غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ٢

الميرزا أبو القاسم القمّي

غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ٢

المؤلف:

الميرزا أبو القاسم القمّي


المحقق: عباس تبريزيان
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-424-250-5
الصفحات: ٦٣١

ولكنها لا تنافي مطلق الرجحان أصلاً ؛ فلاحظ.

ولابن الجنيد : أنّ الأصل وجوب الإخفات لكونها جزء الحمد ، خرج الإمام بالنصّ والإجماع ، فبقي الباقي.

وفيه أوّلاً : أنّ الأصل عدمه ، لعدم شمول الأدلّة لها كما هو ظاهر ، وعلى فرض التسليم فهو مخصّص بما ذكرنا.

ولابن إدريس : أنّ الأصل في ذلك التأسّي ، ولم يثبت في غير الأُوليين ، لعدم معلوميّة أنّهم يقرؤن الحمد أو يسبّحون.

ويدفعه ما ذكرنا من الأدلّة.

وللموجبين للجهر : التزامهم عليهم‌السلام ذلك وعدم الإخلال.

والجواب منع الدلالة ، والمعارضة بما هو أقوى منه.

والتفصيل بين قوليهما يظهر من ملاحظة دليل ابن إدريس فتدبّر ، هكذا نقل عنهم الاستدلال (١).

ويمكن الاستدلال عليه ، بما ذكره الصدوق وظواهر بعض ما أسلفناه ، والأحوط الالتزام بالجهر بها مطلقاً.

الثاني عشر : المشهور استحباب الجهر بالقراءة في ظُهر الجمعة.

ويدلّ على استحبابه في صلاة الجمعة ، مضافاً إلى الإجماع المنقول ، ما يجي‌ء من الخبرين (٢).

وعلى استحبابه في الظهر صحيحة الحلبي ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام وسئل عن الرجل يصلّي الجمعة أربعة ركعات ، أيجهر فيها بالقراءة؟

__________________

(١) كما في المختلف ٢ : ١٥٥.

(٢) في ص ٥٢٨ ، ٥٢٩.

٥٤١

قال : «نعم ، والقنوت في الثانية» (١).

وصحيحة محمّد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال ، قال لنا : «صلّوا في السفر صلاة الجمعة جماعة بغير خطبة ، واجهروا بالقراءة» فقلت : إنّه ينكر علينا الجهر بها في السفر ، فقال : «اجهروا بها» (٢).

وحسنة الحلبي عنه عليه‌السلام : عن القراءة في الجمعة إذا صلّيت وحدي أربعاً أجهر القراءة؟ فقال : «نعم» وقال : «اقرأ بسورة الجمعة والمنافقين يوم الجمعة وغيرها» (٣).

ورواية محمّد بن مروان عنه عليه‌السلام : عن صلاة الظهر يوم الجمعة كيف يصلّيها في السفر؟ فقال : «يصلّيها في السفر ركعتين ، والقراءة فيها جهراً» (٤).

وقال ابن إدريس : يستحبّ الجهر بالظهر إن صُلّيت جماعة (٥) ، وتدفعه الأدلّة المتقدّمة.

وقيل : بعدم جواز الجهر بالظهر مطلقاً (٦) ، ومال إليه المحقّق في المعتبر (٧) ، مستدلا عليه بصحيحة ابن مسلم قال : سألته عن صلاة الجمعة في السفر ، فقال : «يصنعون كما يصنعون في الظهر ، ولا يجهر الإمام فيها بالقراءة ، وإنّما يجهر

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٦٩ ح ١٢٣١ ، التهذيب ٣ : ١٤ ح ٥٠ ، الاستبصار ١ : ٤١٦ ح ١٥٩٤ ، الوسائل ٤ : ٨١٩ أبواب القراءة ب ٧٣ ح ١.

(٢) التهذيب ٣ : ١٥ ح ٥١ ، الاستبصار ١ : ٤١٦ ح ١٥٩٥ ، الوسائل ٤ : ٨٢٠ أبواب القراءة ب ٧٣ ح ٦.

(٣) الكافي ٣ : ٤٢٥ ح ٥ ، التهذيب ٣ : ١٤ ح ٤٩ ، الاستبصار ١ : ٤١٦ ح ١٥٩٣ ، الوسائل ٤ : ٨١٩ أبواب القراءة ب ٧٣ ح ٣.

(٤) التهذيب ٣ : ١٥ ح ٥٢ ، الاستبصار ١ : ٤١٦ ح ١٥٩٦ ، الوسائل ٤ : ٨٢٠ أبواب القراءة ب ٧٣ ح ٧.

(٥) السرائر ١ : ٢٩٨.

(٦) حكاه المحقّق في المعتبر ١ : ٣٠٤ ، وقال في مفتاح الكرامة ٢ : ٣٠٩ فقد تحصّل أنّه لم يقطع أحد بعدم جواز الجهر في الظهر للإمام إلّا ما في المعتبر عن بعض الأصحاب الذي لم نجده.

(٧) المعتبر ٢ : ٣٠٥.

٥٤٢

إذا كانت خطبة» (١).

وصحيحة جميل عن الجماعة يوم الجمعة في السفر قال : «يصنعون كما يصنعون في غير يوم الجمعة في الظهر ، ولا يجهر الإمام ، إنّما يجهر إذا كانت خطبة» (٢).

وحملهما الشيخ على حال التقيّة والخوف (٣).

وقال الفاضل المجلسي رحمه‌الله في شرح الفقيه : والاحتياط في الإخفات في الظهر ، وإن كان الأظهر جواز الجهر فيها (٤) ، وهو كذلك.

الثالث عشر : ويستحبّ أن يستعيذ قبل القراءة في الركعة الاولى من كلّ صلاة للاية ؛ (٥) ، وحسنة الحلبي (٦) ، منضمّاً إلى الإجماع.

قال في الذكرى : لا تتكرّر الاستعاذة عندنا وعند الأكثر ، ولو نسيها في الأُولى لم يأتِ بها في الثانية (٧).

وذهب أبو عليّ ابن الشيخ إلى وجوبها (٨) ، ويدفعه الإجماع الذي نقله الشيخ في الخلاف (٩) ، وهو ظاهر الطبرسي في مجمع البيان (١٠).

وفي رواية فرات بن أحنف عن أبي جعفر عليه‌السلام : «فإذا قرأتَ بسم الله

__________________

(١) التهذيب ٣ : ١٥ ح ٥٤ ، الاستبصار ١ : ٤١٦ ح ١٥٩٨ ، الوسائل ٤ : ٨٢٠ أبواب القراءة ب ٧٣ ح ٩.

(٢) التهذيب ٣ : ١٥ ح ٥٣ ، الاستبصار ١ : ٤١٦ ح ١٥٩٧ ، الوسائل ٤ : ٨٢٠ أبواب القراءة ب ٧٣ ح ٨.

(٣) التهذيب ٣ : ١٥ ، الإستبصار ١ : ٤١٧.

(٤) روضة المتّقين ٢ : ٣٠٧.

(٥) النحل : ٩٨.

(٦) الكافي ٣ : ٣١٠ ح ٧ ، التهذيب ٢ : ٦٧ ح ٢٤٤ ، الوسائل ٤ : ٨٠٠ أبواب القراءة ب ٥٧ ح ١.

(٧) الذكرى : ١٩١.

(٨) نقله عنه في الدروس ١ : ١٧٤.

(٩) الخلاف ١ : ٣٢٥ مسألة ٧٦.

(١٠) مجمع البيان ٦ : ٥٩٣.

٥٤٣

الرحمن الرحيم ، فلا تبالي أن لا تستعيذ» (١).

ولها صور كثيرة منقولة عن القرّاء ومن أهل البيت عليهم‌السلام ، والمشهور منها صورتان : «أعوذ بالله من الشيطان الرجيم» رواه في الذكرى عن أبي سعيد الخدري أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يقوله قبل القراءة (٢).

و «أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم» رواه الشهيد عن جامع البزنطي في رواية معاوية بن عمّار عن الصادق عليه‌السلام (٣).

ويستحبّ الإسرار بها ، للإجماع المنقول في الخلاف (٤) وإشعار صحيحة صفوان به (٥).

وأما رواية حنان بن سدير الدالّة على جهر الصادق عليه‌السلام بها (٦) فمحمولة على بيان الجواز.

الرابع عشر : يستحبّ ترتيل القراءة للإجماع ، ولقوله تعالى (وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً) (٧) ، وقد فسّره أهل اللغة بالترسّل والتأنّي والتمهّل وتبيين الحروف والحركات تشبيهاً بالثغر المرتل ، وهو المشبه بنور الأُقحوان (٨).

وفسّر في الأخبار بما رواه ابن سنان عن الصادق عليه‌السلام في تفسيره قال ،

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣١٣ ح ٣ ، الوسائل ٤ : ٨٠١ أبواب القراءة ب ٥٨ ح ١.

(٢) الذكرى : ١٩١ ، الوسائل ٤ : ٨٠١ أبواب القراءة ب ٥٧ ح ٦.

(٣) الذكرى : ١٩١ ، الوسائل ٤ : ٨٠١ أبواب القراءة ب ٥٧ ح ٧.

(٤) الخلاف ١ : ٣٢٦ مسألة ٧٩.

(٥) التهذيب ٢ : ٦٨ ح ٢٤٦ ، الاستبصار ١ : ٣١٠ ح ١١٥٤ ، الوسائل ٤ : ٨٠٠ أبواب القراءة ب ٥٧ ح ٢.

(٦) التهذيب ٢ : ٢٨٩ ح ١١٥٨ ، الوسائل ٤ : ٨٠٠ أبواب القراءة ب ٥٧ ح ٤.

(٧) المزمل : ٤.

(٨) انظر النهاية لابن الأثير ٢ : ١٩٤ ، والصحاح ٤ : ١٧٠٤ ، والمصباح المنير : ٢١٨ ، ولسان العرب ٥ : ١٣٢ ، وتاج العروس ٧ : ٣٣٥.

٥٤٤

قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : «بيّنه تبييناً ، ولاتهذّه هذّ الشعر ، ولا تنثره نثر الرمل ، ولكن اقرعوا قلوبكم القاسية ، ولا يكن همّ أحدكم آخر السورة» (١).

وقال عليه‌السلام أيضاً على ما روي عنه في تفسيره : «إنّه حفظ الوقوف وبيان الحروف» (٢).

وقد مرّ ما ينفعك ذكراه فيما يجب من القراءة من مراعاة الصفات ، وأنّ المستحبّ من تبيين الحروف هو ماذا.

فإن أردنا من التأنّي والترسّل وتبيين الحروف وحفظ الوقوف هو أداء الحروف عن المخارج بحيث لا يدمج أحدها في الاخر ولا يتميّز (٣) ، وأن لا يقف على الحركة ، ولا يصل بالسكون ؛ فهو واجب ، لاتّفاق القرّاء وأهل العربية على ذلك ، كما صرّح به بعض المحقّقين (٤) ، فالخروج عن مقتضاه خروج عن اللغة العربية ، فحينئذٍ تتطابق الآية والأخبار ، ويبقى الأمر في الآية منزّل على حقيقته وهو الوجوب.

وإن أُريد به ما اعتبره القرّاء من ملاحظة صفات الحروف من الجهر والإطباق والاستعلاء وغيرها ، والوقف على مواضعها على ما قرّروه ، فيحمل الأمر على الاستحباب أو على القدر المشترك.

وقد يستشكل في استحباب مراعاة ما اصطلحوا عليه ، لكونها متجدّدة بعد زمان أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وإنّما نشأ ذلك من أفهامهم في التفاسير ، ولذلك منعوا عليهم‌السلام عن الوقف في بعض المواضع الذي ألزموا فيه الوقف (٥) ، مثل قوله تعالى (وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ) (٦).

__________________

(١) الوافي ٩ : ١٧٣٩ ح ٩٠٢٣.

(٢) الوافي ٩ : ١٧٣٩ ذ. ح ٩٠٢٣.

(٣) في «ص» : ويتميّز. والمراد بعدم التميّز يعني عدم انفصاله عن باقي حروف الكلمة ، والله العالم.

(٤) المعتبر ٢ : ١٨١.

(٥) انظر البحار ٨٢ : ٩.

(٦) آل عمران : ٧.

٥٤٥

ويمكن دفعه بما ورد عنهم عليهم‌السلام : «أقروا كما يقرؤن إلى زمان القائم» (١) في غير ما ورد مخالفته بالخصوص عنهم عليهم‌السلام ، وللخبر ، قال : «ينبغي للعبد إذا صلّى أن يرتّل في قراءته ، فإذا مرّ بآية فيها ذكر الجنة وذكر النار ، سأل الله الجنة ، وتعوّذ بالله من النار» (٢)

ويستحبّ أن يقف على مواضعه المقرّرة عند القرّاء ؛ فيقف على التامّ ، ثمّ الحسن ، ثمّ الجائز ، وعلّل بحصول فائدة الاستماع (٣) ، إذ به يسهل الفهم ويحصل النظم.

وقيل : ليس ترك الوقف في موضع قبيحاً ، ولا فعله واجباً عند القرّاء أيضاً ، بل ذلك إنّما هو اصطلاح لهم ، ولا يعنون المعنى الشرعي كما صرّح به محقّقوهم (٤).

وقد ورد في الصحيح : جواز قراءة الفاتحة والسورة في النَّفَس الواحد (٥).

وفي بعض الأخبار : كراهة قراءة قل هو الله أحد بنَفَسٍ واحد (٦).

ويستحبّ أن يسكت هُنيئة عقيب السورة كما في صحيحة حمّاد (٧).

ويستفاد من بعض الأخبار نقلاً عن ابيّ بن كعب : أنّه كان لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله سكتتان : إذا فرغ من أُمّ القرآن ، وإذا فرغ من السورة (٨).

ويستحبّ أنّ يقرأ عقيب الآيات بما اقتضاه المأثور.

__________________

(١) الكافي ٢ : ٦٣٣ ح ٢٣ ، الوافي ٩ : ١٧٧٧ ب ٢٦٩ ح ٥.

(٢) التهذيب ٢ : ١٢٤ ح ٤٧١ ، الوسائل ٤ : ٧٥٣ أبواب القراءة ب ١٨ ح ١.

(٣) في «ص» : الاستمتاع.

(٤) المدارك ٣ : ٣٦١.

(٥) التهذيب ٢ : ٢٩٦ ح ١١٩٣ ، قرب الإسناد : ٩٣ ، مسائل عليّ بن جعفر : ٢٣٦ ح ٥٤٨ ، الوسائل ٤ : ٧٨٥ أبواب القراءة ب ٤٦ ح ١.

(٦) الكافي ٣ : ٣١٤ ح ١١ ، الوسائل ٤ : ٧٨٥ أبواب القراءة ب ٤٦ ح ٣ ، وص ٧٥٤ أبواب القراءة ب ١٩.

(٧) الفقيه ١ : ١٩٦ ح ٩١٦ ، أمالي الصدوق : ٣٣٧ ح ١٣ ، الوسائل ٤ : ٦٧٣ أبواب أفعال الصلاة ب ١ ح ١.

(٨) التهذيب ٢ : ٢٩٧ ح ١١٩٦ ، الوسائل ٤ : ٧٨٥ أبواب القراءة ب ٤٦ ح ٢.

٥٤٦

الخامس عشر : تستحبّ قراءة سورة بعد الحمد في النوافل بإجماع العلماء قاله في المعتبر (١) ، وقد مرّ جواز القِران فيها ، وتفصيل اليوميّة والليليّة ، ولا حدّ لتعدادها ، بل قال عليه‌السلام في رواية : «لا بأس أن تجمع في النافلة من السور ما شئت» (٢).

ويستحبّ الإجهار بها في الليل والإسرار بها في النهار ، وهو قول علمائنا أجمع ، قاله في المعتبر (٣) ، وتدلّ عليه أيضاً مرسلة ابن فضال : «السنّة في صلاة النهار الإخفات ، والسنّة في صلاة الليل الإجهار» (٤).

والمشهور استحباب القراءة في الصلاة بسور المفصل ، وهو من سورة محمّد إلى آخر القرآن ، ومطوّلاته في الصبح ، وهي من الأوّل إلى سورة عمّ ، ومتوسّطاته في العشاء ، وهي منها إلى الضحى ، وقصاره في الظهرين والمغرب ، وهي منها إلى آخر القرآن ، وليس في النصوص تصريح بذلك ، نعم رواه الجمهور عن عمر (٥).

وعن كتاب الدعائم منسوباً إلى جعفر بن محمّد عليه‌السلام ، قال : «ولا بأس أن يقرأ في الفجر بطوال المفَصّل ، وفي الظهر والعشاء الآخرة بأوساطه ، وفي العصر والمغرب بقصاره» (٦).

وفي صحيحة محمّد بن مسلم قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : القراءة في الصلاة فيها شي‌ء موقّت؟ قال : «لا ، إلّا الجمعة يقرأ بالجمعة والمنافقين» فقلت له : فأيّ السور تقرأ في الصلاة؟ قال : «أما الظهر والعشاء الآخرة يقرأ فيهما سواء ،

__________________

(١) المعتبر ٢ : ١٨١.

(٢) التهذيب ٢ : ٧٣ ح ٢٧٠ ، الوسائل ٤ : ٧٤١ أبواب القراءة ب ٨ ح ٧.

(٣) المعتبر ٢ : ١٨٤.

(٤) التهذيب ٢ : ٢٨٩ ح ١١٦١ ، الاستبصار ١ : ٣١٣ ح ١١٦٥ ، الوسائل ٤ : ٧٥٩ أبواب القراءة ب ٢٢ ح ٢.

(٥) بدائع الصنائع ١ : ٢٥٠.

(٦) دعائم الإسلام ١ : ١٦٠ ، مستدرك الوسائل ٤ : ٢٠٧ أبواب القراءة ب ٣٦ ح ٢.

٥٤٧

والعصر والمغرب سواء ، وأما الغداة فأطول ، وأما الظهر والعشاء الآخرة فسبّح اسم رب الأعلى ، وو الشمس وضحاها ونحوهما ، وأما العصر والمغرب فإذا جاء نصر الله وألهاكم التكاثر ونحوهما ، وأما الغداة فعمّ يتساءلون ، وهل أتاك حديث الغاشية ، ولا أُقسم بيوم القيامة ، وهل أتى على الإنسان حين من الدهر» (١).

وفي رواية أُخرى : «في الغداة تقرأ بعمّ ، وهل أتاك ، ولا اقسم بيوم القيامة وشبهها ، والظهر بسبّح اسم ، والشمس ، وهل أتاك وشبهها ، والمغرب بقل هو الله أحد ، وإذا جاء نصر الله ، والعشاء بنحو الظهر ، والعصر بنحو المغرب ، وأنّه كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يفعل كذا» (٢).

وهذان التفصيلان وإن كانا يتفاوتان بالنسبة إلى المشهور ، لكنه ليس بذلك التفاوت ، ولا بأس بذلك كلّه. وضعف المستند لا يضرّ مع الانجبار بالشهرة.

وقد روى ابن أُذينة في الحسن كالصحيح عن الصادق عليه‌السلام في حديث المعراج ما يدلّ على قراءة التوحيد في الأُولى والقدر في الثانية من جميع الفرائض (٣).

وأفتى الصدوق بالعكس ، معلّلا بأنّ القدر سورة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته عليهم‌السلام ، فيتوسّل به إلى الله ، ولأنّ التوحيد يستجاب أثرها الدعاء ، وهو القنوت ، قال : إنّه من عمل الرضا عليه‌السلام حين اشخص إلى خراسان (٤).

وكذلك رواه في العيون عن الحسن الصائغ ، وعن رجاء بن أبي ضحّاك (٥).

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٩٥ ح ٣٥٤ ، الوسائل ٤ : ٧٨٧ أبواب القراءة ب ٤٨ ح ٢.

(٢) التهذيب ٢ : ٩٥ ح ٣٥٥ ، الوسائل ٤ : ٧٨٧ أبواب القراءة ب ٤٨ ح ١.

(٣) الكافي ٣ : ٤٨٢ ح ١ ، علل الشرائع : ٣١٢ ح ١ ، الوسائل ٤ : ٧٦٠ أبواب القراءة ب ٢٣ ح ٢.

(٤) الفقيه ١ : ٢٠١.

(٥) عيون أخبار الرضا (ع) ٢ : ١٨٢ ، الوسائل ٤ : ٧٦٠ أبواب القراءة ب ٢٣ ح ٣.

٥٤٨

وفي رواية محمّد بن الفرج التي نقلها في فلاح السائل : إنّه كتب إلى الرجل عليه‌السلام يسأله عما يقرأ في الفرائض ؛ عن أفضل ما يقرأ فيها ، فكتب عليه‌السلام : «إنّ أفضل ما يقرأ في الفرائض ، إنّا أنزلناه في ليلة القدر ، وقل هو الله أحد» (١).

وفي رواية أبي عليّ بن راشد قال ، قلت لأبي الحسن عليه‌السلام : إنّك كتبت إلى محمّد بن الفرج ، تعلمه أنّ أفضل ما يقرأ في الفرائض إنّا أنزلناه ، وقل هو الله أحد ، وإنّ صدري ليضيق بقراءتهما في الفجر ، فقال : «لا يضيقنّ صدرك بهما ، فإنّ الفضل والله فيهما» (٢) ويظهر منها أنّ القدر مقدّمة.

وروى في الاحتجاج عن الصاحب عليه‌السلام : «إذا ترك سورة فيها الثواب ، وقرأ التوحيد والقدر لفضلهما ، أُعطي ثوابهما وثواب السورة الّتي ترك» (٣) والكلّ حسن إن شاء الله.

وتستحبّ قراءة «هل أتى» و «هل أتيك» في كلّ من صلاتي غداة الاثنين والخميس ، ليقيه الله بهما شرّ اليومين «هل أتى» في الركعة الاولى «وهل أتاك» في الثانية ، وهو المحكيّ عن فعل الرضا عليه‌السلام أيضاً ، على ما ذكره الصدوق في الفقيه ، وروى ذلك أيضاً في العيون عن رجاء (٤).

وتستحبّ قراءة الجمعة والمنافقين في صلاة الجمعة وظهرها على المشهور.

ويظهر من ابن بابويه وجوبهما في الظهر (٥) ، ونسب إلى أبي الصلاح أيضاً (٦) ، والسيّد على وجوبهما في الجمعة ، وأنّه لا يجزئ الإمام أنّ يقرأ بغير الجمعة

__________________

(١) فلاح السائل : ١٦ ، مستدرك الوسائل ٤ : ١٩٠ أبواب القراءة ب ١٩ ح ١.

(٢) الكافي ٣ : ٣١٥ ح ١٩ ، التهذيب ٢ : ٢٩٠ ح ١١٦٣ ، الوسائل ٤ : ٧٦٠ أبواب القراءة ب ٢٣ ح ١.

(٣) الغيبة للشيخ الطوسي : ٢٣١ ، الاحتجاج : ٤٨٢ ، الوسائل ٤ : ٧٦٠ أبواب القراءة ب ٢٣ ح ٦.

(٤) الفقيه ١ : ٢٠٠ ح ٩٢٢ ، عيون أخبار الرّضا (ع) ٢ : ١٨٢ ، الوسائل ٤ : ٧٩١ أبواب القراءة ب ٥٠ ح ١.

(٥) الفقيه ١ : ٢٠١.

(٦) كما في المختلف ٢ : ١٦٠.

٥٤٩

والمنافقين في صلاة الجمعة (١).

والأوّل أقوى ؛ لصحيحة محمّد بن مسلم المتقدّمة (٢) ، وصحيحة منصور بن حازم في معناها (٣).

وحسنة الحلبي المتقدّمة (٤).

ورواية أبي الصباح : «إذا كان ليلة الجمعة فاقرأ في المغرب سورة الجمعة ، وقل هو الله أحد ، وإذا كان في العشاء الآخرة ، فاقرأ سورة الجمعة ، وسبّح اسم ربك الأعلى ، فإذا كان صلاة الغداة يوم الجمعة فاقرأ سورة الجمعة ، وقل هو الله أحد ، فإذا كان صلاة الجمعة ، فاقرأ سورة الجمعة ، والمنافقين ، وإذا كان صلاة العصر يوم الجمعة ، فاقرأ سورة الجمعة ، وقل هو الله أحد» (٥).

وصحيحة حريز وربعي ، رَفَعاه إلى الباقر عليه‌السلام ، قال : «إن كانت ليلة الجمعة يستحبّ أن يقرأ في العتمة سورة الجمعة ، وإذا جاءك المنافقون ، وفي صلاة الصبح مثل ذلك ، وفي صلاة الجمعة مثل ذلك ، وفي صلاة العصر مثل ذلك» (٦) إلى غير ذلك من الأخبار (٧).

وهذه المذكورات تدلّ على رجحان قراءتهما في صلاة الجمعة ، ويدلّ على أنّ الأمر والتأكيد فيها وفي غيرها محمول على الاستحباب صحيحة عليّ بن يقطين :

__________________

(١) الانتصار : ٥٤.

(٢) الكافي ٣ : ٣١٣ ح ٤ ، التهذيب ٢ : ٩٥ ح ٣٥٤ ، وج ٣ : ٦ ح ١٥ ، الاستبصار ١ : ٤١٣ ح ١٥٨١ ، الوسائل ٤ : ٧٨٨ أبواب القراءة ب ٤٩ ح ١.

(٣) ثواب الأعمال : ١٤٦ ، الوسائل ٤ : ٧٩٠ أبواب القراءة ب ٤٩ ح ٨.

(٤) الكافي ٣ : ٤٢٥ ح ٥ ، التهذيب ٣ : ١٤ ح ٤٩ ، الاستبصار ١ : ٤١٦ ح ١٥٩٣ ، الوسائل ٤ : ٨١٩ أبواب القراءة ب ٧٣ ح ٣.

(٥) التهذيب ٣ : ٥ ح ١٣ ، الوسائل ٤ : ٧٨٩ أبواب القراءة ب ٤٩ ح ٤.

(٦) التهذيب ٣ : ٧ ح ١٨ ، الاستبصار ١ : ٤١٤ ح ١٥٨٥ ، الوسائل ٤ : ٧٨٩ أبواب القراءة ب ٤٩ ح ٣.

(٧) الوسائل ٤ : ٧٨٨ أبواب القراءة ب ٤٩.

٥٥٠

عن الرجل يقرأ في صلاة الجمعة بغير سورة الجمعة متعمّداً ، قال : «لا بأس بذلك» (١). وصحيحة سهل الأشعري (٢) ، وهي في معناها.

ورواية يحيى الأزرق ، قلت : رجل صلّى الجمعة ، فقرأ سبّح اسم ربك الأعلى ، وقل هو الله أحد ، قال : «أجزأه» (٣).

وصحيحة ابن سنان ، وقد نفى عليه‌السلام فيها البأس عن قراءة غيرهما إذا كان مستعجلاً (٤).

وتدلّ على استحبابهما في الظهر حسنة عمر بن يزيد : «من صلّى الجمعة بغير الجمعة والمنافقين ، أعاد الصلاة في سفر أو حضر» (٥) وحسنة الحلبي المتقدّمة (٦).

وعلى نفي الوجوب ، صحيحتا محمّد بن مسلم ومنصور المتقدّمتان (٧) ، ورواية عليّ بن يقطين : عن الجمعة في السفر ما أقرأ فيهما؟ قال : «اقرأ فيهما بقل هو الله أحد» (٨)

والتأكيدات والأمر بالإعادة محمول على تأكّد الاستحباب ، ترجيحاً لأدلّة المشهور ؛ لموافقتها للأُصول وعدم ثبوت ما يقاومها.

والأحوط عدم تركهما من دون عذر ، سيّما في صلاة الجمعة.

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٧ ح ١٩ ، الاستبصار ١ : ٤١٤ ح ١٥٨٦ ، الوسائل ٤ : ٨١٧ أبواب القراءة ب ٧١ ح ١.

(٢) التهذيب ٣ : ٧ ح ٢٠ ، الاستبصار ١ : ٤١٤ ح ١٥٨٧ ، الوسائل ٤ : ٨١٧ أبواب القراءة ب ٧١ ح ٤.

(٣) التهذيب ٣ : ٢٤٢ ح ٦٥٤ ، الاستبصار ١ : ٤١٥ ح ١٥٩٢ ، الوسائل ٤ : ٨١٨ أبواب القراءة ب ٧١ ح ٥.

(٤) التهذيب ٣ : ٢٤٢ ح ٦٥٣ ، الاستبصار ١ : ٤١٥ ح ١٥٩١ ، الوسائل ٤ : ٨١٧ أبواب القراءة ب ٧١ ح ٣.

(٥) الكافي ٣ : ٤٢٦ ح ٧ ، التهذيب ٣ : ٧ ح ٢١ ، الاستبصار ١ : ٤١٤ ح ١٥٨٨ ، الوسائل ٤ : ٨١٨ أبواب القراءة ب ٧٣ ح ٤.

(٦) الكافي ٣ : ٤٢٥ ح ٥ ، التهذيب ٣ : ١٤ ح ٤٩ ، الاستبصار ١ : ٤١٦ ح ١٥٩٣ ، الوسائل ٤ : ٨١٩ أبواب القراءة ب ٧٣ ح ٣.

(٧) في ص ٥٤٢.

(٨) الفقيه ١ : ٢٦٨ ح ١٢٢٤ ، التهذيب ٣ : ٨ ح ٢٣ ، الاستبصار ١ : ٤١٥ ح ١٥٩٠ ، الوسائل ٤ : ٨١٧ أبواب القراءة ب ٧١ ح ٢.

٥٥١

وتستحبان في العصر أيضاً ، للأخبار المتقدّمة.

وتستحبّ قراءة الجمعة والتوحيد في فجرها ؛ للأخبار المستفيضة ، منها ما تقدّم.

وفي الصحيح عن الحسين بن أبي حمزة قال ، قلت : لأبي عبد الله عليه‌السلام بما أقرأ في صلاة الفجر يوم الجمعة؟ فقال : «اقرأ في الأُولى بسورة الجمعة ، وفي الثانية بقل هو الله أحد» (١) وقيل : يقرأ المنافقين في الثانية (٢) ، وقد تقدّم ما يصلح مستنداً له.

وتستحبّ قراءة الجمعة والأعلى ليلة الجمعة في العشاءين عند الأكثر ، لرواية أبي بصير : «اقرأ في ليلة الجمعة الجمعة وسبّح اسم ربك الأعلى ، وفي الفجر سورة الجمعة وقل هو الله أحد» (٣) وفي معناها رواية ابن أبي نصر المنقولة عن قرب الإسناد (٤).

ولا يخفى أنّ أدلّة هذا المذهب كنفسه محتملة ، والظاهر أنّه يُحمل على استحباب كليهما في كليهما ، مع تقديم الجمعة في كليهما.

وقيل : يقرأ في ثانية المغرب قل هو الله أحد (٥). وتدلّ عليه رواية أبي الصباح (٦).

وبخصوص الجمعة ، وسبح اسم في عشائها أيضاً روايات (٧). وهو الذي نقله الصدوق عن أصحاب الرضا عليه‌السلام (٨) ، ورواه أيضاً في العيون (٩).

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٢٥ ح ٣ ، الوسائل ٤ : ٧٩٠ أبواب القراءة ب ٤٩ ح ١٠.

(٢) الانتصار : ٥٤.

(٣) الكافي ٣ : ٤٢٥ ح ٢ ، التهذيب ٣ : ٦ ح ١٤ ، الاستبصار ١ : ٤١٣ ح ١٥٨٢ ، الوسائل ٤ : ٧٨٨ أبواب القراءة ب ٤٩ ح ٢.

(٤) قرب الإسناد : ١٥٨ ، الوسائل ٤ : ٨١٦ أبواب القراءة ب ٧٠ ح ١١.

(٥) الاقتصاد : ٢٦٢.

(٦) المتقدّمة في ص ٥٥٠ ، وهي في التهذيب ٣ : ٥ ح ١٣ ، والوسائل ٤ : ٧٨٩ أبواب القراءة ب ٤٩ ح ٤.

(٧) التهذيب ٣ : ٥ ح ١٣ ، الوسائل ٤ : ٧٨٩ أبواب القراءة ب ٤٩ ح ٤.

(٨) الفقيه ١ : ٢٠٢ ح ٩٢٣ ، الوسائل ٤ : ٧٨٩ أبواب القراءة ب ٤٩ ح ٥.

(٩) عيون أخبار الرضا (ع) ٢ : ١٨٢ ، الوسائل ٤ : ٨١٦ أبواب القراءة ب ٧٠ ح ١٠.

٥٥٢

وقيل : يقرأ في عشائها بالجمعة والمنافقين (١) للمرفوعة المتقدّمة (٢).

ولعلّ البناء على الجمعة والتوحيد في المغرب ، والجمعة وسبّح اسم في العشاء ؛ كان أوجه ، وإلّا فالكلّ حسن إن شاء الله تعالى.

وتستحبّ قراءة التوحيد والجحد في المواضع السبعة ، ففي الحسن عن معاذ بن مسلم عن الصادق عليه‌السلام ، قال : «لا تدع أن تقرأ قل هو الله أحد وقل يا أيّها الكافرون في سبع مواطن : في الرّكعتين قبل الفجر ، وركعتي الزوال ، وركعتين بعد المغرب ، وركعتين في أوّل صلاة الليل ، وركعتي الإحرام ، والفجر إذا أصبحت بها ، وركعتي الطواف» (٣).

وقال الشيخ في التهذيب : وفي رواية اخرى : إنّه يقرأ في هذا كلّه بقل هو الله أحد ، وفي الثانية بقل يا أيّها الكافرون ، إلّا في الركعتين قبل الفجر ، فإنّه يبدأ بقل يا أيّها الكافرون ، ثمّ يقرأ في الثانية قل هو الله أحد (٤). والأولى العمل بهذا التفصيل.

__________________

(١) نقله عنه ابن أبي عقيل في المختلف ٢ : ١٥٧.

(٢) في ص ٥٥٠.

(٣) الكافي ٣ : ٣١٦ ح ٢٢ ، التهذيب ٢ : ٧٤ ح ٢٧٣ ، الخصال ٢ : ٣٤٧ ح ٢٠ ، الوسائل ٤ : ٧٥١ أبواب القراءة ب ١٥ ح ١.

(٤) التهذيب ٢ : ٧٤ ح ٢٧٤ ، الوسائل ٤ : ٧٥١ أبواب القراءة ب ١٥ ح ٢.

٥٥٣

المقصد الخامس

في الركوع

وفيه مباحث :

الأوّل : أجمع العلماء كافّة على وجوب الركوع في كلّ ركعة مرّة ، عدا صلاة الآيات فإنّه فيها خمس مرّات بالإجماع والنصوص (١). ويدلّ عليه الكتاب (٢) والسنة (٣).

وأيضاً هو (٤) ركن تبطل الصلاة بالإخلال به عمداً أو سهواً ، وكونه كذلك في الجملة مما لا خلاف فيه بين الأصحاب ، وتدلّ عليه الأخبار المستفيضة (٥) ، وسيأتي.

فلو سها عن الركوع ، وتذكّر قبل السجدة ، ولو هوى إلى الأرض يتداركه

__________________

(١) الوسائل ٥ : ١٤٩ أبواب صلاة الكسوف ب ٧.

(٢) الحجّ : ٧٧.

(٣) الوسائل ٤ : ٩٣١ أبواب الركوع ب ٩.

(٤) في «م» ، «ح» : أيضاً وهو.

(٥) الوسائل ٤ : ٩٣٣ أبواب الركوع ب ١٠.

٥٥٤

ويسجد ، وكأنّه ممّا لا خلاف فيه بين الأصحاب ، وقال في المدارك : إنّه مجمع عليه بين الأصحاب (١).

وتدلّ عليه مضافاً إلى الإطلاقات ، واشتغال الذمّة به ، مع تمكّن الإتيان به ، صحيحة ابن سنان إنّه قال : «إذا نسيت شيئاً من الصلاة ركوعاً أو سجوداً أو تكبيراً ، فاصنع الذي فاتك سهواً» (٢) خرج منه ما دلّ على بطلانها فيما إذا جاوز المحلّ ، وبقي الباقي.

وربّما يؤيّد ذلك بأنّ الشاكّ ، يرجع ما دام الوقت باقياً ، فالساهي أولى ، فتأمّل.

وهل يجب القيام ليركع عن قيام ، أم يكفي الانتصاب إلى حدّ الركوع؟ وجهان.

وقد يوجّه الأوّل بأنّ القيام المتّصل به ركن ، فلا بدّ من الإتيان به ، أو أنّ المتبادر من تدارك الركوع والإتيان به هو ذلك ، أو لأنّ الهويّ بقصد الركوع واجب. وقد نقله بعضهم عن غير واحدٍ من الأصحاب وتأمّل هو فيه (٣) ، ولا شكّ أن تحصيل البراءة اليقينيّة يقتضي الركوع من قيام ، فلا بد أن لا يترك هذا إذا كان السهو أوّلاً.

أما لو سها بعد الهويّ بقصد الركوع ، فالظاهر أنّه يقوم منحنياً إلى حدّ الركوع لو كان بلغ إلى حدّه سابقاً ، وإلّا فيقوم منتصباً بالمقدار المعلوم ويركع عنه.

ولو كان تحقّقت منه صورة الركوع قبل النسيان ، فالحكم بتدارك الطمأنينة والذكر في غاية الإشكال ، للزوم تعدّد الركن. والظاهر عدم الخلاف في عدم الرجوع كما سيجي‌ء.

وقد استشكل بعضهم أيضاً تدارك القيام لو نسي الانتصاب بعد إكمال الذكر (٤) ،

__________________

(١) المدارك ٤ : ٢٣٤.

(٢) الفقيه ١ : ٢٢٨ ح ١٠٠٧ ، التهذيب ٢ : ٣٥٠ ح ١٤٥٠ ، الوسائل ٥ : ٣٤١ أبواب الخلل ب ٢٦ ح ١.

(٣) الذخيرة : ٣٧١.

(٤) الذخيرة : ٣٧١.

٥٥٥

ووجوب تداركه لعلّه قويّ ، سيّما مع ملاحظة القول بركنيّته.

ولو تذكّر بعد السجود ، فالمشهور بين الأصحاب البطلان ، للزوم زيادة الركن لو تداركه ، ونقصانه لو لم يتدارك.

وقيل : يحذف السجدتين ويركع ويعيدهما ولا يعتدّ بالزيادة (١) ، واختاره الشيخ في المبسوط ، إلّا أنّه اقتصر في ذلك على الأخيرتين من الرباعيّة (٢) ، وهكذا قال في كتابي الأخبار أيضاً (٣).

وبناء الشيخ في ذلك على أن لا وهم في الأُوليين. وسيأتي بيان ذلك إن شاء الله ، وأنّ المراد الشك في العدد فيهما لا سائر الأحكام.

وهناك أقوال أُخر شاذة (٤) ، والأوّل أقرب.

لنا : ما ذكرنا من اللازم والإطلاقات ، وعدم حصول البراءة بذلك ، لعدم الجزم بحصول الهيئة المطلوبة ، وصحيحة رفاعة عن الصادق عليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل ينسى أن يركع حتّى يسجد ويقوم؟ قال : «يستقبل» (٥) ، ورواه في الكافي أيضاً في الحسن لإبراهيم (٦).

وفي صحيحة أبي بصير عنه بطريقين ، والراوي عنه في أحدهما صفوان ، قال :

__________________

(١) حكاه عن بعض أصحابنا في المبسوط ١ : ١١٩.

(٢) المبسوط ١ : ١١٩.

(٣) التهذيب ٢ : ١٤٩ ، الاستبصار ١ : ٣٥٦.

(٤) قال ابن الجنيد : لو صحّت له الاولى وسها في الثانية سهواً لا يمكنه استدراكه كأنّه أيقن وهو ساجد أنّه لم يكن يركع فأراد البناء على الركعة الأُولى الّتي صحّت له رجوت أن يجزئه ذلك ، ولو أعاد إذا كان في الأُوليين وكان الوقت متّسعاً كان أحبّ إليّ ، وفي الثانيتين ذلك يجزئه.

وقال عليّ بن بابويه : وإن نسيت الركوع بعد ما سجدت من الركعة الأُولى فأعد صلاتك ، لأنّه إذا لم تثبت لك الاولى لم تثبت لك صلاتك ، وإن كان الركوع من الرّكعة الثانية أو الثالثة فاحذف السجدتين ، واجعل الثالثة ثانية ، والرابعة ثالثة (انظر المختلف ٢ : ٣٦٣).

(٥) التهذيب ٢ : ١٤٨ ح ٥٨١ ، الاستبصار ١ : ٣٥٥ ح ١٣٤٤ ، الوسائل ٤ : ٩٣٣ أبواب الركوع ب ١٠ ح ١.

(٦) الكافي ٣ : ٣٤٨ ح ٢.

٥٥٦

«إذا أيقن الرجل أنّه ترك ركعة من الصلاة ، وقد سجد سجدتين وترك الركوع ؛ استأنف الصلاة» (١).

وصحيحة إسحاق بن عمّار : عن الرجل ينسى أن يركع ، قال : «يستقبل حتّى يضع كلّ شي‌ء من ذلك موضعه» (٢) خرج ما قبل إكمال السجود بدليل ، وبقي الباقي.

ورواية أبي بصير وفيها محمّد بن سنان عن الباقر عليه‌السلام : عن رجل نسي أن يركع ، قال : «عليه الإعادة» (٣) والتقريب ما مرّ.

وتدلّ على القول بالتلفيق صحيحة محمّد بن مسلم ، عن الباقر عليه‌السلام : في رجل شكّ بعد ما سجد أنّه لم يركع ، قال : «يمضي في صلاته حتّى يستيقن أنّه لم يركع ، فإن استيقن فليلق السجدتين اللتين لا ركعة لهما ، فيبني على صلاته على التمام ، وإن كان لم يستيقن إلّا بعد ما فرغ وانصرف فليتمّم الصلاة بركعة وسجدتين ولا شي‌ء عليه» (٤) وهو لا يدلّ على التفصيل الذي ذكره الشيخ.

وربما جمع بينه وبين الأخبار الأوّلة بالتخيير (٥) ، ولا وجه له ، لعدم مقاومتها لها مع كثرتها وتعاضدها بعمل الأصحاب والأُصول.

ولو تذكّره بعد الدخول في السجدتين وإن كان سجد وجلس بينهما فالأظهر أيضاً وجوب الإتيان بالركوع ، لعدم لزوم زيادة الركن ، ولشمول الإطلاقات والعمومات لذلك.

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٤٨ ح ٥٨٠ ، ٥٨٧ ، الاستبصار ١ : ٣٥٥ ح ١٣٤٣ ، ١٣٤٩ ، الوسائل ٤ : ٩٣٣ أبواب الركوع ب ١٠ ح ٣.

(٢) التهذيب ٢ : ١٤٩ ح ٥٨٣ ، الاستبصار ١ : ٣٥٦ ح ١٣٤٧ ، الوسائل ٤ : ٩٣٣ أبواب الركوع ب ١٠ ح ٢.

(٣) التهذيب ٢ : ١٤٩ ح ٥٨٤ ، الاستبصار ١ : ٣٥٦ ح ١٣٤٦ ، الوسائل ٤ : ٩٣٣ أبواب الركوع ب ١٠ ح ٤.

(٤) الفقيه ١ : ٢٢٨ ح ١٠٠٦ ، التهذيب ٢ : ١٤٩ ح ٥٨٥ ، الاستبصار ١ : ٣٥٦ ح ١٣٤٨ ، الوسائل ٤ : ٩٣٤ أبواب الركوع ب ١١ ح ٢ بتفاوت ، ففي المصادر : فليقم فليصلّ ركعة ، وسجدتين.

(٥) المدارك ٤ : ٢١٩.

٥٥٧

وأما إذا دخل في الثانية ، وتذكّر ولمّا يكمل ففيه إشكال ، ولعلّ البطلان أقوى ، التفاتاً إلى عدم مدخليّة النيّة في الرفع ، فتأمّل.

ولو زاده سهواً ، فتبطل الصلاة أيضاً ، قال في المدارك : وهو مذهب الأصحاب لا نعلم فيه مخالفاً (١).

ويدلّ عليه مضافاً إلى أنّه مغيّر للهيئة المطلوبة مانع عن تحصيل البراءة ، حسنة زرارة وبكير عن الباقر عليه‌السلام ، قال : «إذا استيقن أنّه زاد في الصلاة المكتوبة لم يعتدّ بها ، واستقبل صلاته استقبالاً» (٢).

وصحيحة أبي بصير عن الصادق عليه‌السلام ، قال : «من زادَ في صلاته فعليه الإعادة» (٣).

وصحيحة منصور عنه عليه‌السلام ، قال : سألته عن رجل صلّى فذكر أنّه زاد سجدة ، قال : «لا يعيد الصلاة من سجدة ، ويعيدها من ركعة» (٤) يظهر وجه الدلالة من مقابلة الركعة بالسجدة.

وموثّقة عبيد بن زرارة ، عن رجل شكّ فلم يدرِ أسجد ثنتين أم واحدة ؛ فسجد اخرى ثمّ استيقن أنّه زاد سجدة ، فقال : «لا والله ، لا تفسد الصلاة زيادة سجدة» وقال : «لا يعيد صلاته من سجدة ، ويعيدها من ركعة» (٥).

وأما لو شكّ في الركوع وهو قائم فيأتي به وبما بعده ، وإذا سجد فيمضي في الصلاة ، والصحاح بذلك كثيرة مستفيضة ، ففي صحيحة الحلبي قال ، قلت :

__________________

(١) المدارك ٤ : ٢٢٢.

(٢) التهذيب ٢ : ١٩٤ ح ٧٦٣ ، الاستبصار ١ : ٣٧٦ ح ١٤٢٨ ، وفي الوسائل ٥ : ٣٣٢ أبواب الخلل ب ١٩ ح ١ إذا استيقن أنّه زاد في صلاته المكتوبة ركعة لم يعتدّ بها.

(٣) الكافي ٣ : ٣٥٥ ح ٥ ، التهذيب ٢ : ١٩٤ ح ٧٦٤ ، الاستبصار ١ : ٣٧٦ ح ١٤٢٩ ، الوسائل ٥ : ٣٣٢ أبواب الخلل ب ١٩ ح ٢.

(٤) الفقيه ١ : ٢٢٨ ح ١٠٠٩ ، التهذيب ٢ : ١٥٦ ح ٦١٠ ، الوسائل ٤ : ٩٣٨ أبواب الركوع ب ١٤ ح ٢.

(٥) التهذيب ٢ : ١٥٦ ح ٦١١ ، الوسائل ٤ : ٩٣٨ أبواب الركوع ب ١٤ ح ٣.

٥٥٨

الرجل يشك وهو قائم ، فلا يدري أركع أم لم يركع ، قال : «فليركع» (١).

وصحيحته الأُخرى أيضاً : في الرجل لا يدري أركع أم لم يركع ، قال : «يركع» (٢)

ورواية أبي بصير وفي طريقها محمّد بن سنان ـ : «إن شكّ في الركوع بعد ما سجد ، فليمض ، وإن شكّ في السجود بعد ما قام فليمضِ ، كلّ شي‌ءٍ شكّ فيه مما قد جاوزه ودخل في غيره فليمض عليه» (٣).

وروى إسماعيل بن جابر في الحسن بمحمّد بن عيسى الأشعري مثلها (٤).

وصحيحة زرارة قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل شكّ في الأذان وقد دخل في الإقامة ، قال : «يمضي» قلت : رجل شكّ في الأذان والإقامة وقد كبّر ، قال : «يمضي» قلت : رجل شكّ في القراءة وقد ركع ، قال : «يمضي» قلت : شك في الركوع وقد سجد ، قال : «يمضي على صلاته» ثمّ قال : يا زرارة إذا خرجت من شي‌ء ثمّ دخلت في غيره فشكّك ليس بشي‌ء» (٥) إلى غير ذلك من الأخبار (٦).

وأما إذا شكّ فيه هاوياً إلى السجود ففيه وجهان : أظهرهما العدم ، لصدق الدخول في الغير ؛ المعتبر في الأخبار المعتبرة.

ولخصوص صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل أهوى إلى السجود فلم يدرِ أركع أم لم يركع ، قال : «قد ركع» (٧).

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٥٠ ح ٥٨٩ ، الاستبصار ١ : ٣٥٧ ح ١٣٥١ ، الوسائل ٤ : ٩٣٥ أبواب الركوع ب ١٢ ح ١.

(٢) التهذيب ٢ : ١٥٠ ح ٥٩١ ، الوسائل ٤ : ٩٣٦ أبواب الركوع ب ١٢ ح ٤.

(٣) الوافي ٨ : ٩٤٩ ح ١١.

(٤) التهذيب ٢ : ١٥٣ ح ٦٠٢ ، الاستبصار ١ : ٣٥٨ ح ١٣٥٩ ، الوسائل ٤ : ٩٣٧ أبواب الركوع ب ١٣ ح ٤.

(٥) التهذيب ٢ : ٣٥٢ ح ١٤٥٩ ، الوسائل ٥ : ٣٣٦ أبواب الخلل ب ٢٣ ح ١.

(٦) التهذيب ٢ : ٣٤٤ ح ١٤٢٦ ، الوسائل ٥ : ٣٣٦ أبواب الخلل ب ٢٣ ح ٣.

(٧) التهذيب ٢ : ١٥١ ح ٢٩٦ ، الاستبصار ١ : ٣٥٨ ح ١٣٥٨ ، الوسائل ٤ : ٩٣٧ أبواب الركوع ب ١٣ ح ٦.

٥٥٩

وقوّى العود الشهيد الثاني رحمه‌الله (١) ، وليس بشي‌ء ، وكأن نظره إلى أنّ الهويّ ليس من أفعال الصلاة ، بل هو من المقدّمات العقليّة للسجود.

والصحيحة المذكورة تدفعه ، مع أنّ الحكم بكونه مقدّمة محضة محلّ إشكال ، سيّما مع عموم لفظة غيره في كلام الإمام عليه‌السلام.

ولو شكّ في حال قوله «سمع الله لمن حمده» في حال القيام ففيه إشكال ، لأنّ موضعه بعد الرفع عن الركوع ، ولاحتمال ذكره قبل الهويّ إلى الركوع سهواً ، والأقوى الإتيان بالركوع لعدم الجزم بالخروج عن موضعه.

ولو شكّ في الركوع ، فأهوى إليه حتّى وصل إلى حدّ الركوع ، ثمّ تذكّر قبل الرفع ، فمختار أكثر المتأخّرين البطلان ، لأنّه تلزم منه زيادة الركوع (٢).

وذهب الكليني (٣) والشيخ (٤) والمرتضى (٥) إلى الصحّة ، وأنّه يرسل نفسه إلى السجود قبل الرفع.

وقد يوجّه بأنّه ليس بركوع وإن كان في صورته لتبيّن خلافه ، والهويّ إلى السجود مشتمل عليه وهو واجب ، فيتأدّى الهوي إلى السجود به ، فلا تتحقّق الزيادة حينئذٍ ، بخلاف ما لو ذكر بعد رفع رأسه من الركوع (٦) ، وهو كما ترى.

وربّما يقال : إنّ فهم إبطال مثل هذه الزيادة بهذا النحو غير متبادر من الإطلاقات ، ولم يثبت من الإجماع أيضاً ، وإنّه كان مأموراً به على

__________________

(١) المسالك ١ : ٢٩٣.

(٢) كفخر المحقّقين في الإيضاح ١ : ١٤٠ ، والفاضل المقداد في التنقيح الرائع ١ : ٢٦٠ ، والمحقّق الكركي في جامع المقاصد ٢ : ٤٨٩.

(٣) الكافي ٣ : ٣٦٠.

(٤) المبسوط ١ : ١٢٢.

(٥) جمل العلم (رسائل الشريف المرتضى) ٣ : ٣٦.

(٦) الذكرى : ٢٢٢.

٥٦٠