شرح ابن عقيل - ج ١

محمّد محيى الدين عبد الحميد

شرح ابن عقيل - ج ١

المؤلف:

محمّد محيى الدين عبد الحميد


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار العلوم الحديثة
الطبعة: ١٤
الصفحات: ٦٨٦
الجزء ١ الجزء ٢

١
٢

مقدمة الطبعة الثانية :

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الحمد لله المنعوت بجميل الصفات ، وصلّى الله على سيدنا محمد أشرف الكائنات ، المبعوث بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كلّه ، وعلى آله وصحبه الذين نصبوا أنفسهم للدفاع عن بيضة الدين حتى رفع الله بهم مناره ، وأعلى كلمته ، وجعله دينه المرضىّ ، وطريقه المستقيم.

وبعد ، فقد كان مما جرى به القضاء أنى كتبت منذ أربع سنين تعليقات على كتاب الخلاصة (الألفية) الذى صنّفه إمام النحاة ، أبو عبد الله جمال الدين محمد ابن مالك المولود بجيان سنة ستمائة من الهجرة ، والمتوفى فى دمشق سنة اثنتين وسبعين وستمائة ، وعلى شرحه الذى صنّفه قاضى القضاة بهاء الدين عبد الله بن عقيل ، المصرى ، الهاشمى ، المولود فى سنة ثمان وتسعين وستمائة ، والمتوفى فى سنة تسع وستين وسبعمائة من الهجرة ، ولم يكن يدور بخلدى ـ علم الله ـ أن تعليقاتى هذه ستحوز قبول الناس ورضاهم ، وأنها ستحلّ من أنفسهم المحلّ الذى حلّته ، بل كنت أقول فى نفسى : «إنه أثر يذكرنى به الإخوان والأبناء ، ولعله يجلب لى دعوة رجل صالح فأكون بذلك من الفائزين».

ثم جرت الأيام بغير ما كنت أرتقب ؛ فإذا الكتاب يروق قرّاءه ، وينال منهم الإعجاب كلّ الإعجاب ، وإذا هم يطلبون إلى فى إلحاح أن أعيد طبعه ، ولم يكن قد مضى على ظهوره سنتان ، ولم أشأ أن أجيب هذه الرغبة إلا بعد أن أعيد النظر فيه ، فأصلح ما عسى أن يكون قد فرط منّى ، أو أتمم بحثا ، أو أبدل عبارة بعبارة أسهل منها وأدنى إلى القصد ، أو أضبط مثالا أو كلمة غفلت عن

٣

ضبطها ، أو ما أشبه ذلك من وجوه التحسين التى أستطيع أن أكافىء بها هؤلاء الذين رأوا فى عملى هذا ما يستحق التشجيع والتنويه به والإشادة بذكره ، وما زالت العوائق تدفعنى عن القيام بهذه الأمنيّة الشريفة وتدودنى عن العمل لتحقيقها ، حتى أذن الله تعالى ، فسنحت لى الفرصة ، فلم أتأخر عن اهتبالها ، وعمدت إلى الكتاب ، فأعملت فى تعليقاتى يد الإصلاح والزيادة والتهذيب ، كما أعملت فى أصله يد التصحيح والضّبط والتحرير ، وسيجد كل قارىء أثر ذلك واضحا ، إن شاء الله.

والله ـ سبحانه وتعالى! ـ المسئول أن يوفقنى إلى مرضاته ، وأن يجعل عملى خالصا لوجهه ، وأن يكتبنى ويكتبه عنده من المقبولين ، آمين.

كتبه المعتز بالله تعالى

محمّد محيى الدين عبد الحميد

٤

مقدمة الطبعة الأولى

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الحمد الله على نعمائه ، وصلاته وسلامه على خاتم أنبيائه ، وعلى آله وأصحابه وأوليائه اللهم إنى أحمدك أرضى الحمد لك ، وأحبّ الحمد إليك ، وأفضل الحمد عندك ، حمدا لا ينقطع عدده ، ولا يفنى مدده.

وأسألك المزيد من صلواتك وسلامك على مصدر الفضائل ، الذى ظلّ ماضيا على نفاذ أمرك ، حتى أضاء الطريق للخابط ، وهدى الله به القلوب ، وأقام به موضحات الأعلام : سيدنا محمد بن عبد الله أفضل خلق الله ، وأكرمهم عليه ، وأعلاهم منزلة عنده ، صلّى الله عليه وعلى صحابته الأخيار ، وآله الأبرار.

ثم أما بعد ، فلعلك لا تجد مؤلّفا ـ ممن صنفوا فى قواعد العربية ـ قد نال من الحظوة عند الناس ، والإقبال على تصانيفه : قراءة ، وإقراء ، وشرحا ، وتعليقا ، مثل أبى عبد الله محمد جمال الدين بن عبد الله بن مالك ، صاحب التآليف المفيدة ، والتصنيفات الممتعة ، وأفضل من كتب فى علوم العربية من أهل طبقته علما ، وأوسعهم اطلاعا ، وأقدرهم على الاستشهاد لما يرى من الآراء بكلام العرب ، مع تصوّن ، وعفة ، ودين ، وكمال خلق.

فلابن مالك مؤلفات فى العربية كثيرة متعددة المشارب ، مختلفة المناحى ، وقلّ أن تجد من بينها كتابا لم يتناوله العلماء منذ زمنه إلى اليوم : بالقراءة ، والبحث ، وبيان معانيه : بوضع الشروح الوافية والتعليقات عليه.

ومن هذه المؤلفات كتابه «الخلاصة» الذى اشتهر بين الناس باسم «الألفية» (١)

__________________

(١) تسمية «الألفية» مأخوذة من قوله فى أولها :

وأستعين الله فى ألفيه

مقاصد النحو بها محويه

وتسمية «الخلاصة» مأخوذة من قوله فى آخرها :

حوى من الكافية الخلاصه

كما اقتضى رضا بلا خصاصه

٥

والذى جمع فيه خلاصة علمى النحو والتصريف ، فى أرجوزة ظريفة ، مع الإشارة إلى مذاهب العلماء ، وبيان ما يختاره من الآراء ، أحيانا.

وقد كثر إقبال العلماء على هذا الكتاب من بين كتبه بنوع خاص ، حتى طويت مصنّفات أئمة النحو من قبله ، ولم ينتفع من جاء بعده بأن يحاكوه أو يدّعوا أنهم يزيدون عليه وينتصفون منه ، ولو لم يشر فى خطبته إلى ألفية الإمام العلامة يحيى زين الدين بن عبد النور الزّواوى الجزائرى ، المتوفى بمصر فى يوم الاثنين آخر شهر ذى القعدة من سنة ٦٢٧ ه‍. والمعروف بابن معط ـ لما ذكره الناس ، ولا عرفوه.

* * *

وشروح هذا الكتاب أكثر من أن تتّسع هذه الكلمة الموجزة لتعدادها ، وبيان مزاياها ، وما انفرد به كل شرح ، وأكثرها لأكابر العلماء ومبرّزيهم : كالإمام أبى محمد عبد الله جمال الدين بن يوسف بن أحمد بن عبد الله بن هشام الأنصارى الشافعى الحنبلى ، المتوفى ليلة الجمعة ، الخامس من شهر ذى القعدة من سنة ٧٦١ ه‍ ، والذى يقول عنه ابن خلدون : «مازلنا ونحن بالمغرب نسمع أنه ظهر بمصر عالم بالعربية ـ يقال له ابن هشام ـ أنحى من سيبويه» اه.

وقد شرح ابن هشام الخلاصة مرتين : إحداهما فى كتابه «أوضح المسالك ، إلى ألفية ابن مالك (١)» ، والثانية فى كتاب سماه «دفع الخصاصة ، عن قرّاء الخلاصة» ويقال : إنه أربع مجلدات ، ويقول السيوطى بعد ذكر هذين الكتابين «وله عدة حواش على الألفية والتسهيل» اه.

وممن شرح الخلاصة العلامة محمد بدر الدين بن محمد بن عبد الله بن مالك ، المتوفى بدمشق فى يوم الأحد ، الثامن من شهر المحرم ، سنة ٦٨٦ ه‍ ، وهو ابن الناظم.

__________________

(١) قد أخرجنا هذا الكتاب إخراجا جيدا ، وشرحناه ثلاثة شروح أخرجنا منها الوجيز والوسيط ، ونسأل الله أن يوفق لإخراج البسيط ؛ فقد أودعناه مالا يحتاج طالب علم العربية إلى ما وراءه.

٦

ومنهم العلامة الحسن بدر الدين بن قاسم بن عبد الله بن عمر ، المرادى ، المصرى المتوفى فى يوم عيد الفطر سنة ٨٤٩ ه‍.

ومنهم الشيخ عبد الرحمن زين الدين أبو بكر المعروف بابن العينى الحنفى المتوفى سنة ٨٤٩ ه

ومنهم الشيخ عبد الرحمن بن على بن صالح المكودىّ ، المتوفى بمدينة فاس سنة ٨٠١ ه

ومنهم أبو عبد الله محمد شمس الدين بن أحمد بن على بن جابر ، الهوّارى ، الأندلسى ، المرسينى ، الضرير.

ومنهم أبو الحسن على نور الدين بن محمد المصرى ، الأشمونى ، المتوفى فى حدود سنة ٩٠٠ ه‍ (١).

ومنهم الشيخ إبراهيم برهان الدين بن موسى بن أيوب ، الأبناسىّ ، الشافعى ، المتوفى فى شهر المحرم من سنة ٨٠٢ ه‍.

ومنهم الحافظ عبد الرحمن جلال الدين بن أبى بكر السّيوطى ، المتوفى سنة ٩١١ ه

ومنهم الشيخ محمد بن قاسم الغزّىّ ، أحد علماء القرن التاسع الهجرى.

ومنهم أبو الخير محمد شمس الدين بن محمد ، الخطيب ، المعروف بابن الجزرى ، المتوفى فى سنة ٨٣٣ ه‍.

ومنهم قاضى القضاة عبد الله بهاء الدين بن عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الله ابن عقيل ، القرشى ، الهاشمى ، العقيلى ـ نسبة إلى عقيل بن أبى طالب ـ الهمدانى الأصل ، ثم البالسى ، المصرى ، المولود فى يوم الجمعة ، التاسع من شهر المحرم من سنة ٦٩٨ ، والمتوفى بالقاهرة فى ليله الأربعاء الثالث والعشرين من شهر ربيع الأول ٧٦٩ ه‍ ، وشرحه هو الذى نعانى إخراجه للناس اليوم.

__________________

(١) قد أخرجنا هذا الكتاب إخراجا دقيقا ، وشرحناه شرحا شاملا جامعا لأشتات الفن وأدلة مسائله ، وظهر منه ـ منذ عهد بعيد ـ أربع مجلدات ضخام ، والله المسئول أن يوفق لإكمال إظهاره بمنه وفضله.

٧

وقد شرح الكتاب ـ غير هؤلاء ـ الكثير من العلماء ، ولست تجد شرحا من هذه الشروح لم يتناوله العلماء : بالكتابة عليه ، وبيان ما فيه من إشارات ، وإكمال ما عسى أن يشتمل عليه من نقص ، وكلّ ذلك ببركة صاحب الأصل المشروح ، وبما ذاع له بين أساطين العلم من شهرة بالفقه فى العربية وسعة الباع.

* * *

وهذه الشروح مختلفة ؛ ففيها المختصر ، وفيها المطول ، فيها المتعقب صاحبه للنّاظم يتحامل عليه ، ويتلمس له المزالق ، وفيها المتحيز له ، والمصحح لكل ما يجىء به ، وفيها الذى اتخذ صاحبه طريقا وسطا بين الإيجاز والإطناب ، والتحامل والتحيز.

ومن هؤلاء الذين سلكوا طريقا بين الطريقين بهاء الدين بن عقيل ؛ فإنه لم يعمد إلى الإيجاز حتى يترك بعض القواعد الهامّة ، ولم يقصد إلى الإطناب ؛ فيجمع من هنا ومن هنا ، ويبين جميع مذاهب العلماء ووجوه استدلالهم ، ولم يتعسف فى نقد الناظم : بحق ، وبغير حق ، كما لم ينحز له بحيث يتقبل كل ما يجىء به : وافق الصواب ، أو لم يوافقه.

ولصاحب هذا الشرح ـ من الشهرة فى الفن والبراعة فيه ، ومن البركة والإخلاص ـ ما دفع علماء العربية إلى قراءة كتابه والاكتفاء به عن أكثر شروح الخلاصة.

* * *

وقد أردت أن أقوم لهذا الكتاب بعمل أتقرب به إلى الله تعالى ، فرأيت ـ فى أول الأمر ـ أن أتمّم ما قصر فيه من البحث : فأبين اختلاف النحويين واستدلالاتهم ثم نظرت فإذا ذلك يخرج بالكتاب عن أصل الغرض منه ، وقد يكون الإطناب باعثا على الازورار عنه ، ونحن فى زمن أقلّ ما فيه من عاب أنك لا تجد راغبا فى علوم العرب إلا فى القليل النادر ؛ لأنهم قوم ذهبت مدنيتهم ، ودالت دولتهم ، وأصبحت الغلبة لغيرهم.

فاكتفيت بما لا بد منه ، من إعراب أبيات الألفية ، وشرح الشواهد شرحا وسطا بين الاقتصار والإسهاب ، وبيان بعض المباحث التى أشار إليها الشارح أو أغفلها بتّة فى عبارة واضحة وفى إيجاز دقيق ، والتذييل بخلاصة مختصرة فى تصريف الأفعال ؛ فإن ابن

٨

مالك قد أغفل ذلك فى «ألفيته» ، ووضع له لامية خاصة ، سماها «لامية الأفعال».

* * *

وأريد أن أنبهك إلى أننى وفّقت فى تصحيح هذه المطبوعة تصحيحا دقيقا ؛ فإنّ نسخ الكتاب التى فى أيدى الناس ـ رغم كثرتها ، وتعدد طبعها ـ ليس فيها نسخة بلغت من الإتقان حدا ينفى عنك الريب والتوقف ؛ فإنك لتجد فى بعضها زيادة ليست فى بعضهما الآخر ، وتجد بينها تفاوتا فى التعبير ، وقد جمع الله تعالى لى بين اثنتى عشرة نسخة مختلفة ، فى زمان الطبع ، ومكانه ، ويسّر لى ـ سبحانه! ـ معارضة بعضها ببعض ، فاستخلصت لك من بينها أكملها بيانا ، وأصحّها تعبيرا ، وأدناها إلى ما أحبّ لك ، فجاءت ـ فيما أعتقد ـ خير ما أخرج للناس من مطبوعات هذا الكتاب.

وقد وضعنا زيادات بعض النسخ بين علامتين هكذا [].

والله ـ سبحانه! ـ المسئول أن ينفع بهذا العمل على قدر العناء فيه ، وأن يجعله فى سبيل الإخلاص فيه لوجهه ؛ إنه الرب المعين ، وعليه التكلان؟

محمد محيى الدين عبد الحميد

٩

بسم الله الرحمن الرحيم

قال محمّد هو ابن مالك :

أحمد ربّى الله خير مالك (١)

مصلّيا على النّبى المصطفى

وآله المستكملين الشّرفا (٢)

__________________

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وحده ، وصلاته وسلامه على من لا نبى بعده.

(١) «قال» فعل ماض «محمد» فاعل «هو» مبتدأ «ابن» خبره «مالك» مضاف إليه ، وكان حق «ابن» أن يكون نعتا لمحمد ، ولكنه قطعه عنه ، وجعله خبرا لضميره ، والأصل أن ذلك إنما يجوز إذا كان المنعوت معلوما بدون النعت حقيقة أو ادعاء ، كما أن الأصل أنه إذا قطع النعت عن إتباعه لمنعوته فى إعرابه ينظر ؛ فإن كان النعت لمدح أو ذم وجب حذف العامل ، وإن كان لغير ذلك جاز حذف العامل وذكره ، والجملة هنا ـ وهى قوله هو ابن مالك ـ ليست للمدح ولا للذم ، بل هى للبيان ؛ فيجوز ذكر العامل وهو المبتدأ ، وإذا فلا غبار على عبارة الناظم حيث ذكر العامل وهو المبتدأ ، والجملة من المبتدأ والخبر لا محل لها من الإعراب معترضة بين القول ومقوله «أحمد» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا «ربى» رب منصوب على التعظيم ، وعلامة نصبه فتحة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم منع من ظهورها اشتغال آخر الكلمة بحركة المناسبة ، ورب مضاف وياء المتكلم مضاف إليه مبنى على السكون فى محل جر «الله» عطف بيان لرب ، أو بدل منه ، منصوب بالفتحة الظاهرة «خير» منصوب بعامل محذوف وجوبا تقديره أمدح ، وقيل : حال لازمة ، وخير مضاف و «مالك» مضاف إليه ، والجملة من أحمد وفاعله وما تعلق به من المعمولات فى محل نصب مفعول به لقال ويقال لها : مقول القول.

(٢) «مصليا» حال مقدرة ، ومعنى كونها مقدرة أنها تحدث فيما بعد ، وذلك لأنه لا يصلى على النبى صلوات الله عليه فى وقت حمده لله ، وإنما تقع منه الصلاة بعد الانتهاء من الحمد ، وصاحبها الضمير المستتر وجوبا فى أحمد «على النبى» جار ومجرور متعلق بالحال «المصطفى» نعت للنبى ، وهو مجرور بكسرة مقدرة على الألف منع من ظهورها التعذر «وآله» الواو عاطفة ، آل : معطوف على النبى ، وآل مضاف. والهاء مضاف

١٠

وأستعين الله فى ألفيّه

مقاصد النّحو بها محويّه (١)

نقرّب الأقصى بلفظ موجز

وتبسط البذل بوعد منجز (٢)

وتقتضى رضا بغير سخط

فاثقة ألفيّة ابن معط (٣)

__________________

إليه ، مبنى على الكسر فى محل جر «المستكملين» نعت لآل ، مجرور بالياء المكسور ما قبلها المفتوح ما بعدها ؛ لأنه جمع مذكر سالم ، وفيه ضمير مستتر هو فاعله «الشرفا» بفتح الشين : مفعول به للمستكملين ، منصوب بالفتحة الظاهرة ، والألف للاطلاق ، أو بضم الشين نعت ثان للآل ، مجرور بكسرة مقدرة على الألف ؛ إذ هو مقصور من الممدود ـ وأصله «الشرفاء» جمع شريف ككرماء وظرفاء وعلماء فى جمع كريم وظريف وعليم ـ وعلى هذا الوجه يكون مفعول قوله المستكملين محذوفا ، وكأنه قد قال : مصليا على الرسول المصطفى وعلى آله المستكملين أنواع الفضائل الشرفاء.

(١) «وأستعين» الواو حرف عطف ، أستعين : فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا «الله» منصوب على التعظيم ، والجملة من الفعل وفاعله وما تعلق به من المعمولات فى محل نصب معطوفة على الجملة السابقة الواقعة مفعولا به لقال «فى ألفيه» جار ومجرور متعلق بأستعين «مقاصد» مبتدأ ، ومقاصد مضاف و «النحو» مضاف إليه «بها» جار ومجرور متعلق بمحوية «محويه» خبر المبتدأ ، وجملة المبتدأ وخبره فى محل جر نعت أول لألفية.

(٢) «تقرب» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هى يعود إلى ألفية «الأقصى» مفعول به لتقرب «بلفظ» جار ومجرور متعلق بتقرب «موجز» نعت للفظ «وتبسط» الواو حرف عطف ، تبسط : فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هى يعود إلى ألفية أيضا «البذل» مفعول به لتبسط «بوعد» جار ومجرور متعلق بتبسط «منجز» نعت لوعد ، وجملتا الفعلين المضارعين اللذين هما «تقرب» و «تبذل» مع فاعليهما الضميرين المستترين وما يتعلق بكل منهما فى محل جر عطف على الجملة الواقعة نعتا لألفية ، والجملتان نعتان ثان وثالث لألفية.

(٣) «وتقتضى» الواو حرف عطف ، تقتضى : فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هى يعود إلى ألفية «رضا» مفعول به لتقتضى «بغير» جار ومجرور متعلق بمحذوف نعت لرضا ، وغير مضاف و «سخط» مضاف إليه «فائقة»

١١

وهو بسبق حائز تفضيلا

مستوجب ثنائى الجميلا (١)

والله يقضى بهبات وافره

لى وله فى درجات الآخره (٢)

__________________

حال من الضمير المستتر فى تقتضى ، وفاعل فائقة ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هى «ألفية» مفعول به لاسم الفاعل ، وألفية مضاف و «ابن» مضاف إليه ، وابن مضاف و «معط» مضاف إليه ، وجملة «تقتضى» مع فاعله وما تعلق به من المعمولات فى محل جر عطف على الجملة الواقعة نعتا لألفية أيضا.

(١) «وهو» الواو للاستئناف ، وهو : ضمير منفصل مبتدأ «بسبق» جار ومجرور متعلق بحائز الآتى بعد ، والباء للسببية «حائز» خبر المبتدأ «تفضيلا» مفعول به لحائز ، وفاعله ضمير مستتر فيه «مستوجب» خبر ثان لهو ، وفاعله ضمير مستتر فيه «ثنائى» ثناء : مفعول به لمستوجب ، وثناء مضاف وياء المتكلم مضاف إليه «الجميلا» نعت لثناء ، والألف للاطلاق.

(٢) «والله» الواو للاستئناف ، ولفظ الجلالة مبتدأ «يقضى» فعل مضارع مرفوع بضمة مقدرة على الياء ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الله ، والجملة من الفعل الذى هو يقضى والفاعل فى محل رفع خبر المبتدأ «بهبات» جار ومجرور متعلق بيقضى «وافره» نعت لهبات «لى ، وله ، فى درجات» كل واحد منهن جار ومجرور وكلهن متعلقات بيقضى ، ودرجات مضاف و «الاخره» مضاف إليه مجرور وعلامة جره الكسرة الظاهرة ، وسكنه لأجل الوقف ، وكان من حق المسلمين عليه أن يعمهم بالدعاء ؛ ليكون ذلك أقرب إلى الإجابة.

تنبيه : ابن معط هو الشيخ زين الدين ، أبو الحسين ، يحيى بن عبد المعطى بن عبد النور الزواوى ـ نسبة إلى زواوة ، وهى قبيلة كبيرة كانت تسكن بظاهر بجاية من أعمال إفريقيا الشمالية ـ الفقيه الحنفى.

ولد فى سنة ٥٦٤ ، وأقرأ العربية مدة بمصر ودمشق ، وروى عن القاسم بن عساكر وغيره ، وهو أجل تلامذة الجزولى ، وكان من المتفردين بعلم العربية ، وهو صاحب الألفية المشهورة وغيرها من الكتب الممتعة ، وقد طبعت ألفيته فى أوربا ، وللعلماء عليها عدة شروح.

وتوفى فى شهر ذى القعدة من سنة ٦٢٨ بمصر ، وقبره قريب من تربة الإمام الشافعى رضى الله عنهم جميعا (انظر ترجمته فى شذرات الذهب لابن العماد ٥ / ١٢٩ ، وفى بغية الوعاة للسيوطى ص ٤١٦ ، وانظر النجوم الزاهرة ٦ / ٢٧٨.

١٢

الكلام وما يتألّف منه (١)

كلامنا لفظ مفيد : كاستقم

واسم ، وفعل ، ثمّ ، حرف الكلم (٢)

واحده كلمة ، والقول عمّ ،

وكلمة بها كلام قد يؤم (٣)

__________________

(١) «الكلام» خبر لمبتدأ محذوف على تقدير مضافين ، وأصل نظم الكلام «هذا باب شرح الكلام وشرح ما يتألف الكلام منه» فحذف المبتدأ ـ وهو اسم الإشارة ـ ثم حذف الخبر ـ وهو الباب. فأفيم «شرح» مقامه ، فارتفع ارتفاعه. ثم حذف «شرح» أيضا وأقيم «الكلام» مقامه. فارتفع كما كان الذى قبله «وما» الواو عاطفة و «ما» اسم موصول معطوف على الكلام بتقدير مضاف : أى شرح ما يتألف. و «يتألف» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الكلام ، و «منه» جار ومجرور متعلق بيتألف ، والجملة من الفعل الذى هو يتألف والفاعل لا محل لها من الإعراب صلة الموصول.

(٢) «كلامنا» كلام : مبتدأ. وهو مضاف ونا مضاف إليه ، مبنى على السكون فى محل جر «لفظ» خبر المبتدأ «مفيد» نعت للفظ ، وليس خبرا ثانيا «كاستقم» إن كان مثالا فهو جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف ، والتقدير : وذلك كاستقم وإن كان من تمام تعريف الكلام فهو جار ومجرور أيضا متعلق بمحذوف نعت لمفيد «واسم» خبر مقدم «وفعل ، ثم حرف» معطوفان عليه الأول بالواو والثانى بثم «الكلم» مبتدأ مؤخر ، وكأنه قال : كلام النحاة هو اللفظ الموصوف بوصفين أحدهما الإفادة والثانى التركيب المماثل لتركيب استقم ، والكلم ثلاثة أنواع أحدها الاسم وثانيها الفعل وثالثها الحرف. وإنما عطف الفعل على الاسم بالواو لقرب منزلته منه حيث يدل كل منهما على معنى فى نفسه ، وعطف الحرف بثم لبعد رتبته.

(٣) «واحده كلمة» مبتدأ وخبر ، والجملة مستأنفة لا محل لها من الإعراب «والقول» مبتدأ «عم» يجوز أن يكون فعلا ماضيا ، وعلى هذا يكون فاعله ضميرا مستترا فيه جوازا تقديره هو يعود إلى القول ، والجمله من الفعل والفاعل فى محل رفع خبر المبتدأ ، ويجوز أن يكون «عم» اسم تفضيل ـ وأصله أعم ـ حذفت همزته كما

١٣

الكلام المصطلح عليه عند النحاه عبارة عن «اللفظ المفيد فائدة يحسن السكوت عليها» فاللفظ : جنس يشمل الكلام ، والكلمة ، والكلم ، ويشمل المهمل كـ «ديز» والمستعمل كـ «عمرو» ، ومفيد : أخرج المهمل ، و «فائدة يحسن السكوت عليها» أخرج الكلمة ، وبعض الكلم ـ وهو ما تركب من ثلاث كلمات فأكثرو لم يحسن السكوت عليه ـ نحو : إن قام زيد.

ولا يتركب الكلام إلا من اسمين ، نحو «زيد قائم» ، أو من فعل واسم كـ «قام زيد» وكقول المصنف «استقم» فإنه كلام مركب من فعل أمر وفاعل مستتر ، والتقدير : استقم أنت ؛ فاستغنى بالمثال عن أن يقول «فائدة يحسن السكوت عليها» فكأنه قال : «الكلام هو اللفظ المفيد فائدة كفائدة استقم».

وإنما قال المصنف «كلامنا» ليعلم أن التعريف إنما هو للكلام فى اصطلاح النحويين ؛ لا فى اصطلاح اللغويين ، وهو فى اللغة : اسم لكل ما يتكلّم به ، مفيدا كان أو غير مفيد.

__________________

حذفت من خير وشر لكثرة استعمالهما وأصلهما أخير وأشر ؛ بدليل مجيئهما على الأصل أحيانا. كما فى قول الراجز.

*بلال خير النّاس وابن الأخير*

وقد قرىء (سيعلمون غدا من الكذاب الأشر) بفتح الشين وتشديد الراء ، وعلى هذا يكون أصل «عم» أعم كما قلنا ؛ وهو على هذا الوجه خبر للمبتدأ «وكلمة» مبتدأ أول «بها» جار ومجرور متعلق بيؤم الآتى «كلام» مبتدأ ثان «قد» حرف تقليل «يؤم» فعل مضارع مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على كلام ، والجملة من الفعل ونائب الفاعل فى محل رفع خبر المبتدأ الثانى ، وجملة المبتدأ الثانى وخبره فى محل رفع خبر المبتدأ الأول ، ومعنى «يؤم» يقصد ، وتقدير البيت : ولفظ كلمة معنى الكلام قد يقصد بها ، يعنى أن لفظ الكلمه قد يطلق ويفصد بها المعنى الذى يدل عليه لفظ الكلام ، ومثال ذلك ما ذكر الشارح من

١٤

والكلم : اسم جنس (١) واحده كلمة ، وهى : إما اسم ، وإما فعل ، وإما حرف ؛ لأنها إن دلّت على معنى فى نفسها غير مقترنة بزمان فهى الاسم ، وإن اقترنت بزمان فهى الفعل ، وإن لم تدل على معنى فى نفسها ـ بل فى غيرها ـ فهى الحرف.

والكلم : ما تركب من ثلاث كلمات فأكثر ، كقولك : إن قام زيد.

والكلمة : هى اللفظ الموضوع لمعنى مفرد ؛ فقولنا «الموضوع لمعنى» أخرج المهمل كديز ، وقولنا «مفرد» أخرج الكلام ؛ فإنه موضوع لمعنى غير مفرد.

__________________

أنهم قالوا «كلمة الإخلاص» وقالوا «كلمة التوحيد» وأرادوا بذينك قولنا : «لا إله إلا الله» وكذلك قال عليه الصلاة والسّلام : «أفضل كلمة قالها شاعر كلمة لبيد» وهو بريد قصيدة لبيد بن ربيعة العامرى التى أولها :

ألا كل شىء ما خلا الله باطل

وكلّ نعيم لا محالة زائل

(١) اسم الجنس على نوعين : أحدهما يقال له اسم جنس جمعى ، والثانى يقال له اسم جنس إفرادى ؛ فأما اسم الجنس الجمعى فهو «ما يدل على أكثر من اثنين ، ويفرق بينه وبين واحده بالتاء» ، والتاء غالبا تكون فى للفرد كبقرة وبقر وشجرة وشجر ، ومنه كلم وكلمة ، وربما كانت زيادة التاء فى الدال على الجمع مثل كمء للواحد وكمأة للكثير ، وهو نادر. وقد يكون الفرق بين الواحد والكثير بالياء. كزنج وزنجى ، وروم ورومى ، فأما اسم الجنس الإفرادى فهو «ما يصدق على الكثير والقليل واللفظ واحد» كماء وذهب وخل وزيت.

فإن قلت : فإنى أجد كثيرا من جموع التكسير يفرق بينها وبين مفردها بالتاء كما يفرق بين اسم الجنس الجمعى وواحده ، نحو قرى وواحدة قرية ، ومدى وواحدة مدية ، فبما ذا أفرق بين اسم الجنس الجمعى وما كان على هذا الوجه من الجموع؟.

فالجواب على ذلك أن تعلم أن بين النوعين اختلافا من وجهين ؛ الوجه الأول : أن الجمع لا بد أن يكون على زنة معينة من زنات الجموع المحفوظة المعروفة ، فأما اسم الجنس الجمعى فلا يلزم فيه ذلك ، أفلا ترى أن بقرا وشجرا وثمرا لا يوافق زنة من زنات الجمع! والوجه الثانى : أن الاستعمال العربى جرى على أن الضمير وما أشبهه يرجع إلى اسم الجنس الجمعى مذكرا كقول الله تعالى : (إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا) وقوله جل شأنه : (إِلَيْهِ

١٥

ثم ذكر المصنف ـ رحمه الله تعالى! ـ أن القول يعمّ الجميع ، والمراد أنه يقع على الكلام أنه قول ، ويقع أيضا على الكلم والكلمة أنه قول ، وزعم بعضهم أن الأصل استعماله فى المفرد.

ثم ذكر المصنف أن الكلمة قد يقصد بها الكلام ، كقولهم فى «لا إله إلّا الله» : «كلمة الإخلاص».

وقد يجتمع الكلام والكلم فى الصّدق ، وقد ينفرد أحدهما.

فمثال اجتماعهما «قد قام زيد» فإنه كلام ؛ لإفادته معنى يحسن السكوت عليه ، وكلم ؛ لأنه مركب من ثلاث كلمات.

ومثال انفراد الكلم «إن قام زيد» (١).

ومثال انفراد الكلام «زيد قائم» (٢).

* * *

بالجرّ والتّنوين والنّدا ، وأل

ومسند ـ للاسم تمييز حصل (٣)

ذكر المصنف ـ رحمه الله تعالى! ـ فى هذا البيت علامات الاسم.

__________________

يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ) فأما الجمع فإن الاستعمال العربى جرى على أن يعود الضمير إليه مؤنثا ، كما تجد فى قوله تعالى : (لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِها غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ) وقوله سبحانه : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) وكقول الشاعر :

فى غرف الجنّة العليا الّتى وجبت

لهم هناك بسعى كان مشكور

(١) لم يكن هذا المثال ونحوه كلاما لأنه لا يفيد معنى يحسن السكوت عليه.

(٢) لم يكن هذا المثال ونحوه كلما لأنه ليس مؤلفا من ثلاث كلمات.

(٣) «بالجر» جار ومجرور متعلق بقوله «حصل» الآتى آخر البيت ، ويجوز أن يكون متعلقا بمحذوف خبر مقدم مبتدؤه المؤخر هو قوله «تمييز» الآتى «والتنوين ، والندا ، وأل ، ومسند» كلهن معطوفات على قوله الجر «للاسم» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم إن جعلت قوله بالجر متعلقا بحصل ، فإن جعلت بالجر خبرا مقدما ـ وهو الوجه الثانى ـ كان هذا متعلقا بحصل «تمييز» مبتدأ مؤخر ، وقد عرفت أن خبره واحد

١٦

فمنها الجر ، وهو يشمل الجرّ بالحرف والإضافة والتبعية ، نحو «مروت بغلام زيد الفاضل» فالغلام : مجرور بالحرف ، وزيد : مجرور بالإضافة ، والفاضل : مجرور بالتّبعية ، وهو أشمل من قول غيره «بحرف الجر» ؛ لأن هذا لا يتناول الجرّ بالإضافة ، ولا الجرّ بالتبعية.

ومنها التنوين ، وهو على أربعة أقسام (١) : تنوين التمكين ، وهو اللاحق للأسماء المعربة ، كزيد ، ورجل ، إلا جمع المؤنث السالم ، نحو «مسلمات» وإلا نحو «جوار ، وغواش» وسيأتى حكمهما. وتنوين التنكير ، وهو اللاحق للأسماء المبنية فرقا بين معرفتها ونكرتها ، نحو «مررت بسيبويه وبسيبويه آخر». وتنوين المقابلة ، وهو اللاحق لجمع المؤنث السالم ، نحو «مسلمات» فإنه فى مقابلة النون فى جمع المذكر السالم كمسلمين. وتنوين العوض ، وهو على ثلاثة أقسام : عوض عن جملة ، وهو الذى يلحق «إذ» عوضا عن جملة تكون بعدها ، كقوله تعالى : (وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ) أى : حين إذ بلغت الرّوح الحلقوم ؛ فحذف «بلغت الروح الحلقوم» وأتى بالتنوين عوضا عنه ؛ وقسم يكون عوضا عن اسم ، وهو اللاحق لـ «كلّ» عوضا عما تضاف إليه ، نحو «كلّ قائم» أى : «كلّ إنسان قائم» فحذف «إنسان» وأتى بالتنوين عوضا عنه (٢) ،

__________________

من اثنين «حصل» فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى تمييز ، والجملة فى محل رفع نعت لتمييز ، وتقدير البيت : التمييز الحاصل بالجر والتنوين والندا وأل والإسناد كائن للاسم ، أو التمييز الحاصل للاسم عن أخويه الفعل والحرف كائن بالجر والتنوين والنداء وأل والإسناد : أى كائن بكل واحد من هذه الخمسة.

(١) فى نسخة «وهو أقسام» بدون ذكر العدد ، والمراد ـ على ذكر العدد ـ أن المختص بالاسم أربعة أقسام

(٢) ومنه قول الله تعالى : (قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ) وقوله جل شأنه : (كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ) وقوله تباركت كلماته : (كُلًّا نُمِدُّ هؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ) ومثل

١٧

وقسم يكون عوضا عن حرف ، وهو اللاحق لـ «جوار ، وغواش» ونحوهما رفعا وجرّا ، نحو «هؤلاء جوار ، ومررت بجوار» فحذفت الياء وأتى بالتنوين عوضا عنها.

وتنوين الترنم (١) ، وهو الذى يلحق القوافى المطلقة بحرف علّة ، كقوله :

(١) ـ

أقلّى اللّوم ـ عاذل ـ والعتابن

وقولى ـ إن أصبت ـ : لقد أصابن

__________________

كل فى هذا الموضوع كلمة «بعض» ومن شواهد حذف المفرد الذى من حق «بعض» أن يضاف إليه والإتيان بالتنوين عوضا عنه قول رؤبة بن العجاج فى مطلع أرجوزة طويلة يمدح فيها تميما :

داينت أروى والدّيون تقضى

فمطلت بعضا وأدّت بعضا

يريد فمطلت بعض الدين وأدت بعضه الآخر.

(١) هذا النوع خامس وقد ذكره وما بعده استطرادا.

١ ـ هذا بيت من الطويل ، لجرير بن عطية بن الخطفى ، أحد الشعراء المجيدين ، وثالث ثلاثة ألقيت إليهم مقادة الشعراء فى عصر بنى أمية ، وأولهم الفرزدق ، وثانيهم الأخطل.

اللغة : «أقلى» أراد منه فى هذا البيت معنى اتركى ، والعرب تستعمل القلة فى معنى النفى بتة ، يقولون : قل أن يفعل فلان كذا ، وهم يريدون أنه لا يفعله أصلا «اللوم» العذل والتعنيف «عاذل» اسم فاعل مؤنث بالتاء المحذوفة للترخيم ، وأصله عاذلة ، من العذل وهو اللوم فى تسخط ، و «العتاب» التقريع على فعل شىء أو تركه.

المعنى : اتركى أيتها العاذلة هذا اللوم والتعنيف ؛ فإنى لن أستمع لما تطلبين : من الكف عما آتى من الأمور ، والفعل لما أذر منها ، وخير لك أن تعترفى بصواب ما أفعل

الإعراب : «أقلى» فعل أمر ـ من الإقلال ـ مسند للياء التى لمخاطبة الواحدة مبنى على حذف النون ، وياء المؤنثة المخاطبة فاعل ، مبنى على السكون فى محل رفع «اللوم» مفعول به لأقلى «عاذل» منادى مرخم حذفت منه ياء النداء ، مبنى على ضم الحرف المحذوف فى محل نصب ، وأصله يا عاذلة «والعتابا» الواو عاطفة ، العتابا : معطوف على اللوم «وقولى» فعل أمر ، والياء فاعله «إن» حرف شرط «أصبت»

١٨

فجىء بالتنوين بدلا من الألف لأجل الترنم ، وكقوله :

(٢) ـ

أزف التّرحّل غير أنّ ركابنا

لمّا تزل برحالنا وكأن قدن

__________________

فعل ماض فعل الشرط ، وتاء المتكلم أو المخاطبة فاعله. وهذا اللفظ يروى بضم التاء على أنها للمتكلم ، وبكسرها على أنها للمخاطبة «لقد أصابا» جملة فى محل نصب مقول القول ، وجواب الشرط محذوف يدل عليه ما قيله ، والتقدير : إن أصبت فقولى لقد أصابا ، وجملة الشرط وجوابه لا محل لها معترضة بين القول ومقوله.

الشاهد فيه : قوله : «والعتابن ، وأصابن» حيث دخلهما ، فى الإنشاد ، تنوين الترنم ، وآخرهما حرف العلة ، وهو هنا ألف الإطلاق ، والقافية التى آخرها حرف علة تسمى مطلقة.

٢ ـ هذا البيت للنابغة الذبيانى ، أحد فحول شعراء الجاهلية ، وثالث شعراء الطبقة الأولى منهم ، والحكم فى سوق عكاظ ، من قصيدة له يصف فيها المنجردة زوج النعمان ابن المنذر ، ومطلعها :

من آل ميّة رائح أو مغتدى

عجلان ذا زاد وغير مزوّد؟

اللغة : «رائح» اسم فاعل من راح يروح رواحا ، إذا سار فى وقت العشى «مغتدى» اسم فاعل من اغتدى الرجل يغتدى ، إذا سار فى وقت الغداة ، وهى من الصبح إلى طلوع الشمس ، وأراد بالزاد فى قوله «عجلان ذا زاد» ما كان من تسليم مية عليه أوردها تحيته «أزف» دنا وقرب ، وبابه طرب ، ويروى «أفد» وهو بوزنه ومعناه «الترحل» الارتحال «تزل» ـ مضموم الزاى ـ مضارع زال ، وأصله تزول ، فحذفت الواو ـ عند الجزم ـ للتخلص من التقاء الساكنين.

المعنى : يقول فى البيت الذى هو المطلع : أتمضى أيها العاشق مفارقا أحبابك اليوم مع العشى أو غدا مع الغداة؟ وهل يكون ذلك منك وأنت عجلان ، تزودت منهم أو لم تنزود ، ثم يقول فى البيت الشاهد : لقد قرب موعد الرحيل ، إلا أن الركاب لم تغادر مكان أحبابتا بما عليها من الرحال ، وكأنها قد زالت لقرب موعد الفراق.

الإعراب : «أزف» فعل ماض «الترحل» فاعل «غير» نصب على الاستثناء «أن» حرف توكيد ونصب «ركابنا» ركاب : اسم أن ، والضمير المتصل مضاف إليه «لما» حرف نفى وجزم «تزل» فعل مضارع مجزوم بلما «برحالنا» برحال : جار

١٩

والتنوين الغالى ـ وأثبته الأخفش ـ وهو الذى يلحق القوافى المقيّدة ، كقوله :

(٣) ـ

*وقاتم الأعماق خاوى المخترقن*

__________________

ومجرور متعلق بتزول ، ورحال مضاف و «نا» مضاف إليه «كأن» حرف تشبيه ونصب ، واسمها ضمير الشأن ، وخبرها جملة محذوفة تقديرها «وكأن قد زالت» فحذف الفعل وفاعله المستتر فيه ، وأبقى الحرف الذى هو قد.

الشاهد فيه : فى هذا البيت شاهدان للنحاة ؛ أولهما دخول التنوين الذى للترنم على الحرف ، وهو قد ؛ فذلك يدل على أن تنوين الترنم لا يختص بالاسم ؛ لأن الشىء إذا اختص بشىء لم يجىء مع غيره ، والثانى فى تخفيف «كأن» التى للتشبيه ، ومجىء اسمها ضمير الشأن ، والفصل بينها وبين خبرها بقد ، لأن الكلام إثبات. ولو كان نفيا لكان الفصل بلم ، كما فى قوله تعالى : (كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا) ومثل هذا البيت فى الاستشهاد على ذلك قول الشاعر :

لا يهولنّك اصطلاء لظى الحر

ب ؛ فمحذورها كأن قد ألمّا

وسيأتى شرح ذلك فى باب إن وأخواتها.

٣ ـ هذا البيت لرؤبة بن العجاج ، أحد الرجاز المشهورين ، وأمضغهم للشيخ والقيصوم ، والذى أخذ عنه العلماء أكثر غريب اللغة ، وكان فى عصر بنى أمية ، وبعده :

*مشتبه الاعلام لمّاع الخفقن*

اللغة : «القاتم» كالأقتم : الذى تعلوه القتمة ، وهى لون فيه غبرة وحمرة ، و «أعماق» جمع عمق ـ بفتح العين ، وتضم ـ وهو : ما بعد من أطراف الصحراء. و «الخاوى» الخالى ، و «المخترق» مهب الرياح ، وهو اسم مكان من قولهم : خرق المفازة واخترقها ، إذا قطعها ومر فيها ، و «الأعلام» علامات كانوا يضعونها فى الطريق للاهتداء بها ، واحدها علم بفتح العين واللام جميعا ، و «الخفق» اضطراب السراب ، وهو الذى تراه نصف النهار كأنه ماء ، وأصله بسكون الفاء ، فحركها بالفتح ضرورة.

المعنى : كثير من الأمكنة التى لا يهتدى أحد إلى السير فيها لشدة التباسها وخفائها قد أعملت فيها ناقتى وسرت فيها ، يريد أنه شجاع شديد الاحتمال ، أو أنه عظيم الخبرة بمسالك الصحراء.

٢٠