غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ٢

الميرزا أبو القاسم القمّي

غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ٢

المؤلف:

الميرزا أبو القاسم القمّي


المحقق: عباس تبريزيان
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-424-250-5
الصفحات: ٦٣١

مصر ، بل الإقامة أيضاً ، لرواية أبي مريم المتقدّمة في كراهة الإمامة بلا رداء (١).

ورواية عمرو بن خالد عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : كنّا معه نسمع إقامةَ جارٍ له بالصلاة ، فقال : «قوموا» فقمنا فصلّينا معه بغير أذان ولا إقامة ، قال : «يجزئكم أذان جاركم» (٢).

واستدلّوا عليه بفعل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمّة صلوات الله عليهم أيضاً (٣) ، قال في الذكرى : والروايتان معتضدتان بعمل الأصحاب (٤).

وتؤيّده بل تدلّ عليه أيضاً موثّقة عبد الله بن سنان لعبد الله بن المغيرة عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «إذا أذّن مؤذّن فنقص الأذان وأنت تريد أنّ تصلّي بأذانه فأتمّ ما نقص هو من أذانه» (٥).

وفي اجتزاء المنفرد بهذا الأذان نظر ، أقربه ذلك ، لأنّه من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى.

أقول : ويدلّ عليه قوله عليه‌السلام «يجزئكم أذان جاركم» أيضاً ، وكذلك ظاهر الموثّقة.

وقد ظهر من الرواية أنّ التكلّم يقدح في الاجتزاء بالإقامة ، ويؤيّده ما سيجي‌ء من استحباب إعادة الإقامة بعد التكلّم ، للخبر الصحيح وغيره (٦).

والظاهر أنّ سقوط الأذان حينئذٍ رُخصة ، فالاستحباب باقٍ بحاله في غير ما كان الأذان للجماعة الخاصّة ، فلا يستحب للإمام ولا المأمومين الإعادة جزماً ، وكأنّه إجماعيّ بملاحظة عمل المسلمين في جميع الأعصار والأمصار.

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٨٠ ح ١١١٣ ، الوسائل ٤ : ٦٥٩ أبواب الأذان ب ٣٠ ح ٢.

(٢) التهذيب ٢ : ٢٨٥ ح ١١٤١ ، الوسائل ٤ : ٦٥٩ أبواب الأذان ب ٣٠ ح ٣.

(٣) درر اللآلي ١ : ١٩٣ ، مستدرك الوسائل ٤ : ٤٦ أبواب الأذان ب ٢٢ ح ٢.

(٤) الذكرى : ١٧٣.

(٥) التهذيب ٢ : ٢٨٠ ح ١١١٢ ، الوسائل ٤ : ٦٥٩ أبواب الأذان ب ٣٠ ح ١.

(٦) التهذيب ٢ : ٥٥ ح ١٩١ ، الاستبصار ١ : ٣٠١ ح ١١١٢ ، الوسائل ٤ : ٦٢٩ أبواب الأذان ب ١٠ ح ٣.

٤٠١

والمشهور استحباب إعادة الأذان والإقامة للمنفرد إذا أراد الجماعة ، لموثّقة عمّار عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : وسئل عن الرجل يؤذّن ويقيم ليصلّي وحده ، فيجي‌ء رجل آخر فيقول له : نصلّي جماعة ، هل يجوز أن يصلّيا بذلك الأذان والإقامة؟ قال : «لا ، ولكن يؤذّن ويقيم» (١).

واستشكله في المعتبر (٢) لرواية أبي مريم المتقدّمة (٣) ، ودعوى الأولوية في الاجتزاء بأذان نفسه.

وفيه : أنّ الاستماع بقصد الجماعة لعلّه كان علّة للاجتزاء ، وليس في المنفرد قصد الجماعة ، فثبت الفارق ، فكيف بالأولوية.

ومنها : الجماعة الثانية إذا لم تتفرّق الاولى ، وإن فرغوا من الصلاة ، وربّما قيّد بكون ذلك في المسجد.

وتدلّ على ذلك روايات ، مثل صحيحة أبي بصير ، قال : سألته عن الرجل ينتهي إلى الإمام حين يسلّم ، فقال : «ليس عليه أن يعيد الأذان ، فليدخل معهم في أذانهم ، فإن وجدهم قد تفرّقوا أعاد الأذان» (٤).

وصحيحته الأُخرى أو موثّقته لأبان عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال ، قلت : الرجل يدخل المسجد وقد صلّى القوم ، أيؤذّن ويقيم؟ قال : «إن كان دخل ولم يتفرّق الصفّ صلّى بأذانهم وإقامتهم ، وإن كان تفرّق الصفّ أذّن وأقام» (٥).

ورواية عمرو بن خالد ، عن زيد بن عليّ ، عن آبائه عليهم‌السلام ، قال : «دخل رجلان المسجد وقد صلّى عليّ عليه‌السلام بالناس ، فقال لهما : إن شئتما فليؤمّ

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٠٤ ح ١٣ ، الفقيه ١ : ٢٥٨ ح ١١٦٨ ، التهذيب ٢ : ٢٧٧ ح ١١٠١ ، الوسائل ٤ : ٦٥٥ أبواب الأذان ب ٢٧ ح ١.

(٢) المعتبر ٢ : ١٣٧.

(٣) التهذيب ٢ : ٢٨٠ ح ١١١٣ ، الوسائل ٤ : ٦٥٩ أبواب الأذان ب ٣٠ ح ٢.

(٤) الكافي ٣ : ٣٠٤ ح ١٢ ، التهذيب ٢ : ٢٧٧ ح ١١٠٠ ، الوسائل ٤ : ٦٥٣ أبواب الأذان ب ٢٥ ح ١.

(٥) التهذيب ٢ : ٢٨١ ح ١١٢٠ ، الوسائل ٤ : ٦٥٣ أبواب الأذان ب ٢٥ ح ٢.

٤٠٢

أحدكما صاحبه ولا يؤذّن ولا يقيم» (١).

ورواية السكوني ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن عليّ عليه‌السلام ، أنّه كان يقول : «إذا دخل رجل المسجد وقد صلّى أهله فلا يؤذننّ ولا يقيمنّ ولا يتطوّع حتّى يبدأ بصلاة الفريضة» (٢) الحديث.

ورواية أبي عليّ الحرّاني قال : كنّا عند أبي عبد الله عليه‌السلام فأتاه رجل ، فقال : جعلت فداك صلّينا في المسجد الفجر وانصرف بعضنا وجلس بعض في التسبيح ، فدخل علينا رجل المسجد فأذّن فمنعناه ودفعناه عن ذلك ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «أحسنت ، ادفعه عن ذلك ، وامنعه أشدّ المنع» فقلت : فإن دخلوا وأرادوا أن يصلّوا فيه جماعة؟ قال : «يقومون في ناحية المسجد ولا يبدر بهم إمام» (٣).

وأنت خبير بأنّ هذه الروايات لا تدلّ على انحصار الحكم في مريد الجماعة ، بل هي أظهر في حكم المنفرد.

نعم ربّما يظهر من رواية أبي عليّ المنع عن الجماعة الثانية أو إظهارها ، إما لأجل احترام الإمام الراتب ، أو لأجل الاختفاء عن العامّة لئلّا يعرفون فيؤذون ، وهو غير المدّعى ، فلا وجه لاقتصار الشيخين (٤) وجماعة (٥) على حكم الجماعة ، وعن ابن حمزة (٦) التصريح بمنع الحكم في المنفرد ، وهو بعيد.

والظاهر أنّ ذكر المسجد في الروايات مبنيّ على الغالب ، فلا فرق في الحكم.

وفي مقابل هذه الأخبار موثّقة عمّار عن أبي عبد الله عليه‌السلام : أنّه سئل عن

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٥٦ ح ١٩١ ، الوسائل ٤ : ٦٥٣ أبواب الأذان ب ٢٥ ح ٣.

(٢) التهذيب ٣ : ٥٦ ح ١٩٥ ، الوسائل ٤ : ٦٥٤ أبواب الأذان ب ٢٥ ح ٤.

(٣) الفقيه ١ : ٢٦٦ ح ١٢١٥ ، التهذيب ٣ : ٥٥ ح ١٩٠ ، الوسائل ٥ : ٤٦٦ أبواب صلاة الجماعة ب ٦٥ ح ٢ بتفاوت.

(٤) المقنعة : ٩٧ ، النهاية : ١١٨ ، المبسوط ١ : ٩٨ ، ١٥٢ ، الخلاف ١ : ١٩٠.

(٥) كالسبزواري في الذخيرة : ٢٥٣ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٢٠٦ ، وصاحب الحدائق ٧ : ٣٨٩.

(٦) الوسيلة : ٩١.

٤٠٣

الرجل أدرك الإمام حين سلّم ، قال : «عليه أن يؤذّن ويقيم ويفتتح الصلاة» (١) وهي محمولة على صورة التفرّق ، لعدم المقاومة.

وربما يقال : إنّ المراد من الأخبار كلّها هي الجماعة في المسجد بمعونة فهم الأصحاب ، وأنّها محمولة على (الأمر بالتقية) (٢) سيّما بملاحظة رواية أبي عليّ مستدلا برواية عمّار.

وفيه : أنّ كلام العامة في ذلك مختلف ، ولم يظهر منهم عدم الجواز. نعم أبو حنيفة وبعضهم الأخر يقول بكراهة الجماعة الثانية في المسجد ، وهو غير القول بسقوط الأذان والإقامة.

وأما رواية أبي عليّ فغاية ما يسلّم منها أيضاً هو الإشعار بالإرشاد على الاختفاء والانزواء خوفاً من الضرر ، وهو لا يوجب اطّراد الحكم ، وأين هذا من كون الحكم كذلك تقيّة بمعنى كونها موافقة للعامّة ، ولو سلّم فلا يعارض بها ظواهر الأخبار الكثيرة المعمول بها والشهرة بين الأصحاب ، هذا.

ولكن لا يحصل من مجموع ما ذكر إلّا الرخصة لا العزيمة ، والأظهر كما يظهر من أكثر الأخبار وكلام بعض الأصحاب أنّ ذلك لمريد الجماعة (بذلك) (٣) الأذان ، وينقدح منه اعتبار وحدة الصلاة أيضاً.

الثالث : المشهور أنّ فصول الأذان ثمانية عشر : التكبير أربعاً ، ثمّ الشهادة بالتوحيد ، ثم بالرسالة ، ثم الدعاء إلى الصلاة ، ثم إلى الفلاح ، ثمّ إلى خير العمل ، ثمّ التكبير ، ثمّ التهليل ، كلّ واحد مرّتان.

والإقامة سبعة عشر : بنقص تكبيرتين من الأوّل ، وتهليل من الأخر ، وزيادة

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٥٨ ح ١١٧٠ ، التهذيب ٣ : ٢٨٢ ح ٨٣٦ ، الوسائل ٤ : ٦٥٤ أبواب الأذان ب ٢٥ ح ٥.

(٢) بدل ما بين القوسين في «ص» : التقيّة.

(٣) في «م» : بدون.

٤٠٤

قد قامت الصلاة مرّتين بعد الدعاء إلى خير العمل ، لصحيحة أبان عن إسماعيل الجعفي قال : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : «الأذان والإقامة خمسة وثلاثون حرفاً. فعدّ ذلك بيده واحداً واحداً ، الأذان ثمانية عشر حرفاً ، والإقامة سبعة عشر حرفاً» (١).

ويظهر بيانه من الأخبار الأُخر (٢) ، وعدم القول بالفصل ، وفهم الفقهاء ، والعمل عليه في الأعصار والأمصار ، وعن العلامة (٣) وابن زهرة (٤) دعوى الإجماع عليه.

ويدلّ على حكم الأذان أيضاً رواية أبي بكر الحضرمي وكليب الأسدي ، وفي آخرها «والإقامة كذلك» (٥) وكذلك رواية المعلّى بن خنيس (٦).

وفي صحيحة عبد الله بن سنان في وصف الأذان «الله أكبر» في الأوّل مرّتين (٧).

وكذلك رواية زرارة والفضيل بن يسار ، وفي آخرها : «والإقامة مثلها ، إلّا أنّ فيها قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة بين حيّ على خير العمل حيّ على خير العمل ، وبين الله أكبر» (٨) ، والعمل على الأوّل.

وقد تؤوّل تثنية التكبير في أوّل الأذان بإرادة إفهام السائل كيفيّة التلفّظ ،

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٠٢ ح ٣ ، التهذيب ٢ : ٥٩ ح ٢٠٨ ، الاستبصار ١ : ٣٠٥ ح ١١٣٢ ، الوسائل ٤ : ٦٤٢ أبواب الأذان ب ١٩ ح ١.

(٢) الوسائل ٤ : ٦٤٢ أبواب الأذان ب ١٩.

(٣) التذكرة ٣ : ٤١.

(٤) الغنية (الجوامع الفقهيّة) : ٥٥٧.

(٥) الفقيه ١ : ١٨٨ ح ٨٩٧ ، التهذيب ٢ : ٦٠ ح ٢١١ ، الاستبصار ١ : ٣٠٦ ح ١١٣٥ ، الوسائل ٤ : ٦٤٤ أبواب الأذان ب ١٩ ح ٩.

(٦) الاستبصار ١ : ٣٠٦ ح ١١٣٦ ، الوسائل ٤ : ٦٤٣ أبواب الأذان ب ١٩ ح ٦.

(٧) التهذيب ٢ : ٥٩ ح ٢٠٩ ، الاستبصار ١ : ٣٠٥ ح ١١٣٣ ، الوسائل ٤ : ٦٤٣ أبواب الأذان ب ١٩ ح ٥.

(٨) التهذيب ٢ : ٦٠ ح ٢١٠ ، الاستبصار ١ : ٣٠٥ ح ١١٣٤ ، الوسائل ٤ : ٦٤٤ أبواب الأذان ب ١٩ ح ٨.

٤٠٥

وهو بعيد.

ونقل الشيخ عن بعض الأصحاب تربيع التكبير في آخر الأذان (١) ، وهو ضعيف. ونقل أيضاً عن بعض الأصحاب أنّ فصول الإقامة مثل الأذان بزيادة قد قامت الصلاة (٢).

وما قيل : لو زيد في آخر الإقامة تهليلة لا بقصد الجزئية لعدم القائل به فلا بأس (٣) ، ففيه ما فيه ، لوجود القائل ، ووجود ما يدلّ على زيادة التكبيرين في الأوّل أيضاً.

والمشهور جواز النقص عن المشهور في الأذان والإقامة عند السفر والعذر ، للأخبار المعتبرة منها صحيحة أبي عبيدة الحذّاء ، قال : رأيت أبا جعفر عليه‌السلام يكبّر واحدة واحدة في الأذان ، فقلت له : لِمَ تكبّر واحدة واحدة؟ فقال : «لا بأس به إذا كنت مستعجلاً» (٤).

وفي رواية يزيد بن معاوية عنه عليه‌السلام ، قال : «الأذان يقصّر في السفر كما تقصّر الصلاة ، الأذان واحداً واحداً والإقامة واحدة» (٥).

وروى ابن مسكان في الصحيح عن يزيد مولى الحكم ، عمّن حدّثه ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سمعته يقول : «لأن أُقيم مثنى مثنى أحبّ إليّ من أنّ أُؤذّن وأُقيم واحداً واحداً» (٦).

ويجب الإتيان بهما على الترتيب المقرّر في الأخبار ؛ للتوقيف ، فلو تخلّف بطل.

__________________

(١) الخلاف ١ : ٢٧٨ مسألة ١٩.

(٢) الخلاف ١ : ٢٧٩ مسألة ٢٠ ، المبسوط ١ : ٩٩ ، وانظر الهداية (الجوامع الفقهيّة) : ٥١.

(٣) حاشية المدارك للوحيد البهبهاني : ١٧٨.

(٤) التهذيب ٢ : ٦٢ ح ٢١٦ ، الاستبصار ١ : ٣٠٧ ح ١١٤٠ ، الوسائل ٤ : ٦٥٠ أبواب الأذان ب ٢١ ح ٤.

(٥) التهذيب ٢ : ٦٢ ح ٢١٩ ، الاستبصار ١ : ٣٠٨ ح ١١٤٣ ، الوسائل ٤ : ٦٥٠ أبواب الأذان ب ٢١ ح ٢.

(٦) التهذيب ٢ : ٦٢ ح ٢١٨ ، الاستبصار ١ : ٣٠٨ ح ١١٤٢ ، الوسائل ٤ : ٦٤٩ أبواب الأذان ب ٢٠ ح ٢.

٤٠٦

ولو سها في التقديم والتأخير فيرجع إلى المقدّم بالوضع ثم يأتي بما بعده ، لصحيحة زرارة عن الصادق عليه‌السلام ، قال : «من سها في الأذان فقدّم أو أخّر أعاد على الأوّل الذي أخّره حتى يمضي على أخره» (١).

وفي الفقيه مرسلاً عن الباقر عليه‌السلام : في الأذان والإقامة ، قال : «ابدأ بالأوّل فالأوّل ، فإن قلت : حيّ على الصلاة قبل الشهادتين تشهّدت ثمّ قلت : حيّ على الصلاة» (٢).

وهنا روايتان أُخريان ، إحداهما : موثّقة عمّار : أنّه قال سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن رجل نسي من الأذان حرفاً فذكره حين فرغ من الأذان والإقامة ، قال : «يرجع إلى الحرف الذي نسيه فليقله ، وليقل من ذلك الحرف إلى أخره ، ولا يعيد الأذان كلّه ، ولا الإقامة» (٣).

والثانية : موثّقته الأُخرى عنه عليه‌السلام : «إن نسي الرجل حرفاً من الأذان حتى يأخذ في الإقامة فليمضِ في الإقامة فليس عليه شي‌ء ، فإن نسي حرفاً من الإقامة عاد إلى الحرف الذي نسيه ثمّ يقول من ذلك الموضع إلى آخر الإقامة» (٤).

وأما في صورة الشكّ فلا يبعد القول بأنّه يأتي بكلّ فصل يشكّ فيه متى لم يدخل في الأخر ، للحديث العام في أصل الشكّ كما سيأتي (٥).

وأما لو شكّ في الأذان قبل الدخول في الإقامة وفي الإقامة قبل الشروع في التكبير ، فلا ريب أنّه يأتي به ، لصحيحة زرارة الواردة في مطلق حكم الشك في الأجزاء (٦).

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٠٥ ح ١٥ ، التهذيب ٢ : ٢٨٠ ح ١١١٥ ، الوسائل ٤ : ٦٦٢ أبواب الأذان ب ٣٣ ح ١.

(٢) الفقيه ١ : ٢٨ ح ٨٩ ، الوسائل ٤ : ٦٦٢ أبواب الأذان ب ٣٣ ح ٣.

(٣) الفقيه ١ : ١٨٧ ح ٨٩٤ ، الوسائل ٤ : ٦٦٣ أبواب الأذان ب ٣٣ ح ٤ بتفاوت.

(٤) التهذيب ٢ : ٢٨٠ ح ١١١٤ ، الوسائل ٤ : ٦٦٢ أبواب الأذان ب ٣٣ ح ٢.

(٥) ص ٥٩٥.

(٦) التهذيب ٢ : ٣٥٢ ح ١٤٥٩ ، الوسائل ٥ : ٣٣٦ أبواب الخلل ب ٢٣ ح ١.

٤٠٧

الرابع : يستحبّ استقبال القبلة فيهما بالإجماع ، واستُدلّ عليه بقوله عليه‌السلام : «خير المجالس ما استقبل القبلة» (١) وفيه إشكال ، وستجي‌ء رواية أُخرى (٢).

ويتأكّد في الشهادتين وفي الإقامة ، أما الشهادتان فلصحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يؤذّن وهو يمشي أو على ظهر دابته وعلى غير طهور ، فقال : «نعم ، إذا كان التشهّد مستقبل القبلة فلا بأس» (٣) وتؤدّي مؤدّاها حسنة الحلبي عن الصادق عليه‌السلام (٤).

وأما الإقامة ، فلرواية سليمان بن صالح عن الصادق عليه‌السلام ، قال : «لا يقيم أحدكم الصلاة وهو ماشٍ ولا راكب ولا مضطجع ، إلّا أن يكون مريضاً ، وليتمكّن في الإقامة كما يتمكّن في الصلاة ، فإنه إذا أخذ في الإقامة فهو في صلاة» (٥).

وعن السيد القول بالوجوب فيهما (٦) ، وهو ضعيف.

ويكره الالتفات به يميناً وشمالاً ، وعن بعض العامّة استحباب الإدارة بالأذان في المأذنة (٧) ، وهو مخالف للسنّة ، والاكتفاء بالالتواء بالعنق أيضاً لا يكفي في دفع ذلك كما لا يخفى.

وعن دعائم الإسلام رواية عن عليّ عليه‌السلام ، قال : «يستقبل المؤذّن

__________________

(١) الشرائع ٤ : ٧٣ ، الوسائل ٨ : ٤٧٥ أبواب أحكام العِشرة ب ٧٦ ح ٣.

(٢) ص ٤٠٩.

(٣) الفقيه ١ : ١٨٥ ح ٨٧٨ ، التهذيب ٢ : ٥٦ ح ١٩٦ ، الوسائل ٤ : ٦٣٥ أبواب الأذان ب ١٣ ح ٧.

(٤) الكافي ٣ : ٣٠٤ ح ١١ ، الوسائل ٤ : ٦٢٧ أبواب الأذان ب ٩ ح ٢.

(٥) الكافي ٣ : ٣٠٦ ح ٢١ ، التهذيب ٢ : ٥٦ ح ١٩٧ ، الوسائل ٤ : ٦٣٦ أبواب الأذان ب ١٣ ح ١٢.

(٦) الجمل (رسائل الشريف المرتضى) ٣ : ٣٠.

(٧) المغني ١ : ٤٧٢ ، الإنصاف ١ : ٤١٦ ، المحرّر في الفقه ١ : ٣٨.

٤٠٨

القبلة في الأذان والإقامة ، فإذا قال : حيّ على الصلاة حيّ على الفلاح ، حوّل وجهه يميناً وشمالاً» (١).

ويستحبّ القيام فيهما ، أما في الأذان فلرواية حمران ، قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن الأذان جالساً ، قال : «لا يؤذّن جالساً ، إلّا راكب أو مريض» (٢).

وأما في الإقامة ، فلأخبار كثيرة ، منها ما مرّ ، ومنها صحيحة محمّد بن مسلم قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : يؤذّن الرجل وهو قاعد؟ قال : «نعم ، ولا يقيم إلّا وهو قائم» (٣) وفي معناها أخبار كثيرة (٤).

وفي تلك الأخبار أيضاً إشعار باستحباب القيام في الأذان أيضاً كما لا يخفى على المتأمّل فيها.

ويظهر من بعضهم (٥) اشتراط القيام في الإقامة ، وهو في غاية القوّة بملاحظة الأخبار ، فلا يُترك إلّا مع الاضطرار.

وتستحبّ الطهارة ، للإجماع ، والحديث النبويّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : «حقّ وسنّة أن لا يؤذّن أحد إلّا وهو طاهر» (٦) وعن المعتبر أنّه فتوى العلماء (٧).

وأما ما يدلّ على ذلك في الإقامة من الأخبار فبمكان من الكثرة ، منها صحيحة عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «لا بأس أن تؤذّن وأنت على غير طهور ، ولا تقم إلّا وأنت على وضوء» (٨) وتلك الأخبار أيضاً تشعر بحكم

__________________

(١) دعائم الإسلام ١ : ١٤٤.

(٢) التهذيب ٢ : ٥٧ ح ١٩٩ ، الاستبصار ١ : ٣٠٢ ح ١١٢٠ ، الوسائل ٤ : ٦٣٦ أبواب الأذان ب ١٣ ح ١١.

(٣) التهذيب ٢ : ٥٦ ح ١٩٤ ، الاستبصار ١ : ٣٠٢ ح ١١١٨ ، الوسائل ٤ : ٦٣٥ أبواب الأذان ب ١٣ ح ٥.

(٤) الوسائل ٤ : ٦٣٤ أبواب الأذان ب ١٣.

(٥) المقنعة : ٩٩ ، النهاية : ٦٦.

(٦) كنز العمال ٨ : ٣٤٣ ح ٢٣١٨٠.

(٧) المعتبر ٢ : ١٢٧.

(٨) التهذيب ٢ : ٥٣ ح ١٧٩ ، الوسائل ٤ : ٦٢٧ أبواب الأذان ب ٩ ح ٣.

٤٠٩

الطهارة في الأذان أيضاً.

وعن السيّد (١) والعلامة في المنتهي (٢) اشتراط الإقامة بها ، وهو قويّ.

والتأنّي في الأذان ، والحدر في الإقامة ، لحسنة زرارة عن الباقر عليه‌السلام : «الأذان جزم بإفصاح الألف والهاء ، والإقامة حدر» (٣).

ورواية الحسن بن السري عن الصادق عليه‌السلام ، قال : «الأذان ترتيل ، والإقامة حدر» (٤).

وصحيحة معاوية بن وهب : أنّه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن الأذان ، فقال : «اجهر وارفع به صوتك ، فإذا أقمت فدون ذلك ، ولا تنتظر بأذانك وإقامتك إلّا دخول وقت الصلاة ، واحدر إقامتك حدراً» (٥) إلى غير ذلك.

وأما في حديث يونس الشيباني من قول الصادق عليه‌السلام : «إذا أقمت فأقم مترسّلاً ، فإنك في الصلاة» (٦) فلا يقاوم ما ذكرنا ، مع احتمال إرادة التؤدة والتثبّت في البدن كما قيل (٧).

وأن يقف عند الفصول ، للإجماع ، ولحسنة زرارة المتقدّمة ، ورواية خالد بن نجيح عن الصادق عليه‌السلام أنّه قال : «التكبير جزم في الأذان مع الإفصاح بالهاء والألف» (٨).

وروايته الأُخرى عنه عليه‌السلام ، قال : «الأذان والإقامة مجزومان» ورواه

__________________

(١) نقله عنه في المعتبر ٢ : ١٢٨.

(٢) المنتهي ١ : ٢٥٨.

(٣) التهذيب ٢ : ٥٨ ح ٢٠٣ ، الوسائل ٤ : ٦٥٢ أبواب الأذان ب ٢٤ ح ٢.

(٤) الكافي ٣ : ٣٠٦ ح ٢٦ ، التهذيب ٢ : ٦٥ ح ٢٣٢ ، الوسائل ٤ : ٦٥٣ أبواب الأذان ب ٢٤ ح ٣.

(٥) الفقيه ١ : ١٨٥ ح ٨٧٦ ، الوسائل ٤ : ٦٢٥ أبواب الأذان ب ٨ ح ١.

(٦) التهذيب ٢ : ٢٨٢ ح ١١٢٥ ، الوسائل ٤ : ٦٣٥ أبواب الأذان ب ١٣ ح ٩.

(٧) التذكرة ٣ : ٥٣.

(٨) الفقيه ١ : ١٨٤ ح ٨٧١ ، التهذيب ٢ : ٥٨ ح ٢٠٤ ، الوسائل ٤ : ٦٣٩ أبواب الأذان ب ١٥ ح ٣.

٤١٠

الصدوق وقال : في خبر آخر : «موقوفان» (١). والظاهر أنّ المراد من الوقف أيضاً الجزم ، والمراد من الجزم الإسكان وترك الإعراب ، بل الرَّوم والإشمام والتضعيف (٢).

وتحقيق الحال أنّ السكتة معتبرة في الوقف كما يفهم منه عرفاً ، وصرّح به أئمّة التصريف (٣) ، فلا يتمّ الوقف بدون السكتة ، كما لا يتمّ بالسكتة فقط مع التحريك.

وأما الروم والإشمام فليسا بتحريك حقيقي.

والحاصل أنّ الوقف على ما حقّقوه بحكم الاستقراء يرتقي إلى أحد عشر قسماً ، أحدها الجزم ، وهو الإسكان المجرد ، والمطلوب في الأذان هو هذا بحكم الإجماع والأخبار (٤) ، فالقول باستحباب الوقف مع تفسيره بالجزم إنّما هو في مقابل التحريك مع عدم السكتة على وجه يصحّ ، أو الوقف بالروم والإشمام ، والتضعيف مع السكتة.

وأما الجزم مع عدم القطع والسكتة أو التحريك مع السكتة فهو لحن في كلام العرب ، ويشكل الاكتفاء به وإن قيل : إنّ التسكين بدون الوقف أيضاً لغة عربية ، وأنّه أولى من التحريك مطلقاً (٥).

فالمراد بالترتيل في مقابل الحدر في رواية الحسن بن السري هو إطالة الوقوف ، وإلّا فالإقامة أيضاً موقوفة.

ومما ذكرنا يظهر حال سائر الأذكار كتسبيح الزهراء عليها‌السلام وغيرها.

وأما اللثغ في الكلام ، وهو تبديل حرف بحرف بسبب عجز في اللسان ،

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٨٤ ح ٨٧٤ ، الوسائل ٤ : ٦٣٩ أبواب الأذان ب ١٥ ح ٤ ، ٥.

(٢) الرَّوم : حركة مختلسة مختفاة ، وهي أكثر من الإشمام لأنّها تُسمع (الصحاح ٥ : ١٩٣٨).

(٣) شرح ابن عقيل ٢ : ٥٠٨ ، شرح النظام : ١٧١.

(٤) الوسائل ٤ : ٦٣٨ أبواب الأذان ب ١٥.

(٥) الروضة البهيّة ١ : ٥٨٢.

٤١١

كما نقل عن بلال أنّه كان يبدل الشين بالسين (١) ، فهو غير مضرّ.

وأما اللحن في الإعراب وتبديل الحركات وغيره من دون جهة العجز فربّما يتردّد فيه.

وربّما يفرّق بين ما كان مغيّراً للمعنى كأن يفتح اللام من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ فإنّه يوهم التوصيف فتبقى «أن» بلا خبر ، وكإشباع فتحة الباء من أكبر ؛ فيصير أكبار جمع كبر وهو الطبل ، بخلاف تبديل فتحة همزة أن بالضمّة ، فيحكم بالبطلان في الأوّل دون الثاني.

والأحوط بل الأقوى الاجتناب عن الجميع ، فإن الامتثال لا يحصل إلّا بإتيان الألفاظ على وضعها ، ويشكل دعوى صدق قراءة المأمور به حقيقة مع ذلك.

وأما المراد بالألف والهاء في الأخبار المتقدّمة ، فقال المحقّق الشيخ عليّ (٢) وغيره (٣) : إنّ المراد به الألف الغير المكتوبة في كلمة الجلالة والهاء في آخرها. والأظهر إرادة الهمزات في الأوائل والهاءات فيها وفي كلمة الصلاة (٤) ، لأنّها مظنّة المسامحة والالتباس غالباً ، فلا بدّ من إفصاحها ، وكذلك الحاء من الفلاح.

وجعل ابن إدريس المراد هي هاء إله ، لأنّها هي الّتي يدغمها بعض الناس ، وأما هاء أشهد والله فمبيّنتان مفصحتان (٥) ، وهو كما ترى.

وأن يرفع صوته بالأذان ، وأن يجعل إصبعيه في أُذنيه حين الأذان ، لصحيحة زرارة عن الباقر عليه‌السلام ، قال : «لا يجزيك من الأذان إلّا ما أسمعت نفسك أو

__________________

(١) التذكرة ٣ : ٧٥.

(٢) جامع المقاصد ٢ : ١٨٤.

(٣) الذكرى : ١٧٠.

(٤) كذا.

(٥) السرائر ١ : ٢١٤.

٤١٢

فهمته ، وأفصح بالألف والهاء ، وصلّ على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله كلّما ذكرته أو ذكره ذاكر عندك في أذان أو غيره ، وكلّما اشتدّ صوتك من غير أن تجهد نفسك كان من يسمع أكثر ، وكان أجرك في ذلك أعظم» (١).

ورواية محمّد بن مروان عن الصادق عليه‌السلام ، يقول : «المؤذّن يغفر الله له مدّ صوته ، ويشهد له كلّ شي‌ء سمعه» (٢) وسيجي‌ء ما يدلّ عليه أيضاً.

وفي صحيحة الحسن بن السري عن الصادق عليه‌السلام ، قال : «من السنّة أن تضع إصبعيك في أُذنيك في الأذان» (٣).

ويستحبّ أن يفصل بينهما بركعتين ، أو سجدة ، أو جلسة ، أو خطوة ، إلّا المغرب ؛ فإنّه يفصل بينهما بخطوة أو سكتة أو تسبيحة ، ذهب إليه علماؤنا ، قاله في المنتهي (٤) ، ومثله قال في المعتبر (٥).

والأخبار بعضها يعيّن القعود بينهما مطلقاً ، كقويّة الحسن بن شهاب (٦).

وبعضها يخيّر بينه وبين الصلاة ركعتين مطلقاً أيضاً ، كصحيحة سليمان بن جعفر الجعفري ، قال : سمعته يقول : «افرق بين الأذان والإقامة بجلوس أو بركعتين» (٧).

وبعضها يدلّ على الفصل بالركعتين في الظهر والعصر ، مثل قويّة أبي عليّ صاحب الأنماط (٨).

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٨٤ ح ٨٧٥ ، الوسائل ٤ : ٦٣٩ أبواب الأذان ب ١٥ ح ٦ ، وب ١٦ ح ٢ ، وص ٦٦٩ ب ٤٢ ح ١.

(٢) الكافي ٣ : ٣٠٧ ح ٢٨ ، التهذيب ٢ : ٥٢ ح ١٧٥ ، الوسائل ٤ : ٦١٥ أبواب الأذان ب ٢ ح ١١.

(٣) التهذيب ٢ : ٢٨٤ ح ١١٣٥ ، الوسائل ٤ : ٦٤١ أبواب الأذان ب ١٧ ح ٢.

(٤) المنتهي ١ : ٢٥٦.

(٥) المعتبر ٢ : ١٤٢.

(٦) التهذيب ٢ : ٦٤ ح ٢٢٦ ، الوسائل ٤ : ٦٣١ أبواب الأذان ب ١١ ح ١.

(٧) التهذيب ٢ : ٦٤ ح ٢٢٧ ، الوسائل ٤ : ٦٣١ أبواب الأذان ب ١١ ح ٢.

(٨) التهذيب ٢ : ٢٨٦ ح ١١٤٤ ، الوسائل ٤ : ٦٦٧ أبواب الأذان ب ٣٩ ح ٥.

٤١٣

وتدلّ على الفصل بنافلة الصبح بينهما صحيحة عبد الله بن سنان الاتية (١).

وفي صحيحة البزنطي المروية في قرب الإسناد عن الرضا عليه‌السلام : عن القعدة بين الأذان والإقامة فقال : «القعدة بينهما إذا لم يكن بينهما نافلة» وقال : «تؤذّن وأنت راكب وجالس ، ولا تقيم إلّا على الأرض وأنت قائم» (٢).

وروايته الأُخرى عن أبي الحسن عليه‌السلام المروية في الكافي والتهذيب (٣).

وبعضها يدلّ على أنّ بينهما قعدة إلّا المغرب ، فإن بينهما نَفَساً ، كمرسلة سيف ابن عميرة (٤).

ويمكن أن يكون المراد بالنَّفَس هو امتداد الاصطبار على عدم النفس ثمّ التنفّس في الغالب والعادة.

وربّما يشعر ذلك بجواز الجزم على أواخر الفصول والوقوف عليها بدون التنفّس.

وفي بعضها : «من جلس فيما بين أذان المغرب والإقامة كان كالمتشحّط بدمه في سبيل الله» كرواية إسحاق الجريري (٥).

وفي بعضها التخيير بين القعود والتسبيح والكلام ؛ وأنّ أقلّ ما يجزئ قول «الحمد لله» كموثّقة عمّار (٦).

والأفضل الفصل بالركعتين إن كان هناك نافلة ، كالظهرين والصبح على وجه.

ولا بدّ من الاجتهاد في الحالات والأوقات والصلوات ، فمع قطع النظر عن

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٥٣ ح ١٧٧ ، الوسائل ٤ : ٦٦٧ أبواب الأذان ب ٣٩ ح ٤.

(٢) قرب الإسناد : ١٥٨ ، الوسائل ٤ : ٦٣٣ أبواب الأذان ب ١١ ح ١٢ ، وب ١٣ ح ١٤.

(٣) الكافي ٣ : ٣٠٦ ح ٢٤ ، التهذيب ٢ : ٦٤ ح ٢٢٨ ، الوسائل ٤ : ٦٦٧ أبواب الأذان ب ٣٩ ح ٣.

(٤) التهذيب ٢ : ٦٤ ح ٢٢٩ ، الاستبصار ١ : ٣٠٩ ح ١١٥٠ ، الوسائل ٤ : ٦٣٢ أبواب الأذان ب ١١ ح ٧.

(٥) التهذيب ٢ : ٦٤ ح ٢٣١ ، الاستبصار ١ : ٣٠٩ ح ١١٥١ ، المحاسن : ٥٠ ح ٧٠ ، الوسائل ٤ : ٦٣٢ أبواب الأذان ب ١١ ح ١٠.

(٦) الفقيه ١ : ١٨٥ ح ٨٧٧ ، الوسائل ٤ : ٦٣٢ أبواب الأذان ب ١١ ح ١١.

٤١٤

الموانع والدواعي الخارجية فالأفضل التوسيط بالنافلة إذا كان هناك نافلة ، ثمّ السجدة في غير المغرب لضيق وقته ، ويستحبّ الدعاء بالمأثور (١).

واعترف غير واحد من الأصحاب بعدم النصّ في السجدة ، حتّى في غير المغرب ، وكذلك الخطوة فيه (٢).

مع إنّ ابن طاوس روى في فلاح السائل عن بكر بن محمّد الأزدي عن الصادق عليه‌السلام ، قال : «كان أمير المؤمنين عليه‌السلام يقول لأصحابه : من سجد بين الأذان والإقامة فقال في سجوده : ربّ لك سجدت خاضعاً خاشعاً ذليلاً ، يقول الله تعالى : ملائكتي وعزّتي وجلالي لأجعلن محبّته في قلوب عبادي المؤمنين ، وهيبته في قلوب المنافقين» (٣).

وعن ابن أبي عمير ، عن أبيه ، عنه عليه‌السلام ، قال : رأيته أذّن ثمّ أهوى للسجود ، ثم سجد سجدة بين الأذان والإقامة ، فلمّا رفع رأسه قال : «يا أبا عمير من فعل مثل فعلي غفر الله تعالى له ذنوبه كلّها». وقال : «من أذّن ثمّ سجد فقال : لا إله إلّا أنت سجدت لك خاضعاً خاشعاً ، غفر الله له ذنوبه» (٤).

وروى فيه أيضاً ، عن معاوية بن وهب عن الصادق عليه‌السلام رواية : أنّه جلس بعد أذان المغرب ثمّ دعا بدعاء ذكره في الرواية ، وقال عليه‌السلام : «إنّه دعاء أمير المؤمنين ليلة بات على فراش رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله».

ثمّ قال ابن طاوس : وقد رويت روايات أنّ الأفضل أن لا يجلس بين أذان المغرب وإقامتها ، وهو الظاهر من عمل جماعة من أهل التوفيق (٥).

__________________

(١) انظر الوسائل ٤ : ٦٣٤ أبواب الأذان ب ١٢.

(٢) كالشهيد في الذكرى : ١٧١ كما استظهر ذلك في الروضة البهيّة ١ : ٥٨٤ ، وصاحب المدارك ٣ : ٢٨٧.

(٣) فلاح السائل : ١٥٢ ، الوسائل ٤ : ٦٣٣ أبواب الأذان ب ١١ ح ١٤.

(٤) فلاح السائل : ١٥٢ ، الوسائل ٤ : ٦٣٣ أبواب الأذان ب ١١ ح ١٥.

(٥) فلاح السائل : ٢٢٨ ، مستدرك الوسائل ٤ : ٣١ أبواب الأذان ب ١١ ح ١.

٤١٥

أقول : ولعلّ الإمام عليه‌السلام كان ينتظر أمراً تمكّن معه من ذلك ، كما أشرنا إلى تفاوت مراتب الأشخاص والأوقات.

وأما الخطوة فهي مذكورة في فقه الرضا عليه‌السلام (١).

وتستحبّ حكاية الأذان للسامع ، وهو مذهب العلماء كافّة كما في المنتهي (٢) ، وتدلّ عليه الأخبار المستفيضة ، منها رواية محمّد بن مسلم عن الباقر عليه‌السلام : أنّه قال له : «يا محمّد بن مسلم لا تدع ذكر الله على كلّ حال ، ولو سمعت المنادي ينادي للأذان وأنت على الخلاء فاذكر الله عزوجل» (٣).

وصحيحته عنه عليه‌السلام ، قال : «كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا سمع المؤذّن يؤذّن قال مثل ما يقول في كلّ شي‌ء» (٤).

وعن الشيخ في المبسوط أنّه روى عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «يقول إذا قال حيّ على الصلاة : لا حول ولا قوة إلّا بالله» (٥).

وعنه في المبسوط (٦) أيضاً جواز قطع الصلاة للحكاية ، للعموم ، وهو مشكل ، وكذلك قراءة القرآن ، ولا بأس به.

وأما الحكاية في الصلاة فلا تنصرف من الإطلاقات وإن كانت في غير الحيعلات ، وأما الحيعلات فالأظهر عدم الجواز بل المتعيّن ، فتبطل معها.

ويستحبّ الدعاء عند سماع الأذان في الصبح والمغرب بالمأثور ، والظاهر أنّه لا ينافي الحكاية ، فيقرأ بعد الفراغ.

الخامس : يكره الكلام في أثناء الأذان والإقامة لمنافاته للإقبال المطلوب ،

__________________

(١) فقه الرضا (ع) : ٩٨.

(٢) المنتهي ١ : ٢٦٣.

(٣) الفقيه ١ : ١٨٧ ح ٨٩٢ ، علل الشرائع : ٢٨٤ ح ٢ ، الوسائل ٤ : ٦٧١ أبواب الأذان ب ٤٥ ح ٢.

(٤) الكافي ٣ : ٣٠٧ ح ٢٩ ، الوسائل ٤ : ٦٧١ أبواب الأذان ب ٤٥ ح ١.

(٥) المبسوط ١ : ٩٧.

(٦) المبسوط ١ : ٩٧.

٤١٦

ولتنبيه كلّ الأخبار الرافعة للمنع عنه عليه (١).

وللأخبار المستفيضة جدّاً في الإقامة ، منها صحيحة عمرو بن أبي نصر قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أيتكلّم الرجل في الأذان؟ قال : «لا بأس» قلت : في الإقامة؟ قال : «لا» (٢).

ويدلّ على رفع المنع فيها أيضاً أخبار كثيرة ، منها صحيحة حمّاد بن عثمان ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل أيتكلّم بعد ما يقيم الصلاة؟ قال : «نعم» (٣).

وصحيحة محمّد الحلبي قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يتكلّم في أذانه أو في إقامته ، فقال : «لا بأس» (٤).

ورواية الحسن بن شهاب عنه عليه‌السلام ، يقول : «لا بأس بأن يتكلّم الرجل وهو يقيم الصلاة ، وبعد ما يقيم إن شاء» (٥).

وهذا الكلام فيما قبل قد قامت الصلاة واضح ، وأما بعده فالمشهور فيه أيضاً الكراهة ، لكن مع التغليظ ، وهو حسن مع الانفراد ، لما تقدّم ، ولعدم دلالة الأخبار الاتية على التحريم فيه.

وأما مع الجماعة ، أي لجمع يريدون الجماعة ويجتزؤن بإقامة المقيم ، فلا يبعد القول بالتحريم ، وفاقاً للشيخين (٦) والسيّد (٧) ، وخلافاً للمشهور ، حيث قالوا فيه بالكراهة المغلّظة أيضاً ، بل الذي وجدت في كلامهم هو تغليظ الكراهة في

__________________

(١) الوسائل ٤ : ٦٢٨ أبواب الأذان ب ١٠.

(٢) الكافي ٣ : ٣٠٤ ح ١ ، التهذيب ٢ : ٥٤ ح ١٨٢ ، الاستبصار ١ : ٣٠٠ ح ١١١٠ ، الوسائل ٤ : ٦٢٩ أبواب الأذان ب ١٠ ح ٤.

(٣) التهذيب ٢ : ٥٤ ح ١٨٧ ، الاستبصار ١ : ٣٠١ ح ١١١٤ ، الوسائل ٤ : ٦٢٩ أبواب الأذان ب ١٠ ح ٩.

(٤) التهذيب ٢ : ٥٤ ح ١٨٦ ، الاستبصار ١ : ٣٠١ ح ١١١٣ ، الوسائل ٤ : ٦٢٩ أبواب الأذان ب ١٠ ح ٨.

(٥) التهذيب ٢ : ٥٥ ح ١٨٨ ، الوسائل ٤ : ٦٣٠ أبواب الأذان ب ١٠ ح ١٠.

(٦) المقنعة : ٩٨ ، النهاية : ٦٦.

(٧) نقله عن مصباحه في المعتبر ٢ : ١٤٣.

٤١٧

الجماعة ، ولم أقف على تصريح في كلامهم بتسويته مع المنفرد في الكراهة.

لنا : الأخبار المستفيضة ، مثل صحيحة ابن أبي عمير : قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يتكلّم في الإقامة ، قال : «نعم ، فإذا قال المؤذّن قد قامت الصلاة فقد حرم الكلام على أهل المسجد ، إلّا أن يكونوا قد اجتمعوا من شتّى وليس لهم إمام ، فلا بأس أن يقول بعضهم لبعض : تقدّم يا فلان» (١).

وصحيحة زرارة عن الباقر عليه‌السلام ، قال : «إذا أُقيمت الصلاة حرم الكلام على الإمام وأهل المسجد ، إلّا في تقديم إمام» (٢).

وموثّقة سماعة (عنه) (٣) عليه‌السلام : «إذا أقام المؤذّن الصلاة فقد حرم الكلام ، إلّا أن يكون القوم ليس يعرف لهم إمام».

وصحيحة حمّاد (٤) وما يليها لا تنافي ما ذكرنا حتّى يحمل على الكراهة بسبب معارضتها ؛ لظهورها في المنفرد ، غاية الأمر الإطلاق وهذه مقيّدات.

نعم روى في السرائر ، عن كتاب محمّد بن عليّ بن محبوب ، عن جعفر بن بشير ، عن عبيد بن زرارة ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام قلت : أيتكلّم الرجل بعد ما تقام الصلاة؟ قال : «لا بأس» (٥) فهذه مع الشهرة والتأمّل في ثبوت الحقيقة الشرعية في لفظ الحرمة ترجّح المشهور.

وأما القول بتحريم التكلّم في الإقامة مطلقاً كما هو ظاهر الشيخين (٦) فضعيف لما مرّ.

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٥٥ ح ١٨٩ ، الاستبصار ١ : ٣٠١ ح ١١١٦ ، الوسائل ٤ : ٦٢٩ أبواب الأذان ب ١٠ ح ٧.

(٢) الفقيه ١ : ١٨٥ ح ٨٧٩ ، الوسائل ٤ : ٦٢٨ أبواب الأذان ب ١٠ ح ١.

(٣) ليست في «ح» ، والرواية عن أبي عبد الله (ع) ، التهذيب ٢ : ٥٥ ح ١٩٠ ، الاستبصار ١ : ٣٠٢ ح ١١١٧ ، الوسائل ٤ : ٦٢٩ أبواب الأذان ب ١٠ ح ٥.

(٤) التهذيب ٢ : ٥٤ ح ١٨٧ ، الاستبصار ١ : ٣٠١ ح ١١١٤ ، الوسائل ٤ : ٦٢٩ أبواب الأذان ب ١٠ ح ٩.

(٥) السرائر ٣ : ٦٠١ ، الوسائل ٤ : ٦٣٠ أبواب الأذان ب ١٠ ح ١٣.

(٦) المقنعة : ٩٧ ، النهاية : ٦٦.

٤١٨

وكيف كان ، فيستحبّ لمن تكلّم أن يعيدها ، لصحيحة محمّد بن مسلم قال ، قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «لا تتكلّم إذا أقمت الصلاة ، فإنّك إذا تكلّمت أعدت الإقامة» (١)

ثمّ إنّهم استثنوا من التكلّم ما كان لمصلحة الصلاة ، كتقديم إمام أو تسوية صفّ أو غير ذلك ، والمنصوص إنّما هو تقديم الإمام ، وتقدّم يا فلان ، ولعلّ الإلحاق من باب اتّحاد الطريق.

ويحرم التثويب بمعنى قول «الصلاة خير من النوم» في الأذان مع اعتقاد الجزئية ، لكونه من بدع عمر. والظاهر أنّه لا نزاع فيه ، واتّفاق بين الفرقة ، كما أنّه لا خلاف في جوازه مع التقية.

وأما بدونها (٢) فالأظهر الحرمة أيضاً ، مع اعتقاد الرجحان ، وأما بدونه فالأظهر القول بالكراهة ، لكونه من الكلام المكروه.

وذهب جماعة إلى التحريم (٣).

وابن الجنيد على أنّه لا بأس به في أذان الفجر خاصّة (٤).

والجعفي على الجواز بعد قول «حيّ على خير العمل» مرّتين في أذان الصبح. والمنقول عنه أنّه ليس من الأذان (٥) ، وهو الظاهر من ابن الجنيد.

وأما موثّقة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : «كان أبي ينادي في بيته بالصلاة خير من النوم ، ولو ردّدت ذلك لم يكن به بأس» (٦) فهي محمولة

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٥٥ ح ١٩١ ، الاستبصار ١ : ٣٠١ ح ١١١٢ بتفاوت يسير ، الوسائل ٤ : ٦٢٩ أبواب الأذان ١٠ ح ٣.

(٢) في «ح» : بدونهما. والمراد بدون اعتقاد الجزئية.

(٣) كالشيخ في النهاية : ٦٧ ، وابن حمزة في الوسيلة : ٩٢ ، والحلّي في السرائر ١ : ٢١٢.

(٤) نقله عنه في الذكرى : ١٦٩.

(٥) نقله عنه في الذكرى : ١٦٩.

(٦) التهذيب ٢ : ٦٣ ح ٢٢٢ ، الاستبصار ١ : ٣٠٨ ح ١١٤٦ ، الوسائل ٤ : ٦٥١ أبواب الأذان ب ٢٢ ح ٤.

٤١٩

على التقيّة ، سيّما بملاحظة ما ورد أنّه من بدع بني أُميّة ، خصوصاً في زمان أبيه عليه‌السلام.

ويمكن أن يكون قوله «ولو ردّدت» إيهاماً وتورية بإرادة الردّ لا الترديد بمعنى التكرير.

وكذلك موثّقة أبي بصير عن الصادق عليه‌السلام ، قال : «النداء والتثويب في الإقامة من السنّة» (١).

وكذلك ما رواه في المعتبر عن كتاب البزنطي ، قال : حدّثني عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّه قال : «الأذان : الله أكبر الله أكبر ، أشهد أن لا إله إلّا الله ، أشهد أن لا إله إلّا الله» وقال في أخره : «لا إله إلّا الله مرّة ، ثمّ قال : إذا كنت في أذان الفجر فقل : الصلاة خير من النوم بعد حيّ على خير العمل ، وقل بعده : الله أكبر الله أكبر» (٢).

ولا ينافي ذكر حيّ على خير العمل ، إذ لعلّه أراد الإجهار بذلك بعد الإخفات بحيّ على خير العمل.

مع أنّه مشتمل على خلاف ما يقوله الأصحاب من تربيع التكبير في الأوّل وتثنية التهليل في الأخر ، وقد أجمع مخالفونا على وحدة التهليل (٣).

وبعد حمل تلك على التقيّة ، يبقى عموم ما دلّ على حسن الترغيب إلى الخير (٤) معارضاً لما دلّ على عدم جواز الخروج عن الموظّف (٥) ، ولم يثبت

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٦٢ ح ٢٢١ ، الاستبصار ١ : ٣٠٨ ح ١١٤٥ وفيه : الأذان بدل الإقامة ، الوسائل ٤ : ٦٥١ أبواب الأذان ب ٢٢ ح ٣.

(٢) المعتبر ٢ : ١٤٥ ، الوسائل ٤ : ٦٤٨ أبواب الأذان ب ١٩ ح ٩ وب ٢٢ ح ٥.

(٣) مختصر المزني : ١٢٠ ، المغني ١ : ٤٥٠ ، المهذّب للشيرازي ١ : ٦٣ ، مغني المحتاج ١ : ١٣٥ ، الشرح الصغير ١ : ٩٢ ، المدوّنة الكبرى ١ : ٥٧ ، العدّة شرح العمدة : ٦١ ، القوانين الفقهيّة : ٥٤ ، المحلّى ٣ : ١٥٠.

(٤) (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ) (البقرة : ١٤٨) ، (وَيُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ) (آل عمران : ١١٤).

(٥) الوسائل ٤ : ٦٤٢ أبواب الأذان ب ١٩.

٤٢٠