غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ٢

الميرزا أبو القاسم القمّي

غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ٢

المؤلف:

الميرزا أبو القاسم القمّي


المحقق: عباس تبريزيان
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-424-250-5
الصفحات: ٦٣١

وأما الإعراب والمراد به الأعمّ من حركات البناء والجزم فالمشهور أيضاً بطلان الصلاة بالإخلال به ، ونقل الإجماع عليه بعض الأصحاب (١).

والسيّد فصّل فقال : لو كان مغيّراً للمعنى يبطل (٢) ، ولعلّ نظره رحمه‌الله إلى الإطلاق العرفي ، ويشكل الاتّكال على ذلك.

والأقرب الأوّل ، لأنّ القرآن هيئة مجموعة مخصوصة ، والامتثال بإتيانها لا يحصل إلّا بإتيانها كما هي.

وقد يلحق بذلك المدّ المتّصل ، وكأنّ نظرهم في ذلك إلى التزام القرّاء بذلك ، وإيجابهم ، ونحن مأمورون بما كانوا يقرءون.

وقد نقل عن جماعة من الأصحاب الإجماع على تواتر القراءات السبع (٣) ، وادّعى في الذكرى التواتر على العشر أيضاً (٤).

فما ثبت لنا تواتره منها لا بدّ أن يكون هو المعتمد.

فربّما قيل : إنّ المراد بتواتر السبع انحصار وجود التواتر فيها ، لا تواتر جميع ما نسب إليهم ، فما علم كونه من السبعة فالمشهور جواز العمل به ، إلّا أنّ العلامة رحمه‌الله قال : أحبّ القراءات إليّ ما قرأه عاصم من طريق أبي بكر بن عيّاش ، وطريق أبي عمرو بن العلاء ، فإنّها أولى من قراءة حمزة والكسائي ، لما فيهما من الإدغام والإمالة وزيادة المدّ ، وذلك كلّه تكلّف ، ولو قرأ به صحّت صلاته بلا خلاف (٥).

وقال الشيخ الطبرسي بعد نقل الإجماع ظاهراً على العمل بما تداولت القرّاء

__________________

(١) المعتبر ٢ : ١٦٧.

(٢) جوابات المسائل الرسيّة الثانية (رسائل الشريف المرتضى) ٢ : ٣٨٧.

(٣) جامع المقاصد ٢ : ٢٤٥.

(٤) الذكرى : ١٨٧.

(٥) المنتهي ١ : ٢٧٣.

٥٠١

بينهم من القراءات : إلّا أنّهم اختاروا القراءة بما جاز بين القرّاء ، وكرهوا تجديد قراءة منفردة (١).

واعلم أنّ المراد بالإعراب الذي ذكرنا أيضاً هو الإعراب المتداول بينهم ، لا ما يقتضيه قانون العربيّة ؛ لما ذكرنا.

ويمكن بعد إثبات رخصة العمل على قراءة القرّاء من الشارع الاكتفاء بنقل التواتر أيضاً ، لأنّه لا يقصر عن الإجماع المنقول بخبر الواحد كما ذكره المحقّق الشيخ عليّ رحمه‌الله (٢).

وما قيل : إن هذا غير جيد لأنّه رجوع عن اعتبار التواتر (٣) ، ليس على ما ينبغي كما لا يخفى على المتدبّر.

والحاصل أنّه لا إشكال في جواز موافقة قراءة السبع المشهورة كما دلّت عليه الأخبار المستفيضة إلى زمان ظهور القائم عليه‌السلام (٤).

ولعلّ البناء على قراءة عاصم كما اختاره العلامة رحمه‌الله (٥) وتداولها في هذه الأعصار يكون أولى وأحوط.

وبعد البناء على ذلك فلا بدّ من التزام ما التزمه القرّاء ، كالمدّ المتّصل ، والوقف اللازم وغيرهما إن ثبت التزامهم بعنوان الوجوب الشرعيّ ، وهو غير معلوم ، لإمكان أن يريدوا تأكيد الفعل كما اعترفوا في اصطلاحهم على الوقف الواجب على ما نسب إليهم الشهيد الثاني (٦) رحمه‌الله واستحباب ما استحسنوه من المحسّنات.

__________________

(١) مجمع البيان ١ : ١٢.

(٢) جامع المقاصد ٢ : ٢٤٦.

(٣) المدارك ٣ : ٣٣٨ ، الحدائق ٨ : ٩٥.

(٤) الوسائل ٤ : ٨٢١ أبواب القراءة ب ٧٤.

(٥) المنتهي ١ : ٢٧٣.

(٦) روض الجنان : ٢٦٨.

٥٠٢

وأما أداء الحروف عن المخارج بحيث تكون متميّزةً فلا شُبهة في وجوبه ، لأنّ الاتي بخلافه غير آتٍ بالمأمور به.

وأما ملاحظة صفاتها من الهمس والجهر والإطباق وأمثال ذلك بحيث لم يكن التميّز منحصراً فيها بل يكون محض التزيين والتحسين فهو محلّ كلام ، وسيجي‌ء.

وتجب الموالاة في القراءة ، ومراعاة الترتيب بحيث لا يخرج عن كونه قارئاً ، فلو أخلّ في ذلك بأن يقرأ شيئاً خلالها بحيث أخرجها عن المعهود المتعارف ، أو قدّم بعضها على بعض بخلاف وضعه ؛ بطلت الصلاة لما ذكرنا ، هذا إذا كان عمداً.

وأما مع النسيان فيتدارك مع تحصيل الموالاة ، مع احتمال العدم في الأوّل أيضاً إذا تداركها قبل الركوع ، نظراً إلى ما ذكرنا سابقاً من احتمال عدم البطلان بزيادة القراءة والذكر بغير القربة أو مع التشريك. ولو عُدّ بذلك خارجاً عن الصلاة كما في السكوت الطويل فلا شك في بطلانها مطلقاً.

ويحتمل استئناف القراءة في صورة العمد والبناء على ما مضى في صورة النسيان ، ذهب إلى كلّ من الاحتمالات قائل (١) ، والأقوى والأحوط ما اخترناه.

ومن لا يحسنها تعلّم ، لتوقّف الواجب عليه ، وللإجماع ، نقله غير واحد من أصحابنا على ما قيل (٢).

وإن عجز تخيّر بين الائتمام إن أمكنه والقراءة من المصحف إن أحسنها ، ولو لم يكن نقل الإجماع لأمكن القول بالتخيير أوّلاً.

وهل تجوز القراءة من المصحف بلا عذر ومع التمكّن من الحفظ؟ قولان ، بالنظر إلى الإطلاقات ، وخصوص رواية الحسن بن زياد الصيقل قال ، قلت لأبي عبد الله

__________________

(١) الذكرى : ١٨٨ ، المدارك ٣ : ٣٤٢.

(٢) الذكرى : ١٨٧.

٥٠٣

عليه‌السلام : ما تقول في الرجل يصلّي وهو ينظر في المصحف يقرأ ويضع السراج قريباً منه؟ قال : «لا بأس بذلك» (١) الجواز.

وإلى عدم المعهوديّة ، وعدم ثبوت التوظيف ، واستصحاب شغل الذمّة ، وخصوص ما رواه في قرب الإسناد عن عليّ بن جعفر عن أخيه عليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل والمرأة يضع المصحف أمامه ينظر فيه ويقرأ ويصلّي ، قال : «لا يعتدّ بتلك الصلاة» (٢) العدم ، والثاني أقوى وأحوط.

وإن لم يقدر على ذلك أيضاً أو ضاقَ الوقت ، فإن علم الفاتحة بتمامها دون السورة فيجب الإتيان بالفاتحة إجماعاً ، ولا عوض عن المتروك من السورة أو بعضها بلا خلاف في ذلك على ما قيل (٣).

وإن كان إنّما يُحسن بعض الفاتحة ، فإن كان أية منها تجب قراءتها إجماعاً أيضاً ، ويظهر من المدارك والذخيرة (٤).

وأما في الأقلّ منها ففيها أقوال ، ثالثها الوجوب إذا كان قراناً ، أي لو سمّي قراناً في العرف ، ونسب ذلك إلى المشهور بين المتأخّرين (٥) ، ولعلّه يكون أقوى.

فإنّ من عرف «إيّاك» مثلاً ، أو لفظة «غير» أو لفظة «المغضوب» يشكل القول بجواز التكلّم بذلك ، لعدم صدق القرآن على ذلك ، فيكون كلاماً أجنبيّا ، فيضعف الإيجاب مطلقاً.

وأيضاً استصحاب شغل الذمّة وعدم سقوط الميسور بالمعسور وغير ذلك مع صدق القرآن مما يضعف القول بالعدم على الإطلاق.

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٩٤ ح ١١٨٤ ، الوسائل ٤ : ٧٨٠ أبواب القراءة ب ٤١ ح ١ وفيهما : يقرأ فيه يضع السراج قريباً منه.

(٢) قرب الإسناد : ٩٠ ، الوسائل ٤ : ٧٨٠ أبواب القراءة ب ٤١ ح ٢.

(٣) المنتهي ١ : ٢٨٢ ، بحار الأنوار ٨٢ : ٦٤.

(٤) المدارك ٣ : ٣٤٣ ، الذخيرة : ٢٧٢.

(٥) المنتهي ١ : ٢٧٤ ، المسالك ٢ : ٩١.

٥٠٤

وهل يجوز الاكتفاء بذلك ، أو يعوّض عن الفائت بتكرار ذلك ، أو بقراءة غيره من القرآن إن علمه ؛ أو الذكر مطلقاً؟ أقوال ، أوهنها الأوّل.

ولعلّ الأوسط أوسط ، لصحيحة عبد الله بن سنان عن الصادق عليه‌السلام ، قال : «إنّ الله فرض من الصلاة الركوع والسجود ، ألا ترى لو أنّ رجلاً دخل في الإسلام لا يحسن أن يقرأ القرآن أجزأه أن يكبّر ويسبّح ويصلّي» (١).

ولو لم يُحسن شيئاً من الفاتحة فالمشهور وجوب القراءة من غيرها لو علم ، والأولى قراءة سورة كاملة إن علم ، وإلّا فالذكر ؛ للصحيح المتقدّم.

وقيل بالتخيير بينه وبين الذكر (٢) ، ولا وجه له.

والمشهور بين الأصحاب في الذكر : أنّه يسبّح الله ويهلّله ويكبّره.

وقيل : بالذكر والتكبير.

وقيل : بالتسبيح والتحميد والتهليل والتكبير (٣).

وقيل : ما يقوله في الأخيرتين (٤).

وقد عرفت الرواية (٥) ، وفي أكثر الأقوال روايات عاميّة رواها في الذكرى.

وفي وجوب مساواة البدل للمبدل منه وجهان ، أشهرهما الوجوب.

ولو عجز عن الذكر أيضاً فالمشهور أنّه يكتفي بالترجمة ، وفي قرب الإسناد رواية تُشير إليه (٦).

لكن اختلفوا في أنه هل يأتي بترجمة القرآن ، أو بترجمة الذكر مع عدم القدرة عليهما والقدرة على ترجمتهما معاً؟ ولعلّ ترجمة القرآن أولى.

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٤٧ ح ٥٧٥ ، الاستبصار ١ : ٣١٠ ح ١١٥٣ ، الوسائل ٤ : ٧٣٥ أبواب القراءة ب ٣ ح ١.

(٢) الشرائع ١ : ٧١.

(٣) نهاية الإحكام ١ : ٤٧٤.

(٤) الذكرى : ١٨٧.

(٥) الوسائل ٤ : ٧٣٥ أبواب القراءة ب ٣.

(٦) قرب الإسناد : ٢٤ ، الوسائل ٤ : ٨١٢ أبواب القراءة ب ٦٧ ح ١.

٥٠٥

واحتمل في الذكرى تقديم ترجمة القراءة على الذكر لأنّه أقرب (١). وتدفعه الصحيحة المتقدّمة.

والأخرس يأتي بالممكن ، ولا يجب عليه الائتمام ، ووجهه ظاهر.

والمشهور أنّه يحرّك لسانه بها (ويعقد بها) (٢) قلبه.

وعن بعض المتأخّرين زيادة الإشارة باليد (٣) ، فروى الكليني عن السكوني عن الصادق عليه‌السلام ، قال : «تلبية الأخرس وتشهّده وقراءته القرآن في الصلاة ؛ تحريك لسانه ، وإشارته بإصبعه» (٤).

السادس : لا يجوز قول «آمين» بعد الحمد في الصلاة مطلقاً ، بل ويبطلها وفاقاً للمشهور.

ويدلّ على ذلك مضافاً إلى الإجماع الذي نقله غيرُ واحدٍ من أصحابنا على التحريم والبطلان ، منهم الشيخان (٥) والمرتضى (٦) كما صرّح بذلك في الذكرى أيضاً ، حيث قال : والمعتمد تحريمها وإبطال الصلاة بفعلها بقول الأكثر ودعوى الإجماع من أكابر الأصحاب (٧) حسنة جميل لإبراهيم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «إذا كنت خلف إمام فقرأ الحمد ففرغ من قراءتها فقل أنت : الحمد لله ربّ العالمين ، ولا تقل : آمين» (٨).

__________________

(١) الذكرى : ١٨٧.

(٢) في «ص» : ويعقدها.

(٣) روض الجنان : ٢٦٣ ، مسالك الأفهام ١ : ٢٠٥.

(٤) الكافي ٣ : ٣١٥ ح ١٧ ، التهذيب ٥ : ٩٣ ح ٣٠٥ ، الوسائل ٤ : ٨٠١ أبواب القراءة ب ٥٩ ح ١.

(٥) الشيخ المفيد في المقنعة : ١٠٥ ، والشيخ الطوسي في الخلاف ١ : ١١٣.

(٦) الانتصار : ٤٢.

(٧) الذكرى : ١٩٤.

(٨) الكافي ٣ : ٣١٣ ح ٥ ، التهذيب ٢ : ٧٤ ح ٢٧٥ ، الاستبصار ١ : ٣١٩ ح ١١٨٨ ، الوسائل ٤ : ٧٥٢ أبواب القراءة ب ١٧ ح ١.

٥٠٦

ورواية الحلبي وفي طريقها محمّد بن سنان قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام : أقول إذا فرغت من فاتحة الكتاب آمين؟ قال : «لا» (١) وذلك لأن النهي حقيقة في الحرمة.

وهذا اللفظ وإن كان خارجاً من الصلاة ، ولكن لا يبعد دعوى أنّه يُفهَم من سياق النهي في الخبر كون الصلاة التي هو فيها (غير مطلوبة للشارع) (٢) سيّما بضميمة فتوى الأصحاب وفهمهم ، فتكون فاسدةً.

ونقل عن ابن الجنيد : الجواز عقيب الحمد وغيرها ؛ (٣) ، وقوّاه بعض المتأخّرين (٤) ، لصحيحة جميل ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الناس في الصلاة جماعة حين يقرأ فاتحة الكتاب آمين ، قال : «ما أحسنها وأخفض الصوت» (٥).

ولا يخفى أنّ متن الخبر مجمل ، بل ربّما يدلّ على خلاف المطلوب ؛ وإن بني على ما أرادوه ، فلا يتمّ الاستدلال به على الكراهة كما قالوه ، لمنافاتها مع التحسين ، بل الأولى حمله على التقيّة ، وتشهد له صحيحة معاوية بن وهب قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أقول «آمين» إذا قال الإمام : غير المغضوب عليهم ولا الضالين؟ فقال : «هم اليهود والنصارى» ولم يجب في هذا (٦) ، ووجهه ظاهر بناءً على أن يكون المرجع هو المغضوب عليهم ولا الضالين.

وأما إن قلنا بأنّ المراد أنّ القائلين بذلك هم اليهود والنصارى فتحتمل إرادة العامّة بذلك.

وتحتمل إرادة المعنى الحقيقي ، كما رواه في دعائم الإسلام عن جعفر بن محمّد

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٧٤ ح ٢٧٦ ، الاستبصار ١ : ٣١٨ ح ١١٨٦ ، الوسائل ٤ : ٧٥٢ أبواب القراءة ب ١٧ ح ٣.

(٢) في «ص» : غير مطلوب الشارع.

(٣) نقله في جامع المقاصد ٢ : ٢٤٩.

(٤) المعتبر ٢ : ١٨٦.

(٥) التهذيب ٢ : ٧٥ ح ٢٧٧ ، الاستبصار ١ : ٣١٨ ح ١١٨٧ ، الوسائل ٤ : ٧٥٣ أبواب القراءة ب ١٧ ح ٥.

(٦) التهذيب ٢ : ٧٥ ح ٢٧٨ ، الاستبصار ١ : ٣١٩ ح ١١٨٨ ، الوسائل ٤ : ٧٥٢ أبواب القراءة ب ١٧ ح ٢.

٥٠٧

عليه‌السلام ، قال : «إنما كانت النصارى تقولها» (١) وفسّرها بذلك الصدوق أيضاً (٢).

وأما الجمع بحمل صحيحة جميل على الجماعة وغيرها على المنفرد ينفيه عدم القول بالفصل.

فالترجيح مع المشهور ، لصراحة الخبرين ، وتعاضدهما بالشهرة والإجماع المستفيض واستصحاب شغل الذمّة ومخالفة العامّة.

وهل الحكم في كلّ الصلاة مثل القول بعد الحمد؟ الأقرب الابتناء في ذلك على كونه من كلام الآدميين أو اسم فعل كما قاله بعضهم (٣) ، أو دعاء وليس باسم فعل كما يظهر من المحقّق الرضي في صه وغيره (٤) ، فعلى الأوّل يتّجه البطلان ، والأولى تركه مطلقاً.

السابع : الأقرب عدم جواز القِران بين السورتين في الصلاة بعد الحمد للإجماع ، نقله السيّد في الإنتصار (٥) والصدوق في الأمالي (٦) ، والروايات المستفيضة ، مثل صحيحة محمّد بن مسلم ، عن أحدهما عليهما‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يقرأ السورتين في الركعة ، فقال : «لا ، لكلّ سورة ركعة» (٧).

وفي رواية منصور المتقدّمة في وجوب السورة (٨) ، وموثّقة زرارة لابن بكير

__________________

(١) دعائم الإسلام ١ : ١٦٠ ، مستدرك الوسائل ٤ : ١٧٥ أبواب القراءة ب ١٣ ح ٣.

(٢) الفقيه ١ : ٢٥٥.

(٣) نهاية الإحكام ١ : ٤٦٦ ، جامع المقاصد ٢ : ٢٤٨.

(٤) شرح الكافية : ١٧٨.

(٥) الانتصار : ٤٤.

(٦) أمالي الصدوق : ٥١٢.

(٧) التهذيب ٢ : ٧٠ ح ٢٥٤ ، الاستبصار ١ : ٣١٤ ح ١١٦٨ ، الوسائل ٤ : ٧٤٠ أبواب القراءة ب ٨ ح ١.

(٨) الكافي ٣ : ٣١٤ ح ١٢ ، التهذيب ٢ : ٦٩ ح ٢٥٣ ، الاستبصار ١ : ٣١٤ ح ١١٦٧ ، الوسائل ٤ : ٧٣٦ أبواب القراءة ب ٤ ح ٢.

٥٠٨

قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يقرن بين السورتين في الركعة ، قال : «إنّ لكلّ سورة حقّا ، فأعطها حقّها من الركوع والسجود» (١) الحديث.

ورواية عمر بن يزيد ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أقرأ سورتين في ركعة؟ قال : «نعم» قلت : أليس يقال أعطِ كلّ سورة حقّها من الركوع والسجود؟ فقال : «في الفريضة ، فأما النافلة فليس به بأس» (٢).

وروى في مجمع البيان عن العياشي بإسناده عن الصادق عليه‌السلام ، قال : «لا تجمع سورتين في ركعة واحدة ، إلّا الضحى و (أَلَمْ نَشْرَحْ) ، و (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ) و (لِإِيلافِ قُرَيْشٍ)» (٣).

وفي الفقه المنسوب إلى الرضا عليه‌السلام أيضاً : «إنّ القِران غير جائز في الفريضة» (٤).

وفي المعتبر والمنتهى نقلاً عن جامع البزنطي ، عن الفضيل بن صالح ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : «لا تجمع بين سورتين في ركعة واحدة ، إلّا الضحى وأ لم نشرح ، والفيل ولإيلاف» (٥).

وفي بعض الأخبار أيضاً تأييد (٦).

وذهب ابن إدريس (٧) ومعظم المتأخّرين إلى الكراهة (٨) ، للعمومات ، وصحيحة عليّ بن يقطين ، قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن القِران بين السورتين في

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٧٣ ح ٢٦٨ ، الوسائل ٤ : ٧٤١ أبواب القراءة ب ٨ ح ٣.

(٢) التهذيب ٢ : ٧٠ ح ٢٥٧ ، الاستبصار ١ : ٣١٦ ح ١١٧٩ ، الوسائل ٤ : ٧٤١ أبواب القراءة ب ٨ ح ٥.

(٣) مجمع البيان ٥ : ٥٤٤ ، الوسائل ٤ : ٧٤٤ أبواب القراءة ب ١٠ ح ٥.

(٤) فقه الرضا (ع) : ١٢.

(٥) المعتبر ٢ : ١٨٨ ، المنتهي ١ : ٢٧٦ ، الوسائل ٤ : ٧٤٤ أبواب القراءة ب ١٠ ح ٥.

(٦) الوسائل ٤ : ٧٤٤ أبواب القراءة ب ١٠.

(٧) السرائر ١ : ٢٢٠.

(٨) الجامع للشرائع : ٨١.

٥٠٩

المكتوبة والنافلة ، قال : «لا بأس» وعن تبعيض السورة ، قال : «أكره ، ولا بأس به في النافلة» (١).

وموثّقة زرارة عن الباقر عليه‌السلام ، قال : «إنّما يكره أن يجمع بين السورتين في الفريضة ، وأما النافلة فلا بأس» (٢).

والعمومات مع تسليم شمولها لما نحن فيه مخصّصة بما تقدّم.

والخبران بعد تسليم ثبوت الحقيقة الشرعيّة في الكراهة ودلالتهما على المطلوب من هذه الجهة لا يقاومان أدلّة المشهور ، سيّما مع اشتمال الأوّل على جواز التبعيض ، وقد أثبتنا بطلانه. وكون الثاني موافقاً للتفصيل المذكور في رواية عمر بن يزيد (٣) ، فإنّ ظاهرها التحريم ، ولكثرتها واعتبار سندها وتعاضدها بالعمل والإجماع المنقول والطريقة المعهودة المستمرّة من أهل بيت العصمة إلى الان إلى غير ذلك. بل لا بدّ من حملهما على التقيّة ، وفيهما من المقرّبات لهذا الحمل أيضاً ما لا تخفى. مع ملاحظة أنّ عدمه كان من دين الإماميّة ومنفرداتهم كما قاله الصدوق (٤) والسيّد (٥).

وبالجملة براءة الذمّة لا تحصل إلّا بتركه.

وقال الشهيد الثاني رحمه‌الله في المسالك : إنّ الكراهة إذا لم يعتقد المشروعيّة ، وإلّا حرم قطعاً (٦).

وكأنّه أراد من المشروعيّة الاستحباب الخاصّ ، وأما القائل بالحرمة والبطلان فمراده الأعمّ من ذلك كما لا يخفى ، وإلّا فلا نزاع معنوي.

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٩٦ ح ١١٩٢ ، الاستبصار ١ : ٣١٧ ح ١١٨١ ، الوسائل ٤ : ٧٤٢ أبواب القراءة ب ٨ ح ٩.

(٢) التهذيب ٢ : ٧٢ ح ٢٦٧ ، الوسائل ٤ : ٧٤١ أبواب القراءة ب ٨ ح ٢.

(٣) التهذيب ٢ : ٧٠ ح ٢٥٧ ، الاستبصار ١ : ٣١٦ ح ١١٧٩ ، الوسائل ٤ : ٧٤١ أبواب القراءة ب ٨ ح ٥.

(٤) أمالي الصدوق : ٥١٢.

(٥) الانتصار : ٤٤.

(٦) المسالك ١ : ٢٠٦.

٥١٠

ثمّ قال رحمه‌الله : ويتحقّق القِران بقراءة أزيد من سورة وإن لم يكمل الثانية ، بل بتكرار السورة الواحدة أو بعضها ، مثل تكرار الحمد (١).

والأقوى والأحوط مراعاة ذلك ، سيّما بالنظر إلى رواية منصور المتقدّمة (٢).

وكيف كان فالعدول عن سورة إلى أُخرى مخرج بدليل ، فلا نقض.

ثمّ إنّ محلّ الخلاف ينبغي أن يكون فيما إذا قارن السورة التي يقرأها بسورة أُخرى ، وأما مثل قراءة سورة أو أية في القنوت وغيره فيشكل تعميم الحكم بالنسبة إليه.

بل قال السيّد الفاضل في المدارك : وكيف كان فموضع الخلاف قراءة الزائد على أنّه جزء من القراءة المعتبرة في الصلاة ، إذ الظاهر أنّه لا خلاف في جواز القنوت ببعض الآيات ، وإجابة المسلم بلفظ القرآن ، والإذن للمستأذن بقوله ادخلوها بسلام ، ونحو ذلك (٣) ، انتهى.

وفي الموثّق عن عبيد بن زرارة : أنّه سأل الصادق عليه‌السلام عن ذكر السورة من الكتاب يدعو بها في الصلاة مثل قل هو الله ، فقال : «إذا كنت تدعو بها فلا بأس» (٤).

والاحتياط ترك السورة الكاملة في غير محلّ النزاع أيضاً ، وإن كان الظاهر من ذلك الموثّق الجواز.

وأما الآية والآيات فيه فلا أجد بها بأساً ، بل ولا عقيب السورة أيضاً لو لم نجعلها من تتمّة القراءة ولو استحباباً أو بلا قصد ، هذا كلّه للاستدلال على الجواز والحرمة.

__________________

(١) المسالك ١ : ٢٠٦.

(٢) ص ٤٨٣ وهي في الكافي ٣ : ٣١٤ ح ١٢ ، والتهذيب ٢ : ٦٩ ح ٢٥٣ ، والاستبصار ١ : ٣١٤ ح ١١٦٧ ، والوسائل ٤ : ٧٣٦ أبواب القراءة ب ٤ ح ٢.

(٣) المدارك ٣ : ٣٥٦.

(٤) الكافي ٣ : ٣٠٢ ح ٤ ، التهذيب ٢ : ٣١٤ ح ١٢٧٨ ، الوسائل ٤ : ٧٤٣ أبواب القراءة ب ٩ ح ١.

٥١١

وأما البطلان ، فيمكن الاستدلال عليه بأنّه غير آتٍ بالمأمور به ، فيبقى في عهدة التكليف كما ذكره في المختلف (١) ، وذلك لأنّ الذي ظهر من الأدلّة أنّ المطلوب هي الصلاة التي كان جزؤها سورة واحدة ، وهذا غيره ، بل النهي يتعلّق بهما ، فإنّ الظاهر أنّ النهي يتعلّق بقراءة السورتين لا بمحض وصف اثنينيّتهما ، والسورة جزء الصلاة على ما حقّقناه ، والنهي المتعلّق بجزء العبادة مستلزم لفسادها ، وهذا فيما لو أراد أوّلاً قراءة السورتين واضح.

وأما لو طرأ قصد الأُخرى بعد قراءة الأُولى ، فيمكن دعوى أنّه يفهم منها أنّ المطلوب هو صلاة لا يقرأ فيها سورة بعد سورة.

واعلم أنّ الخلاف في هذه المسألة في الصلاة الواجبة ، وأما المندوبة فلا خلاف في الجواز ، والأخبار بها متضافرة ، لكن ورد في بعضها : «ما كان من صلاة الليل فاقرأ بالسورتين والثلاث ، وما كان من صلاة النهار فلا تقرأ إلّا بسورة سورة» (٢).

ولم أجد من الأصحاب مفصّلاً ، ولعلّه يُراد منه الاستحباب.

تتميم :

اعلم أنّ الضحى وأ لم نشرح سورة واحدة ، وكذلك لإيلاف و (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ) ، بالإجماع ، نقله السيّد في الانتصار (٣) ، ويظهر من الصدوق في الأمالي (٤).

وقال في الاستبصار : إنّ الضحى وأ لم نشرح سورة واحدة عند آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله (٥) ، ونسبه المحقّق إلى روايات أصحابنا (٦).

__________________

(١) المختلف ٢ : ١٥٣.

(٢) التهذيب ٢ : ٧٣ ح ٢٦٩ ، الوسائل ٤ : ٧٤١ أبواب القراءة ب ٨ ح ٤.

(٣) الانتصار : ٤٤.

(٤) أمالي الصدوق : ٥١٢.

(٥) الاستبصار ١ : ٣١٧ ذ. ح ١١٨٢.

(٦) المعتبر ٢ : ١٨٧.

٥١٢

ويظهر ذلك من أخبارٍ كثيرة ، منها ثلاثة أخبار نقلت عن كتاب القراءات لأحمد بن محمّد بن سيار في أنّهما سورة واحدة (١) ، وهو صريح الفقه الرّضوي أيضاً (٢) ، وهو صريح الصدوق في الفقيه أيضاً (٣).

وروى العياشي ، عن أبي العباس ، عن أحدهما عليهما‌السلام ، قال : «(أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ) و (لِإِيلافِ قُرَيْشٍ) سورة واحدة» (٤).

وروى أنّ أُبيّ بن كعب لم يفصل بينهما في مصحفه ، فتجوز قرأتهما معاً في الركعة الواحدة (٥).

ويدلّ على ذلك أيضاً صحيحة زيد الشحّام (٦) ، ورواية المفضّل (٧).

والأقوى عدم سقوط البسملة بينهما ، لثبوت ذلك في المصاحف ، وعدم معهوديّة خلاف ذلك ، ولا مانع من كونهما آيتين من سورة واحدة كسورة النمل ، وللشيخ قول بالسقوط قضيّة للاتّحاد (٨) ، وهو مشكل.

الثامن : لا تجوز قراءة إحدى العزائم الأربع في الفرائض عند أكثر أصحابنا ، بل ادّعى عليه جماعة من أصحابنا الإجماع ، منهم السيّد (٩) ، والشيخ (١٠) ، والعلامة ، قال في التذكرة : لا يجوز أن يقرأ في الفرائض شيئاً من العزائم الأربع عند علمائنا ،

__________________

(١) التنزيل والتحريف : ٦٨.

(٢) فقه الرضا (ع) : ١١٢.

(٣) الفقيه ١ : ٢٠٠ ذ. ح ٩٢٢.

(٤) مجمع البيان ٥ : ٥٤٤ ، الوسائل ٤ : ٧٤٤ أبواب القراءة ب ١٠ ح ٦.

(٥) مجمع البيان ٥ : ٥٤٤ ، الوسائل ٤ : ٧٤٤ أبواب القراءة ب ١٠ ح ٧.

(٦) التهذيب ٢ : ٧٢ ح ٢٦٦ ، الاستبصار ١ : ٣١٧ ح ١١٨٢ ، الوسائل ٤ : ٧٤٣ أبواب القراءة ب ١٠ ح ١.

(٧) مجمع البيان ٥ : ٥٤٤ ، الوسائل ٤ : ٧٤٤ أبواب القراءة ب ١٠ ح ٥.

(٨) الاستبصار ١ : ٣١٧ ذ. ح ١١٨٢.

(٩) الانتصار : ٤٣.

(١٠) المبسوط ١ : ١٠٧.

٥١٣

خلافاً للجمهور كافّة (١).

ويدلّ عليه مضافاً إلى الإجماع قويّة زرارة عن أحدهما عليهما‌السلام ، قال : «لا تقرأ في المكتوبة بشي‌ء من العزائم ، فإنّ السجود زيادة في المكتوبة» (٢).

وموثّقة سماعة وفي طريقها عثمان بن عيسى قال : «من قرأ اقرأ باسم ربّك فإذا ختمها فليسجد ، فإذا قام فليقرأ فاتحة الكتاب وليركع» قال : «وإن ابتليت بها مع إمام لا يسجد فيجزئك الإيماء والركوع ، ولا تقرأ في الفريضة ، اقرأ في التطوّع» (٣).

ولأن فعل السجدة إن أوجبناه يورث الاختلال في كيفيّة العبادة التوقيفيّة ، ولا يحصل اليقين بالبراءة ، وإن لم نوجبه يلزم خروج الواجب الفوري عن كونه واجباً ، ووجوبه فوراً إجماعيّ كما قالوه (٤).

وقد يمنع شمول أدلّة الفور لما نحن فيه. ويدفعه ظاهر الخبرين المتقدّمين وغيرهما.

وقال ابن الجنيد : لو قرأ سورة من العزائم في النافلة سجد ، وإن كان في فريضة أومأ ، فإذا فرغ قرأها وسجد (٥).

وأما الأخبار الدالّة على الجواز مثل صحيحة محمّد بن مسلم ، عن أحدهما عليهما‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يقرأ السجدة فينساها حتّى يركع ويسجد ، قال : «يسجد إذا ذكر ، إذا كانت من العزائم» (٦) وحسنة الحلبي

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ٣ : ١٤٦.

(٢) الكافي ٣ : ٣١٨ ح ٦ ، التهذيب ٢ : ٩٦ ح ٣٦١ ، الوسائل ٤ : ٧٧٩ أبواب القراءة ب ٤٠ ح ١.

(٣) التهذيب ٢ : ٢٩٢ ح ١١٧٤ ، الاستبصار ١ : ٣٢٠ ح ١١٩١ ، الوسائل ٤ : ٧٧٩ أبواب القراءة ب ٤٠ ح ٢.

(٤) التنقيح الرائع ١ : ١٩٩ ، مجمع الفائدة ٢ : ٢٣٢.

(٥) نقله عنه في المعتبر ٢ : ١٧٥.

(٦) التهذيب ٢ : ٢٩٢ ح ١١٧٦ ، الوسائل ٤ : ٧٧٨ أبواب القراءة ب ٣٩ ح ١.

٥١٤

الاتية (١) ، وصحيحة عليّ بن جعفر (٢) وغيرها (٣) ؛ فبعضها محمولة على النافلة ، وبعضها على التقيّة ، ولهما فيها شواهد وقرائن واضحة.

ولكن يستفاد مما رواه في قرب الإسناد ، عن عليّ بن جعفر ، عن أخيه عليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يقرأ في الفريضة سورة النجم ، أيركع بها أو يسجد ثمّ يقوم فيقرأ بغيرها؟ قال : «يسجد ثمّ يقوم فيقرأ بفاتحة الكتاب ويركع ، ولا يعود يقرأ في الفريضة بسجدة» (٤) الكراهة ، فحينئذٍ إما لا بدّ من طرحها ، أو وجود القول بالكراهة في العامّة.

وبالجملة لا يقاوم أدلّة المشهور ، فموافقتها مذهب العامّة ومخالفتها للأصحاب وتركهم العمل عليها مع كثرتها وصحّتها أعظم شاهد على عدم جواز العمل على ظاهرها.

وبعد البناء على ما حقّقناه من وجوب السورة الكاملة ، وبطلان القرآن يتّجه القول ببطلان الصلاة ، سواء تركنا موضع السجدة وقرأنا سورة أُخرى أو لم نقرأ أو لم نتركه وتركنا السجدة وقلنا بأنّ المنهي عنه هو الخارج ، إذ لا تنفكّ الصلاة عن تعلّق النهي بها على حال.

وهل تبطل الصلاة بمجرّد الشروع ، أو بقراءة السجدة؟ رجّح أوّلهما الشهيد الثاني (٥) رحمه‌الله وهو كذلك ، سيّما على ما بنى عليه أمره في القرآن ، للزوم التعدّد أو التبعيض أو الإكمال المنهيّ عنه ، وكلّها باطلة ، مع أنّ الظاهر من الأدلّة هو عدم جواز قراءة أصل السورة ، فيكون تكلّماً منهيّاً عنه ، لعدم شمول أدلّة جواز قراءة

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣١٨ ح ٥ ، التهذيب ٢ : ٢٩١ ح ١١٦٧ ، الاستبصار ١ : ٣١٩ ح ١١٨٩ ، الوسائل ٤ : ٧٧٧ أبواب القراءة ب ٣٧ ح ١.

(٢) التهذيب ٢ : ٢٩٣ ح ١١٧٨ ، الوسائل ٤ : ٧٨٠ أبواب القراءة ب ٤٠ ح ٥.

(٣) انظر الوسائل ٤ : ٧٧٩ أبواب القراءة ب ٤٠.

(٤) قرب الإسناد : ٩٣ ، الوسائل ٤ : ٧٨٠ أبواب القراءة ب ٤٠ ح ٤.

(٥) الروضة البهيّة ١ : ٦٠٧.

٥١٥

القرآن لذلك ، فتأمّل.

أو نقول : إنّ الظاهر من أمثال المقام أنّ الصلاة الكذائيّة ليست مطلوبة للشارع ، مضافاً إلى استصحاب شغل الذمّة.

وأما موثّقة عمّار الدالّة على الصحّة (١) ، وأنّه يترك موضع السجدة أو يعود إلى سورة أُخرى إن أحبّ ، فهي متضمّنة لما أثبتنا عدمه من التبعيض والقِران.

ولو قرأها سهواً فالأقرب العدول وإن جاوز النصف ؛ لعدم إتيانه بالمأمور به بدونه.

وأما ما يدلّ على عدم جواز العدول إن جاوز النصف ؛ فمع تسليمه غير ثابت فيما نحن فيه ، وستعرف ، وربّما كان في الموثّق المتقدّم تأييد لذلك.

أما لو أتمّها سهواً ، ففيها أقوال ، قيل : يومئ ويقضي بعد الصلاة (٢).

وقيل : يتخيّر بينهما (٣).

وقيل : يمضي ويقضي (٤).

ولا يظهر لواحدٍ منها وجه وجيه.

ومقتضى الأدلّة فوريّة السجود.

ولعلّه يكون الاحتياط في السجود وإتمام الصلاة والإعادة ، بل وقضاء السجود أيضاً على احتمال ، وذلك لأنّ الأخبار وإن كان يظهر من بعضها السجود في الأثناء ، ومن بعضها الإيماء ، لكنها متشابهة جدّاً ، لعدم ظهور الحكم فيها إلّا من جهة التقيّة ، وإن لم نَبنِ الأمر فيها على التقيّة أو النافلة لكنّا قلنا بجوازه في الفريضة عمداً أيضاً ، فإذا سقطت الأخبار من الدلالة على ما نحن فيه تبقى الأُصول والأدلّة.

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٩٣ ح ١١٧٧ ، الوسائل ٤ : ٧٧٩ أبواب القراءة ب ٤٠ ح ٣.

(٢) المسالك ١ : ٢٠٦.

(٣) التذكرة ٣ : ١٤٧.

(٤) القواعد ١ : ٢٧٤.

٥١٦

ولعلّ ما ذكرنا هو طريقة الجمع والاحتياط والله يعلم.

ولعلّك بعد خبرتك بما ذكرنا فيمن أتمّ السورة سهواً تحيط خُبراً بحال من قرأ السجدة فيها سهواً وإن لم يتمّ بعد.

أما لو لم يتفطّن للسجدة وأتمّ السورة سهواً ثمّ تذكّر وقد انقضت آنات فالحقّ أنّ المسألة تبتني على أنّ الوجوب ينتفي بانتفاء الفور أم لا ، هذا حال الفرائض.

وأما النوافل فلم أقف في جواز قرائتها فيها على مخالف ، ويعمل بما في موثّقة سماعة المتقدّمة (١) ، وحسنة الحلبي عن الصادق عليه‌السلام : أنّه سُئل عن الرجل يقرأ بالسجدة في آخر السورة ، قال : «يسجد ثمّ يقوم فيقرأ فاتحة الكتاب ، ثمّ يركع ويسجد» (٢) وربّما قيل بزيادة سورة أو أية بعدها أيضاً (٣).

هذا إذا كانت السجدة في آخر السورة ، وإلّا فيسجد ويقوم ويتمّ ما بقي ويركع.

ولو نسي السجدة فيسجد حيث يتذكّر ، لصحيحة محمّد بن مسلم المتقدّمة (٤).

تتميم فيه فوائد :

الأُولى : لا خلاف بين الأصحاب في أنّ سجدات القرآن خمس عشرة : في الأعراف ، والرعد ، والنحل ، وبني إسرائيل ، وسورة مريم ، والحج في موضعين ، والفرقان ، والنمل ، والم تنزيل ، وص ، وحم فصّلت ، والنجم ، وإذا السماء انشقّت ، واقرأ ، وادّعى الإجماع عليه في الذكرى (٥).

وأربعة منها واجبة ، وهي : الم تنزيل ، وحم فصّلت ، وو النجم ، واقرأ ؛

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٩٢ ح ١١٧٤ ، الاستبصار ١ : ٣٢٠ ح ١١٩١ ، الوسائل ٤ : ٧٧٩ أبواب القراءة ب ٤٠ ح ٢.

(٢) الكافي ٣ : ٣١٨ ح ٥ ، التهذيب ٢ : ٢٩١ ح ١١٦٧ ، الاستبصار ١ : ٣١٩ ح ١١٨٩ ، الوسائل ٤ : ٧٧٧ أبواب القراءة ب ٣٧ ح ١.

(٣) المبسوط ١ : ١٠٨.

(٤) التهذيب ٢ : ٢٩٢ ح ١١٧٦ ، الوسائل ٤ : ٧٧٨ أبواب القراءة ب ٣٩ ح ١.

(٥) الذكرى : ٢١٣.

٥١٧

بالإجماع والأخبار (١).

وموضع السجود عند الفراغ من الآية ، لا عند التلفّظ بلفظ السجدة.

وما قيل : إنّ الشيخ قال في الخلاف : تكون السجدة في سورة فصّلت عند قوله (وَاسْجُدُوا لِلّهِ) (٢) (٣) فهو توهّم ظاهر كما بيّنه الشهيد في الذكرى (٤) ، بل هي عند قوله (إِيّاهُ تَعْبُدُونَ) وادّعى الشيخ عليه الإجماع (٥) كما نقله الشهيد (٦) ، بل قال في الذكرى : إنّه لا خلاف فيه بين المسلمين ، إنّما الخلاف في تأخيرها إلى قوله (يَسْأَمُونَ) فإنّ ابن عباس والثوريّ وأهل الكوفة والشافعي يذهبون إليه (٧).

وعن الصدوق أنّه قال : يستحبّ أن يسجد في كلّ سورة فيها سجدة (٨) ، فيدخل فيه آل عمران عند قوله تعالى (يا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي) (٩) وغيرها.

وقد يقال : إنّه يُشعر به ما رواه الصدوق في العلل ، عن جابر ، عن الباقر عليه‌السلام ، قال : «إنّ أبي عليه‌السلام ما ذكر لله نعمة إلّا سجد ، ولا قرأ أية من كتاب الله عزوجل فيها سجدة إلّا سجد» إلى أن قال : «فسُمّي السجّاد لذلك» (١٠) وهو كذلك. ولكن الإجماع الذي نقله الشهيد على الحصر يشكل معه الاعتماد على هذا

__________________

(١) الوسائل ٤ : ٨٨٠ أبواب قراءة القرآن ب ٤٢.

(٢) فصّلت : ٣٧.

(٣) انظر الخلاف ١ : ٤٢٩ مسألة ١٧٧.

(٤) الذكرى : ٢١٤.

(٥) الخلاف ١ : ٤٣٠.

(٦) الذكرى : ٢١٤.

(٧) الذكرى : ٢١٤.

(٨) الفقيه ١ : ٢٠١.

(٩) آل عمران : ٤٣.

(١٠) علل الشرائع : ٢٣٢ ب ١٦٦ ح ١.

٥١٨

الإشعار مع ضعف الخبر.

واختلفوا في وجوب السجدة على السامع من غير إصغاء ، بعد اتّفاقهم على الوجوب على القارئ والمستمع ، وادّعى الشيخ الإجماع على عدم الوجوب (١) ، وابن إدريس على الوجوب (٢).

والأخبار مختلفة ، فممّا دلّ على الوجوب رواية أبي بصير القويّة لقاسم بن محمّد عن عليّ بن أبي حمزة قال ، قال : «إذا قرئ شي‌ء من العزائم الأربع فسمعتها فاسجد ، وإن كنت على غير وضوء ، وإن كنت جُنُباً ، وإن كانت المرأة لا تصلّي» (٣).

وموثّقة أبي عبيدة الحذّاء قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن الطامث تسمع السجدة ، قال : «إن كانت من العزائم تسجد إذا سمعتها» (٤).

وتؤيّده صحيحة محمّد بن مسلم عن الباقر عليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يعلّم السورة من العزائم فتعاد عليه مراراً في المقعد الواحد ، قال : «عليه أن يسجد كلّما سمعها ، وعلى الذي يعلّم أن يسجد» (٥).

وما رواه في السرائر عن نوادر البزنطي في الموثّق لعبد الله بن المغيرة ، عن الوليد بن صبيح ، عن الصادق عليه‌السلام ، قال فيمن قرأ السجدة وعنده رجل على غير وضوء ، قال : «سجد إن كان من العزائم» (٦).

وعن عليّ بن رئاب ، عن الحلبي ، قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : يقرأ

__________________

(١) الخلاف ١ : ٤٣١ مسألة ١٧٩.

(٢) السرائر ١ : ٢٢٦.

(٣) الكافي ٣ : ٣١٨ ح ٢ ، التهذيب ٢ : ٢٩١ ح ١١٧١ ، الوسائل ٤ : ٨٨٠ أبواب قراءة القرآن ب ٤٢ ح ٢.

(٤) الكافي ٣ : ١٠٦ ح ٣ ، التهذيب ١ : ١٢٩ ح ٣٥٣ ، الاستبصار ١ : ١١٥ ح ٣٨٥ ، الوسائل ٢ : ٥٨٤ أبواب الحيض ب ٣٦ ح ١.

(٥) التهذيب ٢ : ٢٩٣ ح ١١٧٩ ، الوسائل ٤ : ٨٨٤ أبواب قراءة القرآن ب ٤٥ ح ١.

(٦) مستطرفات السرائر ٣ : ٥٥٧ ، الوسائل ٤ : ٨٨١ أبواب قراءة القرآن ب ٤٢ ح ٥.

٥١٩

الرجل السجدة وهو على غير وضوء؟ قال : «يسجد إذا كانت من العزائم» (١).

وفي كتاب المسائل لعليّ بن جعفر ، عن أخيه موسى بن جعفر عليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يكون في صلاة في جماعة فيقرأ إنسان السجدة ، كيف يصنع؟ قال : «يومئ برأسه» (٢) الحديث.

وممّا دلّ على العدم صحيحة عبد الله بن سنان ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل سمع السجدة تقرأ ، قال : «لا يسجد إلّا أن يكون منصتاً لقراءته مستمعاً لها ، أو يصلّي بصلاته ، وأما أن يكون يصلّي في ناحية وأنت تصلّي في ناحية اخرى فلا تسجد لما سمعت» (٣) وتؤيّده روايته في كتاب دعائم الإسلام أيضاً (٤).

ويمكن حمل المطلق على المقيّد ، وربّما يُحمل ما دلّ على عدم الوجوب على التقية ، لموافقته لمذهب العامّة.

والأقوى الوجوب ، لأنّ صحيحة عبد الله بن سنان لا تخلو عن شي‌ء في مَتنها بالنظر إلى فتوى جمهور أصحابنا ، وفي سندها محمّد بن عيسى عن يونس ، وفيه كلام مشهور ، فلا تصلح لتقييد سائر الأخبار ، مع موافقتها للعامّة.

قال في الذكرى : ولا شكّ عندنا في استحبابه على تقدير عدم الوجوب ، ثمّ قال : أما غير العزائم فيستحبّ مطلقاً ، ويتأكّد في حقّ التالي والمستمع (٥).

وهل تشترط الطهارة فيها أم لا؟ الأقرب العدم ، للأصل ، والأخبار المتقدّمة.

والروايات في خصوص الحائض متعارضة ، منها رواية أبي بصير وموثّقة

__________________

(١) مستطرفات السرائر ٣ : ٥٥٥ ، الوسائل ٤ : ٨٨١ أبواب قراءة القرآن ب ٤٢ ح ٦.

(٢) مسائل عليّ بن جعفر : ١٧٢ ح ٣٠٠ ، الوسائل ٤ : ٨٨٢ أبواب قراءة القرآن ب ٤٣ ح ٣.

(٣) الكافي ٣ : ٣١٨ ح ٣ ، التهذيب ٢ : ٢٩١ ح ١١٦٩ ، الوسائل ٤ : ٨٨٢ أبواب قراءة القرآن ب ٤٣ ح ١.

(٤) دعائم الإسلام ١ : ٢١٤.

(٥) الذكرى : ٢١٤.

٥٢٠