شرح الرضيّ على الكافية

محمّد بن الحسن الرضي الاسترآبادي

شرح الرضيّ على الكافية

المؤلف:

محمّد بن الحسن الرضي الاسترآبادي


المحقق: يوسف حسن عمر
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: منشورات مؤسّسة الصادق
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥١٢

١
٢

٣
٤

بسم الله الرّحمن الرّحيم

قسم الأفعال

الفعل (١)

معناه ، وخواصه

[قال ابن الحاجب] :

«الفعل : ما دلّ على معنى في نفسه مقترن بأحد الأزمنة»

«الثلاثة ، ومن خواصّه : دخول قد ، والسين ، وسوف»

«والجوازم ، ولحوق تاء فعلت ، وتاء التأنيث الساكنة».

[قال الرضي] :

قوله : «في نفسه» ، يخرج الحرف ، وقوله : «مقترن بأحد الأزمنة الثلاثة» ، أي الماضي والحال والاستقبال ، يخرج الاسم ، وكل اعتراض ورد على طرد (٢) حدّ الاسم ، أي على قولنا : كل اسم فهو غير مقترن ، أعني الاعتراض بباب الغبوق (٣) ، واسم الفاعل

__________________

(١) هذه بداية الجزء الرابع والأخير من هذا الكتاب وهو يشتمل على قسمي الأفعال والحروف ، والله الموفق والمعين على اتمامه بمنه وكرمه.

(٢) تحدث الشارح وأفاض في معنى الاطراد والانعكاس ، في شرحه لتعريف الاسم ، وقد أحال هنا على ما ذكره هناك.

(٣) المراد به كل اسم يدل بوضعه على الزمن المعيّن ، ومثل ذلك بالصبّوح والغبوق ، وهما ما يشرب من اللبن وغيره في وقتي الصباح والمساء ؛

٥

العامل ، فهو وارد على عكس حدّ الفعل ، أعني على قولنا : كل فعل فهو مقترن ... ؛

وما ورد على عكس حدّ الاسم ، أعني على قولنا : كل غير مقترن فهو اسم ، من الاعتراض بالمضارع ، والأفعال غير المتصرفة ، كعسى ، وشبهه ، فهو وارد على طرد حدّ الفعل ، أعني على قولنا : كل فعل فهو مقترن ؛ والجواب عن الاعتراضات : كما تقدم في حد الاسم.

وإنما اختصّ (١) «قد» بالفعل ، لأنه موضوع لتحقيق الفعل : مع التقريب والتوقع في الماضي ، ومع التقليل في المضارع.

وأمّا السين وسوف ، فسمّاهما سيبويه (٢) : حرفي التنفيس ، ومعناه : تأخير الفعل إلى الزمان المستقبل ، وعدم التضييق في الحال ، يقال : نفّست الخناق ، أي وسّعته ، و «سوف» أكثر تنفيسا من السين ؛

ويخفف «سوف» بحذف الفاء ، فيقال : سو أفعل ، وقد يقال : سي ، بقلب الواو ياء ، وقد تحذف الواو ، وتسكن الفاء التي كان تحريكها (٣) للساكنين نحو : سف أفعل.

وقيل : إن السين (٤) منقوص من سوف ، دلالة بتقليل الحروف على تقريب الفعل ؛ وإنما اختصّا بالفعل ، لكونهما موضوعين للدلالة على تأخير الفعل من الحال إلى الاستقبال ، واختص الجوازم بالأفعال ، لأنه لا جزم في الأسماء ، كما ذكرنا : أنهم (٥) وفّوا الأسماء ،

__________________

(١) هذا شروع في بيان وجه اختصاص هذه العلامات بالأفعال ، كما فعل مثل ذلك في شرح علامات الاسم ، في الجزء الأول.

(٢) قال سيبويه : وأما سوف فحرف تنفيس ، ج ٢ ص ٣١١ ؛ وغيره يسميها حرف تسويف ، والجميع يطلقون على السين حرف التنفيس وهو أقل زمنا من التسويف.

(٣) يعني عند النطق بالكلمة تامة الحروف.

(٤) في نحو سيفعل.

(٥) ذكر ذلك في باب الإعراب في الجزء الأول ، وهذا تلخيص لما قاله هناك

٦

لأصالتها في الاعراب ، الحركات الثلاث ، ونقصوا الفعل ، لفرعيته على الأسماء في الاعراب : ما لا يكون (١) من عمله ، وهو الجر ، فلمّا نقص الجرّ ، لم يحرك بشيء بدل الجرّ ، فبقي مجزوما ، أي ساكنا ؛

ولو لا كراهة الخروج من إجماع النحاة ، لحسن ادّعاء كون المضارع المسمّى مجزوما :

مبنيا (٢) على السكون ، لأن عمل ما سمّي جازما ، لم يظهر فيه ، لا لفظا ولا تقديرا ، وذلك لأن أصل كل كلمة ، اسما كانت أو فعلا أو حرفا : أن تكون ساكنة الآخر ، ومن ثمّ لا تطلب العلة للبناء على السكون.

وإنما سمّي العامل عاملا ، لكونه غيّر آخر الكلمة عمّا هو أصله ، إلى حالة أخرى ، لفظا أو تقديرا ؛

ثم نقول (٣) : إن نحو : لم يغز ولم يخش ، ولم يرم : مبني ، كاغز ، واخش وارم ، وإنما حذف الآخر ليكون فرقا بين المعرب المقدر إعرابه ، وبين المبني ، وذلك لأنك تحذف في الفعل محلّ الإعراب ، إذا كان حرفا يوهم سكونه أنه لاستثقال الحركة عليه لا للبناء ، أي حرف العلة ، ليكون تنبيها على أنه : كما ليس الإعراب فيه بظاهر. ليس بمقدر (٤) ؛ أيضا ، لزوال محل الإعراب أي الحرف الأخير بلا علة ، بخلاف : يا شجي ، و : لا فتى ، فإنك أبقيت حرف الإعراب ليكون الإعراب مقدرا فيه.

فإن قيل : لا نسلم أن العامل إنما يكون عاملا ، لتغيير آخر الكلمة عما هو أصله ، بل إنما يكون عاملا لتغييره عن حالة إلى أخرى ، سواء كانت الحالة الأولى أصلا لآخر الكلمة أي السكون ، أو حالة إعرابية أخرى حاصلة لها قبل دخول العامل ، فنحن إنما سمّينا الجازم عاملا : لنقله آخر المضارع من الرفع الذي هو معمول وقوعه موقع الاسم ،

__________________

(١) مفعول به لقوله : تقصوا الفعل .. الخ.

(٢) تمهيد لما سيأتي من ادعاء أن المضارع المعتل الآخر مبني.

(٣) هذا بيان لما ارتضاه من أن الفعل المضارع المعتل الآخر مبني في حالة الجزم.

(٤) تقدير الكلام : تنبيها على أنه ليس بمقدر ، كما أنه ليس بظاهر.

٧

أو تجرّده (١) من العوامل ، إلى السكون ، وذلك لأن عامل الرفع في المضارع مقدم على عاملي النصب والجزم ، إذ عامل الرفع هو التجرد عنهما ، أو الحاصل عند التجرد عنهما ، وهو وقوعه موقع الاسم ، فيكون الجازم طارئا على الرافع ؛

قلنا : ليس زوال الرفع أثر الجازم ، ومنسوبا إليه ، بل هو منسوب إلى زوال عامل الرفع ، أي الوقوع ، أو التجرد ؛ على ما قيل : إن علة العدم عدم العلة ؛

فإن قيل : فيكون زوال الرفع أثرا لزوال عامل الرفع ، وزوال عامل الرفع أثر للجازم ، وأثر الأثر أثر ، فزوال الرفع أي الانجزام أثر للجازم ؛

قلنا : زوال عامل الرفع قد يكون أثرا للناصب أيضا ، فيلزم أن يكون الناصب جازما ؛

وأقصى ما يمكن في تمشية كلام النحاة (٢) ، أن يقال : إن الناصب يزيل الرفع إلى بدل وهو النصب ، والجازم يزيله لا إلى بدل ، فلم يسموا الناصب جازما ، لأن تعريفه بأثره الوجودي ، أولى من تعريفه بأثره العدميّ ، ولما لم يكن للجازم أثر وجودي ، عرّفوه بالعدمي ، فسمّي جازما ، إلا أنه لا يلزم ، على هذا أن يكون الناصب في نحو : لن يضربا ، ولن يضربوا ، ولن تضربي : جازما لإزالة أثر الرفع لا إلى بدل ؛

ولو اخترنا مذهب الكسائي (٣) ، وهو أن ارتفاع المضارع بحروف المضارعة فيكون الجازم الطارئ مسقطا للرفع الثابت بثبوت عامله ومانعا له بعد ذلك من إيجاد الرفع ، فينسب زوال الرفع إلى الجازم ، لا إلى زوال الرافع لأن عامل الرفع ثابت مع الجازم فكيف ينسب زوال الرفع إلى زوال عامله ؛ لم يرد (٤) الاعتراض المذكور.

__________________

(١) شارة إلى أحد الأقول في علة رفع المضارع.

(٢) أي في تفسيره تفسير مستقيما لا يرد عليه شيء من الاعتراضات.

(٣) زعيم نحاة الكوفة. وأحد القرّاء السبعة وهو ممن نقل عنهم الرضي كثيرا في هذا الشرح ، وتقدم ذكره كثيرا في الأجزاء السابقة. وهذه أول مرة يرد ذكره في هذا الجزء.

(٤) جواب قوله : ولو اخترنا مذهب الكسائي.

٨

قوله : «ولحوق تاء فعلت» ، يعني به : اتصاله بضمير الرفع البارز وإنما اختص بالفعل ، لأن الاسم يستحق مثنّاه ومجموعه جمع السلامة الألف والواو ، فلو لحقه ضمير الرفع البارز لاجتمع في المثنى ألفان ، وفي الجمع واوان ، فإن لم يحذف أحدهما : استثقل ، وإن حذف : التبس ؛

قوله : «وتاء التأنيث الساكنة» ، لأنها سكنت للفرق بينها وبين التاء اللاحقة للاسم ، وكانت أولى بالسكون من التاء الاسمية لخفّة الاسم وثقل الفعل.

٩
١٠

الماضي

تعريفه ، وبناؤه

[قال ابن الحاجب] :

«الماضي : ما دل على زمان قبل زمانك ، مبني على الفتح»

«مع غير الضمير المرفوع المتحرك ، والواو» ؛

[قال الرضي] :

قوله : «ما دل» ، أي : فعل دلّ ، حتى لا ينتقض بأمس ، ونحوه ، وإنما لم يحتج إلى التصريح بلفظ الفعل ، لأنه في قسم الأفعال.

قوله «قبل زمانك» ، أي قبل زمان تلفظك به ، لا على وجه الحكاية ؛ وقولنا : لا على وجه الحكاية ، ليدخل فيه نحو «خرجت» في قولك اليوم (١) : يقول زيد بعد غد : خرجت أمس ؛ فخرجت : ماض وإن لم يدل هنا على زمان قبل زمان تلفظك به ، لأنك حاك ، وزيد (٢) ، يتلفظ به لا على وجه الحكاية ، فيدل على زمان قبل زمان تلفظه به.

ويخرج عنه أيضا نحو : أخرج ، في قولك اليوم : قال زيد أوّل من أمس : أخرج غدا ، فانه دال على زمان تلفظ الحاكي به.

وأكثر ما يستعمل في الإنشاء الإيقاعي من أمثلة الفعل ، هو الماضي ، نحو : بعت ،

__________________

(١) متعلق بكلمة : قولك ، يعني أنت تقول الكلام الآتي في يومك الحاضر وكذلك في العبارة التي تليها.

(٢) المراد : زيد المتحدث عنه في المثال.

١١

واشتريت ؛ والفرق بين «بعت» الإنشائي ، و : «أبيع» المقصود به الحال ، أن قولك : أبيع ، لا بدّ له من بيع خارج حاصل بغير هذا اللفظ ، تقصد بهذا اللفظ مطابقته لذلك الخارج ، فإن حصلت المطابقة المقصودة فالكلام صدق ، وإلا فهو كذب ، فلهذا قيل : إن الخبر محتمل للصدق والكذب ، فالصدق محتمل اللفظ من حيث دلالته عليه ، والكذب محتمله ولا دلالة للّفظ عليه ؛ وأما : «بعت» الإنشائي فإنه لا خارج له تقصد مطابقته ، بل البيع يحصل في الحال بهذا اللفظ ، وهذا اللفظ موجد له ، فلهذا قيل : إن الكلام الإنشائي لا يحتمل الصدق والكذب : وذلك لأن معنى الصّدق : مطابقة الكلام للخارج ، والكذب : عدم مطابقته له ، فإذا لم يكن هناك خارج ، فكيف تكون المطابقة وعدمها.

واعلم أن الماضي ينصرف إلى الاستقبال بالإنشاء الطلبي : إمّا دعاء ، نحو : رحمك الله ، وإمّا أمرا ، كقول علي رضي الله عنه في النهج : «أجزأ امرؤ قرنه ، وآسى آخاه بنفسه» (١) ؛ وينصرف إليه أيضا ، بالاخبار عن الأمور المستقبلة مع قصد القطع بوقوعها ، كقوله تعالى : (وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابَ النَّارِ)(٢) ؛ و : (وسيق الذين ..)(٣) ، والعلة في الموضعين : أنه من حيث إرادة المتكلم لوقوع الفعل قطعا : كأنه وقع ومضى ، ثم هو يخبر عنه. وينصرف إليه ، أيضا ، إذا كان منفيا بلا ، أو إن ، في جواب القسم ، نحو : والله لا فعلت ، أو : إن فعلت ، فلا يلزم تكرير «لا» ، كما يلزم في الماضي الباقي على معناه ، قال :

__________________

(١) هذا مما جاء في نهج البلاغة ، وهو من خطبة للامام علي رضي الله عنه يحرض فيها أصحابه على القتال ، وصوابه كما أثبتناه : وآسى بالعطف على أجزأ ، ومعناه : ليجزئ كل واحد منكم قرنه أي خصمه في الحرب ، وليواس زميله في الحرب بنفسه ولا يتركه لعدوه ، انظر نهج البلاغة ص ١٤٩ طبع مطابع الشعب بالقاهرة ، اخراج الأستاذين : محمد البنا. ومحمد عاشور. وهي الطبعة التي ننقل عنها في تعليقاتنا على هذا الشرح ، ثم انظر ما كتبناه في المقدمة عن استشهاد الرضي بكلام الإمام علي ، وما قيل في نسبة نهج البلاغة إليه رضي الله عنه.

(٢) الآية ٤٤ سورة الأعراف.

(٣) صدر كل من الآيتين : ٧١ ، ٧٣ في سورة الزمر.

١٢

٦١٤ ـ حسب المحبّين في الدنيا عذابهم

تالله لا عذّبتهم بعدها سقر (١)

أي : لا تعذبهم.

وينقلب إليه أيضا ، بدخول «ان» الشرطية ، وما يتضمن معناها ، وبدخول «ما» النائبة عن الظرف المضاف (٢) ، نحو : ما ذرّ شارق ، و : «ما دامَتِ السَّماواتُ» (٣) .. ، لتضمنها معنى «إن» ، أي : إن دامت : قليلا ، أو كثيرا ، وقد يبقى معها على المضي ، كقوله تعالى : «وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ»(٤).

ويحتمل المضي والاستقبال بعد همزة التسوية ، نحو : سواء عليّ : أقمت أم قعدت ، وبعد : «كلّما» و «حيثما» لأن في الثلاثة رائحة الشرط (٥) ، وكذا بعد حرف التحضيض [إذا كان للطلب ، لا للتقريع](٦) ، كما يجيء في بابه.

وكذا إذا كان صلة لموصول عام ، هو مبتدأ ، أو صفة لنكرة عامة كذلك ، نحو :

الذي أتاني فله درهم ، أو : كل رجل أتاني فله درهم ، لأن فيهما رائحة الشرط ، كما ذكرنا في باب المبتدأ (٧).

قوله : «مبني على الفتح» ، أمّا بناؤه فعلى الأصل ، كما ذكرنا في أول الكتاب (٨) ،

__________________

(١) من أبيات قالها المؤمّل الحارثي من مخضرمي الدولتين الأموية والعباسية في امرأة كان يهواها من أهل الحيرة. منها قوله :

شفّ المؤمل يوم الحيرة النظر

ليت المؤمل لم يخلق له بصر

(٢) يسميها النحاة المصدرية الظرفية.

(٣) من الآيتين ١٠٧. ١٠٨ سورة هود.

(٤) من الآية ١١٧ سورة المائدة.

(٥) النحاة لا يعدّون كلّما من أدوات الشرط ولكنهم يعدّون حيث المقرونة بما من أدوات الشرط فعلا.

(٦) هذه عبارة بعض النسخ كما أشير إلى ذلك بهامش المطبوعة. وهي أوضح مما في الأصل. لأن حرف التحضيض إذا كان للتقريع كان للماضي.

(٧) في آخر باب المبتدأ ، في الجزء الأول من هذا الشرح.

(٨) انظر حديث الشارح عن الاعراب في أول الجزء الأول.

١٣

وأمّا بناؤه على الحركة فلمشابهته الاسم بوقوعه موقعه ، نحو : برجل ضرب ، أي : ضارب ، فالمضارع لما شابهه (١) المشابهة التامة ، استحق الإعراب ، وهو (٢) ، لمشابهته مشابهة ناقصة ، استحق البناء على الحركة ، وأيضا ، لوقوعه موقع المضارع في المواقع المذكورة قبل (٣).

وخصّ بالفتح ، لثقل الفعل لفظا ، إذ لا تجد فعلا ثلاثيا ساكن الوسط بالأصالة ، ومعنى ، بدلالته على المصدر والزمان ، وبطلب المرفوع دائما ، والمنصوب كثيرا.

فإذا اتصل به ضمير مرفوع متحرك ، سكن آخره ، كراهة توالى أربع حركات فيما هو كالكلمة الواحدة ؛ وإنما كان الضمير المرفوع المتصل كجزء الكلمة لأن الضمير المتصل هو كالجزء مما قبله ، كما مرّ في باب المضمرات ، ولا سيّما إذا كان فاعلا ، وهم لا يجمعون في كلمة واحدة بين أربع حركات على الولاء (٤) ، ولهذا قالوا : أصل هدبد وعلبط : هدابد ، وعلابط (٥).

قوله : «الضمير المرفوع» ، احترز به عن المنصوب ، نحو : ضربك ، وضربنا ، فانه لا يسكن ؛ قوله : «المتحرك» ، احتراز من المرفوع الساكن ، نحو : ضربا ، فإنه لا يسكن معه لعدم توالي أربعة متحركات ، وإذا اتصل به الواو : انضمّ آخره لمجانسة الواو.

__________________

(١) أي شابه الاسم.

(٢) أي الفعل الماضي.

(٣) وهي وقوعه خبرا وصفة وحالا.

(٤) يعني متوالية.

(٥) الهدبد مقصور من : هدابد. وهو اللبن الخاثر جدّا. والعلبط أصله : العلابط ومعناه : الضخم. وقيل معناه : القطيع من الغنم.

١٤

المضارع

تعريفه ، وجه مشابهته للاسم

شرط إعرابه

[قال ابن الحاجب] :

«المضارع : ما أشبه الاسم بأحد حروف نأيت (١) ، لوقوعه»

«مشتركا وتخصيصه بالسين ؛ فالهمزة للمتكلم مفردا ، والنون»

«له مع غيره ، والتاء للمخاطب مطلقا ، وللمؤنث ، والمؤنثتين»

«غيبة ، والياء للغائب غيرهما ؛ وحرف المضارعة مضموم في»

«الرباعي ، مفتوح فيما سواه ، ولا يعرب من الفعل غيره ، إذا»

«لم يتصل به نون تأكيد ولا نون جمع مؤنث».

[قال الرضي] :

قوله : «ما أشبه الاسم» ، أي الفعل الذي أشبه الاسم ، وإنما عرف المضارع بمشابهته للاسم ، لأنه لم يسمّ مضارعا إلا لهذا ؛ ومعنى المضارعة في اللغة : المشابهة ، مشتقة من الضرع ، كأن كلا الشبيهين ارتضعا (٢) من ضرع واحد ، فهما أخوان رضاعا ، يقال : تضارع السخلان ، إذا أخذ كل واحد منهما بحلمة من الضرع وتقابلا في الرضاع.

__________________

(١) كلمة جمعوا فيها أحرف المضارعة ، وقد وافق تأليفها صيغة فعل ماض مسند إلى تاء الفاعل من نأى. وبعضهم يجمعها في أنيت ، أو في نأتي الخ.

(٢) تثنية الضمير في : ارتضعا. مراعاة لمعنى «كلا» ويجوز مراعاة اللفظ. وكلاهما جائز وفصيح.

١٥

قوله : «بأحد حروف نأيت» ، ليس بيانا لوجه المضارعة ، بل بيانها هو قوله : لوقوعه مشتركا وتخصيصه بالسين ، والباء ، هنا (١) ، للسببية ، إذ زيادة هذه الحروف على أوّل الماضي مع تغيير بعض حركاته سبب محصّل لجهة مشابهة المضارع للاسم ، وتلك الجهة : وقوعه مشتركا ، كما ذكرنا ، فالباء فيه ، كما في قولك : بزيد صرت كقارون في الثروة.

قوله : «بأحد حروف نأيت» ، يخرج الماضي ، قوله : «لوقوعه مشتركا» ، بيان لوجه مشابهة المضارع لمطلق الاسم ، وأمّا مشابهته لاسم الفاعل خاصة فبالموازنة ، وصلاحيته للحال والاستقبال ، فلذلك عمل عمله كما تقدم.

قوله : «لوقوعه مشتركا» ، أي : هو حقيقة في الحال والاستقبال ، وقال بعضهم : هو حقيقة في الحال ، مجاز في الاستقبال ، وهو أقوى ، لأنه إذا خلا من القرائن ، لم يحمل إلا على الحال ، ولا يصرف إلى الاستقبال إلا لقرينة ، وهذا شأن الحقيقة والمجاز ، وأيضا ، من المناسب أن يكون للحال صيغة خاصة ، كما لأخويه (٢).

وقيل : هو حقيقة في الاستقبال ، مجاز في الحال ، لخفاء الحال ، حتى اختلف العلماء فيه ، فقال الحكماء (٣) : إن الحال ليس بزمان موجود ، بل هو فصل بين الزمانين ، ولو كان زمانا لكان التنصيف تثليثا.

وليس بشيء ، لأن الحال عند النحاة غير «الآن» المختلف في كونه زمانا ، بل هو ما على جنبتي (٤) الآن من الزمان ، مع الآن ، سواء كان الآن زمانا ، أيضا ، أو : الحدّ المشترك بين الزمانين ، ومن ثمّ تقول : إن «يصلّي» في قولك : زيد يصلي ، حال ،

__________________

(١) يعني في قوله : بأحد حروف نأيت.

(٢) يعني كما أن لكل من الماضي والمستقبل صيغة خاصة ، والصيغة الخاصة بالمستقبل اتفاقا هي صيغة فعل الأمر.

(٣) هذا من كلام الفلاسفة. وذلك مراده بقوله : الحكماء.

(٤) على جنبتي الآن أي حافتيه كما يعبر بعضهم والمراد بالآن وقت التكلم

١٦

مع أن بعض صلاته ماض وبعضها باق ، فجعلوا الصلاة الواقعة في الآنات الكثيرة المتتالية واقعة في الحال.

وقيل : (١) إن المضارع يشبه الاسم بدخول لام الابتداء ، نحو : إنّ زيدا ليخرج ، كما تقول : إن زيدا لخارج ، ولا يقال : إن زيدا لخرج (٢) ، فإن هذه اللام الداخلة في حيّز «إنّ» أصلها أن تدخل في المبتدأ ثم تأخرت عن الابتداء لدخول «إن» ، فهي تدخل على الاسم ، أو على ما أشبه الاسم ، مراعاة لأصلها وهو المبتدأ ، وأمّا قولهم : إن زيدا لفي الدار ، فلقيام الظرف مقام «حاصل» ، كما يجيء في باب «إنّ».

وعند الكوفيّين : لام الابتداء الداخلة على المضارع مخصّصة له بالحال ، كما أن السين تخصّصه بالاستقبال ، فلا يكون دخولها وجها آخر للمشابهة ، بل كالسين في التخصيص فلذلك لا يجوّزون : إن زيدا لسوف يخرج ، للتناقض ؛ والبصريون يجوّزون ذلك ، لأن اللام عندهم باقية على إفادة التوكيد فقط ، كما كانت تفيده لمّا دخلت على المبتدأ ؛

قوله : «لوقوعه مشتركا وتخصيصه بالسين» ، يعني أن الاسم يكون مبهما نحو : رجل ، ثم يختص بواحد ، بسبب حرف (٣) ، نحو : الرجل ، وكذا المضارع : مبهم ، لصلاحيته للحال والاستقبال ، ثم يختص بأحدهما بالسين.

والفعل المضارع معرب للمشابهة المذكورة عند البصريين ، لا ، لأجل توارد المعاني المختلفة عليه كالاسم.

وقال الكوفيون : أعرب الفعل المضارع بالأصالة ، لا للمشابهة ، وذلك لأنه قد تتوارد عليه ، أيضا ، المعاني المختلفة بسبب اشتراك الحروف الداخلة عليه ، فيحتاج إلى إعرابه ، ليتبيّن ذلك الحرف المشترك فيعيّن المضارع تبعا لتعيّنه ، وذلك نحو قولك :

__________________

(١) استكمال للآراء في وجه مشابهة المضارع للاسم.

(٢) من المقرر أن لام الابتداء لا تدخل في خبر ان ، إذا كان فعلا ماضيا وقد يقترن بها إذا كان مسبوقا بقد.

(٣) وهو حرف التعريف في مثاله.

١٧

لا تضرب ، رفعه مخلص لكون «لا» للنفي ، دون النهي ، وجزمه دليل على كونها للنهي ، ونحو قولك : لا تأكل السّمك وتشرب اللبن ، نصب «تشرب» دليل على كون الواو للصّرف (١) ، وجزمه دليل على كونها للعطف.

ونحو قولك : ما بالله حاجة فيظلمك (٢) ، نصب «يظلم» دليل على كون الفاء للسببية ، ورفعه على كونها للعطف ؛ ونحو : ليضرب ، جزمه دليل على كون اللام للأمر ، ونصبه ، على كونها لام «كي» ، أو لام الجحود ، ويتغيّر المعنى بكل واحد من الإعرابات المذكورة ؛ ثم طرد الحكم فيما لا يلتبس فيه معنى بمعنى ، نحو : يضرب زيد ، ولن يضرب زيد ، ولم يضرب زيد ، كما طرد الإعراب في الاسم فيما لم يلتبس فيه الفاعل بالمفعول نحو : أكل الخبز زيد ؛ سواء كانت المواضع الملتبسة في الاسم أو في الفعل أكثر من غير الملتبسة ، أو أقلّ أو مساوية لها ؛ فانه قد يطرد في الأكثر ، الحكم الذي ثبتت علته في الأقل ، كحذفهم الواو في : تعد ونعد وأعد ، لحذفهم لها في : يعد (٣) ، وكذا ، حذفوا الهمزة في : يكرم ونكرم وتكرم ، لحذفهم لها في أكرم (٤).

قوله : «فالهمزة للمتكم مفردا» ، تبيين لمعاني حروف المضارعة ، ليعلم أنها لا تكون للمضارعة إلّا باعتبار معانيها ، وإلّا ، ففي أول «أكرمت» أيضا ، همزة ، وليست للمتكلم ، لثبوتها مع الغائب والمخاطب ، فلا يكون الفعل بسببها مضارعا.

فالهمزة للمتكلم وحده ، مذكرا كان أو مؤنثا ، والنون للمتكلم مع غيره ، سواء كانا مذكرين أو مؤنثين أو مختلفين ، وكذا يصلح للجمع بالاعتبارات الثلاثة ، ويقول الواحد المعظّم ، أيضا : نفعل ، وفعلنا ، وهو مجاز عن الجمع ، لعدّهم المعظم كالجماعة ، ولم يجئ للواحد الغائب والمخاطب المعظمين : فعلوا ، وفعلتم ، في الكلام القديم المعتدّ به ، وإنما هو استعمال المولّدين.

__________________

(١) هذا اصطلاح الكوفيين في تسمية واو المعية ، والمراد انها تصرف الكلام عن العطف الذي هو الأصل في الواو.

(٢) سيذكره الشارح في الكلام على نصب المضارع بعد واو المعيّة الواقعة في جواب النفي.

(٣) العلة متحققة في «يعد» فقط ، وهي وقوع الواو بين الياء المفتوحة ، والكسرة ، أو بين عدوّيتها كما يقولون.

(٤) لاجتماع الهمزتين في صدر الكلمة ، والحذف هنا مبالغة في تخفيف الهمزتين الملتقيتين في أول الكلمة.

١٨

والتاء للمخاطب ، مذكرا كان أو مؤنثا ، مفردا كان أو مثنى ، أو مجموعا ، وللمؤنت الغائب ، وللمؤنثتين ، أيضا ؛ والياء للغائب غيرهما أي غير المؤنث والمؤنثتين فيكون للأربعة ، أي لواحد المذكر ، ومثناه ، وجمعه ، ولجمع المؤنث.

قوله : «وحرف المضارعة مضموم في الرباعي» ، سواء كانت حروفه أصلية ، كيدحرج ، أو فيه زائد ، كيكرم ، وأصله : يؤكرم ؛ ويقطّع ، ويقاتل.

وأصل الأفعال : ثلاثي ، ورباعي ، فتحت حروف المضارعة في الثلاثي ، لأن الفتح ، لخفته ، هو الأصل ، فكان بالثلاثي : الأصل (١) ، أولى ، أو لأن الرباعيّ أقلّ ، فاحتمل الأثقل الذي هو الضم ، وتركوا الكسر ، لأن الياء من حروف المضارعة يستثقل عليها (٢) ؛ وكسر حروف المضارعة ، إلا الياء ، لغة غير الحجازيين إذا كان الماضي مكسور العين ، كما يجيء في التصريف ، ويكسرون الياء أيضا ، إذا كانت بعدها ياء أخرى.

فلما ضموا في الرباعي الأصلي حروفه ، حمل عليه الرباعي المزيد فيه ، كيفاعل ، ويفعل ويفعّل ، وبقي غير الرباعي على أصل الفتح لخفته.

وأما أهراق يهريق وأسطاع يسطيع ، فرباعي زيد فيه الحرفان (٣) ، على غير القياس كما يجيء في التصريف ، إن شاء الله تعالى.

قوله : «ولا يعرب من الفعل غيره» ، قد تقدم علته.

قوله : «إذا لم يتصل به نون التأكيد» ، اعلم أنه اختلف في المضارع المتصل به نونا التوكيد ، فقال جمهورهم : إنه مبني لتركبه مع النون وصيرورته معها كالكلمة الواحدة ، ولا إعراب في الوسط ، وأمّا النون فحرف ، ولا حظ له في الإعراب ، فبقي الجزءان مبنيّين.

__________________

(١) أي الذي هو الأصل ، فكلمة الأصل عطف بيان.

(٢) أي الكسر.

(٣) أي : الهاء في أهراق ، والسين في أسطاع لأنه بمعنى أطاع وقالوا ان السين فيه عوض من حركة العين التي أعلت بقلبها ألفا في أطاع وهمزته للقطع ، بخلاف اسطاع المختصر من استطاع بحذف التاء.

١٩

فإن قيل : فلما امتزجا فهلّا أعربت الكلمة على النون ، كما يعرب الاسم المؤنث على التاء لمّا ركّبا ، أو : هلّا أعرب مع هذا الامتزاج على ما قبل النون ، كما أعرب الاسم مع امتزاجه بالتنوين على ما قبله؟

قلت : إمّا لأن (١) الاسم أصل في الإعراب والفعل فرع عليه ، فروعي إعراب الاسم بقدر ما أمكن ، دون الفعل ، ولا سيّما والنون من خواص الأفعال ، فترجّح جانب الفعلية ، وضعفت مشابهة الاسم.

وهذا على مذهب البصريين.

وإمّا لأنّ علة إعراب الفعل ليست ظاهرة ظهور علة إعراب الاسم ، وأكثر الأفعال مبنية ، فيرجع إلى البناء لأدنى سبب.

وهذا على مذهب الكوفيين.

هذا ، مع أن للعرب داعيا آخر إلى ترك إعراب ما قبل النون كما أعربوا الاسم على ما قبل التنوين فرجّحوا لذلك الداعي موجب البناء مع ضعفه ، وهو (٢) اشتغال ما قبل النون المؤكّدة بالحركة المجتلبة للفرق بين المفرد المذكر ، والمجموع المذكر ، والواحد المؤنث ، ففتحوا في الأول ، وضموا في الثاني ، وكسروا في الثالث ، لأجل الفرق ؛

ولما كان أصل الاسم الإعراب ، لم يبنوه مركبا مع التنوين ، بناء الفعل مع النون ، وأيضا ، لم يكن للتنوين معه امتزاج قوي ، ألا ترى إلى سقوطه في الوقف ، وفي الإضافة ، ومع اللام ، ولضعف الامتزاج لم يعرب على التنوين كما أعرب على تاء التأنيث.

وقال بعضهم : جميع ما اتصل به النونات (٣) من المضارع ، باق على إعرابه ، كما أن الاسم معرب ، لكن لمّا اشتغل حرف الإعراب بالحركة المجتلبة قبل إعراب الكلمة

__________________

(١) أي أن عدم الإعراب حينئذ إما لأن الخ.

(٢) أي الداعي إلى لترك اعراب ما قبل النون.

(٣) وهي نون النسوة ، ونونا التوكيد : الثقيلة والخفيفة.

٢٠