غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ٢

الميرزا أبو القاسم القمّي

غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ٢

المؤلف:

الميرزا أبو القاسم القمّي


المحقق: عباس تبريزيان
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-424-250-5
الصفحات: ٦٣١

فارتفاع العجيزة مع ترك الالتقام والوضع وغيرهما مع الاكتفاء بقدر الواجب لا يتفاوت فيه الأمر بسبب وضع اليد فوق الركبة فتدبّر.

فائدتان :

الأُولى : قال في الذكرى : تجوز في الركوع والسجود الصلاة على محمّد وآله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، بل تستحب (١) وصرّح في الدروس أيضاً بالجواز (٢).

ويدلّ عليه ما رواه الصدوق في كتاب ثواب الأعمال بسند معتبر كالصحيح ، عن محمّد بن أبي حمزة ، عن أبيه قال ، قال أبو جعفر عليه‌السلام : «من قال في ركوعه وسجوده وقيامه : اللهم صلّ على محمّد وآل محمّد ، كتب الله له ذلك بمثل الركوع والسجود والقيام» (٣).

الثانية : يستحبّ أن يكون ركوعه في صلاة الآيات بقدر زمان كلّ من قراءته وقنوته لصحيحة محمّد بن مسلم وزرارة (٤) وغيرها (٥).

__________________

(١) الذكرى : ١٩٩.

(٢) الدروس ١ : ١٧٩.

(٣) الكافي ٣ : ٣٢٤ ح ١٣ ، ثواب الأعمال : ٥٦ ، الوسائل ٤ : ٩٤٣ أبواب الركوع ب ٢٠ ح ٣.

(٤) الكافي ٣ : ٤٦٣ ح ٢ ، التهذيب ٣ : ١٥٦ ح ٣٣٥ ، الوسائل ٥ : ١٥٠ أبواب صلاة الكسوف ب ٧ ح ٦.

(٥) التهذيب ٣ : ٢٩٤ ح ٨٩٠ ، الاستبصار ١ : ٤٥٢ ح ١٧٥١ ، الوسائل ٥ : ١٤٩ أبواب صلاة الكسوف ب ٧ ح ٢.

٥٨١

المقصد السادس

في السجود

وفيه مباحث :

الأوّل : تجب سجدتان في كلّ ركعة بإجماع المسلمين ، بل وبضرورة الدين والآيات (١) والأخبار المستفيضة (٢).

وهو في الشرع : الانحناء المخصوص.

ويجب فيه أن ينحني حتّى يساوي موضع جبهته موقفه تساوياً متعارفاً ، وعفي عن علوّه عنه مقدار لبنة لا أزيد.

أما عدم جواز الارتفاع أزيد منه فهو إجماع علمائنا كما يظهر من الفاضلين (٣) ، ونسب الشهيد ذلك إلى الأصحاب أيضاً ؛ (٤) ، وهو المنقول عن صاحب الشرع

__________________

(١) (فَاسْجُدُوا لِلّهِ وَاعْبُدُوا) (النجم : ٦٢) ، (وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرائِكُمْ) (النساء : ١٠١) ، (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا) (الحجّ : ٧٧).

(٢) الوسائل ٤ : ٩٤٦ أبواب الركوع ب ٢٤.

(٣) المحقّق في المعتبر ٢ : ٢٠٧ ، والعلامة في المنتهي ١ : ٢٨٨.

(٤) الذكرى : ١٦٠.

٥٨٢

كما قالوه ، ويظهر من الأخبار الكثيرة (١).

وأما التحديد باللبنة في مرتبة الجواز فقد نسب إلى الشيخ (٢) ، واستدلّوا على ذلك بالحسن على الظاهر ، عن عبد الله بن سنان ، عن الصادق عليه‌السلام ، قال : سألته عن السجود على الأرض المرتفعة ، فقال : «إذا كان موضع جبهتك مرتفعاً عن موضع بدنك قدر لبنة فلا بأس» (٣).

وقال في الكافي : وفي حديث آخر في السجود على الأرض المرتفعة ، فقال : «إذا كان موضع جبهتك مرتفعاً عن رجليك قدر لبنة فلا بأس» (٤).

وتعارضهما صحيحة ابن سنان ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن موضع جبهة الساجد أيكون أرفع من مقامه؟ فقال : «لا ، ولكن يكون مستوياً ، أو ليكن مستوياً» (٥) على اختلاف النسخ.

ولا بدّ من توجيهها وحملها على الأفضليّة ، أو طرحها ، لمخالفتها للخبرين المعتضدين بالشهرة وعمل الأصحاب.

وتشهد لحملها على الأفضليّة صحيحة أبي بصير على الظاهر ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يرفع موضع جبهته في المسجد ، فقال : «إنّي أحبّ أن أضع وجهي في موضع قدمي» وكرهه (٦).

وألحق الشهيدان (٧) الخفض بالرفع في هذا التحديد ؛ تمسّكاً بموثّقة عمّار عن الصادق عليه‌السلام ، قال : سألته عن المريض أيحلّ له أن يقوم على فراشه ويسجد

__________________

(١) الوسائل ٤ : ٩٦٤ أبواب السجود ب ١١.

(٢) النهاية : ٨٣.

(٣) التهذيب ٢ : ٣١٣ ح ١٢٧١ ، الوسائل ٤ : ٩٦٤ أبواب السجود ب ١١ ح ١.

(٤) الكافي ٣ : ٣٣٣ ح ٤ ، الوسائل ٤ : ٩٦٥ أبواب السجود ب ١١ ح ٣.

(٥) الكافي ٣ : ٣٣٣ ح ٤ ، التهذيب ٢ : ٨٥ ح ٣١٥ ، الوسائل ٤ : ٩٦٣ أبواب السجود ب ١٠ ح ١.

(٦) التهذيب ٢ : ٨٥ ح ٣١٦ ، الوسائل ٤ : ٩٦٤ أبواب السجود ب ١٠ ح ٢.

(٧) الشهيد الأوّل في البيان : ١٦٨ ، والشهيد الثاني في روض الجنان : ٢٧٦.

٥٨٣

على الأرض؟ قال ، فقال : «إذا كان الفراش غليظاً قدر اجرة أو أقلّ استقام له أن يقوم عليه ويسجد على الأرض ، وإن كان أكثر من ذلك فلا» (١).

وفي رواية محمّد بن عبد الله عن الرضا عليه‌السلام قال ، قلت : فيصلّي وحده فيكون موضع سجوده أسفل من مقامه ، فقال : «إذا كان وحده فلا بأس» (٢).

وادّعى العلامة في التذكرة الإجماع على جواز الصلاة إذا كان موضع السجود أخفض (٣) ، وتدلّ عليه الإطلاقات أيضاً ، لكن الأولى تقييد الإطلاقات والإجماع بالموثّقة (٤) ، لحصول البراءة اليقينيّة.

ومما ذكرنا يظهر وجه تأييدٍ لحمل صحيحة ابن سنان المتقدّمة على الاستحباب.

ثمّ إنّ الاستواء المطلوب في الأخبار يحتمل معنيين : كون الأرض بحيث لو أُخرج من أحد طرفيه خط مستقيم إلى طرفه الأخر وجُعل قاعدة لخطٍ مستقيم آخر أحدث زوايا قوائم ، وكونه بحيث لو أُخرج من أحد طرفيه خطّ مستقيم كان مماسّاً لتمام ما يحاذيه من السطح بحيث لا يتجافى عنه أصلاً.

وعلى الثاني تندرج فيه الأرض المسطّحة المنحدرة التي لم يكن فيها نبكات وكومات ، دون الأوّل.

وعلى فرض الاندراج فلا يجوز الارتفاع عن سطح المنحدر في محلّ السجود أزيد من قدر لبنة وإن صار بذلك مساوياً للموقف ، أو لم يبلغه أيضاً ، لإطلاق الأدلّة.

وكذا لا يضرّ على هذا لو كان الطرف الأعلى من المنحدر هو موضع السجود ، وإن كان أرفع من الموقف بهذا المقدار ، أو أكثر منه ، وهكذا الكلام في جانب

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤١١ ح ١٣ ، التهذيب ٣ : ٣٠٧ ح ٩٤٩ ، الوسائل ٤ : ٩٦٤ أبواب السجود ب ١١ ح ٢.

(٢) التهذيب ٣ : ٢٨٢ ح ٨٣٥ ، الوسائل ٤ : ٩٦٤ أبواب السجود ب ١٠ ح ٤.

(٣) التذكرة ٣ : ١٨٩.

(٤) في «م» : للموثّقة.

٥٨٤

الانخفاض من جهة نفس الانحدار.

وبالجملة تضرّ الكومات والنبكات إذا كانت أزيد من مقدار لبنة ، ولا يضرّ الارتفاع والانخفاض الذاتي للمنحدر وإن كان أزيد منه.

وعلى فرض عدمه يصير الأمر بالعكس ، فتضرّ الذاتيات إذا بلغت المقدار المعلوم ، وتنفع الكومات والنبكات لو صارت سبباً للتساوي ، أو مخرجاً عن الحدّ المحظور ، وإن جاوزت هي بنفسها عن المقدار المذكور.

وإلى أوّل الوجهين أي فرض الاندراج يشير كلام بعض المحقّقين رحمه‌الله ، حيث قال : ولا فرق في اعتبار عدم العلوّ بين الأرض المنحدرة وغيرها ، لإطلاق النصّ والفتوى (١).

وانسحابه في عدم الانخفاض على القول باعتباره مشكل ، لعدم العموم في النصّ الذي هو مستنده ، مع احتمال كلامه للوجه الثاني أيضاً ، أي فرض عدم الاندراج.

والذي يقوى في نفسي هو الوجه الثاني ، إذ البراءة لا تحصل إلّا به.

مع أنّ الظاهر من الاستواء هو المعنى الأوّل ، بل الظاهر من إطلاق الأخبار المانعة عن العلوّ أيضاً ذلك فتدبّر.

وألحق بعض الأصحاب سائر المساجد بالجبهة (٢) ، ونقل عن العلامة في النهاية أيضاً القول بوجوب تساوي الأعالي والأسافل ، أو انخفاض الأعالي (٣) ، ولم يظهر وجهه ، ولا ريب أنّ الأحوط تساوي الجميع.

وأمّا ملاحظة سائر المواضع التي تكون ما بين المقام وموضع الجبهةِ ، فلا دليل على اعتبار شي‌ءٍ من ذلك فيها أصلاً ، فيجوز أن يسجد وما بين ركبتيه وجبهته مرتفع

__________________

(١) انظر المدارك ٣ : ٤٠٨.

(٢) الذكرى : ٢٠٢ ، ونقله عن الشهيد في جامع المقاصد ٢ : ٢٩٩.

(٣) نهاية الإحكام ١ : ٤٨٨.

٥٨٥

أزيد من المقدار المقرر ، أو انخفاض أزيد منه ، وهكذا.

تنبيه :

لو وقعت جبهته على موضع مرتفع بأزيد من المقدار المقرّر ، فقد نقل عن الفاضلين (١) وغيرهما (٢) القطع بأنّه يرفع رأسه ويسجد على المساوي ، لعدم تحقّق السجود معه.

ولرواية حسين بن حمّاد قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أسجد فتقع جبهتي على الموضع المرتفع ، قال : «ارفع رأسك ثمّ ضعه» (٣).

وفي رواية أُخرى له عنه عليه‌السلام : عن الرجل يسجد على الحصى ، قال : «يرفع رأسه حتّى يتمكّن» (٤) وفي دلالتها على ما نحن فيه تأمّل.

وتعارضها صحيحة ابن سنان ، عن حسين بن حمّاد ، عنه عليه‌السلام قال ، قلت له : أضع وجهي للسجود ، فيقع وجهي على حجر أو على شي‌ء مرتفع ، أُحوّل وجهي إلى مكان مستوٍ؟ قال : «نعم ، جرّ وجهك على الأرض من غير أن ترفعه» (٥).

وصحيحة معاوية بن عمّار قال ، قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «إذا وضعت جبهتك على نبكة فلا ترفعها ، ولكن جرّها على الأرض» (٦).

وتعارض روايته الأخيرة صحيحة عليّ بن جعفر على الظاهر ، قال : سألت عن

__________________

(١) المحقّق في المعتبر ٢ : ٢١٢ ، والعلامة في المنتهي ١ : ٢٨٨.

(٢) كالشهيد في الذكرى : ١٦٠.

(٣) التهذيب ٢ : ٣٠٢ ح ١٢١٩ ، الاستبصار ١ : ٣٣٠ ح ١٢٣٧ ، الوسائل ٤ : ٩٦١ أبواب السجود ب ٨ ح ٤.

(٤) التهذيب ٢ : ٢١٠ ح ١٢٦٠ ، الوسائل ٤ : ٩٦١ أبواب السجود ب ٨ ح ٥.

(٥) التهذيب ٢ : ٣١٢ ح ١٢٦٩ ، الاستبصار ١ : ٣٣٠ ح ١٢٣٩ ، الوسائل ٤ : ٩٦١ أبواب السجود ب ٨ ح ٢.

(٦) الكافي ٣ : ٣٣٣ ح ٣ ، التهذيب ٢ : ٣٠٢ ح ١٢٢١ ، الاستبصار ١ : ٣٣٠ ح ١٢٣٨ ، الوسائل ٤ : ٩٦٠ أبواب السجود ب ٨ ح ١.

٥٨٦

الرجل يسجد على الحصى ، ولا يمكّن جبهته من الأرض ، قال : «يحرّك جبهته حتّى يمكّن ، فينحّي الحصى عن جبهته ولا يرفع رأسه» (١).

ومع هذا يشكل ترك ظواهر هذه الأخبار المعتبرة ، خصوصاً مع صدق السجدة بمجرّد وضع الجبهة كما هو الظاهر ، سيّما لو لم يكن بذلك الارتفاع ، فحملها على الاستحباب والخبر الأوّل على الجواز مشكل ، سيّما مع كون الراوي في طرف المعارض هو أيضاً حسين بن حمّاد ، فيظهر فيه وهن من هذه الجهة ، وروايته هذه معتضدة بصحيحة ابن عمّار وغيرها.

وأيضاً ظهور الروايات المانعة في الدلالة أزيد منها ، وهي أقبل للتوجيه ، فتحمل على أنّ المراد من الرفع والوضع هو الحاصل بالجرّ من العالي إلى السافل.

وبالجملة استصحاب شغل الذمّة والاحتراز عن لزوم تعدّد الركن على احتمال يقتضي التزام العمل بتلك الروايات المعتبرة.

وجمع المحقّق بينهما بحمل الرواية الأُولى على ما لو وضع جبهته على غير ما يصحّ السجود عليه فلا يتعدّد السجود ، والروايات الأُخر على ما يصحّ ؛ فيجب الجرّ لئلّا يتعدّد (٢) ، وهو بعيد لما ذكرنا.

وجمع بينهما في الاستبصار بحملها على صورة عدم التمكّن من الجرّ ، وحمل غيرها على صورة التمكّن (٣) ، والأوجه ما ذكرنا.

ويظهر ممّا ذكرنا أنّه لو وقعت جبهته على ثوب ونحوه ، وإن لم يكن مرتفعاً ؛ فالوجه جرّ الجبهة لا رفعها ، كما اختاره الشيخ علي رحمه‌الله (٤).

أما الروايتان المتعارضتان في وضع الجبهة على الحصى فلعلّ الوجه في الجرّ عنها

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣١٢ ح ١٢٧٠ ، الاستبصار ١ : ٣٣١ ح ١٢٤٠ ، الوسائل ٤ : ٩٦١ أبواب السجود ب ٨ ح ٣.

(٢) المعتبر ٢ : ٢١٢.

(٣) الاستبصار ١ : ٣٣١.

(٤) جامع المقاصد ٢ : ٣٠٠.

٥٨٧

أو الرفع والوضع هو حصول التعب بذلك ، وعدم تحمّل المصلّي لذلك ، أو كون الحصى بالقدر الذي لا يكفي في السجود.

والأخير بعيد بالنظر إلى الاكتفاء بالمسمّى كما هو التحقيق ، وسيجي‌ء إن شاء الله تعالى ، والأولى في ذلك أيضاً العمل بالرواية الأخيرة ، والله أعلم بحقائق أحكامه.

الثاني : من كان على جبهته دمل أو جراحة حفر حفيرة ليقع السليم منها على الأرض ، ومع التعذّر فعلى أحد الجبينين ، ومع التعذّر فعلى الذقن على المشهور بين الأصحاب.

ويدلّ على الأوّل مضافاً إلى إجماع العلماء كما قاله في المدارك (١) ، وكونه مقدّمة للواجب المطلق ؛ رواية مصادف قال : خرج بي دمل فكنت أسجدُ على جانب ، فرأى أبو عبد الله عليه‌السلام أثره ، فقال : «ما هذا؟» فقلت : لا استطيع أن أسجد من أجل الدمل ، فإنّما أسجد منحرفاً ، فقال لي : «لا تفعل ، ولكن احفر حفيرة واجعل الدمل في الحفيرة حتّى تقع جبهتك على الأرض» (٢).

وعلى الثاني إجماع الأصحاب كما نقله في المدارك (٣) ، ويظهر من غيره أيضاً (٤) ، وعبارة الفقه الرضوي : «إن كان على جبهتك علّة لا تقدر على السجود فاسجد على قرنك الأيمن ، فإن تعذّر فعلى قرنك الأيسر ، فإن لم تقدر فاسجد على ظهر كفّك ، فإن لم تقدر فاسجد على ذقنك» ثمّ استشهد بالآية (٥).

__________________

(١) المدارك ٣ : ٤١٦.

(٢) الكافي ٣ : ٣٣٣ ح ٥ ، التهذيب ٢ : ٨٦ ح ٣١٧ ، الوسائل ٤ : ٩٦٥ أبواب السجود ب ١٢ ح ١.

(٣) المدارك ٣ : ٤١٧.

(٤) مجمع الفائدة ٢ : ٢٦٥.

(٥) فقه الرضا (ع) : ١١٤ ، مستدرك الوسائل ٤ : ٤٥٩ أبواب السجود ب ١٠ ح ١.

٥٨٨

وعلى الثالث مضافاً إلى هذا ما رواه الكليني مرسلاً عن الصادق عليه‌السلام : أنّه سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عمّن بجبهته علّة لا يقدر على السجود عليها ، قال : «يضع ذقنه على الأرض ، إنّ الله تعالى يقول (يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً)» (١).

وظاهر الأصحاب التخيير في الجبينين ، والأولى مراعاة الترتيب لما ذكرنا ، وللخروج عن خلاف الصدوقين ؛ حيث أفتيا بوفق العبارة المنقولة (٢) ، وهناك أقوال أُخر أدلّتها ضعيفة.

والأقوى ما ذهب إليه المشهور ، ولا بدّ من تقييد المرسلة بالعاجز عن الجبينين.

وهل يجب كشف اللحية لو سجد على الذقن؟ فالإطلاق يقوّي العدم ، وعدم صدق الذقن الوجوب ، ولعلّ الأوّل أقرب.

والمراد بالمشقّة ما لا يتحمّل عادةً ، وإن تمكّن من تحمّله بالعسر.

والذي عجز عن السجود على النحو المطلوب يرفع موضع السجود بحيث يقدر على وضع الجبهة عليه ويسجد عليه ، لأنّه مقدّمة الواجب ، ولأنّ الميسور لا يسقط بالمعسور ، والظاهر أنّه إجماعيّ.

وتدلّ عليه أيضاً حسنة عبد الرحمن بن أبي عبد الله لثعلبة بن ميمون عن الصادق عليه‌السلام ، قال : «لا يصلّي على الدابّة الفريضة إلّا مريض يستقبل بوجهه القبلة ، وتجزئه فاتحة الكتاب ، ويضع بوجهه في الفريضة على ما أمكنه من شي‌ء ، ويومئ في النافلة إيماء» (٣).

ورواية إبراهيم بن أبي زياد الكرخي ، رواها الشيخ في التهذيب والصدوق في الفقيه قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل شيخ كبير لا يستطيع القيام إلى الخلاء لضعفه ، ولا يمكنه الركوع والسجود ، فقال : «ليؤمِ برأسه إيماء ، وإن

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٣٤ ح ٦ ، التهذيب ٢ : ٨٦ ح ٣١٨ ، الوسائل ٤ : ٩٦٥ أبواب السجود ب ١٢ ح ٢.

(٢) نقله عن والد الصدوق في روض الجنان : ٢٧٦ ، واختاره الصدوق في المقنع (الجوامع الفقهيّة) : ٧.

(٣) التهذيب ٣ : ٣٠٨ ح ٩٥٢ ، الوافي ٨ : ١٠٤٥ باب صلاة المريض ح ٢٢.

٥٨٩

كان له من يرفع الخمرة إليه فليسجد ، وإن لم يمكنه ذلك فليوم برأسه نحو القبلة إيماء» (١)

ومع العجز عن ذلك مطلقاً فليؤمِ بالرأس ثمّ بالعينين ، والظاهر أنّه لا خلاف في ذلك بين الأصحاب.

وأمّا صحيحة زرارة عن الباقر عليه‌السلام قال : سألته عن المريض ، قال : «يسجد على الأرض ، أو على مروحة ، أو على سواك يرفعه ، وهو أفضل من الإيماء» (٢).

وحسنة الحلبي عن الصادق عليه‌السلام ، قال : سألته عن المريض إذا لم يستطع القيام والسجود ، قال : «يومئ برأسه إيماء ، وإن يضع جبهته على الأرض أحبّ إليّ» (٣) فلا بدّ من تأويلهما ، لمخالفتهما للأدلّة السابقة المعمول بها عند الأصحاب ، لمتروكيّة ظاهر الخبرين عندهم ، ومخالفته للأُصول.

وقد حاول الفاضل صاحب المدارك رحمه‌الله الاستدلال بهما على استحباب وضع شي‌ء على الجبهة حال الإيماء (٤) ، وهو خلاف ظاهر الروايتين ، سيّما صحيحة زرارة ، فإنّها كالصريحة (٥) في التخيير بين السجود على الأرض أو الشي‌ء المرتفع والإيماء ، ومع القدرة على هذا لا يجوز الإيماء ، والمطلوب هو وضع شي‌ء على الجبهة حال الإيماء بعد العجز عن ذلك ، وتوجيههما بحيث يرجع إلى ذلك بعيد غاية البُعد ، سيّما الصحيحة.

وقد يوجّه بأنّ المراد منها الترديد بالنسبة إلى حالتي التمكّن من السجود على

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٣٨ ح ١٠٥٢ ، التهذيب ٣ : ٣٠٧ ح ٩٥١ ، الوسائل ٤ : ٦٩١ أبواب القيام ب ١ ح ١١.

(٢) الفقيه ١ : ٢٣٦ ح ١٠٣٩ ، التهذيب ٢ : ٣١١ ج ١٢٦٤ ، الوسائل ٣ : ٦٠٦ أبواب ما يسجد عليه ب ١٥ ح ١ ، ٢.

(٣) الكافي ٣ : ٤١٠ ح ٥ ، الوسائل ٤ : ٦٨٩ أبواب القيام ب ١ ح ٢.

(٤) المدارك ٣ : ٣٣٣.

(٥) في «ص» : فإنّه كلام صريح.

٥٩٠

الأرض وغيره ، والمراد برفع السواك والمروحة هو وضعهما على الجبهة (١).

وقد روى هذه الصحيحة في الفقيه هكذا : سألته عن المريض كيف يسجد؟ فقال : «على خمرة أو على مروحة» (٢) الحديث ، وعلى هذا التوجيه أسهل.

ولا بدّ حينئذٍ من توجيه الحسنة أيضاً بما يقرب من هذا ، لكن الاستدلال بمثل هذا مشكل.

نعم يمكن الاستدلال بمضمرة سماعة ، قال : سألته عن المريض لا يستطيع الجلوس ، قال : «فليصلّ وهو مضطجع ، وليضع على جبهته شيئاً إذا سجد ، فإنّه يجزئ عنه ، ولن يكلّف الله ما لا طاقة له به» (٣).

واستدلّ الشهيد بذلك ، وبأنّ الواجب في السجود أُمور ، فإذا تعذّر بعضها لم يسقط الباقي ، لأنّ الميسور لا يسقط بالمعسور على وجوب الوضع ؛ مع الاعتماد كان أم لا (٤). ولا يخفى أنّه أولى وأحوط ، لكن كونه بحيث يقيّد الإطلاقات الكثيرة مشكل.

تتميم :

اعلم أنّ ما ورد في صلاة العاجز وفاقد الساتر والأرض والخائف وغير ذلك من الأمر بالإيماء مختلف ، فروايات صلاة المريض بعضها مطلق ، وبعضها مخصوص بغمض العين ، وبعضها بالرأس.

أما الروايات الواردة بغمض العين فهي في حال الاستلقاء ، كمرسلة محمّد بن إبراهيم ، عمّن حدّثه ، عن الصادق عليه‌السلام ، قال : «يصلّي المريض قائماً ، فإن

__________________

(١) الذخيرة : ٢٦٣.

(٢) الفقيه ١ : ٢٣٦ ح ١٠٣٩ ، الوسائل ٣ : ٦٠٦ أبواب ما يسجد عليه ب ١٥ ح ١ ، ٢.

(٣) التهذيب ٣ : ٣٠٦ ح ٩٤٤ ، الوسائل ٤ : ٦٩٠ أبواب القيام ب ١ ح ٥.

(٤) الذكرى : ١٨١.

٥٩١

لم يقدر على ذلك صلى قاعداً ، فإن لم يقدر صلى مستلقياً : يكبّر ثمّ يقرأ ، فإذا أراد الركوع غمّض عينيه ثمّ يسبّح ثمّ يفتح عينيه ، فيكون فتح عينيه رفع رأسه من الركوع ، فإذا أراد أن يسجد غمّض عينيه ثمّ يسبّح ، وإذا سبّح فتح عينيه ، فيكون فتح عينيه رفع رأسه من السجود» (١).

وأما الإيماء بالرأس فكثيرة ، منها إذا استطاع المريض للجلوس ، فقد روى في الفقيه مرسلاً عن أمير المؤمنين عليه‌السلام : «دخل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على رجل من الأنصار وقد شبكته الريح ، فقال : يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كيف أُصلي؟ فقال : إن استطعتم أن تجلسوه فأجلسوه ، وإلّا فوجّهوه إلى القبلة ومروه فليومِ برأسه إيماء ، ويجعل السجود أخفض من الركوع» (٢) وأما المطلقات فكثيرة غاية الكثرة (٣).

فالذي تقتضيه الأُصول والجمع بين الأخبار هو اختصاص الإيماء بالعين في صورة الاستلقاء ونحو ذلك.

والظاهر أنّ ذلك لعدم القدرة على غير ذلك غالباً ، وتقديم الإيماء بالرأس فيما يمكن غيره. فالإطلاقات موزّعة بالقيدين في مواضعهما.

وما يتخيّل من الجمع بالتخيير (٤) فلا وجه له ، ولا تحصل البراءة اليقينيّة إلّا بالعمل بما اقتضاه المشهور.

ومما ذكرنا ظهر بعض أحوال الركوع أيضاً ، فتدبر.

وهل الحكم في المذكورات حكم المُبدَل منه في الركنيّة والصحّة والبطلان

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤١١ ح ١٢ ، التهذيب ٢ : ١٦٩ ح ٦٧١ ، الوسائل ٤ : ٦٩١ أبواب القيام ب ١ ح ١٣.

(٢) الفقيه ١ : ٢٣٦ ح ١٠٣٨ ، الوسائل ٤ : ٦٩٢ أبواب القيام ب ١ ح ١٦.

(٣) الكافي ٣ : ٤١٠ ح ٦ ، الفقيه ١ : ٢٣٦ ح ٣١٦ ، التهذيب ٣ : ١٧٥ ح ٣٩٢ ، عيون أخبار الرضا (ع) : ٦٨ ح ٣١٦ ، الوسائل ٤ : ٩٧٦ أبواب السجود ب ٢٠ ، وج ٣ : ٦٩٠ أبواب القيام ب ١ ح ٤ ، ٦ ، ١٠ ، ١٥ ، ١٨.

(٤) الذخيرة : ٢٦٣.

٥٩٢

بالزيادة والنقصان؟ فيه وجهان ، بالنظر إلى عموم البدليّة ، أو اشتراك الركوع والسجود بينهما (معنىً) (١) ، وعدم تبادر ذلك منهما ، ومنع العموم بهذا المقدار ، والأحوط اعتبار ذلك ، بل الأقوى ، لتوقّف يقين البراءة على ذلك.

وهل يعتبر قصد البدليّة؟ فيه وجهان ، ناشئان من الوجهين الأوّلين في أوّل وجهي الترديد في المسألة المتقدّمة.

الثالث : السجدتان ركن في الصلاة لا بالمعنى الشائع في سائر الأركان ، بل بمعنى أنّ زيادتهما معاً مبطلة للصلاة ، ونقصانهما معاً.

وذكروا في وجه ركنيّة السجدة بحيث يجامع ما ذكروه في معنى الركن وجوهاً ضعيفة.

وأوجهها ما ذكره العلّامة المجلسي رحمه‌الله في البحار ، وهو أنّ الركن المفهوم المردّد بين سجدة واحدة بشرط لا ، وسجدتين لا بشرط شي‌ء ، فإذا أتى بواحدة سهواً فقد أتى بفرد من الركن ، وكذا إذا أتى بهما ، ولا ينتفي الركن إلّا بانتفاء الفردين بأن لا يسجد أصلاً ، وإذا سجد ثلاث سجدات لم يأتِ إلّا بفرد واحد ، وهو الاثنان لا بشرط شي‌ء ، وأمّا الواحدة الزائدة فليست فرداً له لكونها مع اخرى ، وما هو فرد له على هذا الوجه هو بشرط أن لا يكون معها شي‌ء وإذا أتى بأربع فما زاد أتى بفردين من الاثنتين ، قال : وهذا وجه متين لم أرَ أحداً سبقني إليه ، ومع ذلك لا يخلو من تكلّف (٢) ، انتهى.

والأولى ما ذكرنا ، لعدم ذكر الركن في الأخبار ، وأما كلام العلماء فمخصّص بغير حكم السجدتين ، ونظيره في كلامهم كثير ، منها ما أشرنا إليه في ركوع المرأة (٣).

__________________

(١) ليس في «م» ، وفي «ح» : معه لفظاً.

(٢) البحار ٨٢ : ١٤٢.

(٣) ص ٥٨٠.

٥٩٣

وبالجملة معنى الركنيّة في كلامهم إنّما يثمر فيما قام الدليل عليه في محتملاتِ موردها ، وهو يحتاج إلى تأمّل صادق.

ومما يقع فيه الإشكال ركنيّة القيام المتّصل بالركوع ، والذي يمكن أن ينزّل عليه بحيث يتعيّن له مصداق وتترتّب عليه الأحكام هو جعله شأناً من شئون الركوع ، فيقال : إنّ الركوع ركن ، وكون الركوع عن قيام ركناً آخر.

وذلك لأنّ من أحكام الركن أنّهم ذكروا أنّ من سها عن جزءٍ من الصلاة فيجب عليه الإتيان به ما لم يدخل في ركنٍ آخر.

ولا يمكن حصول العلم بالدخول في القيام المتّصل بالركوع إلّا إذا تحقّق الركوع ، ألا ترى أنّهم حكموا بأنّ ناسي التشهّد يتداركه ما لم يركع ، ونطقت بذلك الأخبار المستفيضة (١) كما سيجي‌ء ، ولم يقولوا ما لم يدخل في القيام المتّصل بالركوع.

فلو فرض أنّه هوى من القيام إلى الركوع ، وتذكر أنّه لم يتشهّد قبل أن يصل إلى حدّ الراكع ، فيرجع ويتشهّد ولا يلزم منه تعدّد الركن ؛ إذ علمت أنّ معنى القيام المتّصل بالركوع لا يتحقّق إلّا بالركوع عن قيام ، وهو لم يتحقّق بعد.

وبالجملة جميع أجزاء القيام قبل الركوع قابلة لأن تصير ركناً ، ولا تحصل فعلية الركن إلّا بتحقّق الركوع الحقيقي في جزء من تلك الأجزاء.

فهذا الركن لا تظهر له ثمرة في الزيادة ، وإنّما تظهر ثمرته في الترك ، لإمكان تحقّق الركوع بدون القيام المتّصل به ، وعدم إمكان تحقّق الركوع عن قيام بدونه ، وأما الزيادة فلا تحصل إلّا بتكرير الركوع ، ومع تكرير الركوع فلا ثمرة في تعدّد القيام المتّصل به.

واعلم أنّ الثمرة في النقصان أيضاً إنّما تظهر لو انفكّ عن القيام في حال التكبير ، وإلّا فيتداخل معه ، كما لو أراد المأموم أن يلحق بالإمام في حال الركوع مستعجلاً

__________________

(١) الوسائل ٤ : ٩٩٧ أبواب التشهّد ب ٩.

٥٩٤

فلا يجب لتصحيح صلاته قيام آخر غير القيام حال التكبير ومعه حصل القيامان معاً.

ومن ذلك يظهر عدم الثمرة في القيام حال التكبير في حال الزيادة أيضاً ، لعدم انفكاكه عن الزيادة في التكبير ، فما ذكروه من الأحكام في الأركان لا يجب أن يتحقّق جميعها في جميعها ، بل هو حكم جميعها.

فلنرجع إلى ما كنّا فيه ونقول : فلا تبطل زيادة سجدة سهواً ، ولا نقصانها كذلك ، وإذا تذكّرها قبل الركوع يأتي بها ، وكذا السجدتين ، هذا هو المشهور بين الأصحاب.

وأما بطلان الصلاة بتركهما معاً وبزيادتهما معاً فهو في الجملة إجماع العلماء كافّة ، قاله في المعتبر (١) ، وادّعى الإجماع أيضاً في التذكرة (٢).

وتدلّ عليه صحيحة زرارة المتقدّمة : «لا تعاد الصلاة إلّا من خمس» (٣) وأنّ التارك لهما أو الزائد عليهما مخرج للعبادة عن الهيئة المطلوبة ، فيبقى تحت عهدة التكليف. وتؤيّده رواية معلّى الاتية (٤).

وخالف في هذه الأحكام الشيخ في المبسوط ، حيث جعلهما ركناً في الأُوليين وثالثة المغرب خاصّة (٥) ، وذلك لما عرفت سابقاً من أنّه كان يجوز التلفيق في غير الأُوليين والمغرب في مبحث الركوع ، وهو كان يستلزم تكرار السجدتين.

وفي التهذيب ؛ حيث أوجب الإعادة بترك السجدة الواحدة من الأُوليين (٦).

وابن أبي عقيل حيث اختار هذا ولم يخصّص بالأُوليين (٧).

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٢٠٦.

(٢) التذكرة ٣ : ١٨٥.

(٣) الفقيه ١ : ٢٢٥ ح ٩٩١ ، التهذيب ٢ : ١٥٢ ح ٥٩٧ ، الوسائل ٤ : ٩٨٧ أبواب السجود ب ٢٨ ح ١.

(٤) ص ٥٩٨.

(٥) المبسوط ١ : ١٢٠.

(٦) التهذيب ٢ : ١٥٤.

(٧) نقله عنه في المختلف ٢ : ٣٧١.

٥٩٥

والأقوى في جميع ذلك المشهور.

لنا : على الأوّل مضافاً إلى ما سبق هنا عموم ما ذكرنا في مبحث الركوع لإثبات بطلان الصلاة بزيادته سهواً ، ولا خصوصيّة لها بالأُوليين وثالثة المغرب.

وقد عرفت الجواب عمّا استدلّ به في مبحث الركوع على جواز التلفيق ، وقد ذكرنا أنّ نظره (١) في تخصيص الأخيرتين من الرباعيّة إلى ماذا ، وأنّ دليله في التلفيق ماذا ، لكنه لا دليل له في التلفيق ههنا.

وإلحاق السجدتين بالركوع من غير دليل كما وجّهه في المختلف (٢) لا وجه له.

فالذي تقتضيه الأدلّة هو بطلان الصلاة بزيادتهما مطلقاً وتركهما معاً مطلقاً ، وتخصيص الأدلّة القويّة بغير الأخيرتين من الرباعيّة من دون دليل لا وجه له.

وعلى الثاني الإطلاق وترك الاستفصال في الأخبار المعتبرة ، منها صحيحة أبي بصير ، عن الصادق عليه‌السلام ، قال : سألته عمّن نسي أن يسجد سجدة واحدة فذكرها وهو قائم ، قال : «يسجدها إذا ذكرها ما لم يركع ، فإن كان قد ركع فليمضِ على صلاته ، فإذا انصرَفَ قضاها وحدها وليس عليه سهو» (٣).

ومنها صحيحة إسماعيل بن جابر عنه عليه‌السلام : في رجل نسي أن يسجد السجدة الثانية حتّى قام ، فذكر وهو قائم أنّه لم يسجد ، قال : «فليسجد ما لم يركع ، فإذا ركع فذكر بعد ركوعه أنّه لم يسجد فليمضِ على صلاته حتّى يسلّم ، ثمّ يسجدها فإنّها قضاء» (٤).

ومنها موثّقة عمّار عنه عليه‌السلام : في رجل نسي سجدة ، فذكرها بعد ما قام و

__________________

(١) في «ص» : وقد ذكرنا أن يظهره في تخصيص الأخيرتين من الرباعيّة إلى ما زاد ، وفي «م» : وقد ذكرنا أنّ نظيره ..

(٢) المختلف ٢ : ٣٦٧.

(٣) الفقيه ١ : ٢٢٨ ح ١٠٠٨ ، التهذيب ٢ : ١٥٢ ح ٥٩٨ ، الاستبصار ١ : ٣٥٨ ح ١٣٦٠ ، الوسائل ٤ : ٩٦٩ أبواب السجود ب ١٤ ح ٤.

(٤) التهذيب ٢ : ١٥٣ ح ٦٠٢ ، الاستبصار ١ : ٣٥٩ ح ١٣٦١ ، الوسائل ٤ : ٩٦٨ أبواب السجود ب ١٤ ح ١.

٥٩٦

ركع ، قال : «يمضي في صلاته ولا يسجد حتّى يسلّم ، فإذا سلّم سجد مثل ما فاته» قلت : فإن لم يذكر إلّا بعد ذلك؟ قال : «يقضي ما فاته إذا ذكره» (١).

ومنها صحيحة ابن أبي يعفور ، عنه عليه‌السلام ، قال : «إذا نسي الرجل سجدة وأيقن أنّه قد تركها فليسجدها بعد ما يقعد قبل أن يسلّم ، وإن كان شاكاً فليسلّم ثمّ ليسجدها ، وليتشهّد تشهّداً خفيفاً ، ولا يسمّيها نقرة ، فإنّ النقرة نقرة الغراب» (٢).

واستدلّ الشيخ بصحيحة ابن أبي نصر البزنطي ، عن الرضا عليه‌السلام ، قال : سألته عن رجل صلّى ركعة ثمّ ذكر وهو في الثانية وهو راكع أنّه ترك سجدة من الاولى ، فقال : «كان أبو الحسن عليه‌السلام يقول : إذا تركت السجدة في الركعة الاولى ولم تدرِ واحدة أم ثنتين استقبلت الصلاة حتّى تصحّ لك ثنتان ، وإذا كان في الثالثة والرابعة فتركت سجدة بعد أن تكون قد حفظت الركوع أعدت السجود» (٣).

ولا يخفى أنّ هذا الخبر غير متناسق الدلالة ، غير منطبق على واحد من الأُصول على ظاهره كما لا يخفى.

وغاية توجيهه بما يقرب من مقصود الشيخ هو أن يكون المراد من قوله عليه‌السلام : «لم تدرِ واحدة أم ثنتين» أنّك لم تدرِ أنّ المتروك هو واحدة أو ثنتين ، وهذا أيضاً لا يقتضي إثبات تمام المطلب ، وللخبر تأويلات وتوجيهات لا طائل تحتها ، فأعرضنا عن ذكرها.

وما كان هذا شأنه فكيف تخصص به الأخبار الصحيحة الظاهرة الدلالة المعمول بها عند الأصحاب ، مع أنّ الشهيد رحمه‌الله ادّعى عليه الإجماع

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٥٣ ح ٦٠٤ ، الاستبصار ١ : ٣٥٩ ح ١٣٦٢ ، الوسائل ٤ : ٩٦٨ أبواب السجود ب ١٤ ح ٢.

(٢) التهذيب ٢ : ١٥٦ ح ٦٠٩ ، الاستبصار ١ : ٣٦٠ ح ١٣٦٦ ، الوسائل ٤ : ٩٧٢ أبواب السجود ب ١٦ ح ١.

(٣) الكافي ٣ : ٣٤٩ ح ٣ ، التهذيب ٢ : ١٥٤ ح ٦٠٥ ، الاستبصار ١ : ٣٦٠ ح ١٣٦٤ ، الوسائل ٤ : ٩٦٨ أبواب السجود ب ١٤ ح ٣.

٥٩٧

على ما نقل عنه (١).

وهو معارض بخبر محمّد بن منصور ، قال : سألته عن الذي ينسى السجدة الثانية من الركعة الثانية أو شك فيها ، فقال : «إذا خفت أن لا تكون وضعت وجهك إلّا مرّة واحدة ، فإذا سلّمت سجدت سجدة واحدة ، وتضع وجهك مرّة واحدة ، وليس عليك سهو» (٢) ورواية معلّى بن خنيس صريحةً أيضاً وستأتي.

وإذا عرفت هذا فاعلم أنّ نظر الشيخ في هذا التخصيص أيضاً إلى ما ذكرنا سابقاً من أنّه لأوهم في الأُوليين والثالثة ، ولازمه بطلانهما بمطلق الوهم ، ومن هذا يلزمه القول بأنّ زيادة سجدة فيهما أيضاً مبطلة ، وتدفعه الإطلاقات والعمومات الكثيرة ، سيّما الخبران اللذان ذكرناهما في مبحث الركوع : «ولا تفسد الصلاة بزيادة سجدة» (٣) وفيهما إشعار بمذهب المشهور في النقصان أيضاً ، فراجع وتأمّل ، مع أنّا ذكرنا وسنذكر إن شاء الله أنّه لا وجه لنفي الوهم فيهما مطلقاً.

ويدلّ على تعميم ابن أبي عقيل ما رواه معلّى بن خنيس في الضعيف ، قال : سألت أبا الحسن الماضي عليه‌السلام في الرجل ينسى السجدة من صلاته ، قال : «إذا ذكرها قبل ركوعه سجدها وبنى على صلاته ، ثمّ سجد سجدتي السهو بعد انصرافه ، وإن ذكرها بعد ركوعه أعاد الصلاة ، ونسيان السجدة في الأُوليين والأخيرتين سواء» (٤).

وفي طريق هذا الخبر ضعف وإرسال ، واشتهر أن معلّى بن خنيس قُتل في

__________________

(١) الذكرى : ٢٠٠.

(٢) التهذيب ٢ : ١٥٥ ح ٦٠٧ ، الاستبصار ١ : ٣٦٠ ح ١٣٦٥ ، الوسائل ٤ : ٩٧٠ أبواب السجود ب ١٤ ح ٦.

(٣) التهذيب ٢ : ١٥٦ ح ٦١٠ ، ٦١١ ، الفقيه ١ : ٢٢٨ ح ١٠٠٩ ، الوسائل ٤ : ٩٣٨ أبواب الركوع ب ١٤ ح ٢ ، ٣.

(٤) التهذيب ٢ : ١٥٤ ح ٦٠٦ ، الاستبصار ١ : ٣٥٩ ح ١٣٦٣ ، الوسائل ٤ : ٩٦٩ أبواب السجود ب ١٤ ح ٥ ، ووجه الضعف : وقوع عليّ بن إسماعيل في طريقه وهو مشترك بين جماعة لم يثبت توثيق أحد منهم.

٥٩٨

زمان الصادق عليه‌السلام ، فكيف يروي عن الكاظم عليه‌السلام؟! ويمكن دفع هذا الإيراد.

وبالجملة لا يصلح هذا الخبر لتقييد أقوى منه بمراتب شتّى.

وحملها الشيخ على أنّ المراد من السجدة السجدتين (١) ، وهو غير بعيد.

ثمّ اعلم أنّ صريح صحيحة أبي بصير ورواية ابن منصور المتقدّمتان وظواهر سائر الأخبار المعتبرة المذكورة ههنا عدم وجوب سجدتي السهو فيما لو سها سجدة ، ونسب ذلك إلى ابن أبي عقيل (٢) وابن بابويه (٣).

والمشهور بين الأصحاب وجوبهما ، ونقل العلّامة عليه الإجماع في التذكرة والمنتهى (٤) ، واستدلّوا على ذلك برواية ابن أبي عمير ، عن بعض أصحابه ، عن سفيان بن السمط ، عن الصادق عليه‌السلام ، قال : «تسجد سجدتي السهو في كلّ زيادة تدخل عليك أو نقصان» (٥) وأما ما تشعر به رواية معلّى فلا يمكن التعويل عليه.

وبالجملة إما لا بدّ من تخصيص الخبر بهذه الأدلّة القويّة ، أو حمله على الاستحباب ، لكون المخرج منه بالأدلّة من الكثرة بمكان لا يرضى المحقّقون بمثل هذا التخصيص ، ويكون المثبت للوجوب في الموارد الأدلّة الخارجية.

وعلى الثاني يبقى الإجماع معارِضاً لتلك الأدلّة ، وهي معتضدة بالأصل ، وهو اشتغال الذمّة بالعبادة التوقيفية ، والمسألة محلّ تردّد ، ولعلّ القول بالاستحباب يكون أقوى ، والأولى عدم تركهما.

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٥٤.

(٢) نسبه إليه في المختلف ٢ : ٤١٩.

(٣) الفقيه ٢ : ١٥٤.

(٤) التذكرة ٣ : ٣٣٣ ، المنتهي ١ : ٤١٧.

(٥) التهذيب ٢ : ١٥٥ ح ٦٠٨ ، الوسائل ٥ : ٣٤٦ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٣٢ ح ٣.

٥٩٩

ثمّ إنّ الدليل على وجوب تدارك السجدة أو السجدتين قبل الركوع قد ظهر ممّا ذكرناه في المباحث السابقة ، وما ذكرنا ههنا أيضاً من الأخبار.

والذي تقتضيه الأدلّة هو ملاحظة حال الطمأنينة بين السجدتين أيضاً ، فإذا كان المنسي السجدة الثانية مع الطمأنينة بينهما فتجب الطمأنينة ثمّ السجود.

ونُقل عن المفيد رحمه‌الله القول بأنّ مَن تركَ سجدتين من ركعة واحدة أعاد على كلّ حال ، وإن نسي واحدة منهما ثمّ ذكرها في الركعة الثانية قبل الركوع أرسل نفسه وسجدها ثمّ قام (١) ، ومستند التفصيل غير واضح.

وحكم الشكّ في السجود حكمه في الركوع للصحاح المتقدّمة (٢).

الرابع : يجب السجود على سبعة أعضاء : الجبهة ، والكفّين ، والركبتين ، وإبهامي الرجلين وهو المعروف من مذهب الأصحاب ، لا نعرف فيه مخالفاً ، إلّا ما نقل عن السيّد رحمه‌الله من أنّه جعل عوض الكفّين المفصل عند الزندين (٣) ، وادّعى عليه في التذكرة إجماع علمائنا (٤) ، وكذا في الذكرى (٥).

وتدلّ عليه صحيحة زرارة عن الباقر عليه‌السلام ، قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : السجود على سبعة أعظم : الجبهة ، واليدين ، والركبتين ، والإبهامين ؛ وترغم بأنفك إرغاماً ، فأما الفرض فهذه السبعة ، وأما الإرغام بالأنف فسنّة من النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله» (٦).

__________________

(١) المقنعة : ١٣٨.

(٢) الوسائل ٤ : ٩٧١ أبواب السجود ب ١٥.

(٣) الجمل (رسائل الشريف المرتضى) ٣ : ٣٢.

(٤) التذكرة ٣ : ١٨٥.

(٥) الذكرى : ٢٠١.

(٦) التهذيب ٢ : ٢٩٩ ح ١٢٠٤ ، الاستبصار ١ : ٣٢٧ ح ١٢٢٤ ، الخصال : ٣٤٩ ح ٢٣ ، الوسائل ٤ : ٩٥٤ أبواب السجود ب ٤ ح ٢.

٦٠٠