غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ٢

الميرزا أبو القاسم القمّي

غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ٢

المؤلف:

الميرزا أبو القاسم القمّي


المحقق: عباس تبريزيان
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-424-250-5
الصفحات: ٦٣١

الظاهر (١) ، والمسألة محلّ تردّد ، والاحتياط في الإتمام والإعادة.

وإذا بنينا على اعتبار القصد في الهويّ وأوجبنا الهويّ ؛ فيشكل الأمر فيما لو لم يبلغ إلى حدّ الركوع أيضاً ، ومع البناء على مذهب الكليني رحمه‌الله ومن تبعه فالأمر ههنا أسهل.

الثاني : يجب الانحناء في الركوع بقدر ما تَصِل راحتاه عين ركبتيه.

أما أصل وجوب الانحناء فيدلّ عليه الإجماع والنص (٢) ، بل العرف واللغة (٣).

وأما تحديده بهذا الحدّ فلم أقف في النصوص على ما يصرّح به بهذا التحديد ، ولكنه مجمع عليه بين العلماء كافة ، عدا أبي حنيفة على ما نقله جماعة من أصحابنا منهم الفاضلان (٤).

وأما ما في صحيحة حمّاد «وملأ كفّيه من ركبتيه» (٥) فلا يدلّ على الوجوب ، لأنّه عليه‌السلام أراد بذلك تعليم آداب الصلاة ، ومن المعلوم أنّ جلّ ما علّمه بها من المستحبّات ، فلا يبقى وثوق عليها.

وكذا قوله عليه‌السلام في صحيحة زرارة : «وتمكّن راحتيك من ركبتيك» فإنّ ذلك مستحبّ إجماعاً ، سيّما وقال عليه‌السلام بعده : «فإن وصلت أطراف أصابعك في ركوعك إلى ركبتيك أجزأك ، وأحبّ إليّ أن تمكّن كفّيك من ركبتيك فتجعل أصابعك في عين الركبة» (٦)

__________________

(١) كما في الذخيرة : ٣٧٥.

(٢) الوسائل ٤ : ٩٤٩ أبواب الركوع ب ٢٨.

(٣) الصحاح ٣ : ١٢٢٢ ، معجم مقاييس اللغة ٢ : ٤٣٤.

(٤) المحقّق في المعتبر ٢ : ١٩٣ ، والعلامة في المنتهي ١ : ٢٨١.

(٥) الكافي ٣ : ٣١١ ح ٨ ، الفقيه ١ : ١٩٦ ح ٩١٦ ، التهذيب ٢ : ٨١ ح ٣٠١ ، أمالي الصدوق : ٣٣٧ ح ١٣ ، الوسائل ٤ : ٦٧٣ أبواب أفعال الصلاة ب ١ ح ١ ، ٢.

(٦) الكافي ٣ : ٣٣٤ ح ١ ، التهذيب ٢ : ٨٣ ح ٣٠٨ ، الوسائل ٤ : ٦٧٥ أبواب أفعال الصلاة ب ١ ح ٣.

٥٦١

وصرّح بعدم الاعتداد بوصول أطراف الأصابع إلى الركبة المحقّق الشيخ عليّ (١) والشهيد الثاني (٢).

ولكن يظهر من بعض الأصحاب كفاية وصول أطراف الأصابع إلى الركبتين (٣) كما هو ظاهر الصحيحة المتقدّمة.

وربّما يقال : إنّ من ذكر الراحتين أو الكفّين قد سامح ، ومراده وصول جزء من اليد (٤) ، مستشهداً بأنّ المحقّق في المعتبر (٥) مع أنّه ادّعى الإجماع على وجوب وصول الكفّين الركبتين ، استدلّ بصحيحة زرارة المتقدّمة.

ويمكن أن يقال : المراد بإجزاء وصول أطراف الأصابع إلى الركبتين فيها هو مقابل تمكن الراحة من الركبة ، لا عدم وصول الراحة إليها ؛ فلا منافاة.

وكيف كان فاستصحاب شغل الذمّة يقتضي التزام مقتضيات الإجماعات ، ولا يجب وضع اليد على الركبة للإجماع ، نقله غير واحدٍ من أصحابنا (٦) ، فالمراد بوصول أطراف الأصابع في الصحيحة السابقة حينئذٍ الحدّ الذي يمكن الوصول ، أو المراد أقلّ الفضل.

ويجب في الركوع الذكر ، والظاهر أنّه إجماعيّ بين أصحابنا والنصوص به مستفيضة (٧).

واختلفوا في مقامين :

الأوّل : في أنّه يكفي مطلق الذكر أم يجب التسبيح ، والأقوى بالنظر إلى

__________________

(١) نقله عنه في الحدائق ٨ : ٢٣٨.

(٢) روض الجنان : ٢٧١ ، الروضة البهيّة ١ : ٦١٤.

(٣) انظر الحدائق ٨ : ٢٤٠.

(٤) الحدائق ٨ : ٢٣٨.

(٥) المعتبر ٢ : ١٩٣.

(٦) كالشهيد في الذكرى : ١٩٧.

(٧) الوسائل ٤ : ٩٢٣ أبواب الركوع ب ٤.

٥٦٢

الأخبار الصحيحة المعتبرة الأوّل.

وبالنظر إلى الشهرة والإجماعات المنقولة عن جماعة من الأصحاب منهم المرتضى والشيخ (١) الثاني.

ففي صحيحة هشام بن الحكم عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال ، قلت له : أيجزئ أن أقول مكان التسبيح في الركوع والسجود : لا إله إلّا الله والحمد لله والله أكبر؟ فقال : «نعم ، كلّ هذا ذكر الله» (٢). وصحيحة هشام بن سالم مثلها (٣).

وحسنة هشام بن الحكم قال ، قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «ما من كلمة أخفّ على اللسان منها ولا أبلغ من سبحان الله» قال : يجزئ في الركوع والسجود أن أقول مكان التسبيح : لا إله إلّا الله والحمد لله والله أكبر؟ قال : «نعم ، كلّ ذا ذكر الله» (٤).

وحسنة مسمع عنه عليه‌السلام ، قال : «يجزئك من القول في الركوع والسجود ثلاث تسبيحات أو قدرهنّ مترسّلاً ، وليس له ولا كرامة أن يقول : سبّح سبّح سبّح» (٥).

وفي معناها أيضاً بعض الأخبار (٦) ، وهذه تدلّ على إجزاء مطلق الذكر.

وصحيحة عليّ بن يقطين عن الكاظم عليه‌السلام ، قال : سألته عن الركوع والسجود ، كم يجزئ فيه من التسبيح؟ فقال : «ثلاث ، وتجزئك واحدة إذا أمكنت جبهتك من الأرض» (٧).

__________________

(١) الانتصار : ٤٥ ، الخلاف ١ : ٣٤٩ ، وكابن حمزة في الوسيلة : ٩٣.

(٢) التهذيب ٢ : ٣٠٢ ح ١٢١٧ ، الوسائل ٤ : ٩٢٩ أبواب الركوع ب ٧ ح ١.

(٣) الكافي ٣ : ٣٢١ ح ٨ ، التهذيب ٢ : ٣٠٢ ح ١٢١٨ ، الوسائل ٤ : ٩٢٩ أبواب الركوع ب ٧ ح ٢.

(٤) الكافي ٣ : ٣٢٩ ح ٥ ، الوسائل ٤ : ٩٢٩ أبواب الركوع ب ٧ ذ. ح ١.

(٥) التهذيب ٢ : ٧٧ ح ٢٨٦ ، الوسائل ٤ : ٩٢٥ أبواب الركوع ب ٥ ح ١.

(٦) التهذيب ٢ : ٧٩ ح ٢٩٧ ، الاستبصار ١ : ٣٢٣ ح ١٢٠٨ ، الوسائل ٤ : ٩٢٦ أبواب الركوع ب ٥ ح ٤.

(٧) التهذيب ٢ : ٧٦ ح ٢٨٤ ، الاستبصار ١ : ٣٢٣ ح ١٢٠٦ ، الوسائل ٤ : ٩٢٣ أبواب الركوع ب ٤ ح ٣.

٥٦٣

وصحيحة ابنه حسين عنه عليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يسجد كم يجزئه من التسبيح في ركوعه وسجوده؟ فقال : «ثلاث ، وتجزئه واحدة» (١).

وصحيحة معاوية بن عمّار قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أخفّ ما يكون من التسبيح في الصلاة؟ قال : «ثلاث تسبيحات مترسّلاً ، يقول : سبحان الله ، سبحان الله ، سبحان الله» (٢).

ونقل السيّد رحمه‌الله في الانتصار ، عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله من طريق العامّة : أنّه لما انزل (فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ) ، قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : «اجعلوها في ركوعكم» ولما نزل (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : «اجعلوها في سجودكم» (٣) واستدلّ على وجوب التسبيح بهذا الخبر بعد الإجماع ، واشتغال الذمّة المستدعي للبراءة اليقينيّة.

وفي قويّة هشام بن سالم ، عن الصادق عليه‌السلام : عن التسبيح في الركوع والسجود ، فقال : «تقول في الركوع سبحان ربّي العظيم ، وفي السجود سبحان ربّي الأعلى ، الفريضة من ذلك تسبيحة ، والسنّة ثلاث ، والفضل في سبع» (٤).

وفي صحيحة زرارة عن الباقر عليه‌السلام : ما يجزئ من القول في الركوع والسجود؟ فقال : «ثلاث تسبيحات في ترسّل ، وواحدة تامّة تجزئ» (٥).

وفي مضمرة سماعة : «أما ما يجزئك من الركوع فثلاث تسبيحات ، تقول : سبحان الله ثلاثاً» (٦).

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٧٦ ح ٢٨٥ ، الاستبصار ١ : ٣٢٣ ح ١٢٠٧ ، الوسائل ٤ : ٩٢٣ أبواب الركوع ب ٤ ح ٤.

(٢) التهذيب ٢ : ٧٧ ح ٢٨٨ ، الاستبصار ١ : ٣٢٤ ح ١٢١٢ ، الوسائل ٤ : ٩٢٥ أبواب الركوع ب ٥ ح ٢.

(٣) الانتصار : ٤٥.

(٤) التهذيب ٢ : ٧٦ ح ٣٨٢ ، الاستبصار ١ : ٣٢٢ ح ١٢٠٤ ، الوسائل ٤ : ٩٢٣ أبواب الركوع ب ٤ ح ١.

(٥) التهذيب ٢ : ٧٦ ح ٢٨٣ ، الاستبصار ١ : ٣٢٣ ح ١٢٠٥ ، الوسائل ٤ : ٩٢٣ أبواب الركوع ب ٤ ح ٢.

(٦) التهذيب ٢ : ٧٧ ح ٢٨٧ ، الاستبصار ١ : ٣٢٤ ح ١٢١١ ، الوسائل ٤ : ٩٢٦ أبواب الركوع ب ٥ ح ٣.

٥٦٤

وفي رواية ، قال : «أدنى التسبيح ثلاث مرّات وأنت ساجد» (١).

وفي أُخرى : أدنى ما يجزئ من التسبيح في الركوع والسجود؟ فقال : «ثلاث تسبيحات» (٢).

وهذه المذكورات هي التي يمكن أن يستدلّ بها على تعيين التسبيح ، وأنت خبير بأنّ أكثرها لا يخلو عن ضعف في سند أو قصور في دلالة ، وأظهرها دلالة هي الرواية العاميّة ، ورواية هشام بن سالم ، ومضمرة سماعة ، وصحيحة زرارة.

وحينئذٍ فيقع التعارض بينها وبين الأخبار الأوّلة ، وهي وإن كانت أصحّ سنداً ، وأظهر دلالة ، ومعمولاً بها أيضاً عند الحليّين (٣) الأربعة (٤) ، وجماعة من المتأخّرين (٥) كما قيل (٦).

لكن هذه الأخبار أيضاً معتضدة بالإجماعات المنقولة (٧) ، وبظاهر الكتاب ، والشهرة ، واستصحاب شغل الذمّة اليقيني ، وبالأخبار الكثيرة التي ذكرناها ، واليقين يحصل بالتسبيح.

فالأولى : عدم الاكتفاء بغير التسبيح وإن كان القول بالجواز أيضاً قويّاً.

والثاني : في كيفيّة التسبيح ، فقيل : يجوز مطلقاً ، ونسب إلى المرتضى في الانتصار (٨) ، ويظهر ذلك من استدلاله بعمومات التسبيح في القرآن أيضاً ، وإن كان

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٧٩ ح ٢٩٨ ، الاستبصار ١ : ٣٢٣ ح ١٢٠٩ ، الوسائل ٤ : ٩٢٦ أبواب الركوع ب ٥ ح ٥.

(٢) التهذيب ٢ : ٨٠ ح ٢٩٩ ، الاستبصار ١ : ٣٢٣ ح ١٢١٠ ، الوسائل ٤ : ٩٢٦ أبواب الركوع ب ٥ ح ٦.

(٣) في «م» ، «ح» : الحلبيين.

(٤) والحليّون هم ابن إدريس في السرائر ١ : ٢٢٤ ، ويحيى بن سعيد في الجامع للشرائع : ٨٠ ، والمحقّق في المعتبر ٢ : ١٩٥ ، والعلامة في المختلف ٢ : ١٦٥.

(٥) منهم الفاضل المقداد في التنقيح ١ : ٢٠٨ ، والمحقّق الثاني في جامع المقاصد ٢ : ٢٨٦ ، وصاحب المدارك ٣ : ٣٩٢.

(٦) الحدائق ٨ : ٢٤٥.

(٧) انظر الانتصار : ٤٥ ، والخلاف ١ : ٣٤٩ ، والوسيلة : ٩٣ ، والغنية (الجوامع الفقهيّة) : ٥٥٨.

(٨) الانتصار ١ : ٣٨٣ ، ونسبه إليه في المهذّب البارع ١ : ٣٨٣.

٥٦٥

استدلّ بالرواية المتقدّمة أيضاً ، وهو أقوى.

يظهر ذلك من ملاحظة أدلّة المشهور في المقام الأوّل ، سيّما وهو مؤيّد بأدلّة الخصم ثمّة أيضاً فتدبر.

وحينئذٍ فلا بدّ من حمل ما أفاد أنّ أقلّ ما يجزئ ثلاثة على الأفضليّة ، وهو أظهر من حمل الواحدة على الاضطرار كما قيل (١) ، لكن أكثريّتها مع اعتضادها بالاستصحاب يضعف هذا الحمل.

وأقرب المحامل : حمل التسبيحات الثلاث على الناقصة ، والواحدة على التامّة ، كما يظهر ذلك من نفس بعض الأخبار أيضاً ، وهذا هو قول الشيخ في التهذيب (٢) وبعض الأصحاب (٣) ، فيبقى الإطلاق في اختيار أيّهما شاء دون العدد.

ثمّ لو بنى الأمر على إطلاق الجواز أيضاً فبعد البناء على قول المشهور ههنا لا ينبغي العدول عن الهيئتين المخصوصتين المعهودتين.

وأوجب الشيخ في النهاية تسبيحة كبرى ، لرواية هشام المتقدّمة (٤).

وقيل : بوجوب التسبيح ثلاث مرّات للمختار ، وواحدة للمضطر ، وأنّ الأفضل هي الكبرى ، فتكون ثلاث تسبيحات كبرى من أفراد الواجب التخييري ، وهو المنقول عن أبي الصلاح (٥).

وتدلّ عليه رواية أبي بكر الحضرمي قال : قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : أيّ شي‌ء حدّ الركوع والسجود؟ قال : «تقول : سبحان ربّي العظيم وبحمده ثلاثاً في الركوع ، وسبحان ربّي الأعلى وبحمده ثلاثاً في السجود ، فمن نقص

__________________

(١) الكافي في الفقه : ١١٨.

(٢) التهذيب ٢ : ٨٠.

(٣) المعتبر ٢ : ١٩٥.

(٤) النهاية : ٨١.

(٥) الكافي في الفقه : ١١٨.

٥٦٦

واحدة نقص ثلث صلاته ، ومن نقص اثنتين نقص ثلثي صلاته ، ومن لم يسبّح فلا صلاة له» (١).

وهي مع عدم مقاومتها لمعارضها وعدم تماميّتها إلّا من خارج ؛ لا يظهر منها الوجوب ، بل سياقها ظاهر في الاستحباب.

ونُسب إلى بعض الأصحاب : وجوب ثلاث تسبيحات كبريات (٢) ، وظاهره الوجوب العيني ، ولم أقف على ما يصلح له سنداً ، ولعلّه أيضاً كان نظره إلى هذا الخبر ، وهو كما ترى.

واعلم أنّ الأخبار الواردة في التسبيحة الكبرى ليس في أكثرها لفظة «وبحمده» ولعلّ سقطه من جهة السهولة ، وهذا كناية عن تمامه كما هو المتعارف.

وبالجملة بعد الإجماع على استحبابه كما قيل (٣) ، وثبوته في بعض الأخبار لا مجال للتأمّل في استحبابه.

فغاية الاحتياط في هذه المسألة الإتيان بثلاث تسبيحات كبريات ، وإلّا فالاكتفاء بواحدة كبرى أو بثلاث صغريات جائز إن شاء الله تعالى ، بل ولا أستبعد الاكتفاء بمطلق الذكر ، ولكنه خلاف الاحتياط.

ويجب في الركوع الطمأنينة بمقدار الذكر بعد إكمال الهويّ الواجب ، للإجماع نقله غير واحد من أصحابنا (٤) ، وحسنة زرارة عن الباقر عليه‌السلام قال : بينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله جالس في المسجد ، إذ دخل رجل فقام فصلّى ، فلم يتمّ ركوعه ولا سجوده ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : «نقر كنقر الغراب ، لئن مات هذا

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٨٠ ح ٣٠٠ ، الوسائل ٤ : ٩٢٤ أبواب الركوع ب ٤ ح ٥.

(٢) حكاه عن بعض علمائنا في التذكرة ٣ : ١٦٨ ، ويظهر من كلام المفيد في المقنعة : ١٠٥ فإنّه قال : سبحان ربّي العظيم وبحمده ثلاث مرّات ، وإن قالها خمساً فهو أفضل.

(٣) الخلاف ١ : ٣٤٩ مسألة ١٠٠.

(٤) كالمحقّق في المعتبر ٢ : ١٩٤ ، والعلامة في المنتهي ١ : ٢٨٢ ، والمحقّق الكركي في جامع المقاصد ٢ : ٢٨٤.

٥٦٧

وهكذا صلاته ليموتنّ على غير ديني» (١).

ويمكن الاستدلال عليه أيضاً بصحيحة زرارة المتقدّمة : «ثلاث تسبيحات في ترسّل» (٢) ، وحسنة مسمع المتقدّمة (٣) ونحوهما (٤) ، وقضية هذا الحكم عدم جواز الشروع في الذكر قبل الإكمال.

فلو كان عاجزاً عنها فالأظهر أنّه لا يسقط عنه الذكر لو اقتدر عليه ، إن جاوز قدر الواجب من الانحناء بعد أخذه في الذكر عند الإكمال ، وإكماله قبل الخروج عن موضع الإكمال بحيث لم يخرج بذلك عن كونه راكعاً ، لأنّ الذكر واجب ، والطمأنينة واجب آخر.

وقيل : لا ، للأصل (٥) ، وهو ضعيف.

وأما لو اقتدر على الذّكر بأن يأخذ فيه حين الأخذ بالهويّ ، والإكمال حين إكماله أو ما يقرب من ذلك ؛ فالذي وجدته في كلمات الأصحاب مما رأيتها عدم الاجتزاء بذلك.

ولعلّ ذلك لأنّ الرّكوع في الشرع هو الانحناء المخصوص ، سواء قلنا بأنّه صار حقيقة فيه عند الشارع أم لا ، والرّكوع له إطلاقات : معناه المصدريّ ، ومعناه العلميّ ، والثاني لا يصدق إلّا مع تحقّق الانحناء المخصوص ، وبعد التحقّق يقال له الركوع.

وما ورد في الأخبار من أنّ القول في الركوع كذا ، وتقول في الركوع كذا ونحوهما ، يدلّ على أنّ الذكر يجب بعد تحقّق ذلك وفي حاله ، لأنّه هو المعنى

__________________

(١) الكافي ٣ : ٢٦٨ ح ٦ ، التهذيب ٢ : ٢٣٩ ح ٩٤٨ ، المحاسن : ٧٩ ح ٥ ، الوسائل ٤ : ٩٢٢ أبواب الركوع ب ٣ ح ١.

(٢) في ص ٥٦٤.

(٣) في ص ٥٦٣.

(٤) التهذيب ٢ : ٧٧ ح ٢٨٨ ، الاستبصار ١ : ٣٢٤ ح ١٢١٢ ، الوسائل ٤ : ٩٢٥ أبواب الركوع ب ٥ ح ٢.

(٥) الذكرى : ١٩٧.

٥٦٨

الحقيقي حينئذٍ.

ومن هذا يمكن أخذ دليل لوجوب الطمأنينة أيضاً بعنوان الالتزام ، لكنه إنّما يتمّ بالنظر إلى مطلق حركة الهويّ والانتصاب.

وأما الحركة العرضيّة يميناً وشمالاً ، أو تكرير الحركة فيما دون قدر أقلّ الواجب علواً وسفلاً أيضاً ، فيشكل إلّا إذا قلنا بعدم وجوب ملاحظتها وهو مشكل ، أو بعدم صدق الركوع عليه حينئذٍ أيضاً وهو أشكل.

وإن جعلنا المراد منه فيها هو معناه المصدريّ ، فيمكن القول بالجواز حينئذٍ ، إذ قد يصدق أنّه ذكر في الركوع ، والطمأنينة واجب على حدة ، فإذا لم يقدر على الطمأنينة فلا يسقط ، ولكنه بعيد.

وأما معناه اللغوي ، فلعلّه يمكن القطع بعدم إرادته.

وليست الطمأنينة ركناً في الصلاة ، خلافاً للشيخ في الخلاف (١).

وتدلّ عليه العمومات الدالّة على نفي إعادة الصلاة إلّا من أُمور مخصوصة ، كصحيحة زرارة عن الباقر عليه‌السلام : «لا تعاد الصلاة إلّا من خمسة : الطهور ، والوقت ، والقبلة ، والركوع ، والسجود» (٢).

وصحيحة عبد الله بن القداح ، عنه ، عن أبيه عليهما‌السلام : «إنّ عليّاً عليه‌السلام سئل عن رجل ركع ولم يسبّح ناسياً قال : تمّت صلاته» (٣).

وما رواه الشيخ عن عليّ بن يقطين عن الكاظم عليه‌السلام : عن رجل نسي تسبيحة في ركوعه وسجوده ، قال : «لا بأس بذلك» (٤).

والاعتماد في هذه المسألة وفيما بعدها لعلّه على الإجماع ، فقد صرّح غير واحد

__________________

(١) الخلاف ١ : ٣٤٨ مسألة ٩٨.

(٢) الفقيه ١ : ٢٢٥ ح ٩٩١ ، التهذيب ٢ : ١٥٢ ح ٥٩٧ ، الوسائل ٤ : ٩٣٤ أبواب الركوع ب ١٠ ح ٥.

(٣) التهذيب ٢ : ١٥٧ ح ٦١٢ ، الوسائل ٤ : ٩٣٨ أبواب الركوع ب ١٥ ح ١.

(٤) التهذيب ٢ : ١٥٧ ح ٦١٤ ، الوسائل ٤ : ٩٣٩ أبواب الركوع ب ١٥ ح ٢.

٥٦٩

منهم في مسألة سهو الطمأنينة بأنّه لا خلاف في أنّ ناسي هذه المذكورات لا يعيد (١).

مع أنّهم نسبوا الخلاف ههنا إلى الشيخ بأنّه قال بالركنيّة ، فحينئذٍ يضطرب المقام ، لكن الأظهر ما عليه الجماعة.

وكذا يجب رفع الرأس من الركوع منتصباً ، للإجماع ، نقله غير واحد من أصحابنا (٢) ، ورواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «إذا رفعت رأسك من الركوع ، فأقم صلبك ، فإنّه لا صلاة لمن لم يقم صُلبه» (٣) ، وغيرها من الأخبار (٤).

والطمأنينة فيه ، وهي ما تسمّى بها عرفاً لا غير ، للإجماع المنقول عن جماعة أيضاً ؛ (٥) ، وخلاف الشيخ هنا مثل السابق ، وجوابه الجواب.

وأما لو سها ذكر الركوع أو طمأنينته حتّى انتصب فحكمه حكم الشكّ المدلول على حكمه بالعمومات السابقة وغيرها ، للإجماع كما نقلوه (٦) ، ولأنّ تداركه يوجب زيادة الركن ، ولظاهر الأخبار المتقدّمة ، وكذلك الرفع عن الركوع والطمأنينة فيه حتّى يسجد للدليلين الأولين.

أما إطلاق الحكم حتّى بالنسبة إلى الانتقال إلى الهويّ ولم يسجد ، فلا أعرف له وجهاً في ناسي الطمأنينة حال الرفع.

وقد يقال : إنّ الوجه لزوم زيادة الركن أيضاً ، لكون المعتبر فيها هو حال القيام عن الركوع ، وهو لا يتحقّق إلّا به ، فتلزم زيادته ، وفيه تأمّل.

__________________

(١) كالمقدّس الأردبيلي في مجمع الفائدة ٣ : ١٣٣ ، وصاحبي المدارك ٤ : ٢٣٢ ، والذخيرة : ٣٦٨.

(٢) كابن حمزة في الوسيلة : ٩٣ ، والمحقّق الثاني في جامع المقاصد ٢ : ٢٨٨ ، وصاحب المدارك ٣ : ٣٨٨.

(٣) الكافي ٣ : ٣٢٠ ح ٦ ، التهذيب ٢ : ٧٨ ح ٢٩٠ ، الوسائل ٤ : ٩٣٩ أبواب الركوع ب ١٦ ح ٢.

(٤) الوسائل ٤ : ٩٣٩ أبواب الركوع ب ١٦.

(٥) منهم ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهيّة) : ٥٥٨ ، والعلامة في التذكرة ٣ : ١٧٢ ، والمحقّق الثاني في جامع المقاصد ٢ : ٢٨٨.

(٦) كما في المدارك ٤ : ٣٣٢ ، والذخيرة : ٣٦٨.

٥٧٠

ولعلّ المستند فيه هو الإجماع ، ومع ملاحظة خلاف الشيخ أيضاً يشكل الأمر.

تنبيه :

وربّما يستدلّ للشيخ على كون الطمأنينة في الرفع ركناً برواية أبي بصير ، وهي مطلقة ، وبالصحيحة المتقدّمة في أوّل مبحث القيام القائلة : «إنّ من لم يقم صُلبه فلا صلاة له» (١) ولكنهما معارضتان بصحيحة زرارة المتقدّمة.

وأما الرواية الأُولى : فلما كانت خاصة فيمكن تخصيص صحيحة زرارة بها.

وأما الثانية : وإن كان يقع بينها وبين صحيحة (زرارة تعارض من وجه ، إذ كلّ منهما أعمّ من الأخر) (٢) ، لكنه مع ملاحظة رواية أبي بصير ، يثبت بها مطلب الشيخ ، فيبقى التعارض في غير تلك المادّة من القيام ، ولا يضرّ في إثبات المطلوب.

وفيه : أنّ هذا خروج عن المسألة ، إذ الطمأنينة غير إقامة الصلب ، لأنّها معتبرة في القيام ، والطمأنينة واجب زائد على القيام.

ثمّ إنّه ينقدح مما ذكرنا إشكال في ركنيّة القيام مطلقاً ، بل وغيره أيضاً ، لأنّ الصحيحة المذكورة وصحيحة زرارة عمومان تعارضا (٣) فلم تثبت ركنيّة القيام.

والجواب : أنّه مخرج بالإجماع والأدلّة ، وهكذا الصحيحة المذكورة ليست باقية على عمومها ، لخروج القيام حال القراءة بالأدلّة المقرّرة.

نعم يبقى خصوص القيام بعد الركوع تحت العموم لعدم المخرج ، ولكونه منصوصاً عليه بالخصوص ، كما يتقوّى حينئذٍ قول الشيخ مع الإغماض عمّا أوردنا عليه هنا ، إلّا أن يقال : ليس هو من الأحكام الوضعيّة والمكلّف هو غير الناسي ، فتأمّل.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٠٠ ح ٦ ، الفقيه ١ : ١٨٠ ح ٨٥٦ ، الوسائل ٤ : ٦٩٤ أبواب القيام ب ٢ ح ١.

(٢) بدل ما بين القوسين في «ص» : تباين في خصوص القيام وإن كانت صحيحة زرارة أعمّ منها من وجه آخر.

(٣) في «ح» زيادة : من وجه.

٥٧١

الثالث : إذا عجز عن الركوع بقدر الواجب يأتي بما استطاع لقوله عليه‌السلام : «إذا أمرتكم بشي‌ء فاتوا منه ما استطعتم» (١) ولأنّ الميسور لا يسقط بالمعسور ، وللاستصحاب.

وفي ثبوته بما ذكرنا تأمّل ، لأنّه تفكيك في الأجزاء العقليّة ، ومع انتفاء أحدها لا مقوّم للباقي حتّى يتعلّق به حكم. بل الحجّة في ذلك استصحاب شغل الذمّة ، بل لعلّه إجماعيّ.

وأما الاستدلال عليه بعموم الآية بناءً على منع ثبوت الحقيقة الشرعيّة في القدر الواجب ، فيكون المطلوب هو الانحناء عرفاً أو لغةً كما هو معناه (٢) ، والزيادة واجب على حدة ، ومع تعذّر أحدهما لا يسقط الأخر.

ففيه أوّلاً : بعد الإغماض عن ثبوت الحقيقة الشرعيّة ، أنّ الظاهر غير معناه اللغوي ، ومع ذلك فالأولى الحمل على مجازه الشائع الذائع المستفيض ، وهو ههنا الانحناء المخصوص ، لأنّه صار من القرب بحيث صار محلّا للنزاع في كونه حقيقة ، وكيف إذا كان عدم إرادة اللغوي ظاهراً.

وثانياً : أنّ القدر الثابت منه حينئذٍ وجوب مطلق الانحناء (٣) بحسب المقدور ، وأما المنحني خِلقةً بقدر الركوع ، فيجب عليه الانحناء يسيراً للركوع على الأظهر ، لأنّ الركوع الشرعيّ المأمور به له أفراد كثيرة ، وأقلّ ما يجزئ فيه هو الانحناء بقدر ما تصل يداه إلى ركبتيه ، فلو جاوز عن ذلك ، بل وعن القدر المستحبّ أيضاً

__________________

(١) عوالي اللآلي ٤ : ٥٨ ح ٢٠٦ ، بحار الأنوار ٢٢ : ٣١.

(٢) قال في الصحاح ٣ : ١٢٢٢ الركوع الانحناء ومنه ركوع الصلاة ، وقال في معجم مقاييس اللغة ٢ : ٤٣٤ ركع الراء والكاف والعين أصل واحد يدلّ على انحناء في الإنسان وغيره ، يقال : ركع الرجل إذا انحنى ، وكلّ منحنٍ راكع.

(٣) في «ص» زيادة : لا الانحناء.

٥٧٢

تصحّ صلاته وركوعه ؛ فكيف يمكن الحكم بسقوط المطلق مع تعذّر بعض أفراده ، ولم يشترط في التكليف به القدرة على جميع أفراده؟!

فالتمسّك في منع ذلك بأنّ ذلك حدّ الركوع ، فلا تلزم الزيادة للأصل كما يظهر من المعتبر (١) وغيره (٢) ؛ فيه ما فيه.

وإن عجز عن الركوع أصلاً أومأ بالرأس ، ثمّ بالعينين ، كذا ذكره الأصحاب ، ولا يظهر هذا الترتيب من الأخبار ، بل مقتضى الجمع التخيير ، والأولى والأحوط مراعاة ذلك ؛ سيّما مع ملاحظة كونه أقرب إلى الركوع.

ويمكن أن يقال : ما دلّ على جواز الاكتفاء بالإيماء بالعين يتضمّن بيان حال المريض الذي يعجز عن الإيماء بالرأس ، مثل : مرسلة محمّد بن إبراهيم الهمداني (٣) ، فإنّها في بيان حال المريض الذي يعجز عن القعود بل الاضطجاع أيضاً ويصير تكليفه الاستلقاء ، والأخبار الكثيرة المعتبرة الواردة في الأسير (٤) والخائف من اللصّ والسبع (٥) مصرّحة بوجوب الإيماء بالرأس.

وروى في الفقيه مرسلاً عن أمير المؤمنين عليه‌السلام ، قال : «دخل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على رجل من الأنصار وقد شبكته الريح ، فقال : يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كيف أُصلّي؟ فقال : إن استطعتم أن تجلسوه فأجلسوه ، وإلّا فوجّهوه إلى القبلة ، ومروه فليومِ برأسه إيماء ، ويجعل السجود أخفض من الرّكوع ، وإن كان لا يستطيع أن يقرأ فاقرؤا عنده وأسمعوه» (٦).

واعلم أنّ المعتبر في التحديد المذكور هو مستوي الخلقة ، لحمل الأخبار على

__________________

(١) المعتبر ٢ : ١٩٤.

(٢) كالتذكرة ٣ : ١٦٦ ، والمدارك ٣ : ٣٨٧.

(٣) الكافي ٣ : ٤١١ ح ١٢ ، التهذيب ٢ : ١٦٩ ح ٦٧١ ، الوسائل ٤ : ٦٩١ أبواب القيام ب ١ ذ. ح ١٣.

(٤) الوسائل ٥ : ٤٨٨ أبواب صلاة الخوف ب ٥.

(٥) الوسائل ٥ : ٤٨٢ أبواب صلاة الخوف ب ٣.

(٦) الفقيه ١ : ٢٣٦ ح ١٠٣٨ ، الوسائل ٤ : ٦٩٢ أبواب القيام ب ١ ح ١٦.

٥٧٣

المتعارف ، فلا يسقط من الطويل اليدين ، ولا يراد من قصيرهما أو مقطوعهما أزيد مما يحصل به للمستوي ، ولعلّه إجماعيّ.

الرابع : يستحبّ التكبير قبل الركوع على المشهور.

أما الرجحان فلصحيحة زرارة (١) وحمّاد (٢) وغيرهما (٣).

وأما عدم الوجوب فللأصل ، ولرواية أبي بصير عن الصادق عليه‌السلام : عن أدنى ما يجزئ من التكبير في الصلاة ، قال : «تكبيرة واحدة» (٤) وليس في طريقها إلّا محمّد بن سنان.

ونقل عن ابن أبي عقيل وجوب تكبير الركوع (٥) ، وعن سلّار وجوب تكبير الركوع والسجود والقيام والقعود (٦) ، وعن بعض الأصحاب القول ببطلان الصلاة بترك تكبير الركوع (٧).

ونقل عن الشهيد أنّه قد استقرّ الإجماع على خلاف قول ابن أبي عقيل وسلّار (٨).

وغير خافٍ أنّ ملاحظة سياق كلّ ما يدلّ على رجحان التكبير يُرشد إلى الاستحباب ، سيّما مع معارضتها برواية أبي بصير المعتضدة بالإجماع والشهرة العظيمة.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣١٩ ح ١ ، التهذيب ٢ : ٧٧ ح ٢٨٩ ، الوسائل ٤ : ٩٢٠ أبواب الركوع ب ١ ح ١.

(٢) الكافي ٣ : ٣١١ ح ٨ ، الفقيه ١ : ١٩٦ ح ٩١٦ ، التهذيب ٢ : ٨١ ح ٣٠١ ، أمالي الصدوق : ٣٣٧ ح ١٣ ، الوسائل ٤ : ٦٧٣ أبواب أفعال الصلاة ب ١ ح ١ ، ٢.

(٣) الوسائل ٤ : ٩٢١ أبواب الركوع ب ٢.

(٤) التهذيب ٢ : ٦٦ ح ٢٣٨ ، الوسائل ٤ : ٧١٤ أبواب تكبيرة الإحرام ب ١ ح ٥.

(٥) نقله في المختلف ٢ : ١٧٠.

(٦) المراسم : ٦٩.

(٧) حكاه في المبسوط ١ : ١١١.

(٨) الذكرى : ١٩٨.

٥٧٤

ويستحبّ أن يكبّر منتصباً في حال القيام رافعاً يديه حيال وجهه ، وأن يعمل بما تضمّنته صحيحة زرارة ، فقد قال الباقر عليه‌السلام فيها : «إذا أردت أن تركع فقل وأنت منتصب : الله أكبر ، ثمّ اركع ، وقل : اللهم لك ركعت ، ولك أسلمت ، وبك أمنت ، وعليك توكّلت ، وأنت ربّي ، خشع لك سمعي وبصري وشعري وبشري ولحمي ودمي ومخّي وعصبي وعظامي وما أقلّته قدماي ، غير مستنكفٍ ، ولا مستكبرٍ ، ولا مستحسر ، سبحان ربّي العظيم وبحمده ثلاث مرات في ترسّل ، وتصفّ في ركوعك بين قدميك ، تجعل بينهما قدر شبر ، وتمكّن راحتيك من ركبتيك ، وتضع يدك اليمنى على ركبتك اليمنى قبل اليسرى ، وتلقم بأطراف أصابعك عين الركبة ، وفرّج أصابعك إذا وضعتها على ركبتيك ، وأقم صلبك ، ومدّ عنقك ، وليكن نظرك بين قدميك ، ثمّ قل : سَمِعَ الله لمن حمده وأنت منتصب قائم ، الحمد لله رب العالمين أهل الجبروت ، والكبرياء والعظمة لله ربّ العالمين ، تجهر بها صوتك ، ثمّ ترفع يديك بالتكبير وتخرّ ساجداً» (١).

وقد مضى الخلاف في رفع اليد حيال الوجه وحكمه ، والأمر بالتكبير محمول على الاستحباب جمعاً ، مع أنّ السياق لا يفيد أزيد من الرجحان.

والتسبيحات الثلاثة أوّل مراتب الفضل ، وفوقه الخمس على ما قيل (٢) ، وفوقه السبع ، وقد مرّ الثلاث والسبع في رواية هشام (٣) ، وفوقه ما اتّسع صدره ؛ لمضمرة سماعة : «ومن كان يقوى على أن يطوّل الركوع والسجود فليطوّل ما استطاع» إلى أن قال : «فأمّا الإمام فإنّه إذا قام بالناس فلا ينبغي أن يطوّل بهم ؛ فإنّ في الناس الضعيف» (٤) الحديث.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣١٩ ح ١ ، التهذيب ٢ : ٧٧ ح ٢٨٩ ، الوسائل ٤ : ٩٢٠ أبواب الركوع ب ١ ح ١.

(٢) الشرائع ١ : ٦٨.

(٣) التهذيب ٢ : ٧٦ ح ٢٨٢ ، الاستبصار ١ : ٣٢٢ ح ١٢٠٤ ، الوسائل ٤ : ٩٢٣ أبواب الركوع ب ٤ ح ١.

(٤) التهذيب ٢ : ٧٧ ح ٢٨٧ ، الوسائل ٤ : ٩٢٧ أبواب الركوع ب ٦ ح ٤.

٥٧٥

وفي صحيحة أبان بن تغلب : دخلت على أبي عبد الله عليه‌السلام وهو يصلّي ، فعددت له في الركوع والسجود ستّين تسبيحة (١) ، وفي رواية أُخرى أربعاً أو ثلاثاً وثلاثين مرّة (٢) ، وفي رواية خمسمائة (٣).

وربما يظهر من جماعة انتهاء الفضل بالسبع (٤) ، وليس بذلك ؛ وإنّ أشعرت به رواية هشام ، ولعلّه محمول على الغالب.

ويستحبّ استواء الظهر بحيث لو صبّ عليه قطرة ماء أو دهن لم تزل ، كما تضمّنته صحيحة حمّاد.

ويستحبّ تذكّر «أمنت بك ولو ضربت عنقي» عند مدّ العنق فيه ، ففي الخبر سئل أمير المؤمنين عليه‌السلام : ما معنى مدّ عنقك في الركوع؟ فقال : «تأويله : أمنت بالله ولو ضرب عنقي» (٥).

وفي صحيحة حمّاد «غمّض عينيه» والجمع بينه وبين هذا الخبر إما بالتخيير كما قيل (٦) ، أو بالحمل على الاشتباه ، فإنّ القول أقوى من الفعل.

وادّعى الإجماع على استحباب «سمع الله لمن حمده» غير واحد من أصحابنا (٧) ، وتدلّ عليه أخبار أُخر أيضاً على الإطلاق (٨).

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٢٩ ح ٢ ، التهذيب ٢ : ٢٩٩ ح ١٢٠٥ ، الوسائل ٤ : ٩٢٦ أبواب الركوع ب ٦ ح ١.

(٢) التهذيب ٢ : ٣٠٠ ح ١٢١٠ ، الاستبصار ١ : ٣٢٥ ح ١٢١٤ ، الوسائل ٤ : ٩٢٧ أبواب الركوع ب ٦ ح ٢.

(٣) الكافي ٨ : ١٤٣ ح ١١١ ، الوسائل ٤ : ٩٧٩ أبواب السجود ب ٢٣ ح ٦.

(٤) منهم الشيخ المفيد في المقنعة : ١٠٦ ، والشيخ الطوسي في الخلاف ١ : ٣٤٩ مسألة ١٠٠ ، والمبسوط ١ : ١١١ ، والعلامة في القواعد ١ : ٢٧٦.

(٥) الفقيه ١ : ٢٠٤ ح ٩٢٨ ، علل الشرائع : ٣٢٠ ب ١٠ ح ١ ، الوسائل ٤ : ٩٤٢ أبواب الركوع ب ١٩ ح ٢.

(٦) يعني : الجمع بين ما في صحيحة زرارة من قوله «وليكن نظرك بين قدميك» وبين هذا الخبر بالتخيير بينهما ، قال به في النهاية : ٧١.

(٧) كالشيخ في الخلاف ١ : ٣٥٠ مسألة ١٠١ ، والمحقّق في المعتبر ٢ : ٢٠٣ ، والعلامة في المنتهي ١ : ٢٨٥.

(٨) الوسائل ٤ : ٦٧٣ أبواب أفعال الصلاة ب ١ ، وص ٩٢٠ أبواب الركوع ب ١.

٥٧٦

وربّما يقال : لو اقتصر المأموم على التحميد كان أحسن (١) ، لصحيحة جميل : ما يقول الرجل خلف الإمام إذا قال : سمع الله لمن حمده؟ قال : «يقول : الحمد لله رب العالمين ، ويخفض من الصوت» (٢).

وقال الشيخ رحمه‌الله : ولو قال : ربّنا لك الحمد ، لم تفسد صلاته (٣).

ونقل الشهيد في الذكرى حديثاً وقال بصحّته : «إنّ الإمام إذا قال : سمع الله لمن حمده ؛ قال من خلفه : ربّنا لك الحمد» ونقله عن بعض الأصحاب أيضاً (٤).

ولكن المنقول من المنتهي أن تركه أولى ، مؤذناً بنسبته إلى الأصحاب (٥) ، والمنقول في روايتنا بدون الواو (٦) ، والعامّة مختلفون على ما قيل (٧).

ولعلّ قول ذلك لم يكن مفسداً كما ذكره الشيخ ، إلّا أنّ التسميع أحسن.

وربما توجّه رواية جميل أيضاً بإرجاع الضمير إلى المأموم (٨) ، فتوافق العمومات.

ثمّ إنّ المعلوم من الروايات المعتبرة (٩) والإجماع المنقول كما يظهر من بعضهم (١٠) ، والمشهور بين الأصحاب : أنّ ذلك بعد الانتصاب. والمنقول عن ظاهر جماعة منهم أنّه في حال الارتفاع ، وسائر الأذكار حال القيام (١١) ، والمشهور أقوى.

__________________

(١) المدارك ٣ : ٣٩٩.

(٢) الكافي ٣ : ٣٢٠ ح ٢ ، الوسائل ٤ : ٩٤٠ أبواب الركوع ب ١٧ ح ١.

(٣) المبسوط ١ : ١١٢.

(٤) الذكرى : ١٩٩.

(٥) المنتهي ١ : ٢٨٦.

(٦) الوسائل ٤ : ٩٤٠ أبواب الركوع ب ١٧ ح ٤.

(٧) الذكرى : ١٩٩.

(٨) كما في الحدائق ٨ : ٢٢٦.

(٩) الوسائل ٤ : ٦٧٣ أبواب أفعال الصلاة ب ١ ، وص ٩٢٠ أبواب الركوع ب ١٠.

(١٠) كالمحقّق في المعتبر ٢ : ٢٠٣ ، والعلامة في المنتهي ١ : ٢٨٥.

(١١) منهم ابن أبي عقيل كما في الذكرى : ١٩٩ ، وابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهيّة) : ٥٥٩ ، وأبو الصلاح في الكافي في الفقه : ١٤٢.

٥٧٧

وينبغي الجهر به لغير المأموم ، للعمومات ، هكذا اختار في الذكرى (١).

ونسب إلى ابني بابويه وصاحب الفاخر القول باستحباب رفع اليدين حال الرفع من الركوع (٢).

وقال المحقّق : فإذا رفع من الركوع فإنّه يقول : سمع الله لمن حمده ، من غير تكبير ولا رفع يد ، وهو مذهب علمائنا (٣). وقال الشهيد في الذكرى : إنّه مذهب جماعة من العامّة (٤).

وتدلّ على القول الأوّل روايتان معتبرتان من أنّ رفع اليد مطلقاً زينة الصلاة وأنّه العبودية (٥) ، وإحداهما خصوص الرفع من الركوع مذكور فيها أيضاً (٦) ، فحينئذٍ القول بالاستحباب مشكل ، فتأمّل.

ثمّ إنّ استحباب السمعلة بعد الركوع إنّما هو في غير صلاة الآيات ، أما فيها فيكبّر إلّا في الخامسة والعاشرة فهي كغيرها فيهما ، لصحيحة محمّد بن مسلم وزرارة المتقدّمة (٧).

وأفتى المحقّق في المعتبر بكراهة الركوع ويداه تحت ثوبه (٨) ، وهو خِيرة المبسوط (٩) وأبي الصلاح (١٠) ، إلّا أنّ أبا الصلاح كره كونهما في الكمّين أيضاً.

ولم يظهر لهم من الأخبار مستند واضح ، ولكن لا بأس باتّباع هؤلاء الأعيان

__________________

(١) الذكرى : ١٩٩.

(٢) نسبه إليهم في الذكرى : ١٩٩.

(٣) المعتبر ٢ : ١٩٩.

(٤) الذكرى : ١٩٩.

(٥) التهذيب ٢ : ٧٦ ح ٢٨١ ، الوسائل ٤ : ٩٢١ أبواب الركوع ب ٢ ح ٤.

(٦) التهذيب ٢ : ٧٥ ح ٢٧٩ ، الوسائل ٤ : ٩٢١ أبواب الركوع ب ٢ ح ٢.

(٧) الكافي ٣ : ٤٦٣ ح ٢ ، التهذيب ٣ : ١٥٦ ح ٣٣٥ ، الوسائل ٥ : ١٥٠ أبواب صلاة الكسوف ب ٧ ح ٦.

(٨) المعتبر ٢ : ٢٠٦.

(٩) المبسوط ١ : ١١٢.

(١٠) الكافي في الفقه : ١٢٥.

٥٧٨

فيما يُتسامح في دليله ؛ مع تأمّل في ذلك من جهة خصوص المقام ، لصحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يصلّي ولا يخرج يديه عن ثوبه ، قال : «إن أخرج يديه فحسن ، وإن لم يخرج فلا بأس» (١).

وعن ابن الجنيد : لو ركع ويداه تحت ثيابه جاز ذلك إذا كان عليه مئزراً وسراويل (٢).

وربّما يستشهد له (٣) برواية عمّار عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في الرجل يدخل يده تحت ثوبه ، قال : «إن كان عليه ثوب آخر فلا بأس» (٤).

ويستحب التجنيح بالمرفق ، لصحيحة زرارة (٥) وغيرها (٦) ، ويرد ركبتيه إلى العقب كما في صحيحة حمّاد (٧) ، ويفرج بين أصابع يديه كما في صحيحة زرارة (٨).

ويستحبّ للمرأة إذا ركعت أن تضع يديها فوق ركبتيها على فخذيها ، لئلّا تطأطئ كثيراً فترتفع عجيزتها ، كما في حسنة زرارة (٩) ، أفتى بذلك جماعة من المتأخّرين (١٠).

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٧٤ ح ٧٢٢ ، التهذيب ٢ : ٣٥٦ ح ١٤٧٤ ، الاستبصار ١ : ٣٩١ ح ١٤٩١ ، الوسائل ٣ : ٣١٣ أبواب لباس المصلّي ب ٤٠ ح ١.

(٢) نقله عنه في الذكرى : ١٩٨.

(٣) الحدائق ٨ : ٢٧٢.

(٤) الكافي ٣ : ٣٩٥ ح ١٠ ، التهذيب ٢ : ٣٥٦ ح ١٤٥٧ ، الاستبصار ١ : ٣٩٢ ح ١٤٩٤ ، الوسائل ٣ : ٣١٤ أبواب لباس المصلّي ب ٤٠ ح ٤.

(٥) المتقدّمة الإشارة إليها في ص ٥٧٤.

(٦) الكافي ٣ : ٣٢٠ ح ٥ ، عيون أخبار الرضا (ع) ٢ : ٧ ح ١٨ ، الوسائل ٤ : ٩٤١ أبواب الركوع ب ١٨ ح ١.

(٧) المتقدّمة الإشارة إليها في ص ٥٧٤.

(٨) المتقدّمة الإشارة إليها في ص ٥٧٥.

(٩) الكافي ٣ : ٣٣٥ ح ٢ ، التهذيب ٢ : ٩٤ ح ٣٥٠ ، علل الشرائع : ٣٥٥ ب ٦٨ ح ١ ، الوسائل ٤ : ٦٧٦ أبواب أفعال الصلاة ب ١ ح ٤.

(١٠) منهم العلامة في القواعد ١ : ٢٨٢ ، والشهيد في النفليّة : ١١٩ ، وصاحب المدارك ٣ : ٤٥١.

٥٧٩

ونقل عن الشيخ وجماعة من الأصحاب مساواة المرأة للرجل في جميع أحكام الصلاة إلّا في الجهر والإخفات (١).

وقضيّة ذلك عدم الفرق إلّا فيهما ، وعلى هذا فيقع الإشكال في العمل على ما تضمّنته هذه الحسنة في هذا المقام ، إذ الحدّ المقرّر للركوع هو ما وصلت به اليد إلى الركبتين ، والانحناء بهذا القدر واجب ، ولا شكّ أنّ ارتفاع العجيزة تابع للانحناء لا لوضع اليد ، فالتعليل بعدم ارتفاع العجيزة يقتضي إما عدم وجوب الانحناء بالقدر المقرّر للمرأة ، أو يستلزم الإلغاء للتعليل ، لعدم تأثير الوضع الكذائي في ارتفاع العجيزة ، وعدمه بعد اعتبار أقلّ الواجب وعدم التجاوز عنه.

ويشكل تخصيص الإجماع الذي نقلوه في مقام تحديد الركوع (٢) مع عدم فرق أحدهم ثمّة بين الرجل والمرأة بهذه الرواية التي لم يظهر اتفاقهم على العمل عليها ، بل ظهر عدمه ، وإن كان العمل بها أيضاً غير بعيد ، لكون عمل الجماعة هنا شاهداً على عدم وفاقهم ثمّة على العموم.

ويمكن أن يوجّه بأنّ ملاحظة قضيّة النقل السابق كون التقام الركبة بالأصابع أو وضع اليد مطلقاً أو التجنيح بالمرفق في حال الركوع مستحبّاً للمرأة أيضاً لو لم ينافِ الأخير قوله عليه‌السلام في هذه الحسنة قبل ذلك : «وتضمّ يديها إلى صدرها لمكان ثدييها» فإذا كانت مستحبّة فلا شك أن الالتقام بالأصابع أو مطلق الوضع بل والتجنيح بالمرفق أيضاً يقتضي زيادة انحناء عن قدر الواجب ، لكثرة تنزّل اليد وانحنائها في هذه الصورة ، بخلاف ما لو لم تفعل هذه الأُمور.

وتكتفي بالانحناء بمقدار أنّها لو أرادت وصول اليد لوصلت ، فيكون حينئذٍ مراد المعصوم والله أعلم وقائله أنّ ترك هذا المكروه أحبّ من ارتكاب هذا المستحبّ ، فأمرها بترك استحباب الالتقام ونحوه ، وأخذ استحباب عدم ارتفاع العجيزة ، وإلّا

__________________

(١) كما في المدارك ٣ : ٤٥١.

(٢) كما في المعتبر ٢ : ١٩٣ ، والتذكرة ٣ : ١٦٥.

٥٨٠