وبينما كانوا يمدّون موائد اللهو والشراب في ظلال الكعبة ويحتسون كؤوس الخمر كانوا فجأة يسمعون هذه الآية : « كُلّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدّلْناهُمْ جُلُوداً غَيرَها لِيذُوقْوا العَذابَ » (١).
فتلقي في نفوسهم رعباً عجيباً ، وينتابهم الاضطراب الشديد حتّى أنهم كانوا يلقون بكؤوس الخمر جانباً ويتملكهم خوف شديدٌ لم يعرفوا له مثيلا.
قال « الحارث بن نوفل بن عبد مناف » لرسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم : انا لنعلم أنَّ قولك حقٌ ولكن يمنُعنا أن نتبع الهُدى ونؤمن بك مخافةَ أن يتخطفنا العربُ من أرضنا ( إن تركنا الوثنية التي تدين بها ويعتبروننا سَدنة لأوثانها ) ولا طاقة لنابها. فنزل قوله تعالى يرد عليهم : « وَقالُوا إنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أرضنا أوَ لَمْ نُمكِّنْ لَهُمْ حَرماً آمِناً يُجبى إليه ثمراتُ كُلِّ شيء رزْقاً مِنْ لَدُنَّا » (٢) (٣).
وهكذا كان تخوّف قريش من العرب إن هي تركت ما كان عليه العربُ من الوثنية والشرك أحد الاسباب لعتوهم وَإعراضهم عن قبول الدعوة الإسلامية.
وربما اعترض المشركون على النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم قائلين : إن هذه الارض ليست بأرض الانبياء ، وإنما ارضُ الأنبياء الشامُ فآت الشامَ (٤).
وكان اكثر المشركين يقولون ـ وذلك بوحي من اليهود ـ لماذا لا ينزل القرآن على « محمَّد » دفعة واحدة كالتوراة والانجيل فحكى القرآن الكريم إعتراضهم
__________________
١ ـ النساء : ٥٦.
٢ ـ القصص : ٥٧.
٣ ـ بحار الأنوار : ج ١٨ ، ص ٢٣٦.
٤ ـ بحار الأنوار : ج ١٨ ، ص ١٩٨.