مطارحات في الفكر والعقيدة

مطارحات في الفكر والعقيدة

المؤلف:


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الرسالة
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-046-3
الصفحات: ١٦٨
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

إدراك العامّة فداحة المواقف السابقة :

أدرك بعض علماء العامّة بعد نهاية القرن الأول فداحة الخطورة الناجمة عن منع تدوين الحديث بشكل رسمي فاستغلوا أمر عمر بن عبدالعزيز بجمع الحديث وتدوينه ، ولكن بعد أن أصابه ما أصابه وداخله ما داخله ، فانطلق هؤلاء ـ وعلى رأسهم الزهري وهو من ألصق الناس بقصور الأمويين ـ يدوّنون ما في جُعَب أصحابهم من تلك الموضوعات والمزوّرات وكثير منهم يظنّ أنّها الحقّ ، وأسقطوا ما خالفها ؛ لأنه من حديث (الشيعة) الذين لم يطاوعوا بني اُميّة عقيدياً ولا سياسياً.

على أن عمر بن عبدالعزيز الذي كان عهده بداية الانفتاح على التدوين عند ( العامّة ) لم يأمر بأخذ السُنّة عن أهلها بل كتب إلى أبي بكر بن محمّد بن عمرو بن حزم أن يكتب إليه بما ثبت عنده من حديث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحديث عمر (١). ولا يخفى عليك ان حديث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنما هو عند أهله الذين اجتباهم الله وطهّرهم ، ولهم من الفضائل في صحاح القوم ما لا يحصى ، وليس عند غيرهم من الحديث حتى يطلب سوى أضغاث من الحق والباطل ، ولو أحبّ ابن عبدالعزيز الحق فعلاً لطلبه من أهله لاممن وقف موقف الخصم اللدود من السُنّة النبوية المطهّرة ، فهو لم يعرف الحق لأنه تجاهل أهله ، لكنه على كلِّ حال فسح المجال أمام رواة الحديث بعد أن أدرك تحقق أغراض المنع بأوضح صورة من ابتعاد الناس عن سُنّة أهل البيت عليهم‌السلام ، وتعلقهم بالسُنّة العمرية التي انتدب الناس لتدوينها تحت ستار حديث الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم !!

__________________

(١) سنن الدارمي ١ : ١٢٦.

١٦١

ومن هنا تجمّعت دواوين الحديث لديهم ، الصحاح والسنن والمسانيد ، فاختلط بالصحيح كذب وباطل كثير ، ابتلوا به إثر تلك السياسة الظالمة الجاهلة الجائرة التي صوّرت لهم الحقّ باطلاً والباطل حقاً !

مخالفتهم للسُنّة العملية :

أمّا في السُنّة العمليّة ، فلقد خالفها أئمة العامّة كثيراً ، عامدين ، وعن علم ، كما فعل عمر بحذف « حيّ على خير العمل » من الأذان ، وكما فعل عثمان بترك التقصير في الصلاة في موسم الحجّ ، وفي زيادة الأذان يوم الجمعة ، وغسل القدمين في الوضوء بدل المسح ، وغيرها كثير ، وكما عمد إليه معاوية من تعمّد تبديل السنن خلافاً للإمام عليّ عليه‌السلام فنقّص التكبير في الصلاة ، ومنع التلبية في الحج ، ورسّخ ما ابتدعه المتقدّمون ، وجاء أنصاره فوضعوا في ذلك أحاديث كثيرة تدعيماً لما أشاعوه.

فممّا حفظته مصادرهم الموثّقة : أنّ الحجاج السفاك قام خطيباً يعلّم الناس الوضوء ! فأمرهم بغسل القدمين ثلاثاً وشدّد على ذلك ، حتى قام أنس بن مالك ، الصحابي خادم الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : صدق الله ، وكذب الحجّاج ! قال الله : ( وامسَحُوا بِرُؤوسِكم وأرجُلَكُم ) (١).

وهكذا خلطوا السُنّة العملية بالباطل والبدع كما صنعوا بالسُنّة القولية

__________________

(١) المائدة ٥ : ٦. وتكذيب أنس للحجاج في مسألة الوضوء في تفسير الطبري ١٠ : ٥٨ / ١١٤٧٥ و ١١٤٧٦ و ١١٤٧٧. وأحكام القرآن ، لابن العربي ٢ : ٥٧٧. والناسخ والمنسوخ ، لابن العربي ٢ : ١٩٨. والمحرر الوجيز ، لابن عطية الاندلسي ٥ : ٤٨. وتفسير الرازي ١١ : ١٦١. والجامع لأحكام القرآن ، للقرطبي المالكي ٦ : ٩٢. وتفسير ابن كثير ٢ : ٢٧ قال : ( اسناده صحيح ). والدر المنثور ٣ : ٢٨ أورده عن سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وغيرهم.

١٦٢

الشريفة !

نتيجة منع الحديث :

ولما كان في ما جمعوه من السنن نقصاً وتشويهاً وتهافتاً حتى اشتهر عن أبي حنيفة النعمان رأس المذهب الحنفي أنّه كان يترك السنن وحديث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويعمل برأيه وقياسه (١) مع وجود الحكم الشرعي الذي نطقت به السُنّة الشريفة المحفوظة عند أهل البيت عليهم‌السلام عدل القرآن الكريم ، كما اضطرّ غالب فقهائهم أيضاً إلى الرأي ، والقياس ، والاستحسان ، والمصالح المرسلة ، وسدّ الذرائع فأدخلوا هذه العناصر كمصادر جديدة للتشريع ، وسموّها ( أُصول الفقه ) ومن تتبع جذور تلك الاَُصول نجدها قد أسهمت وبشكل مباشر في هدم السُنّة ومحاولة إماتتها ؛ ذلك لأن مانعي تدوين الحديث قد منحوا أنفسهم صلاحية واسعة جداً في ميادين الاجتهاد في مقابل نصوص الشريعة الإسلامية ، فقاسوا الاَُمور باشباهها واستحسنوا أموراً أُخرى بأذواقهم ، مما أدّى ذلك إلى تعرّضهم المستمر في بداية الأمر إلى انتقادات الصحابة الآخرين وإثبات أنّ تلك الاجتهادات إنّما هي بدع في الدين لمخالفتها الواضحة لأحاديث الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فكان التراجع عما اجتهدوا به حليفهم ، مما حملهم على اتخاذ الإجراءات الحاسمة لوقف حالة الاعتراض والتذمر عند رؤوس الصحابة ، وذلك بحسم مادتها واقتلاع مصدرها وهو الحديث الشريف ؛ لكي يسلم بذلك قياس زيد واستحسان عمر.

نعم كان من المناسب جداً لبقاء تلك الاجتهادات ـ بل التصرفات التي

__________________

(١) تاريخ بغداد ، للخطيب البغدادي ١٣ : ٤١٢ وما بعدها.

١٦٣

لم توزن بميزان الشرع الحنيف ، وقد بيّنا بعضها في المقدمة ـ بلا معارضة من أحد أن تقوم السلطة بمنع تدوين السُنّة وروايتها ، وتبرير هذا المنع تارةً بحفظ القرآن الكريم وأُخرى بعدم إهماله ونحو هذا من المبررات الواهية ؛ لأن التراجع عن الرأي ـ كلّما بان الخطأ فيه ـ يشكّل إدانة قوية لهم في احتلال غير مواقعهم ، فلا محيص إذن من مخاطبة الصحابة « إنّ حديثكم شرّ الحديث » !! فضلاً عن الخوف من تفشي الواقع في نشر الحديث المنطوي على حق أهل البيت عليهم‌السلام المغتصب ، ذلك الواقع الذي لا تستسيغه السلطة قطعاً ، فكان لابدّ لها من منع الحديث رواية وتدويناً لكي لا يكون بيد الصحابة أدنى سلاح حديثيّ يلوّح به في وجه السلطة اعتراضاً على نمط سياستها ومنهج فقهها.

وبهذا يعلم أنّ أُصول فقههم إنّما نمت على محاولات هدم السُنّة وإماتتها في مهدها ، ومع هذا فإنّك ترى إلى اليوم من يتشدقون بأنّهم متقدّمون على غيرهم في تأسيس علم الاَُصول ! فتنبه إلى ذلك ، واعرف الحق تعرف أهله.

يتضح مما عرضناه وناقشناه في الفصول المتقدمة مدى عدم الموضوعية والانصاف فيما أثاره القوم وسقوط مدعياتهم وتأويلاتهم الفاسدة ، ونترك للقارئ المنصف أن ينظر في المعالجات العلمية الموضوعية بكلِّ ما أُثير من إشكالات وافتراءات على التشيع وما قدمناه من إجابات وحجج أسقطت دعاوى الخصوم وأبانت تهافتهم سواء على مستوى الفكر أو العقيدة.

( واللهُ يهدي من يشاء إلى صراطٍ مستقيم )

والحمد لله ربِّ العالمين ، والصلاة

على محمّد وآله الطاهرين

١٦٤

المحتويات

مقدِّمة المركز............................................................... ٥

مقدِّمة الكتاب............................................................. ٧

المدخل.................................................................... ٩

خطبة لأمير المؤمنين عليه‌السلام حول بدء وقوع الفتن................................ ٩

أشهر مصادر الخطبة........................................................ ٩

إضاءات حول الخطبة...................................................... ١١

الفصل الأول

الإمامة والخلافة وقضية النص.......................................... ٢٥ ـ ٩٩

المبحث الأول : قضيّة النصّ والمنهج النبوي في ترسيخه.......................... ٢٧

مقدمة................................................................... ٢٧

المطلب الأول : الإعداد الفكري والتربوي للإمام عليّ عليه‌السلام..................... ٢٩

المرحلة الأولى من عملية الأعداد............................................ ٢٩

الرعاية النبوية الخاصة للإمام عليّ عليه‌السلام...................................... ٣٠

المورد الأول.............................................................. ٣١

المورد الثاني.............................................................. ٣٢

المرحلة الثانية............................................................. ٣٥

المطلب الثاني : إعداد الاَُمّة وتهيئتها لتولي الإمام عليّ عليه‌السلام الخلافة................. ٣٨

المبحث الثاني : ثبوت تواتر النصّ على الأئمة عليهم‌السلام............................. ٥١

١٦٥

أولاً : الطرق الإجمالية لإثبات إمامة الأئمة من أهل البيت عليهم‌السلام............... ٥١

الحديث الأول : من مات ولم يعرف امام زمانه............................... ٥١

مصادره ، ودلالته................................................. ٥٢ ـ ٥٣

اتهام زرارة بعدم معرفته لإمام زمانه......................................... ٥٤

الردّ على هذا الاتهام وبيان زيفه............................................ ٥٤

الحديث الثاني : الخلفاء اثنا عشر كلهم من قريش............................. ٦١

مصادره ، ودلالته................................................. ٦١ ـ ٦٢

ثانياً : تواتر النصّ عند الشيعة.............................................. ٦٤

المبحث الثالث : الإشكالات المثارة حول قضية النصّ............................ ٦٥

الإشكال الأول : لو كان النصّ موجودا لعمل به الصحابة....................... ٦٦

جوابه : خروج الصحابة على أوامر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله .............................. ٦٦

الإشكال الثاني : ثناء القرآن على الصحابة..................................... ٦٨

جوابه : القرآن لم يثن إلّا على المخلصين من الصحابة............................ ٦٨

الإشكال الثالث : حول ثناء الإمام علي عليه‌السلام على الصحابة...................... ٦٩

جوابه : توضيح موقف الإمام علي عليه‌السلام وشيعته من الصحابة..................... ٦٩

الإشكال الرابع : قبول الإمام علي عليه‌السلام بمبدأ الشورى.......................... ٧١

جوابه : لم تكن شورى بل كانت فلتة......................................... ٧١

تبرّم أمير المؤمنين عليه‌السلام من خرافة الشورى................................... ٧٢

الإشكال الخامس : حول بيعة الإمام علي عليه‌السلام للثلاثة........................... ٧٤

جوابه : سبب بيعة الإمام علي عليه‌السلام بعد الإمتناع............................... ٧٥

الإشكال السادس : حول حديث الغدير وعدم دلالته على النص بلاخلافة........ ٧٦

جوابه : بيان تهافت الإشكال وما نقوله في تنفيده............................... ٧٦

الإشكال السابع : مدح الإمام علي عليه‌السلام وعلاقته بهم........................... ٨٠

١٦٦

جوابه :.................................................................... ٨٠

ثانياً : حجة المصاهرة...................................................... ٨٢

ثالثاً : حجة التسمية...................................................... ٨٣

رابعاً : حجة المعاتبة....................................................... ٨٣

الإشكال الثامن : عدم معرفة زيد الشهيد بالنص لعدم تواتره..................... ٨٤

جوابه : معرفة زيد الشهيد بالنصّ واثبات تواتره................................ ٨٤

الإشكال التاسع : إنقطاع سلسلة الإمامة عند الشيعة بالإمام العسكري عليه‌السلام...... ٨٨

جوابه : إثبات الشيعة تواتر ولادة الإمام المهدي عليه‌السلام............................ ٨٨

المبحث الرابع : تهافت العامّة واضطرابهم في الإمامة والخلافة..................... ٨٩

الفصل الثاني

أكاذيب وافتراءات على الشيعة الإمامية.................................... ١٠١

المبحث الأول : مفتريات حول تحريف القرآن الكريم.......................... ١٠٣

كلمة موجزة عن كتب الحديث عند الفريقين.............................. ١٠٣

أكاذيب حول كتاب الكافي بشأن شبهة التحريف.......................... ١٠٦

رد هذه الاكاذيب ومعالجة تلك الشبهة.................................... ١٠٦

مناقشة أصل الشبهة واثبات تهافت حججهم............................... ١٠٨

الحجة الاُولى : رواية الكليني لروايات التحريف............................. ١٠٩

مناقشة الحجة الاُولى..................................................... ١٠٩

أما الرواية التي شُنَّع بها على الكافي والشيعة أيضاً........................... ١٠٩

نظائر رواية الكافي في كتب العامّة......................................... ١١٣

عودة إلى بعض روايات الكافي............................................ ١١٧

الحجة الثانية : احتجاجهم بعناوين أبواب الكافي............................ ١٢٠

١٦٧

جواب الحجة الثانية..................................................... ١٢١

روايات التحريف في أهم كتب العامّة..................................... ١٢٨

أمثلة أضغاث الباطل في كتب الصحاح.................................... ١٢٨

المبحث الثاني : البَدَاءُ وعلم الله تعالى......................................... ١٣٦

الافتراء على الشيعة بتعريف البَدَاء........................................ ١٣٧

تزييف هذا التعريف وبيان وقاحة مفتريه................................... ١٣٧

نفي الجهل عن ساحته تعالى.............................................. ١٣٩

علم الله تعالى عند الشيعة الإمامية......................................... ١٤٠

توضيح في اطلاق البداء على الله تعالى..................................... ١٤٢

إعتقاد العامّة بتغيير وتبديل ما قُضي وقُدّر.................................. ١٤٦

الفصل الثالث

لمحات عن تاريخ السنّة النبوية الشريفة............................. ١٥١ ـ ١٦٤

نصيب السُنّة النبوية الشريفة عند العامّة.................................... ١٥٣

حسبنا كتاب الله........................................................ ١٥٣

حديث الأريكة......................................................... ١٥٤

إتلاف الأحاديث....................................................... ١٥٥

موقف عمر من السُنّة المطهّرة............................................. ١٥٧

موقف عثمان ومعاوية من السُنّة الشريفة................................... ١٥٩

إدراك العامّة فداحة المواقف السابقة....................................... ١٦١

مخالفتهم للسُنّة العملية................................................... ١٦٢

نتيجة منع الحديث...................................................... ١٦٣

المحتويات............................................................... ١٦٥

١٦٨