غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ٢

الميرزا أبو القاسم القمّي

غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ٢

المؤلف:

الميرزا أبو القاسم القمّي


المحقق: عباس تبريزيان
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-424-250-5
الصفحات: ٦٣١

في بلاد الترك (١) ، انتهى.

التاسع : أجمع علماء الإسلام على حرمة الحرير على الرجال نقله غير واحد من أصحابنا (٢) ، والأخبار به متضافرة (٣).

وكذلك بطلان الصلاة فيه للرجال إجماعيّ كما نقله غير واحد (٤) ، ووافقنا بعض العامّة فيما لو حصل الستر بالحرير (٥) ، وأطبق الباقون على صحّتها (٦).

وتدلّ عليه الصحاح وغيرها من الأخبار الكثيرة ، منها صحيحة محمّد بن عبد الجبار المتقدّمة في المبحث السابق (٧).

ومنها صحيحته الأُخرى قال : كتبت إلى أبي محمّد عليه‌السلام أسأله هل يصلّى في قلنسوة حرير محض ، أو قلنسوة ديباج؟ فكتب عليه‌السلام : «لا تحلّ الصلاة في حرير محض» (٨).

وصحيحة إسماعيل بن سعد الأحوص قال : سألت أبا الحسن الرضا عليه‌السلام ، هل يصلّي الرجل في ثوب إبريسم؟ فقال : «لا» (٩).

__________________

(١) المصباح المنير ٢ : ٤٨١.

(٢) كالسيّد المرتضى في الانتصار : ٣٧ ، والشيخ في الخلاف ١ : ٥٠٤ مسألة ٢٤٥ ، والمحقّق في المعتبر ٢ : ٨٧ ، والعلامة في التذكرة ٢ : ٤٧٠ ، والمنتهى ١ : ٢٢٨ ، والشهيدين في الذكرى : ١٤٥ ، وروض الجنان : ٢٠٧ ، والكركي في جامع المقاصد ٢ : ٨٣ ، وصاحب الرياض ٣ : ١٧٤.

(٣) الوسائل ٣ : ٢٦٦ أبواب لباس المصلّي ب ١١ ، ١٢.

(٤) كالشيخ في الخلاف ١ : ٥٠٤ مسألة ٢٤٥ ، والعلامة في التذكرة ٢ : ٤٧٠ ، والمنتهى ١ : ٢٢٨ ، والشهيد في الذكرى : ١٤٥ ، وصاحبي المدارك ٣ : ١٧٣ ، والرياض ٣ : ١٧٤.

(٥) منهم ابن قدامة في المغني ١ : ٥٠٥.

(٦) انظر كتاب الامّ ١ : ٩١ ، وبداية المجتهد ١ : ١١٩ ، والمجموع ٣ : ١٨٠ ، والمهذّب للشيرازي ١ : ٧٣.

(٧) ص ٣١٠ ، وهي في التهذيب ٢ : ٢٠٧ ح ٨١٠ ، الاستبصار ١ : ٣٨٣ ح ١٤٥٣ ، الوسائل ٣ : ٢٧٣ أبواب لباس المصلّي ب ١٤ ح ٤.

(٨) الكافي ٣ : ٣٩٩ ح ١٠ ، الوسائل ٣ : ٢٦٧ أبواب لباس المصلّي ب ١١ ح ٢.

(٩) الكافي ٣ : ٤٠٠ ح ١٢ ، التهذيب ٢ : ٢٠٥ ح ٨٠١ ، الوسائل ٣ : ٢٦٦ أبواب لباس المصلّي ب ١١ ح ١.

٣٢١

وصحيحته الأُخرى قال : سألته عن الثوب الإبريسم هل يصلّي فيه الرجال؟ قال : «لا» (١) إلى غير ذلك (٢).

وأما صحيحة محمّد بن إسماعيل بن بزيع قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الصلاة في ثوب ديباج ، فقال : «ما لم يكن فيه التماثيل فلا بأس» (٣) فقد حملها الشيخ على حال الحرب (٤) ، ولا بأس به.

ولا خلاف بين الأصحاب في جواز اللبس حال الحرب ، وادّعى عليه المحقّق اتّفاق علمائنا في المعتبر (٥) ، والشهيد في الذكرى (٦).

وتدلّ عليه أخبار كثيرة ، مثل موثّقة سماعة قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن لباس الحرير والديباج ، فقال : «أما في الحرب فلا بأس به ، وإن كان فيه تماثيل» (٧).

وموثّقة ابن بكير ، عن بعض أصحابنا ، عنه عليه‌السلام ، قال : «لا يلبس الرجل الحرير والديباج إلّا في الحرب» (٨).

ورواية إسماعيل بن الفضل (٩).

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٠٧ ح ٨١٣ ، الاستبصار ١ : ٣٨٥ ح ١٤٦٣.

(٢) الوسائل ٣ : ٢٦٦ أبواب لباس المصلّي ب ١١.

(٣) التهذيب ٢ : ٢٠٨ ح ٨١٥ ، الاستبصار ١ : ٣٨٦ ح ١٤٦٥ ، الوسائل ٣ : ٢٦٨ أبواب لباس المصلّي ب ١١ ح ١٠.

(٤) التهذيب ٢ : ٢٠٨ ذ. ح ٨١٥.

(٥) المعتبر ٢ : ٨٨.

(٦) الذكرى : ١٤٥.

(٧) الكافي ٦ : ٤٥٣ ح ٣ ، الفقيه ١ : ١٧١ ح ٨٠٧ ، التهذيب ٢ : ٢٠٨ ح ٢١٦ ، الاستبصار ١ : ٣٨٦ ح ١٤٦٦ ، الوسائل ٣ : ٢٧٠ أبواب لباس المصلّي ب ١٢ ح ٣.

(٨) الكافي ٦ : ٤٥٣ ح ١ ، الوسائل ٣ : ٢٦٩ أبواب لباس المصلّي ب ١٢ ح ٢.

(٩) الكافي ٦ : ٤٥٣ ح ٤ ، الوسائل ٣ : ٢٦٩ أبواب لباس المصلّي ب ١٢ ح ١.

٣٢٢

ورواية الحسين بن علوان (١) إلّا أنّه قيّد فيها بما لم يكن فيه التماثيل ، ويحمل على الأولوية.

وقد يعلّل بأنّه موجب لتقوية القلب ، ولمحافظة الجسد عن ضرر الزرد (٢) ، والعُمدة هو الإجماع والأخبار.

وكذلك لا خلاف بينهم في جواز اللبس مع الاضطرار إليه من جهة البرد والحر وغيرهما ، ونقل عليه الإجماع جماعة (٣).

ويدلّ عليه العقل والنقل من الكتاب (٤) والسنة (٥) ، مثل ما دلّ على نفي العسر والحرج ، وقولهم عليهم‌السلام : «ليس شي‌ء مما حرّم الله إلّا وقد أحلّه لمن اضطر إليه» (٦) و «رفع عن أُمتي ما لا يطيقون» (٧) وغير ذلك.

وقد روى العامّة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه رخّص لعبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوّام في القميص الحرير في السفر من حكّة كانت بهما أو وجع كان بهما (٨) ، وفي رواية أُخرى عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولم يذكر السفر (٩) ، وفي رواية أُخرى : أنّهما شكوا القمل فرخّص لهما في قميص الحرير في غزاة لهما (١٠).

__________________

(١) قرب الإسناد : ٥٠ ، الوسائل ٣ : ٢٧٠ أبواب لباس المصلّي ب ١٢ ح ٥.

(٢) الزرد : تداخل حَلَق الدرع بعضها في بعض (الصحاح ٢ : ٤٨٠).

(٣) كالمحقّق في المعتبر ٢ : ٨٨ ، والعلامة في التذكرة ٢ : ٤٧١ ، والمنتهى ١ : ٢٢٨ ، والشهيدين في الذكرى : ١٤٥ ، وروض الجنان : ٢٠٧.

(٤) الحجّ : ٧٨.

(٥) الوسائل ٣ : ٢٧٠ أبواب لباس المصلّي ب ١٢ ح ٨.

(٦) الوسائل ٣ : ٢٧٠ أبواب لباس المصلّي ب ١٢ ح ٨.

(٧) الوسائل ٣ : ٢٧٠ أبواب لباس المصلّي ب ١٢ ح ٨.

(٨) صحيح مسلم ٤ : ٣٠٨ ح ٢٠٧٦ ، سنن أبي داود ٢ : ٤٤٨ ح ٤٠٥٦.

(٩) صحيح البخاري ٧ : ١٩٥ ، صحيح مسلم ٤ : ٣٠٩ ، سنن النسائي ٨ : ٢٠٢ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٨١٨٨ ح ٣٥٩٢.

(١٠) صحيح مسلم ٤ : ٣٠٩ ، سنن الترمذي ٤ : ٢١٨ ح ١٧٢٢ ، مسند أحمد ٣ : ١٢٢.

٣٢٣

والشهيد في الذكرى (١) والعلامة في التذكرة (٢) جعلا القمل من العذر المجوّز لذلك تعدّياً عن النصّ ، اعتماداً على العلّة ، وهي الضرورة.

واستدلّ على ذلك في التذكرة بقوله عليه‌السلام : «حكمي على الواحد حكمي على الجماعة» (٣).

وقال في المعتبر : ويقوى عندي عدم التعدية (٤).

أقول : إن ثبت الأصل فالظاهر التعدّي لأنّه من باب دلالة التنبيه ، ولم نقف على الرواية من طريق الأصحاب ، إلّا ما ذكره الصدوق في الفقيه ، قال : «لم يطلق النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لبس الحرير لأحد من الرجال إلّا عبد الرحمن بن عوف ، وذلك أنّه كان رجلاً قملاً» (٥) وهو غير معلوم السند ، نعم إن بلغ ذلك حدّ الضرورة بحيث يستلزم الحرج فهو داخل تحتها.

واعلم أنّ عدم وجود الساتر غير الحرير ليس من باب الضرورة ، فلا يصلّي فيه حينئذٍ ، بل يصلّي عرياناً ، لعدم الساتر المشروع.

وتتميم المبحث يستدعي رسم مسائل :

الأُولى : اختلفوا في جواز الصلاة فيما لا تتمّ فيه الصلاة منه مثل التكة والقلنسوة والجورب ونحو ذلك.

والأقوى العدم ، وفاقاً للمفيد (٦) وابن الجنيد (٧) والعلامة في المختلف (٨)

__________________

(١) الذكرى : ١٤٥.

(٢) التذكرة ٢ : ٤٧٢.

(٣) الأربعون للشهيد الأوّل : ٢٣ ، عوالي اللآلي ١ : ٤٥٦ ح ١٩٧ ، وج ٢ : ٩٨ ح ٢٧٠ ، كشف الخفاء ١ : ٤٣٦.

(٤) المعتبر ٢ : ٨٩.

(٥) الفقيه ١ : ١٦٤ ح ٧٧٤ ، الوسائل ٣ : ٢٧٠ أبواب لباس المصلّي ب ١٢ ح ٤.

(٦) المقنعة : ١٥٠.

(٧) نقله عنه في المختلف ٢ : ٨٠.

(٨) المختلف ٢ : ٨١.

٣٢٤

وفخر المحقّقين (١) والشهيد في البيان (٢) والمحقّق الأردبيلي (٣) وصاحب المدارك (٤) والمحقّق البهائي (٥) ، وجلّ من تأخّر عنه ، مثل العلامة المجلسي (٦) ، ووالده (٧) ، وصاحب الكفاية (٨) وغيرهم (٩).

وقال الصدوق : لا تجوز الصلاة في تكّة رأسها من إبريسم (١٠).

وذهب الشيخ إلى الكراهة (١١) ، وكذا أبو الصلاح (١٢) وابن إدريس (١٣) ، واختاره كثير من المتأخّرين (١٤).

لنا : استصحاب شغل الذمّة بالصلاة ، والعمومات الكثيرة المانعة عن الحرير (١٥) ، وخصوص صحيحتي محمّد بن عبد الجبار المتقدّمتين (١٦) ، وهو مقتضى

__________________

(١) نقله عنه في المهذّب البارع ١ : ٣٢٥.

(٢) البيان : ١٢٠.

(٣) مجمع الفائدة ٢ : ٨٣.

(٤) المدارك ٣ : ١٧٩.

(٥) الحبل المتين : ١٨٣.

(٦) البحار ٨٠ : ٢٤١.

(٧) روضة المتّقين ٢ : ١٦٤.

(٨) كفاية الأحكام : ١٦.

(٩) كسلّار في المراسم : ٦٤ ، وابن حمزة في الوسيلة : ٨٨ ، والعلامة في القواعد ١ : ٢٥٦ ، والمنتهى ١ : ٢٢٩ ، وصاحب الرياض ٣ : ١٨٥.

(١٠) الفقيه ١ : ١٧٢ ذ. ح ٦١.

(١١) النهاية : ٩٨ ، المبسوط ١ : ٨٤.

(١٢) الكافي في الفقه : ١٤٠.

(١٣) السرائر ١ : ٢٦٩.

(١٤) المعتبر ٢ : ٨٩ ، إرشاد الأذهان ١ : ٢٤٦ ، الذكرى : ١٤٥ ، الدروس ١ : ١٥٠ ، روض الجنان : ٢٠٧ ، الروضة البهيّة ١ : ٥٢٨.

(١٥) الوسائل ٣ : ٢٦٦ أبواب لباس المصلّي ب ١١ ، ١٤.

(١٦) في ص ٣٢١.

٣٢٥

صريح فقه الرضا (١).

واحتجّوا بالأصل ، وبجواز الصلاة فيها إذا كانت نجسة ، وبما رواه الحلبي عن الصادق عليه‌السلام ، قال : «كلّ ما لا تجوز الصلاة فيه وحده فلا بأس بالصلاة فيه ، مثل التكة والقلنسوة والخف والزنار تكون في السراويل ، ويصلّى فيه» (٢).

والأصل لا يقاوم الدليل ، سيّما مثل هذه الأدلّة.

والثاني قياس محض ، مع أنّه مع الفارق ، للفرق بين المانع الذاتي والعرضي ، ولذلك لا نقول بجوازها من الميتة أيضاً وكذلك مما لا يؤكل لحمه كما مرّ.

والرواية ضعيفة بأحمد بن هلال (٣). وما ذكره ابن الغضائري من قبول روايته إذا روى عن ابن أبي عمير عن نوادره والحسن بن محبوب عن كتاب المشيخة (٤) معارض بعدم قبول العلّامة له مطلقاً (٥) ، مع أنّه لم يعلم أنّ ما رواه عن ابن عمير هنا رواه عن نوادره.

والقول بانجبار ضعفها بالشهرة مدفوع بأنّ الشهرة الّتي يحصل بها جبر الضعف غير معلومة فيما نحن فيه ، فلاحظ نقلة الأقوال مثل العلامة في المختلف والمحقّق في المعتبر وابن فهد في المهذّب وغيرهم (٦) ، فإنّهم إنّما نسبوا القول إلى الشيخ وابن إدريس وأبي الصلاح ، والمحقّق نسبه إلى الشيخ فقط ، وتردّد هو ، ثمّ رجّح الكراهة في كتبه الثلاثة (٧).

مع أنّ الشيخ في الاستبصار عقد الباب هكذا «باب كراهة الصلاة في الإبريسم

__________________

(١) فقه الرضا (ع) : ١٥٧ ، ٣٠٢.

(٢) التهذيب ٢ : ٣٥٧ ح ١٤٧٨ ، الوسائل ٣ : ٢٧٣ أبواب لباس المصلّي ب ١٤ ح ٢.

(٣) ضعّفه الشيخ في الفهرست : ٣٦ / ٩٧.

(٤) نقله العلامة في الخلاصة : ٢٠٢.

(٥) رجال العلامة : ٢٠٢.

(٦) المختلف ١ : ٧٩ ، المعتبر ٢ : ٨٩ ، المهذّب البارع ١ : ٣٢٤ ، وكصاحب الرياض ٣ : ١٨٢.

(٧) الشرائع ١ : ٥٩ ، المختصر النافع : ٢٤ ، المعتبر ٢ : ٨٩.

٣٢٦

المحض» ثم ذكر الأخبار الواردة في المنع عن الصلاة في الثوب الحرير المحض من جملتها صحيحة محمّد بن عبد الجبار (١) ، فظهر أنّ مراده بالكراهة الحرمة أو القدر المشترك ، فليست الكراهة صريحة في المصطلح.

لا يقال : صحيحة محمّد بن إسماعيل بن بزيع المتقدّمة (٢) عامّة في الجواز ، خرج الساتر وملابس النساء بالدليل وبقي الباقي. فإنّه تخصيص لا يرضى به أهل التحقيق كما لا يخفى على المطّلع بالأُصول.

لا يقال : إنّ صحيحة محمّد بن عبد الجبار (٣) أيضاً عامّة ولا بدّ من تخصيصها بغير النساء ، لأنّ السؤال عن القلنسوة وهي من ملابس الرجال ، مع أنّ الغالب من الرواة أنّهم يسألون عن حال الرجال ، لظهور حال النساء عندهم كما سنشير إلى ذلك.

مع أنّا لو عملنا على رواية الحلبي فلا بد أن نطرح تلك الصحاح أو نحملها على الكراهة ، وهو مطلقاً غير صحيح ، وإرادة الكراهة والحرمة معاً استعمال للفظ في المعنى الحقيقي والمجازي ، وهو غير صحيح كما حقّقناه في الأُصول (٤) ، وإرادة عموم المجاز يحتاج إلى قرينة.

مع أنّ التأويل إنّما يصحّ مع التكافؤ والغلبة ، وقد عرفت الحال.

مع أنّ صحيحة محمّد بن إسماعيل لا تخلو من شي‌ء ، فإنّه قد يتأمّل في كون الديباج حريراً محضاً ، وإن كان الأظهر ذلك بالنسبة إلى ملاحظة بعض الأخبار.

__________________

(١) الإستبصار ١ : ٣٨٥.

(٢) في ص ٣٢٢ ، وهي في التهذيب ٢ : ٢٠٨ ح ٨١٥ ، والاستبصار ١ : ٣٨٦ ح ١٤٦٥ ، والوسائل ٣ : ٢٦٨ أبواب لباس المصلّي ب ١١ ح ١٠.

(٣) المتقدّمة في ص ٣٢١ ، وهي في الكافي ٣ : ٣٩٩ ح ١٠ ، والوسائل ٣ : ٢٦٧ أبواب لباس المصلّي ب ١١ ح ٢.

(٤) القوانين : ٧٠.

٣٢٧

وقال في المغرب : الديباج الثوب الذي سداه ولحمته إبريسم وعنده اسم للنّقش (١).

قال في الوافي : الديباج نوع من الثياب يتّخذ من الحرير ، وكأنّه حرير منقوش ، فارسي معرّب ، ويقال لثوب الكعبة ديباج الكعبة لنقشه كما ورد في حديث مسمع (٢) ، فلعل الحرير يطلق على ما لا نقش له ويقابل الديباج (٣).

وأما ما اعترض بعضهم على صحيحة محمّد بن عبد الجبار : بأنّ نفي الحليّة لا يفيد الحرمة ، فإنّ انتفاء الإباحة بالمعنى المصطلح يحصل بثبوت الكراهة أيضاً (٤) ، فهو في غاية الوهن ، لأنّ المتبادر من الحلال هو الإباحة بالمعنى الأعمّ ، بنفيها تثبت الحرمة.

وأما ما يؤيّد ذلك بما دلّ على جواز الكف ، فتحقيق الجواب عنه : أنّ كلام الفقهاء معنون بمقامين ، وذكروا كلا من المسألتين على حدة ، أحدهما : ما ذكرنا من اختلافهم في الصلاة فيما لا تتمّ فيه الصلاة. والثاني : الصلاة في الثوب المكفوف بالحرير ، فالمعروف بين المتأخّرين الجواز فيه (٥).

وقال في الذكرى بعد نقل الرواية الدالّة على الكراهة الاتية : وبه أفتى الأصحاب (٦).

وقال في المدارك : وربما ظهر من عبارة ابن البرّاج المنع عنه (٧) وبه قطع المرتضى

__________________

(١) المغرب ١ : ١٧٣.

(٢) الفقيه ١ : ١٧٢ ح ٨٠٩ ، الوسائل ٣ : ٢٧٤ أبواب لباس المصلّي ب ١٥ ح ٢.

(٣) الوافي ٧ : ٤٢٣.

(٤) التذكرة ٢ : ٤٧٤.

(٥) التذكرة ٢ : ٤٧٤ ، إيضاح الفوائد ١ : ٨٣.

(٦) الذكرى : ١٤٥.

(٧) المدارك ٣ : ١٨١ ، المهذب ١ : ٧٥.

٣٢٨

في بعض مسائله (١) ، ومال إلى المنع المحقّق البهائي (٢) ، والمحقّق الأردبيلي (٣) ، وتردّد فيه صاحب الكفاية (٤). والأظهر الأوّل.

واحتجّوا على ذلك بما رواه العامّة عن عمر : إنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى عن الحرير إلّا في موضع إصبعين أو ثلاث أو أربع (٥).

وروت أسماء في الصحاح أنّه كان للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله جبّة كسروانية لها لبنة ديباج وفرجاها مكفوفان بالديباج ، وكان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله يلبسها (٦).

وبما رواه أصحابنا عن جرّاح المدائني عن أبي عبد الله عليه‌السلام : أنّه كان يكره أن يلبس القميص المكفوف بالديباج (٧).

وفي دلالة الأخيرة تأمّل ، لمنع ثبوت الحقيقة الشرعية في الكراهة ، وضعف الأخبار لا يضرّ مع انجبارها بعمل الأصحاب.

وحجّة المنع : العمومات.

والجواب : منع تبادر ذلك منها ، إذ لا يصدق عليه الثوب ، ولا يصدق على من صلّى في الثوب الموصوف أنّه صلّى في الحرير ، بخلاف الصلاة في القلنسوة والجورب والخف ، بل والتكة أيضاً ، سيّما في اصطلاح الأخبار ، وخصوصاً فيما ورد في الصلاة في الثياب فلاحظها. وتؤيّده الرواية الاتية في الأزرار أيضاً.

والمراد بالكف ما يجعل على رؤس الأكمام وحول الذيل ، سواء جعل على بطانته أو ظهارته ، وحول الزنق ، وهو موضع الزناق ، أعني الجلدة التي هي تحت

__________________

(١) حكاه عنه في مدارك الأحكام ٣ : ١٨١ على ما في نسخة غير معتبرة أوردتها في الهامش.

(٢) الحبل المتين : ١٨٣.

(٣) مجمع الفائدة ٢ : ٨٥.

(٤) كفاية الأحكام : ١٦.

(٥) صحيح مسلم ٣ : ٦٤٣ ح ١٥ ، سنن أبي داود ٤ : ٤٧ ح ٤٠٤٢.

(٦) صحيح مسلم ٤ : ٣٠٣ ح ٢٠٦٩ ، مسند أحمد ٦ : ٣٤٨.

(٧) الكافي ٣ : ٤٠٣ ح ٢٧ ، وج ٦ : ٤٥٤ ح ٦ ، الوسائل ٣ : ٢٦٨ أبواب لباس المصلّي ب ١١ ح ٩.

٣٢٩

الحنك ، وبعبارة اخرى : ما يحيط بالعنق من الثوب. وكذلك اللبنة ، وهو الجيب ، ويقال له : جريبان الثوب ، والظاهر أنّه معرّب كريبان ، فيشمل ما يفتل من الإبريسم أو ينسج مسطحاً أو مدوراً وغير ذلك ، وعدم شمول أخبار المنع لكلّ ذلك ظاهر.

وأما الزرور التي تسوّى مثل الحبوب والحبال التي يعقد بها مفاصل الثياب ، فالظاهر أنّها غير داخلة في شي‌ء من العناوين ، والأظهر اتّحاد حكمها مع الكف ، لعدم انصراف الإطلاقات والعمومات إليها ، ولخصوص صحيحة صفوان بن يحيى ، عن يوسف بن إبراهيم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «لا بأس بالثوب أن يكون سداه وزرّه وعلمه حريراً ، وإنما كره الحرير المبهم للرجال» (١).

وروى ابن بابويه بإسناده عن يوسف بن محمّد بن إبراهيم مثله (٢) ، ولعلّه عمل به أيضاً ، ولا ينافي ذلك قوله بالمنع عن الصلاة في تكّة رأسها من إبريسم ، إذ لعلّه كان من جهة نصّ خاص.

وأما موثّقة عمّار عن الصادق عليه‌السلام في حديث قال : وعن الثوب يكون علمه ديباجاً ، قال : «لا يصلّى فيه» (٣) فلا تعارض ما ذكرنا ، لاعتضاده بعمل الأصحاب.

وكذلك ما رواه في قرب الإسناد بسنده ، عن عليّ بن جعفر ، عن أخيه عليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل ، هل يصلح له لبس الطيلسان فيه الديباج البرنكان (٤) عليه حرير؟ قال : «لا» (٥) وسألته عن الديباج ، هل يصلح لبسه للنساء؟ قال «لا بأس» (٦) سيّما وهي غير واضحة الدلالة كما لا يخفى.

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٠٨ ح ٨١٧ ، الاستبصار ١ : ٣٨٦ ح ١٤٦٧ ، الوسائل ٣ : ٢٧٢ أبواب لباس المصلّي ب ١٣ ح ٦.

(٢) الفقيه ١ : ١٧١ ح ٨٠٨ ، الوسائل ٣ : ٢٧٢ أبواب لباس المصلّي ب ١٣ ذ. ح ٦.

(٣) التهذيب ٢ : ٣٧٢ ح ١٥٤٨ ، الوسائل ٣ : ٢٦٨ أبواب لباس المصلّي ب ١١ ح ٨.

(٤) البرنكان : نوع من الثياب ، وهو كساء من صوف له علمان ، انظر تاج العروس ٧ : ١١٠ برنك.

(٥) قرب الإسناد : ١١٨ ، الوسائل ٣ : ٢٦٩ أبواب لباس المصلّي ب ١١ ح ١٢.

(٦) قرب الإسناد : ١٠١ ، الوسائل ٣ : ٢٧٦ أبواب لباس المصلّي ب ١٦ ح ٩.

٣٣٠

الثانية : الحرير المنهي عنه هو الحرير المحض فلا يضرّ المخلوط بالقطن أو الكتان أو الخز أو غيره مما تجوز الصلاة فيه ، وهو إجماعيّ كما نصّ عليه غير واحد.

ويدلّ عليه لفظ «المحض» في الأخبار المتقدّمة ، وخصوص الأخبار الكثيرة الناصّة على جواز المخلوط ، مثل صحيحة البزنطي (١) ، ورواية عبيد بن زرارة (٢) ، ورواية إسماعيل بن الفضل (٣) وغيرها.

ولا فرق بين كون الخليط أقلّ أو أكثر ، ويصدق ولو كان عشراً ، ما لم يكن مستهلكاً بحيث يصدق على الثوب أنّه إبريسم ، كما نصّ عليه في المعتبر (٤).

ولا ترفع المحضيّة خياطته بغير الإبريسم ، ولا كون بطانته فقط غير الحرير أو ظهارته فقط ، ولا النقش عليه بغير الإبريسم.

ولا يخفى أنّ المتبادر من المحض والخليط هو ما كان بحسب النسج ، وأما لو وصلت قطعات من حرير بقطعات من كرباس ونحوه وخيط منها ثوب ففيه إشكال ، ويمكن جعله من باب العلم ، ويظهر حكمه مما سبق.

ويمكن أن يقال بالمنع ، نظراً إلى العمومات والاستثناء المذكور في الأخبار الكثيرة ، مثل رواية زرارة (٥) وغيرها الناهية عن الحرير إلّا إذا كان من حرير مخلوط بخزٍ لحمته أو سداه خز أو قطن أو كتان ، والمشترطة نفي البأس عن القز بما إذا كان سداه أو لحمته من قطن أو كتان ونحو ذلك (٦) ، فيبقى الباقي تحت المستثنى منه ، ورواية إسماعيل بن الفضل عن الصادق عليه‌السلام : في الثوب يكون فيه الحرير ،

__________________

(١) الكافي ٦ : ٤٥٥ ح ١١ ، الوسائل ٣ : ٢٧١ أبواب لباس المصلّي ب ١٣ ح ١.

(٢) الكافي ٦ : ٤٥٤ ح ١٠ ، الوسائل ٣ : ٢٧١ أبواب لباس المصلّي ب ١٣ ح ٢.

(٣) الكافي ٦ : ٤٥٥ ح ١٤ ، الوسائل ٣ : ٢٧١ أبواب لباس المصلّي ب ١٣ ح ٤.

(٤) المعتبر ٢ : ٩٠.

(٥) التهذيب ٢ : ٣٦٧ ح ١٥٢٤ ، الاستبصار ١ : ٣٨٦ ح ١٤٦٨ ، الوسائل ٣ : ٣٧١ أبواب لباس المصلّي ب ١٣ ح ٥.

(٦) الوسائل ٣ : ٢٧١ أبواب لباس المصلّي ب ١٣.

٣٣١

فقال : «إن كان فيه خلط فلا بأس» (١).

وأما قولهم عليهم‌السلام : «إنّما يكره الحرير المبهم للرجال» فلا يفيد الجواز ، إذ المبهم في مقابل المخلوط ، لا الموصول بالغير كما لا يخفى.

فلو فرض نسج ثوب له خطوط متساوية كلّ خطّ منها موضع أربع أصابع أو أكثر ، ويكون خط منها حريراً محضاً والآخر مخلوطاً وهكذا فتصحّ الصلاة فيها. ولو وُصلت القطعات على هذا الأُسلوب فالأظهر عدم الجواز.

وممّا ذكرنا يظهر الإشكال في حكم ما لو خيط من الإبريسم على الكرباس متّصلاً بحيث يحيط الثوب كما هو المتداول الان في سراويل النساء.

وأما المحشوّ بالقز ، ففيه قولان ، ظاهر المشهور المنع على ما يظهر من المعتبر (٢) والتذكرة (٣) ، حيث نسبا الجواز إلى الشافعي ، وظاهر الذكرى جوازه (٤) ، واستحسنه بعض المتأخّرين (٥).

واحتجّوا بالعمومات ، وبأنّه إسراف. وفي تبادره من العمومات منع ، وكذلك في كونه إسرافاً مطلقاً.

ويدلّ على الجواز ما رواه الحسين بن سعيد قال : قرأت في كتاب محمّد بن إبراهيم إلى أبي الحسن عليه‌السلام يسأله عن الصلاة في ثوب حشوه قز ، فكتب إليه قرأته : «لا بأس بالصلاة فيه» (٦) وطريق الشيخ إلى الحسين صحيح كما في الخلاصة (٧).

__________________

(١) الكافي ٦ : ٤٥٥ ح ١٤ ، الوسائل ٣ : ٢٧١ أبواب لباس المصلّي ب ١٣ ح ٤.

(٢) المعتبر ٢ : ٩١.

(٣) التذكرة ٢ : ٤٧٥.

(٤) الذكرى : ١٤٥.

(٥) البحار ٨٠ : ٢٣٩.

(٦) التهذيب ٢ : ٣٦٤ ح ١٥٠٩ ، الوسائل ٣ : ٣٢٣ أبواب لباس المصلّي ب ٤٧ ح ١.

(٧) رجال العلامة الحلّي : ٢٧٦ الفائدة الثامنة.

٣٣٢

وظاهره جزم الحسين بكون ذلك عن الإمام ، فلا يرد تضعيف المحقّق بأنّه لم يسمعه من محدّث ، وإنّما رآه في كتاب (١).

وفي معنى هذه الرواية رواية سفيان بن السمط ، وفي الفقيه كتب يعني إبراهيم بن مهزيار إلى أبي محمّد الحسن عليه‌السلام : في الرجل يجعل في جبّته بدل القطن قزّاً ، هل يصلّي فيه؟ فكتب : «نعم ، لا بأس به» وأوّله بقزّ الماعز ، وهو أيضاً بعيد (٢).

ولكن الاحتياط في الترك ، ويمكن حمل الروايات على التقيّة.

الثالثة : لا خلاف في جواز لبس الحرير للنساء عند أهل العلم ، بل هو بديهي من الدين.

وأما جوازه في الصلاة فالمشهور فيه أيضاً ذلك ، خلافاً للصدوق ، فقال : لم تَرِد الرخصة بجواز صلاتهن فيه ، فالنهي عن الصلاة في الإبريسم المحض على العموم للرجال والنساء (٣).

ولعلّه أراد بذلك العموم رواية زرارة ، قال : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام نهى عن لباس الحرير للرجال والنساء إلّا ما كان من حرير مخلوط بخزٍ لحمته أو سداه خزّ أو قطن أو كتان ، وإنّما يكره الحرير المحض للرجال والنساء (٤).

وهي مع ضعفها وعدم وضوح دلالتها لا تقاوم أدلّة المشهور ، مثل موثّقة ابن بكير ، عن بعض أصحابنا ، عن الصادق عليه‌السلام ، قال : «النساء يلبسن الحرير والديباج إلّا في الإحرام» (٥).

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٩١.

(٢) الفقيه ١ : ١٧١ ح ٨٠٧.

(٣) الفقيه ١ : ١٧١.

(٤) التهذيب ٢ : ٣٦٧ ح ١٥٢٤ ، الاستبصار ١ : ٣٨٦ ح ١٤٦٨ ، الوسائل ٣ : ٢٧١ أبواب لباس المصلّي ب ١٣ ح ٥.

(٥) الكافي ٦ : ٤٥٤ ح ٨ ، الوسائل ٣ : ٢٧٥ أبواب لباس المصلّي ب ١٦ ح ٣.

٣٣٣

ورواية يوسف بن إبراهيم المتقدّمة (١) ، وروايته الأُخرى ، وفي آخرها : «إنّما يكره المصمت من الإبريسم للرجال ، ولا يكره للنساء» (٢) وجهالة يوسف لا تضرّ مع كون صفوان بن يحيى من جملة الرواة عنه.

وأما وجه عدم شمول مثل صحيحة محمّد بن عبد الجبار لها فظهر مما مرّ.

ويؤيّد ذلك أيضاً : أنّ الرواة مكرّراً كانوا يسألون عن حال الرجال ، فكأن حكم الجواز للنساء كان مفروغاً عنه عندهم ، ولزوم الحرج والعسر الشديد في نزعهن إيّاه في حال الصلاة وتبديله.

ويشهد بحقّيّة ذلك فعل المسلمين في الأعصار والأمصار من دون نكير ، مع كونه مما تعمّ به البلوى.

وبالجملة فالظاهر عدم الإشكال في المسألة والحمد لله.

الرابعة : الأظهر جواز الافتراش بالحرير والركوب عليه قال في المدارك : وهو المعروف من مذهب الأصحاب (٣) ، وممن صرّح بجواز الصلاة عليه أيضاً الشهيد في الذكرى (٤) وابن الجنيد (٥).

وحكى في المختلف عن بعض المتأخّرين القول بالمنع (٦) ، وتردّد في المعتبر ؛ لعموم تحريمه على الرجال (٧).

لنا : الأصل ، وصحيحة عليّ بن جعفر قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٧١ ح ٨٠٨ ، التهذيب ٢ : ٢٠٨ ح ٨١٧ ، الاستبصار ١ : ٣٨٦ ح ١٤٦٧ ، الوسائل ٣ : ٢٧٢ أبواب لباس المصلّي ب ١٣ ح ٦.

(٢) الكافي ٦ : ٤٥١ ح ٥ ، الوسائل ٣ : ٢٦٣ أبواب لباس المصلّي ب ١٠ ح ٢ ، وب ١٦ ح ١.

(٣) المدارك ٣ : ١٧٩.

(٤) الذكرى : ١٤٥.

(٥) نقله عنه في المختلف ٢ : ٨١.

(٦) المختلف ٢ : ٨١.

(٧) المعتبر ٢ : ٩٠.

٣٣٤

الفراش الحرير ومثله من الديباج ، والمصلّى الحرير هل يصلح للرجل النوم عليه والتكأة والصلاة؟ قال : «يفترشه ويقوم عليه ، ولا يسجد عليه» (١).

ورواية مسمع بن عبد الملك عن الصادق عليه‌السلام أنّه قال : «لا بأس أن يأخذ من ديباج الكعبة فيجعله غلاف مصحف ، أو يجعله مصلّى يصلّي عليه» (٢) والعمومات يخرج عنها بعد تسليم تبادر ما نحن فيه منها بما ذكرنا من الخبر المشهور الصحيح المتكرّر في الكتب وغيره.

الخامسة : في وجوب اجتناب الخنثى عن الحرير قولان ، والأحوط الاجتناب.

وأما الصبي فالأظهر عدم وجوب المنع على الأولياء كما اختاره المحقّق (٣) ومن تأخّر عنه (٤) ، للأصل.

وقيل : يجب (٥) ، لقوله عليه‌السلام : «حرام على ذكور أُمتي» (٦). وفي شموله للصبي منع واضح.

وأما قول جابر : «كنّا ننزعه عن الصبيان ونتركه على الجواري» (٧) فقال في المعتبر : يمكن أن يكون للتنزّه والمبالغة في التورّع ، قال : والأشبه عندي الكراهة ، ولا بأس به خروجاً عن الخلاف ، واحتياطاً للشبهة (٨).

__________________

(١) الكافي ٦ : ٤٧٧ ح ٨ ، التهذيب ٢ : ٣٧٣ ح ١٥٥٣ ، مسائل عليّ بن جعفر : ١٨٠ ح ٣٤٢ ، قرب الإسناد : ٨٦ ، الوسائل ٣ : ٢٧٤ أبواب لباس المصلّي ب ١٥ ح ١.

(٢) الفقيه ١ : ١٧٢ ح ٨٠٩ ، الوسائل ٣ : ٢٧٤ أبواب لباس المصلّي ب ١٥ ح ٢.

(٣) المعتبر ٢ : ٩١.

(٤) كالعلامة في المنتهي ١ : ٢٢٩ ، والشهيد في الذكرى : ١٤٥.

(٥) كما في المغني والشرح الكبير ١ : ٦٦٤.

(٦) سنن ابن ماجة ٢ : ١١٨٩ ح ٣٥٩٥.

(٧) سنن أبي داود ٤ : ٥٠ ح ٤٠٥٩.

(٨) المعتبر ٢ : ٩١.

٣٣٥

العاشر : لا خلاف بين الأصحاب في تحريم لبس الذهب للرجال كما صرّح به الفاضل المجلسي رحمه‌الله.

والظاهر أنّ اتّفاقهم على حرمة اللبس للرجال مستلزم لاتّفاقهم على بطلانها به أيضاً.

قال في البحار : وأما تحريم لبس الذهب للرجال فلا خلاف فيه ، وإنما الخلاف في بطلان الصلاة فيما لا تتمّ فيه ، ذهب العلّامة والأكثر إلى البطلان (١) ، انتهى ، وهو الظاهر من كلام الفاضلين (٢) وغيرهما (٣) ، حيث خصّوا ذكر الخلاف في البطلان بما لا تتمّ فيه الصلاة.

وأما المموّه والمخلوط بالذهب بأن تكون لحمته أو سداه ذهباً ، وكذلك الخاتم المموّه ففيه أيضاً خلاف بينهم ، وصرّح في التحرير بالبطلان (٤) ، ولعلّه قول الأكثر.

وقال في الذكرى : ورابعها الذهب ، والصلاة فيه حرام على الرجال ، فلو موّه به ثوباً وصلّى فيه بطلت ، بل لو لبس خاتماً منه وصلّى فيه بطلت صلاته ، قاله الفاضل (٥) ، لقول الصادق عليه‌السلام : «جعل الله الذهب حلية لأهل الجنة ، فحرّم على الرجال لبسه والصلاة فيه» رواه موسى بن أكيل النميري (٦) ، وفعل المنهي عنه مفسد للعبادة. وقوّى في المعتبر عدم الإبطال بلبس الخاتم من الذهب ؛ لإجرائه مجرى لبس خاتم مغصوب (٧) ، والنهي ليس عن فعل من أفعال الصلاة ، ولا عن شرط من شروطها.

__________________

(١) البحار ٨٠ : ٢٥١ ، وانظر المنتهي ١ : ٢٣٠ ، والفقيه ١ : ٢٥٣ ح ٧٧٥ ، ونقله عن الإسكافي في المختلف ٢ : ٨٢.

(٢) المعتبر ٢ : ٩٢ ، المنتهي ١ : ٢٣٠.

(٣) الدروس ١ : ١٥٠ ، الرياض ٣ : ١٩٥.

(٤) التحرير ١ : ٣٠.

(٥) المنتهي ١ : ٢٣٠.

(٦) التهذيب ٢ : ٢٢٧ ح ٨٩٤ ، الوسائل ٣ : ٣٠٠ أبواب لباس المصلّي ب ٣٠ ح ٥ بتفاوت.

(٧) المعتبر ٢ : ٩٢.

٣٣٦

ثمّ قال : ولو موّه الخاتم بالذهب فالظاهر تحريمه ، لصدق اسم الذهب عليه ، نعم لو تقادم عهده حتى اندرس وزال مسمّاه جاز ، ومثله الأعلام على الثياب من الذهب ، أو المموّه به في المنع من لبسه والصلاة فيه ، ونقل فيه عن أبي الصلاح كراهة المذهّب والملحم بالذهب والحرير (١) ، وهو الظاهر من ابن حمزة (٢) ، وكذلك الخاتم المموّه بالذهب (٣).

فلنذكر الأخبار الواردة في هذا الباب :

وهي موثّقة عمّار عن الصادق عليه‌السلام ، رواها الشيخ والصدوق في العلل في جملة حديث ، وقال : «لا يلبس الرجل الذهب ولا يصلّي فيه ، لأنّه من لباس أهل الجنة» (٤)

ورواية موسى بن أكيل النميري عنه عليه‌السلام : في الحديد : «أنّه حلية أهل النار ، والذهب حلية أهل الجنة ، وجعل الله الذهب في الدنيا زينة النساء ، فحرم على الرجال لبسه والصلاة فيه ، وجعل الله الحديد في الدنيا زينة الجنّ والشياطين ، فحرّم على الرجل المسلم أن يلبسه في الصلاة ، إلّا أن يكون قبال عدو فلا بأس به» قال ، قلت : فالرجل في السفر يكون معه السكين في خفه لا يستغني عنها ، أو في سراويله مشدوداً ، والمفتاح يخشى إن وضعه ضاع أو يكون في وسطه المنطقة من حديد ، قال : «لا بأس بالسكين والمنطقة للمسافر في وقت ضرورة ، وكذلك المفتاح إذا خاف الضيعة والنسيان» (٥) الحديث.

وروى في الخصال ، عن جابر الجعفي ، عن الباقر عليه‌السلام ، قال : «يجوز

__________________

(١) الكافي في الفقه : ١٤٠.

(٢) الوسيلة : ٨٨.

(٣) هذه نهاية ما نقله من كتاب الذكرى : ١٤٦.

(٤) التهذيب ٢ : ٣٧٢ ح ١٥٤٨ ، علل الشرائع : ٣٤٨ ، الوسائل ٣ : ٣٠٠ أبواب لباس المصلّي ب ٣٠ ح ٤.

(٥) التهذيب ٢ : ٢٢٧ ح ٨٩٤ ، الوسائل ٣ : ٣٠٠ أبواب لباس المصلّي ب ٣٠ ح ٥ ، وب ٣٢ ح ٦ بتفاوت.

٣٣٧

للمرأة لبس الديباج أو الحرير في غير صلاة ، وإحرام ، وحرّم ذلك على الرجال إلّا في الجهاد ، ويجوز أن تتختم بالذهب وتصلّي فيه ، وحرّم ذلك على الرجال ، قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : «يا عليّ لا تتختّم بالذهب ؛ فإنه زينتك في الجنة ، ولا تلبس الحرير ؛ فإنّه لباسك في الجنة» (١)

وفي عوالي اللئالي : قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله مشيراً إلى الذهب والحرير : «هذان محرّمان على ذكور أُمتي دون إناثهم» (٢).

وفي الفقه الرضوي : «ولا تصلّ في جلد الميتة على كلّ حال ، ولا في خاتم ذهب ، ولا تشرب في آنية الذهب والفضة ، ولا تصلّ على شي‌ء من هذه الأشياء إلّا ما يصلح لبسه» (٣).

وفي أخبارٍ كثيرة أُخر المنع عن التختم بالذهب (٤).

وهذه الأخبار وإن كان في دلالة أكثرها على المطلوب تأمّل باعتبار سياق الروايات ، وأكثر أسنادها ضعيفة ، إلّا أنّ عمل الأصحاب في غير ما لا تتمّ فيه الصلاة وعمل الأكثر فيما لا تتمّ فيه الصلاة يعيّن ما ذكرنا.

وفي استفادة حرمة الأزرار والكف من تلك الأخبار تأمّل وإشكال ينشأ من العمومات ، سيّما مثل قوله تعالى (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ) (٥) ومن التعليل الوارد في تلك الأخبار بأنّه الزينة في الجنّة ، وعموم قوله عليه‌السلام هذان محرّمان على ذكور أُمّتي (٦) وغير ذلك.

وعلى تقدير التحريم كما هو الأظهر ؛ ففي بطلان الصلاة فيها واستفادة ذلك من

__________________

(١) الخصال : ٥٨٨.

(٢) عوالي اللآلي ١ : ٢٩٦ ح ٢٠٤ ، وج ٢ : ٣٠ ح ٧٤.

(٣) فقه الرضا (ع) : ١٥٧ ، وفيه : إلّا ما لا يصلح لبسه.

(٤) الوسائل ٣ : ٢٩٩ أبواب لباس المصلّي ب ٣٠

(٥) الأعراف : ٣٢.

(٦) عوالي اللآلي ١ : ٢٩٦ ح ٢٠٤ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١١٨٩ ح ٣٥٩٥ ، وص ١١٩٠ ح ٣٥٩٧.

٣٣٨

هذه الأخبار أيضاً إشكال ، والأحوط الاجتناب ، بل الأظهر. وكذلك العَلَم وغيره كما صرّح به في الذكرى (١).

ولا يبعد استفادة الحكمين من رواية النميري ، فإن تفريع تحريم اللبس على تحريم التزيّن به ومن أفراد التزيّن به أن يلبس ثوباً علمه من الذهب أو زرّه أو كفه يفيد ذلك.

ولعلّ العلامة والشهيد وغيرهما أيضاً فهموا ذلك من هذه الرواية فأفتوا ببطلان الصلاة في المموّه به والملحم وغير ذلك ، سيّما وصدق لبس الذهب في العرف إنما يتحقّق غالباً في أمثال ذلك ؛ لغاية ندرة لباس يكون من الذهب الخالص ، هذا الكلام في الرّجال.

وأما النساء فلا خلاف في عدم المنع مطلقاً ، وتدلّ عليه الروايات أيضاً.

وأما حمله واستصحابه مسكوكاً كان أو غير مسكوك فلم نقف على شي‌ء يدلّ على بطلان الصلاة به ، فلا وجه للتأمّل فيه.

نعم إن اجتنب عنه سيّما لو لم يخف نسيانه وتلفه وخصوصاً في غير المسكوك كما قد يستفاد من رواية النميري لكان أولى وأحوط ، بل الظاهر أنّ إخراجه فيما لو خيف ضياعه مرجوح بل قد يحرم.

الحادي عشر : المشهور بين أصحابنا بطلان الصلاة في الثوب المغصوب وأنّه يجب أن يكون مباح الاستعمال بالملك أو بالإذن الصريح أو الفحوى أو بشاهد الحال ، حتى قال الشهيد في البيان : لا يجوز في الثوب المغصوب ولو خيطاً (٢). وادّعى في الذكرى الإجماع على أصل الحكم (٣).

__________________

(١) الذكرى : ١٤٦.

(٢) البيان : ٥٨.

(٣) الذكرى : ١٤٦.

٣٣٩

لكن المنقول عن الفضل بن شاذان من قدمائنا عدمه كالمكان ، ويظهر من كلامه أنّه كان ذلك مشهوراً بين الشيعة (١).

قال في المعتبر : لم أقف على نصّ عن أهل البيت عليهم‌السلام بإبطال الصلاة ، وإنما هو شي‌ء ذهب إليه المشايخ الثلاثة منّا وأتباعهم ، والأقرب أنّه إن كان ستر به العورة أو سجد عليه أو قام فوقه كانت الصلاة باطلة ، لأنّ جزء الصلاة يكون منهياً عنه وتبطل الصلاة بفواته. وأما إذا لم يكن كذلك لم تبطل وكان كلبس خاتم مغصوب (٢).

وقال في المدارك : المعتمد ما اختاره ، لتوجّه النهي إلى شرط العبادة فيفسد ، فيفسد المشروط (٣).

وقد ظهر لك مما حقّقناه في المكان أنّه لا وجه لجميع ما ذكر ، لمنع امتناع اجتماع الأمر والنهي ، سيّما فيما كان بينهما عموم من وجه كما فيما نحن فيه.

وكذلك لا يدلّ النهي على فساد الشرط ، والحرمة لا تستلزم الفساد ، سيّما فيما كان الشرط من الأُمور التوصليّة ولم يكن نفس عبادة ، وجميع ذلك قد حقّقناه في الأُصول.

وكذلك لا وجه لما قد يستدلّ بأنّ ردّ المال إلى المالك واجب ، وقد يوجب ذلك منافاة الصلاة كما إذا استوجب الفعل الكثير ، والأمر بالشي‌ء يستلزم النهي عن ضدّه الخاص ؛ لمنع الاستلزام أوّلاً ، ومنع دلالة النهي على الفساد ثانياً ، ومنع دلالة خصوص مثل هذا النهي ثالثاً.

ولو أذن المالك للغاصب وغيره جازت الصلاة فيه ، وأما مع الإذن المطلق فقد لا ينصرف إلى الغاصب ؛ لحكم عادة الغالب بذلك ، إلّا أن يظهر رضاه مطلقاً.

وكيف كان فلا دليل على بطلان الصلاة يمكن أن يعتمد عليه ، والإجماع الذي

__________________

(١) نقله في مفتاح الكرامة ٢ : ١٥٧.

(٢) المعتبر ٢ : ٩٢.

(٣) المدارك ٣ : ١٨٢.

٣٤٠