غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ٢

الميرزا أبو القاسم القمّي

غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ٢

المؤلف:

الميرزا أبو القاسم القمّي


المحقق: عباس تبريزيان
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-424-250-5
الصفحات: ٦٣١

ولا مخالف في هذا الحكم بين الأصحاب كما قاله بعضهم (١).

ويدلّ على ذلك أيضاً الإطلاقات والأُصول ، وربما يشعر به الموثّق المتقدّم : «فإنّه لا قراءة حتّى يبدأ بها» (٢) فتدبر.

وظاهر فقه الرضا عليه‌السلام إعادة ما أخذ فيها (٣) ، وهو ظاهر الإرشاد (٤) ، والأظهر هو ما عليه الأكثر.

وأما لو شك بعد الأخذ في السورة فجماعة من الأصحاب على الإعادة (٥) ، وبناؤهم في ذلك كأنّه على أنّ محلّ القراءتين واحد كما ذكره المحقّق (٦).

وقد يتمسّك في ذلك بصحيحة زرارة : رجل شكّ في الأذان وقد دخل في الإقامة؟ قال : «يمضي» قلت : رجل شكّ في الأذان والإقامة وقد كبّر؟ قال : «يمضي» قلت : رجل شكّ في التكبير وقد قرأ؟ قال : «يمضي» قلت : شكّ في القراءة وقد ركع؟ قال : «يمضي» قلت : شكّ في الركوع وقد سجد؟ قال : «يمضي على صلاته» ثمّ قال : «يا زرارة ، إذا خرجت من شي‌ء ثمّ دخلت في غيره فشكّك ليس بشي‌ء» (٧) فإنّ قول زرارة قلت : شكّ في القراءة وقد ركع ، يقتضي عدم المضيّ لو لم يركع.

وهو كما ترى ، إذ هو مورد سؤال الراوي ، وليس في الجواب ، مع أنّه مفهوم ضعيف لا يعارض المنطوق.

__________________

(١) الشرائع ١ : ٧١ ، الدروس ١ : ١٧١ ، الذكرى : ٢٤٥.

(٢) التهذيب ٢ : ١٤٧ ح ٥٧٤ ، الوسائل ٤ : ٧٦٨ أبواب القراءة ب ٢٨ ح ٢.

(٣) فقه الرضا (ع) : ١١٦.

(٤) إرشاد الأذهان ١ : ٢٥٣.

(٥) منهم ابن إدريس في السرائر ١ : ٢٥٠ ، والعلامة في التذكرة ٣ : ٣١٨.

(٦) المختصر النافع ١ : ٤٤.

(٧) التهذيب ٢ : ٣٥٢ ح ١٤٥٩ ، الوسائل ٥ : ٣٣٤ أبواب الخلل ب ٢٣ ح ١.

٤٨١

واختار المفيد (١) وابن إدريس (٢) والمحقّق (٣) وغيرهم (٤) عدمه نظراً إلى كونهما شيئين ، والصحاح تدلّ على أنّه إذا خرج من شي‌ء ثمّ دخل في غيره فشكّه ليس بشي‌ء ، منها الصحيح المتقدّم ، وتدلّ عليه أيضاً الأُصول والعمومات ، ولا شكّ أنّه أحوط بل وأقوى.

فائدة :

قال العلامة في التذكرة : لا تجب القراءة في النافلة للأصل (٥) ، وليس بشي‌ء ، إذ العبادة توقيفية ، ولم يثبت توظيفها بهذا النحو ، وعدم وجوب الأصل لا ينافي وجوبه ، إذ المراد من الوجوب هنا الشرطي.

الثاني : المشهور بين الأصحاب وجوب قراءة الفاتحة في عشر ركعات صلوات الآيات كلّها إن كان يقرأ في كلّ ركوع سورة كاملة ، وإن كان يبعّض فكلّما كملت السورة يجب قراءة الفاتحة فيما يليها ، للصحاح (٦).

ففي الصحيح على الظاهر بسند ، والحسن بإبراهيم بن هاشم بسند آخر ، عن زرارة ومحمّد بن مسلم ، قالا : سألنا أبا جعفر عليه‌السلام عن صلاة الكسوف ، إلى أن قال ، قلت : كيف القراءة فيها؟ فقال : «إن قرأت سورة في كلّ ركعة فاقرأ فاتحة الكتاب ، وإن نقصت من السورة شيئاً فاقرأ من حيث نقصت ،

__________________

(١) نقله عنه في السرائر ٢ : ٢٤٨.

(٢) السرائر ١ : ٢٤٨.

(٣) المعتبر ٢ : ٣٩٠.

(٤) كالمقدس الأردبيلي في مجمع الفائدة ٣ : ١٦٩ ، والمحقّق السبزواري في الذخيرة : ٣٧٥ ، والكفاية : ٢٦.

(٥) التذكرة ٣ : ١٣٠.

(٦) الوسائل ٥ : ١٤٩ أبواب صلاة الكسوف ب ٧.

٤٨٢

ولا تقرأ فاتحة الكتاب» (١).

وفي صحيحة الفضلاء عن كليهما ، ومنهم من رواه عن أحدهما عليهما‌السلام : بعد وصفه عليه‌السلام للصلاة أيضاً ، وذكره أنّه يقرأ في كلّ ركوع فاتحة الكتاب وسورة ، قلت : وإن هو قرأ سورة واحدة في الخمس ركعات ففرّقها بينها؟ قال : «أجزأه أُمّ القرآن في أوّل مرّة ، وإن قرأ خمس سور فمع كلّ سورة ام الكتاب» (٢).

وفي صحيحة الحلبي : «وإن شئت قرأت سورة في كلّ ركعة ، وإن شئت قرأت نصف سورة في كلّ ركعة ، فإذا قرأت سورة في كلّ ركعة فاقرأ فاتحة الكتاب ، وإن قرأت نصف السورة أجزأك أن لا تقرأ فاتحة الكتاب إلّا في أوّل ركعة حتّى تستأنف أُخرى» (٣) الحديث.

وخالف في ذلك ابن إدريس ، فقال باستحبابه ؛ محتجّاً بأن الركعات كالركعة الواحدة (٤) ، وما يظهر من بعض الأخبار (٥) موافقته له فهو مع سلامته مؤوّل أو مطروح.

والذي يظهر من تلك الأخبار جواز التفريق في كلّ الصلاة وإتمام السورة في كلّ الركعات ، والتفريق بين الركعتين بالإتمام والتبعيض والتلفيق بين الركعات ، وفي كلّ منهما بالتبعيض والإتمام (٦) ، ولا بأس به.

وقد احتمل بعضهم انحصار المجزئ في الواحدة المبعّضة في الخمسة أو الخمس

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٦٣ ح ٢ ، التهذيب ٣ : ١٥٦ ح ٣٢٥ ، الوسائل ٥ : ١٥٠ أبواب صلاة الكسوف ب ٧ ح ٦.

(٢) التهذيب ٣ : ١٥٥ ح ٣٣٣ ، الوسائل ٥ : ١٤٩ أبواب صلاة الكسوف ٧ ح ١.

(٣) الفقيه ١ : ٣٤٦ ح ١٥٣٣ ، الوسائل ٥ : ١٥١ أبواب صلاة الكسوف ب ٧ ح ٧.

(٤) السرائر ١ : ٣٢٤.

(٥) الذكرى : ٢٤٥.

(٦) الكافي ٣ : ٤٦٣ ح ٢ ، الفقيه ١ : ٣٤٦ ح ١٥٣٣ ، التهذيب ٣ : ١٥٦ ح ٣٣٥ ، الوسائل ٥ : ١٥٠ أبواب صلاة الكسوف ب ٧ ح ٦ ، ٧.

٤٨٣

سور كاملة ، لدورانها بين كونها ركعتين أو عشر ركعات ، فعلى الأوّل الأوّل ، وعلى الثاني الثاني (١) ، ولازمه الاكتفاء بأحدهما في كلّ من الركعتين ، ويبقى الكلام في التعيّن.

والحقّ أنّ هذا الاحتمال مبنيّ على عدم جواز القرآن ، وبعد تسليم عدم جوازه لا عموم لدليله بحيث يشمل ما نحن فيه.

والإطلاقات ههنا تنادي بأعلى صوتها بالجواز.

نعم لو قلنا بعدم جواز الاقتصار على أقلّ من سورة في كلّ ركعة لكان وجيهاً كما قرّبه العلامة في النهاية (٢) ، لكونها ركعة ، ولا يجوز الاقتصار في ركعة على أقلّ من سورة ، وإن كانت الإطلاقات تقتضي ذلك.

وهل يجب مع التبعيض في إحدى الركعتين بعد إتمام سورة إتمام المبعّضة قبل السجود أم لا؟ فيه وجهان ، ظاهر الإطلاقات العدم ، وهو أقرب.

وبعد ما بنينا على ذلك فهل يجب الإتمام بعد القيام عن السجود أم لا؟ وجهان ، أظهرهما من الحديث الأوّل «فاقرأ من حيث نقصت» والصحيح الأخر «حتى تستأنف اخرى» الوجوب.

وبعد البناء على ذلك فهل تجب قراءة الحمد قبله أم لا؟ قرّب الأوّل العلامة رحمه‌الله في التذكرة ، لأنه قيام عن سجود ، فوجبت فيه الفاتحة ، لكنّه قال : يبتدئ بسورة أُخرى بعدها ، وجعل الاكتفاء بمجرّد تتمّة السورة بدون الحمد احتمالاً ، وأوجب لو فعل ذلك قراءة الحمد في الثانية ، حيث لا يجوز له الاكتفاء بالحمد مرّة في الركعتين (٣).

وربّما يظهر من الصحيح الأخر : «فإن قرأت نصف السورة أجزأك أن لا تقرأ

__________________

(١) الذكرى : ٢٤٥.

(٢) نهاية الإحكام ٢ : ٧٣.

(٣) التذكرة ٤ : ١٧١.

٤٨٤

فاتحة الكتاب إلّا في أوّل ركعة حتّى تستأنف أُخرى» التأييد لذلك ، فيكون مخصّصاً للخبر الأوّل.

وكذا يظهر ذلك من الصحيح الأوسط ، قال : «أجزأه أُم القرآن في أوّل مرّة».

وهل تحرم قراءة فاتحة الكتاب ما لم يتمّ السورة في الركعات أم تركها رخصة؟ احتمالان ؛ النهي في الخبر الأوّل يعيّن الأوّل ، وظاهر الخبرين الأخيرين يُنبئ عن الثاني ، ولعلّ الترك أولى وأحوط.

وهل يجوز اختيار بعض سورة أُخرى قبل إتمام المبعّضة في أثناء الركعات أو إعادة ما مضى منها؟ ومع ذلك فهل تجب إعادة الحمد أم لا؟ أوجه.

والأحوط إتمام السورة في الركعة الأُولى قبل السجود ، سواء اكتفى بسورة أو أكثر ، وعدم العدول عن سورة إلى أُخرى حتّى يتمّها ، بل وعدم إعادة ما مضى من المبعّضة. وكلّ ذلك يستفاد من تلك النصوص.

وغاية الاحتياط الاكتفاء بخمس سورٍ في كلّ ركعة ، أو سورة مبعّضة يتمّها في كلّ واحدة منهما ، والله أعلم بحقائق أحكامه.

الثالث : أجمع علماؤنا على أنّه لا تتعيّن قراءة الفاتحة في الثالثة والرابعة من الثلاثية والرباعية ، بل يختار المصلّي بينها وبين التسبيح نقله غير واحد من أصحابنا.

وإنّما الخلاف في مقامين ، الأوّل : كيفية التسبيح وكميته ، والثاني : بيان الأفضلية بين البدلين.

ففي المقام الأوّل ترتقي الأقوال إلى ستّة وأزيد :

الأوّل : وجوب العبارة الاتية ثلاث مرّات ، وهو قول الشيخ في النهاية والاقتصاد والشهيد في الدروس (١) ، وقال الصدوق في الفقيه : وقل في الركعتين الأخيرتين

__________________

(١) النهاية : ٧٦ ، الاقتصاد : ٢٦١ ، الدروس ١ : ١٧٣.

٤٨٥

إماماً كنت أو غير إمام : سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلّا الله ، والله أكبر ، ثلاث مرّات ، وإن شئت قرأت في كلّ ركعة منها الحمد لله ، إلّا أنّ التسبيح أفضل (١).

ويدلّ عليه صريح الفقه الرضوي (٢) ، وما روى في العيون عن رجاء بن أبي ضحّاك : أنه صحب الرضا عليه‌السلام من المدينة إلى مرو ، فقال : كان يسبّح في الأُخراوين يقول : «سبحان الله والحمد لله ولا إله إلّا الله والله أكبر» ثلاث مرّات ثمّ يركع (٣).

لكن الفاضل المجلسي في البحار قال : إنّ في النسخ القديمة المصحّحة بدون التكبير (٤) ، ويظهر من بعض الأصحاب أيضاً أنّ بها رواية (٥) ، ولعلّ إيراده في النهاية والفقيه أيضاً لا يقصر عن الرواية كما هو ظاهر عند المطّلع ، ولها أيضاً من الأخبار شواهد (٦).

والثاني : وجوب العبارة الاتية ثلاث مرّات ، وقد نسب إلى الصدوق (٧) رحمه‌الله وذلك لأنّه نقل الصحيحة الاتية في أبواب الجماعة ، ولا يخفى أنّه لا يدلّ على تعيّنه عنده ، لأنّه قال : ما قلناه في أوائل كتاب الصلاة ، وذكر بعد هذه الصحيحة بعينها أيضاً روايات أُخر تدلّ على سائر المذاهب ، وقد نسب ذلك إلى حريز بن عبد الله (٨) وأبي الصلاح أيضاً (٩).

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٠٩.

(٢) فقه الرضا (ع) : ١٠٥.

(٣) عيون أخبار الرضا (ع) ٢ : ١٨٠ ح ٥.

(٤) البحار ٨٢ : ٨٨.

(٥) المعتبر ٢ : ١٨٩.

(٦) انظر الوسائل ٤ : ٧٩١ أبواب القراءة ب ٥١.

(٧) كما في المعتبر ٢ : ١٨٩ ، والمدارك ٣ : ٣٧٩.

(٨) كما في المعتبر ٢ : ١٨٩.

(٩) الكافي في الفقه : ١١٧ ، والناسب هو العلامة في المختلف ٢ : ١٤٦.

٤٨٦

وتدلّ عليه صحيحة زرارة أنّه قال : «لا تقرأ في الركعتين الأخيرتين من الأربع الركعات المفروضات شيئاً ، إماماً كنت أو غير إمام» قلت : فما أقول فيهما؟ قال : «إن كنت إماماً أو وحدك فقل : سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلّا الله ، ثلاث مرّات ، تكمل تسع تسبيحات ، ثمّ تكبّر وتركع» (١).

والثالث : وجوب ما ذكر مع زيادة تكبير في أخره ، فيكون عشراً ، وهو مختار جماعة (٢) ، ومنهم ابن إدريس وقال : ويجزئ المستعجل أربع وغيره عشر (٣) ، ولم نقف له على مستند واضح ، ولعلّه استدلّ عليه بالصحيحة المتقدّمة ، والظاهر أنّ التكبير المذكور فيها تكبيرة الركوع.

والرابع : وجوب العبارة الاتية مرة ، وهو اختيار المفيد (٤) وجماعة من المتأخّرين ؛ (٥) على ما قيل ، وتدلّ عليه صحيحة زرارة قال ، قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : ما يجزئ من القول في الركعتين الأخيرتين؟ قال : «أن يقول : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلّا الله والله أكبر» (٦).

والخامس : القول بما في صحيحة الحلبي عن الصادق عليه‌السلام ، قال : «إذا قمت في الركعتين الأخيرتين لا تقرأ فيهما ، فقل : الحمد لله وسبحان الله والله أكبر» (٧).

والسادس : الذي يقال مكان القراءة تحميد وتسبيح وتكبير يقدّم ما شاء ،

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٥٦ ح ١١٥٨.

(٢) كالشيخ في المبسوط ١ : ١٠٦ ، والجمل والعقود (الرسائل العشر) : ١٨١ ، ونقله عن ابن أبي عقيل والسيّد في المعتبر ٢ : ١٨٩.

(٣) السرائر ١ : ٢٢٢

(٤) المقنعة : ١١٣.

(٥) كالعلامة في المختلف ٢ : ١٤٧ ، وإرشاد الأذهان ١ : ٢٥٣ ، والمحقّق في المعتبر ٢ : ١٩٠ جعله أولى.

(٦) التهذيب ٢ : ٩٨ ح ٣٦٧ ، الوسائل ٤ : ٧٨٢ أبواب القراءة ب ٤٢ ح ٥.

(٧) التهذيب ٢ : ٩٩ ح ٣٧٢ ، الاستبصار ١ : ٣٢٢ ح ١٢٠٣ ، الوسائل ٤ : ٧٩٣ أبواب القراءة ب ٥١ ح ٧.

٤٨٧

وظاهره الاجتزاء بمطلق الذكر ، فلا مانع على هذا من العمل بكلّ ما ذكر ، بل وبغيره أيضاً.

وتدلّ عليه صحيحة عبيد ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الركعتين الأخيرتين من الظهر ، قال : «تسبّح وتحمد الله وتستغفر لذنبك ، وإن شئت فاتحة الكتاب ، فإنّها تحميد ودعاء» (١).

وفي رواية عليّ بن حنظلة عن الصادق عليه‌السلام ، قال : سألته عن الركعتين الأخيرتين ما أصنع فيهما؟ فقال : «إن شئت فاقرأ فاتحة الكتاب ، وإن شئت فاذكر الله ؛ فهما سواء» قال ، قلت : فأيّ ذلك أفضل؟ فقال : «هما والله سواء ، إن شئت سبّحت ، وإن شئت قرأت» (٢) ، والأخبار من هذا القبيل بحدّ الاستفاضة.

ويظهر من العلامة في المنتهي «حيث قال : الأقرب عدم وجوب الاستغفار» وجود القول به لصحيحة عبيد (٣).

وربّما أُجيب عنه بجعل الواو بمعنى حتّى ، مثل قولهم : تحتمي عن النهم وتصحّ ، ويعبد الله ويكون حرّا ، أي حتّى يصحّ وحتّى يكون حرّا ، بمعنى أنّ التسبيحات موجبة لمغفرة الذنوب ، وكلاهما بعيدان ، سيّما الأخير.

السابع : التخيير بين العمل بصحيحة زرارة وصحيحة الحلبي وصحيحة عبيد ورواية عليّ بن حنظلة ، لكنه يرجع إلى التخيير بين المطلق والمقيد ، وهو مختار المعتبر ، ولكنه جعل العمل على المتضمّنة للأربعة وتكريرها ثلاث مرّات أحوط (٤).

وربما يسند القول بالاكتفاء بثلاث تسبيحات إلى أبي الصلاح (٥). وتدلّ عليه

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٩٨ ح ٣٦٨ ، الاستبصار ١ : ٣٢١ ح ١١٩٩ ، الوسائل ٤ : ٧٨١ أبواب القراءة ب ٤٢ ح ١.

(٢) التهذيب ٢ : ٩٨ ح ٣٦٩ ، الاستبصار ١ : ٣٢١ ح ١٢٠٠ ، الوسائل ٤ : ٧٨١ أبواب القراءة ب ٤٢ ح ٣.

(٣) المنتهي ١ : ٢٧٥.

(٤) المعتبر ٢ : ١٩٠.

(٥) الكافي في الفقه : ١١٧.

٤٨٨

رواية أبي بصير عن الصادق عليه‌السلام ، قال : «أدنى ما يجزئ من القول في الركعتين الأخيرتين ثلاث تسبيحات تقول : سبحان الله سبحان الله سبحان الله» (١).

والذي يقوى في نفسي هو ترجيح الكفاية بمطلق الذكر ، لاختلاف الأخبار غاية الاختلاف ، ونصوصية بعضها في الإطلاق ، وظهور كثير من الصحاح في ذلك ، فقيل فيها : «لا تقرأ فيهما ، إنّما هو تسبيح وتهليل وتكبير ودعاء» ويظهر ذلك بملاحظة بعض ما ذكرنا منها أيضاً.

وفي حسنة زرارة لإبراهيم بن هاشم : «وفوّض إلى محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله فزاد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في الصلاة سبع ركعات ، هي سنّة ليس فيهن قراءة ، إنّما هو تسبيح وتهليل وتكبير ودعاء» (٢) إلى غير ذلك من الأخبار.

وهل يجب الذكر بمقدار القراءة : احتمالان ؛ بالنظر إلى البدليّة وكون البدل بمقدار المبدل منه ، ولليقين بالبراءة. ومن أنّ الظاهر من الأخبار كما ذكرنا هو أصالة الذكر المطلق ، ونفي أصالة القراءة ، أو كونهما في ذلك على السواء ، وأصالة عدم تقييد تلك النصوص المستفيضة ، والأحوط أن لا يكتفى بأقلّ من الأربعة ، وأحوط منه بناء العمل على القول الأوّل كما ذكره المحقّق (٣).

وأما المقام الثاني ، فالمنقول عن طائفة من الأصحاب أفضليّة التسبيح مطلقاً ، منهم ابن إدريس (٤).

وقيل بالتساوي (٥).

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٥٦ ح ١١٥٩ ، الوسائل ٤ : ٧٨٢ أبواب القراءة ب ٤٢ ح ٧.

(٢) الكافي ٣ : ٢٧٣ ح ٧ ، الوسائل ٤ : ٧٨٢ أبواب القراءة ب ٤٢ ح ٦.

(٣) الشرائع ١ : ٧٣.

(٤) السرائر ١ : ٢٣٠.

(٥) النهاية : ٧٦ ، المبسوط ١ : ١٠٦.

٤٨٩

وقيل بالتخيير للمنفرد ، وأفضليّة القراءة للإمام (١).

وقيل باستحباب التسبيح للإمام إذا تيقّن عدم المسبوق معه ، ومع العلم بالدخول يقرأ ، والمنفرد يجزئه مهما فعل (٢).

وقيل : الأفضل للإمام القراءة وللمأموم التسبيح (٣).

ويظهر من صاحب المدارك أفضليّة القراءة مطلقاً (٤).

والأقرب هو القول الأوّل ، ويدلّ عليه مضافاً إلى الإطلاقات الكثيرة غاية الكثرة تعميم صحيحة زرارة المتقدّمة.

بل ويظهر من بعض الأخبار أنّ الأفضليّة كانت معلومة عند الرواة ، وكانوا يسألون عن علّتها ، ففي رواية محمّد بن حمران (٥) حيث سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن علّة أفضليّة التسبيح وقال : لأيّ علّة صار التسبيح في الركعتين الأخيرتين أفضل من القراءة؟ قال : «لأنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لما كان في الأخيرتين ذكر ما رأى من عظمة الله عزوجل فدهش ، فقال : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلّا الله والله أكبر ، فلذلك صار التسبيح أفضل من القراءة» (٦).

بل ويظهر من ملاحظة صدر الخبر أنّه كان في الجماعة ؛ لأنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يصلّي إماماً بالملائكة ، فيصير أوضح في التعميم المطلوب.

ويدلّ عليه أيضاً ما رواه في الفقيه مرسلاً عن الرضا عليه‌السلام (٧) ، وتشير إليه

__________________

(١) الاستبصار ١ : ٣٢٢.

(٢) نقله عن ابن الجنيد في المختلف ٢ : ١٤٨.

(٣) التذكرة ٣ : ١٤٥.

(٤) المدارك ٣ : ٣٤٥.

(٥) في المصادر : محمّد بن عمران.

(٦) الفقيه ١ : ٢٠٢ ح ٩٢٥ ، الوسائل ٤ : ٧٩٢ أبواب القراءة ب ٥١ ح ٣.

(٧) الفقيه ١ : ٢٠٢ ح ٩٢٤ ، وانظر الوسائل ٤ : ٧٩٢ أبواب القراءة ب ٥١ ح ٤.

٤٩٠

صحيحة عبيد بن زرارة المتقدّمة (١).

وتدلّ على القول الثاني رواية عليّ بن حنظلة المتقدّمة (٢).

وتدلّ على القول الثالث صحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «إذا كنت إماماً فاقرأ في الركعتين الأخيرتين بفاتحة الكتاب ، وإن كنت وحدك فيسعك فعلت أو لم تفعل» (٣) والجمع بين ما دلّ على أفضليّة القراءة ورواية عليّ بن حنظلة.

ولم أقف للقول الرابع على حجّة يعتدّ بها.

ويدلّ على القول الخامس مضافاً إلى صحيحة منصور المتقدّمة منضمّةً إلى ما دلّ على أفضليّة التسبيح : صحيحة معاوية بن عمّار قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن القراءة خلف الإمام في الركعتين الأخيرتين ، فقال : «الإمام يقرأ فاتحة الكتاب ، ومن خلفه يسبّح ، فإذا كنت وحدك فاقرأ فيهما ، وإن شئت فسبّح» (٤).

وعلى القول السادس ظاهر صحيحة منصور المتقدّمة ، ورواية محمّد بن حكيم (٥) وما في معناهما (٦) ، وما رواه في الاحتجاج عن الحميري ، عن صاحب الزمان عليه‌السلام : إنّه كتب إليه يسأله عن الركعتين الأخيرتين قد كثرت فيهما الروايات ، فبعض يروي (٧) أنّ قراءة الحمد وحدها أفضل ، وبعض يروي (٨) أنّ التسبيح فيهما أفضل ، والفضل أيّهما لنستعمله؟ فأجاب عليه‌السلام : «قد نسخت قراءة أُمّ الكتاب في هاتين الركعتين التسبيح ، والذي نسخ التسبيح قول

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٩٨ ح ٣٦٨ ، الاستبصار ١ : ٣٢١ ح ١١٩٩ ، الوسائل ٤ : ٧٨١ أبواب القراءة ب ٤٢ ح ١.

(٢) التهذيب ٢ : ٩٨ ح ٣٦٩ ، الاستبصار ١ : ٣٢١ ح ١٢٠٠ ، الوسائل ٤ : ٧٨١ أبواب القراءة ب ٤٢ ح ٣.

(٣) التهذيب ٢ : ٩٩ ح ٣٧١ ، الاستبصار ١ : ٣٢٢ ح ١٢٠٢ ، الوسائل ٤ : ٧٩٤ أبواب القراءة ب ٥١ ح ١١.

(٤) الكافي ٣ : ٣١٩ ح ١ ، التهذيب ٢ : ٢٩٤ ح ١١٨٥ ، الوسائل ٤ : ٧٨١ أبواب القراءة ب ٤٢ ح ٢.

(٥) التهذيب ٢ : ٩٨ ح ٣٧٠ ، الاستبصار ١ : ٣٢٢ ح ١٢٠١ ، الوسائل ٤ : ٧٩٤ أبواب القراءة ب ٥١ ح ١٠.

(٦) الوسائل ٤ : ٧٩١ أبواب القراءة ب ٥١.

(٧) في «ح» والوسائل : يرى ، بدل يروي.

(٨) في «ح» والوسائل : يرى ، بدل يروي.

٤٩١

العالم عليه‌السلام : كلّ صلاة لا قراءة فيها فهي خداج ؛ إلّا للعليل ، أو من يكثر عليه السهو فيتخوّف بطلان الصلاة عليه» (١).

والجواب منع دلالة الصحيحة ، وباقي الأخبار مؤوّلة أو محمولة على التقيّة ، فالوجه إذن أفضليّة التسبيح مطلقاً ، والبناء على القول الأوّل في المقام الأوّل ، سيّما إذا كان إماماً ، لملاحظة حال مسبوق لو وجد.

وهل يستحبّ أزيد من ذلك؟ المنقول عن ابن أبي عقيل : أنّه يقول سبعاً أو خمساً وأدناه ثلاث (٢) ، وقال في الذكرى : ولا بأس باتّباع هذا الشيخ العظيم الشأن في استحباب ذكر الله تعالى (٣) ، هذا إذا قطع النظر عن كونه من أفراد مطلق الذكر بناءً على ترجّحه ، وإلّا فلا ريب في استحبابه من حيث كونه مندرجاً تحت المطلق ، بل يكون أفضل أفراده.

ثمّ إنّ ههنا فوائد :

الأُولى : هل يجوز العدول عن التسبيح إلى القراءة وبالعكس؟ وهل يجوز التفكيك بهما بين الركعتين؟ وجهان ، أقربهما بالنسبة إلى الإطلاقات الجواز ، وبالنسبة إلى عدم معلومية التوظيف بهذا النحو والشكّ في حصول البراءة مع ذلك العدم.

وأما مع السهو عمّا أراده أوّلاً ثمّ التذكر والرجوع فلعلّ الأمر فيه كان أسهل ، بل لا يبعد القول بتعيين الرجوع إليه أو إعادة ذلك لو لم يرد الرجوع ، فتأمّل.

الثانية : هل يجب الإخفات بها؟ وجهان ، اختار الشهيد رحمه‌الله الوجوب ، لعموم البدليّة (٤) وقيل : لا ، للأصل ، والإطلاقات ، وعدم ثبوت

__________________

(١) الاحتجاج : ٤٩١ ، وانظر الوسائل ٤ : ٧٩٤ أبواب القراءة ب ٥١ ح ١٤.

(٢) نقله عنه في المختلف ٢ : ١٤٦.

(٣) الذكرى : ١٨٩.

(٤) الذكرى : ١٨٩.

٤٩٢

المخصص (١) ، ولعلّ الأوّل أقوى ، لظهور التساوي من الأخبار ، وهو أحوط.

الثالثة : لو نسي القراءة في الأُوليين لا تتعيّن عليه القراءة في الأخيرتين ، لعمومات التخيير ، ولصحيحة معاوية بن عمّار عن الصادق عليه‌السلام ، قال ، قلت : الرجل يسهو عن القراءة في الركعتين الأُوليين فيذكر في الركعتين الأخيرتين أنّه لم يقرأ ، قال : «أتمّ السجود والركوع؟» قلت : نعم ، قال : «إنّي أكره أن أجعل آخر صلاتي أوّلها» (٢).

ويحتمل أن يكون المراد كراهة قراءة السورة مع الحمد ، لا مطلق القراءة ، فهي باقية على التخيير بينها وبين التسبيح ، ولمنع شمول أدلّة وجوب القراءة لما نحن فيه.

والشيخ في الخلاف على وجوب القراءة في الأخيرتين (٣) ، لظاهر رواية الحسين بن حمّاد عن الصادق عليه‌السلام قال : قلت له : أسهو عن القراءة في الركعة الأُولى ، قال : «اقرأ في الثانية» قلت : أسهو في الثانية ، قال : «اقرأ في الثالثة» قلت : أسهو في صلاتي ، قال : «إذا حفظت الركوع والسجود فقد تمّت صلاتك» (٤). والمرسلة الاتية في مسألة وجوب السورة (٥). وعموم «لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب» (٦).

والأوّلتان ، مع ضعفهما غير واضحتي الدلالة كما لا يخفى ، والثاني مخصّص بما هو أقوى منه.

الرابعة : لو شكّ في عددها بنى على الأقلّ ، لأنّه المتيقّن ، وهو المحصّل للبراءة.

__________________

(١) السرائر ١ : ٢٢٢.

(٢) التهذيب ٢ : ١٤٦ ح ٥٧١ ، الوسائل ٤ : ٧٧٠ أبواب القراءة ب ٣٠ ح ١.

(٣) الخلاف ١ : ٣٤١ مسألة ٩٣.

(٤) الفقيه ١ : ٢٢٧ ح ١٠٠٤ ، التهذيب ٢ : ١٤٨ ح ٥٧٩ ، الوسائل ٤ : ٧٧١ أبواب القراءة ب ٣٠ ح ٣.

(٥) الكافي ٣ : ٣٨٣ ح ١٠ ، الفقيه ١ : ٢٦٣ ، ح ١٢٠٣ ، التهذيب ٣ : ٤٦ ح ١٦٠ ، الاستبصار ١ : ٤٣٧ ح ١٦٨٦ ، الوسائل ٥ : ٤٤٦ أبواب صلاة الجماعة ب ٤٧ ح ٧.

(٦) الوسائل ٤ : ٧٣٢ أبواب القراءة ب ١.

٤٩٣

الرابع : تجب قراءة سورة كاملة عقيب الفاتحة فيما تجب فيها عيناً من الفرائض في حال الاختيار وهو المشهور بين الأصحاب.

ونسب إلى الشيخ في النهاية (١) وابن الجنيد (٢) وسلّار (٣) القول بالاستحباب ، وقوّاه جماعة من المتأخّرين (٤).

لنا : مضافاً إلى استمرار العمل بذلك في الأزمان السابقة ، وفي عهد الرسول والأئمّة صلوات الله عليهم ، والتزامهم ذلك ، وعدم معهوديّة خلافه من أفعالهم ، الصحاح المستفيضة.

ففي صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام قال ، قال : «إذا أدرك الرجل بعض الصلاة ، وفاته بعض خلف إمام يحتسب بالصلاة خلفه ، جعل ما أدرك أوّل صلاته ، إن أدرك من الظهر أو من العصر أو من العشاء ركعتين وفاتته ركعتان قرأ في كلّ ركعة ممّا أدرك خلف الإمام في نفسه بأُمّ الكتاب وسورة ، فإن لم يدرك السورة تامّة أجزأته أُمّ الكتاب ، فإذا سلّم الإمام قام فصلّى ركعتين لا يقرأ فيهما ، لأنّ الصلاة إنّما يقرأ فيها في الأُوليين في كلّ ركعة بأُمّ الكتاب وسورة ، وفي الأخيرتين لا يقرأ فيهما ، إنّما هو تسبيح وتكبير وتهليل ودعاء» (٥).

وفي صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «لا بأس أن يقرأ الرجل في الفريضة بفاتحة الكتاب في الركعتين الأُوليين إذا أعجلت به حاجته أو تخوّف شيئاً» (٦).

__________________

(١) النهاية : ٧٥.

(٢) نقله عنه في المختلف ٢ : ١٤٢.

(٣) المراسم : ٧٠.

(٤) كالمحقّق في المعتبر ٢ : ١٧٣ ، والعلامة في المنتهي ١ : ٢٧٣ ، وصاحبي المدارك ٣ : ٣٤٧ ، والذخيرة : ٢٦٨.

(٥) التهذيب ٣ : ٤٥ ح ١٥٨ ، الاستبصار ١ : ٤٣٦ ح ١٦٨٣ ، الوسائل ٥ : ٤٤٥ أبواب صلاة الجماعة ب ٤٧ ح ٤.

(٦) التهذيب ٢ : ٧١ ح ٢٦١ ، الاستبصار ١ : ٣١٥ ح ١١٧٢ ، الوسائل ٤ : ٧٣٤ أبواب القراءة ب ٢ ح ٢.

٤٩٤

ويقرب من هذا المضمون ما رواه في قرب الإسناد ، عن عليّ بن جعفر ، عن أخيه عليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يكون مستعجلاً يجزئه أن يقرأ في الفريضة بفاتحة الكتاب وحدها؟ قال : «لا بأس» (١).

وفي صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «من غلط في سورة فليقرأ قل هو الله أحد ثمّ ليركع» (٢).

وتدلّ عليه أيضاً الأخبار الكثيرة المعتبرة التي تدلّ على عدم العدول من قل هو الله أحد إلى غيرها ، وكذلك قل يا أيّها الكافرون (٣).

ففي صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «ومن افتتح بسورة ثمّ بدا له أن يرجع في سورة غيرها فلا بأس ، إلّا قل هو الله أحد ، فلا يرجع منها إلى غيرها ، وكذلك قل يا أيّها الكافرون» (٤).

ويدلّ عليه أيضاً خبر في سنده مروك بن عبيد وقد وثّقه ابن فضال ، عن رجل ، عن الباقر عليه‌السلام قال ، قال لي : «أيّ شي‌ء يقول هؤلاء في الرجل الذي تفوته مع الإمام ركعتان؟» قلت : يقولون يقرأ فيهما بالحمد وسورة ، فقال : «هذا يقلب صلاته ، يجعل أوّلها آخرها» قلت : فكيف يصنع؟ قال : «يقرأ فاتحة الكتاب في كلّ ركعة» (٥) وفي معناه الأخبار الكثيرة ، منها الصحيح.

ويظهر من المجموع أنّ أوّل الصلاة هو ما كان يجب فيه الفاتحة وسورة ، بل هو صريح بعضها كما ذكرنا.

وصحيحة محمّد بن إسماعيل قال : سألته قلت : أكون في طريق مكّة فننزل

__________________

(١) قرب الإسناد : ٩٦ ، الوسائل ٤ : ٧٣٥ أبواب القراءة ب ٢ ح ٦.

(٢) التهذيب ٢ : ٢٩٠ ح ١١٨٧ ، الوسائل ٤ : ٧٨٣ أبواب القراءة ب ٤٣ ح ١.

(٣) الوسائل ٤ : ٧٧٥ أبواب القراءة ب ٣٥.

(٤) التهذيب ٢ : ١٩٠ ح ٧٥٣ ، الوسائل ٤ : ٧٧٥ أبواب القراءة ب ٣٥ ح ٢.

(٥) الكافي ٣ : ٣٨٣ ح ١٠ ، الفقيه ١ : ٢٦٣ ح ١٢٠٣ ، التهذيب ٣ : ٤٦ ح ١٦٠ ، الاستبصار ١ : ٤٣٧ ح ١٦٨٦ ، الوسائل ٥ : ٤٤٦ أبواب صلاة الجماعة ب ٤٧ ح ٧.

٤٩٥

للصلاة في مواضع فيها الأعراب ، أنصلّي المكتوبة على الأرض فنقرأ أُمّ الكتاب وحدها ، أم نصلّي على الراحلة فنقرأ فاتحة الكتاب والسورة؟ قال : «إذا خفت فصلّ على الراحلة المكتوبة وغيرها ، وإذا قرأت الحمد وسورة أحبّ إليّ ، ولا أرى بالذي فعلت بأساً» (١) وجه الدلالة ترخيصه عليه‌السلام لترك القيام الواجب من أجل السورة.

ويدلّ عليه أيضاً ما رواه يحيى بن أبي عمران الهمداني في الصحيح قال : كتبت إلى أبي جعفر عليه‌السلام : جعلت فداك ، ما تقول في رجل ابتدأ ببسم الله الرحمن الرحيم في صلاته وحده في أُمّ الكتاب ، فلما صار إلى غير أُم الكتاب من السورة تركها ؛ فقال العباسي : ليس بذلك بأس؟ فكتب بخطه : «يعيدها مرّتين على رغم أنفه» يعني العباسي (٢).

وتدلّ عليه الأخبار الدالّة على عدم جواز إفراد والضحى وأ لم نشرح وأ لم تَرَ كيفَ ولإيلاف (٣) والإجماع المنقول على ذلك من الجماعة الاتية كما لا يخفى.

وتؤيّده صحيحة محمّد بن مسلم على الأظهر لمكان محمّد بن عيسى عن يونس عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : سألته عن الذي لا يقرأ فاتحة الكتاب في صلاته ، قال : «لا صلاة له ، إلّا أن يبدأ بها في جهر أو إخفات» قلت : أيّهما أحبّ إليك إذا كان خائفاً أو مستعجلاً ، يقرأ بسورة أو فاتحة الكتاب؟ قال : «فاتحة الكتاب» (٤).

ويظهر منه أنّه كان وجوب السورة عنده واضحاً معلوماً ، حتّى أنّه يسأل عن

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٥٧ ح ٥ ، الوسائل ٤ : ٧٣٦ أبواب القراءة ب ٤ ح ١.

(٢) الكافي ٣ : ٣١٣ ح ٢ ، التهذيب ٢ : ٦٩ ح ٢٥٢ ، الاستبصار ١ : ٣١١ ح ١١٥٦ ، الوسائل ٤ : ٧٤٦ أبواب القراءة ب ١١ ح ٦.

(٣) الوسائل ٤ : ٧٤٣ أبواب القراءة ب ١٠.

(٤) الكافي ٣ : ٣١٧ ح ٢٨ ، التهذيب ٢ : ١٤٧ ح ٥٧٦ ، الاستبصار ١ : ٣١٠ ح ١١٥٢ ، الوسائل ٤ : ٧٣٢ أبواب القراءة ب ١ ح ١.

٤٩٦

التخيير بينها وبين الحمد في مقام الاضطرار ، والراوي من أجلّاء الأصحاب.

وتدلّ عليه أيضاً رواية منصور بن حازم قال ، قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «لا يقرأ في المكتوبة بأقلّ من سورة ولا بأكثر» (١).

والقوي إلّا أنّه قال : «أُمر الناس بالقراءة في الصلاة لئلّا يكون القرآن مهجوراً مضيّعاً ، وليكون محفوظاً مدروساً فلا يضمحلّ ولا يهجر ولا يجهل ، وإنما بدأ بالحمد دون سائر السور لأنه ليس شي‌ء من القرآن والكلام جمع فيه من جوامع الخير والحكمة ما جمع في سورة الحمد» (٢) الحديث.

ويظهر من الأمر بالقراءة والتفضيل بتقديم الحمد فيها على السورة وجوب المجموع كما لا يخفى على المنصف المتدبّر.

وصحيحة عبد الله بن سنان على الأظهر ، لمكان العبيدي ، قال : «يجوز للمريض أن يقرأ فاتحة الكتاب وحدها ، ويجوز للصحيح في قضاء صلاة التطوّع بالليل والنهار» (٣) ويظهر من هذا الخبر أنّه بيان المواضع التي يجوز فيها تركها ، حتّى أنّه لم يذكر عليه‌السلام نفس النوافل ، مع أنّها لا يجب فيها إجماعاً ، فحينئذٍ وإن لم نقل بحجيّة مفهوم الوصف لكن مع انضمامه بقرينة المقام يظهر في المطلوب.

ثمّ إنّ في الأخبار ما يدلّ على ذلك وما يؤيّده ويشعر به من الصحاح وغيرها من الكثرة بمكان ، فتتبّع الأخبار وتأمّل ، هذا.

ويدلّ على ما اخترناه مضافاً إلى ما ذكرنا استصحاب شغل الذمّة ، والإجماع

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣١٤ ح ١٢ ، التهذيب ٢ : ٦٩ ح ٢٥٣ ، الاستبصار ١ : ٣١٤ ح ١١٦٧ ، الوسائل ٤ : ٧٣٦ أبواب القراءة ب ٤ ح ٢.

(٢) الفقيه ١ : ٢٠٣ ح ٩٢٧ ، علل الشرائع : ٢٦٠ ب ١٨٢ ح ٩ ، عيون أخبار الرضا (ع) ٢ : ١٠٧ ، الوسائل ٤ : ٧٣٣ أبواب القراءة ب ١ ح ٣.

(٣) الكافي ٣ : ٣١٤ ح ٩ ، التهذيب ٢ : ٧٠ ح ٢٥٦ ، الاستبصار ١ : ٣١٥ ح ١١٧١ ، الوسائل ٤ : ٧٣٤ أبواب القراءة ب ٢ ح ٥.

٤٩٧

المنقول ، ونقله الصدوق في الأمالي والسيّد في الانتصار (١) ، وهو ظاهر الشيخ في التهذيب والخلاف والمبسوط (٢).

واحتجّ الخصم بالأصل ، وبصحيحة عليّ بن رئاب عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «إنّ فاتحة الكتاب تجوز وحدها في الفريضة» (٣).

ورواها اخرى عن الحلبي عنه عليه‌السلام ، قال : «إنّ فاتحة الكتاب وحدها تجزئ في الفريضة» (٤).

وبالصحاح وغيرها من الأخبار الدالّة على جواز التبعيض ، لأنّه إذا ثبت جواز التبعيض ثبت الاستحباب ؛ إذ لا قائل بالفصل.

(وفيه : أنّ الظاهر من كلام المبسوط (٥) وابن الجنيد على ما نقل عنهما القول بوجوب شي‌ء إمّا السورة أو بعضها ، فلا يتمّ عدم القول بالفصل) (٦)

فنقول : إنّ هذه الأخبار مع معارضتها بما ذكرنا موافقة للعامّة ومخالفة لمذهب الإماميّة ، قال في التذكرة : وهو يعني استحباب السورة مذهب الجمهور كافّة إلّا عثمان بن أبي العاص ، فإنّه أوجب بعد الفاتحة قدر ثلاث آيات (٧) ، فلا بدّ من حملها على حال الاضطرار أو التقيّة ، وكثير من تلك الأخبار مما ينادي بأعلى صوته أنّه للتقيّة. والأصل لا يقاوم الدليل ، سيّما مع معارضته باستصحاب شغل الذمة يقيناً بالعبادة التوقيفيّة.

وبالجملة لا يبقى بعد ملاحظة ما ذكر مجال للتأمّل في الوجوب ، وإنّما أطنبنا

__________________

(١) أمالي الصدوق : ٥١٢ ، الانتصار : ٤٤.

(٢) التهذيب ٢ : ٧١ ، الخلاف ١ : ٣٣٥ مسألة ٨٦ ، المبسوط ١ : ١٠٧.

(٣) التهذيب ٢ : ٧١ ح ٢٥٩ ، الوسائل ٤ : ٧٣٤ أبواب القراءة ب ٢ ح ١.

(٤) التهذيب ٢ : ٧١ ح ٢٦٠ ، الوسائل ٤ : ٧٣٤ أبواب القراءة ب ٢ ح ٣.

(٥) المبسوط ١ : ١٠٧.

(٦) ما بين القوسين ليس في «م» ، «ح».

(٧) التذكرة ٣ : ١٣١.

٤٩٨

الكلام في هذا المقام لما زلّ فيه أقدام كثير من الأعلام ، وحكموا صريحاً بالاستحباب (١) ، والله أعلم بحقائق الأحكام.

ومما يتفرّع على القول بوجوب السورة الكاملة وحرمة الزيادة : حرمة قراءة ما يفوت به الوقت ، فلو علم بالتفويت فقال في المسالك : إنّه تبطل صلاته بمجرّد الشروع وإن لم يخرج الوقت ، نعم لو ظنّ السعة فتبيّن الضيق بعد الشروع عدل وإن تجاوز النصف (٢) ، انتهى. ولعلّك تطّلع على وجهه فيما سيأتي إن شاء الله تعالى.

وفي الصحيح عن سيف بن عميرة ، عن عامر بن عبد الله ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام ، يقول : «من قرأ شيئاً من آل حم في صلاة الفجر فاته الوقت» (٣).

الخامس : تجب البسملة في ابتداء الحمد والسورة عدا براءة بإجماع علمائنا ، نقله جماعة عن أصحابنا (٤) ، نعم نسب القول بعدم الجزئية في السورة إلى ابن الجنيد ، قال : إنّها في الفاتحة جزء ، وفي غيرها افتتاح (٥).

ويدلّ على جزئيتها للفاتحة مضافاً إلى ضبطها كذلك في المصاحف ، واستمرار العمل بذلك ، وعدم تركها ؛ الظاهر منه الجزئية : الأخبار المعتبرة ، منها صحيحة محمّد بن مسلم قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن السبع المثاني والقران العظيم هي الفاتحة؟ فقال : «نعم» قلت : بسم الله الرحمن الرحيم من السبع ، قال : «نعم ، أفضلهن» (٦).

__________________

(١) النهاية : ٧٥ ، ونقله عن ابن الجنيد في المختلف ٢ : ١٤٢.

(٢) المسالك ١ : ٢٠٦.

(٣) التهذيب ٢ : ٢٩٥ ح ١١٨٩ ، الوسائل ٤ : ٧٨٣ أبواب القراءة ب ٤٤ ح ١.

(٤) الخلاف ١ : ١١٢ ، المبسوط ١ : ١٠٥ ، نهاية الإحكام ١ : ٤٦٢ ، الذكرى : ١٨٦ ، جامع المقاصد ٢ : ٢٤٤.

(٥) نسبه في الذكرى : ١٨٦.

(٦) التهذيب ٢ : ٢٨٩ ح ١١٥٧ ، الوسائل ٤ : ٧٤٥ أبواب القراءة ب ١١ ح ٢.

٤٩٩

ويدلّ على الجزئية في السورة أيضاً ما رواه العيّاشي عن صفوان الجمّال قال ، قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «ما أنزل الله من السماء كتاباً إلّا وفاتحته بسم الله الرحمن الرحيم ، وإنّما كان يعرف انقضاء السورة بنزول بسم الله الرحمن الرحيم ابتداء للأُخرى» (١).

وعن عيسى بن عبد الله ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن عليّ عليه‌السلام ، قال : «بلغه أنّ أُناساً ينزعون بسم الله الرحمن الرحيم ، فقال : هي أية من كتاب الله ، أنساهم إيّاها الشيطان» (٢). ويؤدّي مؤدّاه ما رواه عن أبي خالد بن المختار عن الصادق عليه‌السلام أيضاً (٣) ، وفي دلالتهما تأمّل.

ورواية الهمداني المتقدّمة (٤).

ولو نوقش في إثباتها الجزئية فلا ريب في أنها تثبت الوجوب ، ويكفي الإجماع وسائر الأخبار في إثبات الجزئية ، وأما ما يدلّ على مطلق ثبوت البسملة لها فكثيرة.

فالأقوى التزام البسملة في غير الفاتحة أيضاً.

وتظهر الثمرة في غير الصلاة ، لثبوت الوجوب فيها من مثل رواية الهمداني ، وكلّما دلّ من الأخبار على جواز ترك البسملة في الحمد وغيرها (٥) فمحمولة على التقيّة.

وتجب قراءتها عربيّة بالنحو المنقول بالتواتر ، وأن لا يخلّ بشي‌ء منها ولو بحرف ، حتّى التشديد ، لأنّه بدون ذلك لا يكون أتياً بالمأمور به ، والظاهر عدم الخلاف في ذلك بيننا.

__________________

(١) المحاسن : ٤٠ ح ٤٩ ، الوسائل ٤ : ٧٤٧ أبواب القراءة ب ١١ ح ١٢.

(٢) تفسير العيّاشي ١ : ٢١ ح ١٢ ، مستدرك الوسائل ٤ : ١٦٥ أبواب القراءة ب ٨ ح ٦.

(٣) تفسير العيّاشي ١ : ٢١ ح ١٦ ، مستدرك الوسائل ٤ : ١٦٦ أبواب القراءة ب ٨ ح ٧.

(٤) الكافي ٣ : ٣١٣ ح ٢ ، التهذيب ٢ : ٦٩ ح ٢٥٢ ، الاستبصار ١ : ٣١١ ح ١١٥٦ ، الوسائل ٤ : ٧٤٦ أبواب القراءة ب ١١ ح ٦.

(٥) الوسائل ٤ : ٧٤٧ أبواب القراءة ب ١٢.

٥٠٠