ب ـ قوله تعالى : ( هَذَانِ خَصْمَانِ اختَصَمُوا في رَبِّهِم .. ) عن الإمام عليّ عليهالسلام قال : « أنا أول من يجثو بين يدي الرحمـن للخصومة يوم القيامة » ، قال قيس : وفيهم نزلت ( هَذَانِ خَصمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِم .. ) قال : « هم الذين بارزوا يوم بدر عليّ وحمزة وعبيدة وشيبة بن ربيعة .. » (٢).
ج ـ قوله تعالى : ( وَرَدَّ اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خيْراً وَكَفَى اللهُ المُؤمِنِينَ القِتَالَ .. ) (٣) روى غير واحدٍ أن عبدالله بن مسعود كان يقرأ هذه الآية هكذا : ( وَكَفَى اللهُ المُؤمِنِينَ القِتَالَ ) بعليّ بن أبي طالب (٤).
د ـ قوله تعالى : ( يَآ أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ) (٥).
ذكر غير واحدٍ من الحفاظ والمحدّثين عن ابن عباس قال : هو عليّ بن أبي طالب عليهالسلام خاصةً (٦).
ه ـ قوله تعالى : ( وَالَّذِينَ يُؤذُونَ المُؤمِنينَ وَالمُؤمِنَاتِ بَغَيرِ مَا اكتَسَبُوا فَقَدِ احتَمَلُوا بُهتَاناً وَإثَماً مُبِيناً ) (٧).
__________________
(١) الحج ٢٢ : ١٩.
(٢) التاج الجامع للاصول ٤ : ١٨١ ، وقال رواه الشيخان ( البخاري ومسلم ) كتاب التفسير.
(٣) الأحزاب ٣٣ : ٢٥.
(٤) ما نزل من القرآن في عليٍّ ، لأبي نعيم ـ تحقيق المحمودي : ١٧٢.
(٥) التوبة ٩ : ١١٩.
(٦) ما نزل من القرآن في عليٍّ ، لابي نعيم : ١٠٤. والصواعق المحرقة ، لابن حجر : ١٥٢.
(٧) الأحزاب ٣٣ : ٥٨.
وورد بعدة طرق أنها نزلت في الإمام عليّ عليهالسلام ، وذلك أنَّ نفراً من المنافقين كانوا يؤذونه ويكذبون عليه (١).
إنَّ مما يؤكد أن الآيات السابقة قد جاءت لبيان منزلة الإمام عليّ عليهالسلام وعظمة شخصيته ، ودوره الكبير في حياة الرسالة والرسول ، وأنَّ المؤمنين يلزمهم وعي هذه الحقائق والانقياد إليها ؛ هو ما جاء من الأحاديث النبوية في تثبيت هذه المعاني.
فقد روى الصحابي سعد بن أبي وقاص قال : «أمرني معاوية أن أسبَّ أبا تراب ، فقلت : أمّا ما ذكرتُ ثلاثاً قالهن له رسول الله ، فلن أسبّه ، لأن تكون لي واحدة منهنّ أحبُّ إليَّ من حُمر النّعم ، قد خلّفه رسولُ الله في بعض مغازيه ، فقال عليٌّ : « يا رسول الله خلفتني مع النساء والصبيان » ، فسمعتُ رسول الله يقول : « أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنه لا نبوةَ بعدي » (٢) ، وسمعته يقول يوم خيبر : لأعطين الرايةَ رجلاً يحبُّ الله ورسوله ، ويُحبُّه اللهُ ورسوله ، قال : فتطاولنا لها (٣) فقال : « ادعو لي عليّاً » ، فأُتي به أرمد ، [ فمسح النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بريقه الشريف عينَ الإمام علي عليهالسلام ] (٤) ودفع الراية إليه ، ففتح الله عليه ، ولما نزلت هذه الآية : ( فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعدِ ما جَآءَكَ مِنَ العِلمِ فَقُلْ تَعَالَوا نَدعُ أبنَآءَنَا
__________________
(١) تفسير الكشاف ٣ : ٥٥٩.
(٢) التاج الجامع للاُصول ٣ : ٣٣٢ قال رواه الشيخان والترمذي.
(٣) عن أبي هريرة قال : قال عمر : « ما أحببتُ الإمارة إلاّ يومئذٍ فتساورت لها .. » التاج الجامع للاُصول ٣ : ٣٣١ رواه الشيخان.
(٤) ما بين القوسين أثبتناه من طرقنا تأدباً مع مقام الوصي وفي رواية مسلم وغيره من العامّة ورد التعبير بهذا المعنى ولكن بغير هذا اللفظ !!
وَأبنَآءَكُم وَنِسَآءَنَا وَنِسَآءَكُم وَأنفُسَنَا وَأنفُسَكُم ثُمَّ نَبتَهِل فَنَجعَل لعنَةَ اللهِ عَلى الكَاذِبينَ ) (١) دعا رسول الله عليّاً وفاطمة وحسناً وحسيناً ، وقال : اللّهم هؤلاء « أهلي رواه مسلم » (٢) والترمذي (٣).
إنَّ هذه الرواية التي رواها سعد تؤكد أموراً منها :
أ ـ نزول آية المباهلة ـ وهي الآية المذكورة في نص الرواية ـ في الإمام عليّ وفاطمة الزهراء وولديهما الحسن والحسين عليهمالسلام.
ب ـ تؤكد أن هؤلاء هم أهل البيت دون سواهم (٤). وبالتالي نفهم أنهم هم المقصودون في آية التطهير التي هي قوله تعالى : ( ... إنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أهْلَ البَيْتِ وَيُطَهِّرَكُم تَطهِيراً ) (٥) تلك الآية التي بينت لنا نزاهة الإمام عليّ عليهالسلام وأمانته ، وسمو ذاته وطهارته ، بل عصمته.
ومن هنا يبدأ الاستحقاق لأن يحتلَّ الإمام عليّ عليهالسلام مقام الخلافة والولاية وقيادة المسيرة ، قال الراغب الأصفهاني : « لا يصلح لخلافة الله
__________________
(١) آل عمران ٣ : ٦١.
(٢) صحيح مسلم ٤ : ١٨٧٣.
(٣) سنن الترمذي ٥ : ٥٩٦. والصواعق المحرقة ، لابن حجر : ١٤٣. والتاج الجامع للاُصول ٣ : ٣٣٣.
(٤) التاج الجامع للاُصول ٤ : ٢٠٧. قال روى الترمذي ومسلم عن عمر بن أُم سلمة ربيب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : لما نزلت هذه الآية ـ التطهير ـ في بيت أُم سلمة دعا رسول الله فاطمة وحسناً وحسيناً وعلياً ، فجللهم بكساء ثم قال صلىاللهعليهوآلهوسلم : اللّهم هؤلاء أهل بيتي فاذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً قالت أُم سلمة ، وأنا معهم يا رسول الله. قال صلىاللهعليهوآلهوسلم : أنتِ على مكانك ، وأنتِ على خير.
(٥) الأحزاب ٣٣ : ٣٣.
ولا يكمل لعبادته ، وعمرة أرضه إلاّ من كان طاهر النفس قد أُزيل رجسها ونجسها ، فللنفس نجاسة كما إنّ للبدن نجاسة ، لكن نجاسة البدن قد تدرك بالبصر ونجاسة النفس لا تدرك إلاّ بالبصيرة ... وإنما لم يصلح لخلافة الله إلاّ من كان طاهر النفس ، لأنّ الخلافة هي الاقتداء به تعالى على الطاقة البشرية ، ومن لم يكن طاهر القول والفعل فكل إناء بالذي فيه يرشح ... » (١).
يتبين لنا من ذلك أنَّ القرآن الكريم بعد أن أشادَ بفضل الإمام عليّ عليهالسلام وبفضائله ، ارتقى به إلى منزلة التزكية المطلقة « التطهير » ثم صعدَ به إلى منزلةٍ على غاية من الأهمية ، إذ جعل نفسَ الإمام عليّ عليهالسلام كنفس النبي محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم كما هو صريح آية المباهلة. وتأسيساً على ذلك ، أكدّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم مراراً وكراراً قائلاً : « عليٌّ مني وأنا من عليّ » (٢) وعندما حاول بعض الناس الشكوى من الإمام عليّ عليهالسلام بغيةَ التشويش على مقامه هذا ومنزلته ، قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « ما تريدون من عليّ .. ؟ » ردّدها ثلاثاً ، ثم قال : « إنَّ علياً مني وأنا منه » (٣).
ومن أجل قطع الطريق أمام المتشككين بهذه المنزلة الرفيعة التي أنزل الله تعالى فيها الإمام عليّ عليهالسلام ، ولترسيخ وتأكيد ولايته وخلافته بعد النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، في كلِّ ما يهم المسلمين من أجل ذلك جاء قوله تعالى :
__________________
(١) الذريعة إلى مكارم الشيعة ، لابن المفضل الراغب الأصفهاني : ٢٩. والاستدلال على العصمة بآية التطهير ـ الاُصول العامّة للفقه المقارن ، لمحمّد تقي الحكيم : ١٧٤.
(٢) التاج الجامع للاُصول ، للشيخ منصور عليّ ناصف ٣ : ٣٣٤. وتاريخ الخلفاء ، للسيوطي : ١٦٩.
(٣) سنن الترمذي ٥ : ٥٩٤.
( إنَّمَا وَلَيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤتُونَ الزَّكاةَ وَهُم رَاكِعُون ) (١) فقد ذكر الزمخشري أن هذه الآية المباركة نزلت في الإمام عليّ عليهالسلام حين سأله سائل ، وهو راكع في صلاته فطرح له خاتمه (٢) .. ولإزالة الالتباس ، وقطعاً لدابر أيّ تأويل في المراد بالولي وتشخيصه في مثل هذه الموارد ، صرّح النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في أكثر من مناسبة قائلاً : « إنَّ عليّاً مني ، وأنا منه ، وهو ولي كلّ مؤمن بعدي ... » (٣) ولتأكيد ولاية الإمام عليّ عليهالسلام ، ودوره الهام بالنسبة إلى الرسالة الإسلامية قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « عليٌ مني وأنا من عليّ ولا يؤدي عني ـ أي بصفته نبيّاً رسولاً ـ إلاّ أنا أو عليّ ... » (٤) ثم رسّخ هذا المفهوم عمليّاً جهاراً نهاراً في قصة تبليغ سورة براءة ، كما أخرج هذه الرواية الإمام أحمد بن حنبل في مسنده عن أبي بكر أنه قال : « إنَّ النبي بعثه ببراءة إلى أهل مكة ، فسارَ ثلاثاً ثم قال لعليٍّ : الحقه ، فردَّ عليٌّ أبا بكر وبلّغها ، فلما قدم أبو بكر على رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : يا رسول الله حدثَ فيَّ شيء ، قال صلىاللهعليهوآلهوسلم : « ما وجدتُ فيك إلاّ خيراً ، لكنني اُمرت أن لا يبلّغ إلاّ أنا أو رجلٌ مني .. » (٥) وفي الكشاف : روي أنَّ أبا بكر لما كان ببعض الطريق ـ أي
__________________
(١) المائدة ٥ : ٥٥.
(٢) الكشاف ، للزمخشري ١ : ٦٤٩ قال في الهامش في تخريج الحديث : رواه ابن أبي حاتم من طريق سلمة بن كهيل : قال : تصدّق عليّ بخاتمه وهو راكع فنزلت ـ أي الآية ـ. ولابن مردويه عن سفيان الثوري عن ابن سنان عن الضحاك عن ابن عباس مثله. وقال الواحدي في أسباب النزول : ١٣٤ ـ أن الآية نزلت في عليّ.
(٣) سنن الترمذي ٥ : ٥٩٤ ـ باب فضائل الإمام عليّ. والتاج الجامع للاُصول ٣ : ٣٣٥.
(٤) سنن الترمذي ٥ : ٥٩٤ ـ باب فضائل الإمام عليّ. والتاج الجامع للاُصول ٣ : ٣٣٥.
(٥) مسند الإمام أحمد بن حنبل ١ : ٣. وسنن الترمذي ٥ : ٥٩٤. وتفسير الكشاف ، للزمخشري ٢ : ٢٤٣.
لتبليغ سورة براءة ـ هبط جبرئيل عليهالسلام ، فقال : « يا محمّد : لا يبلّغنَّ رسالتك إلاّ رجلٌ منك ، فأرسل عليّاً .. » (١).
وأخيراً ختم القرآن الكريم هذا الموضوع الحيوي والمهم أي عملية الإعداد الفكري والتربوي في آخر ما نزل منه في آية التبليغ ثم في آية إكمال الدين بعد حديث الغدير المشهور ، وعنده لم يعد هناك عذرٌ لمعتذر. وقصة الغدير ـ كما تناقلها الرواة مع بعض الاختلاف ـ هي كما يأتي :
لما رجع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم من حجة الوداع ، نزل عليه الوحي مُشدِّداً ( يآ أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) (٢) فحط الركبُ عندَ غدير خمّ ، وجمع الناس في منتصف النهار ، والحرُّ شديد ، وخطب فيهم قائلاً ، « كأني قد دُعيت فأجبتُ وإني تركتُ فيكم الثقلين ، أحدهما أكبر من الآخر ، كتابَ الله وعترتي ـ وفي رواية مسلم (٣) وأهل بيتي ـ فانظروا كيف تخلفوني فيهما ، فإنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض ... » ثم قال : « إنَّ الله مولاي ، وأنا مولى كلِّ مؤمن » ، ثم أخذ بيد عليٍّ فقال : « من كنتُ مولاه فهذا وليُّه ـ فهذا مولاه (٤) ـ اللّهم والِ من والاه ، وعادِ من عاداه ، واخذُل من خذله ،
__________________
(١) الكشاف ٢ : ٢٤٣.
(٢) المائدة ٥ : ٦٧ ، قال الواحدي في أسباب النزول : ١٣٥ ، نزلت في غدير خم.
(٣) صحيح مسلم ٤ : ١٨٧٤.
(٤) سنن الترمذي ٥ : ٥٩١. والتاج الجامع للاُصول ٣ : ٣٣٣ ، أخرجه عن زيد بن أرقم عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم.
وانصر من نصره (١) .. وأدر الحقَّ معه حيثما دار .. » (٢) وقد أعقبَ هذا الحدث الكبير نزول الوحي مرة أُخرى بقوله تعالى : ( ... اليَومَ أَكمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأتمَمتُ عَلَيكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِيناً .. ) (٣).
وقد ورد في بعض الروايات أن الرسول القائد صلىاللهعليهوآلهوسلم قال بعد نزول هذه الآية في ذلك اليوم المشهود وهو يوم الثامن عشر من ذي الحجة (٤) يوم الغدير قال : اللهُ أكبر ، الحمدُ لله على اكمال الدين وإتمام النعمة ورضى الرب برسالتي وبالولاية لعلي بعدي (٥).
وفي رواية لأحمد : « فلقيه عمر بن الخطاب ـ أي لقي الإمام عليّ ـ بعد ذلك ، فقال له هنيئاً أصبحت وأمسيتَ مولى كلّ مؤمن ومؤمنة ... » (٦).
ومما يؤسف له حقاً أن بعض الناس كان لا يرضيهم أن يُعطى الإمام عليّ عليهالسلام مثل هذه الامتيازات والمقامات ، وكان بعض الناس يكثر لغطه واعتراضه عندما يخصُّ الرسول القائد الإمام عليّاً عليهالسلام بذلك ، فيضطر الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم أن يذكرّهم بأنه رسول ربِّ العالمين الذي يصدع بما
__________________
(١) مسند الإمام أحمد بن حنبل ٤ : ٢٨١ ، ٣٦٨. وسنن ابن ماجة ، المقدمة ١ : باب ١١. وتفسير ابن كثير ١ : ٢٢. والبداية والنهاية ، لابن كثير أخرجه بعدة طرق ٧ : ٣٦٠ ـ ٣٦١.
(٢) التاج الجامع للاُصول ٣ : ٣٣٧ ، رواه مستقلاً « رحم الله عليّاً اللّهم أدر الحق معه حيثُ دار .. ».
(٣) المائدة ٥ : ٣.
(٤) الاتقان ، للسيوطي ١ : ٧٥ في رواية نزول الآية يوم الغدير وأنه يوم الثامن عشر من ذي الحجة. وأسباب النزول ، للواحدي : ١٣٥.
(٥) مناقب أمير المؤمنين ، للحافظ محمّد بن سليمان الكوفي القاضي ١ : ١١٩.
(٦) مسند الإمام أحمد بن حنبل ٤ : ٢٨١ ، وقد أشهدَ عليٌّ جمعاً من الناس ، فشهد له ثلاثون أنهم سمعوا هذا الحديث من رسول الله. والبداية والنهاية ، لابن كثير ٧ : ٣٦٠.
يؤمر وأنه : ( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الهَوَى * إنْ هُوَ إلاَّ وَحْيٌّ يُوحَى ) (١).
ومن الشواهد على ذلك ، ما رواه الترمذي وحسّنه ، عن جابر بن عبدالله قال : « دعا رسولُ الله صلىاللهعليهوآلهوسلم عليّاً يوم الطائف فانتجاه ـ أي كلّمه سرّاً ـ فقال الناس : لقد طال نجواه مع ابن عمّه ، فقال الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم : « ما انتجيته ولكن الله انتجاه ... » (٢).
وعن ميمون عن زيد بن أرقم قال : «كان لنَفرٍ من أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أبواب شارعة في المسجد قال : فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يوماً : سدّوا هذه الأبواب إلاّ باب عليّ ، قال : فتكلّم في ذلك الناس ، قال : فقام رسول الله فحمدَ اللهَ وأثنى عليه ، ثم قال : « أما بعدُ فإني أُمرتُ بسدِّ هذه الأبواب ، إلاّ باب عليّ ، وقال فيه قائلكم ، وإني والله ما سددتُ شيئاً ولا فتحتُهُ ، ولكني اُمرتُ بشيء فاتبعتُه ... » (٣).
وهكذا كان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم كلّما يخصُّ الإمام عليّاً عليهالسلام بموقف ـ دون سواه ـ يصرّحُ ويبين للأمة أنَّ ذلك إنما هو بأمر من الله تعالى. وقد حدث ذلك في إرسال الإمام عليّ عليهالسلام لتبليغ سورة براءة بدلاً من أبي بكر ، وحدث ذلك يوم المناجاة في الطائف ، وحدث ذلك يوم الغدير ، إلى غير ذلك من الوقائع. ومما يلاحظ أيضاً أن المواقف الحاسمة في تاريخ الإسلام ، وفي حياة الرسول الأعظم صلىاللهعليهوآلهوسلم ، بما فيها ما يتصل بحماية
__________________
(١) النجم ٥٣ : ٣ ـ ٤.
(٢) سنن الترمذي ٥ : ٥٩٧. والبداية والنهاية ، لابن كثير ٧ : ٣٦٩. والتاج الجامع للاُصول ٣ : ٣٣٦.
(٣) مسند الإمام أحمد ٤ : ٣٦٩. وتاريخ ابن كثير ٧ : ٣٥٥.
التجربة الإسلامية ومستقبلها ، يلاحظ أن الرسول القائد كان يقدّم الإمام عليّاً عليهالسلام ويدعوه شخصياً دون غيره لحسم تلك المواقف ودفع الخطر الداهم ، حدث ذلك في معركة بدر الكبرى ، إذ كان الإمام عليّ صاحب الراية ، وقتل من صناديد المشركين من قتل ، وحدث ذلك يوم اُحد ، روى الطبري قال : « لما قتلَ عليٌّ بن أبي طالب أصحاب الالوية ، أبصرَ رسولُ الله جماعةً من المشركين فقال لعلي : « احمل عليهم » ، فحمل عليهم ففرق جمعهم ، وقتل عمرو الجمحي ، ثم أبصرَ رسولُ الله صلىاللهعليهوآلهوسلم جماعةَ من المشركين ، فقال لعلي : « احمل عليهم » ، فحمل عليهم ففرق جمعهم وقتل شيبة بن مالك ، فقال ( جبريل ) : « يا رسولَ الله إنَّ هذه للمواساة » ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : إنه منّي وأنا منه ، فقال ( جبريل ) وأنا منكما ، قال الطبري ثم سمعوا صوتاً يهتف :
« لا سيف إلاّ ذو الفقار |
|
ولا فتى الا علي » (١) |
ويكفي ما رواه جملة من الصحابة عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم إنّه قال يوم خيبر : « لأعطين الراية غداً رجلاً يفتح الله على يديه يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله .. ». وكان علي عليهالسلام ـ بعد ان بات الناس يدركون أيُّهم يعطاها ـ صاحبها إلى أن فتح الله على يديه (٢).
وقد يكون من المناسب أن نذكر هنا ما أخرجه الطبراني وابن أبي حاتم
__________________
(١) تاريخ الطبري ٢ : ٢٥ ، ٦٥ ـ ٦٦.
(٢) مسند أحمد ٦ : ٨. ومغازي الواقدي ٢ : ٦٥٤ ـ ٦٥٥. وتاريخ الطبري ٣ : ١٢ ـ ١٤. وسيرة ابن هشام ٣ : ٣٤٩ ـ ٣٥٠. ومناقب الخوارزمي : ١٧٢ / ٢٠٧. وفرائد السمطين ١ : ٢٥٣ / ١٩٦ و ٢٦١ / ٢٠١.
عن ابن عباس قال : « ولقد عاتبَ اللهُ أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في غير موضع وما ذكر علياً إلاّ بخير » (١) وفي ذلك ما فيه من الكناية التي هي أبلغ من التصريح عن أحقية الإمام عليّ عليهالسلام ، وأهليته دون غيره لمنصب الخلافة ، وقد صرّح بذلك القرآن الكريم : ( قَالَ إنّي جَاعِلُك للنَّاسِ إمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيّتي قَالَ لا يَنَالُ عَهدي الظَّالِمينَ ) (٢).
__________________
(١) تاريخ الخلفاء ، للسيوطي : ١٧١.
(٢) البقرة ٢ : ١٢٤.
المبحث الثاني
ثبوت تواتر النصّ على الأئمة عليهمالسلام
إنَّ المتتبع المنصف والطالب للحقيقة ، يستطيع أن يتبين من خلال ما عرضناه ، أنَّ عملية تثبيت النصّ وترسيخه في أحقية الإمام عليّ عليهالسلام بالخلافة والإمامة بعد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم مباشرة قد تمَّ معه في عين الوقت النصّ على الأئمة من بعده ، وأنّ ما تواتر عن الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم في هذا الأمر كاشف عن هذه الحقيقة ، وإليك البيان :
إنَّ اثبات تواتر إمامة أئمتنا عليهمالسلام والنصّ عليهم لم يتمّ عن طريقٍ واحدٍ بل كان ذلك بطرق نوجز لك بعضها باختصار :
أولاً : الطرق الإجمالية لإثبات إمامة الأئمة من أهل البيت عليهمالسلام :
وتتمثل بالأحاديث المنقولة في أصح كتب السُنّة من الصحاح والسنن والمسانيد وغيرها ، وسوف نختار منها حديثين لا أكثر ، وهما :
الحديث الأول : حديث « من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتةً جاهلية » وما يفيد معناه ويكون بمضمونه ، كحديث : « من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتةً جاهلية » ، وحديث « من مات وليس عليه إمام فإن موتته موتة جاهلية » ، وحديث « من مات بغير إمام مات ميتةً جاهلية » وإليك بعض من أخرجه من العامّة :
مصادره :
١ ـ البخاري في باب الفتن من صحيحه : ٥ : ١٣.
٢ ـ مسلم في صحيحه ٦ : ٢١ ـ ٢٢ / ١٨٤٩.
٣ ـ أحمد بن حنبل في مسنده ٢ : ٨٣ ، ٣ : ٤٤٦ ، ٤ : ٩٦.
٤ ـ ابن حبان في صحيحه ، الاحسان بترتيب صحيح ابن حبان ٧ : ٤٩ / ٤٥٥٤.
٥ ـ الطبراني في المعجم الكبير ١٠ : ٣٥٠ / ١٠٦٨٧ طبعة بغداد.
٦ ـ الحاكم النيسابوري في المستدرك ١ : ٧٧.
٧ ـ أبو نعيم الاصفهاني في حلية الأولياء ٣ : ٢٢٤.
٨ ـ ابن الأثير الجزري في جامع الاصول ٤ : ٧٠.
٩ ـ الطيالسي في مسنده : ٢٥٩.
١٠ ـ الدولابي في الكنى والاَسماء ٢ : ٣.
١١ ـ البيهقي في سننه ٨ : ١٥٦ و ١٥٧.
١٢ ـ السرخسي في المبسوط ١ : ١١٣.
١٣ ـ ابن أبي الحديد المعتزلي الحنفي في شرح النهج ٩ : ١٥٥.
١٤ ـ النووي في شرح صحيح مسلم ١٢ : ٤٤٠.
١٥ ـ الذهبي في تلخيص المستدرك ١ : ٧٧ و ١٧٧.
١٦ ـ ابن كثير في تفسيره ١ : ٥١٧.
١٧ ـ التفتازاني في شرح المقاصد ٢ : ٢٧٥.
١٨ ـ الهيثمي في مجمع الزوائد ٥ : ٢١٨ و ٢١٩ و ٢٢٣ و ٢٢٥ و ٣١٢.
١٩ ـ المتقي الهندي في كنز العمال ٣ : ٢٠٠.
٢٠ ـ ابن الربيع الشيباني في تيسر الوصول ٢ : ٣٩.
٢١ ـ القندوزي الحنفي في ينابيع المودة : ١١٧.
٢٢ ـ الاسكافي المعتزلي في خلاصة نقض كتاب العثمانية للجاحظ : ٢٩.
دلالته :
أما دلالته فلا تستقيم إلاّ على أصول الإمامية الاثني عشرية ، ولا تنطبق إلاّ على أئمة أهل البيت عليهمالسلام ، فمن ادعى أن المراد بالإمام الذي من لا يعرفه سيموت ميتةً جاهلية هو السلطان أو الحاكم أو الملك مهما كانت صفته ولو كان فاسقاً ظالماً فاجراً ، فعليه أنْ يثبت بالدليل أن معرفة الظالم الفاسق من الدين أولاً ، وثانياً أن يبيّن الثمرة المترتبة على هذه المعرفة بمثل هؤلاء الذين كان منهم من سبى ذراري رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وقتلهم ومنهم من قتل حجر بن عدي وأصحابه ظلماً وعدواناً ، كمعاوية فويل له من أصحاب حجر على ما قاله الحسن البصري ، فكيف يكون إماماً يا تُرى ؟!
إنّ الشرع المقدس الذي أكّد على وجوب توفر العدالة في شاهد الدعوى واعتبرها أساساً لقبول شهادته ، هو أرفع من أن يأتمن خائناً يتحكم في نفوس رعيته وفي مقدرات الاَمّة ، ثمّ يأمر بلزوم طاعته ،
ويحذر من مخالفته ، ويجعله إماماً من مات ولم يعرفه مات ميتة جاهلية !
اتهام زرارة بعدم معرفته لإمام زمانه :
ومن الجهل العجيب بحال زرارة بن أعْين رضي الله تعالى عنه هو ما زُعم من أنّه مات ولم يعرف إمام زمانه ، ثم تقوّلهم : بأنه لو كان النص متواتراً عند الشيعة بإمامة الأئمة لما جهله من مثل زرارة.
الردّ على هذا الاتهام وبيان زيفه :
إعلم أن اتّهام زرارة بهذا ، هو اتهام للإمام الصادق عليهالسلام ؛ لأنّ الثّابت عنه عليهالسلام وبأصح أسانيد الشيعة أنّه قال بحق زرارة ونظرائه : « والله إنَّهم أحبّ النّاس إليّ أحياءً وأمواتاً » (١).
وقد تواتر عن الإمام الصادق قوله عليهالسلام : « من مات وليس له إمام ، فميتته ميتة جاهلية » (٢).
وهل يعقل أن يفرِّط الإمام الصادق عليهالسلام بزرارة ، ويتركه هملاً فيموت ميتة جاهلية ؟
ثم كيف يقول عليهالسلام : إنّه أحب الناس إليّ حياً وميتاً ، ولا يخبره بمن هو الإمام ـ إن كان لا يعلم ذلك ـ ويدعه على ضلالةٍ بعده عليهالسلام ؟
ثم ما بال زرارة لا يسأل الإمام الصادق في حياته عمن سيكون إماماً
__________________
(١) كمال الدين ، للصدوق ١ : ٧٦.
(٢) اُصول الكافي ١ : ٣٠٣ / ٥ و ١ : ٣٠٨ / ١ و ٢ و ٣ و ١ : ٣٢٧ / ١ وقد ورد في ١ : ٣٨ ـ ١٤٢ أربعة عشر حديثاً بهذا المعنى.
بعده إن كان لا يعرف حقاً من هو الإمام ؟ كما نجده في مبادرة من جهل هذا من الرواة ، أو أحبّ التأكّد من سلامة الروايات في مُسآئلة إمام زمانه عمن سيكون بعده في جملة من الأخبار ؟
هذا مع أنَّ زرارة روى عن الإمام الصادق عليهالسلام قوله : « إعرف إمامك فإنَّك إذا عرفته ، لم يضرك تقدّمَ هذا الأمر أو تأخر » (١).
ترى ، هل يرى هؤلاء أنّ زرارة كان عالماً بوقوع وفاته قبل وفاة إمام زمانه ( الصادق عليهالسلام ) ؟ فلأجل ذلك استغنى عن معرفة من سيكون بعده !
وهل من مثل زرارة ، وهو في مقدمة فقهاء مدرسة أهل البيت عليهمالسلام ، يجهل أو يتجاهل مثل هذا الأمر الخطير ، على فرض عدم علمه المسبق بالنص ؟!
إنّه جهلٌ بحال زرارة ، وبمكانته عند أهل البيت عليهمالسلام وشيعتهم ، وافتراء عليه عظيم ، وهل يعلم أنَّ من زعم أن زرارة مات ولم يعرف إمامة الإمام الكاظم عليهالسلام ، أن زرارة يعلم بالإمام المهدي في زمان الإمام الصادق عليهماالسلام ، وله في ذلك أبيات شعرية معروفة نقلها الجاحظ في كتاب الحيوان (٢).
فهل يعقل من رجل شيعي يعلم بالإمام المهدي قبل ولادته بقرنين من الزمان ثم يجهل آباءه عليهمالسلام !! ولا يتتبع ماورد من آثار في تشخيصهم بالاسم والوصف والعنوان ؟
__________________
(١) اُصول الكافي ١ : ٣٠٣ / ١.
(٢) كتاب الحيوان ٧ : ٤٩ ـ ٥٠.
وأما كونه افتراء على زرارة فهو من الواضح جداً ؛ لأنّ لسان الروايات الواردة في هذا الشأن برجال الكشي ، خلاصتها : أنّ زرارة أرسل ابنه عُبيداً من الكوفة إلى المدينة على أثر وفاة الإمام الصادق عليهالسلام ، ليسأل عن الخبر ، إذ ورد الخبر إلى الكوفة بوفاة الصادق عليهالسلام سنة ١٤٨ ه ، واختلف بعض عوام الشّيعة في معرفة الإمام بعده.
وهذا ليس شيئا نُكْراً ، ولا يقول أحد من الشيعة أنَّ جميع الشّيعة في جميع عصور الأئمة عليهمالسلام يعلمون بتواتر النص على إمامة الأئمة الاثني عشر وبأسمائهم عليهمالسلام.
وإنما نقول : إنَّ الرسول الأعظم صلىاللهعليهوآلهوسلم قد أخبر بأنَّ الخلفاء من بعده اثنا عشر ـ كما سيأتي في الحديث الثاني ـ ، ثمَّ عيّن لجابر الأنصاري ، وسلمان الفارسي ، وحذيفة ( رضي الله عنهم ) وغيرهم. بأنَّ هؤلاء هم الأئمة الاثنا عشر ، كما روى ذلك القندوزي في ينابيع المودة ، والزرندي في نظم درر السمطين ، والخوارزمي الحنفي في مقتل الإمام الحسين عليهالسلام ، وتواتر ذلك عند علماء الشيعة ، فرووا النصّ بأسمائهم عليهمالسلام ، وليس من المُنْكَرِ أن يجهله بعضهم؛ لظروف الأئمة عليهمالسلام في ذلك العصر ، لا سيما في عصر الإمام الكاظم عليهالسلام الذي اشتدت فيه البلية على الشيعة بزج فرعون هذه الاُمّة هارون إمام الاُمّة في ظلمات السجون ، حتى قضى نحبه شهيداً ينادى على جثمانه الطاهر ـ من على جسر بغداد ـ : هذا إمام الرافضة !!
أوَ ينكر هذا ؟!
فلا غرو إذن أن يحصل لبعض الشيعة في المدينة المنورة وغيرها شيء من الجهل المؤقت في إمامة الإمام الكاظم عليهالسلام ، بل وقد حصل أكثر منه
في إمامة غيره عليهالسلام كما هو معلوم في عقائد فرق الشيعة المنحرفة عن جادة الصواب ، للسبب المذكور ، وأسباب اُخرى يطول شرحها ، كحبهم للعاجلة دون الآجلة ، وخلطهم أضغاث الحقّ بأضغاث الباطل ، ونحوها كما هو مسطور في المطوّلات وأُمّهات كتب الشّيعة.
وإذا ما علمت هذا ، فاعلم أنّ في شيعة الكوفة أيضاً مَنْ لم يصل إليه النصّ بالإمام بعد جعفر الصادق عليهالسلام ، وإنْ عَلِم إجمالاً بأنّه لابد وأنْ يكون من ولده. وهؤلاء لا تثريب عليهم أن يسألوا بعد ورود الخبر بوفاة إمامهم عليهالسلام ، عن الإمام الذي سيليه ، ولا شكّ أنهم لا يسألون غير علماء الشيعة وثقاتهم المقربين من الأئمة عليهمالسلام كزرارة وأضرابه.
ومن هنا ابتلي زرارة رضياللهعنه ، إذ كان يُسأل في ذلك الحين ـ كما يظهر من الخبر الصحيح التالي ـ عن الإمام بعد أبي عبد الله عليهالسلام ؟ فيمتنع من الإجابة دون أمر من الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليهالسلام ؛ لشدة التقية في ذلك الحين ، فأرسل ابنه ـ من الكوفة إلى المدينة ـ ليرى رأي الإمام الكاظم عليهالسلام في ذلك.
ويدلّ عليه ، ما رواه الشيخ الصدوق بسند معتبر قال : « حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رضياللهعنه (١) ، قال : حدثنا عليّ بن إبراهيم بن هاشم (٢)
__________________
(١) قال بحقه الصدوق : « وكان رجلاً ثقة ، ديّناً ، فاضلاً رحمة الله عليه ورضوانه » كمال الدين ٢ : ٣٦٩ ذيل الحديث / ٦ باب ٣٤ ( ما أخبر به الكاظم عليهالسلام من وقوع الغيبة ) وقد وثقه سائر علماء الشيعة.
(٢) قال بحقه النجاشي : « ثقة في الحديث ثبت معتمد ، صحيح المذهب ، سمع فأكثر ، وصنف كتباً » رجال النجاشي : ٢٦٠ / ٦٨٠ وقد وثقه سائر علماء الشيعة.
قال : حدثني محمّد بن عيسى بن عبيد (١) ، عن إبراهيم بن محمّد الهمداني رضياللهعنه (٢). قال : قلت للرضا عليهالسلام : يابن رسول الله ! أخبرني عن زرارة ، هل كان يعرف حقَّ أبيك عليهالسلام ؟ قال : نعم ، فقلت له : فلم بعثَ ابنه عُبيداً ليتعرف الخبر إلى من أوصى الصادق جعفر بن محمّد عليهالسلام ؟ فقال عليهالسلام : « إن زرارة كان يعرف أمر أبي عليهالسلام ، ونصَّ أبيه عليه ، وإنما بعث ابنه ليتعرف من أبي عليهالسلام ، هل يجوز له أن يرفع التقية في اظهار أمرهِ ، ونص أبيه عليه ، وأنّه لما أبطأ عنه ابنه ، طولب باظهار قوله في أبي عليهالسلام ، فلم يُحب أن يُقْدِم على ذلك دون أمره ، فرفع المصحف ، وقال : اللّهم إنّ إمامي من أثبت هذا المصحف إمامته من ولد جعفر بن محمّد عليهماالسلام » (٣).
ولنا فيما يؤيد التزام زرارة بالتقية في ذلك الظرف دليلان :
أحدهما : وصية الإمام الصادق عليهالسلام بعد وفاته ، فعن أيّوب النحوي قال : « بعث إليّ أبو جعفر المنصور في جوف الليل ، فأتيته ، فدخلت عليه وهو جالس على كرسي وبين يديه شمعة وفي يده كتاب .. فقال لي : هذا كتاب محمّد بن سليمان يخبرنا أنّ جعفر بن محمّد قد مات .. ثم قال لي : اكتب ، قال : فكتبت صدر الكتاب ، ثم قال : اكتب إن كان أوصى إلى رجل واحد بعينه فقدّمه واضرب عنقه ، قال : فرجع إليه الجواب : أنّه قد أوصى
__________________
(١) قال بحقه النجاشي : « أبو جعفر ، جليل في أصحابنا ، ثقة عين ، كثير الرواية ، حسن التصانيف روى عن أبي جعفر الثاني عليهالسلام مكاتبة ومشافهه » رجال النجاشي ٣٣٣ / ٨٩٦ ووثقه سائر علماء الشيعة.
(٢) من أصحاب الإمام الرضا والجواد والهادي وكان وكيلاً لهم عليهمالسلام حج أربعين حجة ، وقد أورد الكشي ست روايات فيها تصريح الأئمة عليهمالسلام بجلالته والاشادة بفضله وأمر الناس باطاعته ، رجال الكشي : الاحاديث رقم ١٠٠٩ ، ١٠٥٣ ، ١١٣٥ ، ١١٣٦ وغيرها.
(٣) كمال الدين ، للصدوق ١ : ٧٥.
إلى خمسة وأحدهم أبو جعفر المنصور ، ومحمّد بن سليمان ، وعبد الله ، وموسى ، وحميدة » (١).
وقد وردت الرواية هذه بطريق آخر ثابت الصحّة ، عن عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النضر بن سُويد بنحو من هذا ، إلا أنه ذكر أنّه أوصى إلى أبي جعفر المنصور ، وعبد الله ، وموسى ، ومحمّد بن جعفر ، ومولى لأبي عبد الله عليهالسلام. فقال أبو جعفر : «ليس إلى قتل هؤلاء سبيل » (٢).
ويستفاد من هذه الرواية أمران مهمان للغاية :
الأول : احتراز الإمام الصادق عليهالسلام من فتك المنصور بالإمام الكاظم عليهالسلام فيما لو كانت الوصيّة له فقط ، لذا أدخل فيها ما يبطل كيد الخائنين.
الثاني : إنّ حجم التقية واضحٌ في الوصيّة ، وإلا فأيّ صلة بين صادق أهل البيت عليهمالسلام والمنصور الدوانيقي ، حتى يجعله وصياً ؟
ومن هذا يعلم أنّ احتفاظ زرارة بمعرفة الإمام لنفسه لم تكن اعتباطاً.
والآخر : ما رواه الكشي بسنده عن زرارة ، أنّه قال : « والله لو حدّثت بكل ما سمعته من أبي عبد الله عليهالسلام ؛ لانتفخت ذكور الرجال على الخشب » (٣) كناية عن صَلْبهم على جذوع النخيل ، كما هو فعل الطّغاة مِنْ قَبلُ كزياد بن سميّة وأسياده وأتباعه.
__________________
(١) اُصول الكافي ١ : ٣١٠ / ١٣.
(٢) اُصول الكافي ١ : ٣١٠ ـ ٣١١ / ١٤.
(٣) رجال الكشي : ١٣٤ / ٢١٢.
وأخيراً لا بدّ من التذكير بأمرين :
الأول : شهادة الشيخ المتفق على جلالته أبي القاسم الحسين بن روح ( رضي الله تعالى عنه ) لآل زرارة ـ مطلقاً ـ بكلِّ خير ، ابتداء من عميدهم زرارة ، ثم أولاده وأحفاده وصولاً إلى زمان الشيخ الجليل أبي غالب الزراري ، فقال عنهم : « أهل بيتٍ جليل ، عظيم القدر في هذا الأمر » (١).
ترى ، وهل يعني قدسسره ب ( هذا الأمر ) غير أمر الإمامة ؟ وهل يكون الرجل جليلاً وعظيم القدر في أمر الإمامة ، وهو لا يعرف إمام زمانه ؟!!
الثاني : التّنبيه على أن زرارة هو من أصحاب الإمام الكاظم عليهالسلام (٢) وأنه مات بعد سنتين من إمامة الإمام الكاظم عليهالسلام (٣).
ولو فرض أنّ زرارة لم يكن عالماً بالنص على إمامة الإمام الكاظم في حياة أبيه الصادق عليهماالسلام ، وأنّه علم بذلك خلال السنتين اللتين أمضاهما في عهد الإمام الكاظم عليهالسلام. فإنّ هذا لا يلغي النصّ ، خصوصاً وأنّ اعتقاد من مثل زرارة به ـ ولو في وقت غير مبكر ـ يكشف عن اعتقاد زرارة بوجود النص بنحو قاطع وهذا يكفي لاثبات ما نحن فيه ، وهو لا يضر بزرارة على الفرض المذكور.
هذا ما وسعنا أن نقوله بشأن زرارة رضي الله تعالى عنه ، لا بقصد الإيضاح لما خفي على الزاعم ؛ لأنّ ما في هذا البحث يكفي لطالب الحق معرفته ، وللنصّ إثباته ، ونحن نرجوا تأثيره في القلوب المنصفة إذْ لم
__________________
(١) كتاب الغيبة ، للشيخ الطوسي : ١٨٣.
(٢) رجال الشيخ الطوسي : ٣٣٧ / ١. ورجال البرقي : ٤٧.
(٣) رجال النجاشي : ١٧٥ / ٤٦٣. ورجال الشيخ : ٢١٠ / ٩٠.