غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ٢

الميرزا أبو القاسم القمّي

غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ٢

المؤلف:

الميرزا أبو القاسم القمّي


المحقق: عباس تبريزيان
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-424-250-5
الصفحات: ٦٣١

حيث ندب إلى البدار إليه بعد الفراغ (١) ، والشهيد في الذكرى بعد التسبيح (٢).

الرابع : تستحبّ الضجعة بعد نافلة الفجر على اليمين ، وقراءة الآيات الخمس في أواخر آل عمران ، والدعاء بالمأثور للأخبار المستفيضة (٣) ، وهو المشهور بين الأصحاب (٤)

وذكروا بدل الضجعة السجدة والمشي والكلام (٥) ، إلّا أنّ الضجعة أفضل.

تدلّ على السجدة رواية إبراهيم بن أبي البلاد (٦) ، وعلى المشي والكلام والقيام والقعود مرسلة الحسين بن عثمان (٧) ورواية زرارة (٨).

وفي رواية سليمان بن حفص : «إيّاك والنوم بين صلاة الليل والفجر ، ولكن ضجعة بلا نوم ، فإنّ صاحبه لا يحمد على ما قدّم من صلاته» (٩).

الخامس : من فاتته صلاة الليل فقام قبل الفجر فصلّى الوتر وسنّة الفجر كتبت له صلاة الليل لصحيحة معاوية بن وهب (١٠).

والرواية وإن كانت مطلقة لكنّها محمولة على حالة الضرورة ، مثل النوم والنسيان أو الاشتغال بحاجة

__________________

(١) المقنعة : ١١٨.

(٢) الذكرى : ١٢٤.

(٣) الوسائل ٤ : ١٠٦٠ أبواب التعقيب ب ٣٢ ، ٣٣.

(٤) المقنعة : ١٣٤ ، المبسوط ١ : ١٣٢ ، الدروس ١ : ١٣٧.

(٥) التهذيب ٢ : ١٣٧.

(٦) الكافي ٣ : ٤٤٨ ح ٢٦ ، التهذيب ٢ : ١٣٧ ح ٥٣١ ، الوسائل ٤ : ١٠٦٠ أبواب التعقيب ب ٣٣ ح ١.

(٧) التهذيب ٢ : ١٣٧ ح ٥٣٢ ، الوسائل ٤ : ١٠٦١ أبواب التعقيب ب ٣٣ ح ٢.

(٨) التهذيب ٢ : ١٣٧ ح ٥٣٣ ، الاستبصار ١ : ٣٤٩ ح ١٣٢٠ ، الوسائل ٤ : ١٠٦٣ أبواب التعقيب ب ٣٥ ح ٢.

(٩) التهذيب ٢ : ١٣٧ ح ٥٣٤ ، الاستبصار ١ : ٣٤٩ ح ١٣١٩ ، الوسائل ٤ : ١٠٦٢ أبواب التعقيب ب ٣٥ ح ١.

(١٠) التهذيب ٢ : ٣٣٧ ح ١٣٩١ ، وص ٣٤١ ح ١٤١١ ، الوسائل ٣ : ١٨٧ أبواب المواقيت ب ٤٦ ح ٣.

٨١

والمراد بالوتر : الشفع والوتر ؛ كما يستفاد من الروايات المعتبرة المستفيضة (١).

ومذهب الأصحاب انفصال الأخيرة عن الأُوليين بالتسليم ، وما دلّ على خلاف ذلك من الأخبار مؤوّل ، وسيجي‌ء الكلام فيه.

السادس : يستحبّ يوم الجمعة التنفّل بعشرين ركعة زيادة عن كلّ يوم بأربع بلا خلافٍ ظاهرٍ منهم ، للأخبار المعتبرة (٢) ، وفي بعضها زيادة ركعتين بعد العصر أيضاً (٣) ، وفي بعضها الاكتفاء بالست عشرة رخصةً (٤).

والروايات في كيفيّة ترتيبها مختلفة ككلام الأصحاب ، ففي بعضها : ستّ ركعات عند ارتفاع النهار ، وستّ ركعات قبل نصف النهار ، وركعتان إذا زالت الشمس قبل الجمعة ، وستّ ركعات بعد الجمعة (٥).

وفي بعضها : ستّ ركعات بكرة ، وست بعد ذلك اثنتا عشرة ركعة ، وستّ بعد ذلك ثماني عشرة ركعة ، وركعتان بعد الزوال ، وركعتان بعد العصر (٦).

وفي بعضها غير ذلك (٧).

وتقديمها على الفريضة أفضل ، لصحيحة عليّ بن يقطين (٨). وما في بعضها أنّ تأخير النافلة عن الفريضة أولى (٩) فأوّلها الشيخ بمن أدرك الوقت

__________________

(١) انظر الوسائل ٣ : ٤٢ أبواب أعداد الفرائض ب ١٤ ح ٢ ، ٦ ، وب ١٥ ح ٩ ، ١٠.

(٢) الوسائل ٥ : ٢٢ أبواب صلاة الجمعة ب ١١ ح ١ ، ٦ ، ١٠ ، ١٢ ، ١٩.

(٣) الوسائل ٥ : ٢٣ أبواب صلاة الجمعة ب ١١ ح ٥.

(٤) الوسائل ٥ : ٢٣ أبواب صلاة الجمعة ب ١١ ح ٧.

(٥) الوسائل ٥ : ٢٣ أبواب صلاة الجمعة ب ١١ ح ٦ ، ١٠ ، ١٢ ، ١٩.

(٦) الوسائل ٥ : ٢٣ أبواب صلاة الجمعة ب ١١ ح ٥.

(٧) انظر الوسائل ٥ : ٢٤ أبواب صلاة الجمعة ب ١١ ح ٩.

(٨) التهذيب ٣ : ١٢ ح ٣٨ ، وص ٢٤٦ ح ٦٧٢ ، الاستبصار ١ : ٤١١ ح ١٥٧٠ ، الوسائل ٥ : ٢٣ أبواب صلاة الجمعة ب ١١ ح ٣.

(٩) الوسائل ٥ : ٢٧ أبواب صلاة الجمعة ب ١٣ ح ٣.

٨٢

ولم يصلّها (١) ، والعمل على الكلّ حسن للمسامحة في المستحبّات.

السابع : تسقط في السفر نافلة الظهرين بلا خلاف ، للأخبار المعتبرة المستفيضة (٢)

والوتيرة على المشهور بينهم ، المدّعى عليه الإجماع من ابن إدريس (٣) ، للأخبار المعتبرة المستفيضة القائل كثير منها إنّ الصلاة في السفر ركعتان ليس قبلهما ولا بعدهما شي‌ء إلّا المغرب (٤).

وقيل بعدم سقوطها (٥) ، لقويّة الفضل بن شاذان المعلّل عدم تركها فيها بأنّها زيادة في الخمسين تطوّعاً ليتمّ بها بدل كلّ ركعة من الفريضة ركعتين من التطوّع (٦) ، فتحمل سائر الأخبار على إرادة الرواتب.

ولكن استثناء المغرب في تلك الأخبار يجعلها في حكم النصّ على سقوط نافلة العشاء ، إلا أن يقال بأنّ هذه القويّة تقيّد ما بقي بعد إخراج المغرب ، ولا بأس به ، سيّما مع المسامحة في أدلّة السنن ، وخصوصاً مع ملاحظة صحيحة محمّد بن مسلم : «لاتصلّ قبل الركعتين ولا بعدهما شيئاً نهاراً» (٧) مع أنّ المتبادر من سائر الأخبار أيضاً صلاة النهار ، وعموم موثّقة سماعة : «وليتطوّع بالليل ما شاء» (٨).

__________________

(١) التهذيب ٣ : ١٤ ذ. ح ٤٨.

(٢) الوسائل ٣ : ٥٩ أبواب أعداد الفرائض ب ٢١.

(٣) السرائر ١ : ١٩٤.

(٤) الوسائل ٣ : ٦٠ أبواب أعداد الفرائض ب ٢١ ح ٣ ، ٧.

(٥) النهاية : ٥٧.

(٦) الفقيه ١ : ٢٩٠ ح ١٣٢٠ ، علل الشرائع : ٢٦٧ ، الوسائل ٣ : ٧٠ أبواب أعداد الفرائض ب ٢٩ ح ٣.

(٧) التهذيب ٢ : ١٤ ح ٣٢ ، الوسائل ٣ : ٥٩ أبواب أعداد الفرائض ب ٢١ ح ١.

(٨) الكافي ٣ : ٤٣٩ ح ١ ، الوسائل ٣ : ٦٤ أبواب أعداد الفرائض ب ٢٤ ح ٤.

٨٣

المطلب الثاني في صلاة الاستسقاء

واستحبابها عند غور الأنهار وفتور الأمطار إجماعيّ ، وتدلّ عليه الأخبار المستفيضة (١).

وكيفيّتها مثل صلاة العيدين بلا خلاف ، والأخبار ناطقة بتسويتها معها (٢).

ومن جملة كيفيّاتها : تأخّر الخطبتين كما نصّ عليه في الأخبار (٣) ، وما في بعض الأخبار من تقديمهما (٤) فهو مهجور.

نعم يذكر في القنوت ما يناسب المقام من طلب الرحمة والاستعطاف ، وكذلك يذكر في الخطبة ما يناسب المقام ، والأولى اختيار المأثور (٥).

ويستحبّ أن يصوم الناس ثلاثة أيام قبلها ، ويكون الخروج اليوم الثالث للرواية (٦).

وأن يكون اثنين كما فيها (٧) ، أو الجمعة ؛ لكونها محلّ الإجابة وأفضل الأيام.

وأن يغتسلوا للصلاة ، بل يمكن الاستحباب قبل الصيام أيضاً ، لعموم موثّقة سماعة حيث ذكر غسل الاستسقاء (٨) ، وفي فلاح السائل عن مدينة العلم غسل صلاة الاستسقاء (٩).

__________________

(١) انظر الوسائل ٥ : ١٦٢ أبواب صلاة الاستسقاء ب ١ ، ٢ ، ٥.

(٢) انظر الوسائل ٥ : ١٦٢ أبواب صلاة الاستسقاء ب ١ ، ٢ ، ٥.

(٣) انظر الوسائل ٥ : ١٦٢ أبواب صلاة الاستسقاء ب ١ ، ٢ ، ٥.

(٤) التهذيب ٣ : ١٥٠ ح ٣٢٧ ، الاستبصار ١ : ٤٥١ ح ١٧٤٩ ، الوسائل ٥ : ١٦٧ أبواب صلاة الاستسقاء ب ٥ ح ٢.

(٥) انظر مستدرك الوسائل ٦ : ١٧٩ أبواب صلاة الاستسقاء ب ١ ، وص ١٩٧ ب ١١.

(٦) الوسائل ٥ : ١٦٤ أبواب صلاة الاستسقاء ب ٢ ، وب ١ ح ٢.

(٧) الوسائل ٥ : ١٦٤ أبواب صلاة الاستسقاء ب ٢ ، وب ١ ح ٢.

(٨) الكافي ٣ : ٤٠ ح ٢ ، الفقيه ١ : ٤٥ ح ١٧٦ ، التهذيب ١ : ١٠٤ ح ٢٧٠ ، الاستبصار ١ : ٩٧ ح ٣١٥ ، الوسائل ٢ : ٩٣٧ أبواب الأغسال المسنونة ب ١ ح ٣.

(٩) نقله عنه في البحار ٨١ : ٢٣ ، والمستدرك ٢ : ٤٩٨.

٨٤

وأن يخرجوا إلى الصحراء للرواية (١) ، وحفاة على سكينة ووقارٍ ؛ للتذلّل والخشوع المطلوب في المقام.

وأن يُخرجوا معهم الشيوخ والأطفال والعجائز ، لقوله عليه‌السلام : «لولا أطفال رضّع وشيوخ ركّع وبهائم رتّع لصبّ عليكم العذاب صبّاً» (٢) وقال : «إذا بلغ الرجل ثمانين سنة غفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر» (٣) فهؤلاء أقرب إلى الرحمة.

وأن يفرّقوا بين الأطفال والأُمّهات ، ليكثر البكاء والعجيج.

وأن يحوّل الإمام رداءه حين يفرغ ، بأن يجعل ما على يمينه على يساره وبالعكس ، للروايات (٤). ويستقبل القبلة ويكبّر مائة رافعاً صوته. ويسبّح إلى يمينه كذلك ، ويهلل عن يساره كذلك ، ويستقبل الناس بوجهه ويحمد الله كذلك ، فيدعو ثمّ يدعون ثمّ يخطب. وذكر المحقّق أنّهم يتابعونه في الأذكار (٥).

وأن يكرّر الخروج إن تأخّرت الإجابة ، للإجماع ، ولأنّ الله يحبّ إلحاح الملحّين في الدعاء فيستمرّون بالصوم حتّى تنزل بهم الرحمة ، وفتواهم بإطلاقها تقتضي الخروج مطلقاً ، فلا حاجة إلى تحديد الصيام ثلاثة أيام إلّا أن لا يستمرّوا عليه.

المطلب الثالث في نوافل شهر رمضان

فالمشهور استحباب ألف ركعة في شهر رمضان زيادة على غيره ، وربّما نقل عن

__________________

(١) التهذيب ٣ : ١٥٠ ح ٣٢٥ ، الوسائل ٥ : ١٦٦ أبواب صلاة الاستسقاء ب ٤ ح ١.

(٢) الكافي ٢ : ٢٧٦ ح ٣١ ، الوسائل ١١ : ٢٤٣ أبواب جهاد النفس ب ٤١ ح ٦.

(٣) الخصال : ٥٤٤ ح ٢١ ، البحار ٧٠ : ٣٨٨ ح ٤.

(٤) الوسائل ٥ : ١٦٢ أبواب صلاة الاستسقاء ب ١ ، ٢.

(٥) المعتبر ٢ : ٣٦٥.

٨٥

الصدوق نفيه (١) ، وكلامه في الفقيه لا يقتضيه (٢).

والمذهب هو الأوّل ، للأخبار المستفيضة (٣) ، والعمومات ، خصوصاً قوله عليه‌السلام : «الصلاة خير موضوع» (٤).

والأخبار الظاهرة في نفيها ، الناطقة بأنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان لا يصلّي ، وأنه لو كان فضلاً كان هو صلى‌الله‌عليه‌وآله أعمل به وأحقّ ونحو ذلك (٥) مؤوّلة مهجورة.

ويحتمل أن يكون الغرض فيها نفي صلاة التراويح.

ولعلّه إلى ذلك يشير تأويل الشيخ ؛ حيث أوّلها بأنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يكن يصلّي النافلة جماعة في شهر رمضان (٦) كما يشهد به بعض الأخبار أيضاً (٧).

واستحباب هذا العدد إنّما يحصل من مجموع الروايات الواردة فيها مع اختلاف في توظيفها وتوزيعها على الليالي.

فالمشهور أنّه يصلّى في كل ليلة عشرين ركعة : ثمان بعد المغرب ، واثنتي عشرة ركعة بعد العشاء ، وفي كلّ ليلة من العشر الأواخر ثلاثين على الترتيب المذكور (٨). ويظهر من بعض الروايات العكس (٩) ، ولذا قيل بالتخيير (١٠).

__________________

(١) كما في السرائر ١ : ٣١٠ ، والذكرى : ٢٥٣.

(٢) الفقيه ٢ : ٨٩.

(٣) الفقيه ٢ : ٨٨ ح ٣٩٧ ، التهذيب ٣ : ٦٣ ح ٢١٤ ، الاستبصار ١ : ٤٦٢ ح ١٧٩٧ ، الوسائل ٥ : ١٨٠ أبواب نافلة شهر رمضان ب ٧ ح ٣.

(٤) الخصال ٢ : ٥٢٣ ح ١٣ ، معاني الأخبار : ٣٣٢ ح ١ ، الوسائل ٣ : ٥١٨ أبواب أحكام المساجد ب ٤٢ ح ١.

(٥) الوسائل ٥ : ١٩٠ أبواب نافلة شهر رمضان ب ٩.

(٦) التهذيب ٣ : ٦٩.

(٧) الوسائل ٥ : ١٩١ أبواب نافلة شهر رمضان ب ١٠.

(٨) الوسائل ٥ : ١٧٩ أبواب نافلة شهر رمضان ب ٧ ح ٢ ، ١٠ ، ١٣.

(٩) الوسائل ٥ : ١٨١ أبواب نافلة شهر رمضان ب ٧ ح ٣.

(١٠) المدارك ٤ : ٢٠٢.

٨٦

وكيف كان فيبقى بعد ذلك ثلاثمائة تصلّى في ليالي الإحياء الثلاثة مضافاً إلى ما تقدّم ، في كلّ ليلة مائة على قول (١).

وعن الأكثر (٢) موافقاً لرواية المفضّل (٣) الاقتصار في تلك الليالي على المائة ، فتبقى ثمانون توزّع على الجمعات ، يصلّى في كلّ جمعة عشر ركعات بصلاة عليّ وفاطمة وجعفر عليهم‌السلام ، وفي آخر جمعة عشرين بصلاة عليّ عليه‌السلام ، وفي عشيّة تلك الجمعة عشرين بصلاة فاطمة عليها‌السلام ، والعمل على الكلّ حسن.

وقال في الذكرى : لو فات شي‌ء من تلك النوافل يقضيها نهاراً (٤) ، وقد تأمّل فيه بعض المتأخّرين (٥) ، ولا بأس بمتابعة الشهيد رحمه‌الله.

المطلب الرابع في سائر النوافل

وهي كثيرة جدّاً ، مذكورة في كُتُب الأدعية ، إلّا أنّا نذكر كثيراً منها إجمالاً.

فمن اكدها وأفضلها :

صلاة جعفر بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه

وتسمّى صلاة التسبيح ، وصلاة الحبوة ، وهو إجماع علمائنا وأكثر المسلمين. والأخبار الصحيحة في فضلها مستفيضة (٦).

__________________

(١) الخلاف ١ : ٥٣ مسألة ٢٦٩ ، الاقتصاد : ٢٧٣ ، السرائر ١ : ٣١٠.

(٢) كالمفيد في المقنعة : ١٦٧ ، والسيد في الانتصار : ٥٥ ، والقاضي في المهذّب ١ : ١٤٦ ، وسلار في المراسم : ٨٢ ، وابن حمزة في الوسيلة : ١١٦ ، والشيخ في المبسوط ١ : ١٣٣ والنهاية : ١٤٠.

(٣) التهذيب ٣ : ٦٦ ح ٢١٨ ، الاستبصار ١ : ٤٦٦ ح ١٨٠٢ ، الوسائل ٥ : ١٧٨ أبواب نافلة شهر رمضان ب ٧ ح ١.

(٤) الذكرى : ٢٥٤.

(٥) المدارك ٤ : ٢٠٤.

(٦) الوسائل ٥ : ١٩٤ أبواب صلاة جعفر ب ١.

٨٧

وهي أربع ركعات بتسليمتين ، متى صلّيتهن غفر لك ما بينهن ، إن استطعت كلّ يوم ، وإلّا فكلّ يومين ، أو كلّ جمعة ، أو كلّ شهر ، أو كل سنة ، فإنّه يغفر لك ما بينهما كما في بعضها.

ويجوز جعلها من النوافل الرواتب وقضائها ، لصحيحة ذريح ، وغيرها من الأخبار (١)

وفي الذكرى يظهر من بعض الأصحاب جعلها من قضاء الفرائض أيضاً (٢) ، ويطابقه إطلاق الصحيحة : «وإن شئت جعلتها من قضاء صلاة».

وكيفيّتها : أن يقرأ في كلّ ركعة الحمد وسورة.

ويستحبّ أن تكون إذا زلزلت الأرض في الأُولى ، والعاديات في الثانية ، وإذا جاء في الثالثة ، والتوحيد في الرابعة.

ويقول بعد السورة : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلّا الله والله أكبر ، خمس عشرة مرّة على المشهور ، وقيل : قبل القراءة (٣) ، ثم يركع ويقولها عشراً ، ثمّ يرفع ويقولها عشراً ، ثمّ يسجد ويقولها عشراً ، وكذلك في الرفع وفي السجود الثاني ، وفي الرفع عنه ، وهكذا يفعل في باقي الركعات.

ويجوز تجريدها عن التسبيح ثم قضاؤه بعدها وهو ذاهب في حوائجه لمن كان مستعجلاً ، كما في رواية أبي بصير (٤) وأبان (٥).

ويدعو بالمأثور ، وفي رواية الحسن بن محبوب في آخر سجدة منها (٦).

ومنها : صلاة أمير المؤمنين عليه‌السلام أربع ركعات ، في كلّ ركعة الحمد مرّة

__________________

(١) التهذيب ٣ : ١٨٧ ح ٤٢٢ ، الوسائل ٥ : ٢٠٠ أبواب صلاة جعفر ب ٥ ح ١.

(٢) الذكرى : ٢٤٩.

(٣) الفقيه ١ : ٣٤٧.

(٤) الفقيه ١ : ٣٤٩ ح ١٥٤٣ ، الوسائل ٥ : ٢٠٣ أبواب صلاة جعفر ب ٨ ح ٢.

(٥) الكافي ٣ : ٤٦٦ ح ٣ ، التهذيب ٣ : ١٨٧ ح ٤٢٤ ، الوسائل ٥ : ٢٠٢ أبواب صلاة جعفر ب ٨ ح ١.

(٦) الكافي ٣ : ٤٦٦ ح ٥ ، الفقيه ١ : ٣٤٩ ح ١٥٤٤ ، الوسائل ٥ : ١٩٩ أبواب صلاة جعفر ب ٣ ح ٢.

٨٨

وقل هو الله أحد خمسين مرّة.

ومنها : صلاة فاطمة ، وهي ركعتان ، في الأُولى الحمد مرّة والقدر مائة مرّة ، وفي الثانية الحمد مرّة والتوحيد مائة مرّة.

ومنها : صلاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله والحسن والحسين عليهما‌السلام.

ومنها : صلاة يوم الغدير وأوّل ذي الحجّة ، وليلة المبعث ، ويومه ، وليلة النصف من شعبان.

وصلاة الغفيلة تصلّى في ساعة الغفلة ، وهي ما بين مغيب الشمس إلى مغيب الحمرة بين العشاءين.

وصلاة هدية المعصومين ، والأعرابي ، والاستخارة ، والحوائج ، والشكر ، وتحيّة المسجد ، والزيارة ، وليلة الدفن ، والاستطعام ، والحبل ، والدخول بالزوجة ، وإرادة التزويج ، والسفر ، وغير ذلك مما هو مذكور في كتب الأدعية مع آدابها وشرائطها وكيفيّتها لا يسعها هذا الكتاب ، وقد ذكر أكثر ما ذكرنا الشهيد في الذكرى (١) ، هذا كله في ذات السبب.

وتستحبّ الصلاة بدون ذلك أيضاً مبتدأة ، فإنّها خير موضوع ، فمن شاء استكثر ، ومن شاء استقلّ ، كما في الحديث (٢).

وكلّ النوافل ركعتان ، إلّا صلاة الأعرابي ، فهي عشر ركعات بثلاث تسليمات ، ثنتان منها بتسليم ، وثمان منها بتسليمتين ، وسيجي‌ء بعض أحكام النوافل في تضاعيف الأبواب.

__________________

(١) الذكرى : ٢٥٥.

(٢) الخصال ٢ : ٥٢٣ ح ١٣ ، معاني الأخبار : ٣٣٢ ح ١ ، الوسائل ٣ : ٥١٨ أبواب أحكام المساجد ب ٤٢ ح ١.

٨٩

المقصد الرابع

في القصر والإتمام

وفيه مباحث :

الأوّل : وجوب القصر في الرباعيّات للمسافر إجماعيّ عند علمائنا ، مدلول عليه بالأخبار (١) ، وتركه مُبطل للصلاة إذا كان عالماً عامداً.

وأما إذا كان جاهلاً فأتمّ فيما يجب فيه القصر فالمشهور صحة صلاته ، لصحيحة زرارة ومحمّد بن مسلم (٢) ، فلا تجب الإعادة مطلقاً. وهذا مستثنى من بطلان عبادة الجاهل بالتفاصيل كما هو مذهب جمهور أصحابنا.

والظاهر أنّ ذلك لا ينافي كونه عاصياً بترك تحصيله إذا علم إجمالاً بأنّ للشرع أحكاماً وللصلاة شرائط.

وقال ابن الجنيد (٣) وأبو الصلاح (٤) : إنّه يعيد في الوقت لصحيحة العيص ،

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٤٩٠ أبواب صلاة المسافر ب ١.

(٢) الفقيه ١ : ٢٧٨ ح ١٢٦٦ ، التهذيب ٣ : ٢٦٦ ح ٥٧١ ، الوسائل ٥ : ٥٣١ أبواب صلاة المسافر ب ١٧ ح ٤.

(٣) نقله عنه في المختلف ٣ : ١١٥.

(٤) الكافي في الفقه : ١١٦.

٩٠

الشاملة بإطلاقها للجاهل والناسي (١).

ومذهب ابن أبي عقيل الإعادة مطلقاً (٢) ، لصحيحة الحلبي (٣) ، وظاهرها حكم الناسي ، فتحمل على الإعادة في الوقت.

وعلى المختار فيقتصر في أصل المسألة ولا يتعدّى إلى سائر أحكام القصر والإتمام ، لعدم دلالة الرواية إلّا على ذلك ، ولا إلى القصر في موضع الإتمام وإن وردت به رواية صحيحة (٤) وعمل بها صاحب الجامع (٥) ، لعدم مقاومتها مع متروكيتها لما دلّ على بطلان عبادة الجاهل (٦).

وأمّا الناسي ، فالمشهور فيه الإعادة في الوقت ، لصحيحة العيص المتقدّمة (٧) ، وصحيحة أبي بصير (٨).

وقيل : يعيد مطلقاً (٩) ، لصحيحة الحلبي المتقدّمة (١٠). ونحملها على الإعادة في الوقت أو الاستحباب.

الثاني : في شرائط القصر واستمراره وهي أُمور :

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٣٥ ح ٦ ، التهذيب ٣ : ٢٢٥ ح ٥٦٩ ، الاستبصار ١ : ٢٤١ ح ٨٦٠ ، الوسائل ٥ : ٥٣٠ أبواب صلاة المسافر ب ١٧ ح ١.

(٢) نقله في الذكرى : ٢٥٩.

(٣) التهذيب ٢ : ١٤ ح ٣٣ ، الوسائل ٥ : ٥٣١ أبواب صلاة المسافر ب ١٧ ح ٦.

(٤) التهذيب ٣ : ٢٢١ ح ٥٥٢ ، الوسائل ٥ : ٥٣٠ أبواب صلاة المسافر ب ١٧ ح ٣.

(٥) الجامع للشرائع : ٩٣.

(٦) بحار الأنوار ١ : ٢٠٨.

(٧) الكافي ٣ : ٤٣٥ ح ٦ ، التهذيب ٣ : ٢٢٥ ح ٥٦٩ ، الاستبصار ١ : ٢٤١ ح ٨٦٠ ، الوسائل ٥ : ٥٣٠ أبواب صلاة المسافر ب ١٧ ح ١.

(٨) الفقيه ١ : ٢٨١ ح ١٢٧٥ ، التهذيب ٣ : ١٦٩ ح ٣٧٣ و ٢٢٥ ح ٥٧٠ ، الاستبصار ١ : ٢٤١ ح ٨٦١ ، الوسائل ٥ : ٥٣٠ أبواب صلاة المسافر ب ١٧ ح ٢.

(٩) نقله عن ابن أبي عقيل في الذكرى : ٢٥٩.

(١٠) التهذيب ٢ : ١٤ ح ٣٣ ، الوسائل ٥ : ٥٣١ أبواب صلاة المسافر ب ١٧ ح ٦.

٩١

الأوّل : المسافة ولا خلاف بين العلماء في اشتراطها ، وأجمع أصحابنا على أنّه لا يجوز التقصير في أقلّ من ثمانية فراسخ أو مسيرة يوم على ما نقله جماعة منهم (١).

والمشهور عندهم اشتراط الثمانية ممتدة ، أو أربعة يعود فيها ليومه (٢).

وقيل : يتخيّر في الثاني بين القصر والتمام ، وهو قول الشيخ على ما فهمه من كتابي الأخبار جماعة (٣) ، ونقله في الذكرى عن المبسوط وقوّاه (٤).

وأما إذا لم يرد الرجوع ليومه ، فذهب جماعة منهم إلى التخيير (٥).

وفصّل الشيخ في النهاية فجوّز قصر الصلاة دون الصوم (٦).

وقيل باللزوم فيما أراد الرجوع ليومه ، والتخيير فيما أراد الرجوع غداً (٧).

وذهب ابن أبي عقيل إلى لزوم القصر في الثمانية الممتدّة والأربعة الّتي عاد فيها ليومه أو ما دون عشرة أيام ، وقال : إنّه كذلك عند آل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله (٨) ، وهو الأقرب عندي ، وفاقاً لجماعة من علمائنا المعاصرين والسابقين المقاربين لعصرنا (٩).

وإنما نشأ الخلاف من اختلاف الأخبار ، وهي على ثلاثة أصناف :

الأوّل : ما دلّ على اعتبار ثمانية فراسخ ، أو بريدين ، أو مسيرة يوم ، أو بياض يوم ، وفي صحيحة عليّ بن يقطين : «يجب عليه القصر إذا كان مسيرة يوم ، وإن كان

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٤٦٥ ، المنتهي ١ : ٣٨٩ ، التحرير ١ : ٥٥ ، المدارك ٤ : ٤٢٨ ، الذخيرة : ٤٠٥ ، كفاية الأحكام : ٥٥.

(٢) الفقيه ١ : ٢٨٠ ، المقنعة : ٣٤٩ ، السرائر ١ : ٣٢٩ ، الشرائع ١ : ١٢٢ ، البيان : ٢٥٩.

(٣) انظر التهذيب ٣ : ٢٠٨ ، والاستبصار ١ : ٢٢٤.

(٤) الذكرى : ٢٥٦.

(٥) كالشيخ الصدوق في الفقيه ١ : ٢٨٠ ، والشيخ المفيد في المقنعة : ٣٤٩.

(٦) النهاية : ١٦١.

(٧) المراسم : ٧٥.

(٨) حكاه عنه في المختلف ٣ : ١٠٢.

(٩) الحدائق الناضرة ١١ : ٣١٥.

٩٢

يدور في عمله» (١) وأكثر تلك الأخبار صحيحة أو موثّقة.

والثاني : ما دلّ على وجوب القصر في بريد أو أربعة فراسخ ، وهي أيضاً في غاية الكثرة ، وأكثرها صحيحة أو موثقة أو حسنة ، ومنها روايات عرفات (٢).

والثالث : ما دلّ على أنّه إذا كانت المسافة بريداً ذاهباً وبريداً جائياً فيكفي في القصر ، وهي أيضاً كثيرة ، وأكثرها صحيحة أو موثّقة (٣).

وبملاحظة الصنف الأوّل والثالث تعرف أنّ المراد بالصنف الأوسط هو ما إذا أُريد العود ، فالمراد بالأربعة المطلقة هي نفس المسافة وإن صارت ثمانية بسبب العود.

والحاصل أنّ مقتضى ما دلّ على اعتبار الثمانية مطلقاً وصدقها على الأربعة المعادة أيضاً واضح ، وتقييدها بالعود ليومها لم يدلّ عليه دليل ؛ سيّما مع ملاحظة روايات عرفات ، فإنّها نصّ في الباب. ولا وجه للجمود عليها ، لعدم القول بالفصل ، سيّما مع ما يستفاد منها من العلّة مثل قولهم عليهم‌السلام «وأيّ سفر أشدّ منه» (٤).

وأما موثّقة محمّد بن مسلم عن الباقر عليه‌السلام ، قال : سألته عن التقصير ، قال : «في بريد» قال ، قلت : بريداً؟! قال : «إذا ذهب بريداً ورجع بريداً شغل يومه» (٥) فلا تدلّ على اعتبار العود في يومه ، ولا على تحتّمه في ذلك والتخيير في العود غداً كما هو واضح.

بل لمّا سمع الراوي الأخبار الدالة على ثمانية فراسخ ومسيرة يوم تعجّب من كون البريد فقط مسافة فسأل متعجّباً ، فرفع الإمام عليه‌السلام تعجّبه بأنّه إذا اعتبر

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٢٠٩ ح ٥٠٣ ، الاستبصار ١ : ٢٢٥ ح ٧٩٩ ، الوسائل ٥ : ٤٩٣ أبواب صلاة المسافر ب ١ ح ١٦.

(٢) الوسائل ٥ : ٤٩٩ أبواب صلاة المسافر ب ٣.

(٣) الوسائل ٥ : ٤٩٤ أبواب صلاة المسافر ب ٢.

(٤) الفقيه ١ : ٢٨٦ ح ١٣٠٢ ، التهذيب ٣ : ٢١٠ ح ٥٠٧ ، الوسائل ٥ : ٤٩٩ أبواب صلاة المسافر ب ٣ ح ١.

(٥) التهذيب ٤ : ٢٢٤ ح ٦٥٨ ، الوسائل ٥ : ٤٩٦ أبواب صلاة المسافر ب ٢ ح ٩.

٩٣

العود فيشغل يومه ، يعني يصير سفره بحيث يكون مسيرة يوم ، وإلّا فلا تجب إحاطة اليوم في السفر مطلقاً كما لا يخفى.

وبالجملة يظهر من اعتبار بياض يوم أو مسيرة يوم ، ومن إطلاق الثمانية في الأخبار (١) ، ومن العلّة الواردة في اعتبار هذا المقدار من أنّه لو لم يجب في مسيرة يوم لما وجب في مسيرة ألف سنة ، لأن كلّ يوم بعد هذا اليوم فإنّما هو نظير هذا اليوم وغير ذلك ؛ يظهر أنّ المناط في القصر هو ما إذا كانت المسافة بهذا المقدار على أيّ نحوٍ كان ، خرجنا عمّا (٢) لو حصل له قاطع من الخارج من إقامة العشرة أو الوصول إلى الوطن ونحوها بدليل ، وبقي الباقي.

والظاهر كفاية عدم نيّة قصد الإقامة بينها ، ولا تلزم نيّة عدم قصد الإقامة بينها.

وعلى ما بيّنا فتختلف فروع المسافة ، ويختلف (٣) الحكم عمّا حكم به جمهور علمائنا مما يتفرّع على تحقيق (٤) حدّ المسافة ، فمنها أنّهم لا يضمّون الإياب إلى الذهاب ، بل ادّعى الشهيد الثاني عليه الإجماع (٥).

ومما صرّحوا به في مسألة طالب الابق إذا بلغ حدّ المسافة أومأ دونها وعرف أنّه لا بدّ أن يذهب فرسخاً أو فرسخين أو نحوهما فإنّهم لا يحكمون بالقصر إلّا إذا شرع في الإياب ، ونحن نحكم بالقصر في الذهاب والإياب ، لأنّه قاصد للمسافة ، ويصدق أنّه يقطع ثمانية فراسخ أو مسيرة يوم ، ونحو ذلك.

وكذلك في البلد ذي الطريقين إحداهما مسافة والأُخرى دونها ، فيحكمون بالقصر مطلقاً إذا ذهب من الأبعد ، وإذا ذهب من الأقرب وعاد من الأبعد فيقصر في

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٩٠ ح ١٣٢٠ ، الوسائل ٥ : ٤٩٠ أبواب صلاة المسافر ب ١ ح ١.

(٢) كذا والأنسب : خرج ما.

(٣) في «ح» ، «ص» : يتخلّف.

(٤) في «ص» : تحقّق.

(٥) المسالك ١ : ٣٣٩

٩٤

العود لا غير ، ويظهر من ذلك أنّهم لا يضمّون الذهاب إلى الإياب مطلقاً.

ونحن نقول : إن لم يكن البلد وطنه ولا دار إقامته ولا يريد حصول قاطع فيها ويريد الرجوع قبل حصول القاطع فيقصر مطلقاً ، سواء ذهب من الأقرب وعاد من الأبعد أو بالعكس ، وذهب وعاد من الأقرب إذا كانت المسافة أربعة مطلقاً.

وكذلك فيما سيجي‌ء فيمن يخرج من دار إقامته ولم يقصد مسافة جديدة ، لكنه أراد الرجوع إلى منزله ، فيقصّر ذهاباً وإياباً ، وغير ذلك من الفروع.

ويظهر مما ذكرنا أنّ مبنى فتواهم هذه على تحقيقهم في أصل المسافة أنّ مدّعي الإجماع في هذه المسائل وهو الشهيد الثّاني صرّح بعلّة ذلك في نتائج الأفكار ، وقال : إن الإياب لا يضمّ إلى الذهاب.

قال : المعروف بينهم أنّ للذهاب حكماً منفرداً عن العود ، فلا يكمّل أحدهما بالآخر إلّا فيمن قصد أربعة فراسخ عازماً على العود في يومه أو ليلته ، وإنّما أُخرجت هذه بحكم النصّ. إلى أن قال : إذ لو اعتبر تكميل الذهاب بالعود صدق عزم المسافة فيمن قصد الرجوع من غده ، وهو معلوم البطلان (١). فلاحظ.

وإذا لم يثبت الإجماع في أصل المسألة ولم نسلّم ذلك ، فلئن لم نسلّم ما يتفرّع عليه لكان أولى.

ومما يدلّ على فساد دعوى الإجماع أنّه رحمه‌الله أيضاً نقل في نتائج الأفكار (٢) عبارة الشيخ في المبسوط (٣) ومتابعة المتأخّرين له (٤) ، وسننقلها في مسألة الخارج عن بلد الإقامة (٥).

__________________

(١) نتائج الأفكار (رسائل الشهيد الثاني) : ١٧٣.

(٢) نتائج الأفكار (رسائل الشهيد الثاني) : ١٧٣ و ١٨٦.

(٣) المبسوط ١ : ١٣٨.

(٤) كالعلّامة في التذكرة ٤ : ٤١٣.

(٥) ستأتي في ص ١٠٤.

٩٥

وأيضاً تحقّق الإجماع في أمثال هذه الفروع بعيد.

مع أنّ غاية ما يستفاد من كلمات الجمهور هو عدم ضمّ الإياب إلى الذهاب في تحقّق المسافة ، أما لو تحقّقت المسافة بدون ذلك ويكون هذا الذهاب ملحقاً بأصل المسافة فلا.

وما بيّنته لك مما لم يسبقني إليه أحد فيما أعلم ، لكن دأب الغير المتأمّل لا سيّما المقلّد للجمهور الردّ من غير رويّة ، عصمنا الله عمّا يكرهه.

فعلى ما ذكرنا ؛ فما نقل عن الأكثر من وجوب التمام على المتردّد في ثلاثة فراسخ خارج حدّ الترخّص ليس على ما ينبغي.

واستدلّ عليه في التذكرة بأنه لو لزم عليه القصر للزم على من تردّد في واحد ثماني مرّات (١). وهو كما ترى ؛ إذ الملازمة وبطلان التالي كلاهما ممنوعان.

ولو سلّمنا بطلان التالي فإنّما يكون من جهة كونه من الأفراد النادرة أو عدم إطلاق المسافر عليه عرفاً ، لا لعدم ضمّ العود إلى الذهاب.

ثمّ إنّ المسافة المقصودة إن علمت بتفصيلها فلا إشكال ، وإلّا فإن جهلت رأساً ولم يمكن تحصيل العلم بها فيتمّ أيضاً بلا خلاف ظاهر.

وأما لو لم يتعذّر العلم بها ففي وجوب تحصيل العلم بها وجهان ، من جهة أصالة التمام ، واستصحاب كونه أهلاً للحكم به ، وأصالة براءة الذمّة عن التكليف بالاعتبار. ومن جهة توقّف اليقين بالبراءة على تحصيل العلم به.

والثاني أحوط ، بل أظهر ، لأنّ وجوب القصر موقوف على قصد ما هو مسافة في نفس الأمر ، فإن الثمانية مثلاً اسم لما هو ثمانية ، لا ما علم أنّه ثمانية ، كما أنّ التثبّت في خبر الفاسق إنّما يجب فيما هو في نفس الأمر فاسق ، لأمن علم فسقه فقط ، فلذا يثبت خبر مجهول الحال إذ لا واسطة.

__________________

(١) التذكرة ٤ : ٣٧٣.

٩٦

فيجب حينئذٍ التفحّص والتثبّت في تحصيل العلم بالشرط ، لأنّ المكلّف حينئذٍ كما يحتمل عنده وجوب التمام لعدم العلم بحصول شرط القصر ، فيحتمل عنده وجوب القصر ، لاحتمال عدم تحقّق شرط التمام ، فكما أنّ الأصل عدم تحقّق شرط القصر فالأصل عدم تحقّق شرط التمام.

وجعل قصد المسافة مانعاً عن التمام لا عدمه شرطاً كأنه محض تغيير في العبارة.

وبالجملة فمع الإمكان لا تجوز المسامحة في التفحّص ، نظير المريض الذي يحتمل التضرّر من استعمال الماء ، فلا يجوز له استعمال الماء حتّى يحصل الظن بعدم الضرر ، ويتفحّص عن ذلك.

وعلى الأوّل ، فلو صلّى تماماً فلا يعيد إذا ظهر خلافه ، لأنّ الأمر يقتضي الإجزاء ، ولو دخل الوقت ولم يصلّ ومضى بمقدار الصلاة فالعبرة بحال الأداء ، ولا يجري فيه الخلاف الاتي.

وبعد حصول العلم فهل تعتبر المسافة التامّة بعد حصول العلم ، أم يكفي كون المجموع مسافة؟ الأظهر ذلك ، وفاقاً لجماعة من الأصحاب (١) ، لأنه قاصد نهاية معيّنة بقدر المسافة ، غاية الأمر الجهل بمقدارها تفصيلاً ، بخلاف طالب الابق فإنّ مقصده غير معلوم ؛ فلا يقاس به.

وربّما الحق به الصبي القاصد للمسافة إذا بلغ في الأثناء ، وفيه إشكال.

وتثبت المسافة بشهادة عدلين ، مع احتمال قبول الواحد لجعله من باب الخبر.

ويمكن الاكتفاء بالشياع المتاخم للعلم وإن كان باب الإشكال في الجميع مفتوحاً لفقد النصّ ، ولكن لزوم العسر والحرج ينفيه.

ثمّ قد ذكرنا أنّ كلّ واحد من التقدير بالفراسخ ومسيرة يوم يكفي في القصر ،

__________________

(١) كالشهيد في الذكرى : ٢٥٧ ، وصاحب المدارك ٤ : ٤٣٣.

٩٧

وربّما يرجح الأوّل لكونه تحقيقاً.

وربّما يرجح الثاني لأظهريّته من الأخبار (١) ، يعني أنّ بيان الفرسخ مجمل فيها.

وفيه : أنّه يرجع فيه إلى اللغة والعرف ، فلا إجمال كما بيّنا سابقاً.

والمعتبر في السير هو سير الإبل القطار والقوافل ، لحسنة الكاهلي (٢) ، وموثّقة عبد الرحمن بن الحجّاج (٣).

والمعتبر الأرض المتوسّطة والسير المتوسّط واليوم المتوسّط.

وعلى البناء على التقدير فلا فرق بين سرعة السير وبطئه ، فلو قطع راكب السفينة المسافة في ساعة يقصّر ، كما لو قطعها راكب الفرس في البرّ أربعة أيّام.

وأما لو قطع المسافة في سنة مثلاً فلا ، لخروجه عن اسم المسافر عرفاً كما ذكره في الذكرى ، وجعل من ذلك ما لو قارب بلده وتعمّد ترك الدخول وبقي في قرى تقاربه زماناً يخرج به عن اسم المسافر (٤).

الثاني : القصد إلى المسافة المعهودة سواء كان عالماً بمقدارها تفصيلاً أو علم مجرّد الغاية.

وتظهر الثمرة فيما لو علم في أواخر المسافة بكونها ثمانية فيقصّر ، وإن بقي منها أقلّ من المسافة المشروطة ، لما ذكرنا من أنّ حكم القصر معلّق في الأخبار على مسافة ثمانية فراسخ ومسيرة يوم ونحوهما ، والألفاظ أسامٍ للأُمور النفس الأمريّة ، غاية الأمر عدم وجوب القصر إلّا بعد العلم ، وذلك لا ينافي عدم اشتراط العلم التفصيلي في القصد.

والمراد بالقصد : هو القصد الجازم بإيقاع السفر ، لا بوقوعه ، كما في قصد

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٤٩٠ أبواب صلاة المسافر ب ١.

(٢) الفقيه ١ : ٢٧٩ ح ١٢٦٩ ، التهذيب ٤ : ٢٢٣ ح ٦٥٢ ، الوسائل ٥ : ٤٩١ أبواب صلاة المسافر ب ١ ح ٣.

(٣) التهذيب ٤ : ٢٢٢ ح ٦٤٩ ، الوسائل ٥ : ٤٩٣ أبواب صلاة المسافر ب ١ ح ١٥.

(٤) الذكرى : ٢٥٧

٩٨

الإقامة كما سيجي‌ء.

ويدلّ على اشتراطه مضافاً إلى الإجماع رواية صفوان (١) وموثّقة عمّار (٢).

فطالب الابق والغريم وهو لا يدري أين هو لا يقصّران وإن بلغ سفرهم ما بلغ ، إلّا أن يقصد العود ووصل إلى حدّ يكون مسافة ، أو هو مع ضميمة بقيّة الذهاب الذي يجزم بقطعها.

والغالب في القاطنين في مكان سيّما إذا كانوا ذوي عيال إرادة العود وإن لم يخطر ببالهم ذلك ، وذلك يكفي في القصد ، فإطلاق الأصحاب الحكم بالتمام وإن بلغ ما بلغ مشكل. ولا بدّ أن يقيّد بما ذكرنا.

وتخصيص الحكم بالقصر بالإياب فقط إذا قصد العود وبلغ مسافة غير ظاهر الوجه ، فإنّ قصد المسافة المعتبرة موجود فيمن يعلم قطع المسافة بما في الذهاب ويضمّ إليه العود.

ويظهر لمن تتبّع الأخبار أنّ ذلك معتبر عندهم عليهم‌السلام ، بل أقلّ من ذلك وأبعد ، فلاحظ صحيحة أبي ولّاد (٣) ، حيث اكتفي فيها بانضمام الأربعة الإيابيّة لمن بدا له العود من سفر كانت مسافته عشرين فرسخاً إلى الأربعة الذهابيّة وحكم فيها بالقصر ، وكذلك صحيحة زرارة (٤) ورواية المروزي (٥) وغيرها (٦).

ثمّ إنّ قصد المسافة لا يجب فيه الرضا به ، فالأسير والعبد وغيرهما يتبعون قصد من يذهب بهم ، فإن علموا قصده المسافة فيجب عليهم القصر بلا خلاف ظاهر ،

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٢٢٥ ح ٦٦٢ ، الاستبصار ١ : ٢٢٧ ح ٨٠٦ ، الوسائل ٥ : ٥٠٣ أبواب صلاة المسافر ب ٤ ح ١.

(٢) التهذيب ٤ : ٢٢٥ ح ٦٦١ ، الاستبصار ١ : ٢٢٦ ح ٨٠٥ ، الوسائل ٥ : ٥٠٤ أبواب صلاة المسافر ب ٤ ح ٣.

(٣) التهذيب ٣ : ٢٩٨ ح ٩٠٩ ، الوسائل ٥ : ٥٠٤ أبواب صلاة المسافر ب ٥ ح ١.

(٤) التهذيب ٤ : ٢٢٣ ح ٦٥٦ ، الوسائل ٥ : ٤٩٤ أبواب صلاة المسافر ب ٢ ح ١.

(٥) التهذيب ٤ : ٢٢٦ ح ٦٦٤ ، الاستبصار ١ : ٢٢٧ ح ٨٠٨ ، الوسائل ٥ : ٤٩٥ أبواب صلاة المسافر ب ٢ ح ٤.

(٦) التهذيب ٣ : ٢٠٨ ح ٤٩٦ ، وج ٤ : ٢٢٤ ح ٦٥٧ ، ٦٥٨ ، الاستبصار ١ : ٢٢٣ ح ٧٩٢ ، الوسائل ٥ : ٤٩٤ أبواب صلاة المسافر ب ٢ ح ٢.

٩٩

إلّا عن الشيخ في الأسير فإنّه لو خلّي رجع. ونقض بالعبد والزوجة (١).

والتحقيق : أنّه لو علم عدم التخلّص أو ظنّ ذلك فيبقى على القصر بناءً على ظاهر الحال ، وإن احتمل الأمرين أو جهل بقصدهم لم يقصّر.

كذلك العبد والزوجة إذا ظهر لهما أمارة الطلاق والتحرير وعزما على الرجوع متى حصلا يتمّان ، وبدونهما يقصّران.

الثالث : استمرار القصد فلو رجع أو حصل له التردّد قبل بلوغ المسافة أتمّ ، لصحيحة زرارة (٢) ، وصحيحة أبي ولّاد (٣) ، ورواية المروزي (٤) وغيرها (٥) ، ويكفي في بلوغ المسافة طيّ أربعة فراسخ بانضمام الإياب كما صرّح به في صحيحة أبي ولّاد (٦) ورواية إسحاق بن عمّار (٧).

نعم اختلفوا في من خرج قاصداً للمسافة وسنح له انتظار رفقة معلّقاً ذهابه على مجيئهم ، فالشيخ (٨) وابن البرّاج (٩) على أنّه إذا سار أربعة فراسخ فيقصّر ، إلّا أن يتبيّن له العزم على المقام أو يمضي ثلاثون يوماً مع التردّد ، وإن كان مسيره أقلّ من أربعة وجب عليه التمام ، إلّا أن يسير.

ويظهر من ذلك اكتفاؤه بالأربعة الإيابيّة ، فهو قاصد للمسافة ومستمرّ القصد إلى

__________________

(١) هذا الاستدلال والنقض مذكور في المنتهي ١ : ٣٩١ إلّا أنّه نسب الخلاف للشافعي ، ولم نجد من نسبه إلى الشيخ ، انظر مجمع الفائدة ٣ : ٣٧٠ ، والحدائق ١١ : ٣٣٩.

(٢) التهذيب ٤ : ٢٢٣ ح ٦٥٦ ، الوسائل ٥ : ٤٩٤ أبواب صلاة المسافر ب ٢ ح ١.

(٣) التهذيب ٣ : ٢٩٨ ح ٩٠٩ ، الوسائل ٥ : ٥٠٤ أبواب صلاة المسافر ب ٥ ح ١.

(٤) التهذيب ٤ : ٢٢٦ ح ٦٦٤ ، الاستبصار ١ : ٢٢٧ ح ٨٠٨ ، الوسائل ٥ : ٤٩٥ أبواب صلاة المسافر ب ٢ ح ٤.

(٥) التهذيب ٣ : ٢٠٨ ح ٤٩٦ ، وج ٤ : ٢٢٤ ح ٦٥٧ ، ٦٥٨ ، الاستبصار ١ : ٢٢٣ ح ٧٩٢ ، الوسائل ٥ : ٤٩٤ أبواب صلاة المسافر ب ٢ ح ٢ ، ٩.

(٦) المتقدّمة آنفاً.

(٧) التهذيب ٣ : ٢٠٩ ح ٥٠٢ ، الاستبصار ١ : ٢٢٥ ح ٧٩٨ ، الوسائل ٥ : ٥٠٠ أبواب صلاة المسافر ب ٣ ح ٦.

(٨) النهاية : ١٢٥.

(٩) المهذّب ١ : ١٠٩.

١٠٠