شرح شافية ابن الحاجب - ج ٤

الشيخ رضي الدين محمّد بن الحسن الاستراباذي النحوي

شرح شافية ابن الحاجب - ج ٤

المؤلف:

الشيخ رضي الدين محمّد بن الحسن الاستراباذي النحوي


المحقق: محمّد محيى الدين عبد الحميد
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥١٢

١
٢

بسم الله الرّحمن الرّحيم

وبه العون

الحمد لله رب العالمين ، وصلّى الله على سيدنا محمد أفضل المرسلين ، وعلى آله وأصحابه الطاهرين ، وسلّم تسليما كثيرا إلى يوم الدين

وبعد ؛ فلما فرغت بتوفيق الله من شرح شواهد الكافية لنجم الأئمة الشيخ الرّضى الأستراباذى (١) ، رحمه‌الله وتجاوز عنه ، رأيت أن ألحق به شرح أبيات شواهد الشافية له أيضا ، وهى مائة وستة وتسعون بيتا (٢) ؛ لكونهما ككتاب واحد متنا وشرحا ، فكذلك ينبغى أن يكون شرح أبياتهما

وأشار إلىّ بعض الأفاضل بأن أضم إليها أبيات شرح المحقق العلامة أحمد ابن الحسن الجاربردى التى انفرد بها ؛ لمسيس الحاجة إليها لكثرة تداولها تدريسا ومراجعة ، حتى يعم النفع ، وهى اثنان وخمسون بيتا ، فأجبته إلى ذلك

وشرعت مستعينا بالله ذى الطّول والإعانة ، فى يوم الخميس الرابع والعشرين من جمادى الآخرة من سنة تسع وسبعين وألف ؛ أسأل الله إتمامه ، والنفع به ، آمين

__________________

(١) الأستراباذى : نسبة إلى مدينة أستراباذ ، وهى بفتح الهمزة وسكون السين بعدها تاء مثناة مفتوحة وآخره ذال معجمة : بلدة كبيرة مشهورة من أعمال طبرستان بين سارية وجرجان

(٢) ترك المؤلف بعض الشواهد فلم يتكلم عليها ، ولعل عذره فى ذلك اختلاف النسخ ، وتجد ذلك موضحا تمام التوضيح فى حواشينا على شرح الشافية ؛ فقد نبهنا هناك على الأبيات التى لم يشرحها ، وذكرنا ما سقط منها من بعض نسخ الشرح

٣

أبنية الاسم

أنشد الجاربردى (ص ١٩) [من الرجز]

١ ـ فهوذا ؛ فقد رجا النّاس الغير

من أمرهم على يديك والثّؤر (١)

من آل صعفوق وأتباع أخر

الطّامعين لا يبالون الغمر (٢)

على أن صعفوقا على فعلول بالفتح نادر ، وهو الذى قلّ وجوده وإن كان على القياس ، والشاذ : هو الذى على خلاف القياس ، وإن كان كثيرا ، والضعيف :

هو الذى فى ثبوته كلام

قال الإمام أبو منصور موهوب بن أحمد الجواليقى فى كتاب المعربات : صعفوق اسم أعجمى ، وقد تكلمت به العرب ، يقال : بنو صعفوق خول باليمامة ، وقال العجاج :

*فهو ذا لقد رجا الناس الغير*

إلى آخر الأبيات ، وقال يخاطب عمر بن عبيد الله بن معمر «هو ذا» أى الأمر هو الذى ذكرته من مدحى لعمر ، و «الغير» : أى رجوا أن يتغير أمرهم من فساد إلى صلاح بامارتك ونظرك فى أمرهم ودفع الخوارج عنهم ؛ والثؤر : جمع ثؤرة ، وهو الثأر ، أى أمّلوا أن تثأر بمن قتلت الخوارج من المسلمين انتهى ، ونقله الجاربردى

وعمر بن عبيد الله هذا كان عبد الملك بن مروان ولاه حرب أبى فديك الحرورى ، فأوقع به ، وأراد العجاج تحقير أمر الخوارج ، فوصفهم بأنهم سوقة

__________________

(١) فى ديوان العجاج (ص ١٦) *ها فهو ذا ، فقد رجا ...* وفى اصول الكتاب *... لقد رجا الناس ...*

(٢) فى شرح الجاربردى*الطاعمين ...* وفى أصول كتابنا *الطاعنين ...* وفى ديوان العجاج *من طامعين ...*

٤

وعبيد ، وأتباع ، اجتمعوا إلى [أبى] فديك ، وليسوا ممن يقاتل على حسب ويرجع إلى دين صحيح ومنصب ، والرواية هنا «فهو ذا فقد رجا» بسكون هاء (١) فهو ، ومعناه خذ أبا فديك فهو هذا قد أمكنك ، والناس قد رجوا أن يغير الله هذه الحال على يديك ، ويثأر لهم من الخوارج ، والثؤرة بالهمز كعقدة ، وجمعها ثؤر كعقد ، بمعنى الثأر أيضا بالهمز ، ويسهل ، وهو الحقد ، يقال : ثأرت القتيل ، وثأرت به ، من باب نفع ؛ إذا قتلت قاتله ، وقد جمعهما الشاعر فقال [من الطويل] :

طلبت به ثأرى فأدركت ثؤرثى

بنى عامر هل كنت فى ثؤرتى نكسا (٢)

والنكس ـ بالكسر ـ : الضعيف العاجز ، والغير ـ بكسر ففتح ـ اسم من قولك : غيرت الشىء تغييرا ، ويأتى جمع غيرة أيضا ، بمعنى الدية ، وليس هذا بمراد هنا ، يقال : غارنى الرجل يغيرنى : أى أعطانى الدية ، والاسم الغيرة بالكسر وجمعها غير ، قال هدبة بن الخشرم [من البسيط] :

لنجد عنّ بأيدينا أنوفكم

بني أميّة إن لم تقبلوا الغيرا

قال ابن السيّد فى شرح أدب الكاتب : بنو صعفوق كانوا يخدمون السلطان باليمامة ، كان معاوية بن أبى سفيان قد صيّرهم بها ، وقال الأصمعى : صعفوق قرية باليمامة ، كان ينزلها خول السلطان. وقال ابن الأعرابى : يقال هو صعفقى فيهم ، والصعافقة : قوم من بقايا الأمم الخالية باليمامة ضلت أنسابهم ، وقيل : هم الذين يشهدون الأسواق ولا بضائع لهم فيشترون ويبيعون وياخذون الأرباح ، انتهى*

__________________

(١) أى على حذف حرفين من أول البيت ، وهو محتمل عند بعض العروضيين ، ومجازه عندهم أنه حذف الثانى الساكن ، ثم خرم بحذف الحرف الاول ، ومنع ذلك الخلل

(٢) فى اللسان (مادة ث أ ر) *شفيت به نفسى ... بنى مالك ...* وفيه أيضا *قتلت به ثأرى ...* على أن الثأر هو الرجل المطلوب بدم حميمك

٥

وفى العباب قال الليث : الصعافقه خول لبنى مروان أنزلهم اليمامة (١) ، ومروان بن أبى حفصة منهم ، ولا يجىء فى الكلام فعلول إلا صعفوق ، والصعافقة قوم يشهدون السوق للتجارة وليس لهم رءوس أموال ، فاذا اشترى التجار شيئا دخلوا معهم ، الواحد منهم صعفقى وصعفق ، وجمعهم صعافقة وصعافيق. قال : والصّعفوق : اللئيم من الرجال ، وهم الصعافقة ، كان آباؤهم عبيدا فاستعربوا ، قال العجاج :

*من الصّعافيق وأتباع أخر*

[و] قال أعرابى : ما هؤلاء الصعافقة حولك؟ ويقال : هم بالحجاز مسكنهم ، وهم رذالة الناس ، انتهى ما قاله الليث ، وقال غيره : صعفوق : قرية باليمامة قد شقّ فيها قناة يجرى منها نهر كبير ، وبعضهم يقول صعفوقة بالهاء ، وصعفوق لا ينصرف للعجمة والمعرفة ووزنه نادر ، انتهى كلام العباب.

واعلم أن العرب إذا عربت كلمة أعجمية لا تلتزم إلحاقها بأوزانهم ، بل قد تلحقها وهو الأكثر ، وقد تتركها على حالها فلا تلحقها ، قال سيبويه فى الاسم المعرب من العجم ، وهم ما عدا العرب : ربما ألحقوه بأبنية كلامهم ، وربما لم يلحقوه ، وذكر مما ألحق بأبنيتهم قولهم درهم بهرج ، وما لم يلحق نحو آجرّ وفرند وإبريسم ، وتحقيقه أن تلك الكلمة المعربة لا تخلو من أن تكون مغيرة بنوع تصرف من تبديل وتغيير حركة ، أو لا تكون مغيرة أصلا ، وعلى كل من التقديرين لا تخلو من أن تكون ملحقة بأبنيتهم ، أولا ، فالأقسام أربعة : أحدها ما لم تتغير ولم تكن ملحقة كخراسان ؛ وثانيها ما لم تتغير ولكن كانت ملحقة كخرّم ؛ وثالثها ما تغيرت ولكن لم تكن ملحقة بها كآجرّ ؛ ورابعها ما تغيرت وكانت ملحقة بها كدرهم ، وصعفوق من القسم الثالث ، وليست بكلمة فارسية إذ الصاد والقاف مهجوران فى لغة الفرس ، إلا إن كانا فى كلمة دخيلة فى لغتهم.

وفى قوله «من آل صعفوق» إشكال من جهة إضافة «آل» فانهم قالوا :

__________________

(١) سبق قريبا عن ابن السيد أن الذى أنزلهم اليمامة معاوية

٦

إنها لا تضاف إلا لمن له شرف وخطر ، وصعفوق قد عرفت حاله ، ولا يرد هذا على الرواية الأخرى ، وهى *من الصعافيق وأتباع أخر*

وأبو فديك المذكور بضم الفاء وفتح الدال ، وهو أبو فديك عبد الله بن ثور من بنى قيس بن ثعلبة الخارجى ، كان أولا من أتباع نافع بن الأزرق رئيس الخوارج ، ثم صار أميرا عليهم فى مدة ابن الزبير ، وكان الخوارج متغلبين على البحرين وما والاها ، فلما كانت سنة اثنتين وسبعين من الهجرة بعث خالد بن عبد الله أمير البصرة أخاه أمية بن عبد الله فى جند كثيف على أبى فديك إلى البحرين ، فهزمه أبو فديك ، فكتب إلى عبد الملك بن مروان بذلك ، فأمر عبد الملك عمر بن عبيد الله ابن معمر أن يندب الناس مع أهل الكوفة والبصرة ويسير إلى قتاله ، فانتدب معه عشرة آلاف ، وسار بهم حتى انتهوا إلى البحرين ، فالتقوا ، واصطفوا للقتال ، فحمل أبو فديك وأصحابه حملة رجل واحد فكشفوا الميسرة ، ثم رجع أهل الميسرة وقاتلوا واشتد قتالهم حتى دخلوا عسكر الخوارج ، وحمل أهل الميمنة حتى استباحوا عسكر الخوارج ، وقتلوا أبا فديك وستة آلاف من أصحابه ، وأسروا ثمانمائة ، وذلك فى سنة ثلاث وسبعين من الهجرة ، كذا فى تاريخ النويرى

والعجاج : شاعر راجز إسلامى قد ترجمناه فى الشاهد الواحد والعشرين من شواهد شرح الكافية

* * *

وأنشد الشارح ، وهو الشاهد الثانى ، للحماسى [من البسيط](١) :

٢ ـ نحو الاميلح من سمنان مبتكرا

بفتية فيهم المرّار والحكم

على أنه لا دليل فى منع صرف سمنان فيه على كونه فعلان ؛ لجواز كونه فعلالا ، وامتناع صرفه لكونه علم أرض ، وفيه رد على الجاربردى فى زعمه أن

__________________

(١) فى نسخة : وأنشد الشارح وهو للحماسى الشاهد الثانى.

٧

منع الصرف للتعريف والزيادة ، وإنما يدل على كونه فعلان ما سيجىء من أن التضعيف فى الرباعى والخماسى لا يكون إلا زائدا ، إلا أن يفصل أحد المثلين بحرف أصلى كزلزال.

والحماسى : منسوب إلى كتاب الحماسة ، وهو مجموعة أشعار من شعر الجاهلية والاسلام انتقاها واختارها أبو تمّام حبيب بن أوس الطائى الشاعر المشهور ، وقد وقع الاجماع من النقاد على أنه لم يتفق فى اختيار المقطعات أنقي (١) مما جمعه أبو تمام فى كتاب الحماسة ، ولا فى اختيار المقصّدات أو فى مما دوّنه المفضل فى المفضليات ، وقد رتب أبو تمام ما اختاره على ثمانية أبواب : أولها باب الحماسة ، وآخرها باب الملح ، وقد اشتهر تسميته بالجزء الأول منه ، والحماسة : الشجاعة ، وقد جرت عادة المصنفين إذا استشهدوا بشىء مما فيه أن يقولوا قال الحماسى ، ونحوه ، والمراد الشاعر المذكور فى كتاب الحماسة ، تنويها برفعة ما فيه من الأشعار ؛ فان جميع ما فيه مما يصح به الاستشهاد ، ولأنه قد يتعذر أو لا يحضر معرفه قائله فينسب إليه.

والبيت المذكور من قصيدة طويلة فى الحماسة لزياد بن منقذ العدوى (٢) التميمى ، ولم يقل غير هذه القصيدة ، ولم يقل أحد مثلها فى جودة جميع أبياتها ، وكان قد نزل بصنعاء [اليمن] فاجتواها ولم توافقه فذمّها فى هذه القصيدة ، ومدح بلاده وأهله ، وذكر اشتياقه إلى قومه وأهله وإلى وطنه ببطن الرّمّة (٣) وهو واد بنجد ، وقبل البيت :

__________________

(١) فى نسخة «أبقى» ولها وجه

(٢) فى شرح الحماسة (ج ٣ ص ١٨٠) أنه زياد بن حمل بن سعد بن عميرة بن حريث ، ويقال زياد بن منقذ

(٣) الرمة. بصم الراء ، والميم مفتوحة مشددة أو مخففة ، وهو قاع عظيم بنجد تنصب فيه أودية ؛ قاله فى القاموس

٨

يا ليت شعرى متى أغدو تعارضنى

جرداء سابحة أو سابح قدم (١)

تمنى أن يكون فى بلاده راكبا ذاهبا إلى الأميلح مع أخويه وأصحابه ، والجرداء : الفرس القصيرة الشعر ، وقصر الشعر فى الخيل محمود ؛ لأنه إنما يكون فى كرائمها ، والفرس السابحة : اللينة الجرى لا تتعب راكبها كأنها تسبح فى سيرها وجريها ، والقدم ـ بضمتى القاف والدال ـ بمعنى المتقدم يوصف به المذكر والمؤنث. ومعارضة الخيل : أن تخرج عن جادّة الطريق فتذهب فى عرضها لنشاطها ، وقوله «نحو الاميلح الخ» نحو بمعنى جهة وجانب ، وهو ظرف متعلق بأغدو ، والأميلح على وزن مصغر الأملح. قال ياقوت فى معجم البلدان وتبعه الصاغانى فى العباب : هو ماء لبنى ربيعة الجوع (٢) ، وأنشدا هذين البيتين لزياد بن منقذ المذكور ، وقالا : [و] المرّار والحكم أخواه (٣) وسمنان من ديار الشاعر بنجد ، وقال الشراح : هو ماء لبنى ربيعة ، وليس كما قالوا ، بل الماء هو الأميلح ، وفى القاموس : سمنان بالفتح موضع ، وبالكسر بلد ، وبالضم حبل ، وليست هذه الكلمة في الصحاح ، وقال أبو عبيد البكرى فى معجم ما استعجم : سمنان كسكران مدينة بين الرى ونيسابور ، وسمنان بالضم جبل فى ديار بنى أسد ، وقال أبو حاتم : فى ديار بنى تميم ، انتهى. وهذا الضبط مخالف لشراح الحماسة فانهم ضبطوه بالفتح كما هنا ، ومبتكرا : حال من فاعل أغدو : أى ذاهبا فى بكرة النهار ، وهى أوله ، وصلته محذوفة : أى نحو

__________________

(١) فى الحماسة *بل ليت شعرى ...*ومثله فى معجم البلدان لياقوت (مادة أميلح) ، وفيهما *نحو الأميلح أو سمنان*

(٢) ربيعة الجوع بالاضافة : من تميم ، وفى تميم ربيعتان : إحداهما هذه وهى الكبرى ، وأبوها ربيعة بن مالك بن زيد مناة بن تميم ، والثانية ربيعة الصغرى (ويقال الوسطى). وأبوها ربيعة بن حنظلة بن مالك

(٣) فى شرح الحماسة عن الأصمعى أن المرار أخو الشاعر والحكم ابن عمه

٩

الأميلح ، ويجوز أن يكون من «ابتكرت إلى الشىء» أى أسرعت إليه ، كما يقال : بكّرت إليه تبكيرا ، وبكرت إليه بكورا ، من باب قعد ، والباء فى قوله «بفتية» بمعنى [مع] متعلقة بمتبكرا. والفتية : جمع فتىّ ، على وزن غنىّ ، وهو الشاب القوى ، كصبية جمع صبىّ وعلية جمع على ، ويجوز أن يكون جمع فتى كعصا ، وهو الشاب ، والمرّار بفتح الميم وتشديد الراء ، والحكم بفتحتين. و «من سمنان» حال من الأميلح ، وقد نسب جماعة هذه القصيدة إلى المرّار ، وهذا البيت يردّ عليهم ، وبطن الرمة قال أبو العلاء المعرى : يروى بتشديد الميم وتخفيفها ، وهو واد بنجد ، وقال ياقوت : الرمة بالتخفيف ذكره أبو منصور فى باب ورم وخففه ولم يذكر التشديد ، وقال : بطن الرمة واد معروف بعالية نجد وقال السكونى : هو منزل لأهل البصرة إذا أرادوا المدينة ، بها يجتمع أهل الكوفة والبصرة ، وقد أطال الكلام عليه وأطاب

وزياد بن منقذ شاعر إسلامى من معاصرى الفرزدق وجرير ، وقد ترجمناه مع أخيه المرار ، وشرحنا أبياتا من هذه القصيدة فى الشاهد التاسع والسبعين بعد الثلاثمائة من شواهد شرح الكافية

* * *

وأنشد بعده وهو الشاهد الثالث [من الطويل] :

٣ ـ جرىء متى يظلم يعاقب بظلمه

سريعا ، وإن لا يبد بالظّلم يظلم

على أن «يبد» أصله يبدأ بالهمز ، فقلبت الهمزة ألفا لانفتاح ما قبلها ، ثم حذفت للجازم ، وهو إن ، قال أبو جعفر النحوى فى شرح معلقة زهير بن أبى سلمى ونقله الخطيب التبريزى فى شرحه : قوله «وإن لا يبد بالظلم» الأصل فيه الهمزة ، من بدأ يبدأ ، إلا أنه لما اضطر أبدل من الهمزة ألفا ، ثم حذفت (١) الألف للجزم

__________________

(١) فى شرح القصائد العشر للتبريزى (ص ١١٨) الذى نقل المؤلف عنه «ثم حذف الألف»

١٠

وهذا من أقبح الضرورات ، وحكى [عن] سيبويه أن أبا زيد قال له : من العرب من يقول قريت فى قرأت ، فقال سيبويه : فكيف أقول فى المستقبل؟ قال : تقول أقرا ، فقال سيبويه : كان يجب أن تقول أقرى ، حتى يكون مثل رميت أرمى ، وإنما أنكر سيبويه هذا لأنه إنما يجىء فعلت أفعل إذا كانت لام الفعل أو عينه من حروف الحلق ، ولا يكاد يكون هذا فى الألف ، إلا أنهم قد حكوا أبى يأبى ، فجاء على فعل يفعل ؛ قال أبو إسحق [قال إسماعيل بن إسحاق](١) إنما جاء هذا فى الألف لمضارعتها حروف الحلق ، فشبهت بالهمزة ، يعنى فشبهت بقولهم قرأ يقرأ انتهى

و «جرىء» بالجر صفة لأسد فى بيت (٢) قبله ، المراد به حصين بن ضمضم ، ويجوز رفعه ونصبه على القطع ، و «يظلم» و «يبد» كلاهما بالبناء للمفعول ، «ويعاقب» و «يظلم» كلاهما بالبناء للفاعل ، والجرىء : ذو الجراءة والشجاعة ، يقول :

هو شجاع متى ظلم عاقب الظالم بظلمه سريعا ، وإن لم يظلمه أحد ظلم الناس إظهارا لعزة نفسه وجراءته ، وسريعا حال أو صفة مصدر : أى يعاقب عقابا سريعا

وهذا البيت من معلقة زهير المذكور ، وقد شرح ما قبله وما بعده وسبب نظمها فى الشاهد السادس والخمسين بعد المائة ، وفى الشاهد الثانى بعد الخمسمائة

وزهير شاعر جاهلى ، تقدمت ترجمته فى الشاهد الثامن [والثلاثين بعد المائة] من شرح شواهد شرح الكافية

__________________

(١) سقطت هذه العبارة من أصول الكتاب عامة ، وهى ثابتة فى شرح القصائد العسر للتبريزى ، وفى شرح أبى جعفر «قال أبو إسحاق قال إسماعيل بن إسحاق قاضى بغداد»

(٢) هذا البيت هو قوله : ـ

لدى أسد شاكى السلاح مقذف

له لبد أظفاره لم تقلم

١١

* * *

وأنشد بعده وهو الشاهد الرابع من [الطويل]

٤ ـ رأيت الوليد بن اليزيد مباركا

شديدا بأعباء الخلافة كاهله

على أن دخول اللام فى الدّئل علما منقولا من فعل مبنى للمفعول ، كدخولها على يزيد من قوله «الوليد بن اليزيد» وقد تكلم الشارح المحقق على لام اليزيد فى باب المنادى وفى باب العلم من شرح الكافية

والبيت من قصيدة لابن ميّادة مدح بها الوليد بن يزيد بن عبد الملك بن مروان الأموى

وترجمة ابن ميادة تقدمت فى الشاهد التاسع عشر من أوائل شرح أبيات شرح الكافية

وأعباء : جمع عبء كالحمل وزنا ومعنى ، والكاهل : ما بين الكتفين

وتقدم شرحه مفصلا فى الشاهد التاسع عشر من شرح الكافية

* * *

وأنشد بعده وهو الشاهد الخامس [من المنسرح] :

٥ ـ جاءوا بجيش لو قيس معرسه

ما كان إلّا كمعرس الدّئل

على أن الدّئل فيه اسم جنس لدويبة شبيهة بابن عرس ، قال الصاغانى فى العباب :

دأل يدأل دألا ودألانا ودألى : أي ختل ، قال :

*وأنا أمشي الدّألى حوالكا (١)*

__________________

(١) هذا بيت من الرجز ذكر فى اللسان أن سيبويه أنشده فيما تضعه العرب على ألسنة البهائم لضب يخاطب ابنه ، وقبل هذا البيت : ـ

*أهدموا بيتك لا أبالكا*

١٢

وقال أبو زيد : هى مشية سبيهة بالختل ومشى المثقل. وذكر الأصمعى فى صفة مشى الخيل الدألان مشى يقارب فيه الخطو ويبطأ (١) فيه كأنه مثقل ، والدئل : دويبة شبيهة بابن عرس ، قال كعب بن مالك الأنصارى رضى الله تعالى عنه فى جيش أبى سفيان الذين وردوا المدينة فى غزوة السويق وأحرقوا النخيل ثم انصرفوا [من المنسرح] :

جاءوا بجيش لوقيس معرسه

ما كان إلا كمعرس الدّئل

عار من النّسل والثّراء ومن

أبطال أهل البطحاء والأسل

قال ثعلب : لا نعلم اسما جاء على فعل غير هذا ، قال الأخفش : وإلى المسمى بهذا الاسم نسب أبو الأسود الدؤلى إلا أنهم فتحوا الهمزة فى النسبة استثقالا لتوالى كسرتين مع ياءى النسب ، كما ينسب إلى نمر نمرىّ ، وربما قالوا أبو الأسود الدّولى ، بلا همر ؛ قلبوا الهمزة واوا لأن الهمزة إذا انفتحت وكانت قبلها ضمة فتخفيفها أن تقلبها واوا محضة ، كما قالوا فى مؤن مون ، انتهى.

وإنما قيل لها غزوة السويق لأن أبا سفيان قبل إسلامه رضى الله عنه لما غزا المدينة فى مائتى راكب بعد غزوة بدر فحرّق بعض نخل المدينة وقتل قوما من الأنصار خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى طلبه حتى بلغ موضعا يقال له قرقرة الكدر ففرّ أبو سفيان ، وجعل أصحابه يلقون مزاود السويق يتخفّفون للفرار ، فسميت غزوة السويق

وقوله «لو قيس معرسه» هو من القياس والتخمين ، والمعرس ـ بضم الميم وفتح الراء ـ مكان النزول من آخر الليل ، والأشهر فيه معرّس ـ بتشديد الراء

__________________

(١) كذا فى أصول الكتاب ، والذى فى الصحاح واللسان عن الأصمعى «ويبغى فيه» وباقى العبارة كما هنا بنصها ، وفى عبارة ابن برى تفسير ذلك حيث قال : «والدألان بالدال مشى الذى كأنه يسعى فى مشيه من النشاط» اه

١٣

المفتوحة ـ يقال : عرّس تعريسا ، إذا نزل آخر الليل ،

وصف جيش أبى سفيان بالقلة والحقارة ، يقول : لو قدّر مكانهم عند تعريسهم ، كان كمكان هذه الدابة عند تعريسها.

والنسل : الولد ، والثراء : الكثرة ، وأهل البطحاء : قريش ، وهم الذين ينزلون الشعب بين جبلى مكة ، وهم قريش البطاح ، وقريش الظواهر : الذين ينزلون خارج الشّعب ، وقريش البطاح أكرم من قريش الظواهر ، والأسل : الرماح وكان أبو سفيان نذر بعد بدر أن لا يمس رأسه ماء حتى يغزو محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال صاحب الأغانى : قال أبو سفيان وهو يتجهز من مكة المكرمة خارجه إلى المدينة المنورة أبياتا من شعر يحرض فيها قريشا [من المنسرح] :

كرّوا على يثرب وجمعهم

فانّ ما جمّعوا لكم نفل

إن يك يوم القليب كان لهم

فان ما بعده لكم دول

آليت لا أقرب النساء ولا

يمسّ رأسى وجلدى الغسل

حتّي تبيروا قبائل الأوس وال

خزرج إنّ الفؤاد مشتعل

فأجابه كعب بن مالك رضى الله عنه [من المنسرح] :

يا لهف أم المستمحّين على

جيش بن حرب بالحرّة الفشل

جاءوا بجيش لوقيس معرسه

ما كان إلّا كمعرس الدّئل

عار من النصر والثراء ومن

أبطال أهل النكاء والأسل

والنكاء : بمعنى النكاية

وكعب بن مالك الأنصارى شاعر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقد تقدمت ترجمته فى الشاهد السادس والستين من شواهد [شرح] الكافية.

* * *

وأنشد بعده ، وهو الشاهد السادس [من الطويل] :

٦ ـ وحبّ بها مقتولة حين يقتل

١٤

على أن فعل الذى فيه معنى التعجب يقال [فيه] فعل كما هنا ، فان حبّ بضم الحاء أصلها حبب بفتح العين ثم حوّل فتح عينه إلى الضم للمدح والتعجب ، فصار حبب ، ثم نقلنا ضمة العين إلى الفاء بعد حذف حركتها فصار حبّ ، بضم الحاء ، ويجوز حذف ضمة العين دون نقلها فيصير حبّ بفتح الحاء ، والباء فى «بها» زائدة ، والضمير فاعل حب ، وهو راجع إلى الخمر ، و «مقتولة» حال منه ، والقتل : مزج الخمر بالماء حتى تذهب حدتها ، فكأنها قتلت بالماء ، وهذا عجز ، وصدره :

*فقلت اقتلوها عنكم بمزاجها*

وهو من أبيات فى وصف الخمر من قصيدة للأخطل النصرانى ، وتقدم الكلام عليها مفصلا فى الشاهد الواحد والسبعين بعد السبعمائة من شواهد [شرح] الكافية.

* * *

وأنشد بعده ، وهو الشاهد السابع ، وهو من شواهد سيبويه [من الرجز]

٧ ـ لو عصر منها المسك والبان انعصر

على أنه سكن عين الفعل فى الفعل المبنى للمجهول كراهة لتوالى الثقيلين فى الثلاثى الخفيف ، وكذا قول القطامى [من الوافر]

ألم يخز التّفرّق جند كسرى

ونفخوا فى مدائنهم فطاروا

قال سيبويه فى باب ما يسكن تخفيفا وهو فى الأصل عندهم متحرك : وذلك قولهم فى فخذ فخذ ، وفى كبد كبد ، وفى عضد عضد ، وفى كرم كرم ، وفى علم علم ، وهى لغة بنى بكر بن وائل وأناس كثير من بنى تميم ، وقالوا فى مثل : لم يحرم من فصد له ، وقال أبو النجم :

*لو عصر منها المسك والبان انعصر*

يريد عصر

١٥

وإنما حملهم على هذا أنهم كرهوا أن يرفعوا ألسنتهم عن المفتوح إلى المكسور والمفتوح أخف عليهم فكرهوا أن ينتقلوا من الأخف إلى الأثقل ، وكرهوا فى فى عصر الكسرة بعد الضمة كما يكرهون الواو مع الياء فى مواضع ، ومع هذا إنه بناء ليس من كلامهم إلا فى هذا الموضع من الفعل ، فكرهوا أن يحولوا ألسنتهم إلى الاستثقال ، انتهى كلامه

وقال الاعلم فى شرح شواهده : الشاهد فى تسكين الثانى من عصر طلبا للاستخفاف ، وهى لغة فاشية فى تغلب بن وائل ، وأبو النجم من عجل ، وهم من بكر بن وائل ، واستعمل لغتهم ، ووصف شعرا يتعهّد بالبان والمسك ويكثر فيه منهما حتى لو عصرا منه لسالا ، انتهى

وبهذا يعلم أن فى نسبة هذه التفريعات إلى تميم فقط تقصيرا من الشارح المحقق ، رحمه‌الله

وقوله «إن أبا النجم تميمى» لا أصل له ، فانه من بكر بن وائل ؛ فان أبا النجم شاعر إسلامى ، واسمه الفصل بن قدامة بن عبيد الله بن عبد الله بن الحارث بن عبدة بن الياس بن العوف بن ربيعة بن عجل بن لجيم بن صعب بن على بن بكر ابن وائل ، وقد ترجمناه فى الشاهد السابع من شواهد شرح الكافية ، وهذا البيت من رجز له يصف فيه امرأة بكثرة الطيب ، وقبله :

كأنّما فى نشرها إذا نشر

فغمة روضات تردّين الزّهر

هيّجها نضح من الطّلّ سحر

وعزّت الرّيح النّدى حتّى قطر

لو عصر منها البان والمسك انعصر

النشر : الرائحة الطيبة ، و «نشر» بمعنى انتشر ، والفغمة بفتح الفاء وسكون الغين المعجمة بعدها ميم : الرائحة التى تملأ الأنوف ، ولا تكون إلا من الطيب ، يقال منه : فغمتنى رائحة الطيب ، إذا سدت خياشيمك ، شبه رائحة المرأة الطيبة برائحة

١٦

الروضات ، وجملة «تردين الزهر» صفة لروضات : أى لبسن النّور كالرداء ، وعنده يكون كمال طيب الروضات ، والروضة : الموضع المعجب بالزهور ، قيل : سميت بذلك لاستراضة المياه السائلة إليها : أى لسكونها بها ، والزهر بفتح الهاء وسكونها : النّور ، قالوا : ولا يسمى النور زهرا حتى يستقيم ويتفتح ، وقال ابن قتيبة : حتى يصفر ، وقبل التفتح هو برعوم ، وأزهر النبت : أخرج زهره ، و «هيجها» الضمير للروضات بتقدير مضاف : أى هيج رائحتها ، يقال : هاج الشىء يهيج هياجا بالكسر وهيجانا : ثار ، وهجته ، يتعدى ولا يتعدى ، وهيّجته بالتشديد مبالغة ، وهذا من تمام وصف الروضات ، فانه يزداد طيبها بما ذكره ، و «نضح» فاعل هيجها ، والنضح بالحاء المهملة : الرش ، والطل : المطر الضعيف ، وسحر : منصوب على الظرفية ، وسكن على لغة ربيعة ، وهزت : حركت ، وقوله «لو عصر منها» الضمير للمرأة التى تغزّل فيها ، وقال الجواليقى فى شرح أدب الكاتب : قيل : بل الضمير فى منها يعود إلى الروضة ، أى المسك ينعصر من الروضة ، هذا ما نقله ، وهو بعيد ، وروى «لو عصر منه» بتذكير الضمير ، كما رواه سيبويه ، فالضمير راجع إلى الفرع المذكور قبل فى قوله :

بيضاء لا يشبع منها من نظر

خود يغطّى الفرع منها المؤتزر

والخود بفتح الخاء المعجمة : الجارية الناعمة ، والجمع خود بالضم ، والفرع بفتح الفاء وآخره عين مهملة : شعر الرأس بتمامه ، والمؤتزر : محل الإزار ، وهو الكفل حيث يعقد الإزار ، وقوله «البان» نائب الفاعل لعصر على تقدير مضاف : أى دهن البان ، وقوله «والمسك» الواو بمعنى أو ، ولهذا قال «انعصر» بالافراد ، ولم يقل انعصرا ، بضمير التثنية ، ورواه ابن جنى فى المنصف وهو شرح تصريف المازنى :

*لو عصر منها البان يوما لا نعصر*

وعلى هذه الرواية لا إشكال فيه ، والمسك : معروف ، معرب مشك بالفارسية ، بضم الميم وسكون الشين المعجمة ، وانعصر : سال وجرى بالانعصار

* * *

(ق ٢ ـ ٢)

١٧

وأنشد بعده ، وهو الشاهد الثامن [من الطويل]

٨ ـ وما كلّ مبتاع ولو سلف صفقه

براجع ما قد فاته برداد

على أن أصله سلف بفتح اللام ، وتسكين العين المفتوحة شاذ ضرورة ، قال سيبويه فى ذلك الباب : وأما ما توالت فيه الفتحتان فإنهم لا يسكنون منه ، لأن الفتح أخف عليهم من الضم والكسر ، كما أن الألف أخف من الواو والياء ، وذلك نحو جمل وحمل ونحو ذلك ، انتهى

وقد أورده ابن عصفور فى كتاب الضرائر ، فقال : فأما نقص الحركة فمنه حذفهم الفتحة من عين فعل مبالغة فى التخفيف ، نحو قول الراجز [من الرجز]

على محالات عكسن عكسا

إذا تسداها طلابا غلسا

يريد غلسا ، وقول الآخر [من الطويل]

*وما كان مغبون ولو سلف صفقه*

يريد سلف ، وقول الآخر [من الطويل]

وقالوا ترابىّ فقلت صدقتم

أبى من تراب خلقه الله آدم

يريد خلقه الله ، وقول أبى خراش [من الطويل]

ولحم امرئ لم تطعم الطير مثله

عشيّة أمسى لا يبين من البكم

يريد من البكم ، انتهى

وقد تكلف له ابن جنى فى شرح تصريف المازنى فقال : هذا من الشاذ عند أصحابنا ، ويحتمل عندى وجها [آخر](١) وهو أن يكون مخففا من فعل مكسور العين ، ولكنه فعل غير مستعمل ، إلا أنه فى تقدير الاستعمال وإن لم ينطق به ، كما أن قولهم تفرقوا عباديد وشماطيط كأنهم قد نطقوا فيه بالواحد من [هذين](٢) الجمعين

__________________

(١ ، ٢) الزيادة من شرح تصريف المازنى لابن جنى الذى نقل عنه المؤلف (ورقة رقم ٢٠ من نسخة خطية)

١٨

وإن لم يكن مستعملا فى اللفظ ، وكأنهم استغنوا بسلف هذا المفتوح عن ذلك المكسور أن ينطقوا به غير مسكن ، وإذا كانوا قد جاءوا بجموع لم ينطقوا لها بآحاد مع أن الجمع لا يكون إلا عن واحد ، فأن يستغنى [بفعل] عن فعل من لفظه ومعناه وليس بينهما إلا فتحة عين هذا وكسرة عين ذلك أجدر ، وأرى أنهم استغنوا بالمفتوح عن المكسور لخفة الفتحة ، فهذا ما يحتمله القياس ، وهو أحسن من أن تحمل الكلمة على الشذوذ ما وجدت لها ضربا من القياس (١) فإن قلت : فإنا لم نسمعهم يقولون يسلف بفتح اللام فما تنكر أن يكون هذا يدل على أنهم لا يريدون سلف على وجه ، إذ لو كان مرادا عندهم لقالوا فى مضارعه يسلف ، كما أن من يقول قد علم فيسكن عين الفعل لا يقول فى مضارعه إلا يعلم فالجواب أنهم [لمّا] لم ينطقوا بالمكسور على وجه واستغنوا عنه بالمفتوح صار عندهم كالمرفوض الذى لا أصل له ، وأجمعوا على مضارع المفتوح (٢) ؛ هذا كلامه

والبيت من قصيدة للأخطل النصرانى ، وعدتها ستة عشر بيتا ، وهذا أولها ، ويليه :

أتغضب قيس أن هجوت ابن مسمع

وما قطعوا بالعزّ باطن وادى

وكنا إذا احمرّ القنا عند معرك

نرى الأرض أحلى من ظهور جياد

كما ازدحمت شرف نهال لمورد

أبت لا تناهي دونه : لذياد

وقد ناشدته طلّة الشيخ بعد ما

مضت حقبة لا ينثنى لنشاد

__________________

(١) الذى فى شرح تصريف المازنى لابن جنى : «وهو أحسن من أن تحمل الكلمة على الشذوذ مرة ما قد وجدت له ضربا من القياس» ولعل ما فى الأصل كتابنا أحسن

(٢) فى الأصول التى بأيدينا «وأجمعوا على المضارع المفتوح» وهو خطأ والصواب ما أثبتناه نقلا عن شرح تصريف المازنى وذلك لأنهم إنما قالوا يسلف كيضرب وهذا مضارع الماضى المفتوح العين ، وليس هو المضارع المفتوح

١٩

رأت بارقات بالأكفّ كأنها

مصابيح سرج أوقدت بمداد

وطلّته تبكى وتضرب نحرها

وتحسب أن الموت كلّ عتاد

وما كل مغبون ولو سلف صفقه

البيت

وقوله «أتغضب قيس» الخ ابن مسمع ـ بكسر الميم الأولى وفتح الثانية ، هو مالك بن مسمع بن شيبان بن شهاب أحد بنى قيس بن ثعلبة ، وقوله «وما قطعوا» وصفهم بالذل ، والواو ضمير قيس باعتبار الحى والقبيلة ، وقوله «وكنا إذا احمر القنا» أى بدم القتلى ، وصف قومه بزيادة الشجاعة فى أنهم يرغبون فى المجالدة بالسيوف وهم مشاة أكثر من التطاعن بالقنا على ظهور الخيل ، وقوله «كما ازدحمت شرف ـ الخ» يقول : نحن نقع على الموت ونزدحم عليه كما تزدحم الإبل العطاش على مورد ولا تنتهى عنه بطرد ، والشّرف بالضم : جمع شارف ، وهى الناقة المسنة ، والنهال : جمع ناهلة اسم فاعل من النّهل بفتحتين ، وهو العطش ، ويأتى بمعنى الرى أيضا ، وليس بمراد هنا ، وذياد : مصدر ذاد الراعى إبله عن الماء يذودها ذودا وذيادا ، إذا منعها ، وقوله «وقد ناشدته ـ الخ» أى تسأله وتقسم عليه ، والطلة بفتح الطاء المهملة : الزوجة ، والحقبة بكسر الحاء المهملة : المدة ، ولا ينثنى : لا ينزجر ، ونشاد : مصدر ناشده مناشدة ونشادا ، وقوله «رأت بارقات» أى رأت سيوفا لامعة كالسرج التى أمدت بمداد من الدهن ، وقوله «وطلته تبكى» أى زوجته تبكى عليه ، والنحر : الصدر ، وهو فى الأصل موضع القلادة من الصدر ، وقوله «وتحسب أن الموت ـ الخ» قال جامع ديوانه السّكرى : يقول : تحسب أن الموت بكل فج وطريق ، وكل ما هيأته لشىء وأعددته فهو عتاد بالفتح ، وقوله «وما كل مبتاع ـ الخ» المبتاع : المشترى ، ورواية السكرى وابن قتيبة فى فى أدب الكاتب «وما كل مغبون» من غبنه فى البيع والشراء غبنا ـ

٢٠