الإنصاف في مسائل دام فيها الخلاف - ج ٢

الشيخ جعفر السبحاني

الإنصاف في مسائل دام فيها الخلاف - ج ٢

المؤلف:

الشيخ جعفر السبحاني


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
المطبعة: الإعتماد
الطبعة: ١
ISBN: 964-357-062-2
الصفحات: ٦٢٨

فلا بدّ أن يكون تعلّقها بشكل آخر تسعها التركة. بأن لا يكون لبعض أدلّة الفروض إطلاق يعمّ حالي الانفراد والاجتماع حتى لا يستلزم المحال ، وسيوافيك بيان ماله إطلاق لحال الاجتماع مع سائر الفروض وما ليس له إطلاق.

وقد فصّل أصحابنا في نقد هذا الدليل بوجوه ، وما ذكرناه أتقن ، وإليك ما ذكره المرتضى في نقد هذا الدليل :

قال : ما يقولونه في العول : إنّ الديون إذا كانت على الميّت ولم تف تركته بالوفاء بها ، فإنّ الواجب القسمة للمال على أصحاب الديون بحسب ديونهم من غير إدخال النقص على بعضهم ، وذلك أنّ أصحاب الديون مستوون في وجوب استيفاء أموالهم من تركة الميّت ، وليس لأحد مزية على الآخر في ذلك ، فإن اتّسع المال لحقوقهم استوفوها ، فإن ضاق تساهموه وليس كذلك مسائل العول ، لأنّا قد بيّنّا أنّ بعض الورثة أولى بالنقص من بعض ، وأنّهم غير مستويين كاستواء أصحاب الديون فافترق الأمران. (١)

٢. قياس الإرث بالوصية

إنّ التقسيط مع القصور واجب في الوصية للجماعة والميراث كذلك ، والجامع بينهما استحقاق الجميع التركة ، فلو أوصى لزيد بألف ، ولعمرو بعشرة آلاف ، ولبكر بعشرين ألف ، وضاق ثلثه عن القيام بالجميع ، يُورد النقص على الجميع حسب سهامهم.

يلاحظ عليه : أنّ الحكم ليس بمسلّم في المقيس عليه حتى يستظهر حال المقيس منها. بل الحكم فيه أنّه يعطى الأوّل فالأوّل ـ عند الإيصاء ـ إلى أن يبقى

__________________

(١) الانتصار : ٢٨٥.

٢٦١

من المال شيء ويسقط من لم يسعه الثلث ، لأنّه أوصى بشيء لم يملكه فتكون وصيّته باطلة.

نعم لو ذكر جماعة ثمّ سمّى ، كما إذا قال : زيد وعمر وبكر لكل واحد ألف ، فعجز عنه مقدار ما ترك ، فلا شك أنّه يدخل النقص على الجميع والفارق بينه وبين المقام هو تصريح الموصي بالعول ، ولو ورد التصريح به في الشريعة ـ وأغضينا عمّا سيوافيك ـ يجب اتباعه فكيف يقاس ، ما لم يرد فيه التصريح بالتقسيط بما ورد فيه التصريح به.

٣. تقديم البعض على البعض ترجيح بلا مرجّح

إنّ النقص لا بدّ من دخوله على الورثة على تقدير زيادة السهام ، أمّا عند العائل فعلى الجميع وأمّا عند غيره فعلى البعض ، لكن هذا ترجيح من دون مرجّح.

يلاحظ عليه : أنّ رفع الأمر المحال بإيراد النقص على الجميع فرع إحراز صحّة أصل تشريعه ، وأنّه يصحّ أن يتملّك شخص ، نصفَ المال ، وآخر نصفَه الآخر ، وثالث ثلاثة ، وقد عرفت أنّه غير صحيح وأنّ المال لا يتحمّل تلك الفروض ، ومع عدم صحّة تشريعه لا تصل النوبة إلى احتمال ورود النقص على الجميع ، فانّ تصويره بصورة العول ، وإيراد النقص على الجميع رجوع عن الفرض ، واعتراف بأنّه ليس فيه نصفان وثُلث كما سيظهر عند بيان أدلّة القائلين ببطلانه ، لأنّ من سهمه النصفان أو الثُّلث ، يأخذ أقل من سهمهما ، وبالتالي يعترف بأنّه ليس في المال نصفان وثلث.

أضف إلى ذلك ، وجود المرجّح الذي أشار إليه الإمام أمير المؤمنين وتلميذه ابن عباس سابقاً ، وسيأتي كلامهما وكلام عترته الطاهرة.

٢٦٢

٤. قول علي عليه‌السلام ـ في المسألة المنبرية

روى البيهقي قال أخبرنا أبو سعيد ، أنبأنا أبو عبد الله ، حدثنا محمد بن نصر ، حدثنا إسحاق ، حدثنا يحيى بن آدم ، حدثنا شريك ، عن أبي إسحاق ، عن الحارث عن علي ـ رضي‌الله‌عنه ـ في امرأة وأبوين وبنتين ، صار ثمنها تسعاً. (١)

والمسألة تسمّى المنبرية ، لأنّه سئل عنها الإمام وهو على المنبر ، يخطب ، ويظهر من أحمد المرتضى انّ السائل كان هو ابن الكوّاء ، أحد المناوئين فأجاب الإمام بقوله : «صار ثمنها ، تسعاً» ثمّ مضى في خطبته. (٢)

قال في الشرح الكبير : انّ المرأة كان لها الثمن ثلاثة من أربعة وعشرين صار لها بالعول ثلاثة من سبعة وعشرين وهي التُّسع. (٣)

وبعبارة أُخرى : انّ الثلاثة إذا نسبت إلى أربعة وعشرين فهو ثُمن التركة وإذا نسبت إلى سبعة وعشرين فهو تُسْع التركة ولذلك قال : «صار ثمنها تسعاً» ، وهذا صريح في العول ، إذ على القول الآخر : انّها لا تنقص سهمها عن الثمن ، وقد جعل الإمام ثمنها تسعاً.

يلاحظ عليه : أنّ السند ضعيف ، والدلالة غير تامة.

أمّا الأوّل ففيه : شريك بن عبد الله بن أبي شريك ، أبو عبد الله الكوفي القاضي فقد ترجمه ابن حجر في التهذيب» وقال : قال الجوزجاني : شريك ، سيّئ الحفظ ، مضطرب الحديث مائل.

وقال ابن أبي حاتم قلت لأبي زرعة : شريك يحتج بحديثه قال : كان كثير

__________________

(١) السنن الكبرى : ٦ / ٢٥٣.

(٢) البحر الزخار : ٣٥٦ باب العول والردّ ؛ الشرح الكبير في ذيل متن المغني : ٧ / ٧٤.

(٣) الشرح الكبير في ذيل متن المغني : ٧ / ٤٧.

٢٦٣

الخطأ ، صاحب حديث وهو يغلط أحياناً.

وقال إبراهيم بن سعيد الجوهري : أخطأ في أربعمائة حديث.

وقال ابن المثنى : ما رأيت يحيى ولا عبد الرحمن حدثنا عنه بشيء.

ونقل عن عبد الله بن أحمد عن أبيه الإمام أحمد : حسن بن صالح أثبت من شريك ، كان شريك لا يبالي كيف حدث. (١)

ويروي شريك ذلك الحديث عن أبي إسحاق وهو عمرو بن عبد الله السبيعي ، وقد وصفه ابن حيان في «الثقات» بأنّه كان مدلّساً ، كما وصفه به حسين الكرابيسي وأبو جعفر الطبري. (٢)

ومع كلّ ذلك كيف يحتجّ به على الحكم الشرعي.

وأمّا الدلالة : ففيه احتمالات :

١. انّ الإمام ذكر ذلك تعجّباً ، وكأنّه قال : أصار ثُمنها تسعاً؟! فكيف يمكن ذلك ، مع أنّه سبحانه جعل فرضها الثمن ، وفي ما سألت صار فرضها تُسعاً حسب الظاهر ، وأمّا ما هو علاج المسألة وصيانة ثمنها الوارد في القرآن ، فقد سكت عنه الإمام ومضى في خطبته.

٢. انّ ما ذكره إخبار عما جرى عليه الناس بعد إفتاء الخليفة بإدخال النقص على الجميع ، دون أن يفتي على وفقه.

٣. انّه ذكر ذلك مجاراة للرأي السائد في ذلك وإخماداً للفتنة ، حيث إنّ السائل كان أحد المناوئين للإمام ، وقد حاول بسؤاله ، أن يجعل الإمام في مأزق ، وكان عارفاً برأي الإمام.

ويظهر ما ذُكر ممّا نقله شيخ الطائفة عن أبي طالب الأنباري قال : حدثني

__________________

(١) تهذيب التهذيب : ٤ / ٢٩٥ ـ ٢٩٦.

(٢) تهذيب التهذيب : ٨ / ٥٩

٢٦٤

الحسن بن محمد بن أيوب الجوزجاني قال : حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال : حدثنا يحيى بن أبي بكر ، عن شعبة ، عن سماك ، عن عبيدة السلماني قال : كان عليّ ـ عليه‌السلام ـ على المنبر فقام إليه رجل فقال : يا أمير المؤمنين رجل مات وترك ابنتيه وأبويه وزوجة ، فقال عليّ ـ عليه‌السلام ـ : صار ثمن المرأة تسعاً. قال سماك : قلت لعبيدة : وكيف ذلك؟ قال : إنّ عمر بن الخطاب وقعت في إمارته هذه الفريضة ، فلم يدر ما يصنع وقال : للبنتين الثلثان ، وللأبوين السدسان ، وللزوجة الثمن. قال : هذا الثمن باق بعد الأبوين والبنتين ، فقال له أصحاب محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ : اعط هؤلاء فريضتهم ، للأبوين السدس ، وللزوجة الثمن ، وللبنتين ما يبقى ، فقال : فأين فريضتهما الثلثان؟ فقال له علي بن أبي طالب ـ عليه‌السلام ـ : لهما ما يبقى. فأبى ذلك عمر وابن مسعود فقال عليّ ـ عليه‌السلام ـ : على ما رأى عمر. قال عبيدة : وأخبرني جماعة من أصحاب عليّ ـ عليه‌السلام ـ بعد ذلك في مثلها أنّه أعطى للزوج الربع ، مع الابنتين ، وللأبوين السدسين والباقي ردّ على البنتين [قال :] وذلك هو الحق وإن أباه قومنا. (١)

ويستفاد من الحديث أوّلاً : أنّ عليّاً وأصحاب النبيّ إلاّ القليل منهم كانوا يرون خلاف العول ، وأنّ سيادة القول العول لأجل أنّ الخليفة كان يدعم ذلك آنذاك.

وثانياً : أنّ الإمام عمل في واقعة برأيه وأورد النقص على البنتين فقط ، وعلى ذلك يكون المراد من قوله ، فقال عليّ ـ عليه‌السلام ـ : «على ما رأى عمر» ، هو المجاراة والمماشاة ، وإلاّ يصير ذيل الحديث مناقضاً له.

إلى هنا تمت دراسة أدلّة القائلين بالعول. فلنذكر أدلّة المنكرين.

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٩ / ٣٠٠ ، الحديث ١٣ ط الغفّاري.

٢٦٥

أدلّة القائلين ببطلان العول

١. استلزام العول نسبة الجهل أو العبث إلى الله

يستحيل أن يجعل الله تعالى في المال نصفين وثلثاً ، أو ثلثين ونصفاً ونحو ذلك ممّا لا يفي به وإلاّ كان جاهلاً أو عابثاً ، تعالى الله عن ذلك.

توضيحه : انّ السهام المنصوصة في الذكر الحكيم ستة ، وهي :

الثلثان : وهو فرض صنفين : ١. البنتان فصاعداً ، ٢. والأُختان الشقيقتان فصاعداً أو من الأب.

النصف : وهو فرض أصناف ثلاثة : ١. الزوج مع عدم الولد ، ٢. والبنت المنفردة ، ٣. والأُخت منفردة من الأبوين ، أو من الأب.

الثلث : وهو فرض صنفين : ١. الأُمّ مع عدم الولد ، ٢. الاخوان أو الأُختان أو أخ وأُخت فصاعداً من الأُمّ.

الربع : وهو فرض صنفين : ١. الزوج مع الولد ، ٢. الزوجة مع عدم الولد.

السدس : وهو فرض أصناف ثلاثة : ١. الأبوان مع الولد ، ٢. الأُمّ مع الحاجب ، ٣. الأخ والأُخت من الأُمّ.

الثمن : وهو فرض صنف واحد وهو الزوجة مع الولد.

إذا عرفت ذلك فعندئذ يقع الكلام في أنّ الأدلة المتكفّلة لبيان فروض هذه الأصناف هل هي مطلقة ، بمعنى ثبوت الفرض في كافة الصور ، كاجتماع أبوين والبنت مع الزوج ، أو ليس لها ذلك الإطلاق؟

فعلى الأوّل يلزم عبثية التشريع ولغويته لاستغراق فرض الزوج (النصف) و

٢٦٦

فرض البنت المنفردة (النصف) مثلاً مجموع التركة وعدم اتساعها لفرض الأبوين وهو الثلث.

وعلى الثاني يلزم الوقوف على من قدّمه الله سبحانه ومن أخّره لئلاّ يلزم المحذور وهذا هو المطلوب.

٢. استلزامه التناقض والإغراء بالجهل

إنّ القول بالعول يؤدّي إلى التناقض والإغراء بالجهل ، أمّا التناقض فقد بيّنا عند تفصيل القول بالعول أنّه إذا مات وترك أبوين وبنتين وزوجاً ، وقلنا : إنّ فريضتهم من اثني عشر ، فمعنى ذلك أنّ للأوّلين أربعة من اثني عشر ، وللثانيتين ، ثمانية من اثني عشر ، وللزوج ثلاثة من اثني عشر ، فإذا أعلناها إلى خمسة عشر فأعطينا الأبوين أربعة من خمسة عشر وللبنتين ثمانية من خمسة عشر ، وللأبوين أربعة من خمسة عشر ، فقد دفعنا للأبوين (مكان الثلث) خمساً وثلثه ، وإلى الزوج (مكان الربع) خُمساً ، وإلى الابنتين (مكان الثلثين) ثلثاً وخمساً ، وذلك نفس التناقض.

وأمّا الإغراء بالجهل ، فقد سمّى الله سبحانه ، الخمس وثلثه باسم الثلث ، والخُمس باسم الربع ، وثلثاً وخمساً باسم الثلثين (١).

ويمكن جعل الدليل الأوّل والثاني ، دليلاً واحداً بأن يقال : إذا جعل الله سبحانه في المال نصفين وثلثاً ، فأمّا أن يجعلها بلا ضم حلول ـ مثل العول ـ إليه ، يلزم كونه سبحانه جاهلاً أو عابثاً تعالى عن ذلك ، وأمّا أن يجعل مع النظر إلى حلول مثل العول ، يلزم التناقض بين القول والعمل ، والإغراء مع كونه قبيحاً.

__________________

(١) لاحظ ص ٢٥٣.

٢٦٧

٣. يلزم تفضيل النساء على الرجال

لو قلنا بالعول يلزم تفضيل النساء على الرجال في موارد ، ومن المعلوم أنّه يخالف روح الشريعة الإسلامية ، ولنذكر نموذجاً :

إذا ماتت المرأة عن زوج وأبوين وبنتاً ، فالتركة لا تتسع لنصفين وثلثاً ، فلو قلنا بالعول ارتفعت السهام إلى ١٣ سهماً ، فللبنت منها ٦ وللأبوين منها ٤ وللزوج منها ٣ ، فهذه صورة المسألة :

٤١ (سهم الزوج) + ٢١ (سهم البنت) + ٦٢ (سهم الأبوين) / ١٢١٣ / ٤+ ٦+ ١٢٣

(سهم الزوج) + (سهم البنت) + (سهم الأبوين)/

ففي هذه الصورة على القول بالعول صار سهم البنت ٦ من ١٣.

ولو كان الابن مكان البنت ، أُعطي الأبوان ٤ سهام من أصل ١٢ سهماً ، والزوج ٣ سهام من أصل ١٢ سهماً والباقي وهو ٥ سهام للابن فصار سهم الابن أقلّ من سهم البنت ، وهذا التالي الفاسد جاء من القول بالعول في الصورة الأُولى.

وقد جاء ذلك الدليل في رواية أبي جعفر الباقر ـ عليه‌السلام ـ.

أخرج الكليني عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر ـ عليه‌السلام ـ في امرأة ماتت وتركت زوجها وأبويها وابنتها ، قال : للزوج الربع ثلاثة أسهم من اثني عشر سهماً ، وللأبوين لكلّ واحد منهما السدس سهمين من اثني عشر سهماً ، وبقي خمسة أسهم فهي للابنة ، لأنّه لو كان ذكراً لم يكن له أكثر من خمسة أسهم من اثني عشر سهماً ، لأنّ الأبوين لا ينقصان كلّ واحد منهما في السدس شيئاً وانّ الزوج لا ينقص من الربع شيئاً. (١)

وقد جاءت الإشارة إلى بعض هذه الصور التي يلزم على القول بالعول

__________________

(١) الوسائل : ١٧ ، الباب ١٨ من أبواب ميراث الأبوين والأولاد ، الحديث ٢.

٢٦٨

زيادة نصيب النساء على الرجال في الروايات. (١)

الرابع : تصريح أئمّة أهل البيت ببطلان العول

قد تضافرت الروايات عن أئمّة أهل البيت ـ مضافاً إلى ما عرفت عن عليّ ـ عليه‌السلام ـ ـ على بطلان العول ، وإليك طائفة منها :

١. أخرج الكليني عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر ـ عليه‌السلام ـ قال : «السهام لا تعول».

٢. أخرج الكليني عن محمد بن مسلم ، قال : أقرأني أبو جعفر ـ عليه‌السلام ـ صحيفة كتاب الفرائض التي هي إملاء رسول الله وخط علي بيده فإذا فيها انّ السهام لا تعول.

٣. أخرج الشيخ الطوسي بسنده عن أبي بكر الحضرمي ، عن أبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ قال : كان ابن عباس يقول : إنّ الذي يحصي رمل عالج ليعلم أنّ السهام لا تعول من ستة ، فمن شاء لاعنته عند الحجر انّ السهام لا تعول من ستة».

ومعنى قوله : «لا تعول من ستة» انّها وإن زادت ولكن لا تزيد أُصولها على ستة.

إلى غير ذلك من الروايات التي رواها الشيخ الحرّ العاملي في «الوسائل». (٢)

أُسلوب علاج العول من منظار روائي

قد عرفت أنّ أئمّة أهل البيت أنكروا العول ، ولم يكتفوا بالإنكار فحسب ، بل وضعوا الحلول المناسبة لعلاجه والتي وردت في روايات كثيرة ، نختار منها

__________________

(١) لاحظ الوسائل : ١٧ ، الباب ٣ من أبواب ميراث الإخوة والأجداد ، الحديث ٣.

(٢) الوسائل : ١٧ ، الباب ٦ من أبواب موجبات الإرث ، الحديث ١ ، ١١ ، ١٢.

٢٦٩

طائفة ، ومن أراد التفصيل فعليه ، فليرجع إلى الجوامع الحديثية.

١. ما ذكره ابن عباس وقد أخذه عن إمامه وأُستاذه علي بن أبي طالب ـ عليه‌السلام ـ ، وقد تقدّم ذكره فلنقتصر على محل الشاهد ، قال :

وأيم الله لو قدّم من قدّم الله وأخّر من أخّر الله ما عالت فريضة.

فقال له زفر : وأيّها قدّم وأيّها أخّر؟

فقال : كل فريضة لم يهبطها الله عن فريضة إلاّ إلى فريضة فهذا ما قدّم الله. وأمّا ما أخّر : فلكلّ فريضة إذا زالت عن فرضها لم يبق لها إلاّ ما بقى ، فتلك التي أخّر.

فأمّا الذي قدَّم : فالزوج له النصف فإذا دخل عليه ما يزيله عنه رجع إلى الربع لا يزيله عنه شيء ؛ والزوجة لها الربع ، فإذا دخل عليها ما يزيلها عنه صارت إلى الثمن لا يزيلها عنه شيء ؛ والأُم لها الثلث فإذا زالت عنه صارت إلى السدس ، ولا يزيلها عنه شيء ، فهذه الفرائض التي قدّم الله.

وأمّا التي أخّر : ففريضة البنات والأخوات لها النصف والثلثان ، فإذا أزالتهنّ الفرائض عن ذلك لم يكن لهنّ إلاّ ما بقى ، فتلك التي أخّر ؛ فإذا اجتمع ما قدّم الله وما أخّر بدئ بما قدّم الله فأُعطي حقّه كاملاً ، فإن بقى شيء كان لمن أخّر ، وإن لم يبق شيء فلا شيء له. (١)

فقد جاء في كلام ابن عباس الطوائف الذين لا يدخل عليهم النقص وهم عبارة عن :

١. الزوج. ٢. الزوجة. ٣. الأُمّ ، وهؤلاء يشتركون في أنّهم لا يهبطون عن

__________________

(١) الوسائل : ١٧ ، الباب ٧ من أبواب موجبات الإرث ، الحديث : ٦. لاحظ المستدرك للحاكم : ٤ / ٣٤٠ كتاب الفرائض والحديث صحيح على شرط مسلم ؛ وأورده الذهبي في تلخيصه إذعاناً بصحّته.

٢٧٠

فريضة إلاّ إلى فريضة أُخرى ، وهذا دليل على أنّ سهامهم محدودة لا تنقص.

وكان عليه أن يذكر الأخ والأُخت من أُمّ ، لأنّهم أيضاً لا يهبطون من سهم (الثلث) إلاّ إلى سهم آخر وهو السدس ، وقد جاء الجميع في كلام الإمام أمير المؤمنين التالي.

٢. روى أبو عمر العبدي عن علي بن أبي طالب ـ عليه‌السلام ـ أنّه كان يقول : الفرائض من ستة أسهم : الثلثان أربعة أسهم ، والنصف ثلاثة أسهم ، والثلث سهمان ، والربع سهم ونصف ، والثمن ثلاثة أرباع سهم ، ولا يرث مع الولد إلاّ الأبوان والزوج والمرأة ، ولا يحجب الأُمّ عن الثلث إلاّ الولد والإخوة ، ولا يزاد الزوج عن النصف ولا ينقص من الربع ، ولا تزاد المرأة على الربع ولا تنقص عن الثمن ، وإن كنّ أربعاً أو دون ذلك فهنّ فيه سواء ، ولا تزاد الإخوة من الأُمّ على الثلث ولا ينقصون من السدس وهم فيه سواء الذكر والأُنثى ، ولا يحجبهم عن الثلث إلاّ الولد ، والوالد ، والدية تقسم على من أحرز الميراث». (١)

٣. روى أبو بصير ، عن أبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ قال : أربعة لا يدخل عليهم ضرر في الميراث : الوالدان ، والزوج ، والمرأة». (٢) وبما أنّ المراد من المرأة هي الزوجة فلا بدّ من تقييد الرواية بإدخال كلالة الأُمّ فيها ، لأنّها أيضاً لا يدخل عليها ضرر. فإذا كان هؤلاء من قدّمهم الله ولا يزيد عليهم النقص ، فيكون من أخّره الله عبارة عن البنت أو البنتين أو من يتقرّب بالأب والأُم أو بالأب من الأُخت أو الأخوات.

٤. محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر ـ عليه‌السلام ـ قال : قلت له : ما تقول في امرأة تركت زوجها وإخوتها لأُمّها وإخوة وأخوات لأبيها؟ قال : «للزوج النصف ثلاثة

__________________

(١) الوسائل : ١٧ ، الباب ٧ من أبواب موجبات الإرث ، الحديث ١٢.

(٢) الوسائل : ١٧ الباب ٧ من أبواب موجبات الإرث ، الحديث ٣.

٢٧١

أسهم ، ولإخوتها من أُمّها الثلث سهمان الذكر والأُنثى فيه سواء ، وما بقي سهم للإخوة والأخوات من الأب : (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) ، لأنّ السهام لا تعول ، ولأنّ الزوج لا ينقص من النصف ، ولا الإخوة من الأُمّ من ثلثهم فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث». (١)

٥. وورد تعبير لطيف في رواية الصدوق في «عيون الأخبار» : عن الرضا ـ عليه‌السلام ـ في كتابه إلى المأمون وهو أنّه : «وذو السهم أحقّ ممّن لا سهم له». (٢)

ما الفرق بين البنت وكلالة الأُمّ؟

بقي الكلام في عدّ البنت والبنات والأُخت والأخوات ، ممّن يدخل عليهم النقص دون الأُخت والأخ من الأُمّ ، مع أنّ الطوائف الثلاث على وتيرة واحدة.

فللبنت : الثلثان والنصف ، وللأُخت : الثلثان والنصف ، ولكلالة الأُمّ : الثلث والسدس. فما هو الفارق بين الطائفة الثالثة والأُوليين؟

يتّضح الجواب ببيان أمر : وهو دخول الأخ في كلالة الأُمّ ، لا يخرجها عن كونها وارثة بالفرض ، فالواحد منها سواء كان ذكراً أم أُنثى له السدس ، وغير الواحد ، سواء كان ذكراً أم أُنثى ، أو ذكراً وأُنثى لهم الثلث يقتسمون بالمناصفة.

وهذا بخلاف الطائفتين الأُوليين فللبنت والأُخت الواحدتين النصف ، ولأزيد من الواحد الثلثان ، ولو انضمّ إليهما الأخ فللذكر مثل حظّ الأُنثيين في الطائفتين ، أي لا يرثن بالفرض بل بالقرابة.

وعلى ذلك فكلالة الأُمّ مطلقاً وارثة بالفرض لا ترث إلاّ به ، بخلاف البنت وأزيد ، أو الأُخت وأزيد ، فربّما يرثن بالقرابة وذلك فيما إذا انضمّ إليهنّ الأخ.

__________________

(١) الوسائل : ١٧ ، الباب ٧ من أبواب موجبات الإرث ، الحديث ١٧.

(٢) الوسائل : ١٧ ، الباب ٧ من أبواب موجبات الإرث ، الحديث ١٥.

٢٧٢

إذا عرفت ما ذكرنا ، فنقول :

إنّ كلالة الأُمّ ، ترث بالفرض مطلقاً كان معهم ذكر أو لا ، تفرّدت من الطبقة بالإرث أو لا ، فلو لم يكن وارث سواها وكانت واحدة ترث السدس ، وإن كانت غير واحدة ترث الثلث فرضاً والباقي ردّاً. ولا ينقص حظّهم في صورة من الصور لو لم يزد عند الرد ، وهذا آية عدم ورود النقص عند التزاحم.

وبالجملة : لا نرى فيهم أيّ إزالة من الفرض في حال من الحالات إلاّ إلى فرض آخر ولا ورود نقص عليهم عند تطوّر الأحوال. وهذا بخلاف البنت والأُخت فلو دخل فيهم : الأخ ، يتغيّر الفرض من النصف أو الثلثين ، إلى مجموع ما ترك بعد دفع سهام الآخرين كالوالدين ، أو كلالة الأُمّ ، ثم يقتسمون بالتثليث وتنقص حظوظ البنت أو البنات أو الأُخت والأخوات عن النصف والثلثين بكثير ، وهذا آية جواز دخول النقص عليهم عند التزاحم.

وبعبارة أُخرى : أنّ كلالة الأُمّ ترث دائماً بالفرض حتى فيما إذا تفرّدت ، وأمّا الطائفتان الأُوليتان فإنّما ترثان بالفرض تارة كما إذا لم يكن بينهم أخ ، وأُخرى بالقرابة فقط كما إذا انضمّ الأخ إليهنّ. وأيضاً : كلالة الأُمّ لا يرد عليها النقص ولا ينقص حظهم عن الثلث والسدس ، بخلاف الأخيرتين فينقص حظّهما عن النصف والثلثين.

ولعلّه إلى ما ذكرنا من التوضيح يشير صاحب الجواهر بقوله : دون من يتقرّب بالأُم الذي لا يرث إلاّ بفرض ، بخلاف غيره فإنّه يرث به تارة وبالقرابة أُخرى كالبنت والبنتين ، اللَّتين ينقص إذا اجتمعن مع البنين عن النصف أو الثلثين بنصّ الآية ، لأنّ للذكر حينئذ مثل حظّ الأُنثيين. (١)

وقال العاملي : ويدخل النقص على البنت والبنات ، لأنّهنّ إذا اجتمعن مع

__________________

(١) الجواهر : ٣٩ / ١١٠. وحاشية جمال الدين على الروضة البهية : ٢ / ٢٩٧ في هامش الكتاب.

٢٧٣

البنين ربّما نقص عن العشر أو نصفه لنصّ الآية (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) ، وكذا الحال في الإخوة والأخوات من قبل الأب أو من قبلهما. (١)

وقال المحقّق : يكون النقص داخلاً على الأب أو البنت أو البنتين ، أو من يتقرّب بالأب والأُم أو بالأب من الأُخت والأخوات دون من يتقرّب بالأُم. (٢)

وليعلم أنّ عامل العول هو الزوج أو الزوجة إذا اجتمع أحدهما مع البنت أو البنات ، أو مع الأُخت أو الأخوات من قبل الأبوين أو لأب ، وإلاّ لم يلزم العول.

وعلى ذلك :

١. فلو خلفت زوجاً وأبوين وبنتاً ، يختصّ النقص بالبنت بعد الربع والسدس.

٢. لو خلّفت زوجاً وأحد الأبوين وبنتين ، يختصّ النقص بهما بعد الربع والسدس.

٣. لو خلّف زوجة وأبوين وبنتين ، يختصّ النقص بهما بعد الثمن والسدسين.

٤. لو خلّفت زوجاً مع كلالة الأُمّ وأُختاً أو أخوات لأب وأُم أو لأب ، يدخل النقص بالأُخت أو الأخوات بعد النصف والسدس إن كانت الكلالة واحدة أو الثلث إن كانت متعدّدة.

إنّ ما ذكرناه من أنّ عامل العول هو الزوج والزوجة إنّما يتم على أُصولنا في الإرث ، وأمّا على أُصول غيرنا فيأتي العول من غير جهة الزوج والزوجة ، كما إذا مات عن أبوين مع الأُختين ، فانّهما لا يرثان على أُصولنا مع وجود الأبوين ، لأنّهما أقرب من الأُختين بخلافه على أُصول غيرنا حيث ترث الأُختين بالتعصيب ،

__________________

(١) مفتاح الكرامة : ٨ / ١٢٠.

(٢) الشرائع : ٤ / ٨٢٣ ط الاستقلال.

٢٧٤

فعندئذ يلزم العول ، لأنّ فرض الأُمّ عند عدم الولد للميت هو الثلث وفرض الأُختين هو الثلثان.

ولا يبقى من التركة للأب شيء إذا بدأنا بالأُم والأُختين.

بقيت هنا نكات نذكرها :

١. إنّ الآثار المروية عن ابن عباس تشهد على أنّ حبر الأُمّة كان صارماً في رأيه ببطلان العول إلى حد كان معه مستعدّاً للمباهلة. قال ابن قدامة : روي عن ابن عباس أنّه قال في زوج وأُخت وأُم : من شاء باهلته أنّ المسائل لا تعول ، إنّ الذي أحصى رمل عالج عدداً ، أعدل من أن يجعل في مال نصفاً ونصفاً وثلثاً ، هذان نصفان ذهبا بالمال فأين موضع الثلث؟! فسُمِّيت هذه المسألة ، مسألة المباهلة لذلك. (١)

ومن الغريب انّ العول أسفر عن طرح مسائل اشتهرت بألقاب خاصة نذكر منها ما يلي :

الأكدرية : وصورتها إذا ماتت المرأة عن زوج وأُمّ وأُخت وجدّ ، فللزوج النصف وللأُمّ الثلث وللأُخت النصف وللجد السدس ، وتسمّى هذه المسألة الأكدريّة ، قيل لأنّ عبد الملك بن مروان سأل عنها رجلاً اسمه الأكدر ، وقد اختلفت فتاوى فقهاء السنة بل التابعين في المسألة ، والمسألة من فروع العول حتّى ولو لم نقل انّ للجدّ سهماً في المقام ، لأنّ للزوج النصف وللأُخت النصف وللأُمّ الثلث فلا تتسع التركة لهذه الفروض فكيف إذا قلنا بوجوب السدس للجد؟

المروانية : وصورتها ست أخوات متفرقات وزوج ، للزوج النصف وللأُختين لأبوين الثلثان وللأُختين لأُم الثلث ، سميت المروانيّة لوقوعها في فرض مروان بن

__________________

(١) المغني : ٧ / ٦٩ ، ونقله عن ابن عباس أكثر من تعرّض للمسألة.

٢٧٥

الحكم ، وتسمّى العراء لاشتهارها بينهم.

وقد ذكرت ألقاب أُخرى لبعض المسائل في الموسوعة الفقهية. (١) وإن كان بعض هذه الصور خارجاً عن مسألة العول.

٢. قد عرفت أنّ القول بالعول لا يصمد أمام الأدلّة الدالّة على خلافه ، والذي يصدّ الفقهاء الأربعة والتابعين عن العدول عن العول هو إفتاء عمر بن الخطاب بالعول ، وقد عرفت أنّ الرجل كان مهاباً لا يجرأ أحد على مخالفته ، ولم يكن الخليفة ملمّاً بأحكام الفرائض ، ولذلك كان يفتي بحكم في واقعة يخالفها في واقعة أُخرى.

أخرج البيهقي في سننه عن عبيدة انّه قال : إنّي لأحفظ عن عمر في الجد مائة قضية كلّها ينقض بعضها بعضاً. (٢)

ولا بأس بنقل ما قضى به في مسألة سمّيت بالحمارية.

روى البيهقي بسنده عن الحكم بن مسعود الثقفي قال : شهدت عمرَ بن الخطاب أشرك الإخوة من الأب والأُم مع الإخوة من الأُمّ في الثلث ، فقال له رجل : قضيت في هذا عام أوّل بغير هذا ، قال : كيف قضيت؟

قال : جعلته للإخوة من الأُمّ ولم تجعل للإخوة من الأب والأُمّ شيئاً ، قال : تلك على ما قضينا وهذا على ما قضينا. (٣)

وفي رواية السرخسي انّ الإخوة لأب وأُم سألوا عمر عن هذه المسألة ، فأفتى بنفي التشريك كما كان يقوله أوّلاً ، فقالوا : هب انّ أبانا كان حماراً ، ألسنا من أُمّ واحدة؟ فقال عمر : صدقتم ورجع إلى القول بالتشريك. (٤)

ومن أجل ذلك سمّيت هذه المسألة بالحمارية.

__________________

(١) الموسوعة الفقهية : ٣ / ٧٥ ـ ٨٠.

(٢) السنن الكبرى : ٦ / ٢٤٥.

(٣) السنن الكبرى : ٦ / ٢٥٥.

(٤) المبسوط : ٢٩ / ١٥٤ ـ ١٥٥.

٢٧٦

٣. إنّ فقيه المدينة : الزهري كان يستحسن فتوى ابن عباس ويقول : إنّها الحجّة لو لا أنّه تقدّم عليه عمر بن الخطاب.

روى الشيخ في «الخلاف» عن عبيد الله بن عبد الله وزفر بن أوس البصري أنّهما سألا ابن عباس : من أوّل من أعال الفرائض؟ قال : عمر بن الخطاب ، قيل له : هلا أشرت به عليه؟ قال : هبته وكان أمره مهيباً ، قال الزهري : لو لا أنّه تقدّم ابن عباس ، إمام عدل وحكم به وأمضاه وتابعه الناس على ذلك ، لما اختلف على ابن عباس اثنان. (١)

٤. أطنب موسى جار الله في الكلام مسألة «العول» إلى حدّ مملّ جداً وأخذ يجترّ كلاماً واحداً ، وحصيلة كلامه : يغلب على ظنّي أنّ القول بأنّ لا عول عند الشيعة ، قول ظاهري ، فإنّ العول هو النقص ، فإن كان النقص في جميع السهام بنسبة متناسبة ، فهو العول العادل أخذت به الأُمّة وقد حافظت على نصوص الكتاب ، وإن كان النقص في سهم المؤخّر ، فهو العول الجائر أخذت به الشيعة وخالفت به نصوص الكتاب. (٢)

يلاحظ عليه : أوّلاً : إنّ المعنى المناسب للعول في المقام هو الارتفاع أو الميل إلى الجور ، وتفسيره بالنقص وإن كان صحيحاً كما مرّ في صدر المسألة لكن الأنسب في المقام هو الزيادة ، لظهور ارتفاع الفرائض عن سهام التركة ، وارتفاعها وإن كان ملازماً لنقص التركة عن الإجابة لجميع الفروض ، لكن ينظر إلى المسألة من زاوية ارتفاع الفرائض دون نقصان سهام التركة ، ولأجل ذلك يقول ابن عباس : «وأيم الله لو قدّموا من قدّم الله ، وأخّروا من أخّر الله ما عالت فريضة» ومن المعلوم عدم صحّة تفسيره ب ـ «وما نقصت الفريضة».

__________________

(١) الخلاف : ٢ / ٢٨٢ ، المسألة ٨١ وغيرها.

(٢) الوشيعة في نقض عقائد الشيعة ، وقد نقلنا كلامه مجرّداً عن الطعن بأئمّة أهل البيت ـ عليهم‌السلام ـ.

٢٧٧

وثانياً : سلّمنا أنّ العول بمعنى النقص لكن رمي الشيعة بأنّهم يقولون به حيث إنّهم يوردون النقص على المؤخّر ، غفلة من نظره ، فانّ النقص إنّما يتصوّر إذا كان المؤخّر ذا فرض ، ولكنّه عندهم ليس بذي فرض ، بل يرث بالقرابة كسائر من يرثون بها ، وعندئذ لا يصدق النقص أبداً في هذه الحالة.

يشهد بذلك كلام ابن عباس حيث يفسّر المقدّم بأنّه ممّن له فرضان ، والمؤخّر بأنّه ممّن ليس له إلاّ فرض واحد وهو في غير هذا المورد : حيث قال في جواب «زفر» الذي سأله عمّن قدّمه ومن أخّره؟ فقال : والذي أهبطه من فرض إلى فرض فذلك الذي قدّمه ، والذي أهبطه من فرض إلى ما بقى فذلك الذي أخّره الله. (١)

وبعبارة أُخرى : إنّ الذي أخّره الله لم يجعل له حقّاً مفروضاً في حالة التزاحم والاجتماع فيرث ما بقى ، وليس هو بذي فرض في هذا الفرض لكونه وارثاً بالقرابة. وبذلك تبيّن أنّه لا عول عند الشيعة بالمعنى المصطلح عند الفقهاء.

وثالثاً : ما ذكره من أنّ السنّة حافظت على نصوص الكتاب ولكن الشيعة بإدخال النقص على المؤخّر خالفت نصوصه ، من أعاجيب الكلام ، فإذا كان في دخول النقص على المؤخّر (على وجه المسامحة) مخالفة لظاهر الكتاب ، ففي دخولها على الجميع مخالفة مضاعفة ، فقد عرفت في ما سبق أنّ من فرض الله له النصف أعطوه أقلّ منه ، ومن فرض له الثلثان أعطوه أقلّ منهما. فكيف لا يكون فيه مخالفة. (٢)

__________________

(١) لاحظ الوسائل : ١٧ ، الباب ٧ من أبواب موجبات الإرث ، الحديث ٦.

(٢) وقد كفانا في نقد ما اختلقه من الشبهات أو أخذها ممّن تقدم عليه العلمان الجليلان : السيد عبد الحسين العاملي في كتابه «أجوبة موسى جار الله» ، والسيد محسن العاملي في «نقض الوشيعة» ـ قدّس الله أسرارهما ـ.

٢٧٨

٢٤

التقية

في الكتاب والسنّة

٢٧٩
٢٨٠