غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ٢

الميرزا أبو القاسم القمّي

غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ٢

المؤلف:

الميرزا أبو القاسم القمّي


المحقق: عباس تبريزيان
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-424-250-5
الصفحات: ٦٣١

أبي عبيدة المتقدّمتين في الجواز ، ومنها صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله (١) في العدم ، والأظهر الوجوب ، والأحوط عدم استماعها ، والسجود مع السماع ، بل والقضاء بعد الطهر.

وأما ستر العورة والطهارة من الخبث واستقبال القبلة ، فقال في البحار : إنّ ظاهر الأكثر أنّه لا خلاف في عدم اشتراطها ، ويظهر الخلاف فيها أيضاً من بعضهم ، والأقوى عدمه (٢) ، وهو كذلك ، للأصل ، والإطلاق.

وأما وضع غير الجبهة من أعضاء السجود ، وكذلك وضع الجبهة على ما يصحّ السجود عليه فاختلفوا فيه ، وليس للطرفين ما يُعتمد عليه ، والأصل مع العدم ، والاحتياط مع الاشتراط.

وفي كتاب دعائم الإسلام ، عن أبي جعفر محمّد بن عليّ عليه‌السلام ، أنّه قال : «إذا قرأت السجدة وأنت جالس فاسجد متوجّهاً إلى القبلة ، وإذا قرأتها وأنت راكب فاسجد حيث توجّهت ، فإنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يصلّي على راحلته وهو متوجّه إلى المدينة بعد انصرافه من مكة» يعني النافلة قال : «وفي ذلك قول الله تعالى (فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ) (٣)» (٤).

وفي تفسير العياشي ، عن حمّاد بن عثمان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن رجل يقرأ السجدة وهو على ظهر دابّته قال : «يسجد حيث توجّهت ، فإنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يصلّي على ناقته النافلة وهو مستقبل المدينة ، يقول (فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ)» (٥).

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٩٢ ح ١١٧٢ ، الاستبصار ١ : ٣٢٠ ح ١١٩٣ ، الوسائل ٢ : ٥٨٤ أبواب الحيض ب ٣٦ ح ٤.

(٢) بحار الأنوار ٨٢ : ١٧٧.

(٣) البقرة : ١١٥.

(٤) دعائم الإسلام ١ : ٢١٦.

(٥) علل الشرائع : ٣٥٨ ب ٧٦ ح ١ ، الوسائل ٤ : ٨٨٧ أبواب قراءة القرآن ب ٤٩ ح ١ بتفاوت.

٥٢١

وكيف كان فيجب وضع الجبهة على الأرض ، فلو تمكّن الراكب والماشي من ذلك وجب عليه ، وإلّا فيومئ كما صرّح به في المنتهي (١).

والمعروف من الأصحاب بل نقل إجماعهم في المدارك على أنّه ليس لها تكبير في الافتتاح ولا تشهّد ولا تسليم (٢).

نعم يستحب التكبير عند الرفع ، لصحيحة عبد الله بن سنان عن الصادق عليه‌السلام (٣) ، ويظهر من بعض الأصحاب وجوبه (٤) ، وهو أحوط.

ولا يجب الذكر فيها ، بل يستحبّ ، وقال الصدوق في الأمالي فيما وصفه من دين الإماميّة : وأما سجدة العزائم فيقال فيها : «لا إله إلّا الله حقّا حقّا ، لا إله إلّا الله إيماناً وتصديقاً ، لا إله إلّا إلا عبوديّة ورقّاً ، سجدت لك يا ربّ تعبّداً ورقّاً ، لا مستنكفاً ولا مستكبراً ، بل أنا عبد ذليل خائف مستجير» قال : ويكبّر إذا رفع رأسه (٥).

وفي صحيحة أبي عبيدة الحذّاء عن الصادق عليه‌السلام ، قال : «إذا قرأ أحدكم السجدة من العزائم فليقل في سجوده : سجدت لك تعبّداً ورقّاً ، لا مستكبراً عن عبادتك ، ولا مستنكفاً ، ولا مستعظماً ، بل أنا عبد ذليل خائف مستجير» (٦).

وفي بعض الروايات عن الصادق عليه‌السلام : «لا تكبّر إذا سجدت ، ولا إذا قمت ، وإذا سجدت قل ما تقول في السجود» ؛ (٧) وهو المنقول عن

__________________

(١) المنتهي ١ : ٢٨٧.

(٢) المدارك ٣ : ٤٢٠.

(٣) الكافي ٣ : ٣١٧ ح ١ ، التهذيب ٢ : ٢٩١ ح ١١٧٠ ، الوسائل ٤ : ٨٨٠ أبواب قراءة القرآن ب ٤٢ ح ١.

(٤) كالشيخ في الخلاف ١ : ٤٣٢ مسألة ١٨١ ، وابن سعيد في الجامع للشرائع : ٨٤ ، والشهيد في الذكرى : ٢١٤ ، والسبزواري في الكفاية : ٢٠.

(٥) أمالي الصدوق : ٥١٣.

(٦) الكافي ٣ : ٣٢٨ ح ٢٣ ، الوسائل ٤ : ٨٨٤ أبواب قراءة القرآن ب ٤٦ ح ١.

(٧) مستطرفات السرائر ٣ : ٦٠٥ ، الوسائل ٤ : ٨٨٤ أبواب قراءة القرآن ب ٤٦ ح ٣.

٥٢٢

ابن الجنيد (١) ، ووردت في الروايات أذكار أُخر (٢) ، والكلّ حسن.

والأحوط أن ينوي السجود حين الهويّ إليه ، وقيل : وقته عند وضع الجبهة (٣).

ثمّ إنّ وجوب السجدة فوري ، وادّعوا عليه الإجماع (٤) ، ويرجع في الفور إلى العُرف ، فإذا تخلّف عنه بعد الفراغ من الآية بما ينافيه كان إثما ويأتي به بعد ذلك كالحجّ ، كما يستفاد من صحيحة محمّد بن مسلم المتقدّمة في قراءة العزيمة في الفرائض. والأولى ترك نيّة القضاء والأداء ، وكذلك المستحبّ.

وتتعدّد السجدة بتعدّد السبب ، سواء تخلّلت السجدة فيها أم لا ، لأصالة عدم التداخل كما حقّقناه في مباحث الأغسال ، ولخصوص صحيحة محمّد بن مسلم المتقدّمة.

التاسع : يجوز العدول من سورة إلى أُخرى ، سوى التوحيد والجحد فإنّه يحرم العدول عنهما ، وادّعى عليه السيد الإجماع في الانتصار (٥) ، وقيل : يكره فيهما (٦) ، وليس بشي‌ء.

ولا فرق في الجواز فيما أراد أوّلاً العدول إليها ونسيه ، أو بدا له قراءتها في الأثناء. وربّما خصّ بالنّاسي ، ولا وجه له.

ويدلّ على مجموع ما قلنا روايات (٧) ، ففي صحيحة عمرو بن أبي نصر قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الرجل يقوم في الصلاة فيريد أن يقرأ سورة فيقرأ

__________________

(١) نقله عنه في المختلف ٢ : ١٦٥.

(٢) الوسائل ٤ : ٩٥١ أبواب السجود ب ٢.

(٣) جامع المقاصد ٢ : ٣١٥.

(٤) جامع المقاصد ٢ : ٣١٣.

(٥) الانتصار : ٤٤.

(٦) المعتبر ٢ : ١٩١ ، التذكرة ٣ : ١٥٠.

(٧) الوسائل ٤ : ٧٧٦ أبواب القراءة ب ٣٦.

٥٢٣

(قل هو الله أحد وقل يا أيّها الكافرون) فقال : «يرجع من كلّ سورة إلّا من (قل هو الله أحد وقل يا أيّها الكافرون) (١).

وفي صحيحة الحلبي على تردّد بسبب احتمال سقط في السند قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل قرأ في الغداة سورة قل هو الله أحد ، قال : «لا بأس ، ومن افتتح بسورة ثمّ بدا له أن يرجع في سورة غيرها فلا بأس ؛ إلّا قل هو الله أحد ، فلا يرجع منها إلى غيرها ، وكذلك قل يا أيّها الكافرون» (٢).

وموثّقة عبيد بن زرارة قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل أراد أن يقرأ في سورة فأخذ في أُخرى ، قال : «فليرجع إلى السورة الأُولى إلّا أن يقرأ بقل هو الله أحد» (٣).

وفي موثّقته الأُخرى عنه عليه‌السلام : في الرجل يريد أن يقرأ السورة فيقرأ غيرها ، فقال : «له أن يرجع ما بينه وبين أن يقرأ ثلثيها» (٤).

ثمّ إنّ الأصحاب اختلفوا في موضع جواز العدول ، فقيل : ما لم يتجاوز النصف (٥) ، وقيل : ما لم يبلغه (٦) ، وليس في هذه الأخبار ما يدلّ صريحاً على هذا التفصيل ، بل هي كما ترى مطلقة ، والموثّق المتقدّم لا يدلّ على واحدٍ منهما.

نعم روى الشهيد في الذكرى ، عن كتاب البزنطي ، عن أبي العباس : في الرجل يريد أن يقرأ السورة فيقرأ أُخرى ، قال : «يرجع إلى التي يريد وإن بلغ النصف» (٧).

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣١٧ ح ٢٥ ، التهذيب ٢ : ٢٩٠ ح ١١٦٦ ، وص ١٩٠ ح ٧٥٢ ، الوسائل ٤ : ٧٧٥ أبواب القراءة ب ٣٥ ح ١.

(٢) التهذيب ٢ : ١٩٠ ح ٧٥٣ ، الوسائل ٤ : ٧٧٥ أبواب القراءة ب ٣٥ ح ٢.

(٣) التهذيب ٣ : ٢٤٢ ح ٦٥١ ، الوسائل ٤ : ٨١٤ أبواب القراءة ب ٦٩ ح ٣.

(٤) التهذيب ٢ : ٢٩٣ ح ١١٨٠ ، الوسائل ٤ : ٧٧٦ أبواب القراءة ب ٣٦ ح ٢.

(٥) المبسوط ١ : ١٠٧ ، المعتبر ٢ : ١٩١ ، المنتهي ١ : ٢٨٠ ، الذكرى : ١٩٥.

(٦) السرائر ١ : ٢٢٢ ، الدروس ١ : ١٧٣ ، ونقله عن ابن الجنيد في الذكرى : ١٩٥.

(٧) الذكرى : ١٩٥ ، الوسائل ٤ : ٧٧٦ أبواب القراءة ب ٣٦ ح ٣.

٥٢٤

وفي قرب الإسناد ، عن عليّ بن جعفر ، عن أخيه عليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل أراد سورة فقرأ غيرها ، هل يصلح له أن يقرأ نصفها ثمّ يرجع إلى السورة التي أراد؟ قال : «نعم ما لو لم يكن قل هو الله أحد وقل يا أيّها الكافرون» (١).

وتشعر عبارة الفقه الرضوي عليه‌السلام الاتية بمانعيّة قراءة النصف أيضاً عن العدول في الجملة (٢).

وقد يوجّه ذلك بأنّه أشبه بالقران ، وأنّه يتحقّق بسورة وبمعظم اخرى.

وفيه تأمّل ، ولعلّه يمكن أن يقال : إنّ المعهود من السورة في الصلاة والقدر اليقينيّ المعتبر في كونها قراءة عقيب الحمد هو سورة كاملة لا غير ، فالزيادة خروج عن الأصل ، وتقتصر فيه على موضع اليقين ، والذي يظهر من أكثر الأخبار هو الرجوع حين الافتتاح وحين الأخذ ، وأمثال ذلك ، وكذلك يظهر ذلك من لفظ الرجوع ، فإنّ الرجوع عن القراءة حقيقة في الرجوع عن مجموعها ، ولما تعذّرت الحقيقة بعد الافتتاح فيحمل على أقرب المجازات ، وهو ما كان الرجوع دون النصف ، ليبقى أزيد منه ، فالذي يثبت من تلك الإطلاقات وينساق منها إلى الذهن هو ذلك ، والزائد خلاف الأصل ؛ فتأمّل.

وقد يوجّه بتوجيهات لا طائل تحتها ، ولعلّه كان إجماعيّاً بينهم ، ولم يظهر لنا بعد.

وبالجملة الاحتياط يقتضي عدم التجاوز عن النصف بل ولا يبلغه.

ثمّ إنّ حرمة العدول عن الجحد والتوحيد أيضاً مخصّص بالعدول إلى الجمعة والمنافقين في ظهر الجمعة وصلاتها ما لم يتجاوز النصف أو لم يبلغه على المشهور بين الأصحاب.

__________________

(١) قرب الإسناد : ٩٥ ، مسائل عليّ بن جعفر : ١٦٤ ح ٢٦٠ ، الوسائل ٤ : ٧٧٦ أبواب القراءة ب ٣٥ ح ٣.

(٢) فقه الرضا (ع) : ١٣٠.

٥٢٥

وخالف في ذلك المحقّق ، حيث لم يجوّز العدول فيهما (١) ، وهو ظاهر المرتضى حيث ادّعى الإجماع ولم يستثن (٢).

والأقرب قول المشهور ، للروايات المعتبرة ، مثل صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «إذا افتتحت صلاتك بقل هو الله أحد وأنت تريد أن تقرأ غيرها فامض فيها ولا ترجع ، إلّا أن تكون في يوم الجمعة فإنّك ترجع إلى الجمعة والمنافقين منها» (٣).

وصحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام : في الرجل يريد أن يقرأ سورة الجمعة في الجمعة ؛ فيقرأ قل هو الله أحد ، قال : «يرجع إلى سورة الجمعة» (٤).

وموثّقة عبيد بن زرارة قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل صلّى الجمعة فأراد أن يقرأ سورة الجمعة فقرأ قل هو الله أحد ، قال : «يعود إلى سورة الجمعة» (٥).

وقال بعض المتأخّرين : هذه الأخبار إنّما تدلّ على جواز العدول لمن أراد سورة الجمعة ، وأما من اثر التوحيد والجحد على الجمعة فلا يثبت حكمه من هذه الأخبار (٦) ، وهو كذلك ، إلّا أن يقال بعدم القول بالفصل. ويمكن الاستدلال بعموم رواية قرب الإسناد (٧).

__________________

(١) الشرائع ١ : ٨٩.

(٢) الانتصار : ٤٤.

(٣) التهذيب ٣ : ٢٤٣ ح ٦٥٠ ، الوسائل ٤ : ٨١٤ أبواب القراءة ب ٦٩ ح ٢.

(٤) الكافي ٣ : ٤٢٦ ح ٦ ، التهذيب ٣ : ٢٤١ ح ٦٤٩ ، وص ٢٤٢ ح ٦٥٢ ، الوسائل ٤ : ٨١٤ أبواب القراءة ب ٦٩ ح ١.

(٥) التهذيب ٣ : ٢٤٢ ح ٦٥١ ، الوسائل ٤ : ٨١٤ أبواب القراءة ب ٦٩ ح ٣.

(٦) الشرائع ١ : ٨٩ ، المسالك ١ : ٢٤٩.

(٧) تقدّمت ، وهي في قرب الإسناد : ٩٥ ، ومسائل عليّ بن جعفر : ١٦٤ ح ٢٦٠ ، والوسائل ٤ : ٧٧٦ أبواب القراءة ب ٣٥ ح ٣.

٥٢٦

وبعضهم خصّص الحكم بالناسي (١) وصحيحة الحلبي تدفعه ، لأنّ الظاهر أنّ المراد بـ «أنت تريد» أي حال الافتتاح أو بعد الافتتاح ، لأنّه أقرب المجازات ، وكذلك رواية قرب الإسناد الاتية (٢).

والكلام في اعتبار النصف والتجاوز منه نظير ما تقدّم.

وفي الفقه الرضوي : «وتقرأ في صلاتك كلّها يوم الجمعة وليلة الجمعة سورة الجمعة والمنافقين وسبّح اسم ربّك الأعلى ، وإن نسيتها أو في واحدة منها فلا إعادة عليك ، فإن ذكرتها من قبل أن تقرأ نصف سورة فارجع إلى سورة الجمعة ، وإن لم تذكرها إلّا بعد ما قرأت نصف سورة فامضِ في صلاتك» (٣).

ثمّ إنّ ما ذكرنا من التعميم بالنسبة إلى ظُهر الجمعة وصلاتها لعلّه يُستفاد من الأخبار ، وقد يقال بكون الجمعة مشتركاً معنويّاً بينهما (٤) ، وهو غير ظاهر ، لأنّ إطلاق لفظ الجمعة على ظُهرها وإن ورد في الأخبار ، لكن الاستعمال أعمّ من الحقيقية ، بل هو مجاز.

نعم المذكور في كثيرٍ منها يوم الجمعة ، وهو أعمّ من صلاتها.

وإخراج سائر أوقاتها من جهة عدم الفهم من ذلك ، سيّما بملاحظة تخصيص الحكم في كثير منها بلفظ الجمعة ، وهو ظاهر بل صريح في خروج سائر الأوقات.

ولعلّ عدم الفرق بينهما يكون مما لا خلاف فيه كما يظهر من بعضهم (٥).

وبعضهم عمّم بالنّسبة إلى العصر (٦) ، وبعضهم إلى الأوقات الخمسة (٧) ،

__________________

(١) كالكركي في جامع المقاصد ٢ : ٢٨٠ ، والشهيد في روض الجنان : ٢٧٠.

(٢) في ص ٥٢٨ ، وهي في قرب الإسناد : ٩٧ ، والوسائل ٤ : ٨١٤ أبواب القراءة ب ٦٩ ح ٤.

(٣) فقه الرضا (ع) : ١٣٠.

(٤) بحار الأنوار ٨٢ : ١٨.

(٥) كالمحقّق الكركي في جامع المقاصد ٢ : ٢٨٠ ، والشهيد الثاني في روض الجنان : ٢٧٠.

(٦) التذكرة ٣ : ١٥٠.

(٧) نقله عن الجعفي في الذكرى : ١٩٥.

٥٢٧

وهو مشكل ، لضعف دلالة يوم الجمعة مع ما ذكرنا على ذلك ، سيّما مع قوّة عمومات التحريم ، وكون العدول خلاف الأصل.

ثمّ اعلم أنّ المذكور في الأخبار المذكورة هو التوحيد ، ولعلّ الجحد يثبت حكمه بعدم القول بالفصل ، بل وربّما تدّعى الأولوية (١) ، وفيه تأمّل.

نعم روى في قُرب الإسناد ، عن عليّ بن جعفر ، عن أخيه عليه‌السلام ، قال : سألته عن القراءة في الجمعة بما يقرأ؟ قال : «بسورة الجمعة ، وإذا جاءك المنافقون ، وإن أخذت في غيرهما وإن كان قل هو الله أحد فاقطعها من أوّلها وارجع إليها» (٢) ودلالتها على المطلوب واضحة ، مع اعتضادها بالشهرة بين القدماء والمتأخّرين.

ثمّ اعلم أنّ الأصحاب صرّحوا بجواز العدول إذا تعسّر إتمام السورة أو نسي ، وهو كذلك ، فروى معاوية بن عمّار في الصحيح عن الصادق عليه‌السلام ، قال : «من غلط في سورة فليقرأ قل هو الله أحد ثمّ ليركع» (٣) وتعيين قل هو الله أحد محمول على الاستحباب ، لعدم قائل به.

تتميم :

الذي يقوى في نفسي أنّه لا ضرورة إلى قصد تعيين السورة المخصوصة قبلها ، فلو قام إلى الصلاة وقرأ الحمد وسورة صحّ ؛ سواء جرى بلسانه بعد الحمد ذاهلاً أو قصدها حين الشروع فيها ، وسواء كان قَصَدَ قبل الشروع فيها قراءة سورة مطلقة أو شرع بلا قصد ذلك أيضاً ، للإطلاقات ، وصدق الامتثال.

وأما لو قصد سورة مخصوصة فسها فقرأ اخرى قاصداً لها أو ذاهلاً ولا عن قصد ، فظاهر الحكم بجواز العدول دون الوجوب كما يستفاد من أكثر أخبار العدول

__________________

(١) المدارك ٤ : ٨٨.

(٢) قرب الإسناد : ٩٧ الوسائل ٤ : ٨١٤ أبواب القراءة ب ٦٩ ح ٤.

(٣) التهذيب ٢ : ٢٩٥ ح ١١٨٧ ، الوسائل ٤ : ٧٨٣ أبواب القراءة ب ٤٣ ح ١.

٥٢٨

المطلق بالنّسبة إلى القصد والذهول في قراءة المعدول عنها ومن كلام الأصحاب الصحّة.

وكذلك تقتضيه الإطلاقات وصحيحة الحلبي : في الرجل يقرأ في المكتوبة نصف السورة ، ثم ينسى فيأخذ في أُخرى حتّى يفرغ منها ، ثم يذكر قبل أن يركع ، قال : «يركع ولا يضرّه» (١).

وأما لو قصد ترك سورةٍ فقرأها سهواً أو ذاهلاً فقد يُتوهّم أنّه لا يصحّ ؛ لعدم إتيان هذه السورة بنيّة التقرّب.

وفيه ما لا يخفى ، إذ عدم قصد التقرّب بالسورة في الان السابق لا ينافي التقرّب بها في الان اللاحق ، فإنّ الداعي على فعلها حينئذٍ هو التقرّب إلى الله ، فليس السورة حينئذٍ خالية عن قصد التقرّب. وإطلاق الصحيحة المتقدّمة أيضاً يحقّق الصحّة. واعلم أنّ الاعتياد على السورة بحيث تجري على لسانه بلا قصد ، أو تعيّنها عليه بنذر وشبهه ، أو كونها معيّنةً في موضع كالحمد يقوم مقام القصد إليه ، فيكون الأمر فيها على ما اخترناه أظهر.

وهل يشترط القصد في تعيين البسملة في أوّل السورة أم لا؟ وحينئذٍ فإذا عدل عن السورة إلى الأُخرى فهل تجب إعادة البسملة أم لا؟.

ذهب جماعة من الأصحاب إلى وجوب الإعادة ، لصيرورتها بقصد تلك السورة جزأها ، فحينئذٍ لا يصير جزءاً لسورة أُخرى ، فبدون الإعادة لا تتمّ السورة (٢).

ومنعه بعض المحقّقين ، حيث قال : إنّا لا نسلّم أنّ للنيّة مدخلاً في صيرورة

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٩٠ ح ٧٥٤ ، الوسائل ٤ : ٧٧٦ أبواب القراءة ب ٣٦ ح ٤.

(٢) التحرير ١ : ٣٨ ، إرشاد الأذهان ١ : ٢٥٤ ، التذكرة ٣ : ١٥٠ ، الذكرى : ١٩٥.

٥٢٩

البسملة جزءاً (١).

ولو قرأ البسملة بعد الحمد غير قاصد لسورة ، أو قصد سورة ولم يشرع فيها ، فهل يصحّ الاكتفاء به بعد قصد سورة معيّنة أم لا؟ ظاهر بعض الأصحاب أنّه يكتفى (٢).

والحقّ عدم الاكتفاء في المقامين ، وأنّه يجب القصد إلى تعيين البسملة سواء قلنا بأنّها جزء من السورة كما هو المختار أو واجب على حدة.

أما الأوّل فلأنّ الامتثال لا يتمّ إلّا بالنيّة والقصد ، وحيث كان القصد مميّزاً للفعل فيجب ، لحصول الامتثال ، فإذا اشترك جزء السورة بين سور مختلفة فلا يتمّ الامتثال إلّا بقصد التعيين.

فلنمثّل لك بمثال ليتّضح الأمر : وهو أنّا إذا قرأنا في الصلاة سورة الفرقان مثلاً ، فإذا بلغنا إلى قوله تعالى (الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنّا عَذابَ جَهَنَّمَ) (٣) إلى أخره فقلنا بقصد الدعاء بعد قوله تعالى (يَقُولُونَ) رَبّنا اصرف عنّا عذاب جهنّم إنّ عذابها كان غراماً ، لأجل استحباب التعوّذ من النار حيث ما تُذكر في القرآن ، ونسينا التكلّم به أوّلاً من جهة قراءة القرآن ، فهل يحسب هذا الكلام بعد التذكّر من القراءة ويجوز الاكتفاء به ، أو تجب الإعادة؟ فلا ريب أنّ هذا الكلام مشترك بين الدعاء والقران ، ولا تميّز إلّا بالقصد ، وبدونه لا يحصل الامتثال عُرفاً ، وكذلك إذا اشترك اللفظ بين سورتين.

وأما الثاني : فلأنّه حينئذٍ يصير من باب الاستعاذة ، ولا ريب أنّا مأمورون بذكر بسم الله الرحمن الرحيم في أوّل كلّ سورة ، ولا يحصل الامتثال إلّا بقصد الامتثال ، والامتثال هو موافقة الأمر ، وكلّ أمرٍ يقتضي امتثالاً ، إذ الأصل عدم التداخل كما حقّقناه في كتاب الطهارة.

__________________

(١) الذخيرة : ٢٨١.

(٢) الذخيرة : ٢٨١.

(٣) الفرقان : ٦٥.

٥٣٠

وقياس ما نحن فيه بما لو كتب كاتب «بسم الله الرحمن الرحيم» بقصد سورة ، ثمّ كتب بعده سورة أُخرى والقول بأنّه يقال له في العرف «أنّه كتب سورة تامّة» باطل ، للفرق الواضح بين المقامين ، لأنّ المقصود هنا النقش ، وثمّة التكلّم ، وهو مأمور به.

نعم إذا أمرنا الشارع بكتابة سورة ؛ وعلمنا أنّ مراده ليس مجرّد النقش ، بل ما نقرأه في الصلاة ، فلا يبعد القول بعدم الامتثال حينئذٍ أيضاً. وكذلك لو كان لمصاحبة بعض السور خاصيّة ، فلا يكتفى فيه بالبسملة المقصودة بها غيرها. ومما ذكرنا لعلّه يظهر حال أوائل السور المشتركة بين سور ، كحم والم والحمد لله وغيرها.

العاشر : المشهور بين الأصحاب وجوب الجهر بالحمد والسورة في الصبح ، وفي الأُوليين من المغرب والعشاء ؛ والإخفات في الظهرين وتتمّة المغرب والعشاء وادّعى عليه الشيخ الإجماع (١) ، وكذا ابن زهرة (٢) ، والسيّد رحمه‌الله على أنّه من السنن الأكيدة (٣).

ونقل الاستحباب عن ابن الجنيد أيضاً (٤).

والأوّل أقرب ، للإجماع المتقدّم ، ولصحيحة زرارة عن الباقر عليه‌السلام قال ، قلت له : رجل جهر بالقراءة فيما لا ينبغي أن يجهر فيه ، أو أخفى فيما لا ينبغي الإخفات فيه ، فقال : «أيّ ذلك فعل متعمّداً فقد نقض صلاته ، وعليه الإعادة ، وإن فعل ذلك ناسياً أو ساهياً أو لا يدري فلا شي‌ء عليه ، فقد تمّت صلاته» (٥).

__________________

(١) الخلاف ١ : ٣٧١ مسألة ١٣٠.

(٢) الغنية (الجوامع الفقهيّة) : ٥٥٨.

(٣) نقله عنه في المعتبر ٢ : ١٧٦ ، والمختلف ٢ : ١٥٣.

(٤) نقله في المعتبر ٢ : ١٧٦.

(٥) الفقيه ١ : ٢٢٧ ح ١٠٠٣ ، التهذيب ٢ : ١٦٢ ح ٦٣٥ ، الاستبصار ١ : ٣١٣ ح ١١٦٣ ، الوسائل ٤ : ٧٦٦ أبواب القراءة ب ٢٦ ح ١.

٥٣١

وصحيحته الأُخرى عنه عليه‌السلام ، قلت : رجل جهر فيما لا ينبغي الجهر فيه ، وأخفى فيما لا ينبغي الإخفات فيه ، وترك القراءة فيما ينبغي القراءة فيه ، فقال : «أيّ ذلك فعل ناسياً فلا شي‌ء عليه» (١).

وما رواه الصدوق ، عن الفضل بن شاذان في علّة الجهر والإخفات ، عن الرضا عليه‌السلام : «علّة الجهر في صلاة الجمعة والمغرب العلّة التي جُعل من أجلها الجهر في بعض الصلوات دون بعض ؛ أنّ الصلاة التي يجهر فيها إنّما هي في أوقات مُظلمة ، فوجب أن يجهر فيها ليعلم المارّ أنّ هناك جماعة» (٢) وفي معناها رواية أُخرى في هذا المقام (٣).

وفي صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج : «وأما الصلاة التي تجهر فيها فإنّما أُمر بالجهر لينصت من خلفه ، فإن سمعت فأنصت ، وإن لم تسمع فاقرأ» (٤).

والمؤيّدات والمقرّبات لهذا المطلب في الأخبار من الكثرة بمكان ؛ فلاحظ وتأمّل.

ويدلّ عليه أيضاً : استمرار تلك الطريقة في زمن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمّة ، والتزامهم إيّاها بحيث لا يجوّزون تركها.

واستدلّ الخصم بصحيحة عليّ بن جعفر ، عن أخيه موسى عليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يصلّي من الفرائض ما يجهر فيه بالقراءة ، هل عليه أن لا يجهر؟ قال : «إن شاء جهر ، وإن شاء لم يجهر» (٥).

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٤٧ ح ٥٧٧ ، الوسائل ٤ : ٧٦٦ أبواب القراءة ب ٢٦ ح ٢.

(٢) علل الشرائع : ٢٦٣ ب ١٨٢ ح ٩ ، عيون أخبار الرضا (ع) ٢ : ١٠٩ ، الوسائل ٤ : ٧٦٤ أبواب القراءة ب ٢٥ ح ١.

(٣) الفقيه ١ : ٢٠٢ ح ٩٢٥ ، علل الشرائع : ٣٢٢ ب ١٢ ح ١ ، الوسائل ٤ : ٧٦٤ أبواب القراءة ب ٢٥ ح ٢.

(٤) الكافي ٣ : ٣٧٧ ح ١ ، التهذيب ٣ : ٣٢ ح ١١٤ ، الاستبصار ١ : ٤٢٧ ح ١٦٤٩ ، علل الشرائع : ٣٢٥ ح ١ ، الوسائل ٥ : ٤٢٢ أبواب صلاة الجماعة ب ٣١ ح ٥.

(٥) التهذيب ٢ : ١٦٢ ح ٦٣٦ ، الاستبصار ١ : ٣١٣ ح ١١٤٦ ، قرب الإسناد : ٩٤ ، مسائل علي بن جعفر : ٢٣٧.

٥٣٢

وبقوله تعالى (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً) (١) إذ المراد ليس نفي الحقيقة ، للزوم المحال ، فالمراد الجهر العالي والإخفات الذي يكون بحيث لا تسمع الاذن كما يظهر من الأخبار (٢) ، وهذا القدر مشترك بين الجهر والإخفات ، ويثبت حكمهما في الصلوات كلّها للإطلاق.

وقد يؤيّد أيضاً بصحيحة محمّد بن مسلم عن الباقر عليه‌السلام : عن الذي لا يقرأ فاتحة الكتاب في صلاته ، قال : «لا صلاة له ، إلّا أن يقرأ بها في جهر أو إخفات» (٣).

والجواب عن الأُولى : أنّها محمولة على التقيّة ، لموافقتها لمذهب العامّة ، كما ذكره الشيخ رحمه‌الله (٤).

وأما ما يقال من أنّه تحكّم منه ، لوجود القائل به من أصحابنا ؛ فليس بشي‌ء ، لأنّه لا يلزم في الحمل على التقيّة أن يكون الحكم إجماعيّاً عند الأصحاب حتى يحمل خلافه على التقيّة.

وما حمله رحمه‌الله حمل واضح ، سيّما مع ملاحظة أنّ خبر القول الثاني عن الكاظم عليه‌السلام ، والأوّلة (٥) عن الباقر عليه‌السلام ، وهو أبعد من التقيّة كما هو معلوم من حالهما.

وأما الآية فغاية الأمر أنّه يثبت وجوب ابتغاء الأواسط ، فيكون اختيار أفراد الأواسط وجوباً تخييريّاً ، ودلالتها على ذلك بالنسبة إلى الصلوات (٦) كلّها

__________________

(١) الإسراء : ١١٠.

(٢) الوسائل ٤ : ٧٧٣ أبواب القراءة ب ٣٣.

(٣) التهذيب ٢ : ١٤٦ ح ٥٧٣ ، الاستبصار ١ : ٣١٠ ح ١١٥٢ ، الوسائل ٤ : ٧٦٧ أبواب القراءة ب ٢٧ ح ٤.

(٤) التهذيب ٢ : ١٦٢ ذ. ح ٦٣٦.

(٥) في «ص» : وأوله ، وفي «ح» : وأما قوله. وعلى أي حال المراد : روايات القول الأول.

(٦) في «م» : الصلاة.

٥٣٣

متساوية ، فحاصلها أنّه يُعمل بالأواسط في كلّ الصلوات (١) وجوباً بعنوان التخيير ، وذلك ينفي القول باستحباب الجهر فيما يُجهر فيه ، والإخفات فيما يُخافت فيه ، بل الكلّ في ذلك سواء ، وإنّما المدار في التفرقة حينئذٍ على الخارج ، والذي وجد في الخارج هو اتّفاق الأصحاب على التفصيل المذكور في مطلق الرجحان ، فيؤول الكلام إلى دعوى أنّ الرجحان هل هو بعنوان الوجوب أو الاستحباب ، فالخصم ينفي الزيادة بالأصل ، لإنكار الإجماع على أزيد من مطلق الرجحان ، ونحن نثبته بالأدلّة التي ذكرناها ، والمعارض لا يقاومها ، لأكثريّتها ، وأشهريّتها ، واعتضادها بالعمل والإجماع ومخالفة العامّة إلى غير ذلك من المرجّحات.

وحاصل التحقيق : أنّ مبنى الخصم إما على أنّ الآية مسبوقة بتعيّن الجهر والإخفات في مواضعهما ورجحانهما بالأدلّة الخارجيّة أولا.

أما على الأوّل فلا يخفى أنّه لا يصحّ حينئذٍ بناء الآية على التحديد الجديد ، بل يكون مُعاضداً للبناء السابق ، وحينئذٍ فيجب حملها على ما يناسب المقامين.

فالمراد حينئذٍ والله أعلم : لا بدّ أن يكون غاية ؛ لا يجهر غاية الجهر ، أي فيما يجهر به ، فإنّه لا مجال للإخفات فيه ، لكونه خلاف المبنيّ عليه ، ولا تخافت غاية الإخفات بحيث لا تسمع نفسك فيما تخافت فيه ، لأنّه لا مجال للجهر فيما يخافت فيه لما ذكرنا ، فحينئذٍ تكون الآية لتحديد حال كلّ من المقامين ، لا لتحديد أصل الحكم ، فافهم.

وكأن ما ذكرنا هو الظاهر من الآية ، وحينئذٍ لا دلالة في الآية على المطلوب. ويرجع الكلام في النزاع في أصل التحديد والترجيح معنًى كما ذكرنا.

وأما على الثاني ؛ فمع تسليم ذلك وأنّ الظاهر ليس كما ذكرنا فيخصّص عموم الآية ويقيّد مطلقها بما ذكرنا من الأدلّة ، فإنّ الصلاة في الآية مطلقة ،

__________________

(١) في «م» : الصلاة.

٥٣٤

وكذلك السبيل.

فهذه الأدلّة قرينة على أنّه ليس المراد أنّك ابتغ في أيّ صلاة أردت أيّ سبيل شئت من سبل الأواسط ، بل ابتغِ في كلّ صلاة مخصوصة منها سبيلاً مخصوصاً من الأواسط.

وتظهر تلك الخصوصيات من إجماع الأصحاب والأخبار والأدلّة الّتي ذكرنا وبعنوان الوجوب أيضاً موافقةً للاية ، إذ تخصيص القرآن وتقييده بمثل هذا الخبر الواحد المعتضد بما ذكرنا لا مجال للتأمّل في جوازه.

والموافقة للكتاب وإن كانت من المرجّحات ، لكن هذه الموافقة المجملة سيّما مع وجود أقوى منها من المرجّحات ما هو من الكثرة بمكان للمذهب المنصور لا يُعتمد عليها.

بل لعلّه يمكن أن نقول : إنّ تلك الأدلّة مبيّنة لمجمل (١) الآية ، وبيان الآية بالنصّ والإجماع أيضاً كأنّه مما لا خلاف فيه.

وبالجملة فالترجيح مع وجوب التفصيل. وفي هذا المقام أبحاث أُخر طويناها على غرّها تركاً للإكثار.

ويظهر من جماعة من الأصحاب أنّ الجهر أن يُسمع غيره القريب تحقيقاً أو تقديراً. والإخفات أن يسمع نفسه كذلك ، وادّعى الفاضلان على ذلك الإجماع (٢).

ويظهر من جماعة منهم مع ذلك اعتبار صدق العُرف وظهور جوهر الصوت في الإخفات ، فرُبّ إخفاتٍ يُسمع القريب ، وربّ جهرٍ لا يَسمعه (٣) ، وهو المعتمد.

__________________

(١) في «ح» : لمحمل.

(٢) المحقّق في المعتبر ٢ : ١٧٧ ، والعلامة في التذكرة ٣ : ١٠٤ ، وانظر التحرير ١ : ٣٩ ، والقواعد ١ : ٢٧٣ ، والذكرى : ١٩٠.

(٣) جامع المقاصد ٢ : ٢٦٠ ، الروضة البهيّة ١ : ٦٠٠ ، المسالك ١ : ٢٠٦.

٥٣٥

ويدلّ على اعتبار إسماع نفسه في الإخفات مضافاً إلى عدم صدق الإخفات عُرفاً باعتبار عدم صدق الكلام ظاهراً ؛ ظاهر الآية ، بناءً على التفسير المستفاد من الأخبار ، ويظهر من بعض الأخبار أيضاً (١).

والذي يقوى في نفسي هو اعتبار الأمرين معاً ، أما اعتبار العرف فظاهر ، وأما اعتبار الإسماع فللإجماع الذي نقله الفاضلان ، ولاستصحاب شغل الذمّة.

وما ورد في بعض الأخبار الصحيحة وغيرها «من جواز الاكتفاء بمثل حديث النفس وبأن يتحرّك لسانه في لهواته من غير أن يسمع نفسه» (٢) فقد حملها الشيخ على من يصلّي خلف من لا يُقتدى به (٣) ، وهو صريح صحيحة عليّ بن يقطين (٤).

وأما ما ورد في الصحيح من الاكتفاء بسماع الهمهمة إذا كان على فيه ثوب (٥) ، فهو إما محمول على الاضطرار ، أو أنّ المراد بالهمهمة الصوت الضعيف كما في القاموس (٦)

ثمّ ههنا فوائد :

الأُولى : لا يجب الجهر على النساء في مواضع الجهر ، لإجماع العلماء ، نقله الفاضلان (٧) والشهيدان (٨) ، هكذا خصّص الكلام كثير من الأصحاب (٩).

__________________

(١) الوسائل ٤ : ٧٧٣ أبواب القراءة ب ٣٣.

(٢) التهذيب ٢ : ٩٧ ح ٣٦٥ ، الاستبصار ١ : ٣٢١ ح ١١٩٦ ، الوسائل ٤ : ٧٩٥ أبواب القراءة ب ٥٢ ح ٢.

(٣) التهذيب ٢ : ٩٧ ذ. ح ٣٦٥ ، الاستبصار ١ : ٣٢١ ذ. ح ١١٩٦.

(٤) التهذيب ٣ : ٣٦ ح ١٢٩ ، الوسائل ٤ : ٧٩٥ أبواب القراءة ب ٥٢ ح ١.

(٥) الكافي ٣ : ٣١٥ ح ١٥ ، التهذيب ٢ : ٩٧ ح ٣٦٤ ، وص ٢٢٩ ح ٩٠٣ ، الاستبصار ١ : ٣٢٠ ح ١١٩٥ ، الوسائل ٤ : ٧٧٤ أبواب القراءة ب ٣٣ ح ٤.

(٦) القاموس المحيط ٤ : ١٩٤.

(٧) المحقّق في المعتبر ٢ : ١٧٨ ، والعلامة في نهاية الأحكام ١ : ٤٧٢.

(٨) الشهيد الأوّل في الذكرى : ١٩٠ ، والشهيد الثاني في روض الجنان : ٢٦٥.

(٩) انظر المبسوط ١ : ١٠٩ ، وجامع المقاصد ١ : ٢٦١ ، والمدارك ٣ : ٣٥٨.

٥٣٦

والحقّ عدم وجوب الإخفات عليهنّ أيضاً في مواضعه ، للأصل ، وعدم ظهور حكمهنّ من الأدلّة ، للإطلاقات ، ولاختصاص حكم الإخفات في الأخبار بالرجل ، أو عدم فهم حكم المرأة منها.

وتشير إلى ذلك العلّة المذكورة في نفي وجوب الجهر عليهنّ من كون صوتهنّ عورة ، وهو منتفٍ مع عدم سماع الأجنبيّ كما ذكر في الذكرى (١) ، والأصل عدم الاشتراك ، فتكون مختارة.

والأحوط الإخفات ههنا ، للإشكال في كون الأصل عدم الاشتراك ، بل الظاهر الاشتراك إلّا ما خرج بالدليل ، لا لشمول الخطاب والحكم الوارد في الخصوصيّات ، بل للإجماع المنقول على اشتراك المكلّفين حاضرهم وغائبهم ، ذكرهم وأُنثاهم في التكاليف ، إلّا ما علم اختصاصه بفرقة دون فرقة ، كأحكام الحيض والنفاس ، وأحكام اللواط والخصيان ونحو ذلك. إذ القول بلزوم تحمّل إثبات الإجماع في خصوصيّات كلّ ما ورد فيه خبر أو غيره في خصوص الرجل أو المرأة على إثبات الحكم لغيره كُلفة لا يمكن التصدّي لها. ودعوى ذلك تعسّف.

ويشهد لما ذكرنا تعرّضهم هنا لنقل الإجماع على المخالفة وبيان الدليل ، وإلّا فليس في الأخبار ما يوهم الاشتراك ظاهراً.

وقيّد الأصحاب جواز الجهر بعدم إسماع الأجنبيّ ، وفيه كلام ، للتأمّل في كون الصوت عورة ، وبعض الأخبار المرويّة في الفقيه في باب المناهي المانع عن التكلّم مع الأجنبيّ بأزيد من خمس كلمات (٢) مع ضعفها غير دالّة على حُرمة مطلق إسماع صوتها.

وكذلك ما دلّ على النهي عن السلام عليهنّ سيّما مع ملاحظة حسنة ربعي الواردة في كراهة أمير المؤمنين عليه‌السلام السلام على الشابّة منهن ، معلّلاً بخوف

__________________

(١) الذكرى : ١٩٠.

(٢) الفقيه ٤ : ٢ ح ١.

٥٣٧

الوقوع في الإثم بسبب التلذّذ (١).

وبعد تسليم الحرمة فلا دليل على البطلان من جهة مثل هذه الحرمة.

ويظهر من ذلك عدم ثبوت حرمة سماع الأجنبي أيضاً إلّا مع خوف الريبة والتلذّذ.

الثانية : لو خافَتَ في موضع الجهر أو عكس جاهلاً أو ناسياً فلا إعادة ، وهذا مذهب الأصحاب ، قاله في المدارك (٢). وتدلّ عليه صحيحتا زرارة المتقدّمتان (٣).

ويظهر منهما أيضاً أنّه لا يجب التدارك وإن كان قبل الركوع ، وهو كذلك.

الثالثة : المشهور استحباب الجهر في باقي الأذكار للإمام وكراهته للمأموم ، والتخيير للمنفرد.

ويستفاد ما ذكر من الأخبار مثل صحيحة عليّ بن جعفر : عن الرجل له أن يجهر بالتشهّد والقول في الركوع والسجود والقنوت؟ قال : «إن شاء جهر ، وإن شاء لم يجهر» (٤) وفي معناها صحيحة عليّ بن يقطين (٥).

وصحيحة أبي بصير عن الصادق عليه‌السلام ، قال : «ينبغي للإمام أن يسمع من خلفه كلّما يقول ، ولا ينبغي لمن خلف الإمام أن يسمعه شيئاً مما يقول» (٦).

وصحيحة حفص بن البختري عنه عليه‌السلام ، قال : «ينبغي للإمام أن يسمع من خلفه التشهّد ، ولا يسمعونه شيئاً» (٧).

__________________

(١) الكافي ٢ : ٤٧٣ ح ١ ، الفقيه ٣ : ٣٠٠ ح ١٤٣٦ ، الوسائل ٨ : ٤٥١ أبواب أحكام العشرة ب ٤٨ ح ١.

(٢) المدارك ٣ : ٣٧٨.

(٣) في ص ٥٣١ ، وإحداهما في الفقيه ١ : ٢٢٧ ح ١٠٠٣ ، والتهذيب ٢ : ١٦٢ ح ٦٣٥ ، والاستبصار ١ : ٣١٣ ح ١١٦٣ ، والثانية في التهذيب ٢ : ١٤٧ ح ٥٧٧ ، وانظر الوسائل ٤ : ٧٦٦ أبواب القراءة ب ٢٦ ح ١ ، ٢.

(٤) التهذيب ٢ : ٢١٣ ح ١٢٧٢ ، قرب الإسناد : ٩١ ، الوسائل ٤ : ٩١٨ أبواب القنوت ب ٢٠ ح ٢.

(٥) التهذيب ٢ : ١٠٢ ح ٣٨٥ ، الوسائل ٤ : ٩١٧ أبواب القنوت ب ٢٠ ح ١.

(٦) التهذيب ٢ : ٤٩ ح ١٧٠ ، الوسائل ٥ : ٤٥١ أبواب صلاة الجماعة ب ٥٢ ح ٣.

(٧) الفقيه ١ : ٢٦٠ ح ١١٨٩ ، الوسائل ٥ : ٤٥١ أبواب صلاة الجماعة ب ٥٢ ح ١.

٥٣٨

ولا بدّ من حمل الصحيحين الأوّلين إما على نفي الوجوب ، أو على المنفرد.

وقيل باستحباب الجهر في القنوت مطلقاً (١) ، لصحيحة زرارة : «القنوت كلّه جهار» (٢) وقد يُحمل على غير المأموم. وقد يقال بالتخيير له ، لأنّ بين العمومين تعارضاً من وجه ، وسيأتي الخلاف في بعضها.

الرابعة : قيل : حكم القضاء حكم الأداء في وجوب اعتبار الجهر والإخفات (٣) ، والظاهر أنّه لا خلاف فيه بين الأصحاب.

الحادي عشر : المشهور استحباب الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم فيما يُخافت به مطلقاً وابن الجنيد على اختصاصه بالإمام (٤) ، وابن إدريس بالركعتين الأُوليين ، وادّعى الإجماع على وجوب الإخفات في غيرهما (٥) ، وأبو الصلاح على الوجوب فيهما (٦) ، وابن البرّاج على الوجوب مطلقاً (٧) ، والأوّل أقرب.

لنا : الأصل ، وصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام : عمّن يقرأ (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) حين يريد يقرأ فاتحة الكتاب ، قال : «نعم ، إن شاء سرّاً ، وإن شاء جهراً» (٨).

وما رواه الشيخ في المصباح عن أبي الحسن الثالث عليه‌السلام : «من أنّ علامات المؤمن خمس : صلاة الإحدى والخمسين ، وزيارة الأربعين ، والتختّم

__________________

(١) المنتهي ١ : ٣٠٠.

(٢) الفقيه ١ : ٢٠٩ ح ٩٤٤ ، الوسائل ٤ : ٩١٨ أبواب القنوت ب ٢١ ح ١.

(٣) المنتهي ١ : ٢٧٧.

(٤) نقله عنه في الذكرى : ١٩١.

(٥) السرائر ١ : ٢١٨.

(٦) الكافي في الفقه : ١١٧.

(٧) المهذّب ١ : ٩٢ ، ٩٧.

(٨) التهذيب ٢ : ٦٨ ح ٢٤٩ ، الاستبصار ١ : ٣١٢ ح ١١٦١ ، الوسائل ٤ : ٧٤٨ أبواب القراءة ب ١٢ ح ٢.

٥٣٩

باليمين ، وتعفير الجبين ، والجهر ببسم الله الرحمن الرحيم» (١).

وما قاله أمير المؤمنين عليه‌السلام في خطبته التي يشكو فيها من الناس : «لو أمرتهم بالجهر ببسم الله الرحمن الرحيم لتفرّقوا عنّي» نقله الكليني في الروضة (٢).

وقال ابن أبي عقيل : تواترت الأخبار عنهم عليهم‌السلام «أن لا تقيّة في الجهر بالبسملة» (٣).

بل قال الصدوق في الأمالي : من دين الإمامية الإقرار بأنّه يجب الجهر بالبسملة عند افتتاح الفاتحة ، وعند افتتاح السورة وبعدها (٤).

وفي العيون : أنّه كتب إلى المأمون : «مِن محضِ الإسلام الإجهار ببسم الله الرحمن الرحيم في جميع الصلوات» (٥).

وروى عن كشف الغمّة عن جابر ، قال : «أجمع آل الرسول عليهم‌السلام على الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم ، وأن لا يمسحوا على الخفّين» (٦).

ونقل عن ابن خالويه ، أنّ هذا مذهب الشيعة ومذهب أهل البيت (٧) ، وهو المنقول من فعل الرضا عليه‌السلام في جميع صلواته بالليل والنهار نقله في العيون (٨).

والأخبار الدالّة على جهر الإمام في الأُوليين وعلى رجحانه في الجملة كثيرة ،

__________________

(١) مصباح المتهجّد : ٧٣٠ ، الوسائل ١٠ : ٣٧٣ أبواب المزار ب ٥٦ ح ١.

(٢) الكافي ٨ : ٥٨ ح ٢١ ، الوسائل ١ : ٣٢٢ أبواب الوضوء ب ٣٨ ح ٣.

(٣) نقله عنه في الذكرى : ١٩١.

(٤) أمالي الصدوق : ٥١١.

(٥) عيون أخبار الرضا (ع) ٢ : ١٢٣ ، الوسائل ٤ : ٧٥٨ أبواب القراءة ب ٢١ ح ٦.

(٦) كشف الغمّة في معرفة الأئمّة ١ : ٤٣.

(٧) كما في كشف الغمّة في معرفة الأئمّة ١ : ٤٣.

(٨) عيون أخبار الرضا (ع) ٢ : ١٨٢ ، الوسائل ٤ : ٧٥٨ أبواب القراءة ب ٢١ ح ٧.

٥٤٠