غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ٢

الميرزا أبو القاسم القمّي

غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ٢

المؤلف:

الميرزا أبو القاسم القمّي


المحقق: عباس تبريزيان
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-424-250-5
الصفحات: ٦٣١

وأما العمى فهو أيضاً كذلك ، ونقل عن بعضهم تخصيصه بصورة المشقّة (١) ، وهو تقييد النصّ (٢) والفتوى من غير دليل.

وأما المرض فإطلاق النصّ والفتوى يقتضي العموم ، وخصّه في روض الجنان بما يشقّ معه الحضور ، أو يوجب زيادة المرض (٣) ، والمعيار صدق المريض عُرفاً ، وهو لا ينفكّ عن المشقّة.

وأما الهم وهو كونه شيخاً فانياً فهو أيضاً مقطوع به في كلامهم ، مدّعى عليه الإجماع (٤).

وقيّده بعضهم بالمزمن أو البالغ حدّ العجز (٥). وبعضهم بذلك أو بما يوجب المشقّة الشديدة (٦).

وإطلاق النصّ (٧) يدفع كلّ ذلك ، إلّا أن يُدّعى القطع بالعلّة ، ولا نعلمه ، وجميع ما ذكر منصوص به في صحيحة زرارة وغيرها (٨).

وأما البُعد عن أزيد من فرسخين ؛ فأما اشتراطه بعدم البُعد في الجملة فهو أيضاً ممّا لا خلاف فيه ، وتدلّ عليه أيضاً صحيحة زرارة وغيرها من الأخبار الكثيرة.

لكنهم اختلفوا في تحديد البُعد ، فذهب جماعة إلى وجوبها على من كان بعيداً

__________________

(١) المسالك ١ : ٢٤١.

(٢) الوسائل ٥ : ٢ أبواب صلاة الجمعة ب ١.

(٣) روض الجنان : ٢٨٧.

(٤) كما في المنتهي ١ : ٣٢٤.

(٥) كالعلامة في القواعد ١ : ٢٨٧ ، والإرشاد ١ : ٢٥٧.

(٦) كالكركي في جامع المقاصد ٢ : ٣٨٧.

(٧) الوسائل ٥ : ٢ أبواب صلاة الجمعة ب ١.

(٨) الوسائل ٥ : ٢ أبواب صلاة الجمعة ب ١ ح ١ ، وانظر الكافي ٣ : ٤١٩ ح ٦ ، والفقيه ١ : ٢٦٦ ح ١٢١٧ ، والتهذيب ٣ : ٢١ ح ٧٧ وفيها : ووضعها عن تسعة : عن الصغير ، والكبير ، والمجنون ، والمسافر ، والعبد ، والمرأة ، والمريض ، والأعمى ، ومن كان على رأس فرسخين.

٤١

بفرسخين وإذا زاد فلا تجب (١) ، لحسنة محمّد بن مسلم عن الصادق عليه‌السلام ، قال : «تجب الجمعة على من كان منها على فرسخين ، فإذا زاد ذلك فليس عليه شي‌ء» (٢).

وآخرون إلى عدم وجوبها إلّا على من كان دونهما (٣) ، لصحيحة زرارة الناطقة بالسقوط عمّن كان على رأس فرسخين.

والثمرة في هذا الخلاف نادرة جدّاً.

ولا يبعد القول بأنّ المفهوم من الاولى الكون في جملة الفرسخين ، ومن الثانية خروجه منهما بسبب إقحام الرأس ، فهما متّفقتان في اشتراط عدم البُعد بفرسخين.

وكيف كان فالأظهر عدم الوجوب على من بَعُد بنفس الفرسخين ، لو تحقّق الفرض.

وهناك قولان آخران لابن الجنيد وابن أبي عقيل بالوجوب على مَن إذا خرج بعد صلاة الغداة أدركها ، وبالوجوب على من إذا فرغ من الجمعة وصل إلى منزله قبل دخول اللّيل (٤). ومستندهما صحيحة زرارة (٥) ، والأولى حملها على الاستحباب.

واعلم أنّ المراد بمن كان على رأس فرسخين هو ما دام كذلك ، فإن حضر

__________________

(١) جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى) ٣ : ٤١ ، المبسوط ١ : ١٤٣ ، الخلاف ١ : ٥٩٤ مسألة ٣٥٧ ، السرائر ١ : ٢٩٢.

(٢) الكافي ٣ : ٤١٩ ح ٣ ، التهذيب ٣ : ٢٤٠ ح ٦٤١ ، الاستبصار ١ : ٤٢١ ح ١٦١٩ ، الوسائل ٥ : ١٢ أبواب صلاة الجمعة ب ٤ ح ٦.

(٣) الهداية (الجوامع الفقهيّة) : ٥٢ ، الوسيلة : ١٠٣.

(٤) نقل ذلك في المختلف ٢ : ٢٢٧ ، والمعتبر ٢ : ٢٩٠.

(٥) التهذيب ٣ : ٢٣٨ ح ٦٣١ ، الاستبصار ١ : ٤٢١ ح ١٦٢١ ، الوسائل ٥ : ١١ أبواب صلاة الجمعة ب ٤ ح ١. وفيها : الجمعة واجبة على مَن إن صلّى الغداة في أهله أدرك الجمعة ، وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إنّما يصلّي العصر في وقت الظهر في سائر الأيام كي إذا قضوا الصلاة مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله رجعوا إلى رحالهم قبل اللّيل ، وذلك سنّة إلى يوم القيامة.

٤٢

فلا يصدق عليه هذا العنوان ، لا أنّه هو ولكنه وجب عليه بالدليل الأخر ، ولذلك أجمعوا على الوجوب عليه واستشكلوا في غيره كما سيجي‌ء.

وأما المطر ؛ فادّعى على اشتراط ارتفاعه الإجماع في التذكرة (١) ، وتدلّ عليه صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله (٢).

وألحق به بعضهم الوحل والحرّ والبرد الشّديدين مع خوف الضرر وغير ذلك (٣).

والتحقيق أنّ كلّ ما يوجب العسر والحرج فيشترط ارتفاعه ، ومن ذلك العَرَج البالغ حدّ العجز ، أومأ يوجب العسر والحرج.

ثمّ إنّ هؤلاء إذا تكلّفوا الحضور هل تجوز لهم الجمعة أم لا؟ المشهور نعم ، ونسب في المدارك نفي الجواز للمرأة إلى المحقّق (٤) ، ولم نجد في كلامه ما يدلّ على ذلك ، فالظّاهر أنّ أصل الجواز وفاقيّ ، وفي كلامهم دعوى الإجماع في كثيرٍ منها موجودة (٥).

ويدلّ عليه في خصوص المرأة صحيحة أبي همّام (٦) ، وفي خصوص المسافر ما رواه الصدوق في الأمالي صحيحاً (٧) ، وفيهما وفي العبد رواية حفص بن غياث (٨).

__________________

(١) التذكرة ٤ : ٩٠.

(٢) الفقيه ١ : ٢٦٧ ح ١٢٢١ ، التهذيب ٣ : ٢٤١ ح ٦٤٥ ، الوسائل ٥ : ٣٧ أبواب صلاة الجمعة ب ٢٣ ح ١ وفيها : لا بأس أن تدع الجمعة في المطر.

(٣) التذكرة ٤ : ٩٠ ، مجمع الفائدة ٢ : ٣٤٤ ، المدارك ٤ : ٥١.

(٤) المدارك ٤ : ٥٥.

(٥) انظر التذكرة ٤ : ٣٧ ، والمنتهى ١ : ٢٢٣ ، ٣٢٢.

(٦) التهذيب ٣ : ٢٤١ ح ٦٤٤ ، الوسائل ٥ : ٣٧ أبواب صلاة الجمعة ب ٢٢ ح ١ قال : إذا صلّت المرأة في المسجد مع الإمام يوم الجمعة الجمعة ركعتين فقد نقصت صلاتها.

(٧) أمالي الصدوق : ١٩ ح ٥ ، الوسائل ٥ : ٣٦ أبواب صلاة الجمعة ب ١٩ ح ٢ قال : أيّما مسافر صلّى الجمعة رغبة فيها وحبّاً لها أعطاه الله أجر مائة جمعة للمقيم.

(٨) التهذيب ٣ : ٢١ ح ٧٨ ، الوسائل ٥ : ٣٤ أبواب صلاة الجمعة ب ١٨ ح ١ عن الجمعة هل تجب على العبد والمرأة والمسافر؟ قال : لا ، قال : فإن حضر واحد منهم الجمعة .. هل تجزئه ..؟ قال : نعم.

٤٣

ولو لا هذه الروايات ودعوى الإجماع لَتعيّن الحكم بعدم الجواز ، لما تقدّم من أنّ انتفاء الفصل يقتضي انتفاء الجنس ، فما يتمسّك به من أنّ الساقط هو وجوب السعي لا وجوب الجمعة لا يتمّ إلّا بضميمة دليل خارجي.

وإذا ثبت الجواز ثبت إجزاؤها عن الظّهر ، لأنه لا معنى لندبيّة الجمعة بالذات ، فيكون أحد فردي التخييري إن لم يثبت التعيين.

لكنّهم قالوا : إنّه يتعيّن عليهم بعد الحضور في غير المسافر والعبد والمرأة ، فقد اختلف كلامهم فيهم ، فالشيخ في التّهذيب والنهاية (١) والأكثرون (٢) أطلقوا الوجوب ، وتدلّ عليه رواية حفص بن غياث المتقدّمة.

ويظهر من الشّيخ في المبسوط عدم الوجوب في العبد والمسافر والمرأة وغير المكلّف (٣) ، وتبعه المحقّق في المرأة وتردّد في العبد (٤).

أما الإيجاب على غيرهم فلسقوط المشقّة الّتي هي المناط في السّقوط ، فيندرج هؤلاء في العمومات.

وأما في المذكورات فلعدم كون هؤلاء أهل هذه الفريضة مع ضعف الرواية (٥) ، ويمكن دفعه بأنّ ضعف الرواية منجبر بالشّهرة.

ثمّ إنّهم اتّفقوا بعد تعيّن الوجوب على هؤلاء على انعقاد الجمعة بهم واحتسابهم من العدد ، إلّا في المسافر والعبد فإنّهم اختلفوا فيهما.

وأما المرأة فظاهرهم عدم الانعقاد بها بلا خلاف ، وهو المتبادر من أخبار

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٢١ ، النهاية : ١٠٣.

(٢) كالسيّد ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهيّة) : ٥٦٠ ، وعلاء الدين الحلبي في إشارة السبق (الجوامع الفقهيّة) : ٨١ ، والعلامة في نهاية الإحكام ٢ : ٤٥.

(٣) المبسوط ١ : ١٤٣.

(٤) المعتبر ٢ : ٢٩٣ ، الشرائع ١ : ٨٦.

(٥) لجهالة المروي عنه ، فإنّ حفص قال : سمعت بعض مواليهم سأل ابن أبي ليلى عن الجمعة هل تجب ..

٤٤

العدد أيضاً (١).

أمّا الانعقاد بغيرهما فيدلّ عليه مضافاً إلى ظاهر الإجماع كونهم أهلاً للخطاب ، وثبوت الوجوب عليهم بعد السقوط عنهم بالحضور كما تقدّم ، ويدخلون في الأخبار الدالّة على اشتراط العدد أيضاً.

وأمّا القائلون بالانعقاد بالعبد والمسافر فمستندهم تلك الأخبار بعد إثبات الوجوب والجواز بما تقدّم.

وأمّا النافون فتمسّكهم أنهما ليسا من أهل هذه الفريضة فكانا كالصبيّ ، وبالإلزام بصحّة انعقاد الجمعة بالمسافرين أو العبيد المنفردين.

وأُجيب بمنع ذلك بعد الحضور ، وبعدم الوجوب على الصبيّ على التّقديرين ، وبالتزام صحّة الجماعة المذكورة ، وادّعى في الذكرى الاتفاق ظاهراً على صحّتها (٢).

واستشكله في المدارك بأنّ المستفاد من الأخبار أنّ فرض المسافر هو الظهر لا الجمعة (٣).

أقول : والأولى أن يقال : إنّ ذلك خارج عن المسألة ، فإنّ ذلك لا يسمّى حضور المسافر ، ولا يصدق ذلك إلّا مع كون الإمام حاضراً ، أو هو مع بعض المأمومين ، فإذا استتمّ العدد بالمسافرين أو العبيد فلا بأس.

الخامس : يشترط في وجوبها تحقّق العدد في الجملة بإجماع العلماء.

وذهب الأكثرون إلى أنّه خمسة أحدهم الإمام (٤) ، وآخرون إلى كون ذلك

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٧ أبواب صلاة الجمعة ب ٢.

(٢) الذكرى : ٢٣٣.

(٣) المدارك ٤ : ٥٦ ، وانظر الوسائل ٤ : ٨٢٠ أبواب القراءة ب ٧٣.

(٤) كابن الجنيد كما في المختلف ٢ : ٢٠٧ ، وابن أبي عقيل كما في المعتبر ٢ : ٢٨١ ، والمفيد في المقنعة : ١٦٤ ، والسيّد في جوابات المسائل الموصليات الثالثة (رسائل السيّد المرتضى) ١ : ٢٢٢ ، وجمل العلم والعمل (رسائل السيّد المرتضى) ٣ : ٤١ ، وسلّار في المراسم : ٧٧.

٤٥

شرطاً للجواز فيثبت التّخيير ، ويتعيّن الوجوب إذا كانوا سبعة (١) ، وهو أقوى ، لصحيحة زرارة قال ، قلت له : على من تجب الجمعة؟ قال عليه‌السلام : «تجب على سبعة نَفَر من المسلمين ، ولا جمعة لأقلّ من خمسة» (٢).

وصحيحة عمر بن يزيد الدالّة بمفهوم الشّرط على نفي الوجوب عن أقلّ من سبعة (٣)

ورواية محمّد بن مسلم المصرّحة بذلك (٤) ، وصحيحة منصور بن حازم المشعرة بذلك (٥).

وأما سائر الأخبار الدالّة على اعتبار الخمسة مطلقاً (٦) فمع عدم وضوح دلالتها على الوجوب عيناً لا تقاوم ما ذكرنا ، فتحمل على كون الخمسة شرط الجواز.

وأما إطلاق الآية (٧) وسائر الأخبار فبعد ثبوت التّقييد في الجملة إجماعاً لا يصحّ الاعتماد عليه.

السادس : يشترط في صحّتها أن لا تكون هناك جمعة اخرى وبينهما أقلّ من فرسخ

__________________

(١) كالشيخ الطوسي في النهاية : ١٠٣ ، والخلاف ١ : ٥٩٨ مسألة ٣٥٩ ، والجمل والعقود (الرسائل العشر) : ١٩٠ ، والقاضي في المهذّب ١ : ١٠٠.

(٢) الفقيه ١ : ٢٦٧ ح ١٢١٨ ، الوسائل ٥ : ٨ أبواب صلاة الجمعة ب ٢ ح ٤.

(٣) التهذيب ٣ : ٢٤٥ ح ٦٦٤ ، الاستبصار ١ : ٤١٨ ح ١٦٠٧ ، الوسائل ٥ : ٩ أبواب صلاة الجمعة ب ٢ ح ١٠ ، وفيها : إذا كانوا سبعة يوم الجمعة فليصلّوا في جماعة.

(٤) الفقيه ١ : ٢٦٧ ح ١٢٢٢ ، التهذيب ٣ : ٢٠ ح ٧٥ ، الاستبصار ١ : ٤١٨ ح ١٦٠٨ ، الوسائل ٥ : ٩ أبواب صلاة الجمعة ب ٢ ح ٩ ، قال : تجب الجمعة على سبعة نفر من المسلمين ، ولا تجب على أقلّ منهم.

(٥) التهذيب ٣ : ٢٣٩ ح ٦٣٦ ، الاستبصار ١ : ٤١٩ ح ١٦١٠ ، الوسائل ٥ : ٨ أبواب صلاة الجمعة ب ٢ ح ٧ ، قال : يجمع القوم يوم الجمعة إذا كانوا خمسة فما زادوا ، فإن كانوا أقلّ من خمسة فلا جمعة لهم.

(٦) انظر الوسائل ٥ : ٧ أبواب صلاة الجمعة ب ٢.

(٧) الجمعة : ٩.

٤٦

لإجماع أصحابنا ، وموثّقتي محمّد بن مسلم (١).

وظاهر الروايتين أنّ المعتبر مراعاة المسافة الحاصلة بين الجماعتين ، وتلك إنّما تكون بملاحظة منتهى إحداهما ومبدأ الأُخرى ، فلا يكفي حصول الفرسخ بين إحداهما وبين من تنعقد الجمعة به من الجماعة الأُخرى مثل الصفّ الأوّل.

وقيل : تعتبر من المسجد إن صلّيت فيه ، وإلّا فمن نهاية المصلّين (٢).

ولعلّ نظر هذا القائل إلى كون المسجد مظنّة الامتلاء ، فإنما يصحّ عقد الجمعة الأُخرى إذا عُلم عدم الامتلاء إلى حدّ تحصل به المسافة ، وهو غير معلوم.

فإن اتّفقتا بطلتا ، لعدم المرجّح ، وعدم إمكان صحّتهما ، ويعيدان جمعة.

ويحصل الاتّفاق بالاستواء في التكبير على ما نسب إلى مذهب علمائنا (٣) ، وعن بعض العامّة في الشّروع في الخطبة (٤) ، وعن الأخر في الفراغ (٥).

وإن سبقت إحداهما بطلت الأُخرى ، وادّعى في التّذكرة عليه الإجماع (٦) ، ووجهه ظاهر.

وقد تقيّد صحّة السّابقة بعدم علم كلّ منهما بصلاة الأخر ، للنّهي عن الانفراد عن الأُخرى الموجب للفساد (٧).

__________________

(١) الاولى في الكافي ٣ : ٤١٩ ح ٧ ، والتهذيب ٣ : ٢٣ ح ٧٩ في طريقها عبد الله بن المغيرة وهو واقفيّ : يكون بين الجماعتين ثلاثة أميال ، يعني لا تكون جمعة الّا فيما بينه وبين ثلاثة أميال.

والثانية في الفقيه ١ : ٢٧٤ ح ١٢٥٧ ، والتهذيب ٣ : ٢٣ ح ٨٠ وفي طريقها إبراهيم بن عبد الحميد وهو واقفيّ : إذا كان بين الجماعتين ثلاثة أميال فلا بأس أن يجمع هؤلاء ويجمع هؤلاء ، ولا يكون بين الجماعتين أقلّ من ثلاثة أميال.

(٢) جامع المقاصد ٢ : ٤١١.

(٣) كما في المدارك ١ : ٢٨٢.

(٤) السراج الوهّاج للغمراوي : ٨٦ ، مغني المحتاج للشربيني ١ : ٢٨٢.

(٥) المجموع للنووي ٤ : ٤٩٧ ، مغني المحتاج للشربيني ١ : ٢٨١.

(٦) التذكرة ٤ : ٥٧.

(٧) كما في روض الجنان : ٢٩٤.

٤٧

وقد يستشكل فيما لو علمت السابقة بالسبق ولو لم تُتحقّق السابقة ، فيعيدان أيضاً ظهراً عند الأكثر (١) ، للعلم بحصول جمعة صحيحة فلا تتكرّر ، ولا تحصل البراءة اليقينيّة إلّا بإعادتهما ظهراً.

وقيل : يعيدان جمعة على نحوٍ يجوز ، لعدم الاعتداد بما حصل ، وإلّا فلم تجب الإعادة (٢).

والمسألة محلّ إشكال ، وهناك فروع واحتمالات مذكورة في كتب الأصحاب لا يهمّنا الان ذكرها.

فائدة :

الفرسخ : هو ثلاثة أميال بالإجماع والأخبار (٣).

والميل : أربعة آلاف ذراع ؛ كما نصّ عليه الأصحاب (٤) ودلّ عليه كلام أهل اللغة (٥) و (٦).

والذراع : أربعة وعشرون إصبعاً غالباً.

والإصبع : سبع شعيرات ، وقيل : ستّ شعيرات ؛ (٧).

والشّعيرة : سبع شعرات من شعر البرذون ..

فما ورد في مرسلة محمّد بن يحيى الخزّاز أنّ الميل ثلاثة آلاف ذراع

__________________

(١) الشرائع ١ : ٨٦ ، التذكرة ٤ : ٥٩ ، المختلف ٢ : ٢٣٥.

(٢) المبسوط ١ : ١٤٩ ، المدارك ٤ : ٤٦. ومراده بقوله «على نحو يجوز» هو اتساع الوقت.

(٣) انظر الوسائل ٥ : ٤٩٣ أبواب صلاة المسافر ب ١ ، ٢.

(٤) كالمحقّق في المعتبر ٢ : ٤٦٧ ، والشهيد الثاني في الروضة البهيّة ١ : ٧٧٨.

(٥) انظر القاموس المحيط ٤ : ٥٤ ، والمصباح المنير : ٥٨٨.

(٦) قال في القاموس المحيط : إنّه مقدار مَدّ البصر من الأرض ، أو مسافة متراخية من الأرض ، أو مائة ألف إصبع إلّا أربعة آلاف إصبع ، والأولان يحملان على الأخير (منه رحمه‌الله).

(٧) المصباح المنير ٢ : ٢٩١.

٤٨

وخمسمائة (١) ، وفي اخرى واردة فيما وردت فيه السابقة أنّه ألف وخمسمائة ذراع (٢) ، متروك عندهم ، والمحكّم في أمثال ذلك اللّغة والعرف ، ولم تثبت حقيقة شرعيّة فيه ، والرواية ضعيفة مهجورة.

ثم إنّ الظّاهر من اعتبار الفرسخ هنا والفرسخين في السابق وثمانية فراسخ في القصر ملاحظة البلد ، لا خصوص الدار ، ولا موضع القيام والجلوس ، أو محلّ إقامة الجماعة ، لكن الموثّقتان (٣) لما كانتا ناطقتين باعتبار ملاحظة الجماعتين ، فلا يبعد فيه اعتبارهما.

والظّاهر في غيره اعتبار البلد ؛ مع احتمال أن يعتبر هنا أيضاً في موضع الجمعة محلّ الاجتماع وفي الطّرف الأخر البلد ، ويعتبر البلد على مقدار الضّيق والسعة ، فقد يعتبر أصل البلد ، وقد تعتبر المحلّة ونحو ذلك.

السابع : تشترط في صحّتها الخطبتان بالإجماع والأخبار ، منها قولهم عليهم‌السلام : «وإنّما جُعلت ركعتين لمكان الخطبتين» (٤) وقولهم عليهم‌السلام : «يصلّون أربعاً إن لم يكن من يخطب» (٥).

والمشهور أنّه يجب فيهما الحمد ، والصلاة على النّبي وآله عليهم‌السلام ، والوعظ ، والقراءة ، بل يظهر من المنتهي أنه إجماعيّ ، حيث نسب الخلاف إلى العامّة ، ونقل عن أبي حنيفة الاكتفاء بـ «الحمد لله» (٦).

ولعلّ الدليل على الوجوب هو الإجماع ، لأنّ الأخبار المتضمّنة لذلك لا تدلّ

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٣٢ ح ٣ ، الوسائل ٥ : ٤٩٧ أبواب صلاة المسافر ب ٢ ح ١٣.

(٢) الفقيه ١ : ٢٨٦ ح ١٣٠٣ ، الوسائل ٥ : ٤٩٨ أبواب صلاة المسافر ب ٢ ح ١٦ وهي مرسلة.

(٣) المتقدّمتان في ص ٤٧.

(٤) التهذيب ٣ : ٢٣٨ ح ٦٣٤ ، الاستبصار ١ : ٤٢٠ ح ١٦١٤ ، الوسائل ٥ : ٨ أبواب صلاة الجمعة ب ٢ ح ٦.

(٥) التهذيب ٣ : ٢٣٨ ح ٦٣٣ ، الاستبصار ١ : ٤١٩ ح ١٦١٣ ، الوسائل ٥ : ١٠ أبواب صلاة الجمعة ب ٣ ح ١.

(٦) المنتهي ١ : ٣٢٦.

٤٩

على أزيد من مطلق الرجحان.

وعن المرتضى إلحاق الشّهادة لمحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله بالرسالة موضع الصلاة في الأُولى ، وافتتاح الثانية بالحمد والاستغفار والصلاة على النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والدعاء لأئمّة المسلمين (١).

واختلف كلامهم في القراءة ، فيظهر من بعضهم لزوم سورة خفيفة في كليهما (٢) ، ومن آخر في الأُولى خاصّة (٣) ، ومن آخر كفاية قراءة أية تامّة الفائدة فيهما (٤) أو في الأُولى خاصّة (٥).

والمشهور قراءة سورة في الأُولى خاصّة في آخرها كما تضمّنته صحيحة محمّد بن مسلم ، ولكن في آخر الخطبة الأُخرى فيها قال : «ويكون آخر كلامه (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ) (٦) الآية» (٧).

فالأولى أن لا تترك القراءة في الخطبتين ، ولا يكتفى بآية في الأُولى ، للأمر بقراءة سورة فيها.

ويكفي في المذكورات المسمّى ، ولا يتعيّن فيها لفظ ، وإن كان الأفضل العمل بالمأثور لفظاً وترتيباً.

والمشهور وجوب العربيّة ، للتأسّي.

وقال في الذكرى : لو لم يفهم العدد العربيّة احتمل جوازه بالعجميّة

__________________

(١) نقله عنه في المعتبر ٢ : ٢٨٤ ، والتذكرة ٤ : ٦٧ ، والذكرى : ٢٣٦.

(٢) المبسوط ١ : ١٤٧ ، الوسيلة : ١٠٣ ، قواعد الأحكام ١ : ٢٨٥.

(٣) المختصر النافع ١ : ٣٥ ، المعتبر ٢ : ٢٨٤.

(٤) حاشية الإرشاد للشهيد الثاني ١ : ١٥٦.

(٥) نقله عن المصباح في المعتبر ٢ : ٢٨٤ ، والتذكرة ٤ : ٦٧.

(٦) النحل : ٩٠.

(٧) الكافي ٣ : ٤٢٢ ح ٦ ، الوسائل ٥ : ٣٨ أبواب صلاة الجمعة ب ٢٥ ح ١.

٥٠

تحصيلاً للغرض (١).

أقول : ومقتضى الدّليل وجوبه حينئذٍ.

وربّما احتمل سقوط الصلاة ؛ لانتفاء الشرط وعدم ثبوت التوظيف بالعجميّة.

والأظهر الوجوب بالعجميّة حينئذٍ ، لأنّ الظّاهر أنّ الخطبة مثل العقود الشرعيّة ، وورودها بالعربيّة لموافقة ألسنة المخاطبين ، والاحتياط في الجمع.

ولا يبعد وجوب تعلّمهم معناها على القول بعدم جواز العجميّة أوّلاً ، والاكتفاء بها مع العجز.

ويجب تقديمهما على الصّلاة بلا خلاف معروف ، والأخبار به مستفيضة (٢). وما خالفها منها شاذّ مهجور.

ويجب القيام إلّا مع العجز ، للإجماع ، والأخبار ، منها صحيحة معاوية بن وهب (٣) ، والظّاهر أنّه شرط الصحّة ، وجواز الجلوس مع العجز إذا لم تمكن الاستنابة (٤).

وفي وجوب اتّحاد الخطيب والإمام قولان (٥) ، أظهرهما نعم ، لتوقّف البراءة اليقينيّة عليه ، وهو المعهود من صاحب الشّرع. وينبّه كونهما بمنزلة الركعتين على ذلك.

__________________

(١) الذكرى : ٢٣٦.

(٢) الوسائل ٥ : ٣٠ أبواب صلاة الجمعة ب ١٥.

(٣) التهذيب ٣ : ٢٠ ح ٧٤ ، الوسائل ٥ : ٣١ أبواب صلاة الجمعة ب ١٦ ح ١ قال : إنّ أوّل من خطب وهو جالس معاوية ، إلى أن قال : الخطبة وهو قائم خطبتان يجلس بينهما جلسة لا يتكلّم فيها قدر ما يكون فصل ما بين الخطبتين.

(٤) نعني في الخطبة والصلاة معاً ، أو في الخطبة فقط على القول بجواز تغاير الخطيب والإمام (منه رحمه‌الله).

(٥) القول بوجوب الاتّحاد للراوندي في فقه القرآن ١ : ١٣٥ ، والعلّامة في المنتهي ١ : ٣٢٤ ، والشهيد في الذكرى : ٢٣٤. والقول بعدم الوجوب للعلّامة في نهاية الإحكام ٢ : ١٨.

٥١

ومن ذلك ينقدح اعتبار الطّمأنينة حالها أيضاً.

ويجب الفَصل بينهما بجلسة خفيفة ، لخصوص صحيحة معاوية بن وهب ، بل ولا يتكلّم فيها كما في الصّحيحة ، واعتبروا فيها الطّمأنينة أيضاً للتأسي (١).

وفي اشتراط الطّهارة خلاف وإشكال ، والأظهر الاشتراط ، لتحصيل البراءة اليقينية ، ولظاهر صحيحة عبد الله بن سنان : «فهي صلاة حتّى تنزل» (٢) وما رواه في الفقيه مرسلاً عن أمير المؤمنين عليه‌السلام (٣) ، وانفهام بدليّتهما من الركعتين من غيرهما أيضاً (٤).

ويؤيّده ظاهر استمرار العمل والتزامه في الأعصار والأمصار ، وما يستفاد من الأخبار أنّه إذا تمّت الخطبة يقوم فيصلّي (٥).

وليس للمُنكر إلّا الأصل.

والأظهر وجوب رفع الصّوت بها بحيث يسمع العدد ، لحصول الغرض.

ولو منع عن السمع مانع سقط الوجوب. وربّما احتمل سقوط الصلاة أيضاً إذا لم يتمكّن العدد المحصّل للجمعة منه ، لعدم ثبوت التعبّد. والمسألة مشكلة.

ومما تقدّم يظهر أنّ الأقوى وجوب الاستماع.

وأما الإنصات فالأكثر أيضاً على الوجوب ، وعن الشّيخ أنّه إجماعيّ (٦) ، ويؤيّده قوله عليه‌السلام : «فهي صلاة حتّى تنزل» (٧) وما في معناه.

__________________

(١) كما في المدارك ٤ : ٣٩.

(٢) التهذيب ٣ : ١٢ ح ٤٢ ، الوسائل ٥ : ١٥ أبواب صلاة الجمعة ب ٦ ح ٤.

(٣) الفقيه ١ : ٢٦٩ ح ١٢٢٨ ، الوسائل ٥ : ٢٩ أبواب صلاة الجمعة ب ١٤ ح ٢ إنّما جُعلت الجمعة ركعتين من أجل الخطبتين ، جُعلتا مكان الركعتين الأخيرتين ، فهما صلاة حتّى ينزل الإمام.

(٤) انظر الوسائل ٥ : ١٤ أبواب صلاة الجمعة ب ٦.

(٥) انظر الوسائل ٥ : ١٤ أبواب صلاة الجمعة ب ٦.

(٦) الخلاف ١ : ٦١٥ مسألة ٣٨٣.

(٧) التهذيب ٣ : ١٢ ح ٤٢ ، الوسائل ٥ : ١٥ أبواب صلاة الجمعة ب ٦ ح ٤.

٥٢

وقيل بالاستحباب ؛ للأصل (١) ، وظاهر صحيحة محمّد بن مسلم : «فلا ينبغي لأحدٍ أن يتكلّم حتّى يفرغ» (٢).

والأوّل أقوى ، سيّما إذا توقّف الاستماع عليه.

ومن جميع ذلك يظهر أنّ الأقوى تحريم الكلام على الخطيب أيضاً في الأثناء ، بل الحرمة فيه أولى وأظهر.

وبالجملة الظاهر من بدليّتهما عن الركعتين وكونهما مثل الصلاة ترتّب أحكام كثيرة عليها ، حتّى ذهب السيّد إلى تحريم جميع ما يحرم في الصلاة فيها (٣).

وفي الفقيه مرسلاً عن أمير المؤمنين عليه‌السلام : «لا كلام والإمام يخطب ، ولا التفات إلّا كما يحلّ في الصلاة ، وإنّما جعلت الجمعة ركعتين من أجل الخطبتين ؛ جُعلتا مكان الركعتين الأخيرتين ، فهي صلاة حتّى ينزل الإمام» (٤).

وهل تبطل الخطبة؟ قيل : لا ، لتعلّق النهي بالخارج (٥) و (٦) ، ولا يخلو من الإشكال.

وأما وجوب السّكوت بين الخطبتين فلا دليل عليه وإن كان راجحاً ، لصحيحة محمّد بن مسلم (٧).

وأما بعد الفراغ قبل أن تقام فلا بأس به ، لصحيحة محمّد بن مسلم المتقدّمة ،

__________________

(١) المبسوط ١ : ١٤٨.

(٢) الكافي ٣ : ٤٢١ ح ٢ ، التهذيب ٣ : ٢٠ ح ٧١ ، ٧٣ ، الوسائل ٥ : ٢٩ أبواب صلاة الجمعة ب ١٤ ح ١.

(٣) نقله عن مصباح السيّد في المعتبر ٢ : ٢٩٥.

(٤) الفقيه ١ : ٢٦٩ ح ١٢٢٨ ، الوسائل ٥ : ٢٩ أبواب صلاة الجمعة ب ١٤ ح ٢.

(٥) في «ح» ، «م» : الخارج.

(٦) المدارك ٤ : ٦٤.

(٧) الكافي ٣ : ٤٢١ ح ٢ ، التهذيب ٣ : ٢٠ ح ٧١ ، ٧٣ ، الوسائل ٥ : ٢٩ أبواب صلاة الجمعة ب ١٤ ح ١.

٥٣

وصحيحته الأُخرى (١).

ويستحبّ للخطيب التّردّي ببُرد يمنيّة ، وأن يتعمّم ويتوكّأ على عصاً أو قوس أو سيف ، وأن يستقبل الناس ويسلّم عليهم أوّل ما يصعد ، ويجلس حتّى يفرغ المؤذّن ، وكلّ ذلك مستفاد من الأخبار (٢) ، ولا بأس بضعف سند بعضها.

وأن يكون بليغاً متّعظاً بجميع ما يعظ به ، ليكون كلامه أوقع في النفوس.

تذنيبان

الأوّل : يستحبّ يوم الجمعة الغُسل وقد تقدّم الكلام في كيفيّته وأحكامه ، والبكور إلى المسجد الأعظم ، ففي الخبر : «إنّكم تتسابقون إلى الجنة على قدر سبقكم إلى الجمعة» (٣).

وأن يكون ذلك بعد حلق الرأس ، وقصّ الأظفار ، وأخذ الشّارب ، بل تستحبّ هذه في ذلك اليوم مطلقاً.

وكذلك التطيّب ، وتسريح اللّحية ، ولبس أفضل ثيابه وأنظفها ، بل ومطلق التزيّن.

وكونه على سكينة ووقار ، وفعل الخير ما استطاع.

وأن يدعو أمام توجّهه إلى الجمعة بالمأثور (٤).

وكلّ ذلك مأثور إلّا حلق الرأس (٥) ، فيمكن استفادته من التزيّن ، ويمكن الاستدلال برواية أبي بصير عن الصادق عليه‌السلام ، قال : «إنّي لأحلق كلّ جمعة

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٦٩ ح ١٢٢٩ ، الوسائل ٥ : ٢٩ أبواب صلاة الجمعة ب ١٤ ح ٣ قال : لا بأس أن يتكلّم الرجل إذا فرغ الإمام من الخطبة يوم الجمعة ما بينه وبين أن تقام الصلاة.

(٢) انظر الوسائل ٥ : ١٥ أبواب صلاة الجمعة ب ٦.

(٣) الكافي ٣ : ٤١٥ ح ٩ ، التهذيب ٣ : ٤ ح ٦.

(٤) انظر التهذيب ٣ : ١٤٢ ح ٣١٦ ، والإقبال : ٢٨٠ ، والبحار ٨٦ : ٣٢٩ ح ١.

(٥) انظر الوسائل ٥ : ٤٧ أبواب صلاة الجمعة ب ٣٢ ، ٣٣.

٥٤

فيما بين الطّلية إلى الطّلية» (١).

الثاني : يحرم السفر والبيع بعد زوال الجمعة.

أما السفر ، فلإجماع أصحابنا وأكثر العامّة (٢).

ولتنبيه قوله تعالى (وَذَرُوا الْبَيْعَ) (٣) على ذلك ، سيّما مع التّعليل بقوله تعالى (ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ).

ولقوله عليه‌السلام : «من سافر من دار إقامته يوم الجمعة دَعَت عليه الملائكة ، لا يُصحب في سفره ، ولا يُعان على حاجته» (٤).

وقد يستدلّ بأنّه مستلزم لترك الجمعة ، والصّغرى وكليّة الكبرى بل أصلها ممنوعات.

أو بأنّه ضدّ المأمور به ، فيكون منهيّاً عنه ، وهو أيضاً ممنوع كما حقّقناه في الأُصول (٥).

ولو كان بين يديه جمعة اخرى يدركها في محلّ الترخّص ففي جواز السّفر قولان (٦) ، أظهرهما العدم ، لأنّ المكلّف بها الجمعة المتأصّلة في التكليف ، لا الجائزة بعد الحضور ، فتشمله الأدلّة.

وقيل : يجوز بناءً على أنّ السّفر الطّارئ (٧) على الوجوب لا يسقطه ، كوجوب التمام على المسافر لو دخل الوقت وهو في البلد (٨).

__________________

(١) الكافي ٦ : ٤٨٥ ح ٧ ، الفقيه ١ : ٧١ ح ٢٨٦ ، الوسائل ١ : ٤١٦ أبواب آداب الحمّام ب ٦٠ ح ٧.

(٢) الأم ١ : ١٨٩ ، المغني والشرح الكبير ٢ : ١٦١ ، ٢١٧ ، السراج الوهّاج : ٨٤.

(٣) الجمعة : ٩.

(٤) التذكرة ٤ : ١٧ ، كنز العمال ٦ : ٧١٥ ح ١٧٥٤٠.

(٥) القوانين : ١١٦.

(٦) اختار القول بالجواز الكركي في جامع المقاصد ٢ : ٤٢١ ، واختار المنع صاحب المدارك ٤ : ٦١.

(٧) في «م» زيادة : بناءً.

(٨) جامع المقاصد ٢ : ٤٢١.

٥٥

وهذا وهن على وهن ، لبطلان الأصل كما سنحقّقه.

وأما البعيد بفرسخين فلمّا كان تكليفه الخروج قبل الزوال إلى الجمعة من باب المقدّمة كالحجّ ، فلا يبعد القول بتحريم سفره بعد ضيق الوقت إلّا عن المقدّمة إن كان على غير صوب الجمعة.

وأمّا لو سافر في صوب الجمعة فقيل : يجب عليه الحضور عيناً (١).

واحتمل في الذكرى عدم كون هذا المقدار محسوباً من المسافة ، لوجوب قطعه على كلّ تقدير (٢).

وربّما يضعّف بأنّ ذلك لا يخرجه عن كونه جزء المسافة (٣).

والّذي يمكن أن يستدلّ به للوجوب أنّ كلّ ما يستلزم وجوده عدمه فهو باطل بديهة ، ويلزم من تحريم هذا السّفر عدم تحريمه ؛ لأنّ الحرمة إنّما هي لأجل تفويت الجمعة ، وحينئذٍ فإن كان حراماً كانت الجمعة واجبة فيه كما تقدّم ، وإذا بقي وجوب الجمعة فتنتفي الحرمة.

فإن قلت : إنّ هذه الحرمة توصليّة ، وسنقول في مباحث القصر إنه لا يجب التّمام على المسافر التّارك لتحصيل الواجب ، ولا يعتبر اقتضاء الأمر بالشّي‌ء النهي عن ضدّه.

قلت : قد بيّنا في الأُصول الفرق بين ما كان من المقدّمات منصوصاً عليها وغيرها ، فلا نمنع من صدق المعصية الواردة في أخبار القصر على ما نصّ الشارع بالنهي عنه ، مضافاً إلى ما أشار إليه بالأمر بأصل الواجب ، بخلاف ما انحصر أمره في الثاني ، وما نحن فيه من قبيل الأوّل.

ثمّ إنّهم ذكروا أنّ حرمة السفر إنّما هي إذا لم يكن واجباً كالحجّ ، أو مضطراً إليه

__________________

(١) الذكرى : ٢٣٣.

(٢) الذكرى : ٢٣٣.

(٣) كما في المدارك ٤ : ٦٢.

٥٦

لدفع الضّرورة (١).

وأما البيع ؛ فلإجماع العلماء وصريح الآية (٢) ، والظّاهر أنّ النداء كناية عن حضور الوقت.

وفي إلحاق سائر المعاملات إشكال ، والأظهر الإلحاق ، لتنبيه الآية على ذلك ، سيّما مع ملاحظة ما بعدها إلى آخر السورة.

وفي صحّته قولان ، أظهرهما ذلك ، لعدم دلالة النهي في المعاملات على الفساد مطلقاً. مع أنّ الظّاهر أنّه عن أمرٍ خارج ، وهو الحرمان عن الصّلاة ، وتحقيقه في الأُصول (٣).

__________________

(١) جامع المقاصد ٢ : ٤٢١ ، المدارك ٤ : ٦١.

(٢) الجمعة : ٩.

(٣) القوانين : ١٦١.

٥٧

المقصد الثّاني

في باقي الصّلوات المفروضة

وفيه مطالب :

المطلب الأوّل في صلاة العيدين الفطر والأضحى

وفيها مباحث :

الأوّل : في وجوبها ووجوبها عيناً إجماعيّ كما نقله جماعة من الأصحاب (١) ، والأخبار المستفيضة جدّاً ناطقة بأنّ صلاة العيدين فريضة (٢).

وذكر جماعة من المفسّرين أنّ المراد من الصّلاة في آيتي الأعلى والكوثر هما الصّلاتان (٣) ، ووردت به الرواية أيضاً (٤).

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٣٠٨ ، التذكرة ٤ : ١١٩ ، نهاية الإحكام ٢ : ٥٥ ، المنتهي ١ : ٣٣٩ ، جامع المقاصد ٢ : ٤٤٠.

(٢) الوسائل ٥ : ٩٤ أبواب صلاة العيد ب ١.

(٣) تفسير القمّي ٢ : ٤١٧ ، التبيان ١٠ : ٤١٨ ، مجمع البيان ٥ : ٤٧٦ ، تفسير أبي الفتوح ٥ : ٥٩٤.

(٤) انظر الفقيه ١ : ٣٢٠ ح ١٤٥٧ ، والتهذيب ٣ : ١٢٧ ح ٢٦٩ ، ٢٧٠ ، والاستبصار ١ : ٤٤٣ ح ١٧١٠ ، ١٧١١.

٥٨

ويعتبر فيها أكثر شروط الجمعة.

أما السلطان العادل أو من نصبه ، فظاهر الفاضلين (١) وصريح الشّهيد الثّاني (٢) الإجماع عليه ، ولم ينقل في ذلك مخالف من الأصحاب.

واستدلّ عليه بروايات كثيرة معتبرة متطابقة الدّلالة على أنّه «لا صلاة إلّا مع إمام في جماعة ، أو إلّا مع الإمام في جماعة» ونحو ذلك (٣).

وقد يناقش في دلالتها ؛ لاحتمال إرادة إمام الجماعة.

ويمكن دفعه بعد تسليم عدم الظّهور في المعصوم سيّما العبارة الأخيرة : أنّ التشابه في الدّلالة أيضاً يكفي ، لأنّ العام المخصّص بالمجمل إنّما يجوز التمسّك به في غير ما يحتمله المخصص.

مع أنّ ظاهر موثّقة سماعة عن الصادق عليه‌السلام أيضاً إرادة المعصوم قال ، قلت له : متى يذبح؟ قال : «إذا انصرف الإمام» قلت : فإذا كنت في أرض ليس فيها إمام فأُصلّي بهم جماعة؟ فقال : «إذا استقبلت الشّمس» وقال : «لا بأس أن تصلّي وحدك ، ولا صلاة إلّا مع إمام» (٤) بأن يجعل «فأُصلّي بهم جماعة» استفهاماً ، وجوابه عليه‌السلام تقريراً له وتعييناً للوقت ، وقوله «لا صلاة إلّا مع إمام» نافياً للفريضة ، بل يتمّ إن جعل «فأُصلي» عطفاً على كنت أيضاً.

وتدلّ عليه أيضاً عبارة الصحيفة السّجاديّة المتقدّمة في الجمعة (٥) وما ورد في الأخبار من تجديد الحُزن لآلِ محمّدٍ صلى‌الله‌عليه‌وآله في كلّ من العيدين ، لأنّهم

__________________

(١) المحقق في المعتبر ٢ : ٣٠٩ ، والعلامة في المنتهي ١ : ٣٤٢.

(٢) روض الجنان : ٢٩٩.

(٣) الوسائل ٥ : ٩٦ أبواب صلاة العيد ب ٢.

(٤) التهذيب ٣ : ٢٨٧ ح ٨٦١ ، الوسائل ٥ : ٩٦ أبواب صلاة العيد ب ٢ ح ٦ ، وص ١٣٥ ب ٢٩ ح ٣ ، وفي الجميع : إذا استقلّت.

(٥) الصحيفة السجاديّة : ٣٥١.

٥٩

يرون حقّهم في يد غيرهم (١).

وأما العدد ، فهو أيضاً إجماعيّ كما ادّعاه في المنتهي ، ويظهر من المعتبر (٢).

والأقوى اعتبار الخمسة ، لصحيحة الحلبيّ (٣).

واشترط ابن أبي عقيل السّبعة (٤) ، ولم نقف على دليله.

وكذلك اشتراط الجماعة منصوص عليه بالأخبار المعتبرة (٥).

وأما الاتّحاد فظاهرهم حيث أطلقوا مساواتها للجمعة في الشّرائط (٦) ، وصريح بعضهم اعتبار الاتّحاد (٧) ، بمعنى اعتبار الفرسخ بين الصّلاتين.

ويمكن استفادة ذلك من عموم الأخبار الدالّة على نفي الصّلاة إلّا مع إمام (٨) إذا جعلناها ظاهرة في المعصوم.

وربّما يستدلّ عليه بقول أمير المؤمنين عليه‌السلام في صحيحة محمّد بن مسلم : «لا أُخالف السنّة» في جواب من قال له : «ألا تخلف رجلاً يصلّي في العيدين؟» (٩).

والظّاهر أنّ المراد التّخليف في البلد للضعَفَة الّذين لا يقدرون على الخروج كما يظهر من الذكرى (١٠) ، وصرّح به في المعتبر والخلاف (١١).

__________________

(١) الوسائل ٥ : ١٣٦ أبواب صلاة العيد ب ٣١.

(٢) المنتهي ١ : ٣٤٢ ، المعتبر ٢ : ٣٠٩.

(٣) الفقيه ١ : ٣٣١ ح ١٤٨٩ ، الوسائل ٥ : ١٤٢ أبواب صلاة العيد ب ٣٩ ح ١.

(٤) نقله عنه في المختلف ٢ : ٢٥١.

(٥) الوسائل ٥ : ٩٥ أبواب صلاة العيد ب ٢.

(٦) المبسوط ١ : ١٦٩ ، المعتبر ٢ : ٣٠٩ ، الشرائع ١ : ٩٠.

(٧) الكافي في الفقه : ١٥٤ ، الغنية (الجوامع الفقهيّة) : ٥٦٢.

(٨) انظر الوسائل ٥ : ٩٥ أبواب صلاة العيد ب ٢.

(٩) التهذيب ٣ : ١٣٧ ح ٣٠٢ ، الوسائل ٥ : ١١٩ أبواب صلاة العيد ب ١٧ ح ٩.

(١٠) الذكرى : ٢٤٠.

(١١) المعتبر ٢ : ٣٢٧ ، الخلاف ١ : ٦٦٦ مسألة ٤٤٠.

٦٠