غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ٢

الميرزا أبو القاسم القمّي

غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ٢

المؤلف:

الميرزا أبو القاسم القمّي


المحقق: عباس تبريزيان
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-424-250-5
الصفحات: ٦٣١

نائب عن فعله.

وقول الشيخ بعدم جواز العمل على خبر الغير إذا خالف اجتهاده لأنّ المجتهد لا يجوز له تقليد غيره (١) ، ففيه من الضعف ما لا يخفى.

ومن لا يمكنه الاجتهاد من جهة عدم الاستعداد أو المانع كالأعمى ومن أطبقه الغيم ونحوهما فيعوّل على خبر العدل ، بل وغيره أيضاً إذا أفاد الظنّ ، ولو كان كافراً ، ويقدّم قول من يحصل منه الظنّ الأقوى. والدليل على ذلك كلّه الأخبار المتقدّمة.

وذهب الشيخ في الخلاف إلى عدم جواز الاعتماد على خبر الغير للأعمى وغيره ، ووجوب الصلاة إلى أربع جهات ؛ للإجماع على براءة الذمّة بذلك والشك فيها بدونه (٢) ، وهو ضعيف.

أما من فقد العلم والظنّ بأقسامه فالمشهور أنّه يصلّي إلى أربع جهات (٣) ، لرواية خراش ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال ، قلت : جعلت فداك إنّ هؤلاء المخالفين علينا يقولون إذا أطبقت السماء علينا أو أظلمت فلم نعرف السماء كنّا وأنتم سواء في الاجتهاد ، فقال : «ليس كما يقولون ، إذا كان ذلك فليصلّ لأربع وجوه» (٤) ولأنّ الاستقبال واجب ، ولا يحصل حينئذٍ إلّا بذلك.

والظاهر أنّ مرادهم وقوعها على خطّين مستويين وقع أحدهما على الأخر بحيث يحدث عنهما زوايا قوائم ، لأنّه المتبادر من النصّ.

وذهب ابن أبي عقيل إلى أنّه يصلّي حيث شاء صلاة واحدة (٥) ، وهو الظاهر من

__________________

(١) المبسوط ١ : ٨٠.

(٢) الخلاف ١ : ٣٠٢.

(٣) انظر المهذّب ١ : ٨٥ ، والغنية (الجوامع الفقهيّة) : ٥٥٦ ، والشرائع ١ : ٥٦ ، والمعتبر ٢ : ٧٠ ، والتذكرة ٣ : ٢٨.

(٤) التهذيب ٢ : ٤٥ ح ١٤٤ ، الاستبصار ١ : ٢٩٥ ح ١٠٨٥ ، الوسائل ٣ : ٢٢٦ أبواب القبلة ب ٨ ح ٥.

(٥) نقله عنه في المختلف ٢ : ٦٧.

٣٨١

الصدوق (١) والكليني (٢) والعلّامة في المختلف والشهيد في الذكرى (٣) والمحقّق الأردبيلي (٤) وصاحب المدارك (٥) ، وهو الأظهر عندي ، لقوله تعالى (وَلِلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ) (٦) فقد ورد أنّها نزلت في قبلة المتحيّر (٧).

وصحيحة زرارة ومحمّد بن مسلم عن الباقر عليه‌السلام ، أنّه قال : «يجزئ المتحيّر أبداً أينما توجّه إذا لم يعلم أين وجه القبلة» (٨).

وصحيحة ابن أبي عمير ، عن بعض أصحابنا ، قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن قبلة المتحيّر ، فقال : «يصلّي حيث يشاء» (٩).

وربّما يُحمل على ما لو لم يتمكّن إلّا من صلاة واحدة ، فإنّه يكفي حينئذٍ قولاً واحداً.

قالوا : ويجب الإتيان في الجوانب بحسب المكنة ثلاثاً أو اثنتين أو واحدة.

أقول : وحمل مستند المشهور على الاستحباب أيضاً لضعف الرواية (١٠) ، ومهجورية ظاهرها من سقوط الاجتهاد ، ولموافقة الصحيحين للكتاب والأصل والملّة السمحة السهلة النافية للعسر والحرج.

وأما حديث توقّف الاستقبال على ذلك فهو مع معارضته بالأصل ؛ ففيه أنّه قد يحصل الاستقبال بالثلاث أيضاً إذا صلّى على مثلث لم يخرج كلّها عما بين المشرق

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٧٩.

(٢) الكافي ٣ : ٢٨٥.

(٣) المختلف ٢ : ٦٧ ، الذكرى : ١٦٦.

(٤) مجمع الفائدة والبرهان ٢ : ٦٧.

(٥) المدارك ٣ : ١٣٦.

(٦) البقرة : ١١٥.

(٧) التهذيب ٢ : ٤٩ ح ١٦٠ ، الاستبصار ١ : ٢٩٧ ح ١٠٩٧ ، الوسائل ٣ : ٢٣٠ أبواب القبلة ب ١١ ح ٤.

(٨) الفقيه ١ : ١٧٩ ح ٨٤٥ ، الوسائل ٣ : ٢٢٦ أبواب القبلة ب ٨ ح ٢.

(٩) الكافي ٣ : ٢٨٦ ح ١٠ ، الوسائل ٣ : ٢٢٦ أبواب القبلة ب ٨ ح ٣.

(١٠) بالإرسال ، وجهالة الراوي ، وكذا الراوي عنه وهو إسماعيل بن عباد.

٣٨٢

والمغرب ، فلا أقلّ من وقوع أحدها ما بين المشرق والمغرب ، وهو قبلة للمضطر كما يستفاد من صحيحة معاوية بن عمّار (١).

وأما قول ابن طاوس باستعمال القرعة (٢) فهو أيضاً ضعيف ، لعدم الإشكال مع هذه الأخبار.

الثالث : إذا صلّى إلى جهة القبلة ظانّاً لها ، ثمّ تبيّن الخطأ وهو بين المشرق والمغرب ، فإنّ كان في الصلاة استدار لأنّه متمكّن من الإتيان بشرط الصلاة فيجب ، ولو تبيّن بعد فراغه لم يعد ، وهو مذهب العلماء ، لقوله عليه‌السلام : «ما بين المشرق والمغرب قبلة» (٣) قاله في المعتبر (٤).

وتدلّ عليه قويّة القاسم بن وليد قال : سألته عن رجل تبيّن له وهو في الصلاة أنّه على غير القبلة ، قال : «يستقبلها إذا ثبت ذلك ، وإن كان فرغ منها فلا يعيدها» (٥).

وأما في غيره (فيستأنف الصلاة ، لفوات شرط الصلاة وعدم ثبوت توظيف الصلاة الملفّقة) (٦) من الجهتين هنا ، فلا يمكن القول بالانحراف.

وتدلّ عليه صريحاً في صورة الاستدبار موثّقة عمّار الاتية (٧).

ويؤيّده في غير الاستدبار ما سيجي‌ء من وجوب الاستئناف في الوقت إذا ظهر له

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٧٩ ح ٨٤٦ ، التهذيب ٢ : ٤٨ ح ١٥٧ ، الاستبصار ١ : ٢٩٧ ح ١٠٩٥ ، الوسائل ٣ : ٢٢٨ أبواب القبلة ب ١٠ ح ١.

(٢) الأمان من إخطار الأسفار والأزمان : ٩٤.

(٣) الوسائل ٣ : ٢٢٨ أبواب القبلة ب ١٠.

(٤) المعتبر ٢ : ٧٠.

(٥) التهذيب ٢ : ٤٨ ح ١٥٨ ، الاستبصار ١ : ٢٩٧ ح ١٠٩٦ ، الوسائل ٣ : ٢٢٨ أبواب القبلة ب ١٠ ح ٣.

(٦) بدل ما بين القوسين في «ح» : فيستأنف الصلاة الموافقة ، وفي «م» كما في المتن إلّا أنّ فيها الموافقة بدل الملفّقة.

(٧) في ص ٣٨٥ ، وهي في الكافي ٣ : ٢٨٥ ح ٨ ، التهذيب ٢ : ٤٨ ح ١٥٩ ، وص ١٤٢ ح ٥٥٥ ، الوسائل ٣ : ٢٢٩ أبواب القبلة ب ١٠ ح ٤.

٣٨٣

ذلك بعد الفراغ في الوقت.

وأما مع ضيق الوقت عن الإعادة فينحرف ولو استدبر ، ويظهر وجهه مما مرّ في مبحث اللباس ، وحاصله أنّه يستلزم سقوط التكليف لولاه ، لأنّ القضاء فرض جديد يحتاج إلى الثبوت ، وليس فليس ، فلو أبطل هذه لبقي بلا صلاة. ويؤيّده أنّ الصلاة على ما افتتحت عليه (١).

وأما لو ظهر الخلل بعد الفراغ ، فإن كان الانحراف فيما بين المشرق والمغرب فيصحّ بلا خلاف ، وادّعى عليه الإجماع جماعة منهم المحقّق في المعتبر (٢).

وتدلّ عليه صحيحة معاوية بن عمّار : أنّه سأل الصادق عليه‌السلام عن الرجل يقوم في الصلاة ثم ينظر بعد ما فرغ فيرى أنّه قد انحرف عن القبلة يميناً أو شمالاً ، فقال له : «قد مضت صلاته ، وما بين المشرق والمغرب قبلة» (٣).

ورواية الحسين بن علوان المرويّة في قرب الإسناد (٤). وتؤيّده صحيحة زرارة المتقدّمة في أوائل الفصل (٥).

وكذلك الحكم إذا ظهر أنّه صلّى إلى المشرق أو المغرب إن خرج الوقت بلا خلاف ، للصحاح المستفيضة وغيرها ، منها صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن الصادق عليه‌السلام ، قال : «إذا صلّيت وأنت على غير القبلة واستبان لك أنّك صلّيت وأنت على غير القبلة وأنت في وقت فأعد ، وإن فاتك الوقت فلا تعد» (٦).

__________________

(١) عوالي اللآلي ١ : ٢٠٥ ح ٣٤.

(٢) المعتبر ٢ : ٧٢.

(٣) الفقيه ١ : ١٧٩ ح ٨٤٦ ، التهذيب ٢ : ٤٨ ح ١٥٧ ، الاستبصار ١ : ٢٩٧ ح ١٠٩٥ ، الوسائل ٣ : ٢٢٨ أبواب القبلة ب ١٠ ح ١.

(٤) قرب الإسناد : ٥٤ ، الوسائل ٣ : ٢٢٩ أبواب القبلة ب ١٠ ح ٥.

(٥) الفقيه ١ : ١٨٠ ح ٨٥٥ ، الوسائل ٣ : ٢١٧ أبواب القبلة ب ٢ ح ٩.

(٦) الكافي ٣ : ٢٨٤ ح ٣ ، التهذيب ٢ : ٤٧ ح ١٥١ ، الاستبصار ١ : ٢٩٦ ح ١٠٩٠ ، الوسائل ٣ : ٢٢٩ أبواب القبلة ب ١١ ح ١.

٣٨٤

وبمضمونها صحيحة يعقوب بن يقطين (١) وصحيحة زرارة (٢) وصحيحة سليمان بن خالد (٣) وغيرها.

ولا عبرة برواية معمّر بن يحيى المنافية لذلك (٤) ، لهجرها ، وعدم مقاومتها لما ذكرنا.

وإن كان بالاستدبار ففيه قولان ، أصحّهما أنّه كذلك أيضاً ، لأنّ القضاء يحتاج إلى فرض جديد ، ولإطلاق الأخبار المتقدّمة ، وهو مذهب المرتضى (٥).

وذهب الشيخان إلى وجوب القضاء خارج الوقت أيضاً (٦) ، لموثّقة عمّار عن الصادق عليه‌السلام ، قال في رجل صلّى إلى غير القبلة فيعلم وهو في الصلاة قبل أن يفرغ من صلاته ، قال : «إن كان متوجّهاً فيما بين المشرق والمغرب فليحوّل وجهه إلى القبلة ساعة يعلم ، وإن كان متوجّهاً إلى دبر القبلة فليقطع الصلاة ثمّ يحوّل وجهه إلى القبلة ثمّ يفتتح الصلاة» (٧).

وهي مع عدم مقاومتها لما ذكرنا سنداً (٨) لا تنهض على المطلوب دلالة كما لا يخفى.

ثمّ إنّ الظاهر أنّ حكم الظانّ بالجهة يطّرد إلى المتحيّر الذي صلّى إلى جهة واحدة ، سواء ضاق وقته عن الأربع أو صلّى إلى جهة واحدة اختارها على القولين

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٤١ ح ٥٥٢ ، الاستبصار ١ : ٢٩٦ ح ١٠٩٣ ، الوسائل ٣ : ٢٣٠ أبواب القبلة ب ١١ ح ٢.

(٢) التهذيب ٢ : ٤٨ ح ١٥٦ ، الاستبصار ١ : ٢٩٧ ح ١٠٩٤ ، الوسائل ٣ : ٢٣٠ أبواب القبلة ب ١١ ح ٣.

(٣) الكافي ٣ : ٢٨٥ ح ٩ ، التهذيب ٢ : ٤٧ ح ١٥٢ ، الاستبصار ١ : ٢٩٦ ح ١٠٩١ ، الوسائل ٣ : ٢٣٠ أبواب القبلة ب ١١ ح ٦.

(٤) التهذيب ٢ : ٤٦ ح ١٥٠ ، الاستبصار ١ : ٢٩٧ ح ١٠٩٩ بتفاوت يسير ، الوسائل ٣ : ٢٢٨ أبواب القبلة ب ٩ ح ٥.

(٥) الجمل (رسائل الشريف المرتضى) ٣ : ٢٩.

(٦) المقنعة : ٩٧ ، المبسوط ١ : ٨٠ ، النهاية : ٦٤ ، الخلاف ١ : ٣٠٣.

(٧) الكافي ٣ : ٢٨٥ ح ٨ ، التهذيب ٢ : ٤٨ ح ١٥٩ ، وص ١٤٢ ح ٥٥٥ ، الوسائل ٣ : ٢٢٩ أبواب القبلة ب ١٠ ح ٤.

(٨) لاشتمالها على بعض الفطحيّة.

٣٨٥

في المسألة ، وحكمه حكم الظانّ كما صرّح به في المدارك (١) ، ويشمله إطلاق الروايات المتقدمة.

وفي إلحاق الناسي وجهان ، من جهة إطلاق الروايات ، ومن جهة تقصيره. واستشكله في المعتبر (٢) ، والأظهر الإلحاق.

وأما جاهل المسألة المقصّر في التحصيل فالأظهر عدم الإلحاق ، لأنّه في حكم العامد على الأقوى.

وأما العامد في الخلل فتبطل صلاته مطلقاً قولاً واحداً عن العلماء.

__________________

(١) المدارك ٣ : ١٥١.

(٢) المعتبر ٢ : ٧٤.

٣٨٦

الفصل الثالث

في الأذكار والأفعال المتقدّمة على

الصلاة والمتأخّرة عنها والمقارنة لها

وفيه مقاصد

٣٨٧
٣٨٨

المقصد الأول

في الأذان والإقامة

وفيه مقدّمة ومباحث :

أما المقدّمة :

فمشروعيّتهما إجماع المسلمين ، بل من ضروريّات الدين ، وأصلهما من الوحي المنزل بوسائط الروح الأمين على سيد المرسلين صلى‌الله‌عليه‌وآله أجمعين ، بإجماع علمائنا وأخبارهم مستفيضة (١).

ونقل في الذكرى عن ابن أبي عقيل أنّ الشيعة أجمعت عن الصادق عليه‌السلام أنّه لعن قوماً زعموا أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أخذ الأذان من عبد الله بن زيد فقال : «نزل الوحي على نبيكم فتزعمون أنّه أخذ الأذان من عبد الله بن زيد» (٢).

وقد أجمع العامّة على نسبته إلى رؤيا عبد الله بن زيد ، فروى ابن طاوس في الطرائف عن أبي داود وابن ماجة أنّهما ذكرا في كتاب السنن أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله همّ بالبوق وأمر بالناقوس فرأى عبد الله بن زيد في المنام رجل عليه ثوبان

__________________

(١) الوسائل ٤ : ٦١٢ أبواب الأذان والإقامة ب ١.

(٢) الذكرى : ١٦٨ ، الوسائل ٤ : ٦١٢ أبواب الأذان والإقامة ب ١ ح ٣.

٣٨٩

أخضران فعلّمه الأذان (١).

ولنذكر من أخبارنا رواية هي صحيحة منصور بن حازم عن الصادق عليه‌السلام ، قال : «لمّا هبط جبرئيل عليه‌السلام بالأذان على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان رأسه في حجر عليّ عليه‌السلام ، فأذّن جبرئيل عليه‌السلام ، وأقام ، فلمّا انتبه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : يا عليّ سمعت؟ قال : نعم يا رسول الله ، قال : حفظت؟ قال : نعم ، قال : ادع بلالاً ، فدعا عليّ عليه‌السلام بلالاً فعلّمه» (٢).

المبحث الأوّل : لا يجوز الأذان والإقامة في غير الفرائض اليومية والجمعة بإجماع علماء الإسلام.

وأمّا في المذكورات ، فالمشهور الأقوى استحبابهما ، للأصل ، وصحيحة حمّاد عن الصادق عليه‌السلام في تعليم الصلاة إيّاه ، فلم يتوجّه عليه‌السلام فيها إلى بيان الأذان والإقامة (٣).

والأخبار المستفيضة الواردة في أنّ من صلّى بأذان وإقامة صلّى خلفه صفّان من الملائكة ، ومن صلّى بإقامة بغير أذان صلّى خلفه صف من الملائكة ، وهي كثيرة منها صحيحة الحلبي (٤).

وأمّا الأخبار الدالّة على استحباب الأذان فكثيرة معتبرة ، مثل صحيحة الحلبي ، عن الصادق عليه‌السلام ، عن أبيه عليه‌السلام : «أنّه كان إذا صلّى وحده في البيت

__________________

(١) سنن أبي داود ١ : ١٨٩ ح ٤٩٩ ، سنن ابن ماجة ١ : ٢٣٢ ح ٧٠٦ ، الطرائف ٢ : ٥٣٦.

(٢) الكافي ٣ : ٣٠٢ ح ٢ ، الفقيه ١ : ١٨٣ ح ٨٦٥ ، التهذيب ٢ : ٢٧٧ ح ١٠٩٩ ، الوسائل ٤ : ٦١٢ أبواب الأذان والإقامة ب ١ ح ٢ بتفاوت بين المصادر.

(٣) الكافي ٣ : ٣١١ ح ٨ ، الفقيه ١ : ١٩٦ ح ٩١٦ ، التهذيب ٢ : ٨١ ح ٣٠١ ، أمالي الصدوق : ٣٣٧ ح ١٣ ، الوسائل ٤ : ٦٧٣ أبواب أفعال الصلاة ب ١ ح ١.

(٤) الكافي ٣ : ٣٠٣ ح ٨ ، الوسائل ٤ : ٦٢٠ أبواب الأذان ب ٤ ح ٣.

٣٩٠

أقام إقامة واحدة ولم يؤذّن» (١).

وصحيحة عبد الله بن سنان عن الصادق عليه‌السلام ، قال : «يجزئك إذا خلوت في بيتك إقامة واحدة بغير أذان» (٢).

وصحيحة زرارة عن الباقر عليه‌السلام : أنّه سأله رجل نسي الأذان والإقامة حتى دخل في الصلاة ، قال : «فليمضِ على صلاته ، الأذان سنّة» (٣) إلى غير ذلك ، وسيجي‌ء بعضها.

وإذا ثبت بهذه الأخبار استحباب الأذان مطلقاً ، ثبت استحباب الإقامة ، لئلّا يلزم خرق الإجماع المركّب كما ادّعاه في المختلف (٤).

وفي الفقه الرضوي : «إنّهما من السنن اللازمة وليستا بفريضة» (٥).

وقال الشيخان (٦) وابن البراج (٧) وابن حمزة (٨) بوجوبهما في صلاة الجماعة.

والشيخ قال في المبسوط : إنّ فضيلة الجماعة تفوت بتركهما (٩).

وقال أبو الصلاح : إنّهما شرط في الجماعة فتبطل الصلاة بتركهما (١٠).

واحتجّوا برواية أبي بصير عن أحدهما عليهما‌السلام ، قال : سألته أيجزئ أذان واحد؟ قال : «إن صلّيت جماعة لم يجز إلّا أذان وإقامة ، وإن كنت وحدك تبادر أمراً

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٥٠ ح ١٦٥ ، الوسائل ٤ : ٦٢٢ أبواب الأذان ب ٥ ح ٦.

(٢) التهذيب ٢ : ٥٠ ح ١٦٦ ، الوسائل ٤ : ٦٢٢ أبواب الأذان ب ٥ ح ٤.

(٣) التهذيب ٢ : ٢٨٥ ح ١١٣٩ ، الاستبصار ١ : ٣٠٤ ح ١١٣٠ ، الوسائل ٤ : ٦٥٦ أبواب الأذان ب ٢٩ ح ١ ، بتفاوت يسير.

(٤) المختلف ٢ : ١٢٢.

(٥) فقه الرضا (ع) : ٩٨.

(٦) المقنعة : ٩٧ ، النهاية : ٦٤ ، المبسوط ١ : ٩٥.

(٧) المهذّب ١ : ٨٨.

(٨) الوسيلة : ٩١.

(٩) المبسوط ١ : ٩٥.

(١٠) الكافي في الفقه : ١٤٣.

٣٩١

تخاف أن يفوتك تجزئك إقامة ، إلّا الفجر والمغرب فإنّه ينبغي أن يؤذّن فيهما ويقيم ، من أجل أنّه لا يقصّر فيهما كما يقصّر في سائر الصلوات» (١).

وفي سندها ضعف (٢) ، وكذلك دلالتها ؛ إذ الإجزاء وعدمه لا ينحصران في الواجبات كما لا يخفى.

وعدم دلالتها على قول أبي الصلاح أظهر ، لاحتمال عدم إرادة الإجزاء عن الأذان ، لا عن الصلاة ، بل هو أظهر ، فالرواية محمولة على التأكيد.

ولا ريب في تأكّدهما في الجماعة ، وفي رواية الحسن بن زياد الصيقل قال ، قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «إذا كان القوم لا ينتظرون أحداً اكتفوا بإقامة واحدة» (٣).

والأمر في الإقامة آكد ، والأحوط أن لا تترك أبداً ، سيّما مع ملاحظة القول باشتراط صحّة الجماعة بها ، وحصول الإشكال في ترك القراءة خلف مثل هذا الإمام.

قال في الشرائع : ويتأكّدان فيما يجهر به ، وأشدّهما في الغداة والمغرب (٤).

أما مطلق الجهريّة فلا يحضرني مستنده الان ، بل ربّما تشعر رواية صباح بن سيابة بعدمه ، قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «لا تدع الأذان في الصلوات كلّها ، فإن تركته فلا تتركه في المغرب والفجر ، فإنّه ليس فيهما تقصير» (٥).

وكذلك موثّقة سماعة عن الصادق عليه‌السلام ، قال : «لا تصلِ الغداة والمغرب إلّا بأذان وإقامة ، ورخّص في سائر الصلوات بالإقامة ، والأذان أفضل» (٦).

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٠٣ ح ٩ ، التهذيب ٢ : ٥٠ ح ١٦٣ ، الاستبصار ١ : ٢٩٩ ح ١١٠٥ ، الوسائل ٤ : ٦٢٤ أبواب الأذان والإقامة ب ٧ ح ١.

(٢) لوقوع عليّ بن أبي حمزة في طريقها ، وهو أحد عُمُد الواقفة وكذّاب متّهم وإن وثّقه البعض.

(٣) التهذيب ٢ : ٥٠ ح ١٦٤ ، الوسائل ٤ : ٦٢٢ أبواب الأذان ب ٥ ح ٨.

(٤) الشرائع ١ : ٦٤.

(٥) التهذيب ٢ : ٤٩ ح ١٦١ ، الاستبصار ١ : ٢٩٩ ح ١١٠٤ ، الوسائل ٤ : ٦٢٣ أبواب الأذان ب ٦ ح ٣.

(٦) التهذيب ٢ : ٥١ ح ١٦٧ ، الاستبصار ١ : ٢٩٩ ح ١١٠٦ ، الوسائل ٤ : ٦٢٤ أبواب الأذان ب ٦ ح ٥ ، وب ٥ ح ٥.

٣٩٢

وأما المغرب والغداة فيدلّ على التأكيد فيهما مضافاً إلى ما مرّ أخبار كثيرة ، مثل صحيحة عبد الله بن سنان عن الصادق عليه‌السلام ، قال : «يجزئك في الصلاة إقامة واحدة ، إلّا الغداة والمغرب» (١).

وصحيحة عمر بن يزيد ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الإقامة بغير أذان في المغرب ، فقال : «ليس به بأس ، وما أُحبّ أن تعتاد» (٢) إلى غير ذلك.

وأما النساء ، فلا يتأكدان فيهن ، ولكنهما راجحان لهنّ بإجماع الأصحاب.

وروى عبد الله بن سنان في الصحيح قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المرأة تؤذّن للصلاة؟ فقال : «حسن إن فعلت ، وإن تفعل أجزأها أن تكبّر وأن تشهد أن لا إله إلّا الله ، وأنّ محمّداً رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله» (٣).

وفي صحيحة جميل ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المرأة عليها أذان وإقامة؟ قال : «لا» (٤).

وفي صحيحة أبان ، عن أبي مريم الأنصاري ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام ، يقول : «إقامة المرأة أن تكبّر ، وتشهد أن لا إله إلّا الله ، وأنّ محمّداً عبده ورسوله» (٥) إلى غير ذلك من الأخبار.

ويجوز أن تؤذّن المرأة للنساء ويعتدّون به ، وعليه علماؤنا ، قاله في المعتبر (٦).

ولا يبعد اعتداد المحارم به أيضاً. وأمّا الأجانب ، فعن الأكثر عدم الاعتداد ، (٧)

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٥١ ح ١٦٨ ، الاستبصار ١ : ٣٠٠ ح ١١٠٧ ، الوسائل ٤ : ٦٢٤ أبواب الأذان ب ٦ ح ٤.

(٢) التهذيب ٢ : ٥١ ح ١٦٩ ، الاستبصار ١ : ٣٠٠ ح ١١٠٨ ، الوسائل ٤ : ٦٢٤ أبواب الأذان ب ٦ ح ٦.

(٣) التهذيب ٢ : ٥٨ ح ٢٠٢ ، الوسائل ٤ : ٦٣٧ أبواب الأذان ب ١٤ ح ١.

(٤) الكافي ٣ : ٣٠٥ ح ١٨ ، التهذيب ٢ : ٥٧ ح ٢٠٠ ، الوسائل ٤ : ٦٣٧ أبواب الأذان ب ١٤ ح ٣.

(٥) الكافي ٣ : ٣٠٥ ح ١٩ ، الوسائل ٤ : ٦٣٧ أبواب الأذان ب ١٤ ح ٤.

(٦) المعتبر ١ : ١٢٦.

(٧) المختلف ٢ : ١٢٤ ، الذكرى : ١٧٢ ، جامع المقاصد ٢ : ١٦٨ ، المدارك ٣ : ٢٦٠.

٣٩٣

وعن ظاهر المبسوط الاعتداد به (١).

قيل : وإنّه مبنيّ على أنّ صوتها ليس بعورة (٢).

وعندي في اعتداد المحارم أيضاً توقّف ، لعدم الانصراف من الإطلاقات ، ولم نقف على توظيف به.

وأما الخنثى ، فقال في الذكرى : إنها في حكم المرأة (٣) ، ويظهر حالها مما ذكرنا.

ثمّ في حكم الأذان والإقامة أقوال أُخر ضعيفة ، منها : وجوب الإقامة على الرجال في كلّ فريضة ، والأذان على الرجال والنساء في الصبح والمغرب والجمعة ، وعلى الرجال خاصّة في الجماعة ، وهو قول المرتضى في الجمل (٤).

وعن ابن أبي عقيل : يجب الأذان في الصبح والمغرب ، والإقامة في جميع الخمس (٥).

وعن ابن الجنيد : يجبان على الرجال ، جماعة وفرادى ، سفراً وحضراً ، في الصبح والمغرب ، وتجب الإقامة في باقي المكتوبات ، قال : وعلى النساء التكبير والشهادتان فقط (٦).

وأنت بعد التأمّل فيما مرّ تقدر على استنباط أدلّة تلك الأقوال والجواب عنها.

الثاني : يسقط الأذان في مواضع :

منها : العصر والعشاء لمن أراد الجمع ، ويرجع في معناه إلى العرف ، وسيجي‌ء بعض الأخبار المفسّرة له ؛ ولو لوحظا معاً كان أولى.

__________________

(١) المبسوط ١ : ٩٧.

(٢) المدارك ٣ : ٢٦٠.

(٣) الذكرى : ١٧٢.

(٤) الجمل (رسائل الشريف المرتضى) ٣ : ٢٩.

(٥) نقله عنه في المعتبر ١ : ١٣٠ ، والمختلف ٢ : ١٢٠.

(٦) نقله عنه في المختلف ٢ : ١٢٠.

٣٩٤

والدليل على السقوط الصحاح المستفيضة وغيرها ، منها صحيحة ابن أُذينة ، عن رهط منهم الفضيل وزرارة ، عن الباقر عليه‌السلام : «إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله جمع بين الظهر والعصر بأذان وإقامتين ، وجمع بين المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين» (١).

لا يقال : إنّ الجمع بين الصلاتين بأذان لا يعطي إلّا تداخل الأذانين ، وهو يحصل مع الفصل بينهما أيضاً.

لأنّا نقول : المتبادر من لفظ ذلك ، نعم لو قيل «شَرّكَ بينهما بأذان أو اكتفى لهما بأذان» لتمّ ما قلت ، مع أنّ الظاهر أنّ الظرف مستقر ، والباء للملابسة ، فلا يثبت كون مدخولها إله للجمع ، مضافاً إلى أنّ سياق هذه الصحيحة وغيرها من الأخبار الكثيرة (٢) ، هو ترخيص الجمع ورفع لزوم التفريق ، مع ملاحظة تلك الأخبار والتأمّل في مواردها لا يبقى شك فيما ذكرنا.

ولنذكر منها رواية أُخرى ، وهي رواية صفوان الجمّال قال : صلّى بنا أبو عبد الله عليه‌السلام الظهر والعصر عند ما زالت الشمس بأذان وإقامتين ، ثم قال : «إنّي على حاجة فتنفّلوا» (٣).

فظهر من تلك الأخبار أنّ المراد من الجمع : هو الجمع المعهود المقابل للتفريق ، لا مجرّد تشريك الصلاتين في أذان.

على أنا نقول : يستفاد من أخبار أُخر أنّ الجمع معنى محصّل مستقلّ معهود ، مثل رواية محمّد بن حكيم قال : سمعت أبا الحسن عليه‌السلام يقول : «الجمع بين الصلاتين إذا لم يكن بينهما تطوّع ، وإذا كان بينهما تطوّع فلا جمع» (٤).

__________________

(١) التهذيب ٣ : ١٨ ح ٦٦ ، الوسائل ٤ : ٦٦٥ أبواب الأذان ب ٣٦ ح ٢.

(٢) الوسائل ٤ : ٦٦٥ أبواب الأذان ب ٣٦.

(٣) الكافي ٣ : ٢٨٧ ح ٥ ، التهذيب ٢ : ٢٦٣ ح ١٠٤٨ ، الوسائل ٣ : ١٥٩ أبواب المواقيت ب ٣١ ح ٢.

(٤) الكافي ٣ : ٢٨٧ ح ٤ ، الوسائل ٣ : ١٦٣ أبواب المواقيت ب ٣٣ ح ٣.

٣٩٥

وروايته الأُخرى عنه عليه‌السلام ، قال : سمعته يقول : «إذا جمعت بين الصلاتين فلا تطوّع بينهما» (١).

والظاهر من التطوّع الصلاة ، فلا يضرّ التعقيب والتسبيح في الجمع كما صرّح به بعض الأصحاب (٢).

وصحيحة منصور ، عن الصادق عليه‌السلام ، قال : سألته عن صلاة المغرب والعشاء بجمع ، فقال : «بأذان وإقامتين ، لا تصلّي بينهما شيئاً ، هكذا صلّى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله» (٣).

ولا تبعد دعوى ظهور هذا الحديث في مدخليّة سقوط الأذان في تحقّق حقيقة الجمع أيضاً ، ويظهر احتمال ذلك من الشهيد في الذكرى (٤).

وتظهر الثمرة فيما ورد استحباب الجمع فيه كعصر عرفة وعشاء مزدلفة ، وعلى هذا فيكون مدخول الباء في الصحيحة المتقدّمة إله للجمع ؛ لكن مع معطوفة لا هو فقط ، فيكون المراد أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله حصّل الجمع بمجموع الأذان والإقامتين ، فحينئذٍ لا بدّ من دعوى تبادر الاجتماع العرفي المقابل للتفريق هنا أيضاً من مجموع الكلام ، لا من لفظ جمع فقط. وهذا الحديث يحتمل إرادة حكم عشاء المزدلفة باعتبار لفظ جمع كما سيجي‌ء.

وكيف كان فالظاهر من الروايات الرخصة لا العزيمة ، ويمكن القول بأفضلية الترك لفعلهم عليهم‌السلام ، فمعنى الرخصة حينئذٍ يتحصّل في أصل الجمع ، لا في ترك الأذان.

وأما ما اشتهر أنّ الأذان للأُولى إن جمع بينهما في وقت الأُولى ، وإن جمع

__________________

(١) الكافي ٣ : ٢٨٧ ح ٣ ، التهذيب ٢ : ٢٦٣ ح ١٠٥٠ ، الوسائل ٣ : ١٦٣ أبواب المواقيت ب ٣٣ ح ٢.

(٢) السرائر ١ : ٣٠٤.

(٣) التهذيب ٣ : ٢٣٤ ح ٦١٥ ، الوسائل ٣ : ١٦٤ أبواب المواقيت ب ٣٤ ح ١.

(٤) الذكرى : ١٧٤.

٣٩٦

بينهما في وقت الثانية أذّن للثانية ثمّ أقام فصلّى الاولى لمكان الترتيب ثمّ أقام للثانية ؛ فالإطلاقات لا تعطيه ، ولم نقف على مقيّد لها.

ومما يسقط فيه الأذان : عصر عرفة وعشاء مزدلفة ، لأخبارٍ كثيرة ، منها صحيحة عبد الله بن سنان عن الصادق عليه‌السلام ، قال : «السنّة في الأذان يوم عرفة أن يؤذّن ويقيم للظهر ، ثمّ يصلّي ثمّ يقوم ويقيم للعصر بغير أذان. وكذلك في المغرب والعشاء بمزدلفة» (١)

وفي كون السقوط هنا للرخصة أو الكراهة أو الحُرمة أقوال (٢) ، أصحّها الحرمة ، لأنّ خلاف السنّة بدعة ، وكلّ بدعة ضلالة ، وكلّ ضلالة سبيلها إلى النار كما ورد في الخبر الصحيح (٣).

وجعل في الذكرى سقوط الأذان هنا لمقتضى مطلق الجمع المستحبّ هنا ، لا لخصوصية البدعة (٤).

وهو كما ترى خلاف كلام أكثرهم ، حيث أفردوا العنوان (٥) ، مع أنّه صرّح في الأخبار بأنّه السنّة في الأذان يوم عرفة (٦) ، فهو حكم للأذان في هذا الجمع الخاصّ ، لا أنّه حكم بالسقوط لمكان الجمع ، فانفهام سقوط الأذان من رجحان الجمع ليس بأولى من انفهام (٧) رجحان الجمع باعتبار سقوط الأذان.

ثمّ إنّ الشهيد في الذكرى قال : إنّ الساقط من الأذان في الجمع الغير المستحبّ

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٨٢ ح ١١٢٢ ، الوسائل ٤ : ٦٦٥ أبواب الأذان ب ٣٦ ح ١.

(٢) ذهب إلى الحرمة العلامة في المنتهي ١ : ٢٦١ ، والشهيد في البيان : ١٤٣ ، وصاحب المدارك ٣ : ٢٢٦ ، وذهب إلى الكراهة المحقّق في جامع المقاصد ٢ : ١٧٠ ، وجزم الشهيد في الذكرى : ١٧٤ بانتفاء التحريم.

(٣) الكافي ١ : ٥٦ ح ٨ ، الوسائل ١١ : ٥١٢ أبواب الأمر والنهي ب ٤٠ ح ١٠.

(٤) الذكرى : ١٧٤.

(٥) انظر النهاية : ١٠٧ ، والمنتهى ١ : ٢٦١ ، والبيان : ١٤٣ ، والمدارك ٣ : ٢٢٦.

(٦) الوسائل ٤ : ٦٦٥ أبواب الأذان ب ٣٦.

(٧) في «ح» زيادة : سقوط الأذان من.

٣٩٧

هو أذان الإعلام ، لا أذان الذكر والإعظام (١). وهو غير ظاهر المأخذ ، وخلاف المتبادر من الأخبار الكثيرة التي قد مرّ بعضها (٢) كما لا يخفى ، بل قد ينعكس الأمر لو كان الأذان الإعلامي أذان المصر ، وكان المحتاج إلى الجمع بعض أهله.

ومنها : عصر يوم الجمعة ، لرواية حفص بن غياث ، عن جعفر ، عن أبيه ، قال : «الأذان الثالث يوم الجمعة بدعة» (٣) وفهم جمهور أصحابنا مع كون الراوي من العامة (٤) يعيّن إرادة أذان العصر ، وضعف الرواية منجبر بعمل الأصحاب.

واحتمال إرادة الأذان الذي أبدعه عثمان (٥) أو معاوية (٦) قبل ظهر الجمعة «إما بتغليب اسم الأذان على الإقامة بتقريب أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله شرّع للصلاة أذاناً وإقامة فالزائد ثالث ، وهو بدعة ، كما قيل (٧) ، أو إرادة ذلك بأن يكون ثالث الأذانات ، يعني أذان الصبح وأذان الظهر والأذان البدعي كما قيل» بعيد.

مع أنّ الأمر إذا دار بين السنة والبدعة فالأولى تركه ، مع أنّ ابن إدريس ادّعى الإجماع على سقوط استحبابه عن العصر إذا صلّى جمعة (٨).

فظهر من جميع ذلك أنّ رجحان الترك هنا لخصوصيّة الزمان ، كما أنّ في عرفة والمزدلفة لخصوصيّة المكان ، لا لمطلق الجمع ، وإلّا فلا ريب في استحباب الجمع في الجمعة ، ومع الجمع يجوز الترك رخصة كما مرّ.

__________________

(١) الذكرى : ١٧٤.

(٢) الوسائل ٤ : ٦٦٥ أبواب الأذان ب ٣.

(٣) الكافي ٣ : ٤٢١ ح ٥ ، التهذيب ٣ : ١٩ ح ٦٧ ، الوسائل ٥ : ٨١ أبواب صلاة الجمعة ب ٤٩ ح ١.

(٤) انظر رجال الشيخ الطوسي : ١١٨ ، والفهرست : ٦١.

(٥) انظر صحيح البخاري ٢ : ١٠ ، وسنن أبي داود ١ : ٢٨٥ ح ١٠٨٧ ، وسنن الترمذي ٢ : ٣٩٢ ح ٥١٦ ، وسنن النسائي ٣ : ١٠٠ ، ومسند أحمد ٣ : ٤٥٠ ، وسنن البيهقي ٣ : ٢٠٥.

(٦) الامّ ١ : ١٩٥.

(٧) المعتبر ٢ : ٢٩٦.

(٨) السرائر ١ : ٣٠٥.

٣٩٨

وعلى الاحتمال الذي ذكرنا من كون ترك الأذان محصّلاً لحقيقة الجمع فيثبت الرجحان أيضاً ، فلا وجه لجعله من باب الرخصة مطلقاً من دون الرجحان مع الإعراض عن رواية حفص أيضاً.

وكيف كان فالأقوال في المسألة ثلاثة : مذهب الشيخ في النهاية التحريم (١) ، وفي المبسوط أطلق السقوط (٢) ، وعن المفيد في الأركان (٣) وابن البرّاج (٤) والمحقّق الأردبيلي (٥) استحبابه للعمومات (٦) وضعف الخبر ، واختاره في المدارك (٧) ، والأحوط بل الأقوى الترك لما ذكرنا.

ومنها : القاضي للصلوات الكثيرة من غير أوّل وروده ، وتكفي في البواقي الإقامة ، لصحيحة زرارة عن الباقر عليه‌السلام : «إذا نسيت صلاة أو صلّيتها بغير وضوء وكان عليك قضاء صلوات فابدأ بأُولاهن وأذّن لها وأقم ثمّ صلّها ، ثمّ صلّ ما بعدها بإقامة ، إقامة لكلّ صلاة» (٨).

ولما روي أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله شغل يوم الخندق عن أربع صلوات فأمر بلالاً فأذّن للأُولى وأقام ، ثمّ أقام للبواقي من غير أذان (٩) ، وهو لا ينافي العصمة ، لما روي (١٠) أنّ الصلاة كانت تسقط أداءً مع الخوف ، ثمّ تقضى ، ثمّ نسخ بقوله

__________________

(١) النهاية : ١٠٧.

(٢) المبسوط ١ : ١٥١ ، ١٤٩.

(٣) نقله عنه في السرائر ١ : ٣٠٥.

(٤) نقله عن كتاب الكامل لابن البرّاج في السرائر ١ : ٣٠٥.

(٥) مجمع الفائدة ٢ : ١٦٥.

(٦) الوسائل ٤ : ٦١٩ أبواب الأذان ب ٤.

(٧) المدارك ٣ : ٢٦٤.

(٨) الكافي ٣ : ٢٩١ ح ١ ، التهذيب ٣ : ١٥٨ ح ٣٤٠ ، الوسائل ٣ : ٢١١ أبواب المواقيت ب ٦٣ ح ١.

(٩) سنن النسائي ٢ : ١٧ ، مسند أحمد ١ : ٣٧٥.

(١٠) الذكرى : ١٧٤ ، البحار ٨١ : ١٦٤.

٣٩٩

تعالى (وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ) (١) الآية.

وهذا القول نقله في الذكرى (٢) ، واختاره في المدارك (٣) ، بل قوّى كون تكرار الأذان حينئذٍ بدعة ، لظاهر الروايتين.

والمشهور أنّ تركه حينئذٍ رخصة ، وفعله أفضل ، لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «من فاتته فريضة فليقضها كما فاتته» (٤).

وموثّقة عمّار عن الصادق عليه‌السلام ، قال : سئل عن الرجل إذا أعاد الصلاة هل يعيد الأذان والإقامة؟ قال : «نعم» (٥).

وأنت خبير بأنّه لا دلالة فيهما على المطلوب كما لا يخفى ، فالعمل على الأوّل.

وإطلاق الصحيحة يشمل ما لو فاتت الصلوات المتفرّقات أيضاً ، بل ولو كانت على غير ترتيب أصل الصلوات أيضاً ، كما لو أراد قضاء صبح ثم عشاء ثم مغرب ثم عصر.

ومنها : السفر ، لصحيحة محمّد بن مسلم والفضيل بن يسار عن أحدهما عليهما‌السلام ، قال : «تجزئك إقامة في السفر» (٦).

ورواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله ، عن الصادق عليه‌السلام ، قال : سمعته يقول : «يقصّر الأذان في السفر كما تقصّر الصلاة ، تجزئ إقامة واحدة» (٧).

ومنها : الإمام إذا سمع أذاناً ، لمنفردٍ كان أو جماعة ، وسواء كان لمسجد أو

__________________

(١) النساء : ١٠٢.

(٢) الذكرى : ١٧٤.

(٣) المدارك ٣ : ٢٦٣.

(٤) عوالي اللآلي ٢ : ٥٤ ح ١٤٣ ، وج ٣ : ١٠٧ ح ١٥٠.

(٥) التهذيب ٣ : ١٦٧ ح ٣٦٧ ، الوسائل ٥ : ٣٦١ أبواب قضاء الصلاة ب ٨ ح ٢.

(٦) التهذيب ٢ : ٥٢ ح ١٧٢ ، الوسائل ٤ : ٦٢٢ أبواب الأذان ب ٥ ح ٧.

(٧) التهذيب ٢ : ٥١ ح ١٧٠ ، الوسائل ٤ : ٦٢٣ أبواب الأذان ب ٥ ح ٩.

٤٠٠