غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ٢

الميرزا أبو القاسم القمّي

غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ٢

المؤلف:

الميرزا أبو القاسم القمّي


المحقق: عباس تبريزيان
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-424-250-5
الصفحات: ٦٣١

يقدّم واحد من المأمومين (١).

ومن الائتمام إلى الانفراد مطلقاً عند المشهور ، وادّعى العلامة عليه الإجماع (٢) ، ومع العذر عند الشيخ في المبسوط (٣) ، ودليل المثبت غير ناهضٍ على تمام المطلوب.

نعم لو ثبت الإجماع فالأمر كذلك ، والإجماع المنقول لا يعارض أدلّة المانع ، منها عدم ثبوت التعبّد بهذا النحو بلا عذر ، والعبادة توقيفية ، ومنها أصالة عدم جواز سقوط القراءة إلّا مع الاستمرار بموجبه ، ومع المفارقة لا دليل عليه.

وربما يؤيّد بالصحيح : عن إمام أحدث فانصرف ولم يقدّم أحداً ، ما حال القوم؟ قال : «لا صلاة لهم إلّا بإمام» (٤) وفيه تأمّل ، وسيجي‌ء تمام الكلام ، وبالجملة الأحوط عدم العدول إلّا لعذر.

وأما في صورة العذر فلا خلاف في الجواز ، والأخبار المعتبرة ناطقة بذلك (٥) ، وذلك إنّما هو في الجماعة المستحبّة لا الواجبة.

وأما العدول من الانفراد إلى الائتمام فلم يظهر من الأخبار ما يدلّ على ذلك ، وادّعى الشيخ في الخلاف الإجماع على الجواز (٦) ، ومال إليه في التذكرة (٧).

والأقوى العدم ، لعدم ثبوت التعبّد ، ومخالفته للأُصول والقواعد ، ولا يقاومها ذلك الإجماع.

وفي بعض الأخبار إشعار بخلافه ، مثل الأخبار التي وردت فيمن يصلّي ودخل عليه جماعة فليس في واحد منها تجويز العدول ، بل العدول إلى النافلة أو القطع

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٤٧٤ أبواب صلاة الجماعة ب ٧٢.

(٢) التذكرة ٤ : ٢٦٩.

(٣) المبسوط ١ : ١٥٧.

(٤) الفقيه ١ : ٢٦٢ ح ١١٩٦ ، التهذيب ٣ : ٢٨٣ ح ٨٤٣ ، الوسائل ٥ : ٤٧٤ أبواب صلاة الجماعة ب ٧٢ ح ١.

(٥) الوسائل ٥ : ٤٧٤ أبواب صلاة الجماعة ب ٧٢.

(٦) الخلاف ١ : ٥٩٢ مسألة ٢٩٣.

(٧) التذكرة ٤ : ٢٦٨.

٤٦١

إن كان إمام عادل ؛ (١).

وأما العدول من الائتمام بإمام إلى آخر فقد ظهرت صحّته في الجملة ، وأما صحّته مطلقاً حتّى لو دخلت جماعة أُخرى وكان لهم إمام ووصل إليهم بدون عذر وجهان ، والأقوى العدم ، لما ذكرنا.

وكذا لو أراد الائتمام بآخر بعد خلاص الإمام في بقيّة ما سبق عليه الإمام ، سواء كان هو أيضاً مثله في المسبوقية بهذه الجماعة ، أو كان شخصاً آخر ، والأقوى أيضاً فيها العدم.

ومنها : جواز النقل من الفرض إلى النفل لمن يخاف فوت الجماعة فيتمّها ركعتين ، وذلك إذا لم يُوجب زيادة النافلة على الركعتين. والظاهر أنّه أيضاً إجماعيّ ، ولم يعرف فيه مخالف من أصحابنا ، وتدلّ عليه صحيحة سليمان بن خالد (٢) وموثقة سماعة (٣).

ولمن ينسى قراءة الجمعة يوم الجمعة وبادر إلى سورة أُخرى ، فيتمّها ركعتين نفلاً ويستأنف الصلاة بها ، لصحيحة صباح بن صبيح (٤) وغيرها (٥).

ومن القصر إلى الإتمام ، لصحيحة عليّ بن يقطين (٦).

ومن الإتمام إلى القصر على المشهور ، وقد يستشعر ذلك من صحيحة أبي ولّاد الحنّاط (٧) ، وفيه تأمّل.

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٤٥٨ أبواب صلاة الجماعة ب ٥٦.

(٢) الكافي ٣ : ٣٧٩ ح ٣ ، التهذيب ٣ : ٢٧٤ ح ٧٩٢ ، الوسائل ٥ : ٤٥٨ أبواب صلاة الجماعة ب ٥٦ ح ١.

(٣) الكافي ٣ : ٣٨٠ ح ٧ ، التهذيب ٣ : ٥١ ح ١٧٧ ، الوسائل ٥ : ٤٥٨ أبواب صلاة الجماعة ب ٥٦ ح ٢.

(٤) التهذيب ٣ : ٨ ح ٢٢ ، الوسائل ٤ : ٨١٨ أبواب القراءة ب ٧٢ ح ٢.

(٥) الوسائل ٤ : ٨١٨ أبواب القراءة ب ٧٢.

(٦) الكافي ٣ : ٤٣٥ ح ٨ ، الفقيه ١ : ٢٨٥ ح ١٢٩٩ ، التهذيب ٣ : ٢٢٤ ح ٥٦٤ ، الوسائل ٥ : ٥٣٤ أبواب صلاة المسافر ب ٢٠ ح ١.

(٧) التهذيب ٣ : ٢٢١ ح ٥٥٣ ، الاستبصار ١ : ٢٣٨ ح ٨٥١ ، الوسائل ٥ : ٥٣٢ أبواب صلاة المسافر ب ١٨ ح ١.

٤٦٢

واستثني أيضاً ناسي الأذان والإقامة استدلالاً بأنّه إذا جاز القطع لدركهما فالعدول إلى النفل أولى ، وفيه تأمّل.

وأما العدول من النفل إلى الفرض فلا دليل عليه ، ولم يعرف به قائل إلّا ما نقل عن الشيخ في عدول الصبي في أثناء الصلاة لو بلغ (١) ، وهو ليس مما نحن فيه.

وقد حكم الأصحاب بجواز العدول من النفل إلى النفل إذا تذكّر السابقة في الأثناء ، ولا دلالة في الأخبار على ذلك.

وعلى ما ذكرنا من تقوية كلام الشهيد (٢) ينقدح تجويز العدول من النفل إلى الفرض لو ضاق الوقت.

ثم إنّ المشهور أنّ موضع العدول هو أثناء الصلاة ، وأما بعد الفراغ فمال إلى الجواز فيه بعض المتأخّرين (٣) للأخبار (٤) ، ومنها صحيحة زرارة عن الباقر عليه‌السلام : في العدول عن العصر إلى الظهر ، قال : «فإنّما هي أربع مكان أربع» (٥) ولا يبعد العمل عليها في خصوص الظهرين.

تنبيه :

روى الطبرسي في الاحتجاج ، عن محمّد بن عبد الله بن جعفر الحميري ، عن صاحب الزمان عليه‌السلام : أنّه كتب إليه يسأله عن رجل صلّى الظهر ودخل في صلاة العصر ، فلمّا صلّى من صلاة العصر ركعتين استيقن أنّه صلّى الظهر ركعتين كيف يصنع؟ فأجاب عليه‌السلام : «إن كان أحدث بين الصلاتين حادثة يقطع بها

__________________

(١) نقله عنه في الذكرى : ١٧٨.

(٢) البيان : ١٥٣.

(٣) المعتبر ٢ : ٤٠٩ ، المدارك ٤ : ٣٠٣.

(٤) الوسائل ٣ : ٢١١ أبواب المواقيت ب ٦٣.

(٥) الكافي ٣ : ٢٩١ ح ١ ، التهذيب ٣ : ١٥٨ ح ٣٤٠ ، الوسائل ٣ : ٢١١ أبواب المواقيت ب ٦٣ ح ١.

٤٦٣

الصلاة أعاد الصلاتين ، وإن لم يكن أحدث حادثة جعل الركعتين الأخيرتين تتمّة لصلاة الظهر ، وصلّى العصر بعد ذلك» (١).

ونبّه على ذلك الشهيد الثاني رحمه‌الله في روض الجنان (٢) ، ونقله عن صاحب الزمان عليه‌السلام ، وعدّه من المواضع التي لا تضرّ فيها زيادة الركن في الصلاة ، ولا بأس بالعمل بها.

الثالث : تكبيرة الافتتاح واجبة وركن في الصلاة ، وتبطل الصلاة بالإخلال بها عمداً أو سهواً إجماعاً ، والمخالف فيه شاذّ من العامّة (٣).

ويدلّ عليه مضافاً إلى الإجماع أنّه جزء الصلاة ، والأصل في الأجزاء الركنية بالمعنى المذكور ، إذ مع انتفاء الجزء ينتفي الكلّ حتّى يثبت الخلاف ، والصحاح المستفيضة (٤).

وما يدلّ على خلاف ذلك بظاهره من الأخبار (٥) فمؤوّل بإرادة الشك أو مطروح ، لمخالفتهما لما هو أقوى منها. وحملها على التقية أيضاً احتمال ، لكفاية النيّة عند بعضهم عنها.

وأما زيادتها فالحقّ أنّها أيضاً توجب البطلان ، لأنّه يصير بذلك خارجاً عن الكيفية الموظّفة ، فلا يكون ممتثلاً ، فلو كبّر ثانياً بطلت صلاته ، ولو كبّر ثالثاً صحّت.

والقول بأنّ التكبير الثاني مبطل لكنه ليس بباطل سيّما إذا كان نسياناً ؛ فلا مانع

__________________

(١) الاحتجاج ٢ : ٤٨٨.

(٢) روض الجنان : ٣٣٤.

(٣) نقله عن الزهري في المجموع ٣ : ٢٩٠ ، وعمدة القاري ٥ : ٢٦٨ ، وهداية الأُمّة ١ : ٤٠.

(٤) الوسائل ٤ : ٧١٥ أبواب تكبيرة الإحرام ب ٢.

(٥) انظر الوسائل ٤ : ٧١٧ أبواب تكبيرة الإحرام ب ٢ ح ٩ ، ١٠ ، وب ٣ ح ٢ وفي بعضها : عن رجل نسي أن يكبّر حتّى دخل في الصلاة ، فقال : أليس كان من نيّته أن يكبّر؟ قلت : نعم ، قال : فليمض على صلاته.

٤٦٤

من كونه مبطلاً للقصد الأوّل ومفتتحاً للصلاة الثانية (١) ، فليس بذاك.

أما مع العمد فظاهر ، لكونه منهيّاً عنه.

وأما مع النسيان فلأنّه بالنسبة إلى القصد الثاني غير مأمور به ، فإذ لا أمر فلا امتثال ، وبالنسبة إلى القصد الأوّل موجب لخروجها عن الموظّف ، فيبطل كما هو الأصل ، وقد أشرنا إليه.

وأما الشك فيه فكالشك في سائر الأفعال ؛ وسيأتي.

والقول بأنّه مبطل مطلقاً ، لأنّه ركن ، وحكمه حكم الركعة لبطلانها من جهته ، وحكم الشك في الركعتين الأُوليين البطلان (٢) ؛ فمبنيّ على الأصل الباطل وسيجي‌ء.

ويجب الاقتصار فيه على ما هو المعهود من الشارع ، وهو قول «الله أكبر» بقطع الهمزتين ، أما في الثاني فظاهر.

وأما في الأوّل فلعدم مسبوقيته بكلام ، ولم يعهد من الشارع وصله بشي‌ء ، والقطع بالبراءة لا يحصل إلّا بالقطع.

وقيل : ومن هنا ينقدح تحريم الكلام المتّصل به قبله ، لأنّه يلزم منه إما الوصل المخالف للشرع ، وإما القطع المخالف لأهل اللغة (٣).

ولا تُمدّ همزة الله لتشتبه بالاستفهام ، ومعه فلو قصد الاستفهام بطل جزماً ، وإلّا فاحتمالان ، أقواهما البطلان لما تقدّم.

وكذلك إشباع فتحة الباء في أكبر وغير ذلك.

وجوّز بعض العامّة الله الجليل ونحوه ، وأن يأتي بالترجمة وغير ذلك (٤) ،

__________________

(١) كشف اللثام ١ : ٢١٥.

(٢) الجامع للشرائع : ٨٠ ، الشرائع ١ : ٦٩ ، المدارك ٣ : ٣٢٢.

(٣) المدارك ١ : ٣١٩.

(٤) المبسوط للسرخسي ١ : ٣٥ ، اللباب ١ : ٦٧ ، عمدة القاري ٥ : ٢٦٨ ، الهداية للمرغيناني ١ : ٤٧ ، شرح العناية ١ : ٢٤٦ ، الجامع الصغير للشيباني : ٩٥.

٤٦٥

وبعض أصحابنا (١) وفاقاً لبعض العامّة (٢) الله الأكبر ، وليسا على شي‌ء.

والإطلاقات في التكبير تنصرف إلى المعهود ، وهو هذا اللفظ ، وفي الخبر : «ويقول : الله أكبر» وهو المذكور في صحيحة حمّاد (٣).

والعاجز يتعلّم ، فإن عجز يأتي بترجمتها بأيّ لسان كان ، كذا ذكر الأصحاب ، فإنّ ثبت الإجماع فهو ، وإلّا فإيجاب الترجمة عليه مشكل مع العجز. ويشكل القول بأنّ الميسور لا يسقط بالمعسور هنا ، إلّا أنّه أولى وأحوط.

والأخرس يأتي بالميسور ، وبما استطاع ، ولا يترك كلّ ما لا يدرك كلّه.

وفي الخبر : «إن تلبية الأخرس وتشهّده وقراءته القرآن في الصلاة تحريك لسانه ، وإشارته بإصبعه» (٤) وفيه تأييد.

ولم يظهر من الأصحاب مخالف لهذا الحكم وبعض العامّة على السقوط للعجز (٥) فلعلّ ثبوت هذا في الأخرس يؤيّد ثبوت ذلك في العاجز.

ويستحبّ رفع اليدين بها ، ولا ريب أنّ رجحانه إجماعيّ ، ولكن كونه بعنوان الاستحباب هو المشهور بين أصحابنا (٦) ، وأكثر العامّة (٧).

والقول بالوجوب منسوب إلى السيد رحمه‌الله بل في جميع التكبيرات ،

__________________

(١) نقله عن ابن الجنيد في المعتبر ٢ : ١٥٢ ، والتذكرة ٣ : ١١٣.

(٢) الامّ ١ : ١٠٠ ، المجموع ٣ : ٢٩٢ و ٣٠٢ ، الوجيز ١ : ٤٠ ، فتح العزيز ٣ : ٢٦٧ ، كفاية الأخيار ١ : ٦٤ ، السراج الوهّاج : ٤١ ، المهذّب للشيرازي ١ : ٧٧ ، فتح الوهاب ١ : ٣٩ ، المغني ١ : ٥٤٠ ، بداية المجتهد ١ : ١٢٣ ، الشرح الكبير ١ : ٥٤٠ ، المبسوط للسرخسي ١ : ٣٦ ، الهداية للمرغيناني ١ : ٤٧ ، شرح العناية ١ : ٢٤٧.

(٣) الفقيه ١ : ١٩٦ ح ٩١٦ ، الوسائل ٤ : ٦٧٣ أبواب أفعال الصلاة ب ١ ح ١.

(٤) الكافي ٣ : ٣١٥ ح ١٧ ، الوسائل ٤ : ٨٠١ أبواب القراءة ب ٥٩ ح ١.

(٥) الامّ ١ : ١٠١ ، المجموع ٣ : ٢٩٣ ، فتح العزيز ٣ : ٢٦٨ ، المغني والشرح الكبير ١ : ٥٤٣ ، مغني المحتاج ١ : ١٥٢ ، فتح الوهّاب ١ : ٣٩.

(٦) الخلاف ١ : ٣١٩ و ٣٢٠ مسألة ٧١ ، ٧٢ ، القواعد ١ : ٢٧٢ ، جامع المقاصد ٢ : ٢٤٠.

(٧) المجموع ٣ : ٣٠٩ ، مغني المحتاج ١ : ١٥٢.

٤٦٦

وادّعى على ذلك الإجماع في الانتصار (١).

وقال المحقّق رحمه‌الله : ولا أعرف ما حكاه رحمه‌الله (٢). وربّما يقال : لعل مراد السيد رحمه‌الله أيضاً الاستحباب ، كما أنّه قد يؤدّيه بلفظ الوجوب.

ويظهر من العلامة (٣) والمحقّق (٤) الإجماع على الاستحباب.

ويدلّ على مطلق الرجحان مضافاً إلى الإجماع الأخبار الكثيرة المعتبرة ، منها الصحاح.

وفي صحيحة عليّ بن جعفر عن أخيه عليه‌السلام ، قال : «على الإمام أن يرفع يده في الصلاة ، ليس على غيره أن يرفع يده في الصلاة» (٥).

وفي قرب الإسناد ، قال : «على الإمام أن يرفع يديه في الصلاة ، وليس على غيره أن يرفع يديه في التكبير» (٦).

وربما يقال : إنّه إذا لم يجب على غير الإمام فيثبت عدم الوجوب له أيضاً بعدم القول بالفصل ، كما ادّعاه الشيخ في التهذيب (٧) ، فهذا دليل الاستحباب ، مضافاً إلى الأصل.

ويؤيّده خلوّ خبر حمّاد عن ذلك ، ولكنه ذكره في تكبير السجود ؛ (٨) ، ولعلّه سها ذكر ذلك في تكبير الافتتاح. ويمكن الاستدلال بذلك أيضاً على الاستحباب ، لعدم القول بالفصل ، فإنّ الظاهر من ذكر حماد هذا الحديث هو الاستحباب

__________________

(١) الانتصار : ٤٤.

(٢) المعتبر ٢ : ١٥٦.

(٣) المنتهي ١ : ٢٦٩.

(٤) المعتبر ٢ : ١٥٦.

(٥) التهذيب ٢ : ٢٨٧ ح ١١٥٣ ، الوسائل ٤ : ٧٢٦ أبواب تكبيرة الإحرام ب ٩ ح ٧.

(٦) قرب الإسناد : ٩٥ ، الوسائل ٤ : ٧٢٦ أبواب تكبيرة الإحرام ب ٩ ح ٧.

(٧) التهذيب ٢ : ٢٨٧ ذ. ح ١١٥٣.

(٨) الفقيه ١ : ١٩٦ ح ٩١٦ ، الوسائل ٤ : ٦٧٣ أبواب أفعال الصلاة ب ١ ح ١.

٤٦٧

كما لا يخفى.

وكذا ما ورد من أنّه زينة الصلاة والعبودية (١).

واحتجّ الموجب : بقوله تعالى (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) (٢) ففي صحيحة عبد الله بن سنان عن الصادق عليه‌السلام ، قال : «هو رفع يديك حذاء وجهك» (٣) وفي معناه أخبار أُخر في تفسيره.

ويدلّ عليه الأمر به في حسنة زرارة أيضاً ، قال : «إذا قمت للصلاة فكبّرت فارفع يديك ، ولا تجاوز بكفّيك أُذنيك ، أي حيال خدّيك» (٤).

والجواب عن الآية : أنّ الخطاب مختصّ بالنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولم يثبت الإجماع على التعدّي. وعن الأخبار بالحمل على الاستحباب ، وآكديته في الإمام كما في الصحيح المتقدّم جمعاً ، والاحتياط عدم الترك.

ولا يسقط استحباب التكبير في التكبيرات المستحبّة بترك الرفع ، فإنّه مستحبّ آخر.

ولا يبعد القول بعدم سقوط استحباب الرفع بترك التكبير أيضاً كما يظهر من الأخبار ، مثل موثّقة عبد الله بن مسكان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «في الرجل يرفع يده كلّما أهوى للركوع والسجود ، وكلّما رفع رأسه من ركوع أو سجود ، قال : «هي العبودية» (٥).

ورواية زرارة عن الصادق عليه‌السلام ، قال : «رفعك يديك في الصلاة زينة» (٦).

__________________

(١) مجمع البيان ٥ : ٥٥٠ ، الوسائل ٤ : ٧٢٧ أبواب تكبيرة الإحرام ب ٩ ح ١٤.

(٢) الكوثر : ٢.

(٣) التهذيب ٢ : ٦٦ ح ٢٣٧ ، الوسائل ٤ : ٧٢٥ أبواب تكبيرة الإحرام ب ٩ ح ٤.

(٤) الكافي ٣ : ٣٠٩ ح ٢ ، الوسائل ٤ : ٧٢٨ أبواب تكبيرة الإحرام ب ١٠ ح ٢ بتفاوت يسير.

(٥) التهذيب ٢ : ٧٥ ح ٢٨٠ ، الوسائل ٤ : ٩٢١ أبواب الركوع ب ٢ ح ٣.

(٦) التهذيب ٢ : ٧٦ ح ٢٨١ ، الوسائل ٤ : ٩٢١ أبواب الركوع ب ٢ ح ٤ بتفاوت.

٤٦٨

وفي مجمع البيان : روي عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : «لكلّ شي‌ء زينة ، وإنّ زينة الصلاة رفع الأيدي عند كلّ تكبيرة» (١).

وروى محمّد بن مسلم وزرارة وحمران ، عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام ، في قوله تعالى (وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً) «إنّ التبتّل هنا رفع اليدين في الصلاة» (٢).

وفي المحاسن مرفوعاً عن الصادق عليه‌السلام ، قال : «قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لعليّ عليه‌السلام : عليك برفع يديك إلى ربك ، وكثرة تقلبهما» (٣).

والمستحبّ من الرفع يحصل برفع اليدين أسفل من وجهه قليلاً كما في صحيحة معاوية بن عمّار (٤) ، وحتّى يكاد يبلغ اذنيه كما في صحيحة صفوان الجمّال (٥).

وفي صحيحة عبد الله بن سنان قال : رأيت أبا عبد الله عليه‌السلام يصلّي يرفع يديه حيال وجهه حين استفتح (٦).

ويستحبّ أن لا يجاوز بهما اذنيه كما في الحسنة المتقدّمة (٧) وموثّقة أبي بصير (٨) ، ويمكن القول بحصول الاستحباب بمطلق الرفع أيضاً ، نظراً إلى المطلقات.

قيل : والظاهر من الأخبار ومقتضى الجمع بينهما محاذاة أسفل اليد النحر ، وأعلاها الاذن ، أو التخيير بين تلك المراتب بحيث لا يجاوز الوجه (٩).

__________________

(١) مجمع البيان ٥ : ٥٥٠ ، الوسائل ٤ : ٧٢٧ أبواب تكبيرة الإحرام ب ٩ ح ١٤.

(٢) مجمع البيان ٥ : ٣٧٩ ، الوسائل ٤ : ٩١٢ أبواب القنوت ب ١٢ ح ٥.

(٣) المحاسن : ١٧ ح ٤٨.

(٤) التهذيب ٢ : ٦٥ ح ٢٣٤ ، الوسائل ٤ : ٧٢٥ أبواب تكبيرة الإحرام ب ٩ ح ٢.

(٥) التهذيب ٢ : ٦٥ ح ٢٣٥ ، الوسائل ٤ : ٧٢٥ أبواب تكبيرة الإحرام ب ٩ ح ١.

(٦) التهذيب ٢ : ٦٦ ح ٢٣٦ ، الوسائل ٤ : ٧٢٥ أبواب تكبيرة الإحرام ب ٩ ح ٣.

(٧) الكافي ٣ : ٣٠٩ ح ٢ ، الوسائل ٤ : ٧٢٨ أبواب تكبيرة الإحرام ب ١٠ ح ٢.

(٨) التهذيب ٢ : ٦٥ ح ٢٣٣ ، الوسائل ٤ : ٧٢٥ أبواب تكبيرة الإحرام ب ٩ ح ٥.

(٩) الفقيه ١ : ١٩٨.

٤٦٩

والمشهور الابتداء بالرفع مع ابتداء التكبير ، والانتهاء مع الانتهاء ، لأنّ الرفع بالتكبير لا يتحقّق إلّا بذلك.

قال في المعتبر : وهذا قول علمائنا ، ولم أعرف فيه خلافاً (١). وقريب منه كلام المنتهي (٢).

ويظهر من الأخبار كالحسن المتقدّم وغيره من الصحاح جوازه بعد التكبير.

وأن يستقبل ببطن الكفّين القبلة ، لموثّقة منصور بن حازم (٣).

ويبسطهما ؛ لحسنة الحلبي عن الصادق عليه‌السلام ، قال : «إذا افتتحت الصلاة فارفع كفّيك ثمّ ابسطهما بسطاً» (٤).

وعن جماعة من الأصحاب استحباب ضمّ الأصابع حين الرفع (٥).

ونقل الفاضلان عن المرتضى وابن الجنيد تفريق الإبهام وضمّ البواقي (٦) ، ونقله في الذكرى عن المفيد وابن البرّاج وابن إدريس وجعله أولى (٧).

ويستحب الجهر به للإمام ، للإجماع ، والأخبار المعتبرة (٨) ، ففي صحيحة الحلبي قال : «وإذا كنت إماماً يجزئك أن تكبّر واحدة تجهر فيها وتسرّ ستّاً» (٩).

وللمأموم الإسرار ، لقوله عليه‌السلام : «ولا ينبغي لمن خلف الإمام أن يسمعه شيئاً ممّا يقول» (١٠).

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٢٠٠.

(٢) المنتهي ١ : ٢٦٩.

(٣) التهذيب ٢ : ٦٦ ح ٢٤٠ ، الوسائل ٤ : ٧٢٦ أبواب تكبيرة الإحرام ب ٩ ح ٦.

(٤) الكافي ٣ : ٣١٠ ح ٧ ، التهذيب ٢ : ٦٧ ح ٢٤٤ ، الوسائل ٤ : ٧٢٣ أبواب تكبيرة الإحرام ب ٨ ح ١.

(٥) المعتبر ٢ : ١٥٦ ، المنتهي ١ : ٢٦٩.

(٦) المعتبر ٢ : ١٥٦ ، المنتهي ١ : ٢٦٩.

(٧) المقنعة : ١٠٣ ، المهذّب ١ : ٩٢ ، السرائر ١ : ٢٢٨ ، وانظر الذكرى : ١٧٩.

(٨) الوسائل ٤ : ٧٣٠ أبواب تكبيرة الإحرام ب ١٢.

(٩) الخصال : ٣٤٧ ح ١٨ ، الوسائل ٤ : ٧٣٠ أبواب تكبيرة الإحرام ب ١٢ ح ٣.

(١٠) التهذيب ٣ : ٤٩ ح ١٧٠ ، الوسائل ٥ : ٤٥١ أبواب صلاة الجماعة ب ٥٢ ح ٣.

٤٧٠

والمنفرد مختار ، للإطلاق (١).

وقيل باستحبابه مطلقاً (٢).

ويجوز للمصلّي اختيار أيّ التكبيرات السبع التي تفتتح بها الصلاة شاء بلا خلاف ظاهر بينهم ، وقال الشيخ في المبسوط (٣) ومن تبعه (٤) بأفضلية الأخيرة.

والأخبار الواردة في حكاية الحسين عليه‌السلام وتنطّقه بالتكبيرة يشعر بأنّ الأُولى أنسب بذلك (٥).

بل قال بعض المتأخرين (٦) : إنّه يستفاد من هذه الأخبار ومن حسنة الحلبي ، قال : «إذا افتتحت الصلاة فارفع كفّيك ثمّ ابسطهما بسطاً ، ثمّ كبّر ثلاث تكبيرات ، ثمّ قل : اللهم أنت الملك الحق إلى أخره ، ثمّ تكبّر تكبيرتين ، ثمّ قل : لبيك وسعديك إلى أخره ، ثمّ تكبّر تكبيرتين ثمّ تقول : وجّهت وجهي للذي إلى أخره ، ثمّ تعوّذ من الشيطان الرجيم ، ثمّ أقرأ فاتحة الكتاب» (٧) أنّ الاولى من هذه التكبيرات هي تكبيرة الإحرام ، وما ذكره جماعة من الأصحاب من التخير في جعلها أيّ السبع شاء (٨) لا مستند له ، ويستفاد من هذا الحديث أيضاً أنّ وقت دعاء التوجّه بعد إكمال السبع ؛ وإن افتتح بالأُولى.

وأقول : الأخبار المطلقة كثيرة لم يظهر منها اعتبار تخصيص أصلاً ، ففي حسنة

__________________

(١) انظر الذكرى : ٧٩.

(٢) نقله عن الجعفي في الذكرى : ١٧٩.

(٣) المبسوط ١ : ١٠٤.

(٤) الذكرى : ١٧٩ ، الروضة البهيّة ١ : ٦٢٩ ، روض الجنان : ٢٦٠ ، جامع المقاصد ٢ : ٢٤١.

(٥) الفقيه ١ : ١٩٩ ح ٩١٨ ، التهذيب ٢ : ٦٧ ح ٢٤٣ ، علل الشرائع : ٣٣١ ب ٣٠ ح ١ ، ٢ ، الوسائل ٤ : ٧٢١ أبواب تكبيرة الإحرام ب ٧ ح ١ ، ٤.

(٦) انظر الوافي ٨ : ٦٣٨ ، والاثناعشريّة في الصلاة اليوميّة : ٣٩ ، والحدائق ٨ : ٢١.

(٧) الكافي ٣ : ٣١٠ ح ٧ ، التهذيب ٢ : ٦٧ ح ٢٤٤ ، الوسائل ٤ : ٧٢٣ أبواب تكبيرة الإحرام ب ٨ ح ١.

(٨) كالمحقّق في المعتبر ٢ : ١٥٥ ، والعلامة في القواعد ١ : ٢٧١ ، والمنتهى ١ : ٢٦٨ ، والتحرير ١ : ٣٧ ، ونهاية الإحكام ١ : ٤٥٨ ، والشهيد في الذكرى : ١٧٩.

٤٧١

زرارة : «أدنى ما يجزئ من التكبير في التوجّه تكبيرة واحدة ، وثلاث تكبيرات أحسن ، وسبع أفضل» (١).

وفي صحيحة عبد الله بن سنان عن الصادق عليه‌السلام : «الإمام تجزئه تكبيرة واحدة ، وتجزئك ثلاث مترسّلاً إذا كنت وحدك» (٢).

وفي موثّقة زرارة قال : رأيت أبا جعفر عليه‌السلام أو سمعته استفتح الصلاة بسبع تكبيرات ولاءً (٣).

وفي صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام : «التكبيرة الواحدة في افتتاح الصلاة تجزئ ، والثلاث أفضل ، والسبع أفضل كلّه» (٤) بل ويظهر منها عدم القصد إلى التعيين أصلاً ، والاكتفاء بذلك العدد.

ومما ذكرنا ظهر عدم دلالة حسنة الحلبي على تعيّن الأُولى أيضاً.

وأما الصحيحان اللذان وردا في حكاية الحسين عليه‌السلام وإن كانا مشعرين بذلك من جهة أنّهما كانا مبدأ جري السنّة فلا بدّ من الجري على وفقه ، لكن الإطلاقات المذكورة وبعض الأخبار الأُخر التي وردت في علّة سبع تكبيرات من أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لما اسري به إلى السماء قطع سبع حجب ؛ فكبّر عند كلّ حجاب تكبيرة ، فأوصله الله عزوجل بذلك إلى منتهى الكرامة (٥) ، يضعف هذا الظهور.

ويضعفه أيضاً ما رواه التهذيب في أبواب الزيادات في الجزء الثاني من كتاب الصلاة في باب صلاة العيدين ما يدلّ على أنّ هذه الحكاية كانت في صلاة العيد في

__________________

(١) الخصال : ٣٤٧ ح ١٩ ، الوسائل ٤ : ٧٢٣ أبواب تكبيرة الإحرام ب ٧ ح ٩.

(٢) التهذيب ٢ : ٢٨٧ ح ١١٥٠ ، الوسائل ٤ : ٧١٣ أبواب تكبيرة الإحرام ب ١ ح ٣.

(٣) التهذيب ٢ : ٢٨٧ ح ١١٥٢ ، الخصال : ٣٤٧ ح ١٧ ، الوسائل ٤ : ٧٢١ أبواب تكبيرة الإحرام ب ٧ ح ٢.

(٤) التهذيب ٢ : ٦٦ ح ٢٤٢ ، الوسائل ٤ : ٧١٤ أبواب تكبيرة الإحرام ب ١ ح ٤.

(٥) الفقيه ١ : ١٩٩ ح ٩١٩ ، علل الشرائع : ٣٣٢ ب ٣٠ ح ٤ ، الوسائل ٤ : ٧٢٢ أبواب تكبيرة الإحرام ب ٧ ح ٥ ، ٧.

٤٧٢

التكبيرات القنوتية ، لا في التكبيرات الافتتاحية (١).

وكذلك ما نقل عن مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب من أنّ ذلك كان في صلاة العيد للحسن عليه‌السلام (٢).

والصحيحان المذكوران رواهما في العلل ، وليس فيهما تصريح بوقوع ذلك في الصلاة اليومية ، ويمكن حملهما على رواية التهذيب.

مع أنّه ورد في الفقه المنسوب إلى الرضا عليه‌السلام : «واعلم أنّ السابعة هي الفريضة ، وهي تكبيرة الافتتاح ، وبها تحريم الصلاة» (٣) ولعلّه هو مستند الشيخ وتابعيه بحمله على الأفضليّة.

ونقل عن الشيخ في المصباح تعيّن الأخيرة (٤) ، فهو نصّ عليه.

ومما يؤيّد تعيّن السابعة الأخبار الواردة في أنّ تكبيرات الصلوات الخمس خمس وتسعون (٥) ، فإنّه لا يتمّ إلّا بجعل التكبيرات الستّ خارجة عن الصلاة.

وورد في رواية أُخرى : «يقول قبل أن يحرم ويكبّر : يا محسن قد أتاك المسي‌ء» إلى أخره رواها ابن طاوس في فلاح السائل (٦).

فلو جعلنا الأُولى هي تكبيرة الافتتاح فلا بدّ من التقديم على السبع ، وإن جعلناها الأخيرة فلا بدّ من جعلها بعد السادسة ، ولا تنافي حسنة الحلبي.

وقال الشهيد في الذكرى : وقد ورد الدعاء بذلك بعد السادسة (٧) ، ولم أقف على غير هذه الرواية ، فإن كان غرضه أنّه هو ما قبل تكبيرة الإحرام وأنّها

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٢٨٦ ح ٨٥٥.

(٢) مناقب آل أبي طالب ٤ : ١٣.

(٣) فقه الرضا (ع) : ١٠٥.

(٤) مصباح المتهجّد : ٣٣.

(٥) الوسائل ٤ : ٧١٩ أبواب تكبيرة الإحرام ب ٥.

(٦) فلاح السائل : ١٥٥.

(٧) الذكرى : ١٧٩.

٤٧٣

هي السابعة ؛ فله وجه لو سلّمنا كونها هي ، ولا بدّ من ملاحظة المأخذ. وقال أيضاً : ورد أيضاً أنّه يقول يعني بعد السادسة ربّ اجعلني مقيم الصلاة إلى أخره (١).

وما يظهر من كلام الفقهاء «أنّ دعاء التوجّه إنّما هو قبل القراءة وبعد تكبيرة الإحرام» فهو لا يساوق الحسن المتقدّم مع القول بأنّه يدلّ على كونها هي الأُولى ، وبدونه فلا منافاة ، لكن التزام ذلك لا يتمّ إلّا بجعل السابعة هي الفريضة.

وأما ما يستفاد من الأخبار أنّه لا بدّ أن يكون دعاء التوجّه بعد الدخول في الصلاة (٢) ؛ فهو تمام إن قلنا بكون الأُولى تكبيرة الافتتاح ، وعملنا بالحسن المتقدّم أيضاً ، لكن تقديم التوجّه على سائر الأدعية والتكبيرات محلّ إشكال ؛ وإن قلنا بأنّ الأُولى تكبيرة الافتتاح أيضاً ، لمخالفته ما أفاده الحسن في موضع الدعاء.

والذي تترجح أفضليّته في النظر فهو جعل السابعة هي تكبيرة الإحرام ، والعمل في الأدعية بمقتضى حسنة الحلبي ، مع جواز زيادة الدعاءين بعد السادسة ووصل دعاء فلاح السائل بالسابعة.

ثمّ إنّ العلامة المجلسي وفاقاً لوالده (٣) رحمهما‌الله مال إلى أنّ المصلّي مخيّر بين الافتتاح بواحدة وثلاث وخمس وسبع ، ومع اختيار كلّ منها يكون الجميع فرداً للواجب المخيّر كما قيل في تسبيحات الركوع والسجود ، لظهوره من أكثر الأخبار ، بل بعضها كالصريح في ذلك (٤).

ولعلّه أراد بذلك البعض مثل رواية أبي بصير عن الصادق عليه‌السلام ، قال : «إذا افتتحت الصلاة فكبّر إن شئت واحدة ، وإن شئت ثلاثاً ، وإن شئت خمساً ، وإن

__________________

(١) الذكرى : ١٧٩.

(٢) الوسائل ٤ : ٧٢٣ أبواب تكبيرة الإحرام ب ٨.

(٣) روضة المتّقين ٢ : ٢٨٤ ، البحار ٨١ : ٣٥٧.

(٤) انظر الوسائل ٤ : ٧١٣ أبواب تكبيرة الإحرام ب ١ ، وص ٧٢١ ب ٧ ، ٨ ، وص ٧٣٠ ب ١٢.

٤٧٤

شئت سبعاً ، فكلّ ذلك مجزئ عنك» (١).

وفيه نظر من وجوه ، فإنّ ظاهر هذه الأخبار وإن كان ما ذكره ، لكن تتبّع سائر الأخبار يعطي أنّ التخيير بين الأعداد المذكورة إنّما هو في التكبيرات المستحبّة ، لا تكبيرة الإحرام ، وأنّ الاكتفاء بلفظ التكبير سيّما بعد قوله عليه‌السلام : «إذا افتتحت الصلاة» من باب التغليب.

فمن تلك الأخبار : ما ذكر فيها تكبيرة الإحرام مع تاء الوحدة ، فإنّها صريحة في كونها واحدة ، وهي مستفيضة جدّاً ، منها صحيحة زرارة عن الباقر عليه‌السلام : عن الرجل ينسى تكبيرة الافتتاح ، قال : «يعيد» (٢).

ومن تلك الأخبار : كلّما ورد في جهر الإمام بواحدة منها والإسرار بالبواقي ، مثل صحيحة الحلبي المتقدّمة (٣).

ومنها : ما دلّ على كون التكبير موجباً للتحريم ، مثل ما ورد أنّ افتتاح الصلاة الوضوء وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم (٤).

ومنها : ما رواه في العلل والعيون ، عن الفضل بن شاذان ، عن الرضا عليه‌السلام : «فإن قال : فلِمَ جعل التكبير في الاستفتاح سبع مرّات؟ قيل : إنّما جعل ذلك لأن التكبير في الصلاة الأُولى التي هي الأصل سبع تكبيرات : تكبيرة الاستفتاح ، وتكبيرة الركوع ، وتكبيرتين للسجود ، فإذا كبّر الإنسان أوّل الصلاة سبع تكبيرات فقد أحرز التكبير كلّه ، فإن سها في شي‌ء منها وتركها لم يدخل عليها نقص في صلاته» (٥) والمراد من الصلاة الأُولى هي الركعتان بمقتضى وضعها الأوّل ، ومن

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٦٦ ح ٢٤٥ ، الوسائل ٤ : ٧٣٠ أبواب تكبيرة الإحرام ب ١٢ ح ٤.

(٢) الكافي ٣ : ٣٤٧ ح ١ ، التهذيب ٢ : ١٤٣ ح ٥٥٧ ، الاستبصار ١ : ٣٥١ ح ١٣٢٦ ، الوسائل ٤ : ٧١٥ أبواب تكبيرة الإحرام ب ٢ ح ١.

(٣) الخصال : ٣٤٧ ح ١٨ ، الوسائل ٤ : ٧٣٠ أبواب تكبيرة الإحرام ب ١٢ ح ٣.

(٤) الوسائل ٤ : ٧١٥ أبواب تكبيرة الإحرام ب ١ ح ١٠.

(٥) علل الشرائع : ٢٦١ ، عيون أخبار الرضا (ع) ٢ : ١٠٨.

٤٧٥

تكبيرة الركوع والسجود استفتاحاتها.

وفي معناها أخبار أُخر ، منها صحيحة زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام (١) : في بيان استحباب التكبيرات الإحدى والعشرين عقيب الاستفتاح لتجزئه عن تكبيرات الصلاة لو نسيها كلّها وأراد بها الرباعيّة ، وهكذا في الثلاثية والثنائية بالنسبة.

وأيضاً الإجماع بل الضرورة حاصل بأن التحريم إنّما يحصل بالتكبير ، وبأنّه جزء الصلاة ، وكما يحرم فعل المنافي بعده فكذا في أثنائه ، ومع جعل المجموع فرداً للواجب المخيّر يلزم حرمة الكلام ونحوه في أثناء المجموع.

فإن قال : يجوز إلى التكبيرة السابعة وبعده لا يجوز لأن التكبير لم يتمّ إلّا بالسابعة ، ففيه : أنّه يستلزم جواز التكلّم في أثناء السابعة أيضاً ، مع أنّ مقتضى الواجب التخييري في الزائد والناقص هو استحباب الزائد إذا كان تدريجي الحصول كالتسبيحات ، بخلاف ما حصل بكلّ منهما هيئة على حدة ، كالقصر والإتمام ، وجعل ما نحن فيه من قبيل الثانية تعسّف.

وعلى الأوّل فيلزم تحقّق التكبير بمجرّد التكبيرة الأُولى ، فيلزم القول بحرمة الكلام بعده مطلقاً ، ويلزم ذلك على الثاني أيضاً بطريق الأولى ، وعلى المشهور من لزوم قصد التحريم بإحدى التكبيرات ، وجعله تكبيرة الافتتاح ، فيصير كلّما وقع بعد تكبيرة الافتتاح من الأجزاء المستحبّة للصلاة كالقنوت وسائر الأذكار المستحبّة ، فلا يجوز التكلّم في أثنائها ، لكونها جزءاً حينئذٍ ، بخلاف ما وقع قبلها ، فإنّها ليست حينئذٍ من الأجزاء المستحبّة ، بل هي من المقارنات ، كالأذان والإقامة.

وقياس ما نحن فيه بجواز النيّة قبل غسل اليدين في الوضوء قياس باطل ، لوجود الفارق ، لأنّه ليس في الوضوء من المحرّمات ما هو موجود في الصلاة ليعتبر الدخول

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٢٧ ح ١٠٠٢ ، التهذيب ٢ : ١٤٤ ح ٥٦٤ ، الوسائل ٤ : ٧٢٠ أبواب تكبيرة الإحرام ب ٦ ح ١.

٤٧٦

فيه بالدخول في أوّل جزء منه.

وما يفرض منافياً في الوضوء مثل تغيّر النية وذهوله عنها فهو مبطل لو تحقّق هناك أيضاً ، ويحتاج إلى تجديد النية ، والقول بأنّ غسل اليدين من الأجزاء المستحبة للوضوء أوّل الكلام ، بل هو كالسواك والتسمية.

مع أنّ جوازه في الوضوء أيضاً محلّ الخلاف. والإشكال عند من يعتبر إخطار النيّة ، وإخطارها في أوّل جزء من العبادات.

بقي الكلام في مواضع استحباب التكبيرات الستّة ، فقيل باستحبابها مطلقاً (١).

وقيل : مختصّ بالفرائض (٢).

وقيل : في سبع صلوات : أوّل كلّ فريضة ، وأوّل ركعة من صلاة الليل ، وفي المفردة من الوتر ، وفي أوّل ركعة من ركعتي الزوال ، وفي أوّل ركعة من نوافل المغرب ، وفي أوّل ركعة من ركعتي الإحرام ، فهذه ستّة ذكرها عليّ بن الحسين بن بابويه رحمه‌الله (٣) ، وزاد المفيد الوتيرة (٤) ، ويدلّ على الأوّل الإطلاقات ، وهو المعتمد.

ويمكن أن يكون دليل الثاني عدم تبادر غير الفرائض منها.

ولم يظهر للتفصيل مستند إلّا ما رواه ابن طاوس في فلاح السائل عن الباقر عليه‌السلام ، قال : «افتتح في ثلاثة مواطن بالتوجّه والتكبير : في أوّل الزوال ، وصلاة الليل ، والمفردة من الوتر ، وقد يجزئك فيما سوى ذلك من التطوّع أن تكبّر تكبيرة لركعتين» (٥) وقد حمله ابن طاوس على التأكيد في هذه الثلاثة بعد تخصيصها

__________________

(١) السرائر ١ : ٢٣٧ ، المعتبر ٢ : ١٥٥ ، المختلف ٢ : ١٨٦ ، الذكرى : ١٧٩ ، الدروس ١ : ١٦٨ ، كشف اللثام ١ : ٢١٥.

(٢) نقله في المختلف عن المسائل المحمّديّة للسيّد ٢ : ١٨٦ ، وحكاه عن البعض في السرائر ١ : ٢٣٧.

(٣) نقله عنه في المعتبر ٢ : ١٥٥ ، والذكرى : ١٧٩.

(٤) المقنعة : ١١١.

(٥) فلاح السائل : ١٣٠.

٤٧٧

بسبع مواضع كما ذكرنا.

وبالجملة لا مانع من القول بالاستحباب في الجميع ، وتأكّدها في السبع ، وكون الثلاثة المذكورة من النوافل آكد من غيرها للمسامحة في هذه المواضع.

٤٧٨

المقصد الرابع

في القراءة

وفيه مباحث :

الأول : أجمع علماؤنا وأكثر أهل العلم على وجوب الفاتحة في الصلاة للمنفرد والإمام في ركعتي الثنائية وأُوليي الثلاثية والرباعية والنصوص بها مستفيضة منها الصحاح (١).

وتبطل الصلاة بتركها عمداً لا سهواً ، فلا تكون ركناً ، للإجماع ، نقله الشيخ (٢) ، وللصحاح الكثيرة وغيرها (٣).

ففي صحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام : «إنّ الله فرض الركوع والسجود والقراءة سنّة ، فمن ترك القراءة متعمّداً أعاد الصلاة ، ومن نسي القراءة فقد تمّت صلاته» (٤) وبمضمونها صحيح آخر (٥).

__________________

(١) الوسائل ٤ : ٧٣٢ أبواب القراءة ب ١.

(٢) الخلاف ١ : ٣٣٤ مسألة ٨٥.

(٣) الوسائل ٤ : ٧٦٨ أبواب القراءة ب ٢٨.

(٤) الفقيه ١ : ٢٢٧ ح ١٠٠٥ ، الوسائل ٤ : ٧٦٦ أبواب القراءة ب ٢٧ ح ١.

(٥) الكافي ٣ : ٣٤٧ ح ١ ، الوسائل ٤ : ٧٦٧ أبواب القراءة ب ٢٧ ح ٢.

٤٧٩

ولكن الحكم بالمضيّ وتمام الصلاة مقيّد بما إذا ركع ، وأما لو لم يركع فيقرأ الفاتحة ، للأخبار المعتبرة (١).

ففي موثّقة سماعة قال : سألته عن الرجل يقوم في الصلاة فينسى فاتحة الكتاب ، قال : «فليقل : أستعيذ بالله من الشيطان الرجيم ، إنّ الله هو السميع العليم ، ثمّ ليقرأها ما دام لم يركع ، فإنّه لا قراءة حتّى يبدأ بها في جهر أو إخفات ، فإنّه إذا ركع أجزأه إن شاء الله» (٢).

وفي قويّة أبي بصير قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل نسي ام القرآن ، قال : «إن كان لم يركع فليعد أُم القرآن» (٣).

وفي صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام : عن الذي لا يقرأ فاتحة الكتاب في صلاته ، قال : «لا صلاة له إلّا أن يقرأ بها في جهرٍ أو إخفات» (٤) خرج منه الناسي المتذكّر بعد الركوع ممّا مرّ ، وبقي الباقي.

ونقل في المبسوط عن بعض أصحابنا قولاً بكون القراءة ركناً ، مستدلاً بهذا الخبر (٥) ، وهو مؤوّل بالعامد ، بل ظاهر فيه ، ولا خلاف في البطلان حينئذٍ.

نعم ظاهر بعضهم أنّه لو تركها عمداً وشرع في السورة ثمّ أعادها وأعاد السورة فيصحّ (٦) ، وهو ضعيف.

ثمّ إنّ الأدلّة تقتضي وجوب الإتيان بالفاتحة قبل الركوع وإن أخذ في السورة ، بل وأتمّها ، فيجب الإتيان بالفاتحة وبسورة كاملة ، ولا تجب إعادة ما أخذ فيها ،

__________________

(١) الوسائل ٤ : ٧٦٨ أبواب القراءة ب ٢٨.

(٢) التهذيب ٢ : ١٤٧ ح ٥٧٤ ، الوسائل ٤ : ٧٦٨ أبواب القراءة ب ٢٨ ح ٢ بتفاوت.

(٣) الكافي ٣ : ٣٤٧ ح ٢ ، الوسائل ٤ : ٧٦٨ أبواب القراءة ب ٢٨ ح ١.

(٤) الكافي ٣ : ٣١٧ ح ٢٨ ، التهذيب ٢ : ١٤٦ ح ٥٧٣ ، الاستبصار ١ : ٣١٠ ح ١١٥٢ ، الوسائل ٤ : ٧٦٧ أبواب القراءة ب ٢٧ ح ٤.

(٥) المبسوط ١ : ١٠٥.

(٦) المبسوط ١ : ١٠٦.

٤٨٠