصاً به بحيث لا يستبدل برضاه شيئاً ، فهذا الكمال المطلق هو الذي إذا تعرّف عليه الإنسان العارف ، يؤجج في نفسه نيران الشوق والمحبّة ، ويدفعه إلى أن لا يبغي سواه ، ولا يطلب سوى إطاعة أمره وامتثال نهيه. ويصبح كلّ ما يخالف أمره ورضاه منفوراً لديه ، مقبوحاً في نظره ، أشدّ القبح وعندئذ يصبح الإنسان مصوناً عن المخالفة ، بعيداً عن المعصية بحيث لا يؤثر على رضاه شيئاً وإلى ذلك يشير الإمام علي بن أبي طالب ـ عليه‌السلام ـ بقوله : «ما عبدتك خوفاً من نارك ولا طمعاً في جنتك إنّما وجدتك أهلاً للعبادة». (١)

هذه النظريات الثلاث أو النظرية الواحدة المختلفة في البيان والتقرير تعرب عن أنّ العصمة قوّة في النفس تعصم الإنسان عن الوقوع في مخالفة الرب سبحانه وتعالى ، وليست العصمة أمراً خارجاً عن ذات الإنسان الكامل وهوية الخارجية.

__________________

(١) نقله في البحار : ٤١ / ١٤ من دون ذكر مصدره كما نقله في ٦٨ / ١٨٦ عن بعض المحقّقين.

٢٦٤

٣

 هل العصمة موهبة إلهية أو أمر اكتسابي

قد وقفت على حقيقة «العصمة» والعوامل التي توجب صيانة الإنسان عن الوقوع في حبال المعصية ، ومهالك التمرّد والطغيان ، غير انّ هاهنا سؤالاً هاماً يجب الإجابة عنه وهو : أنّ العصمة سواء أفسّرت بكونها هي الدرجة العليا من التقوى ، أو بكونها العلم القطعي بعواقب المآثم والمعاصي ، أم فسّرت بالاستشعار بعظمة الرب وجماله وجلاله ، وعلى أيّ تقدير فهو كمال نفساني له أثره الخاص ، وعندئذ يُسأل عن أنّ هذا الكمال هل هو موهوب من الله لعباده المخلصين ، أو أمر حاصل للشخص بالاكتساب؟ فالظاهر من كلمات المتكلّمين انّها موهبة من مواهب الله سبحانه يتفضل بها على من يشاء من عباده بعد وجود أرضيات صالحة وقابليات مصحّحة لإفاضتها عليهم.

قال الشيخ المفيد : «العصمة تفضل من الله على من علم أنّه يتمسك بعصمته». (١)

__________________

(١) شرح عقائد الصدوق ، ٦١.

٢٦٥

وقال المرتضى : العصمة لطف الله الذي يفعله تعالى فيختار العبد عنده الامتناع عن فعل قبيح. (١)

فإذا كانت العصمة أمراً إلهياً وموهبة من مواهبه سبحانه ، فعندئذ هاهنا سؤال :

١. لو كانت العصمة موهبة من الله مفاضة منه سبحانه إلى رسله وأوصيائهم لم تعد عندئذ كمالاً ومفخرة للمعصوم حتّى يستحق بها التحميد ، فإنّ الكمال الخارج عن الاختيار كصفاء اللؤلؤ لا يستحق التحميد ، فإنّ الحمد إنّما يصحّ مقابل الفعل الاختياري وإليك الاجابة.

إفاضة العصمة بعد توفر أرضية صالحة

إنّ العصمة الإلهية لا تفاض للأفراد إلاّ بعد وجود قابليّات صالحة في نفس المعصوم تقتضي إفاضة تلك الموهبة إلى صاحبها ، تلك القابليات على قسمين : قسم خارج عن اختيار المعصوم ، وقسم واقع في إرادته واختياره ، امّا القسم الأوّل فيتلخص في عامل الوراثة والتربية.

أمّا الوراثة فهي القابليات التي ينتقل إلى المعصوم من آبائه وأجداده عن طريق الوراثة فإنّ الأولاد كما يرثون أموال الآباء وثرواتهم ، هكذا يرثون أوصافهم الظاهرية والباطنية ، فترى أنّ الولد يُشبه الأب أو العمّ ، أو الأُمّ أو الخال ، وقد جاء في المثل : الوالد الحلال يُشبه العمَّ أو الخالَ.

وعلى ذلك فالروحيات الصالحة أو السيئة تنتقل عن طريق الوراثة إلى الأولاد فنرى ولد الشجاع شجاعاً ، وولد الجبان جباناً إلى غير ذلك من الأوصاف

__________________

(١) أمالي المرتضى : ٢ / ٣٤٧ ، ط مصر ، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم.

٢٦٦

الجسمانية والروحانية.

إنّ الأنبياء كما يحدِّثنا التاريخ كانوا ربيبو البيوتات الصالحة العريقة بالفضائل والكمالات ، وما زالت تنتقل تلك الكمالات والفضائل الروحية من جيل إلى جيل وتتكامل إلى أن تتجسد في نفس النبي ويتولد هو بروح طيبة وقابلية كبيرة لإفاضة المواهب الإلهية علية.

وأمّا عامل التربية فإنّ الكمالات والفضائل الموجودة في بيتهم تنتقل عن طريق التربية إليهم ، ففي ظلّ ذينك العاملين (الوراثة والتربية) نرى كثيراً من أهل تلك البيوتات ذوي ايمان وأمانة ، وذكاء ودراية ، فهذه الكمالات الروحية توجد أرضية صالحة لإفاضة العصمة إلى أصحابها.

نعم هناك عامل ثالث لهذه الإفاضة ، وهو داخل في إطار الاختيار وحرّية الإنسان بخلاف العاملين السابقين وهو :

إنّ حياة الأنبياء من لدن ولادتهم إلى زمان بعثتهم ، مشحونة بالمجاهدات الفردية ، والاجتماعية ، فقد كانوا يجاهدون النفس

الأمارة أشدّ الجهاد ، ويمارسون تهذيب أنفسهم بل ومجتمعهم ، فهذا هو يوسف الصدّيق ـ عليه‌السلام ـ جاهد نفسه الأمارة وألجمها بأشد الوجوه عند ما راودته من هو في بيتها (وَغَلَّقَتِ الْأَبْوابَ وَقالَتْ هَيْتَ لَكَ) فأجاب بالرد والنفي بقوله : (مَعاذَ اللهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ). (١)

وهذا موسى كليم الله وجد في مدين امرأتين تذودان واقفتين على بعد من البئر ، فقدم إليهما قائلاً : ما خطبكما فقالتا : انا لا نسقي حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير ، وعند ذلك لم يتفكر في شيء إلاّ في رفع حاجتهما ، ولأجل ذلك سقى لهما

__________________

(١) يوسف : ٢٣.

٢٦٧

ثم تولّى إلى الظل قائلاً : (رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) (١). (٢)

وكم هناك من شواهد تاريخية على جهاد الأنبياء وقيامهم بواجبهم إبّان شبابهم إلى زمان بعثتهم التي تصدت لذكرها الكتب السماوية وقصص الأنبياء وتواريخ البشر.

فهذه العوامل ، الداخل بعضها في إطار الاختيار والخارج بعضها عن إطاره ، أوجدت قابليات وأرضيات صالحة لإفاضة وصف العصمة عليهم وانتخابهم لذلك الفيض العظيم ، فعندئذ تكون العصمة مفخرة للنبي صالحة للتحسين والتبجيل والتكريم.

وإن شئت قلت : إنّ الله سبحانه وقف على ضمائرهم ونيّاتهم ومستقبل أمرهم ، ومصير حالهم وعلم أنّهم ذوات مقدسة ، لو أُفيضت إليهم تلك الموهبة ، لاستعانوا بها في طريق الطاعة وترك المعصية بحرية واختيار ، وهذا العلم كاف لتصحيح إفاضة تلك الموهبة عليهم بخلاف من يُعلَم من حاله خلافُ ذلك.

إنّ للسيد الشريف المرتضى كلاماً يؤيد ما ذكرناه ، يقول : كلّ من علم الله تعالى أن له لطفاً يختار عنده الامتناع من القبائح فإنّه لا بدّ أن يفعل به وإن لم يكن نبيّاً ، ولا إماماً ، لأنّ التكليف يقتضي فعل اللطف على ما دل عليه في مواضع كثيرة غير انّه لا يمتنع أن يكون في المكلفين من ليس في المعلوم أنّ شيئاً متى فعل ، اختار عنده الامتناع من القبيح ، فيكون هذا المكلف لا عصمة له في المعلوم ولا لطف ، وتكليف من لا لطف له يحسن ولا يقبح وانّما القبيح منع اللطف في من له

__________________

(١) القصص : ٢٣ ـ ٢٤.

(٢) لاحظ قصة موسى في دفعه القبطي المعتدي على إسرائيلي في سورة القصص الآيات : ١٥ ـ ٢٠ وفي ذلك يقول : (رَبِّ بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ) القصص : ١٧.

٢٦٨

لطف مع ثبوت التكليف. (١)

وحاصل ما أفاده هو : انّ الملاك في إفاضة هذا الفيض هو علمه سبحانه بحال الأفراد في المستقبل فكل من علم سبحانه أنّه لو أُفيض عليه وصف العصمة لاختار عنده الامتناع من القبائح ، فعندئذ تفاض عليه العصمة ، وان لم يكن نبياً ولا إماماً ، وأمّا من علم انّه متى أُفيضت إليه تلك الموهبة لما اختار عندها الامتناع من القبيح لما أُفيضت عليه العصمة لأنّه لا يستحق الإفاضة.

وعلى ذلك فوصف العصمة موهبة إلهية تفاض لمن يعلم من حاله انّه ينتفع منها في ترك القبائح عن حرية واختيار.

ولأجل ذلك يعد مفخرة قابلة للتحسين والتكريم ولا يلزم أن يكون المعصوم نبياً أو إماماً ، بل كل من ينتفع منها في طريق كسب رضاه سبحانه تفاض عليه.

__________________

(١) أمالي المرتضى : ٢ / ٣٤٧ ـ ٣٤٨ ، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم.

٢٦٩

٤

العصمة وسلب الاختيار

انّ من أبرز الشبهات الطارئة حول العصمة هي انّ العصمة تسلب الاختيار عن صاحبها ، فلا يقدر معها على ارتكاب المعصية ، ومعه لا تصبح العصمة مكرمة وفضيلة.

وهذه الشبهة هي التي أشار إليها السيد الشريف المرتضى وقال :

ما حقيقة العصمة التي يُعتقد وجوبُها للأنبياء والأئمّة ـ عليهم‌السلام ـ؟ وهل هي معنى يضطر إلى الطاعة ويمنع من المعصية ، أو معنى يضام الاختيار؟ فإن كان معنى يضطر إلى الطاعة ويمنع من المعصية ، فكيف يجوز الحمد والذم لفاعلها؟ وإن كان معنى يضام الاختيار فاذكروه ، ودُلّوا على صحّة مطابقته له. (١)

والجواب : انّ العصمة لا تسلب الاختيار عن الإنسان بأي معنى فسرت ، سواء أقلنا بأنّها الدرجة العليا من التقوى ، أو أنّها نتيجة العلم القطعي بعواقب المآثم والمعاصي ، أو أنّها أثر الاستشعار بعظمة الرب والمحبة لله سبحانه (٢) ، وعلى كل تقدير فالإنسان المعصوم مختار في فعله ، قادر على كلا طرفي القضية من الفعل

__________________

(١) أمالي المرتضى : ٢ / ٣٤٧.

(٢) إشارة إلى التعابير الثلاثة في شرح حقيقة العصمة.

٢٧٠

والترك ، وتوضيح ذلك بالمثال الآتي :

إنّ الإنسان العاقل الواقف على وجود الطاقة الكهربائية في الأسلاك المنزوعة من جلدها ، لا يمسّها كذلك ، كما انّ الطبيب لا يأكل سؤر المجذومين والمسلولين لعلمهما بعواقب فعلهما ، وفي الوقت نفسه يرى كل واحد منهما نفسه قادراً على ذلك الفعل ، بحيث لو أغمض العين عن حياته وهيّأ نفسه للمخاطرة بها ، لَفَعَلَ ما يتجنبه ، غير انّهما لا يقومان به لكونهما يحبّان حياتهما وسلامتهما.

فإن شئت قلت : إنّ العمل المزبور ممكن الصدور بالذات من العاقل والطبيب ، غير انّه ممتنع الصدور بالعرض والعادة ، وليس صدوره محالاً ذاتياً وعقلياً ، وكم فرق بين المحالين ، ففي المحال العادي يكون صدور الفعل من الفاعل ممكناً بالذات ، غير انّه يرجح أحد الطرفين على الآخر بنوع من الترجيح بخلاف الثاني (المحال الذاتي) فإنّ الفعل فيه يكون ممتنعاً بالذات ، فلا يصدر لعدم إمكانه الذاتي.

وإن شئت فلاحظ صدور القبيح منه سبحانه أمر ممكن بالذات ، داخل في إطار قدرته فهو يستطيع أن يدخل المطيع في نار الجحيم ، والعاصي في نعيم الجنة ، غير انّه لا يصدر منه ذلك الفعل لكونه مخالفاً للحكمة ومبايناً لما وعد به وأوعد عليه ، وعلى ذلك فامتناع صدور الفعل عن الإنسان معا لتحفظ على الأغراض والغايات ، لا يكون دليلاً على سلب الاختيار والقدرة.

فالنبي المعصوم قادر على اقتراف المعاصي وارتكاب الخطايا ، حسب ما أُعطي من القدرة والحرية ، غير أنّه لأجل حصوله على الدرجة العليا من التقوى ، واكتساب العلم القطعي بآثار المآثم والمعاصي ، واستشعاره بعظمة الخالق ، يتجنب عن اقترافها واكتسابها ولا يكون مصدراً لها مع قدرته واقتداره عليها.

٢٧١

ومثلهم في ذلك المورد كمثل الوالد العطوف الذي لا يقدم على قتل ولده ، ولو أُعطيت له الكنوز المكنوزة والمناصب المرموقة ومع ذلك فهو قادر على قتله ، بحمل السكين والهجوم عليه وقطع أوردته ، وفي هذا الصدد يقول العلامة الطباطبائي :

إنّ هذا العلم أعني ملكة العصمة لا يغيِّر الطبيعة الإنسانية المختارة في أفعالها الإرادية ، ولا يخرجها إلى ساحة الإجبار والاضطرار كيف؟ والعلم من مبادئ الاختيار ، ومجرد قوة العلم لا يوجب إلاّ قوة الإرادة كطالب السلامة إذا أيقن بكون مائع ما ، سمّاً قاتلاً من حينه فإنّه يمتنع باختياره من شربه قطعاً ، وإنّما يضطر الفاعل ويجبر إذا أخرج المجبر أحد طرفي الفعل والترك من الإمكان إلى الامتناع.

ويشهد على ذلك قوله : (وَاجْتَبَيْناهُمْ وَهَدَيْناهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ * ذلِكَ هُدَى اللهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) (١) تفيد الآية انّهم في إمكانهم أن يشركوا بالله وإن كان الاجتباء أو الهدى الإلهي مانعاً من ذلك ، وقوله : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ) (٢) ، إلى غير ذلك من الآيات.

فالإنسان المعصوم إنّما ينصرف عن المعصية بنفسه وعن اختياره وإرادته ، ونسبة الصرف إلى عصمته تعالى كنسبة انصراف غير المعصوم عن المعصية إلى توفيقه تعالى.

ولا ينافي ذلك أيضاً ما يشير إليه كلامه تعالى وتصرح به الأخبار من أنّ

__________________

(١) الأنعام : ٨٧ ـ ٨٨.

(٢) المائدة : ٦٧.

٢٧٢

ذلك من الأنبياء والأئمّة بتسديد من روح القدس ، فإنّ النسبة إلى روح القدس ، كنسبة تسديد المؤمن إلى روح الإيمان ، ونسبة الضلال والغواية إلى الشيطان وتسويله ، فإنّ شيئاً من ذلك لا يخرج الفعل عن كونه فعلاً صادراً عن فاعله مستنداً إلى اختياره وإرادته فافهم ذلك. (١)

٥ ـ مراحل العصمة وأدلّتها

وقد وقفت على حقيقة العصمة وما يرجع إليها من المباحث الاستطرادية ، فيجب الآن الوقوف على مراحلها التالية :

١. العصمة في تلقي الوحي ، والحفاظ عليه ، وإبلاغه إلى الناس وبعبارة أُخرى العصمة في تبليغ الرسالة.

٢. العصمة في العصيان وارتكاب الذنب المصطلح.

٣. العصمة من الخطأ في الأُمور الفردية والاجتماعية.

هذه هي مراحل العصمة وإليك دراستها على ضوء الكتاب والسنة والعقل.

__________________

(١) الميزان : ١١ / ١٧٩ ـ ١٨٠.

٢٧٣

المرحلة الأُولى

٥

 العصمة في تبليغ الرسالة

ذهب جمهور المسلمين من السنة والشيعة إلى عصمة الأنبياء من تبليغ الرسالة ، واستدلوا عليه بالعقل والنقل ، أمّا العقل فبوجوه أهمّها ما ذكره المحقّق الطوسي في تجريد الاعتقاد ، «وهو حصول الوثوق بأفعاله وأقواله».

توضيحه انّ الهدف الاسمي والغاية القصوى من بعث الأنبياء وهداية الناس إلى التعاليم الإلهية والشرائع المقدّسة ولا تحصل تلك الغاية إلاّ بإيمانهم بصدق المبعوثين ، وإذعانهم بكونهم مرسلين من جانبه سبحانه ، وانّ كلامهم وأقوالهم كلامه وقوله سبحانه ، وهذا الإيمان والاذعان لا يحصل إلاّ بإذعان آخر وهو الإذعان بمصونيتهم من الخطأ في مجال تبليغ الرسالة ، أعني المصونية في مقام أخذ الوحي أوّلاً ، والمصونية في مقام التحفظ عليه ثانياً ، والمصونية في مقام الابلاغ والتبيين ثالثاً ومثل هذا لا يحصل إلاّ بمصونية النبي عن الزلل والخطأ عمده وسهوه في تحمل رسالات الله وابلاغها لعباده.

انّ الآيات القرآنية تؤكّد على عصمة الأنبياء في أخذ الوحي وحفظه وإبلاغه ، نقتصر منها بآيتين :

٢٧٤

الآية الأُولى

يقول سبحانه : (كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ). (١)

انّ الآية تصرّح بانّ الهدف من بعث الأنبياء هو القضاء بين الناس في ما اختلفوا فيه ، وليس المراد من القضاء إلاّ القضاء بالحقّ ، وهو فرع وصول الحقّ إلى القاضي بلا تغيير وتحريف.

ثم إنّ نتيجة القضاء هي هداية من آمن من الناس إلى الحق بإذنه كما هو صريح قوله : (فَهَدَى اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ).

والهادي وإن كان هو الله سبحانه في الحقيقة لكن الهداية تتحقق عبر بيان النبي ، وبواسطته ، وتحقق الهداية منه فرع كونه واقفاً على الحق ، بلا تحريف.

وكل ذلك يستلزم عصمة النبي في تلقي الوحي والحفاظ عليه ، وإبلاغه إلى الناس.

وبالجملة فالآية تدل على أنّ النبي يقضي بالحق بين الناس ويهدي المؤمنين إليه ، وكل ذلك (أي القضاء بالحق أوّلاً ، وهداية المؤمنين إليه ثانياً) يستلزم كونه واقفاً على الحق على ما هو عليه وليس المراد من الحق إلاّ ما يوحى إليه.

__________________

(١) البقرة : ٢١٣.

٢٧٥

الآية الثانية

قوله سبحانه : (وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحى). (١)

فالآية تصرح بأنّ النبي لا ينطق عن الهوى ، أي لا يتكلم بداعي الهوى. فالمراد إمّا جميع ما يصدر عنه من القول في مجال الحياة كما هو مقتضى إطلاقه أو خصوص ما يحكيه من الله سبحانه ، فعلى كل تقدير فهو يدل على صيانته وعصمته في المراحل الثلاث (٢) المتقدم ذكرها في مجال إبلاغ الرسالة.

وبما أنّ عصمة الأنبياء في تلك المرحلة ممّا اصفقت عليها المحقّقون من أصحاب المذاهب والملل ، فلنعطف عنان البحث إلى ما تضاربت فيه آراء المتكلمين ، وإن كان للشيعة فيه قول واحد ، وهو عصمتهم عن العصيان والمخالفة لأوامره ونواهيه قبل البعثة وبعدها.

__________________

(١) النجم : ٤٣.

(٢) أخذ الوحي وحفظه وبلاغه.

٢٧٦

المرحلة الثانية

٦

عصمة الأنبياء عن المعصية

لقد تعرفت على دلائل عصمة الأنبياء في تلقى الوحي وحفظه في نفسه وأدائه إلى الناس ، وحان الحين للبحث عن عصمتهم عن المعصية.

وفي هذا المجال وإن كان ربما يوجد نقول شاذة في عصمة الأنبياء بالنسبة إلى المعاصي الصغيرة ، أو عصمتهم قبل البعثة ، لكن نضرب عنها صفحاً ونستنطق الفعل والقرآن في هذا المجال.

العقل وعصمة الأنبياء عن المعصية

إنّ القرآن الكريم يصرح بأنّ الهدف من بعث الأنبياء هو تزكية نفوس الناس وتصفيتهم من الرذائل وغرس الفضائل فيها قال سبحانه حاكياً عن لسان إبراهيم : (رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (١) وقال سبحانه : (لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ

__________________

(١) البقرة : ١٢٩.

٢٧٧

 الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ). (١)

والمراد من التزكية هو تطهير القلوب من الرذائل وإنماء الفضائل ، وهذا هو ما يسمى في علم الأخلاق ب ـ «التربية».

ولا شك أنّ تأثير التربية في النفوس يتوقف على إذعان من تراد تربيته بصدق المربي وإيمانه بتعاليمه ، وهذا يعرف من خلال عمل المربّي بما يقوله ويعلمه وإلاّ فلو كان هناك انفكاك بين القول والعمل ، لزال الوثوق بصدق قوله وبالتالي تفقد التربية أثرها ، ولا تتحقق حينئذ الغاية من البعث.

وإن شئت قلت : إنّ التطابق بين مرحلتي القول والفعل ، هو العامل الوحيد لكسب ثقة الآخرين بتعاليم المصلح والمربي ، ولو كان هناك انفكاك بينهما لانفضّ الناس من حوله قائلين بأنّه لو كان مذعناً بصحة دعوته لما خالف قولَه في مقام العمل.

سؤال وجواب

نعم يمكن أن يقال : يكفي في الاعتماد على النبي مصونيته عن معصية واحدة وهي الكذب فالبرهان المذكور على تماميته لا يثبت إلاّ مصونيته عن خصوص الكذب لا مطلقاً.

أقول : الإجابة عن هذا السؤال سهلة ، لأنّ التفكيك بين المعاصي فرضية محضة لا يصح أن تقع أساساً للتربية العامة لما فيها من الإشكالات.

أمّا أوّلاً : فانّ المصونية عن المعاصي نتيجة إحدى العوامل التي أوعزنا إليها

__________________

(١) آل عمران : ١٦٤.

٢٧٨

عند البحث عن حقيقة العصمة فإن تم وجودها أو وجود بعضها تحصل المصونية المطلقة للإنسان ، وإلاّ فلا يمكن التفكيك بين الكذب وسائر المعاصي بأن يجتنب الإنسان عن الكذب طيلة عمره ويرتكب سائر المعاصي ، فإنّ العوامل التي تسوق الإنسان إلى ارتكابها تسوقه أيضاً إلى اقتراف الكذب واجتياح التهمة.

وأمّا ثانياً : فلو صح التفكيك بينهما في عالم الثبوت لا يمكن إثباته (الداعي لا يكذب أبداً وان كان يركب سائر المعاصي) في حق الداعي ومدعي النبوة ، إذ كيف يمكن الإنسان أن يقف على أنّ مدّعي النبوة مع ركوبه المعاصي واقترافه للمآثم ، لا يكذب أصلاً عند ما اضطر إليه حتى ولو صرح الداعي إلى الإصلاح بنفس هذا التفكيك ، لسرى الريب إلى نفس هذا الكلام أيضاً.

وعلى الجملة : انّ الهدف من بعث الرسل وإنزال الكتب هو دعوة الناس إلى الهداية الإلهية التي يقوم بأعبائها الأنبياء والرسل ، ولا يتحقق ذلك الهدف إلاّ بعد اعتماد الناس على حامل الدعوة والقائم بالهداية ، فاقتراف المعاصي ومخالفة ما يدعو إليه من القيم والخلق ، يزيل من النفوس الثقة به والاعتماد عليه.

وبهذا البيان تظهر الإجابة عن سؤال لا يقصر في الضالّة عن السؤال الماضي. وهو ما ربما يقال : إنّ أقصى ما يثبته هذا البرهان هو لزوم نزاهة النبي عن اقتراف المعاصي في المجتمع ، وهذا لا يخالف أن يكون عاصياً ومقترفاً للذنوب في الخلوات ، وهذا القدر من النزاهة كاف في جلب الثقة.

والجواب عن هذا السؤال واضح تمام الوضوح ، فإنّ مثل هذا التصور عن النبي والقول بأنّه يرتكب المعاصي في السر دون العلن يهدم الثقة به ، إذ ما الذي يمنعه ـ عندئذ ـ من أن يكذب ويتستر على كذبه ، وبذلك تزول الثقة بكل ما يقول

٢٧٩

ويعمل.

أضف إلى ذلك أنّه يمكن خداع الناس بتزيين الظاهر مدة قليلة لا مدة طويلة ولا ينقضي زمان إلاّ وقد تظهر البواطن ويرتفع الستار عن حقيقته فتكشف سوأته ، ويظهر عيبه.

إلى هنا ظهر أنّ ثقة الناس بالأنبياء إنّما هي في ضوء الاعتقاد بصحة مقالهم وسلامة أفعالهم ، وهو فرع كونهم مصونين عن الخلاف والعصيان في الملأ والخلأ والسر والعلن من غير فرق بين معصية دون أُخرى.

القرآن وعصمة الأنبياء من المعصية

إنّه سبحانه يطرح في كتابه العزيز عصمة الأنبياء ويصفهم بهذا الوصف ، ويشهد بذلك لفيف من الآيات :

الآية الأُولى

قال سبحانه : (وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنا وَنُوحاً هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسى وَهارُونَ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * وَزَكَرِيَّا وَيَحْيى وَعِيسى وَإِلْياسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَإِسْماعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكلًّا فَضَّلْنا عَلَى الْعالَمِينَ * وَمِنْ آبائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوانِهِمْ وَاجْتَبَيْناهُمْ وَهَدَيْناهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ). (١)

ثم إنّه يصف هذه الصفوة من عباده بقوله : (أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ

__________________

(١) الأنعام : ٨٤ ـ ٨٧.

٢٨٠