غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ٢

الميرزا أبو القاسم القمّي

غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ٢

المؤلف:

الميرزا أبو القاسم القمّي


المحقق: عباس تبريزيان
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-424-250-5
الصفحات: ٦٣١

وصحيحة حمّاد فيما علّمه الصادق عليه‌السلام : أنّه سجد على الثمانية الأعظم : الكفين ، والركبتين ، وأنامل إبهامي الرجلين ، والجبهة ، والأنف ، وقال : «سبعة منها فرض ، ووضع الأنف على الأرض سنّة» (١).

وهذان الخبران مشتملان على المجموع في الأخبار وما يستفاد منها متفرّقة أيضاً.

ثمّ إنّ الخبرين مطلقان ، ويحصل الامتثال بمجرّد المسمّى ، لصدق الطبيعة بإيجاد فردٍ ما منها ، وكأنّه لا خلاف في ذلك بين الأصحاب في غير الجبهة.

نعم يظهر من العلامة في المنتهي التردّد في الكفّ ، فقال : هل يجب استيعاب جميع الكفّ بالسجود؟ عندي فيه تردّد ، والحمل على الجبهة يحتاج إلى دليل ، لورود النصّ في خصوص الجبهة ، إلى آخر ما قال (٢).

ولعلّ نظره رحمه‌الله إلى أنّ هذه الأعضاء أسامي لمجموعها حقيقة ، ومجاز في البعض ، فالأصل الحقيقة ، وأما الرُّكبتان والإبهامان لما خرجا بالدليل من جهة عدم القدرة على وضع التمام فيهما ، أو الاتّفاق على جواز المسمّى ، وكذلك الجبهة لما سنحقّقه ، فتبقى اليد مندرجة تحت العموم.

ولا يخفى أنّ المصلّي متمكّن من وضع تمام الكفّ ، وصدق وضع الكفّ على وضع بعضها لعلّه في مقام المنع ، فلا بدّ من وضعها كذلك ، سيّما مع الشكّ في البراءة عنه إلّا بذلك.

ويمكن القدح في ذلك بأنّ كون هذه حقيقة في الكلّ مسلّم ، لكن وضعها يكون حقيقة في وضع الكلّ في مقام المنع ، والكلام إنّما هو في المضاف ؛ فتدبّر.

والمشهور بين الأصحاب والمنقول عن ظاهر علمائنا إلّا المرتضى رحمه‌الله

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣١١ ح ٨ ، الفقيه ١ : ١٩٦ ح ٩١٦ ، التهذيب ٢ : ٨١ ح ٣٠١ ، الوسائل ٤ : ٦٧٣ أبواب أفعال الصلاة ب ١ ح ١.

(٢) المنتهي ١ : ٢٩٠.

٦٠١

عدم الاجتزاء إلّا بالباطن (١) و (٢) ، لأنّ ذلك هو المعهود من صاحب الشرع ، فلا يجوز وضع الظاهر على الأرض.

وظاهر الخبرين الإطلاق بالنظر إلى الباطن والظاهر ؛ ككلام الأصحاب ، والخبر الأوّل بالنظر إلى الأنملة وغيرها.

والأظهر جواز الاكتفاء بمسمّى وضع الإبهام ، والأولى وضع الأنامل كما يظهر من خبر حمّاد ، وأما الاعتماد على الظاهر أو الباطن فلم يظهر من الأخبار ، ولعلّ الثاني آنس وأقرب بالمعهود والمتعارف.

وأما قول السيّد رحمه‌الله فلم يظهر وجهه.

ويتحقّق السجود بالاعتماد على هذه الأعضاء كما نقل عن صريح جماعة من الأصحاب (٣) ، وهو الظاهر من معنى السجود أيضاً ، فإذا سجد على مثل لحاف فيه قطن ، أو صوف يجب الاعتماد حتّى يستقرّ ، ثمّ يحسب من سجدته.

وأما الجبهة فالأقوى فيها أيضاً الاجتزاء بمسمّى الوضع ، وفاقاً لأكثر الأصحاب.

لنا : الأخبار الكثيرة المعتبرة ، ففي صحيحة زرارة عن أحدهما عليهما‌السلام قال ، قلت : الرجل يسجد وعليه قلنسوة أو عمامة ، قال : «إذا مسّ شي‌ء من جبهته الأرض فيما بين حاجبيه وقصاص شعره فقد أجزأ عنه» (٤).

وصحيحته الأُخرى عن الصادق عليه‌السلام ، قال : «ما بين قصاص الشّعر إلى طرف الأنف مسجد ، أيّ ذلك أصبت به الأرض أجزأك» (٥) وموثّقة عمّار

__________________

(١) منهم العلامة في نهاية الإحكام ١ : ٤٩٠ ، والشهيد في الذكرى : ٢٠١.

(٢) جمل العلم (رسائل الشريف المرتضى) ٣ : ٣٢.

(٣) كالعلامة في نهاية الإحكام ١ : ٤٨٩ ، والمحقّق الكركي في جامع المقاصد ٢ : ٣٠١ ، والشهيد الثاني في روض الجنان : ٢٧٦.

(٤) الفقيه ١ : ١٧٦ ح ٨٣٣ ، التهذيب ٢ : ٨٥ ح ٣١٤ ، وص ٢٣٦ ح ٩٣١ ، الوسائل ٤ : ٩٦٢ أبواب السجود ب ٩ ح ١.

(٥) الفقيه ١ : ١٧٦ ح ٨٣٧ ، الوسائل ٤ : ٩٦٣ أبواب السجود ب ٩ ذ. ح ٤.

٦٠٢

عنه عليه‌السلام مثلها (١).

وفي رواية بريد بن معاوية العجلي عن الباقر عليه‌السلام ، قال : «الجبهة إلى الأنف ، أيّ ذلك أصبت بها الأرض في السجود أجزأك ، والسجود عليه كلّه أفضل» (٢).

وفي ذيل صحيحة زرارة التي أوردناها في سجود العاجز : «إنّما كره من كره السجود على المروحة من أجل الأوثان التي كانت تعبد من دون الله ، وإنّا لم نعبد غير الله قط ، فاسجد على المروحة وعلى السواك وعلى عود» (٣) إلى غير ذلك من الأخبار (٤).

وذهب ابن بابويه وابن إدريس إلى اعتبار مقدار الدرهم (٥) ، ولعلّ مستندهما في ذلك حسنة زرارة عن الباقر عليه‌السلام ، قال : «الجبهة كلّها من قصاص شعر الرأس إلى الحاجبين موضع السجود ، فأيّما سقط من ذلك إلى الأرض أجزأك مقدار الدرهم ، أو مقدار طرف الأنملة» (٦) وهو كما ترى ينادي بخلاف مذهبهم.

اللهم إلّا أن يجعل مقدار طرف الأنملة عطفاً تفسيريّاً ، ويكون مرادهم هذا القدر ، ولا يخفى ما فيه.

ونقل عن ابن الجنيد القول بوجوب وضع تمام الجبهة (٧) ، وتدلّ عليه صحيحة

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٧٦ ح ٨٣٦ ، التهذيب ٢ : ٢٩٨ ، ح ١٢٠١ ، الاستبصار ١ : ٣٢٧ ح ١٢٢٢ ، الوسائل ٤ : ٩٦٣ أبواب السجود ب ٩ ح ٤.

(٢) التهذيب ٢ : ٢٩٨ ح ١١٩٩ ، الاستبصار ١ : ٣٢٦ ح ١٢٢١ ، الوسائل ٤ : ٩٦٣ أبواب السجود ب ٩ ح ٣.

(٣) الفقيه ١ : ٢٣٦ ح ١٠٣٩ ، التهذيب ٣ : ٣١١ ح ١٢٦٤ ، الوسائل ٣ : ٦٠٦ أبواب ما يسجد عليه ب ١٥ ح ١ ، ٢.

(٤) التهذيب ٢ : ٨٥ ح ٣١٣ ، الوسائل ٤ : ٩٦٢ أبواب السجود ب ٩ ح ٢.

(٥) المقنع (الجوامع الفقهيّة) : ٧ ، السرائر ١ : ٢٢٥.

(٦) الكافي ٣ : ٣٣٣ ح ١ ، الوسائل ٤ : ٩٦٣ أبواب السجود ب ٩ ح ٥.

(٧) نقله عنه في كشف اللثام ١ : ٢٢٨.

٦٠٣

عليّ بن جعفر عن أخيه موسى عليه‌السلام ، قال : سألته عن المرأة تطول قصّتها ، فإذا سجدت وقع بعض جبهتها إلى الأرض وبعضها يغطّيها الشعر ، هل يجوز ذلك؟ قال : «لا ، حتّى تضع جبهتها على الأرض» (١) وهي محمولة على الأفضليّة لمعارضتها بأقوى منها ، وتشهد له رواية العجلي المتقدّمة.

وأعلم أنّ الظاهر من هذه الرواية وصحيحة زرارة وموثّقة عمّار أنّ الجبهة ما بين قصاص الشعر إلى طرف الأنف ، ومن غيرها يظهر أنّها منه إلى الحاجبين.

وعلى الأوّل يلزم دخول البياض المتوسّط بين الحاجبين فوق الأنف في الجبهة ، وعلى الثاني خروجه منها ودخول الحاجبين فيها.

ويمكن البناء على الأوّل والقول بأنّ المراد من الانتهاء إلى الحاجبين حيث ما ينتهي إليهما ، وهاهنا لم ينتهِ إليهما لانتفائهما ههنا ، فيدخل في الجبهة ، ومنع دخول الحاجبين لأنّ من المعلوم أنه يصحّ سلب اسم الجبهة عنهما ، ولا شك أنّه لا يجب السجود على غيرها.

وأما تحديد الجبهة بذلك فلا ينافي ذلك أيضاً ، لأنّها مطلقة ، وانتهاؤها إليه في الجملة لا يستلزم انتهاؤها إلى كلّ ما يحاذيه أيضاً.

مع احتمال البناء على الثاني أيضاً ، والتزام أنّ المراد من الانتهاء إلى الحاجبين ما يحاذيهما أيضاً ، والترجيح للأوّل.

والحقّ أنّ النزاع في ذلك إنّما يثمر (٢) غالباً على القول المختار ، لأنّ بعض هذا البياض مما ينبغي أن لا يعتنى به من باب مقدّمة الأنف ، وعدم الخروج عن الجبهة (٣) ، فلا يبقى إلّا قليل.

ويشكل فيما لو دار الأمر بين ذلك القليل وبين الجبين أو الذقن ، والحكم بأنّ

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣١٣ ح ١٢٧٦ ، الوسائل ٣ : ٦٠٦ أبواب ما يسجد عليه ب ١٤ ح ٥.

(٢) في «م» : يتمّ.

(٣) في «ص» زيادة : بأنّ الاحتياط هو جعله من الجبهة.

٦٠٤

الاحتياط هو جعله من الجبهة أيضاً مشكل حينئذٍ ، ولعلّ كونه منها أقرب ، والله تعالى يعلم حقائق أحكامه.

الخامس : لا يجوز السجود الأعلى الأرض ونباتها الذي لا يؤكل ولا يلبس بالإجماع ، كما نقله جماعة من الأصحاب (١).

وتدلّ على ذلك الروايات المستفيضة ، منها صحيحة هشام بن الحكم عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال له : أخبرني عمّا يجوز السجود عليه وعمّا لا يجوز؟ قال : «السجود لا يجوز إلّا على الأرض ، أو على ما أنبتت الأرض ، إلّا ما أُكل أو لُبس» (٢).

وصحيحة حمّاد بن عثمان عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سمعته يقول : «السجود على ما أنبتت الأرض إلّا ما أُكل أو لُبس» (٣).

وحسنة زرارة لإبراهيم عن أبي جعفر عليه‌السلام قال ، قلت له : أسجد على الزفت ، يعني القير؟ فقال : «لا ، ولا على الثوب الكرسف ، ولا على الصوف ، ولا على شي‌ء من الحيوان ، ولا على طعام ، ولا على شي‌ء من ثمار الأرض ، ولا على شي‌ء من الرياش» (٤) ورواها في الكافي بطريق صحيح أيضاً.

ورواية أبي العباس وفي طريقها قاسم بن عروة قال ، قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «لا تسجد إلّا على الأرض ، أو ما أنبتت الأرض ، إلّا

__________________

(١) كالمحقّق في المعتبر ٢ : ١١٧ ، والعلامة في النهاية ١ : ٣٦٠ ، والكركي في جامع المقاصد ٢ : ١٥٨ ، وصاحب المدارك ٣ : ٢٤١.

(٢) الفقيه ١ : ١٧٧ ح ٨٤٠ ، علل الشرائع : ٣٤١ ح ١ ، الوسائل ٣ : ٥٩١ أبواب ما يسجد عليه ب ١ ح ١.

(٣) الفقيه ١ : ١٧٤ ح ٨٢٦ ، التهذيب ٢ : ٢٣٤ ح ٩٢٤ ، علل الشرائع : ٣٤١ ح ٣ ، الوسائل ٣ : ٥٩٢ أبواب ما يسجد عليه ب ١ ح ٢.

(٤) الكافي ٣ : ٣٣٠ ح ٢ ، التهذيب ٢ : ٣٠٣ ح ١٢٢٦ ، الاستبصار ١ : ٣٣١ ح ١٢٤٢ ، الوسائل ٣ : ٥٩٤ أبواب ما يسجد عليه ب ٢ ح ١.

٦٠٥

القطن والكتان» (١).

وحسنة بريد العجلي لإبراهيم عن أحدهما عليهما‌السلام ، قال : «لا بأس بالقيام على المصلّى من الشعر والصوف إذا كان يسجد على الأرض ، فإن كان من نبات الأرض فلا بأس بالقيام عليه والسجود عليه» (٢).

وصحيحة حمران عن أحدهما عليهما‌السلام ، قال : «كان أبي يصلّي على الخُمرة يجعلها على الطنفسة ويسجد عليها ، فإذا لم يكن خمرة جعل حصى على الطنفسة حيث يسجد» (٣).

ورواية الحلبي وليس فيها إلّا محمّد بن سنان قال ، قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «ودعا أبي بالخمرة فأبطأت عليه ، فأخذ كفّاً من حصباء فجعله على البساط ثمّ سجد» (٤).

وصحيحة عليّ بن جعفر عن أخيه موسى عليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يصلّي على الرطبة النابتة قال ، فقال : «إذا ألصق جبهته بالأرض فلا بأس». وعلى الحشيش النابت الثيل ، وهو يصيب أرضاً جدداً ، قال : «لا بأس» (٥).

وعلى ما ذكرنا ينقدح عدم جواز السجود على المعادن ، كالذهب ، والفضّة ، والزرنيخ ، والعقيق ، وكلّ مستحيل منها كالزجاجة ونحوها ، وعلى ما يؤكل

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٣٠ ح ١ ، التهذيب ٢ : ٣٠٣ ح ١٢٢٥ ، الاستبصار ١ : ٣٣١ ح ١٢٤١ ، الوسائل ٣ : ٥٩٢ أبواب ما يسجد عليه ب ١ ح ٦.

(٢) الكافي ٣ : ٣٣١ ح ٥ ، التهذيب ٢ : ٣٠٥ ح ١٢٣٦ ، الاستبصار ١ : ٣٣٥ ح ١٢٦٠ ، الوسائل ٣ : ٥٩٢ أبواب ما يسجد عليه ب ١ ح ٥.

(٣) الكافي ٣ : ٣٣٢ ح ١١ ، التهذيب ٢ : ٣٠٥ ح ١٢٣٤ ، الاستبصار ١ : ٣٣٥ ح ١٢٥٩ ، الوسائل ٣ : ٥٩٤ أبواب ما يسجد عليه ب ٢ ح ٢.

(٤) الكافي ٣ : ٣٣١ ح ٤ ، التهذيب ٢ : ٣٠٥ ح ١٢٣٥ ، الوسائل ٣ : ٥٩٤ أبواب ما يسجد عليه ب ٢ ح ٣ وفيها : حصى بدل حصباء ، والحصباء صغار الحصى (المصباح المنير : ١٣٨).

(٥) الكافي ٣ : ٣٣٢ ح ١٣ ، الفقيه ١ : ١٦٢ ح ٧٦٢ ، التهذيب ٢ : ٣٠٤ ح ١٢٣٠ ، الوسائل ٣ : ٦٠٤ أبواب ما يسجد عليه ب ١٣ ح ١.

٦٠٦

ويلبس من نباتها.

أما الأوّل فلعدم صدق الأرض على المعادن ونظائرها ، وقد ثبت من الحَصر في الروايات عدم الجواز على غير الأرض وما نبت منها ، ولرواية يونس بن يعقوب عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «لا يسجد على الذهب والفضّة» (١).

وصحيحة محمّد بن الحسين : إنّ بعض أصحابنا كتب إلى أبي الحسن الماضي عليه‌السلام يسأله عن الصلاة على الزجاج ، قال : فلما نفذ كتابي إليه تفكّرت وقلت : هو مما أنبتت الأرض ، وما كان لي أن أسأله عنه ، فكتب إليه : «لا تصلِ على الزجاج ، وإن حدّثتك نفسك أنّه مما أنبتت الأرض ، ولكنه من الملح والرمل ، وهما ممسوخان» (٢).

قال الفاضل المجلسي في شرح الفقيه : أي خرجا بالاستحالة عن اسمها ، فيفهم من التعليل عدم جواز السجود على كلّ مستحيل (٣).

وأما الثاني فيظهر وجهه أيضاً مما ذكرنا.

ثمّ إنّ الروايات اختلفت في جواز السجود على القير (٤) ؛ وقضيّة الأدلّة السابقة عدم الجواز ، ولعلّه كان وفاقيّاً بين الأصحاب أيضاً.

ويدلّ عليه مضافاً إلى ما ذكرنا من الإطلاقات ، وخصوص حسنة زرارة رواية محمّد بن عمر بن سعيد عن الرضا عليه‌السلام ، قال : «لا يسجد على القفر ، ولا على القير ، ولا على الصاروج» (٥).

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٣٢ ح ٩ ، التهذيب ٢ : ٣٠٤ ح ١٢٢٩ ، الوسائل ٣ : ٦٠٤ أبواب ما يسجد عليه ب ١٢ ح ٢.

(٢) الكافي ٣ : ٣٣٢ ح ١٤ ، التهذيب ٢ : ٣٠٤ ح ١٢٣١ ، كشف الغمّة ٢ : ٣٨٤ ، علل الشرائع : ٣٤٢ ب ٤٢ ح ٥ ، الوسائل ٣ : ٦٠٤ أبواب ما يسجد عليه ب ١٢ ح ١.

(٣) روضة المتّقين ٢ : ١٧٩.

(٤) الوسائل ٣ : ٥٩٩ أبواب ما يسجد عليه ب ٦.

(٥) الكافي ٣ : ٣٣١ ح ٦ ، التهذيب ٢ : ٣٠٤ ح ١٢٢٨ ، الوسائل ٣ : ٥٩٩ أبواب ما يسجد عليه ب ٦ ح ١. وعن القفر قال في مجمع البحرين ٣ : ٤٦٣ كأنّه ردي‌ء القير المستعمل مراراً ، وفي عبارة بعض الأفاضل هو شي‌ء يشبه الزفت ورائحته كرائحة القير. والصاروج النورة وأخلاطها (المصباح المنير : ٣٣٧ ، مجمع البحرين ٢ : ٣١٣).

٦٠٧

وفي مقابلتها أخبار تدلّ على الجواز ، منها صحيحة معاوية بن عمّار ، قال : سأل المعلّى بن خنيس أبا عبد الله عليه‌السلام وأنا عنده عن السجود على القفر وعلى القير ، فقال : «لا بأس» (١).

وصحيحته الأُخرى : في الصلاة في السفينة : «ويصلّي على القير والقفر ويسجد عليه» (٢).

وصحيحته الأُخرى : إنّه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن السجود على القار ، قال : «لا بأس به» (٣).

وفي رواية اخرى : «إنّه من نبات الأرض» (٤).

ولا بدّ من حمل المذكورات على التقيّة.

وضعف الرواية المذكورة لا يضرّ مع اعتضادها بحسنة زرارة بل صحيحته ، وصحيحة هشام ، وغيرهما من الإطلاقات ، سيّما مع اشتهار العمل بها ، بل وكونها إجماعيّة ، فلا وجه للحمل على الكراهة كما يتوهّم (٥).

والمنقول عن ظاهر كثيرٍ من الأصحاب عدم جواز السجود على الجِصّ ، ويمكن الاستدلال على ذلك بالحصر المعلوم ، وادّعاء أنّه لا يسمّى أرضاً.

ولا يخفى أنّ لزوم إخراج الأجزاء المنفصلة عن الأرض لو سلّم عدم صدقها عليها حقيقة من الشطر المنفي في الحصر لا يستلزم (عدم) (٦) اعتبار حصرها وعدم

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٧٥ ح ٨٢٨ ، التهذيب ٢ : ٣٠٣ ح ١٢٢٤ ، الاستبصار ١ : ٣٣٤ ح ١٢٥٥ ، الوسائل ٣ : ٥٩٩ أبواب ما يسجد عليه ب ٦ ح ٤.

(٢) التهذيب ٣ : ٢٩٥ ح ٨٩٥ ، الوسائل ٣ : ٦٠٠ أبواب ما يسجد عليه ب ٦ ح ٦.

(٣) الفقيه ١ : ١٧٦ ح ٨٣٢ ، الوسائل ٣ : ٦٠٠ أبواب ما يسجد عليه ب ٦ ح ٥.

(٤) الفقيه ١ : ٢٩٢ ح ١٣٢٥ ، الوسائل ٣ : ٦٠٠ أبواب ما يسجد عليه ب ٦ ح ٨.

(٥) الوافي ٨ : ٧٣٦.

(٦) ليست في «م».

٦٠٨

الاعتناء بها كما يتوهّم ، فإنّ الإجماع والأدلّة مثل الاستصحاب وغيرها أخرجتها ونهضت على جواز الصلاة عليها ، والعامّ حجّة في الباقي ، ولم يثبت مخرج للجِصّ ، فيبقى تحت عموم النفي مندرجاً ، لعدم كونه أرضاً ولا ما نبت منها ، ولو لا ذلك لانسدّ باب الاستدلال بالعمومات والأخبار الكثيرة ، مثل (إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ) (١) وغير ذلك ، وهو كما ترى ، هذا.

ولكن نفي اسم الأرض عن أرض الجِصّ قبل الطبخ مشكل ، فالظاهر جواز السجود عليه مع ذلك ، وبعد طبخه حكم الجواز مستصحب.

والتمسك بأنّه تغيّر الموضوع فيه فيستلزم انتفاء الحكم أيضاً ؛ مشكل ، لمنع ذلك ، ولعدم ثبوت ذلك الحكم مطلقاً.

ويمكن استشعار المنع من العلّة المنصوصة في حديث الزجاجة أيضاً.

ويدلّ على جواز السجود كما ذهب إليه الشيخ في المبسوط (٢) ويظهر من ابن بابويه أيضاً (٣) صحيحة الحسن بن محبوب عن أبي الحسن عليه‌السلام : أنّه سأله عن الجِصّ يُوقد عليه بالعذرة وعِظام الموتى ثمّ يجصّص به المسجد ، أيسجد عليه؟ فكتب إليه بخطّه عليه‌السلام : «إنّ الماء والنار قد طهّراه» (٤).

فإنّ الظاهر أن جواب المعصوم عليه‌السلام مطابق لتمام السؤال ، إذ السؤال كان عن جواز السجود على مثل هذا الجِصّ الذي يُتردّد في نجاسته ، فكأنّ جواز السجود مطلقاً كان مفروغاً عنه ، وكان يسأل عن خصوص المادّة ، فأجابه عليه‌السلام بأنّ هذا لا يصير سبباً لمنع السجود ، فإنّ النار والماء طهّراه.

__________________

(١) البقرة : ١٧٣.

(٢) المبسوط ١ : ٨٩.

(٣) الفقيه ١ : ١٧٥ حيث أورد صحيحة الحسن بن محبوب مع تعهّده بأنّه لا يورد إلّا ما يعمل به.

(٤) الكافي ٣ : ٣٣٠ ح ٣ ، الفقيه ١ : ١٧٥ ح ٨٢٩ ، التهذيب ٢ : ٢٣٥ ح ٩٢٨ ، الوسائل ٣ : ٦٠٢ أبواب ما يسجد عليه ب ١٠ ح ١.

٦٠٩

وقد يوجّه بأنّ ظاهر جواب المعصوم عليه‌السلام يكشف عن أنّ الاستشكال كان من جهة التردّد في النجاسة ، وأنّ الإنسان في حال السجود قلّ ما ينفكّ عن ملاقاته لذلك المكان ، فهل هو طاهر ولا تضرّ ملاقاته أم لا؟ فأجاب عليه‌السلام بما أجاب.

وبالجملة المسألة محلّ تردّد ، والاحتياط يقتضي الاحتراز عنه حسب ما أمكن.

ويظهر من كلام جماعة من المتأخّرين القطع بجواز السجود على الخزف (١) ، وقد استدلّ بعضهم على ذلك بصدق الاسم عليه ، وبالجملة لم نجد الحكم بعدم الجواز من واحد منهم.

والإطلاقات والأدلّة تقتضي عدم الصحّة ، ولا نصّ فيها على الجواز بالخصوص ، واستفادة ذلك من الخبر السابق دونه خرط القتاد ، فإن ثبت الإجماع في المسألة فهو المعتمد ، ولم أقف على دعواه صريحاً من أحد ، وإلّا فلا ريب أنّ السجود عليه مشكل.

وعبارة فقه الرضا عليه‌السلام ظاهرة في عدم جواز السجود على الأجر (٢). والكلام فيه نظير ما سبق فتدبّر. وهذا ما يتعلّق بنفس الأرض.

وأما ما ينبت منها وكان مأكولاً أو ملبوساً فلا خلاف في عدم السجود عليه إلّا في موضعين :

الأوّل : القطن والكتان ، وخالف فيهما السيّد المرتضى رحمه‌الله فيجوّز السجود عليهما (٣) ، والاستدلال المنقول عنه اعتبار ضعيف لا يُعتمد عليه.

وجوّز العلامة في النهاية السجود على القطن والكتّان قبل غزلهما (٤) ، وهو أيضاً ضعيف.

__________________

(١) كالمحقّق في المعتبر ١ : ٣٧٥ ، والعلامة في التذكرة ٢ : ١٧٧ ، والشهيد الثاني في روض الجنان : ٢٢٢.

(٢) فقه الرضا (ع) : ١١٣ ، مستدرك الوسائل ٤ : ١٠ أبواب ما يسجد عليه ب ٧ ح ١.

(٣) المسائل الموصليّات الثانية (رسائل الشريف المرتضى) ١ : ١٧٤.

(٤) النهاية ١ : ٣٦٢.

٦١٠

وتدلّ على الجواز رواية داود الصرمي قال : سألت أبا الحسن الثالث عليه‌السلام ، هل يجوز السجود على الكتّان والقطن من غير تقيّة؟ فقال : «جائز» (١).

ورواية الصنعاني قال : كتبت إلى أبي الحسن الثالث عليه‌السلام أسأله عن السجود على القطن والكتّان من غير تقيّة ، ولا ضرورة ، فكتب إليّ : «جائز» (٢) وربما يستفاد من بعض الأخبار الضعيفة أيضاً (٣).

وأما ما روي عن الباقر عليه‌السلام : إنّا نكون بأرض باردة يكون فيها الثلج ، أفنسجد عليه؟ فقال : «لا ، ولكن اجعل بينك وبينها شيئاً قطناً أو كتّاناً» (٤) فلا دلالة فيه أصلاً ، لأنّ الظاهر منه كونه فاقداً للأرض ، ومع فقد الأرض وعدم وجدان غير الثلج لا بدّ من بسط ثوب على الثلج كما هو منصوص عليه في موثّقة عمّار (٥) ، وهو أعمّ من القطن والكتّان أيضاً ، فلاحظ الأخبار في باب فاقد الأرض (٦).

وبالجملة تبقى المعارضة بين تلك الأخبار والأخبار التي ذكرناها ، مثل صحيحتي هشام (٧) وحمّاد (٨) ، وحسنة زرارة (٩) ، وخصوص رواية أبي العباس (١٠).

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٠٧ ح ١٢٤٦ ، الاستبصار ١ : ٣٣٢ ح ١٢٤٦ ، الوسائل ٣ : ٥٩٥ أبواب ما يسجد عليه ب ٢ ح ٦.

(٢) التهذيب ٢ : ٣٠٨ ح ١٢٤٨ ، الاستبصار ١ : ٣٣٣ ح ١٢٥٣ ، الوسائل ٣ : ٥٩٥ أبواب ما يسجد عليه ب ٢ ح ٧.

(٣) الفقيه ١ : ١٧٤ ح ٨٢٧ ، التهذيب ٢ : ٣٠٨ ح ١٢٤٩ ، وص ٢٣٥ ح ٩٢٧ ، الاستبصار ١ : ٣٣١ ح ١٢٤٣ ، علل الشرائع : ٣٤١ ح ٤ ، الوسائل ٣ : ٥٩٥ أبواب ما يسجد عليه ب ٢ ح ٥.

(٤) التهذيب ٢ : ٣٠٨ ح ١٢٤٧ ، الاستبصار ١ : ٣٣٢ ح ١٢٤٧ ، الوسائل ٣ : ٥٩٧ أبواب ما يسجد عليه ب ٤ ح ٧.

(٥) التهذيب ٢ : ٣١٢ ح ١٢٦٦ ، الوسائل ٣ : ٤٥٧ أبواب مكان المصلّي ب ٢٨ ح ٢.

(٦) الوسائل ٣ : ٤٥٧ أبواب مكان المصلّي ب ٢٨.

(٧) الفقيه ١ : ١٧٧ ح ٨٤٠ ، علل الشرائع : ٣٤١ ح ١ ، الوسائل ٣ : ٥٩١ أبواب ما يسجد عليه ب ١ ح ١.

(٨) الفقيه ١ : ١٧٤ ح ٨٢٦ ، التهذيب ٢ : ٢٣٤ ح ٩٢٤ ، علل الشرائع : ٣٤١ ح ٣ ، الوسائل ٣ : ٥٩٢ أبواب ما يسجد عليه ب ١ ح ٢.

(٩) الكافي ٣ : ٣٣٠ ح ٢ ، التهذيب ٢ : ٣٠٣ ح ١٢٢٦ ، الاستبصار ١ : ٣٣٣ ح ١٢٤١ ، الوسائل ٣ : ٥٩٤ أبواب ما يسجد عليه ب ٢ ح ١.

(١٠) الكافي ٣ : ٣٣٠ ح ١ ، التهذيب ٢ : ٣٠٣ ح ١٢٢٥ ، الاستبصار ١ : ٣٣١ ح ١٢٤١ ، الوسائل ٣ : ٥٩٢ أبواب ما يسجد عليه ب ١ ح ٦.

٦١١

ولا يخفى أنّ الترجيح لها ، لكثرتها ، واعتبار أسنادها ، واعتضادها بعمل الأصحاب ، وبالإجماع المنقول عن السيّد في المصباح على ذلك (١) ، وتلك الأخبار محمولة على التقيّة والاضطرار ، ولا تنافي الحمل على التقيّة رواية الصنعاني كما لا يخفى على المتأمّل.

وقد يتوهّم أنّ تلك الأخبار تفيد جواز السجود على القطن والكتّان ، فلا تنافي بينها وبين عدم الجواز على الثوب القطن أو ما ليس من النبات ، فيجوز السجود على القطن والكتّان قبل أن يصيرا ثوباً ، لعدم كونهما ثوباً ولا ملبوساً.

ولا يخفى ما فيه ، لأنّ المراد مما أُكل ولُبس في الأخبار هو ما من شأنه ذلك كما يُفهم في العرف ، فلا وجه للقول بعدم المنافاة ، والتخصيص بغيرهما من جهة تلك الأخبار إنّما يصحّ لو ثبتت المقاومة ، وقد عرفت الحال.

مع أنّ رواية أبي العباس صريحة في المطلوب ، وسندها أيضاً أقوى من تلك الأخبار ، مع اعتضادها بما ذكرنا.

ويظهر مما ذكر ضَعف قول العلامة أيضاً ، مع أنّ مجرّد الغزل لا يوجب إطلاق الملبوس عليه حقيقة.

وقد ورد في بعض الأخبار النهي عن السجود على الصوف ونحوه (٢) ، وهو أيضاً دالّ على بطلان قوله بضميمة عدم القول بالفصل.

الثاني : الحنطة والشعير قبل الطحن ، فقد خالف فيه العلامة رحمه‌الله (٣).

ومما ذكرنا هنا يظهر أنّ خلافه أيضاً في جواز السجود عليهما ليس بشي‌ء.

والاحتجاج في ذلك بأنّ القشر الأعلى مما لا يؤكل عادةً أيضاً ضعيف ، سيّما في

__________________

(١) كما في كشف اللثام ١ : ٢٠٤.

(٢) الكافي ٣ : ٣٣٠ ح ٢ ، التهذيب ٢ : ٣٠٣ ح ١٢٢٦ ، الاستبصار ١ : ٣٣١ ح ١٢٤٢ ، الوسائل ٣ : ٥٩٤ أبواب ما يسجد عليه ب ٢ ح ١.

(٣) نهاية الإحكام ١ : ٣٦٢.

٦١٢

الحنطة ، مع أنّ الصدوق روى في الخصال عن الصادق عليه‌السلام ، قال : «قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : لا يسجد الرجل على كدس حنطة ، ولا على شعير ، ولا على لون مما يؤكل ، ولا يسجد على الخبز» (١).

والمحكّم في المأكول والملبوس هو العادة والعرف العامّ ، فلا عبرة بأكله نادراً كبعض العقاقير.

ولا يمكن القول بأنّ المعتبر عند كلّ قطر هو مأكولهم وملبوسهم ، لأنّ ما يمكن أن يستند به في فهم كلام المعصوم هو العُرف العامّ ، ومع الاختلاف فيشكل الأمر.

وربّما يمكن استنباط تعميم من قول الصادق عليه‌السلام في ذيل صحيحة هشام المتقدّمة ، حيث سأله عن العلّة في ذلك الحكم ، قال : «لأنّ السجود خضوع لله عزوجل ، فلا ينبغي أن يكون على ما يؤكل ويلبس ، لأنّ أبناء الدنيا عبيد ما يأكلون ويلبسون ، والساجد في سجوده في عبادة الله عزوجل ، فلا ينبغي أن يضع جبهته في سجوده على معبود أبناء الدنيا الذين اغترّوا بغرورها» (٢) فتأمّل.

والذي يختلج في الخاطر أنّ المراد بكونه مأكولاً في العرف أو ملبوساً أنّه لو اطّلع عليه أهل العرف لحكموا بذلك ، لا أنّه يكون متداولاً عندهم معروفاً بالأكل ، وإلّا فربّما وجد مأكول لم يطّلع عليه كثير منهم ، ومع ذلك لو رأوه حكموا بأنّه مما يؤكل.

وبملاحظة ذلك تتفاوت الأحكام في مقامات كثيرة فتنبّه.

ويجوز السجود على القِرطاس ، والظاهر أنّه إجماعيّ ، قال في المدارك :

__________________

(١) الخصال : ٦٢٨ ، الوسائل ٣ : ٥٩٢ أبواب ما يسجد عليه ب ١ ح ٤.

(٢) الفقيه ١ : ١٧٧ ح ٨٤٠ ، التهذيب ٢ : ٢٣٤ ح ٩٢٥ ، علل الشرائع : ٣٤١ ح ١ ، الوسائل ٣ : ٥٩١ أبواب ما يسجد عليه ب ١ ح ١.

٦١٣

إنّه مذهب الأصحاب (١) ، ونقل عن جدّه الإجماع على ذلك (٢) ، ويظهر من غيرهما أيضاً (٣).

ويدلّ عليه مضافاً إلى ما يظهر من تضاعيف ما ذكرنا صحيحة عليّ بن مهزيار ، قال : سأل داود بن أبي يزيد أبا الحسن عليه‌السلام عن القراطيس والكواغذ المكتوب عليها ، هل يجوز السجود عليها أم لا؟ فكتب : «يجوز» (٤).

وصحيحة صفوان الجمّال ، قال : رأيت أبا عبد الله عليه‌السلام في المحمل يسجد على القرطاس ، وأكثر ذلك يومئ إيماء (٥).

وصحيحة جميل بن دراج عن الصادق عليه‌السلام : أنّه كره أن يسجد على قرطاس عليه كتابة (٦).

وإطلاق تلك الروايات يقتضي اطّراد الحكم في جميع الأقسام.

واستثنى العلامة رحمه‌الله من ذلك ما كان من الحرير (٧) ، ولا يخفى أنّه تقييد للنصّ من غير دليل.

ولعلّ نظره إلى أنّ المنع من غير الأرض وما ينبت منها غير المأكول والملبوس عموم ، وجواز السجود على القراطيس عموم ، ويتعارضان من وجه ، فلم يثبت الجواز لهذا القسم ، وهو منقوض بالقرطاس المعمول من القطن والكتّان بعينه.

__________________

(١) المدارك ٣ : ٢٤٩.

(٢) المسالك ١ : ١٧٩.

(٣) جامع المقاصد ٢ : ١٦٥.

(٤) الفقيه ١ : ١٧٦ ح ٨٣٠ ، التهذيب ٢ : ٢٣٥ ح ٩٢٩ ، وص ٣٠٩ ح ١٢٠٥ ، الاستبصار ١ : ٣٣٤ ح ١٢٥٧ ، الوسائل ٣ : ٦٠١ أبواب ما يسجد عليه ب ٧ ح ٢.

(٥) التهذيب ٢ : ٣٠٩ ح ١٢٥١ ، الاستبصار ١ : ٣٣٤ ح ١٢٥٨ ، المحاسن : ٣٧٣ ح ١٤٠ ، الوسائل ٣ : ٦٠٠ أبواب ما يسجد عليه ب ٧ ح ١.

(٦) الكافي ٣ : ٣٣٢ ح ١٢ ، التهذيب ٢ : ٣٠٤ ح ١٢٣٢ ، الاستبصار ١ : ٣٣٤ ح ١٢٥٦ ، الوسائل ٣ : ٦٠١ أبواب ما يسجد عليه ب ٧ ح ٣.

(٧) نهاية الإحكام ١ : ٣٦٢ ، التذكرة ٢ : ٤٣٧.

٦١٤

فإن قيل : إنّه ورد عموم جواز السجود على النبات أيضاً ، والقدر المخرج منه بالدليل هو ما قبل صيرورته قرطاساً ، فيضعف اندراجه تحت عموم المنع ، وليس هذا في جانب الحرير.

قلت : سلّمنا ذلك ، لكن استصحاب الحالة السابقة يؤيّد المنع فيما نحن فيه أيضاً.

والحلّ : منع أعميّة «ما يلبس» المذكور في الأخبار من القرطاس ، بل لعلّه مباين له.

وأما بالنسبة إلى غير الملبوس فلا ينفعه أصلاً ، لعدم دخول الحرير فيه.

ومع تسليم ذلك كلّه فعموم التجويز أقوى ، لاعتضاده بعمل الأصحاب ، بل والإجماع ظاهراً. وعدم ثبوت العموم في الطرف المقابل بحيث يشمل ما نحن فيه.

ومما ذكرنا يظهر أنّ استثناء الشهيد في الدروس مع ذلك المعمول من القطن والكتّان (١) أيضاً ليس بشي‌ء.

اللهم إلّا أن يقال : المعمول من الحرير من الأفراد النادرة ، فلا يتبادر من تلك الإطلاقات ، سيّما والظاهر من صحيحة عليّ بن مهزيار أنّ السؤال كان من جهة الكتابة ، فلا يفيد العموم ، وإن كان الجمع المحلّى وكذلك ترك الاستفصال يفيدان العموم. وكذلك الخبران الآخران لا عموم فيهما يعتدّ به.

وقال في الذكرى : أكثر ما يتّخذ منه القرطاس القنّب (٢) ، فإن ثبت ذلك فيظهر في أساس الجواز في المتّخذ من القطن والكتّان أيضاً وهن ، لكن الشأن في إثبات ذلك. والأظهر الجواز فيهما ؛ وإن كان الأحوط الترك بالنسبة إلى الأُمور الثلاثة.

ويكره السجود على المكتوبة منها.

وربّما يقيّد بأن يكون غير مستوعب بالحبر لئلّا تقع الجبهة على الحبر محضاً ، لأنّه

__________________

(١) الدروس ١ : ١٥٧.

(٢) الذكرى : ١٦٠.

٦١٥

مما لا يجوز السجود عليه (١).

والقول بأنّه عرض لا يمنع عن ذلك فاسد. هذا كلّه مع الاختيار.

وأما مع الاضطرار فيجوز السجود على الثوب إذا منعه الحرّ ، للإجماع والروايات المعتبرة ، منها صحيحة القاسم بن الفضل قال ، قلت للرضا عليه‌السلام : الرجل يسجد على كمّه من شدّة أذى الحرّ والبرد ، قال : «لا بأس» (٢) وفي معناها أخبار كثيرة (٣).

وإذا لم يتمكّن منه يسجد على ظهر يده ، لرواية أبي بصير عن الباقر عليه‌السلام قال ، قلت له : أكون في السفر فتحضر الصلاة وأخاف الرمضاء على وجهي ، كيف أصنع؟ قال : «تسجد على بعض ثوبك» قلت : ليس عليّ ثوب يمكنني أنّ أسجد على طرفه ولا ذيله ، قال : «اسجد على ظهر كفّك ، فإنّها أحد المساجد» (٤).

قال بعض الأصحاب : ولا يضرّ ضعف السند بعد اعتضادها بالشهرة وسلامتها عن المعارض وموافقتها للاعتبار (٥).

ثمّ إنّه لا بدّ من اعتبار ذلك بعد العجز عن كلّ ما يصحّ السجود عليه.

وظاهر الإطلاقات يقتضي جواز ذلك وعدم تأخير الصلاة إلى آخر الوقت ، بل وفي بعضها أنّه يريد الصلاة في المسجد ويكره السجود على الحصى للحرارة ، فرخّصه المعصوم في سجوده على ثوبه (٦) مع ترك الاستفصال في شي‌ء.

فيظهر أيضاً أنّه لو تمكّن من المعادن ونحوها لا يقدّم على الثوب.

__________________

(١) جامع المقاصد ٢ : ١٦٥ ، المدارك ٣ : ٢٥٠.

(٢) التهذيب ٢ : ٣٠٦ ح ١٢٤١ ، الاستبصار ١ : ٣٣٣ ح ١٢٥٠ ، الوسائل ٣ : ٥٩٧ أبواب ما يسجد عليه ب ٤ ح ٢.

(٣) الوسائل ٣ : ٥٩٦ أبواب ما يسجد عليه ب ٤.

(٤) التهذيب ٢ : ٣٠٦ ح ١٢٤٠ ، الاستبصار ١ : ٣٣٣ ح ١٢٤٩ ، الوسائل ٣ : ٥٩٧ أبواب ما يسجد عليه ب ٤ ح ٥ وهي ضعيفة بعليّ بن أبي حمزة البطائني فإنّه من عُمد الواقفة ، والقاسم بن محمّد فإنّه مشترك.

(٥) الذخيرة : ٢٤٢.

(٦) التهذيب ٢ : ٣٠٦ ح ١٢٣٩ ، الاستبصار ١ : ٣٣٢ ح ١٢٤٨ ، الوسائل ٣ : ٥٩٦ أبواب ما يسجد عليه ب ٤ ح ١.

٦١٦

وفي تقديم المعادن ونحوها على اليد وجهان ، لظاهر الخبر ، ولأقربيّتها إلى الأرض. ولذلك تنظّر الشهيد في البيان في ذلك (١).

والأخبار الكثيرة أيضاً تدلّ على تقديم القطن والكتّان (٢) ، بل ومطلق الثوب كما في بعضها إذا لم يقدر إلّا على الثلج (٣).

وفي تقديم المعادن عليه أيضاً وجهان ، وفي بعض الأخبار : «إن أمكنك أن لا تسجد على الثلج فلا تسجد عليه ، وإن لم يمكنك فسوّه واسجد عليه» (٤) وإطلاقه يقتضي التسوية.

ولا يجوز السجود على الوحل ، لعدم صدق الأرض ، ولموثّقة عمّار عن الصادق عليه‌السلام : إنّه سئل عن حدّ الطين الذي لا يسجد عليه ما هو؟ فقال : «إذا غرقت الجبهة ولم تثبت على الأرض» (٥).

وإذا اضطر أومأ ، وهو المشهور ، للحرج والعسر ، وموثّقة عمّار الأُخرى عنه عليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يصيبه المطر وهو في موضع لا يقدر أن يسجد فيه من الطين ، ولا يجد موضعاً جافّاً ، قال : «يفتتح الصلاة ، فإذا ركع فليركع كما يركع إذا صلّى ، فإذا رفع رأسه من الركوع فليؤم بالسجود إيماء وهو قائم ، يفعل ذلك حتّى يفرغ من الصلاة ، ويتشهّد وهو قائم ، ثمّ يسلّم» (٦).

وفي إبقاء الخبر على إطلاقه والاجتزاء بالإيماء مطلقاً إشكال ، ولذا ذهب بعض

__________________

(١) البيان : ١٣٤.

(٢) الوسائل ٣ : ٥٩٦ أبواب ما يسجد عليه ب ٤.

(٣) التهذيب ٢ : ٣١٢ ح ١٢٦٦ ، الوسائل ٣ : ٤٥٧ أبواب مكان المصلّي ب ٢٨ ح ٢.

(٤) الكافي ٣ : ٣٩٠ ح ١٤ ، الفقيه ١ : ١٦٩ ح ٧٩٨ ، التهذيب ٢ : ٣١٠ ح ١٢٥٦ ، الوسائل ٣ : ٤٥٧ أبواب مكان المصلي ب ٢٨ ح ٣.

(٥) الكافي ٣ : ٣٩٠ ح ١٣ ، الفقيه ١ : ٢٨٦ ح ١٣٠١ ، التهذيب ٢ : ٣١٢ ح ١٢٦٧ ، وص ٣٧٦ ح ١٥٦٢ ، الوسائل ٣ : ٤٤٢ أبواب مكان المصلّي ب ١٥ ح ٩.

(٦) التهذيب ٣ : ١٧٥ ح ٣٩٠ ، الوسائل ٣ : ٤٤٠ أبواب مكان المصلّي ب ١٥ ح ٤.

٦١٧

الأصحاب إلى العمل بقاعدة عدم سقوط الميسور بالمعسور (١) ، وأنّه يأتي بالأفعال بحسب المقدور ، وإن كانت الرواية معتضدة بالشهرة ، والاحتياط سبيل النجاة.

وهل يجوز السجود على شي‌ء يضعه في كور عمامته حاملاً له؟ فيه وجهان ، اختار الجواز في الذكرى ، وردّ على الشيخ منع ذلك (٢) ، ونسب القول بالمنع بسبب الحمل إلى بعض العامّة.

وقال : وإن احتجّ الشيخ برواية عبد الرحمن عن الصادق عليه‌السلام : «في السجود على العمامة لا يجزئه حتّى تَصِل جبهته إلى الأرض» (٣) قلنا : لا دلالة فيها على كون المانع الحمل ، بل لكونه مما لا يسجد عليه (٤).

وربّما يستدلّ على المنع بعدم صدق وضع الجبهة على الشي‌ء ، والمعتبر في السجود هو الوضع عليه ، والأحوط الاجتناب اختياراً ، والله أعلم بحقائق الأحكام.

السادس : يجب الذِّكر في حال السجود ، وقد مرّ الكلام فيه في الركوع ، والكلام فيهما سواء ، والخلاف الخلاف ، والمختار المختار ؛ إلّا أنّ فيه عوض العظيم «الأعلى».

وتجب الطمأنينة حال السجود بقدر الذكر الواجب ، للإجماع ، نقله غير واحدٍ من أصحابنا (٥) ، ولما يظهر من الأخبار (٦). والكلام في هذا المعنى أيضاً مثل ما مرّ

__________________

(١) المدارك ٣ : ٢٤٩.

(٢) الخلاف ١ : ٣٥٧ مسألة ١١٣ ، المبسوط ١ : ١١٢.

(٣) الكافي ٣ : ٣٣٤ ح ٩ ، التهذيب ٢ : ٨٦ ح ٣١٩ ، الوسائل ٣ : ٦٠٥ أبواب ما يسجد عليه ب ١٤ ح ١.

(٤) الذكرى : ١٥٩.

(٥) كابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهيّة) : ٥٥٨ ، والمحقّق في المعتبر ٢ : ٢١٠ ، وصاحب المدارك ٣ : ٤٠٩.

(٦) الوسائل ٤ : ٩٢٢ أبواب الركوع ب ٣.

٦١٨

في الركوع. ونقل عن الشيخ أيضاً أنّها ركن (١) ، ويظهر ضعفه من تضاعيف ما ذكرنا وما سنذكره إن شاء الله.

ويجب رفع الرأس من السجود والطمأنينة بعد الرفع من السجدة الأُولى ، للإجماع ، نقله جماعة من أصحابنا (٢) ، وللنصوص المستفيضة (٣) ، ويكفي تحقّق مسمّاها عرفاً.

السابع : في صحيحة حمّاد : في ما علّمه الصادق عليه‌السلام قال : ثمّ كبّر وهو قائم ورفع يديه حيال وجهه ، ثمّ سجد وبسط كفّيه مضمومتي الأصابع بين يدي ركبتيه حيال وجهه وقال : سبحان ربّي الأعلى وبحمده ثلاث مرّات ، ولم يضع شيئاً من جسده على شي‌ء منه ، وسجد على ثمانية أعظم : الكفّين والركبتين وأنامل إبهامي الرجلين والجبهة والأنف ، وقال : «سبعة منها فرض يسجد عليها ، وهي التي ذكرها الله في كتابه ، فقال (أَنَّ الْمَساجِدَ لِلّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً) (٤) وهي الجبهة والكفّان والركبتان والإبهامان ، ووضع الأنف على الأرض سنّة» ثمّ رفع رأسه من السجود ، فلمّا استوى جالساً ، قال : «الله أكبر» ثمّ قعد على فخذه الأيسر وقد وضع ظاهر قدمه الأيمن على بطن قدمه الأيسر وقال : «أستغفر الله ربّي وأتوب إليه» ثمّ كبّر وهو جالس وسجد السجدة الثانية وقال كما قال في الأُولى ولم يضع شيئاً من بدنه على شي‌ء منه في ركوع ولا سجود ، وكان مجنحاً ولم يضع ذراعيه على الأرض» (٥).

__________________

(١) الخلاف ١ : ٣٥٩ مسألة ١١٦.

(٢) كالعلامة في المنتهي ١ : ٢٨٨ ، والكركي في جامع المقاصد ٢ : ٣٠١ ، وصاحب المدارك ٣ : ٤١٠.

(٣) الوسائل ٤ : ٦٧٣ أبواب أفعال الصلاة ب ١.

(٤) الجنّ : ١٨.

(٥) الكافي ٣ : ٣١١ ح ٨ ، التهذيب ٢ : ٨١ ح ٣٠١ ، الوسائل ٤ : ٦٧٥ أبواب أفعال الصلاة ب ١ ح ٢.

٦١٩

ويستحبّ العمل بمضمون ما تضمّنته ، وقد عرفت الخلاف في وجوب التكبير ووجوب الرفع والمختار.

ويستحبّ الابتداء بوضع اليدين قبل الركبتين ، وأن يضعهما معاً ، وأن لا يفترش ذراعيه افتراش السبع ذراعه ، وأن لا يضع ذراعيه على ركبتيه وفخذيه ، كلّ ذلك لصحيحة زرارة ، وفيها أيضاً : «ولا تلزق كفّيك بركبتيك ، ولا تدنهما من وجهك بين ذلك حيال منكبيك ، ولا تجعلهما بين يدي ركبتيك ، ولكن تحرفهما عن ذلك شيئاً ، وابسطهما على الأرض بسطاً ، واقبضهما إليك قبضاً ؛ وإن كان تحتهما ثوب فلا يضرّك ، وإن أفضيت بهما إلى الأرض فهو أفضل ، ولا تفرجنّ بين أصابعك في سجودك ، ولكن ضمّهنّ جميعاً» (١).

والأولى تقييد مطلقات خبر حمّاد بهذه الصحيحة ، وكذا حمل ما ينافيها ظاهراً على ما يوافقها ، لأنّ القول أقوى من الفعل.

وما تضمّنه خبر حمّاد من إتمام التكبير حال القيام هو المشهور بين الأصحاب.

وقال في الذكرى : ولو كبّر في هويّه جاز وترك الأفضل ، وقال ابن أبي عقيل : تبدأ بالتكبير قائماً ، ويكون انقضاء التكبير مع مستقرّه ساجداً ، وخيّر الشيخ في الخلاف بين هذا وبين التكبير قائماً ، ثمّ نقل رواية معلّى بن خنيس عن الصادق عليه‌السلام : «إنّ عليّ بن الحسين عليه‌السلام كان إذا أهوى ساجداً انكبّ وهو يكبّر» (٢) انتهى ملخّصاً (٣) ، والعمل على الأوّل أفضل ، وربما تحمل الرواية على النافلة.

وخالف الصدوق في استحباب الإرغام بالأنف ، وأوجبه ؛ (٤) ، نظراً إلى حسنة

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٣٤ ح ١ ، التهذيب ٢ : ٨٣ ح ٣٠٨ ، الوسائل ٤ : ٦٧٥ أبواب أفعال الصلاة ب ١ ح ٣.

(٢) الكافي ٣ : ٣٣٦ ح ٥ ، الوسائل ٤ : ٩٨٢ أبواب السجود ب ٢٤ ح ٢.

(٣) الذكرى : ٢٠١ ، وانظر الخلاف ١ : ٣٥٣ مسألة ١٠٧.

(٤) الفقيه ١ : ٢٠٥.

٦٢٠