غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ٢

الميرزا أبو القاسم القمّي

غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ٢

المؤلف:

الميرزا أبو القاسم القمّي


المحقق: عباس تبريزيان
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-424-250-5
الصفحات: ٦٣١

توظيف أذان غير متوالي الأجزاء ، خصوصاً مع ذكر مثل هذا اللفظ فيه فيتعارضان.

فإن رجّح الثاني فهو دليل الحرمة ، وإن رجّح الأوّل فهو دليل الرجحان إن ثبت به قول ، وإن تساقطا بسبب عدم الترجيح فيبقى مندرجاً تحت مطلق الكلام المنهي عنه فيكون مكروهاً.

وأحبّ أن أذكر هنا رواية تدلّ على عدم جواز الخروج عن الموظّف ولو بالذكر ، فروى الصدوق في كمال الدين ، عن عبد الله بن سنان قال ، قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «سيصيبكم شبهة ؛ فتبقون بلا علم يرى ولا إمام هدى ، ولا ينجو منها إلا من دعا بدعاء الغريق» قلت : وكيف دعاء الغريق؟ قال ، تقول : «يا الله يا رحمن يا رحيم يا مقلّب القلوب ثبّت قلبي على دينك» فقلت : يا مقلب القلوب والأبصار ثبّت قلبي على دينك ، فقال : «إنّ الله عزوجل يقلّب القلوب والأبصار ، ولكن قل كما أقول : يا مقلّب القلوب ثبّت قلبي على دينك» (١).

وهذا هو المشهور في تفسير التثويب ، من ثاب بمعنى رجع ، فإنه رجوع إلى الدعاء إلى الصلاة بعد الدعاء إليها أوّلاً.

وقيل : إنّه تكرير الشهادتين والتكبير (٢).

وقيل : تكرير الشهادتين دفعتين (٣).

وقيل : بأنّه ما يقال بين الأذان والإقامة من الحيعلتين مثنى في أذان الصبح (٤).

والكلام في حكمها يظهر مما مرّ ، فلا يبعد القول بالكراهة ، والأحوط الترك ، والظاهر أنّ كلّ ذلك من تصرّفات العامّة.

__________________

(١) كمال الدين ٢ : ٥١ ح ٤٩.

(٢) المبسوط ١ : ٩٥.

(٣) السرائر ١ : ٢١٢.

(٤) نقله عن أبي حنيفة في المغني والشرح الكبير ١ : ٤٣٣.

٤٢١

وأما الترجيع سواء قلنا بأنّه تكرار الشهادتين جهراً بعد إخفاتهما ، أو تكرار التكبير والشهادتين في أوّل الأذان ، أو تكرار الفصل زيادة على الموظّف فيظهر الكلام فيه أيضاً ممّا مرّ ، فيحرم مع اعتقاد الجزئية ، ويجوز مع التقيّة ، ويكره بدون ذلك ، بل الأحوط تركه.

أما لو دعت إلى ذلك حاجة كإشعار المصلّين وجمعهم ونحو ذلك فلا بأس به ، لرواية أبي بصير عن الصادق عليه‌السلام ، قال : «لو أنّ مؤذّناً أعاد في الشهادة أو في حيّ على الصلاة أو في حيّ على الفلاح المرّتين والثلاث أو أكثر من ذلك إذا كان إماماً يريد القوم ليجمعهم لم يكن به بأس» (١) ، وعن ظاهر المختلف الاتّفاق على العمل بمضمونها (٢).

وأما قول «أشهد أنّ عليّاً وليّ الله» «وأنّ محمّداً وآله خير البريّة» فالظاهر الجواز.

قال الصدوق : والمفوّضة لعنهم الله قد وضعوا أخباراً وزادوا في الأذان أنّ محمّداً وآل محمّد خير البريّة مرّتين ، وفي بعض رواياتهم بعد أشهد أنّ محمّداً رسول الله : أشهد أنّ عليّاً وليّ الله مرتين ، ومنهم من روى بدل ذلك أشهد أنّ عليّاً أمير المؤمنين حقّا مرّتين ، ولا شكّ في أنّ عليّاً وليّ الله ، وأنّه أمير المؤمنين حقّا ، وأنّ محمّداً وآله صلوات الله عليهم خير البريّة ، ولكن ليس ذلك في أصل الأذان (٣).

وقال الشيخ في النهاية : وأما ما روي في شواذّ الأخبار من قول أنّ عليّاً وليّ الله ، وأنّ محمّداً وآله خير البشر ، فمما لا يعمل عليه في الأذان والإقامة ، فمن

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٠٨ ح ٣٤ ، التهذيب ٢ : ٦٣ ح ٢٢٥ ، الاستبصار ١ : ٣٠٩ ح ١١٤٩ ، الوسائل ٤ : ٦٥٢ أبواب الأذان ب ٢٣ ح ١.

(٢) المختلف ٢ : ١٣١.

(٣) الفقيه ١ : ١٨٨ ، ح ٨٩٧ بتفاوت يسير ، الوسائل ٤ : ٦٤٨ أبواب الأذان ب ١٩ ح ٢٥.

٤٢٢

عمل به كان مخطأً ؛ (١) ، وتقرب من ذلك عبارة المنتهي (٢).

وكذلك قال في المبسوط ما يقرب من ذلك ، ولكنه قال : ولو فعله الإنسان لم يأثم به ، غير أنّه ليس من فضيلة الأذان ولا كمال فصوله (٣).

ويظهر من هؤلاء الأعلام ورود الرواية ، فلا يبعد القول بالرجحان ، سيّما مع المسامحة في أدلّة السنن ، ولكن بدون اعتقاد الجزئية.

وممّا يؤيّد ذلك ما ورد في الأخبار المطلقة : «متى ذكرتم محمّداً صلى‌الله‌عليه‌وآله فاذكروا إله ، ومتى قلتم : محمّد رسول الله ، فقولوا : عليّ وليّ الله» (٤) والأذان من جملة ذلك.

ومن جملة تلك الأخبار ما رواه أحمد بن أبي طالب الطبرسي في الاحتجاج عن الصادق عليه‌السلام ، وفي أخره : «فإذا قال أحدكم : لا إله إلّا الله محمّد رسول الله ، فليقل : عليّ أمير المؤمنين» (٥).

السادس : لو ترك الأذان والإقامة حتّى تمّت صلاته فلا يعيد بلا إشكال ، والنصوص به مستفيضة (٦).

ولو تركهما حتّى دخل في الصلاة فالأكثر على أنّه يهدم الصلاة ويجي‌ء بهما ، ثمّ يستفتح الصلاة ما لم يركع إذا كان سهواً ، ويمضي على صلاته إذا تعمّد (٧).

__________________

(١) النهاية : ٦٩.

(٢) المنتهي ١ : ٢٥٥.

(٣) المبسوط ١ : ٩٩.

(٤) انظر البحار ٨١ : ١١٢.

(٥) الاحتجاج ١ : ١٥٨.

(٦) الوسائل ٤ : ٦٥٥ أبواب الأذان ب ٢٨.

(٧) منهم السيّد في المصباح كما في المعتبر ٢ : ١٢٩ ، والعلامة في المنتهي ١ : ٢٦١ ، والشهيد في الذكرى : ١٧٤ ، والمحقّق الكركي في جامع المقاصد ٢ : ١٩٨.

٤٢٣

أما الثاني ، فلأنّه مستحبّ وقته قبل الصلاة بالأصل ، وتركه يقتضي الإعراض عنه فيسقط الأمر ، فلا دليل على جوازه ، ويؤيّده عموم ما دلّ على حرمة إبطال الصلاة (١) ، بل وهذا الكلام يجري على القول بوجوبهما أيضاً كما لا يخفى.

وأما الأوّل ، فلصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «إذا افتتحت الصلاة فنسيت أن تؤذّن وتقيم ، ثمّ ذكرت قبل أن تركع فانصرف فأذّن وأقم واستفتح الصلاة ، وإن كنت قد ركعت فأتم على صلاتك» (٢).

والأمر بالانصراف للاستحباب ، وتدلّ عليه صحيحة زرارة المتقدّمة في استحباب الأذان (٣) ، فإنّها محمولة على الرخصة ، فإنّها مورد توهّم الوجوب. ويؤيّده التعليل بأنّه سنّة.

وقال الشيخ في النهاية بالعكس (٤) ، وتبعه ابن إدريس (٥) ، ولعلّ حجّتهما في العود في صورة العمد الإطلاقات (٦) ، وفي صورة النسيان صحيحة زرارة المتقدّمة ، ورواية زرارة عن الصادق عليه‌السلام قال ، قلت له : رجل نسي الأذان والإقامة حتى يكبّر ، قال : «يمضي على صلاته ، ولا يعيد» (٧).

والجواب عن الأوّل : منع الشمول لما مرّ.

وعن الثاني يظهر ممّا مرّ.

وأما الرواية فضعيفة محمولة على الرخصة.

__________________

(١) كقوله تعالى (لا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ) (محمّد : ٣٣).

(٢) التهذيب ٢ : ٢٧٨ ح ١١٠٣ ، الاستبصار ١ : ٣٠٤ ح ١١٢٧ ، الوسائل ٤ : ٦٥٧ أبواب الأذان ب ٢٩ ح ٣.

(٣) التهذيب ٢ : ٢٨٥ ح ١١٣٩ ، الاستبصار ١ : ٣٠٤ ح ١١٣٠ ، الوسائل ٤ : ٦٥٦ أبواب الأذان ب ٢٩ ح ١.

(٤) النهاية : ٦٥.

(٥) السرائر ١ : ٢٠٩.

(٦) الوسائل ٤ : ٦٥٦ أبواب الأذان ب ٢٩.

(٧) التهذيب ٢ : ٢٧٩ ح ١١٠٦ ، الاستبصار ١ : ٣٠٢ ح ١١٢١ ، الوسائل ٤ : ٦٥٨ أبواب الأذان ب ٢٩ ح ٧.

٤٢٤

ويظهر من الشيخ في التهذيب استحباب الإعادة ما لم يفرغ (١) ، لصحيحة عليّ بن يقطين ، قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الرجل ينسى أن يُقيم الصلاة وقد افتتح الصلاة ، قال : «إن كان قد فرغ من صلاته فقد تمّت صلاته ، وإن لم يكن فرغ من صلاته فليعد» (٢).

قال في المعتبر : إنّه محتمل ، ولكنه تهجّم على إبطال الفريضة بالخبر النادر (٣).

وحمله في المختلف على ما قبل الركوع (٤) ، وهو بعيد.

والأحوط عدم الرجوع بعد الدخول في الركوع للصحيحة الأُولى ، معتضدة بعمومات المنع عن إبطال العمل (٥).

وهناك روايات أُخر دالّة على الرجوع قبل القراءة دون ما بعدها معتبرة ، منها صحيحة محمّد بن مسلم عن الصادق عليه‌السلام ، إنّه قال في الرجل ينسى الأذان والإقامة حتّى يدخل في الصلاة ، قال : «إن كان ذكر قبل أن يقرأ فليصلّ على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وليقم ، وإن كان قرأ فليتمّ صلاته» (٦). ومثلها صحيحة زيد الشحّام (٧).

وإذا لوحظ تعارض تلك الأخبار مع صحيحة الحلبي فيدور الأمر بين تخصيص الصحيحة بإرادة ما قبل القراءة ، أو حمل الأوامر بالإتمام في تلك الصحاح على المجاز بإرادة الرخصة ، واعتضاد الصحيحة بالشهرة مع ظهور ما قبل الركوع

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٧٩.

(٢) التهذيب ٢ : ٢٧٩ ح ١١١٠ ، الاستبصار ١ : ٣٠٣ ح ١١٢٥ ، الوسائل ٤ : ٦٥٦ أبواب الأذان ب ٢٨ ح ٣.

(٣) المعتبر ٢ : ١٣٠.

(٤) المختلف ٢ : ١٢٨.

(٥) محمّد : ٣٣ ٣٥ ، ثواب الأعمال : ٢٦.

(٦) الكافي ٣ : ٣٠٥ ح ١٤ ، التهذيب ٢ : ٢٧٨ ح ١١٠٢ ، الاستبصار ١ : ٣٠٣ ح ١١٢٦ ، الوسائل ٤ : ٦٥٧ أبواب الأذان ب ٢٩ ح ٤.

(٧) الفقيه ١ : ١٨٧ ح ٨٩٣ ، الوسائل ٤ : ٦٥٨ أبواب الأذان ب ٢٩ ح ٩.

٤٢٥

فيما بعد القراءة يرجّحها ، فنحمل تلك الأخبار على تأكّد الاستحباب فيما قبل القراءة على الطرف المقابل لما قبل الفراغ من الصلاة في صحيحة عليّ بن يقطين لو عملنا بها.

وبعد ملاحظة حال القراءة فالظاهر أنّ المعيار الشروع فيها ، لحسنة الحسين بن أبي العلاء عن الصادق عليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يستفتح صلاته المكتوبة ثمّ يذكر أنّه لم يقم ، قال : «فإن ذكر أنّه لم يقم قبل أن يقرأ فليسلّم على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ثمّ يقيم ويصلّي ، وإن ذكر بعد ما قرأ بعض السورة فليتمّ على صلاته» (١).

ولعلّه بهذا استدلّ ابن الجنيد (٢) على أنّه إن كان ناسياً للإقامة وحدها رجع ما لم يقرأ عامّة السورة.

ثمّ إنّه لم يظهر من الأخبار حال الأذان وحده ، وادّعى فخر المحقّقين الإجماع على عدم الرجوع إلى الأذان مع الإتيان بالإقامة (٣) ، وهو المنقول عن الأكثر (٤).

لكن ظاهر المحقّق في الشرائع الإعادة للأذان فقط أيضاً (٥) ، وهو المنقول عن ابن أبي عقيل (٦).

وأغرب الشهيد الثاني رحمه‌الله حيث حكم بالإعادة للأذان وحده دون الإقامة (٧).

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٧٨ ح ١١٠٥ ، الاستبصار ١ : ٣٠٤ ح ١١٢٩ ، الوسائل ٤ : ٦٥٧ أبواب الأذان ب ٢٩ ح ٥.

(٢) كما في المختلف ٢ : ١٢٧.

(٣) إيضاح الفوائد ١ : ٩٧.

(٤) البحار ٨١ : ١٦٤.

(٥) الشرائع ١ : ٦٥.

(٦) نقله عنه في المختلف ٢ : ١٢٧.

(٧) المسالك ١ : ١٨٥.

٤٢٦

ثمّ إنّ المحقّق خصّ الكلام في المنفرد (١) ، قال في المدارك : إطلاق النصّ وكلام الأصحاب يقتضي عدم الفرق في المصلّي بين الإمام والمنفرد ، فتقييده بالمنفرد يحتاج إلى دليل (٢).

أقول : والتأمّل في روايات الباب يشهد بأن كلّها ظاهرة في المنفرد ، ولا يفهم منها إطلاق يشمل غيره ، ولا يفهم من إطلاق كلماتهم أيضاً تعميم.

السابع : لا يجوز الأذان للصلاة قبل دخول وقتها في غير الفجر بإجماع علمائنا ، بل علماء الإسلام كما قيل (٣).

وأما الفجر فالمشهور جوازه ، قال في المنتهي : وعليه فتوى علمائنا (٤).

وعن ابن أبي عقيل أنّه قال (٥) : الأذان عند آل الرسول عليهم‌السلام للصلوات الخمس بعد دخول وقتها إلّا الصبح ، فإنّه جائز أن يؤذّن لها قبل دخول وقتها ، بذلك تواترت الأخبار عنهم ، وكان لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مؤذّنان ، أحدهما بلال ، والآخر ابن أُم مكتوم ، وكان أعمى ، وكان يؤذّن قبل الفجر ، ويؤذّن بلال إذا طلع الفجر. وكان صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : «إذا سمعتم أذان بلال فكفّوا عن الطعام والشراب» (٦).

والصدوق نقل قوله «وكان لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله» إلى أخره ، ثمّ قال : فغيّرت العامّة هذا الحديث عن جهته ، وقالوا : إنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «إن بلالاً يؤذّن بليل فإذا سمعتم أذانه فكلوا واشربوا حتى تسمعوا أذان

__________________

(١) الشرائع ١ : ٦٥.

(٢) المدارك ٣ : ٢٧٦.

(٣) كما في المدارك ٣ : ٢٧٧.

(٤) المنتهي ١ : ٢٦٢.

(٥) المختلف ٢ : ١٣٢.

(٦) الفقيه ١ : ١٩٤ ح ٩٠٥ ، الوسائل ٤ : ٦٢٥ أبواب الأذان ب ٨ ح ٢.

٤٢٧

ابن ام مكتوم» (١).

وخالف في هذا الحكم ابن إدريس ، فمنع من تقديمه (٢) ، وكذلك السيّد في الناصريّة (٣) وابن الجنيد والجعفي (٤) ، وحجّتهم أنّه للإعلام والدعاء إلى الصلاة ، فتقديمه وَضع له في غير موضعه ، وما روي أنّ بلالاً أذّن قبل طلوع الفجر فأمره النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يعيد الأذان (٥). ويظهر ضعفهما مما يأتي.

ثمّ إنّ ظاهر فتوى أكثر الأصحاب مثبتيهم ومانعيهم أنّ ذلك الأذان أذان الفجر ، منها العبارات المتقدّمة ، وقال في الشرائع : ولا يؤذّن إلّا بعد دخول الوقت ، وقد رخّص تقديمه على الصبح ، لكن تستحبّ إعادته بعد طلوعه (٦).

ولكن المستفاد من الأخبار المعتبرة أنّ المقدّم إنّما هو للتنبيه ، وليس هو بأذان الفجر ، ولا تتأدّى معه السنّة (٧).

والحاصل أنّي لم أقف على رواية تدلّ على جواز الاكتفاء بالأذان المتقدّم على الفجر ، وعلى هذا فيمكن حمل كلام المثبتين على جواز ذلك من باب التنبيه والإعلام للتهيّؤ ، لا للسنّة الفجريّة ، كما صرّح به جماعة منهم المفيد (٨) رحمه‌الله والعلامة في المختلف (٩) وغيرهما ، وكلام النافين على عدم جواز تقديم السنّة الفجريّة ، فيكون النزاع لفظيّاً.

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٩٤ ح ٩٠٥.

(٢) السرائر ١ : ٢١٠.

(٣) المسائل الناصرية (الجوامع الفقهيّة) : ١٩٢.

(٤) نقله عنهما في الذكرى : ١٧٥.

(٥) سنن أبي داود ١ : ١٤٦ ح ٥٣٢.

(٦) الشرائع ١ : ٦٥.

(٧) الوسائل ٤ : ٦٢٥ أبواب الأذان ب ٨.

(٨) المقنعة : ٩٨.

(٩) المختلف ٢ : ١٣٢.

٤٢٨

ويشير إلى ما ذكرنا ما نقلناه من حجّة المانعين ، وحجّتهم لا تنافي ثبوت الأذان بالمعنى الأخر.

فلنذكر من تلك الأخبار صحيحة عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال ، قلت له : إنّ لنا مؤذّناً يؤذّن بليل ، فقال : «إنّ ذلك ينفع الجيران لقيامهم إلى الصلاة ، وأما السنّة فإنّه ينادي مع طلوع الفجر ، ولا يكون بين الأذان والإقامة إلّا الركعتان» (١). ويقرب منها صحيحته الأُخرى (٢).

وأما صحيحة الحلبي ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الأذان قبل الفجر ، فقال : «إذا كان في جماعة فلا ، وإذا كان وحده فلا بأس» (٣) فلم أقف على عامل بها.

وقال العلامة في المنتهي : الشرط في الرواية حسن ، لأنّ القصد به الإعلام للإجماع ، والجماعة لا تحتاج إلى الإعلام للتأهّب ، بخلاف المنفرد (٤).

والظاهر أنّ مراده أنّ الجماعة الذين يريدون الصلاة به إذا كانوا مجتمعين فلا حاجة إلى الإعلام ، وأمّا إذا كانوا متفرّقين أو كان الإمام وحده منتظراً لهم فليؤذّن.

ثمّ إنّه يجوز تعددهما واتّحادهما ، بل التعدّد أولى كما فعله صلى‌الله‌عليه‌وآله (٥).

وليتميّز الصوتان ، لتكثر الفائدة.

وكذلك المناسب أن يحدّد لذلك وقت ليكون مفيداً. وتحديده بسدس الليل

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٥٣ ح ١٧٧ ، الوسائل ٤ : ٦٢٦ أبواب الأذان ب ٨ ح ٧.

(٢) التهذيب ٢ : ٥٣ ح ١٧٨ ، الوسائل ٤ : ٦٢٦ أبواب الأذان ب ٨ ح ٨.

(٣) الكافي ٣ : ٣٠٦ ح ٢٣ ، التهذيب ٢ : ٥٣ ح ١٧٦ ، الوسائل ٤ : ٦٢٦ أبواب الأذان ب ٨ ح ٦ بتفاوت في اسم الراوي.

(٤) المنتهي ١ : ٢٦٢.

(٥) انظر الوسائل ٤ : ٦٢٥ أبواب الأذان ب ٨.

٤٢٩

لا دليل عليه ، وكذلك تخصيص أصل الحكم بشهر رمضان ، ولعلّ أمثال ذلك من العامة.

الثامن : لا يعتدّ بأذان غير المميّز للوقت ، ولا للصلاة لعدم صحّته بالذات ، لأنّ الفهم شرط الخطاب ، ولأنّه غير مكلّف ، فلا يتعلّق به التكليف ؛ فيخلو أذانه عن الخطاب ، وإذ لا خطاب فلا طاعة ولا امتثال.

وأما سقوط العبادة عن الاعتبار مع عدم الخطاب فواضح ، وأما أنّه غير مكلّف ولا يتعلّق به التكليف ، فعلى القول بأنّ الندب تكليف ولا يتعلّق بالطفل ، وأنّ عباداته تمرينيّة لا شرعية ، فواضح.

وأما على القول بأنّه تكليف ، ولكنّه لا مانع من تعلّقه بالطفل ، إذ القدر المسلّم هو انتفاء الوجوب والتحريم عنه ولا مانع من اختصاصه ببعض التكاليف ؛ فلأنّ القدر المسلّم من تعلّق المندوبات بالطفل إنّما هو بعد التمييز بالإجماع ، والأخبار ، فإنّ الأخبار الإمرة بأمرهم بالصلاة إنّما هو إذا بلغوا ستّ سنين فما فوقها (١) ، وهو مطابق للتمييز غالباً.

وأما المميّز فيصحّ أذانه ويعتدّ به ويجتزأ به ، لما مرّ ، وللإجماع والأخبار الكثيرة ، منها موثّقة عبد الله بن سنان لابن المغيرة عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث ، قال : «لا بأس أن يؤذّن الغلام الذي لم يحتلم» (٢).

لا يقال : إنّ هذا يعمّ غير المميّز أيضاً ، لأنّه مع أنّه لا يعارض الإجماع وغيره ظاهر في المراهق كما لا يخفى ، ولا يضرّ الاستدلال بمثله على من لم يراهق مع كونه مميّزاً ، لعدم القول بالفصل.

__________________

(١) الوسائل ٣ : ١١ أبواب أعداد الفرائض ب ٣.

(٢) التهذيب ٢ : ٢٨٠ ح ١١١٢ ، الوسائل ٤ : ٦٦١ أبواب الأذان ب ٣٢ ح ١.

٤٣٠

ويظهر مما ذكرنا حال المجنون ، فلا يعتدّ به أيضاً إجماعاً.

ويشترط الإسلام أيضاً ، فلا يعتدّ بأذان الكافر أيضاً ، للإجماع ، ولما سيجي‌ء في اشتراط الإيمان.

ولا ينافي الكفر التلفّظ بالشهادتين ، لأنّ ما دلّ على ثبوت الإسلام بذلك إنّما هو إذا كان على وجه الإقرار وفهم ذلك منه ، لا مطلق التكلّم ، لاحتمال الحكاية والاستهزاء وعدم فهم المعنى وغير ذلك ، مع أنّه قبل التكلّم بالشهادتين كان كافراً جزماً ، فينقص الأذان عن وظيفته.

وممّا ذكرنا يظهر ضعف ما قيل : إنّه يحكم بالإسلام بمجرّد ذلك ، لقوله عليه‌السلام : «أُمرت أن أُقاتل الناس حتّى يقولوا : لا إله إلّا الله ، فإذا قالوها عصموا منّي دماءهم» (١).

ولا فرق فيما ذكرنا في عدم الاعتداد بين الاعتداد في دخول الوقت لذوي الأعذار أو مطلقاً على القول به وبين الاعتداد في أذان الصلاة ، خصوصاً مع الأخبار الكثيرة الواردة «أنّ المؤذّنين أُمناء ، وأنّ المؤذّن مؤتمن» (٢) والمراد أنّه لا بدّ أن يكون أميناً حتّى يجعل مؤذّناً ، لا أن كونه مؤذّناً يوجب الأمانة.

والأصحّ اشتراط الإيمان أيضاً ، لأنّ الأقوى بطلان عبادة المخالف ، للأخبار المستفيضة (٣) ، وإن قلنا بسقوط القضاء عنه ولحوق الثواب إيّاهم لو فعلوها صحيحة عندهم بعد استبصارهم.

ولموثّقة عمّار عن الصادق عليه‌السلام : «لا يجوز أن يؤذّن إلّا رجل مسلم عارف ، فإن علم الأذان وأذّن به ولم يكن عارفاً لم يجز أذانه ولا إقامته

__________________

(١) عوالي اللآلي ١ : ٢٣٨ ح ١٥٤ ، وج ٢ : ٢٢٤ ح ٣٧ ، صحيح مسلم ١ : ٨٠ ح ٣٢ ـ ٣٦ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٢٩٥ ح ٣٩٢٧ ، ٣٩٢٨.

(٢) الوسائل ٤ : ٦١٨ أبواب الأذان ب ٣.

(٣) الوسائل ١ : ٩٠ أبواب مقدّمة العبادات ب ٢٩.

٤٣١

ولا يقتدى به» (١).

والأظهر عندي اشتراط الذكورة أيضاً إذا أذّن للرجال ، فلا يعتدّ بأذان النساء إلّا للنساء.

وقد مرّ الكلام في المحارم ، وأنّ الأظهر عندي عدم الاكتفاء ؛ لعدم انصرافه من الأدلّة.

ويستحبّ أن يكون عدلاً ، لما رواه الصدوق مرسلاً ، عن عليّ عليه‌السلام ، قال ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «يؤمّكم أقرؤكم ، ويؤذّن لكم خياركم» (٢).

ولقولهم عليهم‌السلام : «المؤذّن مؤتمن والمؤذنون أُمناء» (٣).

ولأن يعتمد عليه ذوو الأعذار.

وقول ابن الجنيد بمنع الاعتداد بأذان الفاسق لفقد الأمانة (٤) ضعيف تدفعه الإطلاقات ، وهذه الألفاظ محمولة على الاستحباب.

وأن يكون صيّتاً ، لعموم النفع ، فيكون أدلّ على الخير.

وأما الاستدلال على ذلك بقوله عليه‌السلام لبلال : «اعلُ فوق الجدار وارفع صوتك بالأذان» (٥) فهو غير واضح كما لا يخفى ، بل رفع الصوت هو مستحبّ آخر.

وكذلك القيام على المرتفع لهذا الخبر.

وأما كونه منارة فلم يظهر من النصوص استحبابه ، وفي رواية عليّ بن جعفر ،

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٠٤ ح ١٣ ، التهذيب ٢ : ٢٧٧ ح ١١٠١ ، الوسائل ٤ : ٦٥٤ أبواب الأذان ب ٢٦ ح ١.

(٢) الفقيه ١ : ١٨٥ ح ٨٨٠ ، الوسائل ٤ : ٦٤٠ أبواب الأذان ب ١٦ ح ٣.

(٣) الوسائل ٤ : ٦١٨ أبواب الأذان ب ٣.

(٤) نقله في المختلف ٢ : ١٢٦.

(٥) الكافي ٣ : ٣٠٧ ح ٣١ ، التهذيب ٢ : ٥٨ ح ٢٠٦ ، المحاسن : ٤٨ ح ٦٧ ، الوسائل ٤ : ٦٤٠ أبواب الأذان ب ١٦ ح ٧.

٤٣٢

قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الأذان في المنارة ، أسنّة هو؟ فقال : «إنّما كان يؤذّن للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في الأرض ، ولم يكن يومئذٍ منارة» (١).

وقد يستدلّ على الاستحباب بقول عليّ عليه‌السلام حيث مرّ على منارة طويلة فأمر بهدمها : «لا ترفع المنارة إلّا مع سطح المسجد» (٢) ، وأنّه لولا استحباب الأذان فيها لكان الأمر بوضعها عبثاً ، وفيه تأمّل.

وأن يكون المؤذّن حسن الصوت لإقبال القلوب إليه.

وأن يكون مبصراً وإن جاز من الأعمى إذا كان له مسدّد وبصيراً بالأوقات ليأمن الغلط.

قال في المدارك : ولو أذّن الجاهل في الوقت جاز وأُعتدّ به إجماعاً (٣) ، فإن أراد مع تسديد الغير إيّاه فهو حسن ، وأما لو وقع موافقاً للوقت رجماً بالغيب ففيه إشكال واضح ، إلّا أن يثبت الإجماع ، ولا أفهم دعواه في هذه الصورة من كلامه صريحاً.

وهل يجوز الاعتداد بأذان من يأخذ على الأذان أجراً؟ الأظهر لا ، لمنافاته للإخلاص ، فيبطل من جهة النيّة ، ولأنّه منهيّ عنه في رواية السكوني وغيرها (٤) المعتضدة بعمل الأصحاب حيث حرّموه ، خلافاً للسيّد فكرهه (٥) ، وتبعه بعض المتأخّرين (٦) استضعافاً للرواية.

وأما قول بعضهم : إنّه ينعقد لو أخذ وإن قيل بالتحريم ، لأنّه عبادة وشعار ، فإن

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٨٤ ح ١١٣٤ ، الوسائل ٤ : ٦٤٠ أبواب الأذان ب ١٦ ح ٦.

(٢) التهذيب ٣ : ٢٥٦ ح ٧١٠ ، الوسائل ٣ : ٥٠٥ أبواب أحكام المساجد ب ٢٥ ح ٢.

(٣) المدارك ٣ : ٢٧١.

(٤) الفقيه ١ : ١٨٤ ح ٨٧٠ ، التهذيب ٢ : ٢٨٣ ح ١١٢٩ ، الوسائل ٤ : ٦٦٦ أبواب الأذان ب ٣٨ ح ١.

(٥) نقله في المعتبر ٢ : ١٣٤ ، والذكرى : ١٧٣.

(٦) كالشهيد في الذكرى : ١٧٣ ، والمجلسي في البحار ٨١ : ١٦١ ، وصاحب المدارك ٣ : ٢٧٦.

٤٣٣

فات أحدهما لم يفت الأخر (١) ، فلا يخفى ضعفه لأنّ إسقاط الأذان إنّما هو من جهة العبادة.

وأما الارتزاق من بيت المال فلا بأس به ، لأنّه من المصالح العامّة للمسلمين.

__________________

(١) المسالك ٣ : ١٣١.

٤٣٤

المقصد الثاني

في القيام

وفيه مباحث :

الأوّل : يجب القيام في الفرائض مع الاختيار بالإجماع ، والكتاب (١) ، والأخبار الصحيحة وغيرها (٢) ، وهو ركن في الصلاة ، تبطل بالإخلال به عمداً أو سهواً ، ادّعى عليه الإجماع في المعتبر والمنتهى (٣).

وينبغي أن يكون مرادهما الركنيّة في الجملة ، لعدم ثبوتها إلّا في حال التكبير ، والقدر المتّصل منه بالركوع ، بل في حال النيّة أيضاً ، وإن كانت لا تنفكّ عن التكبير ، لأجل اشتراط المقارنة ، وكون الجزء المتّصل بالركوع في القنوت غير مضرّ ، لأنّ القنوت غير القيام ، وإن أبيت فاعتبر الجهتين.

والدليل بعد الإجماع هو أنّه جزء للصلاة ، والكلّ ينتفي بانتفاء جزئه ، فالأصل في الأجزاء الركنيّة ، وعدم بطلانها بنسيان سائر الأجزاء أو زيادتها إنّما

__________________

(١) آل عمران : ١٩١.

(٢) الوسائل ٤ : ٦٨٩ أبواب القيام ب ١.

(٣) المعتبر ٢ : ١٥٨ ، المنتهي ١ : ٢٦٤.

٤٣٥

ثبت بالدليل.

وقد يستدلّ على ذلك بموثّقة عمّار عن الصادق عليه‌السلام : في رجل نسي حين افتتح الصلاة وهو قاعد ، قال : «يقوم فيفتتح وهو قائم ، ولا يعتدّ بافتتاحه وهو قاعد» (١).

وفي دلالتها نظر لا يخفى على من تأمّل صدر الخبر.

وحدّه الانتصاب ، ويظهر من بعض الأخبار أنّه نصب فقار الظهر ، ففي صحيحة أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : من لم يقم صلبه في الصلاة فلا صلاة له» (٢).

وروى الصدوق عن الصادق عليه‌السلام ، قال : «وقم منتصباً ، فإنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : من لم يقم صلبه فلا صلاة له» (٣) وفي معناهما موثّقة أبي بصير في القيام بعد الركوع (٤).

ولكن في صحيحة حمّاد الّتي علّمه الصادق عليه‌السلام فيها آداب الصلاة إشعار باستحباب الانتصاب ، فإنّ الظاهر أنّ ما استدركه حمّاد مما فعله الصادق عليه‌السلام ولم يفعله هو كان من المستحبات (٥).

ولا يخلّ به الإطراق وإن كان تركه أولى ، لمرسلة حريز ، عن رجل ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال ، قلت له : فصلّ لربك وانحر ، قال : «النحر : الاعتدال في القيام ، أن يقيم صلبه ونحره» (٦) الحديث وفي معناها رواية في الخصال (٧).

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٥٣ ح ١٤٦٦ ، الوسائل ٤ : ٧٠٤ أبواب القيام ب ١٣ ح ١.

(٢) الكافي ٣ : ٣٢٠ ح ٤ ، الوسائل ٤ : ٦٩٤ أبواب القيام ب ٢ ح ٢.

(٣) الفقيه ١ : ١٨٠ ح ٨٥٦ ، الوسائل ٤ : ٦٩٤ أبواب القيام ب ٢ ح ١.

(٤) الكافي ٣ : ٣٢٠ ح ٦ ، التهذيب ٢ : ٧٨ ح ٢٩٠ ، الوسائل ٤ : ٩٣٩ أبواب الركوع ب ١٦ ح ٢.

(٥) الفقيه ١ : ١٩٦ ح ٩١٦ ، الوسائل ٤ : ٦٧٣ أبواب أفعال الصّلاة ب ١ ح ١.

(٦) الكافي ٣ : ٣٣٦ ح ٩ ، الوسائل ٤ : ٦٩٤ أبواب القيام ب ٢ ح ٣.

(٧) الخصال : ٦٢٨ ، الوسائل ٤ : ٦٨٣ أبواب أفعال الصلاة ب ١ ح ١٦.

٤٣٦

قال في الذكرى : حدّ القيام الانتصاب مع الإقلال ، ولا يخلّ بالانتصاب إطراق الرأس ، إذ المعتبر نصب الفقار ، ويخلّ به الميل إلى اليمين واليسار اختياراً بحيث يزول عن سنن القيام ، وكذا إذا انحنى ولو لم يبلغ حدّ الراكع لم يجزئه (١) ، انتهى.

وفي عبارته إشكال ، ويمكن توجيهه بإرجاع الضمير المجرور في قوله «يخلّ به» إلى القيام.

وقال أيضاً : الأقرب وجوب الاعتماد على الرجلين معاً في القيام ، ولا تجزئ الواحدة مع القدرة ، لعدم الاستقرار ، وللتأسّي بصاحب الشرع ، ولا يجوز تباعدهما بما يخرجه عن حدّ القيام (٢).

والظاهر أنّ هذا هو المشهور بين الأصحاب ، كما نسبه في البحار إليهم (٣) ، ولعلّه في مقابل رفع أحد الرجلين والقيام على الأُخرى ، وإلّا فقد عدّ من المكروهات أن يتكئ مرّة على هذه ومرّة على هذه ، بل نسب القول بالكراهة أيضاً إلى الجعفي (٤).

وتدلّ عليه عبارة فقه الرضا عليه‌السلام (٥) ، وما رواه الثمالي عن فعل السجاد عليه‌السلام : فأطال القيام حتّى جعل مرّة يتوكّأ على رجله اليمنى ، ومرّة على رجله اليسرى (٦) ، فمحمول على العذر كما هو ظاهر الخبر.

وكذلك نسب إلى الجعفي القول بكراهة التقدّم مرّة والتأخّر اخرى ، لمنافاته للخشوع (٧).

__________________

(١) في «م» : لم ينحره ، وفي «ص» : يخره ، والمثبت من «ح» كما في الذكرى : ١٨٠.

(٢) الذكرى : ١٨٠.

(٣) البحار ٨١ : ٣٤٢.

(٤) نقله عنه في الذكرى : ١٨٢.

(٥) فقه الرضا (ع) : ١٠١.

(٦) الكافي ٢ : ٤٢٢ ح ١٠ ، الوسائل ٤ : ٦٩٥ أبواب القيام ب ٣ ح ١.

(٧) انظر الذكرى : ١٨٢.

٤٣٧

ويدلّ على الجواز ما رواه في قرب الإسناد عن عليّ بن جعفر عن أخيه عليه‌السلام ، قال : سألته عن رجل يقوم إلى الصلاة هل يصلح له أن يقدّم رجلاً ويؤخّر اخرى من غير مرضٍ ولا علّة؟ قال : «لا بأس» (١).

ولا بدّ أن يقيّد بما لم يخرج عن حدّ الاستقرار ، فإنّ الاستقرار أيضاً واجب في القيام كالاستقلال.

ويدلّ على الأوّل عدم تحقّق القيام بدونه ، وفي رواية السكوني إشارة إليه (٢).

وأما الاستقلال بمعنى أن لا يكون مستنداً إلى شي‌ء بحيث لو رفع لسقط ، فتدلّ عليه صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «لا تستند بخمرك وأنت تصلّي ، ولا تستند إلى جدار إلّا أن تكون مريضاً» (٣).

ولصحيحة حمّاد الطويلة (٤) ، وفيه تأمّل.

ولاستصحاب شغل الذمة ، وأنّ المتبادر من القيام هو ما كان بالاستقلال.

وأبو الصلاح على الجواز على كراهة (٥) ، للنصوص ، ففي الصحيح : عن الرجل هل يصلح له أن يستند إلى حائط المسجد وهو يصلّي ، أو يضع يده على الحائط وهو قائم من غير مرض ولا علّة؟ فقال : «لا بأس» وعن الرجل يكون في صلاة فريضة فيقوم في الركعتين الأُوليين ، هل يصلح له أن يتناول جانب المسجد فينهض يستعين به على القيام من غير ضعف ولا علّة؟

__________________

(١) قرب الإسناد : ٩٤ ، الوسائل ٣ : ٤٧٦ أبواب مكان المصلّي ب ٤٤ ح ٨.

(٢) عن جعفر عن أبيه عليهما‌السلام : في رجل يصلّي في موضع يريد أن يتقدّم ، قال : يكفّ عن القراءة حال مشيه حتّى يقدم الموضع الذي يريد ثمّ يقرأ فيه (منه رحمه‌الله) ، وانظر الكافي ٣ : ٣١٦ ح ٢٤ ، والتهذيب ٢ : ٢٩٠ ح ١١٦٥ ، والوسائل ٤ : ٧٧٥ أبواب القراءة ب ٣٤ ح ١ بتفاوت.

(٣) التهذيب ٣ : ١٧٦ ح ٣٩٤ ، الوسائل ٤ : ٧٠٢ أبواب القيام ب ١٠ ح ٢ ولكن فيهما : ولا تمسك بخمرك. والخمر : هو كلّ ما سترك من شجر أو بناء أو غيره ، النهاية ٢ : ٧٧.

(٤) الفقيه ١ : ١٩٦ ح ٩١٦ ، الوسائل ٤ : ٦٧٣ أبواب أفعال الصلاة ب ١ ح ١.

(٥) الكافي في الفقه : ١٢٥.

٤٣٨

قال : «لا بأس» (١).

وفي الموثّق : عن الرجل يصلّي متوكّئاً على عصاً أو على حائط ، فقال : «لا بأس بالتوكّؤ على عصا والاتّكاء على الحائط» (٢).

ويمكن تقوية مذهب أبي الصلاح لكثرة الأخبار وصراحتها ، وعدم صراحة مستند المشهور ، لعدم تعلّق النهي (بالصلاة) (٣) صريحاً وحملها على الكراهة. لكن الشهرة ، وفهم الأصحاب ، وعدم تحقّق القيام يقيناً إلّا بذلك يؤيّد الأوّل ، وعليه العمل ، ولا ينبغي تركه.

وينبغي أن يقتصر في ذلك على الاستناد في حال الصلاة بشخصه والاتّكاء بنفسه ، لا مطلق الاستعانة والاستمداد ، لعدم منافاة ذلك لمستند المشهور ، ووجود الرخصة فيه في تلك الأخبار ، وظهور الاستناد المذكور في مستندهم في استناد الشخص في حال القيام ، لا استعانته للقيام.

ونقل عن بعض المتأخّرين التصريح بأن حكم الاستعانة حكم الاستناد (٤) ، وهو ضعيف.

الثاني : كلّ ما تقدّم مع القدرة على القيام ، وأما مع العجز فيعتمد والظاهر عدم الخلاف في ذلك ، للعمومات (٥) ، والاستصحاب ، وأنّه قيام حقيقة ، والأخبار المتقدّمة.

ولو عجز عن البعض فيأتي به على قدر المقدور ، لأنّ الميسور لا يسقط

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٣٧ ح ١٠٤٥ ، الوسائل ٤ : ٧٠١ أبواب القيام ب ١٠ ح ١.

(٢) التهذيب ٢ : ٣٢٧ ح ١٣٤١ ، الوسائل ٤ : ٧٠٢ أبواب القيام ب ١٠ ح ٤.

(٣) في «ح» : بعد الصلاة.

(٤) نقله في الذخيرة : ٢٦١.

(٥) الوسائل ٤ : ٧٠١ أبواب القيام ب ١٠.

٤٣٩

بالمعسور ، ولقوله : «إذا أمرتكم بشي‌ء فاتوا منه ما استطعتم» (١) وللاستصحاب والعمومات والصحيحة الاتية.

وقد نقل عن الشيخ أنّه قال : قد روى أصحابنا أنّه إذا لم يقدر على القيام في جميع الصلاة قرأ جالساً ، فإذا أراد الركوع نهض وركع عن قيام (٢).

ولكن هذه الأدلّة لا تثبت أزيد ممّا يدخل في عنوان القيام منتصباً أو منحنياً أو متّكئاً.

وأما ما لا يدخل فيه ففيه إشكال ، لعدم شمول العمومات والخصوص أيضاً ، وجريان الدليلين الأوّلين في الأجزاء العقليّة محلّ كلام ، ولا يظهر عندي له وجه ، ولا نقض علينا باعتباره مع عدم التمكّن من الانتصاب ، لأنّ الانتصاب واجب والقيام واجب آخر ، فإذا صحّ سلب اسم القيام عنه فلا بدّ من الانتقال إلى القعود ، لعدم الدليل على صحّة مثل هذه الصلاة.

ولا فرق في التزام القيام مع القدرة بين كونه قادراً على الركوع والسجود معه أم لا ، فإذا قدر عليهما بدونه لم يجز العدول عنه ، بل يومئ للركوع والسجود بالإجماع ، نقله في التذكرة والمنتهى (٣) ، ولأنّ القيام ركن لا يجوز العدول عنه إلى الجلوس ، ومع الإيماء يحصل الركن أعني الركوع والسجود ، ومع الجلوس فيهما لا يحصل القيام والركوع قائماً وعن قيام.

فإن قلت : عمومات الركوع تعارضه ، فلا وجه للترجيح.

قلت : إن أردت منها الركوع المعروف المتداول الذي هو الركوع عن قيام وفي حال القيام نمنع الصغرى ، وإن أردت الأعمّ منه فنمنع كلّيّة الكبرى.

فإن قلت : لم يثبت عموم اعتبار القيام في الركوع.

__________________

(١) انظر عوالي اللآلي ٤ : ٥٨ ح ٢٠٥ ، ٢٠٦ ، وصحيح البخاري ٩ : ١١٧ ، وسنن البيهقي ٤ : ٣٢٦.

(٢) المبسوط ١ : ١٠٠.

(٣) التذكرة ٣ : ٨٩ ، المنتهي ١ : ٢٦٥.

٤٤٠