غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ٢

الميرزا أبو القاسم القمّي

غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ٢

المؤلف:

الميرزا أبو القاسم القمّي


المحقق: عباس تبريزيان
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-424-250-5
الصفحات: ٦٣١

قلت : لم يثبت عموم اعتبار الانخفاض بقدر الركوع ، وأيضاً هذا أشبه بما جوّزه الشارع في المواضع الكثيرة مثل صلاة العاري وغيرها ، وإطلاق الركوع على الإيماء في الشرع واقع (١) ، ولا ترجيح لإطلاقه على ما ذكرتم على إطلاقه على ما ذكرنا.

وقولهم عليهم‌السلام : «الميسور لا يسقط بالمعسور» وغيره لا ينفعهم بل يضرّهم.

وبالجملة الأقرب ما ذهب إليه الأصحاب.

ثمّ إن عجز عن القيام بهذا النحو أيضاً فيقعد ، للإجماع ، نقله غير واحد من أصحابنا (٢) ، وللنصوص المستفيضة (٣).

ففي خبر : «يصلّي المريض قائماً ، فإن لم يقدر على ذلك صلّى قاعداً» (٤).

وفي آخر : «فإن لم يقدر على ذلك صلّى جالساً» (٥).

وفي حسنة أبي حمزة عن أبي جعفر عليه‌السلام : «في قول الله عزوجل (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِياماً وَقُعُوداً) (٦) المريض يصلّي جالساً (وَعَلى جُنُوبِهِمْ) الذي يكون أضعف من المريض الذي يصلّي جالساً» (٧).

ويرجع في العجز إلى نفسه ، فإنّه أعلم بنفسه من غيره على المشهور بين الأصحاب ، ففي صحيحة أبي حمزة عن أبي جعفر عليه‌السلام : أنّه سئل ما حدّ المرض الذي يفطر صاحبه ، والمرض الذي يدع صاحبه فيه الصلاة قائماً؟ قال :

__________________

(١) الوسائل ٤ : ٦٨٩ أبواب القيام ب ١.

(٢) كالمحقّق في المعتبر ٢ : ١٥٩ ، والعلامة في التذكرة ٣ : ٩١ ، وصاحب الرياض ٣ : ٣٧٢.

(٣) الوسائل ٤ : ٦٨٩ أبواب القيام ب ١.

(٤) دعوات الراوندي : ٩٧ ، مستدرك الوسائل ٤ : ١١٧ أبواب القيام ب ١ ح ٦ بتفاوت.

(٥) الفقيه ١ : ٢٣٥ ح ١٠٣٣ ، الوسائل ٤ : ٦٩١ أبواب القيام ب ١ ح ١٣.

(٦) آل عمران : ١٩١.

(٧) الكافي ٣ : ٤١١ ح ١١ ، الوسائل ٤ : ٦٨٩ أبواب القيام ب ١ ح ١ بتفاوت.

٤٤١

«بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ ، قال : ذاك إليه هو أعلم بنفسه» (١).

وفي صحيحة جميل أنّه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام ما حدّ المريض الذي يصلّي قاعداً؟ فقال : «إنّ الرجل ليوعك ويحرج (٢) لكنه أعلم بنفسه ، ولكنه إذا قوي فليقم» (٣).

وتؤيّده الأدلّة الدالّة على وجوب القيام (٤).

وقيل : حدّه أن لا يتمكّن من المشي بمقدار زمان الصلاة (٥) ، لخبر سليمان : «المريض إنّما يصلّي قاعداً إذا صار بالحال التي لا يقدر فيها أن يمشي مقدار صلاته إلى أن يفرغ قائماً» (٦).

وفيه : مع ضعف السند ، ومتروكية ظاهره عند أكثر الأصحاب (٧) ؛ أنّه مخالف للاعتبار ، وغير منضبطٍ في المعيار ، والعمل به يوجب ترك القيام في بعض الأحيان كما لا يخفى ، وقد عرفت عدم الجواز بقدر المقدور.

ويجوز الاعتماد على قول الطبيب في قوله بأنّ القيام يضرّ مع عدم علمه بعدم الضرر لدفع الضرر ، والضرر أعمّ من العَنَت وشدّة المرض وبطء برئه وازدياده.

__________________

(١) الموجود رواية عمر بن أُذينة عن أبي عبد الله (ع) ، الكافي ٤ : ١١٨ ح ٢ ، التهذيب ٤ : ٢٥٦ ح ٧٥٨ ، الاستبصار ٢ : ١١٤ ح ٣٧١ ، وعن زرارة في الفقيه ٢ : ٨٣ ح ٣٦٩ ، وانظر الوسائل ٧ : ١٥٧ أبواب من يصحّ منه الصوم ب ٢٠ ح ٥.

(٢) في «ص» والكافي : ويخرج ، وفي موضع من التهذيب : ويجرح.

(٣) الكافي ٣ : ٤١٠ ح ٣ ، التهذيب ٢ : ١٦٩ ح ٦٧٣ ، وج ٣ : ١٧٧ ح ٤٠٠ ، الوسائل ٤ : ٦٩٨ أبواب القيام ب ٦ ح ٣. ويوعك : من الوعك وهي الحمّى ، وقيل : ألمها ، مجمع البحرين ٥ : ٢٩٨.

(٤) الوسائل ٤ : ٦٨٩ أبواب القيام ب ١.

(٥) المقنعة : ٢١٥.

(٦) التهذيب ٣ : ١٧٨ ح ٤٠٢ ، الوسائل ٤ : ٦٩٩ أبواب القيام ب ٦ ح ٤ ، والرواية ضعيفة لأنّ راويها سليمان بن حفص المروزي لم يوثّق.

(٧) كالعلامة في التذكرة ٣ : ٩٢ ، وصاحبي المدارك ٣ : ٣٢٩ ، والرياض ٣ : ٣٧٣.

٤٤٢

وكذا بما يوجب ترك القيام ، كأمره باستلقاء من كان في عينيه الماء ثلاثين يوماً وأربعين يوماً ، ونحو ذلك ، أو بجلوسه كذلك لمرض ؛ وإن لم يكن في نفسه عاجزاً عن القيام ، للنصوص ، منها صحيحة محمّد بن مسلم قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل والمرأة يذهب بصره فيأتيه الأطبّاء فيقولون نداويك شهراً أو أربعين ليلة مستلقياً كذلك يصلّي ، فرخّص في ذلك ، وقال : «فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ (١)» (٢).

وفي حكم ما ذكر الخوف من اللصّ والسبع والجرح والحبس تحت السقف المنحطّ وغير ذلك.

ثمّ إنّه لو دار الأمر بين الصلاة متّكئاً وماشياً مستقلا فلا ريب في رجحان الأوّل ، ويظهر وجهه مما تقدّم. والقول بالثاني ضعيف (٣).

أما لو دار الأمر بين القعود والصلاة ماشياً ففيه قولان ، أقربهما تقديم الأوّل ، لما مرّ من النصوص المستفيضة (٤) ، إذ القيام لا يصدق على المشي. ويصحّ سلب اسم الماشي عن القائم وبالعكس.

وأيضاً لم يعهد من الشرع للمريض الصلاة ماشياً ، والعبادة موقوفة عن التوظيف.

وأما الاستدلال على القول الثاني بأن ترك وصف القيام وهو الاستقرار أولى من ترك نفسه ، فهو ضعيف جدّاً ، لأنّا لو سلّمنا كون المشي من أفراد القيام لانسلّم كون الاستقرار وصفاً له ، بل هو وصف للمصلّي مثل القيام ، ولا وجه لترجيح أحد الوصفين على الأخر.

__________________

(١) البقرة : ١٧٣.

(٢) الكافي ٣ : ٤١٠ ح ٤ ، الوسائل ٤ : ٦٩٩ أبواب القيام ب ٧ ح ١.

(٣) نقله عن العلامة في البحار ٨١ : ٣٣٥.

(٤) الوسائل ٤ : ٦٨٩ أبواب القيام ب ١.

٤٤٣

وهكذا الاستدلال عليه بخبر سليمان (١) ، لما تقدّم من ضعف السند والدلالة ، ولما يلزم عليه من الفساد فتنبّه.

وكذا الاستدلال عليه بالعلّة المذكورة في الرواية المذكورة في صدر المبحث السابق ، فإنّ الظاهر من التعليل أنّه للانتصاب لا للقيام كما لا يخفى على الطبع السليم ، وهو يتحقق مع القعود أيضاً ؛ فتأمّل.

ومن العجب استدلال بعضهم (٢) بمثل قوله عليه‌السلام : «يصلّي قائماً ، فإن لم يقدر على ذلك صلّى قاعداً» (٣) وأنت خبير بأنّه لو فرض أنّ المشي من أفراد القيام أيضاً لا ينساق هذا النوع منه إلى الذهن أصلاً من هذه العبارة ، مع أنّ في الحسن : «المريض يصلّي جالساً» (٤) وقد تقدّم ، وفي آخر : «ما حدّ المريض الذي يصلّي قاعداً» (٥) وقد تقدّم أيضاً.

وبالجملة الّذي يقوى في نفسي هو الأوّل.

ولو عجز عن القعود بجميع الأنحاء كالقيام ، فيضطجع متوجّهاً إلى القبلة على اليمين ، ويومئ في الركوع والسجود. فإن عجز فعلى اليسار كذلك ، وإلّا فيستلقي كالمحتضر ويومئ.

أما الانتقال من القعود إلى الاضطجاع فالظاهر أنّه لا خلاف فيه بين الأصحاب ، وتدلّ عليه النصوص ، منها الحسن المتقدّم.

وفي رواية : «يصلّي قائماً ، فإن لم يستطع صلّى جالساً ، فإن لم يستطع صلّى على جنبه الأيمن ، فإن لم يستطع صلّى على جنبه الأيسر ، فإن لم يستطع

__________________

(١) التهذيب ٣ : ١٧٨ ح ٤٠٢ ، الوسائل ٤ : ٦٩٩ أبواب القيام ب ٦ ح ٤.

(٢) التذكرة ٣ : ٩٢.

(٣) الوسائل ٤ : ٦٨٩ أبواب القيام ب ١.

(٤) الكافي ٣ : ٤١١ ح ١١ ، الوسائل ٤ : ٦٨٩ أبواب القيام ب ١ ح ١.

(٥) الكافي ٣ : ٤١٠ ح ٣ ، التهذيب ٣ : ١٧٧ ح ٤٠٠ ، الوسائل ٤ : ٦٩٨ أبواب القيام ب ٦ ح ٣.

٤٤٤

استلقى ويومئ إيماء ، وجعل وجهه نحو القبلة ، وجعل سجوده أخفض من ركوعه» (١).

وفي رواية أُخرى : عن المريض لا يستطيع الجلوس ، قال : «فليصلّ وهو مضطجع ، وليضع على جبهته شيئاً إذا سجد فإنّه يجزئ عنه» (٢) الحديث.

وأما تقديم الأيمن على الأيسر فهو ظاهر الأكثر (٣) ، وادّعى في المنتهي الإجماع على الانتقال من القعود إلى الجانب الأيمن ، وكذلك ظاهر المعتبر ، وظاهر جماعة منهم التخيير (٤) ، وصرّح بجواز تقديم الأيسر في التذكرة (٥).

والأخبار أيضاً مختلفة ، فبعضها مطلق ، وبعضها مقيّد بالترتيب المذكور ككلام الأصحاب ، فالأولى حمل المطلق على المقيّد ليكون مبرئاً للذمة يقيناً ، فيكون المختار التفصيل والترتيب.

وأما الانتقال من الاضطجاع إلى الاستلقاء فالظاهر عدم وجود المخالف فيه أيضاً.

وفي بعض الأخبار الانتقال من القعود إلى الاستلقاء (٦) ، ولا بدّ من حمله على العجز من الاضطجاع أيضاً ، لاعتضاد الأخبار المفصّلة (٧) بعمل الأصحاب ومتروكيّة ظاهر ذلك عندهم.

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٣٦ ح ١٠٣٧ ، الوسائل ٤ : ٦٩٢ أبواب القيام ب ١ ح ١٥.

(٢) التهذيب ٣ : ٣٠٦ ح ٩٤٤ ، الوسائل ٤ : ٦٩٠ أبواب القيام ب ١ ح ٥.

(٣) الخلاف ١ : ٤٢٠ مسألة ١٦٧ ، السرائر ١ : ٣٤٩ ، الجامع للشرائع : ٧٩ ، المعتبر ٢ : ١٦٠ ، المنتهي ١ : ٢٦٥ ، الذكرى : ١٨١ ، جامع المقاصد ٢ : ٢٠٧.

(٤) كالمحقّق في المختصر النافع : ٣٠ ، والشهيد في اللمعة (الروضة البهيّة) ١ : ٥٨٦ ، وصاحب المدارك ٣ : ٣٣١.

(٥) التذكرة ٣ : ٩٤.

(٦) الكافي ٣ : ٤١١ ح ١٢ ، الفقيه ١ : ٢٣٥ ح ١٠٣٣ ، التهذيب ٢ : ١٦٩ ح ٦٧١ ، وج ٣ : ١٧٦ ح ٣٩٣ ، الوسائل ٤ : ٦٩١ أبواب القيام ب ١ ح ١٣.

(٧) الوسائل ٤ : ٦٨٩ أبواب القيام ب ١.

٤٤٥

ثمّ إنّه لو تجدّد العجز للقائم جلس ، وهكذا إلى أدنى الحالات ، وبالعكس ، لقوله عليه‌السلام : «ولكن إذا قوي فليقم» (١).

فإذا عرض الضعف قبل القراءة فليقرأ جالساً ، وفي الأثناء فيه قولان ، فالمشهور أنّه يقرأ في حال الهويّ لكونه أقرب إلى القيام (٢) ، وقيل : إنّه يقرأ بعد الجلوس ، لأنّ الاستقرار شرط مع القدرة (٣) ، وفي كليهما نظر.

والتحقيق : أنّه ما دام يصدق عليه عنوان القائم لو كان بهذه الحالة فلا بدّ أن يكون حاله حال القائم لما تقدّم ، وأما أدون منه فحكمه أيضاً كذلك ، لعدم القائل بالفصل والاستصحاب ، فتكون القوّة مع المشهور.

ولا بدّ في الانتقالات من ملاحظة عدم ازدياد الركن ونقصه.

وأما لو تجدّدت القوّة فيترك القراءة أو الذكر في الركوع ليؤدّيها في الحالة العليا ، ويبني على ما مضى ، وقيل : باستحباب الاستئناف (٤) ، وهو مشكل.

ويعتبر في حال تجدّد القوّة بعد القراءة الانتصاب عرفاً ليركع عن قيام ، ولا دليل على الطمأنينة.

والذي يقدر على ذلك القدر من القيام يجب عليه ، ولو تركه بطلت الصلاة ولو كان سهواً.

وهاهنا تنشعب مسائل وفروع من جهة مواضع تجدّد القوّة والعجز ما قبل القراءة وبعدها وفي أثناء الركوع وقبل الذكر وبعده ، وكذا حال السجود ، فعليك بالتأمّل في المذكورات ، واستخراجها ممّا ذكرنا.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤١٠ ح ٣ ، التهذيب ٢ : ١٦٩ ح ٦٧٣ ، وج ٣ : ١٧٧ ح ٤٠٠ ، الوسائل ٤ : ٦٩٨ أبواب القيام ب ٦ ح ٣.

(٢) منهم العلامة في نهاية الإحكام ١ : ٤٤٢ ، والشهيد الثاني في روض الجنان : ٢٥٢.

(٣) الذكرى : ١٨٢.

(٤) نهاية الإحكام ١ : ٤٤٢.

٤٤٦

الثالث : ما تقدّم حكم الفرائض ، وأما النوافل فيجوز الجلوس فيها اختياراً للإجماع ، نقله الفاضلان (١). وخالف في ذلك ابن إدريس في غير الوتيرة (٢). وتدفعه الصحاح المستفيضة وغيرها.

ولو ركع عن قيام بعد القراءة جالساً متمّماً قراءته قائماً ولو بآيتين تكون صلاته صلاة القائم للصحاح ، منها صحيحة حمّاد عن أبي الحسن عليه‌السلام ، قال : «إذا أردت أن تصلّي وأنت جالس ويكتب لك بصلاة القائم ، فاقرأ وأنت جالس ، وإذا كنت في آخر السورة فقم وأتمّها واركع ، فتلك تحسب لك بصلاة القائم» (٣).

قال في البحار : وأوجبوا ذلك في الفريضة مع القدرة عليه والعجز عن القيام في الجميع ، وهو حسن (٤) ، انتهى.

أقول : ومقتضى ذلك مع ما مرّ من وجوب القيام إذا قوي عليه أنّه إذا قوي على القيام بقدرٍ معيّن إما في أوّل القراءة أو في أخره ، فيجب عليه أن يختار الأخر.

وفي النصوص أنّ المستطيع على القيام والكسِل يضعف ركعتين بركعة (٥) و (٦). وحملها في التهذيب على الأفضلية (٧) ، والإطلاق يعطي عدم التفرقة بين الرواتب وغيرها.

ويبقى الكلام في ما روي عن الباقر عليه‌السلام قال ، قلت له : إنّا نتحدّث نقول : من صلّى وهو جالس من غير علّة كانت صلاته ركعتين بركعة ، وسجدتين

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٢٣ ، التذكرة ٣ : ٩٩ ، المنتهي ١ : ١٩٧.

(٢) السرائر ١ : ٣٠٩.

(٣) التهذيب ٢ : ١٧٠ ح ٦٧٦ ، الوسائل ٤ : ٧٠١ أبواب القيام ب ٩ ح ٣.

(٤) البحار ٨١ : ٣٤٠.

(٥) كذا.

(٦) الوسائل ٤ : ٦٩٧ أبواب القيام ب ٥.

(٧) التهذيب ٢ : ١٧٠ ذ. ح ٦٧٦.

٤٤٧

بسجدة ، فقال : «ليس هو هكذا ، هي تامّة لكم» (١).

والظاهر أنّ المراد منه بيان أنّ الصلاة جالساً مسقطة للنافلة ومجزئة ، لا أنّه لافضل للتضعيف.

وينقدح من هذا الخبر أنّ الضعف مستحبّ خارج وليس بنفس النافلة ، فتدبر.

وذكر جمع من الأصحاب (٢) أنّ الأفضل في الوتيرة الجلوس ، لما في الأخبار الكثيرة من توصيفها بركعتين من جلوس تعدّان بركعة قائماً (٣).

وقيل بأفضلية القيام للخبرين (٤) ، قال في أحدهما : «والقيام أفضل» (٥) وفي الأخر قال الصادق عليه‌السلام : «كان أبي يصلّيهما وهو قاعد ، وأنا أُصلّيهما وأنا قائم» (٦).

والأقوى بالنظر إلى الخبرين والعمومات وأحمزيّة القيام هو الثاني ، لكن الأحوط هو الأوّل ، سيّما مع تداول ذلك واستمرار العمل عليه في الأعصار والأمصار ، ولكنه يظهر من جعلهم النزاع في الأفضلية عدم الخلاف في الجواز.

وفي جواز الاضطجاع والاستلقاء فيها اختياراً قول للعلامة (٧) ، وفيه بُعد ، لعدم ثبوت التوظيف كذلك.

والاستدلال بأنّ الأصل مستحبّ فكذا الفرع ضعيف ، لأنّها مشروطة بذلك ،

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤١٠ ح ٢ ، الفقيه ١ : ٢٣٨ ح ١٠٤٨ ، التهذيب ٢ : ١٧٠ ح ٦٧٧ ، الاستبصار ١ : ٢٩٤ ح ١٠٨٤ ، الوسائل ٤ : ٦٩٧ أبواب القيام ب ٥ ح ١.

(٢) كما في روض الجنان : ١٧٥ ، والمدارك ٣ : ١٦.

(٣) الوسائل ٣ : ٣٢ أبواب أعداد الفرائض ب ١٣.

(٤) الروضة البهيّة ١ : ٤٧٠ ، حاشية المدارك : ١٣٥.

(٥) التهذيب ٢ : ٥ ح ٨ ، الوسائل ٣ : ٣٥ أبواب أعداد الفرائض ب ١٣ ح ١٦.

(٦) الكافي ٣ : ٤٤٦ ح ١٥ ، التهذيب ٢ : ٤ ح ٥ ، الوسائل ٣ : ٣٣ أبواب أعداد الفرائض ب ١٣ ح ٩.

(٧) نهاية الإحكام ١ : ٤٤٤.

٤٤٨

وتنتفي بانتفاء الشرط. وكذلك الاستدلال بالخبر النبويّ (١) ، لضعف السند ، وركاكة المتن.

ويستحبّ التربّع في حال القعود ، ويثني رجليه في حال ركوعه ، للصحيح : «كان أبي عليه‌السلام إذا صلّى جالساً تربّع ؛ وإذا ركع ثنى رجليه» (٢) وفي المنتهي : وليس هذا على الوجوب بالإجماع (٣).

والتربّع : هو أن ينصب فخذيه وساقيه على ما ذكره المحقّق الشيخ عليّ (٤) ، وفي القاموس : تربّع في جلوسه خلاف جثى واقعي ، وتثنية الرجلين : هو أن يفترشهما تحته ويجلس على صدورهما بغير إقعاء (٥).

وذكروا في كيفيّة ركوع القاعدين وجهين ، أحدهما : أن ينحني بحيث يصير بالنسبة إلى القاعد المنتصب كالراكع القائم بالنسبة إلى القائم المنتصب.

وثانيهما : أن ينحني بحيث تحاذي جبهته موضع سجوده ، وأدناه أن تحاذي جبهته ما قدّام ركبتيه.

قال في البحار : ولا يبعد تحقق الركوع بكلّ منهما (٦).

والظاهر عدم وجوب رفع الفخذين عن الأرض ، وأوجبه الشهيد في بعض كتبه مستنداً إلى وجه ضعيف (٧) ، انتهى.

ويجوز الجلوس بأيّ نحوٍ اتّفق ، للخبر : أيصلّي الرجل وهو جالس متربّع

__________________

(١) صحيح البخاري ٢ : ٥٩ ، سنن الترمذي ١ : ١٧١ ، سنن النسائي ٣ : ٢٢٤ ، سنن ابن ماجة ١ : ٣٨٨ ح ٢٣١ ، مسند أحمد ٤ : ٤٤٢.

(٢) الفقيه ١ : ٢٣٨ ح ١٠٤٩ ، التهذيب ٢ : ١٧١ ح ٦٧٩ ، الوسائل ٤ : ٧٠٣ أبواب القيام ب ١١ ح ٤.

(٣) المنتهي ١ : ٢٦٦.

(٤) جامع المقاصد ٢ : ٢٠٦.

(٥) القاموس المحيط ٣ : ٢٨.

(٦) البحار ٨١ : ٣٣٦.

(٧) الدروس ١ : ١٦٨.

٤٤٩

ومبسوط الرجلين؟ فقال : «لا بأس» (١).

وفي آخر : في الصلاة في المحمل : «صلّ متربّعاً ، وممدود الرجلين ، وكيف ما أمكنك» (٢).

ويكره الإقعاء للنصّ (٣) ، هكذا عمّم الحكم بعض الأصحاب (٤) ، لكن الأخبار واردة في التشهّد ، وما بين السجدتين.

ويمكن تأييد التعميم بصحيحة زرارة : «فإذا قمت إلى الصلاة فعليك بالإقبال» إلى أن قال : «ولا تقع على قدميك» (٥).

ويمكن التأييد بصحيحته الأُخرى أيضاً ، قال في جملتها : «وإيّاك والقعود على قدميك فتتأذّى بذلك» (٦) ، فإنّها وإن كان الظاهر منها التشهّد ، ولكن العلّة عامّة ، فتدبّر.

الرابع : يستحبّ الدعاء بالمأثور في رواية أبان ومعاوية بن وهب (٧) وغيرها (٨) عند القيام إلى الصلاة ، وأن لا يلصق قدمه بالأُخرى فيدع بينهما إصبعاً أقلّ ذلك إلى شبر أكثره ، ويسدل منكبيه ، ويرسل يديه ، ولا يشبك أصابعه ، وليكونا على فخذيه قبالة ركبتيه ، وليكن نظره إلى موضع سجوده كما في صحيحة زرارة.

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٣٨ ح ١٠٥٠ ، التهذيب ٢ : ١٧٠ ح ٦٧٨ ، الوسائل ٤ : ٧٠٣ أبواب القيام ب ١١ ح ٣.

(٢) الفقيه ١ : ٢٣٨ ح ١٠٥١ ، الوسائل ٤ : ٧٠٣ أبواب القيام ب ١١ ح ٥.

(٣) الوسائل ٤ : ٩٥٧ أبواب السجود ب ٦.

(٤) كالشيخ في الخلاف ١ : ٣٦٠ مسألة ١١٨ ، والعلامة في القواعد ١ : ٢٧٨ ، ونهاية الإحكام ١ : ٤٣٨ ، والمختلف ٢ : ١٨٩ ، والمنتهى ١ : ٢٩٠ ، والإرشاد ١ : ٢٥٥ ، والكركي في جامع المقاصد ٢ : ٢٠٧.

(٥) الكافي ٣ : ٢٩٩ ح ١ ، الوسائل ٤ : ٦٧٧ أبواب أفعال الصلاة ب ١ ح ٥.

(٦) الكافي ٣ : ٣٣٤ ح ١ ، التهذيب ٢ : ٨٣ ح ٣٠٨ ، الوسائل ٤ : ٦٧٥ أبواب أفعال الصلاة ب ١ ح ٣.

(٧) التهذيب ٢ : ٢٨٧ ح ١١٤٩ ، الوسائل ٤ : ٧٠٨ أبواب القيام ب ١٥ ح ٣.

(٨) الوسائل ٤ : ٧٠٨ أبواب القيام ب ١٥.

٤٥٠

وفي رواية أُخرى : «اجعل بينهما قدر ثلاث أصابع إلى شبر» (١). وهو محمول على مراتب الاستحباب.

وفي جملتها : «لا تأتها متكاسلاً ، ولا متناعساً ، ولا مستعجلاً ، فإذا دخلت فيها فعليك بالتخشّع ، واخشع ببصرك لله عزوجل ، ولا ترفعه إلى السماء ، واشغل قلبك بصلاتك ، فإنّه لا يُقبل من صلاتك إلّا ما أقبلت منها بقلبك ، وليكن قيامك في الصلاة قيام العبد الذليل بين يدي الملك الجليل ، وصلّ صلاة مودّع ، ولا تعبث بلحيتك ولا برأسك ولا بيديك ، ولا تفرقع أصابعك ، ولا تقدّم رجلاً على رجل ، ولا تتمطّى ، ولا تتثاءب ، ولا تلتفت عن يمينك ولا يسارك» (٢).

وأن يستقبل بأصابع رجليه جميعاً القبلة ، كما في صحيحة حمّاد (٣).

وقيل : يكره الوطء مرّة على هذه القدم ومرّة على هذه ، والتقدّم مرّة والتأخّر اخرى (٤).

والمرأة تجمع بين قدميها ، ولا تفرج بينهما ، وتضمّ يديها إلى صدرها ، لمكان ثدييها ، وهكذا في الحسن (٥).

والمراد بضمّ اليدين : إلصاقهما مرسلاً لهما معاً ، لا وضعهما عليهما كما فهمه بعض الأصحاب (٦).

ويحرم التكفير حال الصلاة ؛ للصحيحين وغيرهما (٧) ، بل الظاهر البطلان ، لأنّ

__________________

(١) ورد في عنوان باب الوسائل ٤ : ٧١٠ أبواب القيام ب ١٧.

(٢) فقه الرضا (ع) : ٧ ، مستدرك الوسائل ٤ : ٨٧ أبواب أفعال الصلاة ب ١ ح ٧.

(٣) الكافي ٣ : ٣١١ ح ٨ ، الفقيه ١ : ١٩٦ ح ٩١٦ ، التهذيب ٢ : ٨١ ح ٣٠١ ، الوسائل ٤ : ٦٧٣ أبواب أفعال الصلاة ب ١ ح ١.

(٤) نسبه إلى الجعفي في الذكرى : ١٨٢.

(٥) الكافي ٣ : ٣٣٥ ح ٢.

(٦) النفليّة : ١١٤.

(٧) الوسائل ٤ : ١٢٦٤ أبواب قواطع الصلاة ب ١٥ ح ١ ، ٢ وغيرهما.

٤٥١

الظاهر من النهي عن التكفير حال الصلاة النهي عن الصلاة مكفّراً ؛ فتكون باطلة ، لأنّ النهي يدلّ على الفساد ، فلا مجال للقول بأنّ النهي تعلّق بالخارج.

وللإجماع ، نقله الشيخ (١) والمرتضى (٢) رحمهما‌الله.

ولعدم ثبوت التوظيف بمثل هذه الصلاة.

وهذا هو المشهور بين الأصحاب ، وقيل : فعله مكروه (٣) ، وقيل : تركه مستحبّ ، لضعف دلالة الأخبار ، سيّما مع ملاحظة التعليل بأنّه فعل المجوس وانسباكه مع المكروهات في الذكر (٤).

وهذا لا يتمشّى في صحيحة محمّد بن مسلم قال ، قلت : الرجل يضع يده في الصلاة وحكى اليمنى على اليسرى ، فقال : «ذلك التكفير ، لا تفعل» (٥).

وحكم الشيخ بمساواة وضع اليسرى على اليمنى للعكس (٦) فحينئذٍ ينبغي ترك جميع ما فسّر به التكفير ليحصل اليقين بالبراءة ، لكون بعض الأخبار مطلقة ، وعدم ثبوت انحصار التفسير من هذه الصحيحة. وهكذا حكم بعدم التفرقة في وضعهما فوق السّرة وتحتها.

وصرّح بهذين التعميمين الشيخ عليّ في حاشية الإرشاد.

وحكم في التذكرة بعدم الفرق مع الحائل وبدونه. واستشكل في وضعه على الساعد (٧).

والأولى الاجتناب عن الكلّ.

__________________

(١) الخلاف ١ : ٣٢٢ مسألة ٧٤ ، المبسوط ١ : ١١٧.

(٢) الانتصار : ٤١.

(٣) الكافي في الفقه : ١٢٥.

(٤) نقله عن ابن الجنيد في المختلف ٢ : ١٩١.

(٥) التهذيب ٢ : ٨٤ ح ٣١٠ ، الوسائل ٤ : ١٢٦٤ أبواب قواطع الصلاة ب ١٥ ح ١.

(٦) الخلاف ١ : ٣٢١ مسألة ٧٤.

(٧) التذكرة ٣ : ٢٩٧.

٤٥٢

هذا كلّه في غير حال التقية ، وأما معها فيجوز ، بل قد يجب.

وأما لو تركها مع الوجوب ففي البطلان إشكال. يظهر من ملاحظة ما تقدّم ، وعلى ما اخترنا يقوى القول بالبطلان ، والأولى عدم الترك.

وحكم الشيخ بعدم جواز التطبيق في الصلاة ، بأن يطبق إحدى يديه على الأُخرى ، ويضعهما بين ركبتيه ، وادّعى عليه الإجماع (١).

__________________

(١) الخلاف ١ : ٣٤٧ مسألة ٩٧.

٤٥٣

المقصد الثالث

في النية والتكبير

وفيه مباحث :

الأوّل : النية واجبة بالإجماع ، وقد مرّ تحقيقه.

ونقول ههنا : يجب القصد إلى الفعل المخصوص بحيث يمتاز عن جميع ما عداه متقرّباً إلى الله تعالى ، فإن كان لاعتبار القضاء والأداء والوجوب والندب وغير ذلك من المشخّصات دخل في التعيين فيجب ؛ ليحصل الامتثال والإتيان بالمأمور به ، وإلّا فلا.

وأما مع الامتياز بدون ذلك فالأولى أيضاً عدم ترك أمثال تلك القصود ، والاحتياط في ذلك للشهرة ، ولادّعاء بعضهم على بعضها الإجماع (١) ، لكن الذي يقوى في نفسي هو الاكتفاء بتميّز الفعل وقصد التقرّب ليس إلّا.

وتجب المقارنة للصلاة ، للإجماع ، ويتحقّق بأن يكبّر عن نيّة ؛ للإجماع ، نقله في التذكرة (٢). وجوّز فيها استحضارها من أوّل التكبير إلى أخره.

__________________

(١) التذكرة ٣ : ١٠١.

(٢) التذكرة ٣ : ١٠٧.

٤٥٤

وقيل (١) : بجعلها بين الألف والراء ، وليسا بشي‌ء ، سيّما مع استلزام الأخير خلوّ جزء من الصلاة عن النية ، ومنافاتهما لحضور القلب ، ولزوم الغفلة عن المهمّ ، وهو استصغار ما سوى الله ، والانقطاع الكلّي إليه كما ورد (٢) ، مضافاً إلى لزوم العسر والحرج ، وإفضائه إلى الوسواس.

ويجب استمرارها حكماً إلى الفراغ ، لا فعلاً ، بأن لا ينوي نيّة تنافي نيّته الأُولى ، للإجماع ، نقله في التذكرة (٣).

وإن جعلناها هي الداعي إلى الفعل كما هو التحقيق ، فيكون الاستمرار فعليّاً أيضاً.

ولو نوى الخروج عن الصلاة ولم يخرج قيل (٤) : تبطل ، لأنّه صار سبباً لرفع نيّة الصلاة ، فتكون باطلة ، لأنّه كان مشغول الذمّة بالصلاة يقيناً ، ومع عدم الاستمرار على حكم النية يكون الامتثال مشكوكاً فيه ، لعموم أدلّة وجوب النيّة (٥). وقد عرفت نقل الإجماع على وجوب الاستمرار الحكمي.

وقد يقال : إنّه يستلزم وقوع ما بعده من الأفعال بلا نيّة ، وهو خروج عن المتنازع.

وقيل : لا تبطل (٦) ، لأنّ الصلاة على ما افتتحت عليه (٧) ، والصحّة مستصحبة.

وعموم الأوّل ممنوع ، واستصحاب الصحّة لو سلّم فمعارض باستصحاب عدم تحقّق العبادة في الخارج ، سيّما إذا قلنا بأنّ النيّة جزء أو لم يعلم أنّها شرط خارج ،

__________________

(١) نقله في الذكرى عن بعض الأصحاب : ١٧٧.

(٢) مصباح الشريعة : ١١ ، البحار ٨١ : ٢٣٠.

(٣) التذكرة ٣ : ١٠٨.

(٤) جامع المقاصد ٢ : ٢٢٣.

(٥) الوسائل ٤ : ٧١١ أبواب النيّة ب ١.

(٦) الخلاف ١ : ٣٠٧ مسألة ٥٥.

(٧) عوالي اللآلي ١ : ٢٠٥ ح ٣٤.

٤٥٥

أو قلنا بأنّ العبادات أسامي للصحيحة.

مع أنّ استصحاب شغل الذمّة وعدم تحقّق العبادة مقدّمان على استصحاب الصحّة ، ولا ينقضان بالشك أبداً ، واستصحاب البراءة الأصلية قد زال باشتغال الذمّة بالعبادة المحتملة كون ما نحن فيه من أجزائها أو شرائطها.

ومن جميع ما ذكرنا ينقدح ضعف التمسّك بإطلاق الأوامر ، فتدبّر.

وبالجملة الذي يقوى في نفسي هو البطلان ، سيّما ونحن نجد من ملاحظة ما ورد في الصلاة أنّ للصلاة (١) حالة ممتدّة كأنّها روحها ، أو أنّها سمط انتظم به جواهر أذكارها وأفعالها ، فالأكوان الخالية من الأفعال والأذكار أيضاً يمكن القول بكونها من الصلاة ، وذلك التخلّل ينافي هذا الامتداد ويقطعها.

وهذا الإشكال يجري أيضاً فيما لو أراد الخروج في الان الثاني أو في الركعة الثانية ، ولكنه أضعف هنا.

واختار الفرق في ذلك العلّامة في المختلف (٢) ، هذا كلّه إذا بَتّ في القصد ونجّزه.

أما لو علّقه على أمر متحقّق الوقوع ففيه احتمالان ، ذكرهما في التذكرة (٣) ، والأقوى البطلان أيضاً ، لما ذكرنا سابقاً. ولأنّ هذه الصلاة التي يقصد قطعها ، بأن تصير الرباعية ثنائية مثلاً ليست ما أراده الشارع ، وليس إتياناً بالمأمور به في هذه الحالة ، وإذا خرجت عن كونها مأموراً بها فتبطل ، ولا يفيد في ذلك الرجوع عن نيّته ثانياً.

وأما لو علّقه على أمرٍ ممكن الوقوع ففيه احتمالان أيضاً ، ذكرهما فيها (٤) ، والأقوى هنا أيضاً البطلان لما ذكرنا.

__________________

(١) في «ص» : الصلاة.

(٢) المختلف ٢ : ١٣٩.

(٣) التذكرة ٣ : ١٠٨.

(٤) التذكرة ٣ : ١٠٩.

٤٥٦

ولا يذهب عليك أنّ ما جوّزه الشارع من القطع بسبب عروض عارض ، ومن ضرورة أو دفع ضرر ، قليلاً كان أو كثيراً ، أو مثل ذلك ؛ فقصده لا يضرّ مثل أن يقصد حال الصلاة أنّه لو أشرف الصبي على البئر فأقطع صلاتي فأُنقذه بالاتفاق ، لأنّه مما جوّزه الشارع ، وليس القطع هناك على وفق هواه.

وعندي أنّه لا فرق بين قصد الخروج وبين قصد فعل المنافي ، والمنقول عن المشهور أنّه لا يبطل إذا لم يفعل.

وربّما بُني هذا على تنافي إرادة الضدّين وعدمه ، وليس بشي‌ء ، لأنّه لا شك في التنافي مع الاستشعار بالضديّة ، فقصد فعل المنافي يستلزم قصد الخروج ، فتنتفي الاستدامة الحكميّة ، فتبطل الصلاة.

وأما مع الغفلة فالظاهر عدم البطلان ما لم يفعل ، ولعلّه خارج عن موضوع المسألة. هذا كلّه فيما لو قصد الخروج أو فعل المنافي.

وأما لو قصد بجزء من أجزاء الصلاة غيره ، مثل أن يقصد بالتكبير التنبيه ، وبالركوع أخذ شي‌ء ، أو أراد به الرياء ، فأطلق الحكم بالبطلان حينئذٍ جماعة من الأصحاب (١).

والحقّ أنّه إن قصد الصلاة به أيضاً ؛ فإن كان ركناً تبطل الصلاة مطلقاً لنقصان الركن لو لم يعد ، لأنّ المطلوب هو ما كان خالصاً لله ، وزيادته لو أعاد سواء كان ناسياً أو عامداً.

وإن لم يكن ركناً فيحتمل البطلان أيضاً مطلقاً ، لخروجه عن الموظّف ، وعدم المعهوديّة من الشرع ، وذلك كما إذا أراد من القراءة التنبيه أو الرّياء أو غير ذلك.

وتحتمل الصحّة لو أعاد إن لم يصر فعلاً كثيراً ، ولم نقل ببطلان الصلاة بتكرار الواجب ، أو بالزيادة على السورة ، ومثل ذلك ، وقلنا بأنّه يصدق عليه أنّه قرأ

__________________

(١) منهم العلامة في القواعد ١ : ٢٧٠ ، والكركي في جامع المقاصد ٢ : ٢٢٦.

٤٥٧

القرآن ، وهو جائز في الصلاة مطلقاً ، والكلام في ذلك إنّما هو في صورة العمد ، فتدبّر.

وإن لم يقصد به الصلاة أصلاً ، فإن كان ركناً فيحتمل الوجهين : لاحتمال الاكتفاء في حكم الركن زيادة ونقصاناً بمجرّد الصورة ، فتكون الصلاة باطلة على تقدير الإعادة وعدمها.

واحتمال كون الحكم مقصوراً فيما يصدق عليه اسم الركن حقيقة فيرجع إلى نظير الشقّ الثاني الذي ذكرنا فيمكن القول بالصحّة على وجه.

وعلى الاحتمال الأوّل لا فرق بين العمد والنسيان ، بخلاف الثاني ، كالشقّ الثاني المتقدّم.

وإن لم يكن ركناً فاختار الفاضل صاحب المدارك عدم البطلان فيما كان من قبيل القراءة (١) ، فإنّ قراءة القرآن في الصلاة جائزة مطلقاً ، وكذا الذكر ، وجعلهما لغير الصلاة لا يخرجهما عن كونهما قرانا وذكراً ، وإن لم يعتدّ به ووجبت الإعادة ، لعدم التقرّب به.

واستدلّ على جواز ذلك في الذكر أيضاً بصحيحة الحلبي : عن الرجل يريد الحاجة وهو يصلّي ، فقال : «يومئ بيده ، ويشير برأسه ، ويسبّح» (٢).

وهذا الخبر مع أنّه غير ظاهر في أنّ المراد الإشعار بالتسبيح أيضاً ، وأنّ التسبيح من جزء الصلاة ، إذ لعلّه كان ذكراً خارجيّاً قرّره للتنبيه ، بل الظاهر منه أنّ الإشعار بالإيماء باليد والرأس وإبقاء التسبيح بحاله السابق ، ومعارضته بالإجماع الذي نقله بعض الأصحاب على البطلان ، فهو لا يدلّ على صورة استقلال قصد غير الصلاة بجزئها.

__________________

(١) المدارك ٣ : ٣١٦.

(٢) الكافي ٣ : ٣٦٥ ح ٧ ، الفقيه ١ : ٢٤٢ ح ١٠٧٥ ، التهذيب ٢ : ٣٢٤ ح ١٣٢٨ ، الوسائل ٤ : ١٢٥٦ أبواب قواطع الصلاة ب ٩ ح ٢.

٤٥٨

والقدر الذي يمكن أن يؤيّد في هذا المقام هو عدم البطلان بتشريك القصد في مثل القراءة والذكر ، سيّما إذا أعاد ولم نقل بأنّه مضرّ ؛ لظهور ذلك من تتبّع موارد الأخبار ، كالصحيح المتقدّم ، والأخبار الدالّة على الجهر في صلاة الليل ، وعلل ثبوت الجهر فيها (١) ، وإسماع الإمام من خلفه في التشهّد والتكبير وغير ذلك.

وهذا إنّما يجري في غير قصد الرياء ، وأما تشريكه فلم يثبت من الأخبار صحّة تلك الصلاة ، سيّما مع عدم الإعادة.

أما إحداث ذكر للتنبيه أو قراءة أية بأن لم يكن من أجزاء الصلاة المقرّرة ، لا واجبة ولا مندوبة ، فلعلّه أيضاً لم يكن به بأس ، لعمومات جواز الذكر لو لم تخدش في شمولها لمثل هذا. وفي الصحيحة المتقدّمة إشعار به كما ذكرنا.

وأما أذكار الصلاة وأفعالها وأكوانها المندوبات فيظهر حكمها مما ذكرنا ، ولعلّ الأمر فيها أسهل.

فإذن القول بعدم بطلان صلاة من أراد برفع اليدين في التكبيرات إن قلنا بالاستحباب الرياء قويّ ، لكونه خارجاً عن ماهيّة الصلاة.

والضابط عدم تشريك شي‌ء في القصد وإخلاص النية إلّا ما ثبت من الشرع جوازه ، أو ثبت عدم إبطاله. وعدم المنع لا يكفي ، ليقين اشتغال الذمّة المستدعي ليقين البراءة ، والله يعلم.

الثاني : لا يجوز العدول عن النيّة إلى نيّة أُخرى إلّا في مواضع استثناها الأصحاب ونطقت بها الأخبار :

منها : العدول عن الصلاة اللاحقة إلى السابقة ؛ مؤدّاتين كانتا أو مقضيّتين ،

__________________

(١) الوسائل ٤ : ٧٥٩ أبواب القراءة ب ٢٢.

٤٥٩

أو الأُولى مقضيّة والثانية مؤدّاة ، مثل أن تفوت منه صلاة العصر ولم يتذكّرها إلّا في صلاة المغرب ، أو صلاة العشاء ولم يتذكّرها إلّا في صلاة الغداة ، والأخبار فيما ذكر كثيرة غاية الكثرة (١).

وأما العدول عن المقضيّة إلى المؤدّاة فلم نجد فيها بالخصوص نصّاً ، نعم في الأخبار الكثيرة دلالة على أنّه يجب الإتيان بالفائتة ما لم تتضيّق الحاضرة ، ومع التضيّق يجب الابتداء بالحاضرة (٢).

وللشهيد قول بالعدول فيها أيضاً مع ضيق الوقت (٣) ، ويمكن الاستدلال عليه بالعمومات الدالّة على وجوب مراعاة الوقت (٤) ، والأدلّة القاطعة على وجوب أداء الصلوات الخمس في الأوقات المخصوصة ؛ ولم يثبت التخصيص.

ويظهر من الشارع تقديم الوقت على كثيرٍ من لوازم الصلوات ، حتّى الأركان والركعات ، كما يظهر من ملاحظة أبواب التيمّم وصلاة الخوف ونجاسة اللباس والمرض وأمثال ذلك.

وعلى هذا فالأقوى نقض الصلاة والإتيان بالحاضرة في الوقت بالتمام لو وسعه الوقت ، أو كان قادراً على تحصيل مثل ركعة لو نقض الصلاة ، وإلّا فيبني على العدول على تردّد في ذلك ، لعدم النصّ بالخصوص ، وأنّه مكلّف بالإتيان في الوقت بقدر الطاقة ، والأشبه العدم.

ومنها : العدول عن نيّة الائتمام إلى الإمامة ، والظاهر أنّ هذا أيضاً إجماعيّ ، ولا مخالف فيه.

والأخبار في ذلك كثيرة أيضاً غاية الكثرة فيما لو مات الإمام أو عرض له عارض

__________________

(١) انظر الوسائل ٣ : ٢١١ أبواب المواقيت ب ٦٣.

(٢) انظر الوسائل ٣ : ٢٠٨ أبواب المواقيت ب ٦٢.

(٣) البيان : ١٥٣.

(٤) الوسائل ٣ : ٧٨ أبواب المواقيت ب ١.

٤٦٠