غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ٢

الميرزا أبو القاسم القمّي

غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ٢

المؤلف:

الميرزا أبو القاسم القمّي


المحقق: عباس تبريزيان
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-424-250-5
الصفحات: ٦٣١

أما المقدّمة

فالصّلاة في اللغة : الدعاء (١).

وفي اصطلاح المتشرّعة : هي مجموع الأفعال والصّور المعهودة في ألسنة المتشرّعة المشروطة صحّتها بالقِبلة والقيام.

أو أنّها مجموع المذكورات ، جامعة للشرائطِ التي لا تصحّ إلّا بها.

أو أنّها مجموع المذكورات ، مع كونها ذات ركوع وسجود.

والأظهر ذلك مع الاعتبار (٢) الأوّل من الاعتبارين ، فيكون إدراج صلاة الأموات بعنوان المَجاز.

ويؤيده قولهم عليهم‌السلام : «لا صلاة إلّا بطهور» (٣) و «لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب» (٤).

وهذا هو صريح العلّامة في التذكرة ، وظاهر المحقّق في المعتبر (٥).

__________________

(١) انظر النهاية لابن الأثير ٣ : ٥٠.

(٢) في «ح» : اعتبار.

(٣) الفقيه ١ : ٢٢ ح ٦٧ ، التهذيب ١ : ٤٩ ح ١٤٤ ، الاستبصار ١ : ٥٥ ح ١٦٠ ، الوسائل ١ : ٢٥٦ أبواب الوضوء ب ١ ح ١.

(٤) عوالي اللآلي ١ : ١٩٦ ح ٢ ، مستدرك الوسائل ١ : ٢٧٤ أبواب القراءة ب ١ ح ٦.

(٥) التذكرة ٢ : ٢٥٩ ، المعتبر ٢ : ٩.

٢١

وظاهر بعضهم كالشهيد في جملة من كتبه كونها حقيقة فيها (١). والنزاع في ذلك قليل الجدوى.

والحقّ أنّ ذلك كذلك عند الشارع أيضاً ، سيّما الصادقين ومن بعدهما عليهم‌السلام.

وهي تنقسم إلى : واجبة ومندوبة ، لاستحالة انفكاكها عن الرجحان.

وأمّا المكروهات فترجع إلى أحدهما عند المشهور ، ويلاحظ الرجحان فيها من حيث نفس طبيعة العبادة عند غيرهم كما هو الأقوى (٢).

ولا ينافي ذلك زوال الرجحان لعارض وإبقاء الكراهة على معناها الحقيقي في بعض الصور.

وأما المنهيّ عنها تحريماً ؛ فبعضها فاسد أو ليس بصلاة على الأصحّ ، كالذي كان بينه وبين المأمور به عموم وخصوص مطلق ، وكذلك ما كان بينهما تعارض من وجه لو قلنا بصدق المنهيّ عنه عليه على المشهور ، لكن الأقوى خلافه ، وقد حقّقنا هذه المطالب في الأُصول (٣).

ثم إنّ الواجبة على سبيل مُطلق الاستعمال مُنحصرة في سبعة بحكم الاستقراء : اليوميّة ، والجمعة ، وصلاة العيدين ، والآيات ، والطواف ، والأموات ، وما تلتزم بنذرٍ وشبهه.

وتلحق باليوميّة متعلّقاتها من الاحتياط والقضاء ونحوهما.

وصلاة الاستئجار يُمكن أن تُدرج في هذه وفي القِسم الأخير.

والمَندوبة أيضاً تنقسم إلى موقّتة وغيرها.

__________________

(١) الذكرى : ٥٨ ، غاية المراد ١ : ٩٤.

(٢) انظر القوانين : ١٤٢.

(٣) القوانين : ١٥٩.

٢٢

الفصل الأوّل

في جملة أحكام الفرائض

وأقسامها الثانويّة كالظهر والعصر ،

والثالثيّة كالقصر والإتمام ،

وأحكام النوافل وأقسامها

وأمّا تفصيل كيفيّاتها وأجزائها ولواحقها فوظيفة سائر الفصول.

وفي هذا الفصل مقاصد

٢٣
٢٤

المقصد الأوّل

في اليومية والجمعة

وفيه مباحث :

الأوّل : الصّلاة اليوميّة خمس : الظهر والعصر ؛ كلّ واحدة منهما أربع ركعات ، والمغرب ثلاث ركعات ، والعشاء أيضاً أربع ركعات ، والفجر ركعتان.

تجب تلك في كلّ يوم وليلة على كلّ مكلّفٍ جامعٍ لشرائطِ التكليف بالضّرورة من الدّين ، والآيات (١) ، والأخبار بإيجابها والتأكيد عليها والتهديد على تركها مشحونة (٢).

ومستحلّها كافر يجب قتله من دون الاستتابة ، إلّا أن يمكن في حقّه دعوى شُبهة ، وذلك في الرجل المسلم فطرةً دون غيره. وتفصيل ذلك وظيفة كتاب الحدود.

وما ذكرنا من بداهة وجوب تلك الصّلاة مطلق إلّا الظهر في يوم الجمعة ، فإنّها تتبدّل بركعتين مع الشّرائط الاتية والتّفاصيل التي ستسمعها.

__________________

(١) البقرة : ٤٣ ، ٢٣٨ ، النساء : ١٠٣ ، مريم : ٣١.

(٢) انظر الوسائل ٣ : ٢٨ أبواب أعداد الفرائض ب ١١.

٢٥

ووجوب صلاة الجمعة في الجملة ممّا لا ريب فيه بالإجماع والكتاب (١) والسنّة المتواترة (٢) ، بل قد يُدّعى كونه بديهيّاً من الدّين.

والأمر والوجوب اللذان تضمّنتهما تلك الأدلّة وإن كان يتبادر منهما الواجب العينيّ المطلق ، ولكن جماعة من فقهائنا وهم عشرة على ما يحضرني الان ادّعوا الإجماع في مواضع عديدة من كلماتهم على كون وجوبها مشروطاً بحضور المعصوم أو نائبه الخاصّ (٣).

ويشير إليه قوله عليه‌السلام في الصحيفة في دعاء يوم الأضحى ويوم الجمعة : «اللهم إنّ هذا المقام لخلفائك ..» (٤).

ومقتضى ذلك : عدم الجواز إذا لم يَحصل الشّرط ، لأنّ التحقيق أنّ انتفاء الفصل علّة لانتفاء الجنس ، ورفع الوجوب مستلزم لرفعِ الجواز ، إلّا أن يدّعى الإجماع على اشتراط العينيّة بذلك ؛ بحيث تدلّ تلك الدعوى على بقاء الجواز ، فيكون دليلاً جديداً ، وذلك غير معلوم من مدّعيه.

والقول بأنّ الإجماع على نفي العينيّة في صورة عدم الشّرط قرينة على أحد معنيي المشترك وهو التّخييري مدفوع بمنع الاشتراك أوّلاً كما مرّ ، وبعدم جواز استعمال المشترك في معنييه بالنّسبة إلى الواجد والفاقد كما هو التّحقيق ثانياً (٥).

__________________

(١) الجمعة : ٩.

(٢) انظر الوسائل ٥ : ١٢ أبواب صلاة الجمعة ب ٢ ، ٥.

(٣) منهم الشيخ في الخلاف ١ : ٦٢٦ مسألة ٣٩٧ ، وابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية) : ٥٦٠ ، وابن إدريس في السرائر ١ : ٣٠٣ ، والمحقّق في المعتبر ٢ : ٢٧٩ ، والعلامة في المنتهي ١ : ٣١٧ ، والتحرير ١ : ٤٣ ، والشهيد في الذكرى : ٢٣٠ ، والمحقّق الكركي في جامع المقاصد ٢ : ٣٧١ ، والشهيد الثاني في روض الجنان : ٢٨٥ ، والروضة البهية ١ : ٦٦٣ ، والمحقّق السبزواري في الذخيرة : ٢٩٨ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٢٤٢.

(٤) الصحيفة السجاديّة : ٣٥١.

(٥) انظر القوانين : ٦٧.

٢٦

ولذلك ذهب جماعة من أصحابنا إلى التّحريم ، مدّعياً بعضهم الإجماع على اشتراط انعقادها أيضاً بما ذكر (١) ، فيكون شرط الوجوب شرطاً للصحّة أيضاً.

فرَفعُ النزاع بين الفريقين إمّا بإثبات الجواز من دليلٍ آخرٍ ، ومَنع الإجماع على اشتراط الصحّة بذلك في غير حال التمكّن من الشرط ؛ إذ هو القدر المتيقّن عند هؤلاء. أو تسليم التّحريم ، لأنّ عدم الدليل دليل العدم ، وأنّ انتفاء الشّرط مستلزم لانتفاء المشروط لو سلّم الإجماع ، لا لما ادّعى بعضهم أنّ براءة الذمّة لا تحصل إلّا بالظّهر (٢) لظهور بطلانه.

والجواز هو المشهور بين أصحابنا (٣) ، ولا يخلو من رجحان.

والدليل هو الرّوايات ، مثل ما رواه في «الأمالي» صحيحاً عن الصّادق عليه‌السلام ، قال : «أُحبّ للمؤمن أن لا يخرج من الدنيا حتّى يتمتّع ولو مرّة ، ويصلّي الجمعة ولو مرّة» (٤) ونحو ذلك ممّا وردَ بسياق المستحبّات ؛ فينزّل على ما نحن فيه.

وصحيحة زرارة ، قال : حثّنا أبو عبد الله عليه‌السلام على صلاة الجمعة حتّى ظننت أنّه يريد أن نأتيه ، فقلت : نغدو عليك؟ فقال : «لا ، إنّما عَنَيتُ عندكم» (٥).

وموثّقة عبد الملك ، عن الباقر عليه‌السلام ، قال : قال «مِثلُكَ يهلك ولم يصلّ فريضةً فرضها الله تعالى!» قال ، قلت : كيف أصنع؟ قال : «صلّوا جماعة» يعني

__________________

(١) انظر الخلاف ١ : ٦٢٦ مسألة ٣٩٧ ، والسرائر ١ : ٣٠٣ ، والمنتهى ١ : ٣٣٦.

(٢) السرائر ١ : ٣٠٣.

(٣) منهم الشيخ في النهاية : ١٠٧ ، وأبو الصلاح في الكافي في الفقه : ١٥١ ، والعلامة في المختلف ٢ : ٢٣٨ ، وولده في الإيضاح ١ : ١١٩ ، والشهيد في اللمعة : ٣٢.

(٤) ورد مضمونه في مصباح المتهجّد : ٣٢٤ ، والوسائل ١٤ : ٤٤٣ أبواب المتعة ب ٢ ح ٧.

(٥) التهذيب ٣ : ٢٣٩ ح ٦٣٥ ، الاستبصار ١ : ٤٢٠ ح ١٦١٥ ، المقنعة : ١٦٤ ، الوسائل ٥ : ١٢ أبواب صلاة الجمعة ب ٥ ح ١.

٢٧

صلاة الجمعة (١).

فإنّ الظاهر أنّ مثل زرارة وعبد الملك لا يخفى عليهما أصل وجوب الجمعة ، وتركهما إنّما كان من جهة عدم بسط يد الإمام ، وكانا يعرفان الاشتراط ، ولذلك قال زرارة : «حتّى ظننت» إلى أخره ، وقال عبد الملك : «كيف أصنع؟» والسياق أيضاً لا يفيد إلّا الاستحباب.

والحمل على أنّ المراد : صلّوا عندكم سرّاً متّقين من المخالفين ، بعيد.

وعلى فرض التّسليم فيثبت الوجوب عيناً ، وقد أبطلته الإجماعات (٢) وأقوى منها وأوضح وأكثر بمراتب شتّى أيضاً.

والقول بأن ذلك إذن (٣) ينافيه أنّ المعتبر هو الإذن الخاصّ ، وهو المتنازع. ولا تفيده الروايتان ، لعدم تعيين الإمام عليه‌السلام (٤).

وأصل صدور الرواية لو كان إذناً لزم أن تكون هذه المعركة في جميع الفرائض والأحكام ، ولا اختصاص له فيما نحن فيه بهذه الرّواية ، بل لا معنى للنزاع حينئذٍ أصلاً.

والظّاهر أنّه لا قائل بالفصل بين زمان الحضور والغيبة ، فيطّرد الحكم.

وأمّا ما يتمسّك به (٥) في حال الغيبة بأنّ الفقيه يقوم مقام الإمام عليه‌السلام لعموم الدّليل (٦) ، فهو إن سلّم فلا يعطي إلّا الوجوب العينيّ ، كما هو شأن المنوب عنه.

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٢٣٩ ح ٦٣٨ ، الاستبصار ١ : ٤٢٠ ح ١٦١٦ ، الوسائل ٥ : ١٢ أبواب صلاة الجمعة ب ٥ ح ٢.

(٢) انظر جامع المقاصد ٢ : ٣٧٥ ، ورسائل المحقّق الكركي ١ : ١٤٧ ، ١٥٤ ، والروضة البهيّة ١ : ٦٦٥.

(٣) كما في نهاية الأحكام ٢ : ١٤.

(٤) يعني : عدم تعيين من يصلّي بهم وعدم نصب النائب ، فإنّ الإذن تستلزم نصب النائب.

(٥) كما في الذكرى : ٢٣١ ، وجامع المقاصد ٢ : ٣٧٥.

(٦) الكافي ٧ : ٤١٢ ح ٥ ، الفقيه ٣ : ٥ ح ١٨ ، التهذيب ٦ : ٣٠١ ح ٨٤٥ ، ففيها : فإنّي قد جعلته عليكم حاكماً ، وأُنظر الوسائل ١٨ : ٩٨ أبواب صفات القاضي ب ١١.

٢٨

والجواب بأنّ العينيّة مرفوعة في حال الغيبة بالإجماع ، كما صرّح به بعض نقلته (١) يدير الكلام السابق ، لأنّ رفع الفصل يستلزم رفع الجنس. اللهم إلّا أن يجعل ذلك تتميم الاستدلال بالروايتين السابقتين ، فترتفع مؤنة دعوى عدم القول بالفصل.

ولو لا دعوى الإجماع على رفع العينيّة في حال الغيبة لقوي القول بها على ذلك ، لعدم منافاته للإجماع على أصل الاشتراط.

ولعلّ التتميم المذكور هو السّرّ في دعوى بعض المحقّقين الإجماع على اشتراط الجواز بالفقيه العادل (٢) ، ونسب دعوى الإجماع إلى جماعة من علمائنا (٣).

ولم نقف على تصريحهم بذلك ، وإن كان ليس أصل الدّعوى بذلك البعيد كما يظهر من تتبّع كلماتهم.

والإشكال والخلاف في موافقة الغائبين للحاضرين في الخطابات الشفاهيّة إنما هو في اشتراط الإمام أو نائبه وعدمه لا غير ، فمع ثبوت النيابة في الفقيه لا تبقى هذه المخالفة ، مع أنّها ليست بمنحصرة في خطاب المشافهة.

ولا بدّ أن يُحمل كلامه على الأعمّ من مباشرة الفقيه بنفسه كما يقتضيه عموم النيابة ، ويظهر من رُخصة الإمام عليه‌السلام لزرارة بدون تعيين شخص معيّن أيضاً ، فتكفي رخصته لمن له أهليّة الإمامة. فحينئذٍ عدم اشتراط الفقيه مطلقاً خلاف الاحتياط.

وكيف كان ؛ فالاحتياط في الجمع بينهما ، لاشتغال الذمّة أوّل الظهر بأحدهما يقيناً ، خروجاً عن احتمال الوجوب عيناً ، كما ادّعاه جماعة من متأخّري

__________________

(١) جامع المقاصد ٢ : ٣٧٥.

(٢) رسالة صلاة الجمعة (رسائل المحقّق الكركي) ١ : ١٦٣ ، جامع المقاصد ٢ : ٣٧٩.

(٣) جامع المقاصد ٢ : ٣٧٩.

٢٩

المتأخّرين (١) ، ونسبه بعضهم (٢) إلى إطلاق كلام جماعة من القدماء متشبّثاً بإطلاق الآية (٣) والأخبار (٤) ، ولكنّ الأظهر جعل الجمعة أصلاً ، وتكفي نية التقرّب فيهما.

وذلك الجمع ليس تشريعاً في الدّين ، لأنّه إدخال ما ليس من الدين فيه بقصد أنّه من الدين ، لا الإتيان بما يحتمل كونه من الدين.

بل لا يبعد وجوبه فيما لم يحصل ترجيح أصلاً من باب مقدّمة إبراء الذمّة عمّا اشتغلت به يقيناً ، كما ذهب إليه بعض المتأخّرين (٥).

واعلم أنّه يظهر من كلمات بعض الأصحاب أنّ النزاع في الاجتماع ، وأما بعد الاجتماع فتجب (٦).

وهذا التفصيل لا يظهر دليله ، ولعلّ هذا القائل نظر إلى ما سيجي‌ء من صيرورة الجائز واجباً في الّذين وضع الله عنهم الجمعة بعد الحضور ، وهو قياس.

الثاني : تشترط في الجمعة الجماعة بالإجماع والأخبار (٧).

ويشترط في الإمام : البلوغ ، بلا خلاف إلّا من الشيخ في الصبيّ المراهق على ما يفيد إطلاق كلامه (٨) ، وقد حمل على غير الجمعة (٩) ، وفي رواية إسحاق بن

__________________

(١) كصاحب المدارك ٤ : ٨ ، والمحقّق السبزواري في كفاية الأحكام : ٢٠ ، والحرّ العاملي في الوسائل ٥ : ٢.

(٢) رسالة صلاة الجمعة للشهيد الثاني : ٣٤.

(٣) الجمعة : ٩.

(٤) انظر الوسائل ٥ : ٢ أبواب صلاة الجمعة ب ١.

(٥) وهو المحقق البهائي في الجامع (منه رحمه‌الله). وانظر الجامع العباسي : ٥٦ ، وفيه تأمل. وقد يستفاد من كلام والد البهائي المنقول في الحدائق ٩ : ٣٨٨.

(٦) قد يظهر من كلام الكراجكي المنقول في الذخيرة : ٣٠٨.

(٧) الوسائل ٥ : ٢ أبواب صلاة الجمعة ب ١ ، ٢.

(٨) المبسوط ١ : ١٥٤ ، الخلاف ١ : ٥٥٣.

(٩) كما في المدارك ٤ : ٦٤.

٣٠

عمّار : «ولا يؤمّ حتّى يحتلم» (١).

والعقل ، لعدم صحّة عبادة المجنون ، وعدم الاعتداد بفعله. وفي الأدواري حال الإفاقة قولان ، أجودهما الكراهة.

والذكورة ، بالإجماع في إمامة الرجال ، وأما غيرها فالظاهر أيضاً ذلك ، سيّما على القول بعدم انعقاد الجمعة بالمرأة كما سيجي‌ء.

والإيمان ، والعدالة ، وطهارة المولد ، بالإجماع والأخبار (٢).

ويكفي في الأخيرة عدم ثبوت كونه ولد زنا ، لأنه يحكم بكونه طاهر المولد حينئذٍ شرعاً.

وقيل : تكره إمامة ولد الشّبهة ، ومن لم يُعرف أبوه ، ومن تَناله الألسُن. لِنِفرة النفوس (٣).

وأما الإيمان ، فالمراد منه كونه اثنى عشريّاً ، لما ذكرنا ، ولخصوص ما دلّ على بطلان عبادة المخالف (٤) وعدم جواز الاقتداء بالواقفيّة ؛ (٥).

وفي اشتراط كونه أخذاً عقائده على اليقين لا مجرّد الإظهار في اللسان كما هو معناه الأخر إشكال ، وهل يكفي عدم ظهور الخلاف فيه وفي العدالة أو يجب العلم بهما؟

ولمّا كان المراد من العدالة هنا معناها الأخصّ ، فنقتصر على الكلام في العدالة فنقول : الأقوى أنّه يجب في جواز إمامته وقبول شهادته ظهور ما يحصل به الظنّ

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٥٨ ح ١١٦٩ مرسلاً ، التهذيب ٣ : ٢٩ ح ١٠٣ ، الاستبصار ١ : ٤٢٣ ح ١٦٣٢ ، الوسائل ٥ : ٣٩٨ أبواب صلاة الجماعة ب ١٤ ح ٧.

(٢) الوسائل ٥ : ٤٤ أبواب صلاة الجمعة ب ٢٩.

(٣) الذكرى : ٢٣٠ ، جامع المقاصد ٢ : ٣٧٣ ، المدارك ٤ : ٧٠.

(٤) انظر الوسائل ١ : ٩٠ أبواب مقدّمة العبادات ب ٢٩.

(٥) انظر الفقيه ١ : ٢٤٨ ح ١١١٣ ، والتهذيب ٣ : ٢٨ ح ٩٨ ، والوسائل ٥ : ٣٨٩ أبواب صلاة الجماعة ب ١٠ ح ٥.

٣١

بالعدالة من المحاسن.

وتحقيق المقام : أنّ اشتراط العدالة في الإمام إجماعيّ ، فذهب جماعة إلى أنّها ملكة نفسانيّة تَبعَثُ على التّقوى والمروءة (١).

وجماعة من القدماء إلى أنّها اجتناب المحارم جميعاً (٢).

وجماعة منهم إلى أنّها اجتناب الكبائر وعدم الإصرار على الصّغائر (٣).

والمشهور اشتراط عدم الإتيان بما ينافي المروءة أيضاً (٤).

وهذا الخلاف مسبوق بالخلاف في أنّ المعاصي صغيرة وكبيرة أو كبيرة كلّها ، والأوّل هو المشهور ؛ سيّما بين المتأخّرين (٥).

وذهب جماعة من القدماء إلى الثاني (٦) ، ويظهر من الطبرسي (٧) وابن إدريس (٨) انحصار مذهب الأصحاب في ذلك ، وجعلا الصغير والكبير إضافيّين بالنسبة إلى مراتب المعاصي.

والأقوى الأوّل ، لقوله تعالى (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ) (٩) و (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ) (١٠).

وفي الصحيفة السجاديّة : «وقد هربتُ إليك من صغائر ذنوبٍ موبِقة ، وكبائرِ

__________________

(١) منهم الشهيد الأوّل في الذكرى : ٢٣٠ ، والمحقّق الكركي في جامع المقاصد ٢ : ٣٧٢ ، والشهيد الثاني في روض الجنان : ٢٨٩.

(٢) منهم الشيخ المفيد في المقنعة : ٧٢٥ ، وابن إدريس في السرائر ١ : ٢٨٠ ، وج ٢ : ١١٧.

(٣) كصاحب المدارك ٤ : ٦٨.

(٤) منهم ابن حمزة في الوسيلة : ٢٣٠.

(٥) منهم الكركي في رسائله ٢ : ٤٣ ، والمقدّس الأردبيلي في مجمع الفائدة ٢ : ٣٥١ ، وصاحب المدارك ٤ : ٦٧.

(٦) كالشيخ الطوسي في عدة الأُصول ١ : ٣٥٩ ، والاقتصاد : ١٤٤ ، والحلّي في السرائر ١ : ٢٨٠.

(٧) مجمع البيان ٣ : ٣٨.

(٨) السرائر ٢ : ١١٨.

(٩) النساء : ٣١.

(١٠) الشورى : ٣٧.

٣٢

أعمالٍ مردية» (١).

وعن الصّادق عليه‌السلام : «من اجتنب الكبائر كفّر الله عنه ذنوبه» (٢) إلى غير ذلك من الأخبار القريبة من التواتر ، سيّما ما ورد في تعداد الكبائر وتحديدها (٣) ، وهي كثيرة جدّاً.

وظاهر إطلاقاتها تغايرهما بالذّات لا بالإضافة.

وتمسّك الآخرون بأخبارٍ قاصرة : إمّا سنداً أو دلالة ، أوضحها قول الصّادق عليه‌السلام : «شفاعتنا لأهلِ الكبائر من شيعتنا ، وأما التّائبون فإنّ الله عزوجل يقول (ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ) (٤)» (٥) حيث قوبل أهل الكبائر بالتّائب ، فلا ثالث.

وفيه ما فيه من عدم الدّلالة ، سيّما مع ملاحظة ما دلّ على أنّه لا تبقى صغيرة مع اجتناب الكبيرة (٦) ، فلا اعتناء بها.

والأقوى : أنّ الكبائر ما أوعد الله عليها النار أو العذاب في كتابه ، كما نطقت به الأخبار المعتبرة (٧) ، وهو المشهور (٨).

وقيل : ما يوجب الحدّ (٩).

__________________

(١) الصحيفة السجاديّة : ١٦٩.

(٢) الفقيه ٣ : ٣٧٦ ح ١٧٨١ ، الوسائل ١١ : ٢٥٠ أبواب جهاد النفس ب ٤٥ ح ٤.

(٣) الوسائل ١١ : ٢٤٩ أبواب جهاد النفس ب ٤٥.

(٤) التوبة : ٩١.

(٥) الفقيه ٣ : ٣٧٦ ح ١٧٧٨ ، الوسائل ١١ : ٢٦٤ أبواب جهاد النفس ب ٤٧ ح ٥.

(٦) انظر الفقيه ٣ : ٣٧٦ ح ١٧٨١ ، وثواب الأعمال : ١٥٨ ح ٢ ، والوسائل ١١ : ٢٥٠ أبواب جهاد النفس ب ٤٥ ح ٤ ، ٥.

(٧) الوسائل ١١ : ٢٥٢ أبواب جهاد النفس ب ٤٦.

(٨) انظر الفقيه ٣ : ٣٦٩ ، وإرشاد الأذهان ٢ : ١٥٦ ، وكفاية الأحكام : ٢٧٩ ، والحدائق الناضرة ١٠ : ٤٦.

(٩) ذهب إليه البغوي من الشافعيّة كما في الزواجر ١ : ٤ ، وتفسير البيضاوي ١ : ٣٤٠ وفيه : كل ذنب رتّب الشارع عليه حدّا أو صرّح فيه بالوعيد ، ونقل في مجمع البيان ٢ : ٣٨ عن سعيد بن جبير أنّه كلّ ما أوعد الله تعالى عليه في الآخرة عقاباً وأوجب عليه في الدنيا حدّا فهو كبيرة.

٣٣

وقيل : ما يوجبه في جنسه (١).

وقيل : ما حرم بدليل قاطع (٢).

وقيل : كلّ ما توعّد عليه الشّارع توعّداً شديداً في الكتاب أو السنّة (٣).

وقيل غير ذلك (٤). والأقوى الأوّل.

والسّبع الواردة في جملة من الأخبار أكبر الكبائر (٥) ، فلا يُحكم بالانحصار فيها كما يظهر من تقييده في الصّحيح بالسّبع الموجبات (٦).

فمن يقول بأنّه ترك جميع المعاصي لعلّه أخذ ذلك من قوله تعالى (إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ) (٧).

ومثل ما ورد في الأخبار من تعليق قبول الشّهادة على عدم ظهور الفسق ، ففي رواية العلاء بن سيّابة عن الصّادق عليه‌السلام : عن شهادة مَن يَلعب بالحمام ، قال : «لا بأس إذا لم يُعرف بفسق» (٨) فإنّ الفسق هو الخروج عن الطّاعة ، وارتكاب كل

__________________

(١) ذكره ابن حجر في الزواجر ١ : ٥ ، والشهيد في القواعد ١ : ٢٢٦ ، ونقله عن القاضي أبي سعيد الهروي في تفسير ابن كثير ١ : ٤٩٩.

(٢) حكاه في تفسير البيضاوي ١ : ٣٤٠.

(٣) الروضة البهيّة ٣ : ١٢٩ ، شرح رمضان أفندي على شرح العقائد : ٢٣٨ ، وانظر القواعد والفوائد للشهيد ١ : ٢٢٥.

(٤) منها ما قالته المعتزلة من أنّه ما زاد عقابه على ثواب صاحبه ؛ والصغير ما نقص ، نقله في مجمع البيان ٢ : ٣٨٠ ، ومنها ما في الكشّاف ٤ : ٤٢٥ من أنّ الكبائر هي الذنوب الّتي لا يسقط عقابها إلّا بالتوبة ، أو هي ما نهى الله تعالى عنه من أوّل سورة النساء إلى قوله تعالى «إِنْ تَجْتَنِبُوا ..» ، ونقل هذا عن ابن مسعود في تفسير التبيان للشيخ الطوسي ٣ : ١٨٢ ، والتفسير الكبير للفخر الرازي ١٠ : ٧٤ ، أو كلّ جريمة تؤذن بقلّة اكتراث فاعلها بالدين ، ذهب إليه الجويني في الإرشاد ٢ : ٣٩٢ ، ونقله عنه في القواعد والفوائد ١ : ٢٢٦.

(٥) الوسائل ١١ : ٢٥١ أبواب جهاد النفس ب ٤٦.

(٦) الخصال ٢ : ١٤ ، الوسائل ١١ : ٢٩١ أبواب جهاد النفس ب ٤٦ ح ٣٤.

(٧) الحجرات : ٦.

(٨) الفقيه ٣ : ٣٠ ح ٨٨ ، التهذيب ٦ : ٢٨٤ ح ٧٨٤ ، الوسائل ١٨ : ٢٩١ أبواب الشهادات ب ٤١ ح ٦ وص ٣٠٥ ب ٥٤ ح ١.

٣٤

واحد من المعاصي خروج عن الطّاعة.

ومَن فصّل أخَذَه من مثل صحيحة عبد الله بن أبي يعفور ، حيث قال فيها : «إنّها تعرف باجتناب الكبائر» (١) ، ويُخصّص بها تلك الإطلاقات.

ومن فحوى الآيات (٢) والأخبار (٣) الدالّة على كون الصّغائر مكفّرة بترك الكبائر ، فكأن تارك الكبائر لا ذنب له ، سيّما مع ملاحظة أنّ الإصرار على الصّغيرة كبيرة.

وخصوص مثل صحيحة أبي بصير على الظّاهر عن الصّادق عليه‌السلام ، قال : سمعته يقول (وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً) قال : معرفة الإمام ، واجتنى الكبائر التي أوجب الله عليها النار ..» (٤).

ومن لزوم الحرج والعسر الشّديدين المنفيّين لولا ذلك ، بل عدم تحقّق ذلك عادة إلّا للمعصومين.

وما اعتذر به ابن إدريس بأنّه قادر على التوبة ، وإذا تاب تُقبل شهادته (٥) ، ففيه : أنّ التّوبة تتوقّف على العزم على عدم العود ، والعزم في جميع المعاصي متعذّر أو متعسّر ، إلّا أن لا يعتبر العزم في التّوبة على قول جماعة (٦).

وقد يعمّم هذا الإشكال بالنسبة إلى المفصّل بالنظر إلى نفس التوبة ، فإنّها واجبة اتّفاقاً ، فتاركها بالنسبة إلى الصّغيرة لو سلّم كونها صغيرة لا يخلو عن إصرار ، إلّا أن يقال بعدم الوجوب ، لكون ترك الكبائر مكفّر لها.

ولكن الإنصاف أنّ ظواهر ما دلّ على كفاية الاستغفار (٧) تدلّ على كفاية إظهار

__________________

(١) الفقيه ٣ : ٢٤ ح ٦٥ ، الوسائل ١٨ : ٢٨٨ أبواب الشهادات ب ٤١ ح ١.

(٢) النساء : ٣١.

(٣) انظر الفقيه ٣ : ٣٧٦ ح ١٧٨١ ، الوسائل ١١ : ٢٥٠ أبواب جهاد النفس ب ٤٥ ح ٤.

(٤) الكافي ٢ : ٢١٦ ح ٢٠ ، الوسائل ١١ : ٢٤٩ أبواب جهاد النفس ب ٤٥ ح ١.

(٥) السرائر ٢ : ١١٨.

(٦) كما في الذخيرة : ٣٠٣.

(٧) انظر الوسائل ١١ : ٢٦٨ أبواب جهاد النفس ب ٤٨.

٣٥

التّوبة ، ولا يجب العلم بالعزم على التّرك أو بالندامة على الفعل ، مع أنّ فعل المسلم محمول على الصحّة.

وأمّا الإصرار على الصّغيرة فهو أيضاً من الكبائر ، لما ورد في الأخبار : «إنّه لا صغيرة مع الإصرار ، ولا كبيرة مع الاستغفار» (١).

وهو المداومة على الفعل وإكثاره أو العزم عليه ثانياً ، سواء اتّحد الفعل أو اختلف.

وأما لو فعل وذَهَلَ عن قصد العَود أو التّوبة ثمّ عنّ له ثانياً فليس بإصرارٍ حتّى تحصل الغلبة كذلك.

وأما من عَرّف العدالة بالملكة المذكورة فلعلّه أخذه من ملاحظة أنّ المناط في العدالة هو حصول الاعتماد ، ولا يحصل إلّا بكون الشّخص صاحب ملكة التقوى ، وإليه يشير ما في المعتبر : «ولا تصلّ إلّا خلف من تَثِق بدينه وأمانته» (٢).

وظاهر بعض الآيات والأخبار أيضاً أنّها أمر وجودي ، وليست حقيقتها محض عدم العصيان.

وليس هذا ببعيد ؛ وإن كنّا نكتفي بحُسن الظاهر في الكاشف عنه ، لعدم المنافاة ، لاختلاف المقامين ، فإنّهم اختلفوا بعد هذا الخلاف فيما تثبت به العدالة.

فذهب جماعة من القدماء إلى كفاية ظاهر الإسلام مع عدم ظهور الفسق (٣) ، وادّعى الشّيخ في الخلاف على ذلك الإجماع وقال : إنّ البحث في شهادة العدول كان من مُحدَثات شريك بن عبد الله القاضي (٤).

__________________

(١) الوسائل ١١ : ٢٦٧ أبواب جهاد النفس ب ٤٨.

(٢) التهذيب ٣ : ٢٦٦ ح ٧٥٥ ، وفي الكافي ٣ : ٣٧٤ ح ٥ ، والوسائل ٥ : ٣٩٣ أبواب صلاة الجماعة ب ١١ ح ٨ بدون وأمانته.

(٣) نقله عن ابن الجنيد في المختلف ٣ : ٨٨ ، والدروس ١ : ٢١٨.

(٤) الخلاف (الطبعة الحجرية) ١ : ٢٢٩ كتاب الشهادات.

٣٦

ونقل عن بعض الأصحاب القول باعتبار أزيد من ذلك ؛ من حُسن الظاهر وكونه ظاهر الصّلاح (١).

والمشهور بينهم سيّما المتأخّرين وجوب التفحّص والتّفتيش المحصّل للظّن الغالب بحصول العدالة ، أو شهادة عدلين (٢).

وأوسط الأقوال أوسطها.

حجّة الأوّلين : عموم قوله تعالى (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ) (٣) وصحيحة حريز عن الصادق عليه‌السلام ، وفيها : «على الوالي أن يُجيز شهادتهم ؛ إلّا أن يكونوا معروفين بالفِسق» (٤) ، وقد مرّت رواية العلاء بن سيّابة (٥) ، والروايات في هذا المعنى كثيرة.

وحجّة الآخرين : قوله تعالى (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ) (٦) مع ملاحظة الآية السابقة ، فإنّ الإسلام قد استفيد من رجالكم ، فهذا التّقييد شي‌ء زائد.

وردّ بأن الزّائد هو عدم ظهور الفسق ، أو ظهور حُسنٍ ما.

وقوله تعالى (إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ) (٧) سيّما مع ملاحظة العلّة المنصوصة.

ويمكن الجواب عنه أيضاً بعدم وجوب العلم بذلك بالتّفحّص ، بل يكفي كونه ظاهر الصّلاح لما سنذكر.

وبذلك يدفع استدلالهم أيضاً بأنّ شُغل الذمّة بوجوب تحصيل العادل لا تحصل البراءة منه إلّا بالتفتيش والتفحّص.

__________________

(١) كالعلامة في التحرير ١ : ٥٢ ، والسبزواري في الكفاية : ٢٧٩ ، والمجلسي في البحار ٨٥ : ٣٤.

(٢) الدروس ١ : ٢١٨ ، روض الجنان : ٣٦٤ ، كشف اللثام ٢ : ٣٧٠.

(٣) البقرة : ٢٨٢.

(٤) التهذيب ٦ : ٢٧٧ ح ٧٥٩ ، الاستبصار ٣ : ١٤ ح ٣٦ ، الوسائل ١٨ : ٢٩٣ كتاب الشهادات ب ٤١ ح ١٨.

(٥) ص ٣٤.

(٦) الطلاق : ٢.

(٧) الحجرات : ٦.

٣٧

وأمّا الحجّة على ما اخترناه فصحيحة عبد الله بن أبي يعفور رواها في الفقيه (١).

وهناك أخبار أُخر معتبرة اكتفي فيها بكونِ ظاهره مأموناً ، أو بكونه صالحاً في نفسه ، أو بأن يكون فيه خير ونحو ذلك (٢).

وتلك المطلقات محمولة على التّفصيل المستفاد من صحيحة ابن أبي يعفور.

ولا يبعد أن يقال : العمل على مقتضاها هو الظّاهر من عبارات كثيرٍ منهم ، مثل المفيد (٣) والشّيخ في النهاية (٤) والمبسوط (٥) وابن البرّاج (٦) ، حيث نقل عن كلّ منهم أنّها أن يُعرف بالستر والصّلاح واجتناب الكبائر ، وأن يكون معروفاً بالورع عن محارم الله.

ويمكن أن يكون مراد الشّيخ في الخلاف أيضاً أنّ التّفتيش عن الباطن والخلوات لم يكن معهوداً ، وهو من المُحدَثات ، لا مُطلق الاستطلاع عن حاله.

ثم إنّ اعتبار عدم ظهور ما ينافي المروءة وهي ملكة تَبعَثُ على مجانبة ما يؤذن بخسّة النفس ودناءة الهمّة من المباحات والمكروهات وصغائر المحرّمات إذا لم يحصل الإصرار ، كالأكل في الأسواق ، والبول في الشّوارع وقت سلوك الناس ، وأشباه ذلك ممّا يُستهجن أمثاله ، وسرقة لقمة ، والتطفيف بحبّة هو المشهور بين

__________________

(١) الفقيه ٣ : ٢٤ ح ٦٥ ، الوسائل ١٨ : ٢٨٨ أبواب الشهادات ب ٤١ ح ١. وفيها : قلت لأبي عبد الله (ع) بم تُعرف عدالة الرجل بين المسلمين حتّى تقبل شهادته لهم وعليهم؟ فقال : أن تعرفوه بالستر والعفاف وكفّ البطن وو ..

(٢) الوسائل ١٨ : ٢٨٨ أبواب الشهادات ب ٤١.

(٣) المقنعة : ٧٢٥ فإنّه قال : والعدل من كان معروفاً بالدين والورع عن محارم الله عزوجل.

(٤) النهاية : ٣٢٥ ، وفيها : فالعدل أن يكون ظاهره ظاهر الإيمان ، ثمّ يعرف بالستر والصلاح والعفاف والكفّ عن البطن والفرج واليد واللسان ....

(٥) المبسوط ٨ : ٢١٧ ، وفيه : فالعدل في الدين أن يكون مسلماً ، ولا يعرف منه شي‌ء من أسباب الفسق ، وفي المروءة أن يكون مجتنباً للأُمور الّتي تسقط المروءة ....

(٦) المهذّب ٢ : ٥٥٦ ، فإنّه قال : وتثبت في الإنسان بشروط ، وهي البلوغ ، وكمال العقل ، والحصول على ظاهر الإيمان ، والستر ، والعفاف ، واجتناب القبائح ، ونفي الظنّة ، والحسد ، والتهمة والعداوة.

٣٨

الأصحاب ، وذلك يتفاوت في الأزمان والأوقات والأشخاص.

ووجّه ذلك : بأنّه إما أن يكون من جهة خَبَلٍ أو قلّة حياء ، وكلاهما يوجبان رفع الثقة.

ويمكن الاستدلال على ذلك أيضاً بصحيحة ابن أبي يعفور ، حيث قال عليه‌السلام : «أن يكونَ ساتراً لعيوبه» (١).

ولا يعتبر الإتيان بالمندوبات ، إلّا أن يؤذِن تركها بالتّهاون بالشّرع.

وأما الحِرَف الدنيئة والصنائع المكروهة فغير مضرّة جزماً.

وكذلك مثل الاكتحال بالإثمد ، والتّحنّك بالعمامة في البلاد الّتي كان فيها مهجوراً ، لورود الشّرع بها (٢).

ثم إنّ الظّاهر أنّ العدالة ترجع بالتوبة لو ظهر ما ينافيها على المشهور (٣) ، بل نفى بعضُهم فيه الخلاف (٤).

بل نقل عن بعضهم الإجماع على رجوعها بالتّوبة عمّا يوجب الحدّ وإن حدّ فيه (٥).

والظّاهر عدم التّفرقة في ذلك بين القول بالملكة وغيرها كما يظهر من الأصحاب. والأظهر كفاية ظهور التّوبة كما مرّ.

الثالث : اختلفوا في اشتراط الحرّية والسلامة من الجذام والبرص والحدّ الشّرعي والأعرابيّة والعمى في الإمام

__________________

(١) الفقيه ٣ : ٢٤ ح ٦٥ ، الوسائل ١٨ : ٢٨٨ أبواب الشهادات ب ١٤ ح ١.

(٢) انظر الوسائل ٩ : ١١١ أبواب تروك الإحرام ب ٣٣ ، وج ٣ : ٣٧٧ أبواب أحكام الملابس ب ٣٠ ، ومكارم الأخلاق : ٤٥ ، ١١٩. والإثمد هو الكحل الأصفهاني الأسود. المصباح المنير : ٨٤.

(٣) انظر السرائر ٢ : ١١٨ ، والجامع للشرائع : ٥٤١ ، وكشف اللثام ٢ : ٣٧٢.

(٤) كالمجلسي في البحار ٨٥ : ٣٠ ، والسبزواري في الكفاية : ٢٨٠.

(٥) تحرير الأحكام ٢ : ٢٠٨ ، كفاية الأحكام : ٣٠.

٣٩

وجواز إمامة العبد مبنيّ على القول بانعقاد الجمعة به ، وسيجي‌ء الكلام فيه.

وأمّا سائر المذكورات فالكلام فيها هو الكلام في مطلق الإمامة ، إلّا في المجذوم والمبروص فقد فصّل فيه ابن إدريس فأجازه في غير الجمعة والعيد (١) ، وهو ضعيف.

ولا يبعد القول باشتراط السلامة عن غير العمى ، وسيجي‌ء تمام الكلام في الجماعة إن شاء الله تعالى.

الرّابع : وجوب الجمعة مختصّ بالمكلّف ، الذَّكَر ، الحرّ ، الحاضر ، السالم عن العمى ، والمرض ، والهمّ ، والبُعد عن أزيد من فرسخين ، والمطر.

واشتراط التكليف إجماعيّ.

والمفيق خطابه مراعى بإفاقته إلى آخر الصّلاة.

وكذلك الذكورة والحرّية.

وفي المبعّض ولو في يومه إذا (٢) هاياه المولى واتّفقَ جُمعة ـ والخنثى إشكال ، وترجيح السقوط غير بعيد ، للأصل ، ومنع العموم.

وأمّا الحضر فهو أيضاً مقطوع به في كلامهم ، مدّعى عليه الإجماع (٣). وفُسّر هنا به وبمن في حكمه كالكثير السّفر وناوي الإقامة ، والضّابط عدم التّقصير.

وفي المخيّر إشكال وأقوال ، ثالثها التخيير ، وترجيح السّقوط فيه أيضاً غير بعيد ، لصدق المسافر. والتّفسير السّابق لو سلّم فإنّما يسلّم فيمن فرضه التّمام لا لمن يجوز له.

__________________

(١) السرائر ١ : ٢٨٠.

(٢) في «ح» : ولو في يوم ولو.

(٣) كما في المقنعة : ٥٩٣ ، والتذكرة ٤ : ٩٠ ، والمدارك ٤ : ٤٩.

٤٠