غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ٢

الميرزا أبو القاسم القمّي

غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ٢

المؤلف:

الميرزا أبو القاسم القمّي


المحقق: عباس تبريزيان
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-424-250-5
الصفحات: ٦٣١

الإسلام على ستّة دوانيق (١).

قال في الذكرى : ونقل هذه التسمية ابن دريد (٢).

وصاحب الذخيرة بعد ما نقل أكثر ما ذكر ، قال : ويعلم من ذلك أنّ الدرهم كان يطلق على البغلي وغيره ، وأنّ البغلي ترك في زمان عبد الملك ، وزمان الباقر والصادق عليهما‌السلام متأخّر عن ذلك ، فيشكل حمل الدرهم على ذلك في الأخبار (٣).

أقول : واتّفاقهم على عدم إرادة الدرهم المعهود في سائر الأحكام ظاهراً يسهّل الأمر في ذلك ، فإنّ تفاسيرهم للدرهم في هذا المقام لا تخرج عن ذلك ، فهو قرينة على إرادة غير المعهود.

مع أنّ العلّامة في التحرير قال : الدراهم في صدر الإسلام كانت صنفين : بغليّة وهي السود ، كلّ درهم ثمانية دوانيق ، وطبرية ، كلّ درهم أربعة دوانيق ، فجمعا في الإسلام وجعلا درهمين متساويين وزن كلّ درهم ستّة دوانيق ، فصار وزن كلّ عشرة دراهم سبعة مثاقيل بمثقال الذهب ، وكلّ درهم نصف مثقال وخمسه ، وهو الدرهم الذي قدّر به النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله المقادير الشرعية ، إلى أن قال : والدانق ثماني حبّات من أوسط حبّ الشعير (٤) ، انتهى.

ولكن الإشكال في تحديد سعة الدرهم الوافي المضروب من درهم وثلث ، وسعة الدرهم البغلي ، وهو مجهول لنا الان.

(وقيل) (٥) : إنّ كلام ابن إدريس بظاهره يفيد مخالفة التفسيرين ، وأنّهما متغايران ، وإن كان يمكن إرجاعه إلى النزاع في التسمية.

__________________

(١) الذكرى : ١٦.

(٢) الذكرى : ١٦.

(٣) الذخيرة : ١٥٩.

(٤) التحرير ١ : ٦٤.

(٥) في جميع النسخ : وفي ، وصححناه.

٢٨١

والذي بلغنا في مقدار السعة هو تحديد ابن إدريس ومن وافقه (١) بأخمص الراحة ، وابن الجنيد بعقد الإبهام الأعلى (٢) ، وابن أبي عقيل بسعة الدينار (٣) ، والكلّ متقارب ، لكن الكلّ تقريبي.

والأحوط أن لا يتجاوز عن مقدار محمّديّة حويزاوية ، أو ظفر الإبهام ، فإن الأُصول متعارضة ، واستصحاب شغل الذمة بالعبادة يقتضي الاقتصار على الأقلّ ، كما أنّ الاحتياط فيما يسجد عليه أن لا يقصر عن أخمص الراحة إن اعتبرنا فيه مقدار الدرهم.

ثمّ إنّ الأخبار وردت في الثوب ، والظاهر أنّ حكم البدن أيضاً كذلك ، وأسنده في المنتهي إلى الأصحاب (٤).

وتؤيّده رواية مثنّى الحنّاط ، عن الصادق عليه‌السلام قال ، قلت له : إنّي حككت جلدي فخرج منه دم ، فقال : «إن اجتمع منه قدر حمصة فاغسله ، وإلّا فلا» (٥).

ولعلّ المراد بمقدار الحمّصة سعة دم يكون وزنه بمقدار الحمصة ، ويؤيّد ذلك اتّفاقهم على اعتبار السعة دون الوزن ، والتشبيه بالحمصة لا يناسب إرادة سعة الحمّصة. مع أنّ الدم إذا خرج من البدن يكون مجتمعاً في البادي ثمّ ينبسط.

واستثنى الأصحاب من هذا الحكم دم الحيض ، لرواية أبي بصير ، عن الصادق

__________________

(١) كالمحقّق الكركي في جامع المقاصد ١ : ١٧٠ ، والشهيد الثاني في روض الجنان : ١٦٦ ، وصاحب الرياض ٢ : ٣٧٤.

(٢) ونقله عنه في المختلف ١ : ٤٧٥ ، والتذكرة ١ : ٧٤.

(٣) نقله عنه في المختلف ١ : ٤٧٧ ، والتذكرة ١ : ٧٤.

(٤) المنتهي ١ : ١٧٢.

(٥) التهذيب ١ : ٢٥٥ ح ٧٤١ ، الاستبصار ١ : ١٧٦ ح ٦١٣ ، وفي الوسائل ٢ : ١٠٢٧ أبواب النجاسات ب ٢٠ ح ٥ بتفاوت يسير.

٢٨٢

عليه‌السلام ، أو أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : «لا تعاد الصلاة من دم لم تبصره إلّا دم الحيض ، فإن قليله وكثيره في الثوب إن رآه وإن لم يره سواء» (١) ولا يضرّ ضعفها لانجبارها بالعمل ، بل الإجماع كما يظهر من ابن إدريس (٢).

وكلام فقه الرضا عليه‌السلام أيضاً صريح بعدم العفو عن قليله وكثيره ، ثمّ قال : «وأعد منه صلاتك علمت به أو لم تعلم» (٣).

وأما الاستحاضة والنفاس فنقل إلحاقهما بالحيض في المنتهي عن الشيخ ومن تبعه ، واختار هو أيضاً ذلك (٤) ، للاية (٥) ، والأصل ، ولأنّ دم النفاس دم الحيض في الحقيقة ، وأراد بالأصل العموم ، أو هو مع استصحاب شغل الذمّة.

والصواب الاستدلال على ذلك بظاهر الإجماع المنقول ، فإنّ ابن إدريس نفى الخلاف عندنا في عدم العفو عن قليل الدماء الثلاثة وكثيرها في الثوب والبدن للصلاة (٦) ، ومع اعتضاده بما استدلّ به العلامة ينهض حجّة.

وأمّا الاستدلال بالإجماع المنقول في المنتهي (٧) على وجوب تبديل القطنة لكلّ صلاة فإنّما يتمّ لو كان ذلك من جهة عدم العفو مطلقاً ، وهو غير معلوم ، ولذلك لم يستدلّ هو رحمه‌الله بذلك ههنا.

وكذا الأخبار ، مثل صحيحة صفوان ، عن أبي الحسن عليه‌السلام قال ، قلت له : جعلت فداك ، إذا مكثت المرأة عشرة أيّام ترى الدم ثمّ طهرت ، فمكثت

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٠٥ ح ٣ ، التهذيب ١ : ٢٥٧ ح ٧٤٥ ، الوسائل ٢ : ١٠٢٨ أبواب النجاسات ب ٢١ ح ١.

(٢) السرائر ١ : ١٧٦.

(٣) فقه الرضا (ع) : ٩٥.

(٤) المنتهي ١ : ١٧٢ ، وصرّح بذلك الشيخ في المبسوط ١ : ٣٥ ، والنهاية : ٥١ ، وممّن تبعه ابن حمزة في الوسيلة : ٧٧ ، والقاضي في المهذّب ١ : ٥١.

(٥) المدثر : ٤.

(٦) السرائر ١ : ١٧٦.

(٧) المنتهي ١ : ١٢٠.

٢٨٣

ثلاثة أيّام طاهراً ثمّ رأت الدم بعد ذلك ، أتُمسِك عن الصلاة؟ قال : «لا ، هذه مُستحاضة ، تغتسل وتستدخل قطنة بعد قطنة ، وتجمع بين صلاتين بغُسل ، ويأتيها زوجها إن أراد» (١).

وموثّقة أبي بصير ، عن الصادق عليه‌السلام ، قال في آخرها : «فإذا تمّت ثلاثون يوماً فرأت دماً صبيباً اغتسلت واستثفرت واحتشت بالكرسف في وقت كلّ صلاة ، فإذا رأت صفرة توضّأت» (٢).

ورواية إسماعيل الجعفي ، عن الباقر عليه‌السلام ، قال : «المستحاضة تقعد أيّام قرئها ، ثمّ تحتاط بيوم أو يومين ، فإن هي رأت طهراً اغتسلت ، وإن هي لم ترَ طهراً اغتسلت واحتشت ، فلا تزال تصلّي بذلك الغسل حتّى يظهر الدم على الكرسف ، فإن ظهر أعادت الغسل وأعادت الكرسف» (٣) لا دلالة فيها على أنّ تغيير القطنة لعدم العفو عن تلك النجاسة ، خصوصاً بعنوان العموم ، بل لا دلالة فيها على التبديل أصلاً ، ولعلّ المراد من استدخال القطنة بعد القطنة اعتبار حال الاستحاضة ومعرفة أقسامها وأحكامها.

وعلى فرض التسليم فلعلّه من جهة حفظه عن السيلان بين الصلاة ، فالمعيار تقليل حالته الحدثية أو غير ذلك.

مع أنّه سيجي‌ء أنّ نجاسة ما لا تتمّ فيه الصلاة معفوّة أيّة نجاسة كانت ، فاستثناء قطنة المستحاضة إما مستثناة من ذلك بخصوصها لو سلّم شمول الدليل لها ، أو حكم بخصوصه ثبت من دليل خاص (أو عدم) (٤) العفو ليس من جهة خصوصيّة نجاسة دم الاستحاضة ، بل لبعض ما ذكرنا.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٩٠ ح ٦ ، التهذيب ١ : ١٧٠ ح ٤٨٦ ، الوسائل ٢ : ٦٠٤ أبواب الاستحاضة ب ١ ح ٣.

(٢) التهذيب ١ : ٣٨٠ ح ١١٨٠ ، الاستبصار ١ : ١٣٢ ح ٤٥٤ ، الوسائل ٢ : ٥٤٥ أبواب الحيض ب ٦ ح ٣.

(٣) التهذيب ١ : ١٧١ ح ٤٨٨ ، الاستبصار ١ : ١٤٩ ح ٥١٢ ، الوسائل ٢ : ٦٠٧ أبواب الاستحاضة ب ١ ح ١٠.

(٤) في «ص» : لعدم.

٢٨٤

وألحق القطب الراوندي بالدماء الثلاثة دم نجس العين (١) ، ولم نقف له على ما يعتمد (٢) عليه.

وقد يخرّج له بأنّه بسبب ملاقاته لجسد نجس العين ، فلعلّه مبنيّ على أنّ عنوان ما دلّ على العفو عن الدم إنّما يفهم منه العفو عن نجاسة الدم من حيث إنّه دم ، نظير ما مرّ في وقوع الإنسان الكافر في البئر.

ولا ريب أنّ ما ذكره أحوط ، ولكن ابن إدريس نسبه إلى مخالفة الإجماع ، وقال : إنّه هدم وجرح لإجماع أصحابنا (٣).

ثمّ إنّهم اختلفوا في الدم المتفرّق على أقوال ، فالأكثر على وجوب إزالته إذا بلغ المجموع مقدار الدرهم على تقدير الاجتماع (٤).

واختار ابن إدريس (٥) والمحقّق في الشرائع (٦) عدم الوجوب.

وعن الشيخ في النهاية لا تجب إزالته ما لم يتفاحش (٧) ، وهو خيرة المعتبر (٨).

والأوّل أظهر ، لصحيحة عبد الله بن أبي يعفور (٩) ، فإنّ المتبادر منها هو أنّ الدم المسئول عنه إذا كان مقدار الدرهم حال كونه مقدّراً فيه الاجتماع تجب الإعادة.

وهذا ليس من باب الحال المقدّرة مثل قولهم : مررت برجل معه صقر صائداً به غداً ، حتّى يرد أنّه لا بدّ من مخالفة زمان الحال مع العامل فيها ، وما نحن فيه ليس

__________________

(١) نقله عنه في السرائر ١ : ١٧٧ ، والمختلف ١ : ٤٧٦ ، والتحرير ١ : ٢٤.

(٢) في «م» ، «ح» : نعتمد.

(٣) السرائر ١ : ١٧٧.

(٤) كابن حمزة في الوسيلة : ٧٧ ، والعلامة في المنتهي ١ : ١٧٣ ، والقواعد ١ : ١٩٣ ، والتحرير ١ : ٢٤.

(٥) السرائر ١ : ١٧٨.

(٦) الشرائع ١ : ٤٥.

(٧) النهاية : ٥٢.

(٨) المعتبر ١ : ٤٣١.

(٩) التهذيب ١ : ٢٥٥ ح ٧٤٠ ، الاستبصار ١ : ١٧٦ ح ٦١١ ، الوسائل ٢ : ١٠٢٦ أبواب النجاسات ب ٢٠ ح ١.

٢٨٥

كذلك ، بل بمعنى تقدير الاجتماع مع كون الحال محقّقة ، مثل قولهم : هذا بسراً أطيب منه رطباً.

وفي الرواية احتمالات ثلاثة أُخر تمسّك بها المانعون من اعتبار التقدير ، أحدها : أنّ تكون «مجتمعاً» خبراً ليكون ، ومقدار الدرهم اسمها.

وثانيها : أن يجعل «مجتمعاً» حالاً محقّقة ، يعني : إلّا أن يكون الدم مقدار الدرهم حال كونه مجتمعاً.

وثالثها : أن يجعل «مجتمعاً» خبراً بعد خبر.

وكلّها بعيدة ، فإن السؤال عن الدم المتفرّق ، ولا تلائمه تلك الأجوبة إلّا بتكلّف.

ومرسلة جميل (١) أيضاً ظاهرة فيما ذكرناه أو محتملة للأمرين.

والعمومات (٢) وإطلاق حسنة محمّد بن مسلم (٣) وغيرها واستصحاب شغل الذمّة كلّها مع المختار ، وهو معتضد بالاعتبار من عدم التفرقة بين المجتمع والمتفرّق.

ثمّ في جريان الحكم فيما لو كان التفرّق في أكثر من ثوب ، أو في البدن ، أو الثوب والبدن ، وعدمه ، أو انفراد كلّ منهما في حكمه ؛ وجوه.

ثمّ إنّ المحكّم في وحدة الدم وتعدّده هو العرف ، فإذا أصاب الدم وجهي الثوب بالتفشّي فهو دم واحد ، ولا فرق بين الرقيق والصفيق كما فعله الشهيد (٤).

وفيما لاقى الدم المعفوّ رطب طاهر قولان (٥) ، أظهرهما العفو ، سيّما في مثل العرق ، فالأحوط الاجتناب في غيره.

__________________

(١) التهذيب ١ : ٢٥٦ ح ٧٤٢ ، الاستبصار ١ : ١٧٦ ح ٦١٢ ، الوسائل ٢ : ١٠٢٦ أبواب النجاسات ب ٢٠ ح ٤.

(٢) الوسائل ٢ : ١٠٢٦ أبواب النجاسات ب ٢٠.

(٣) الكافي ٣ : ٥٩ ح ٣ ، الوسائل ٢ : ١٠٢٧ أبواب النجاسات ب ٢٠ ح ٦.

(٤) الذكرى : ١٦.

(٥) ذهب إلى العفو صاحب المدارك ٢ : ٣١٧ ، وإلى وجوب الإزالة العلامة في المنتهي ١ : ١٧٤.

٢٨٦

ولو أُزيلت العين بما لا يطهّرها مثل أن يحكّها فالأقرب بقاء العفو.

وأمّا التفاحش المذكور فلم نعرف له وجهاً ، ومستنداً ، ومقدّراً.

قال في المعتبر (١) : وقد اختلف قول الفقهاء فيه ، فبعض قدّره بالشبر (٢) ، وبعض بما يفحش في القلب (٣) ، وقدّره أبو حنيفة بربع الثوب (٤) ، والمرجع فيه إلى العادة لأنّها كالأمارة الدالّة على المراد باللفظ إذا لم يكن له قدر شرعاً ولا وضعاً.

فائدة :

قال في الدروس : لو اشتبه الدم المعفوّ بغيره فالأقرب العفو ، ولو اشتبه الطاهر بغيره فالأصل الطهارة (٥).

أمّا الحكم الثاني فكما ذكره ، لكن بمعنى أصالة بقاء محلّه على الطهارة وعدم تنجّس ملاقيه.

وأمّا الأوّل فلا يخلو عن إشكال ، وإن كان الأظهر ذلك ، لأصالة عدم وجوب الإزالة.

ولا يعارضه عموم وجوب إزالة مطلق الدم عن الثوب ، سيّما مع اعتضاد ما ذكرنا بأنّ الظنّ يُلحق بالأعمّ الأغلب ، وبعموم ما دلّ على العفو عن الدم (٦).

الثالث : نجاسة ما لا تتمّ فيه الصلاة منفرداً أيّة نجاسة كانت ، وهو في الجملة مما لم يظهر فيه خلاف.

والأقوى العفو مطلقاً ، سواء كان من الملابس أو غيرها ، في محالّها كانت أو في

__________________

(١) المعتبر ١ : ٤٣١.

(٢) كأبي بكر الرازي انظر حلية العلماء ٢ : ٤٤ ، وشرح فتح القدير ١ : ١٧٨ ، والتذكرة ١ : ٧٢.

(٣) حكاه في المعتبر ١ : ٤٣١.

(٤) حلية العلماء ٢ : ٤٤ ، ونقله عنه في المعتبر ١ : ٤٣١.

(٥) الدروس ١ : ١٢٤.

(٦) انظر الوسائل ٢ : ١٠٢٦ أبواب النجاسات ب ٢٠.

٢٨٧

غيرها ، للأصل وعدم الدليل على كون حمل النجاسة مبطلاً. والذي ثبت من الأدلّة هو وجوب طهارة الثوب أو عدم نجاسته ، ولا يصدق على غير الملابس جزماً كالسكّين والسيف والمِحبَرة والمنديل ونحو ذلك ، بل ولا على الملابس كالتكة والقلنسوة والجورب والخفّ والكمرة ونحوها أيضاً.

مع أنّ الأخبار المستفيضة ناطقة بذلك ، مثل صحيحة صفوان ، عن حمّاد بن عثمان ، عمّن أخبره ، عن الصادق عليه‌السلام : في الرجل يصلّي في الخفّ الذي قد أصابه قذر ، فقال : «إذا كان مما لا تتمّ فيه الصلاة فلا بأس» (١) والظاهر أنّ المراد التعليل لا الشرط ، لظهور أنّ الخفّ ليس مما تتمّ فيه الصلاة.

وموثّقة زرارة ، عن أحدهما عليهما‌السلام ، قال : «كلّ ما كان لا تجوز فيه الصلاة وحده فلا بأس بأن يكون عليه الشي‌ء ، مثل القلنسوة والتكّة والجورب» (٢).

ورواية عبد الله بن سنان ، عمّن أخبره ، عن الصادق عليه‌السلام ، قال : «كلّ ما كان على الإنسان أو معه مما لا تجوز الصلاة فيه وحده فلا بأس أن يصلّى فيه وإن كان فيه قذر ، مثل القلنسوة والتكّة والكمرة والنعل والخفّين وما أشبه ذلك» (٣) إلى غير ذلك من الأخبار.

وابن إدريس خصّ الحكم بالملابس (٤) ، ولا وجه له ، لعدم الدليل على إبطال حمل النجاسة للصلاة مطلقاً.

ومن ذلك يظهر ضعف ما اختاره العلامة (٥) والشهيد (٦) في بعض أقواله من

__________________

(١) التهذيب ١ : ٢٧٤ ح ٧٠٨ ، الوسائل ٢ : ١٠٤٥ أبواب النجاسات ب ٣١ ح ٢.

(٢) التهذيب ٢ : ٣٥٨ ح ١٤٨٢ ، الوسائل ٢ : ١٠٤٥ أبواب النجاسات ب ٣١ ح ١.

(٣) التهذيب ١ : ٢٧٥ ح ٨١٠ ، الوسائل ٢ : ١٠٤٦ أبواب النجاسات ب ٣١ ح ٥.

(٤) السرائر ١ : ١٨٤.

(٥) المنتهي ١ : ١٧٤ ، القواعد ١ : ١٩٣ ، التحرير ١ : ٢٤ ، التذكرة ٢ : ٤٨٢.

(٦) البيان : ٩٦.

٢٨٨

اشتراط كونها في محالّها أيضاً مع ذلك.

وحصره الراوندي في القلنسوة والتكّة والجورب والخفّ والنعل (١) ، وتدفعه الأخبار (٢)

وفي العمامة إشكال ، وألحقها الصدوق بالمذكورات (٣) ، وهو المنقول عن والده (٤). ووجّهه الراوندي بإرادة العمامة الصغيرة كالعصابة (٥).

ويدلّ على استثناء العمامة صريح فقه الرضا عليه‌السلام (٦) ، وليس بذلك البعيد ، لعدم شمول اسم الثوب لها وإن سترت العورة إذا نشرت وفكّ أكوارها ، لأنّها لا تسمّى حينئذٍ عمامة.

لا يقال : إنّ القميص القصير الذي لا يستر لا تتمّ معه الصلاة على هذا الوصف أيضاً ، فلا تضرّ نجاسته ، لأنّه داخل في الثوب جزماً ، ويشمله ما دلّ على وجوب طهارة الثوب ، وعلى هذا فيصير حال المنطقة الكبيرة مثل ما تداول الان للرجال نظير حال العمامة.

نعم لو جعلت العمامة والمنطقة بعد النشر إزاراً مثلاً أو رداءً فيشملهما الحكم.

ويشكل المقام بمثل من كان حاملاً لكرباس مطويّ نجس يمكن ستر العورة به ، لأنّ المتبادر من الأثواب الواردة في الأخبار الدالّة على وجوب طهارتها أثواب المصلّي التي يلبسها.

ولا يمكن التمسّك بمفهومات هذه الأخبار أيضاً ، فإنّ الظاهر منها الملابس بالفعل أو ما يتعارف كونها معه ؛ كالكمرة في الكيس ، بل يمكن القول بذلك فيما إذا كان

__________________

(١) نقله عنه في المختلف ١ : ٤٨٤.

(٢) الوسائل ٢ : ١٠٤٥ أبواب النجاسات ب ٣١.

(٣) الفقيه ١ : ٤٢.

(٤) نقله عنه في الذكرى : ١٧.

(٥) نقله عنه في المعتبر ١ : ٤٣٥.

(٦) فقه الرّضا (ع) : ٩٥.

٢٨٩

حاملاً لثوب مخيط ، كقميص أو سراويل غير قميص وسراويل نفسه اللذين يلبسهما بالفعل.

وأما قميصه الملبوس بالفعل أو قباؤه إذا أخرجه وألقاه على عاتقه ونحو ذلك ففيه إشكال ، بالنظر إلى عدم التبادر من الثوب المشترط طهارته في الأخبار ، ومن شمول مفهوم مثل رواية ابن سنان بمقايسة المنطوق.

والأحوط الاجتناب عن الجميع ، سيّما في المنطقة الكبيرة في محلّها.

وأما ما ورد في صلاة المختضب من التجويز إذا كانت خرقته طاهرة (١) فلا يدلّ على مذهب ابن إدريس ، فإنّ الغالب أنّ نجاسة الخرقة توجب نجاسة البدن في المختضب.

ثمّ إذ قد عرفت أنّه لا دليل واضح على بطلان الصلاة بحمل النجاسة مطلقاً كما هو مختار ابن إدريس (٢) والعلّامة (٣) بعد الشيخ في المبسوط (٤) ، فيتّجه القول بعدم مضرّة حمل المصلّي قارورة مشدودة الرأس فيها نجاسة ، بل مفتوحته أيضاً إذا لم يسرِ إلى الثوب والبدن ، كما هو مختار الشيخ في الخلاف (٥) والمحقّق (٦) وغيرهما.

ولو أدخل دماً نجساً تحت جلده ، فإن صار من جملة البواطن فلا دليل أيضاً على وجوب إخراجه وبطلان الصلاة معه ، ولو احتقن الدم تحت الجلد فهو أولى بعدم الضرر أصلاً.

ولا بأس بحمل الإنسان صبيّاً أو حيواناً طاهراً مأكولاً ، للأصل ، وفعل النبيّ

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٣١١ أبواب لباس المصلّي ب ٣٩.

(٢) السرائر ١ : ١٨٩.

(٣) المختلف ١ : ٤٩١.

(٤) المبسوط ١ : ٩٤.

(٥) الخلاف ١ : ٥٠٣ مسألة ٢٤٤.

(٦) المعتبر ١ : ٤٤٣.

٢٩٠

صلى‌الله‌عليه‌وآله (١).

وعلى ما ذكرنا فلو نسي واستصحب منديلاً نجساً ونحوه فأولى بعدم المضرّة ، لعدم ثبوت الاشتراط في حال النسيان ولو سلّمناه.

الرابع : ثوب المربية للصبي فالمشهور أنّه يكتفى بغسله كلّ يوم مرّة (٢) ، لرواية أبي حفص ، عن الصادق عليه‌السلام ، قال : سئل عن امرأة ليس لها إلّا قميص ، ولها مولود فيبول عليها ، كيف تصنع؟ قال : «تغسل القميص في اليوم مرّة» (٣).

وربّما يستدلّ بالحرج ، وهو لا يتمّ في خصوص المطلوب ، إذ قد يستلزم أقلّ من ذلك ، وقد لا يلزم في الأزيد.

وتأمّل بعض المتأخّرين في أصل الحكم (٤) لضعف المستند (٥) ، وفيه : أنّ العمل يجبره.

والمولود يشمل الصبيّة ، فلا وجه للاقتصار على الصبيّ ، ولذلك ذهب أكثر المتأخّرين إلى التعميم (٦) ، خلافاً لبعضهم حيث ادّعى تبادر الصبيّ (٧).

ويمكن التعدّي إلى المربّي مع وجود العلّة ، وكذا إلى أزيد من ثوب لو اضطر إلى ذلك ، وإلى أزيد من ولد ، وهكذا إلى الغائط ، سيّما مع شيوع إطلاق البول عليهما للاستهجان.

والظاهر من اليوم هو مع ليلته.

__________________

(١) سنن البيهقي ٢ : ٢٦٣ ، مستدرك الصحيحين ٣ : ١٦٥ ، اسد الغابة ٢ : ٣٨٩ ، مجمع الزوائد ٩ : ١٧٥ ، ١٨١.

(٢) النهاية : ٥٥ ، المبسوط ١ : ٣٩ ، المنتهي ١ : ١٧٦ ، البيان : ٤١.

(٣) الفقيه ١ : ٤١ ح ١٦١ مرسلاً ، التهذيب ١ : ٢٥٠ ح ٧١٩ ، الوسائل ٢ : ١٠٠٤ أبواب النجاسات ب ٤ ح ١.

(٤) المدارك ٢ : ٣٥٥.

(٥) انظر خلاصة العلّامة : ٢٥٤ رقم ٣٢.

(٦) جامع المقاصد ١ : ١٧٥ ، الروضة البهيّة ١ : ٥٢٥.

(٧) الرّياض ٢ : ٤٠٦.

٢٩١

ويمكن التعدّي إلى البدن على إشكال.

وفي وجوب الغسل والاكتفاء بالصبّ فيما لو كان صبياً رضيعاً وجهان ، والأقوى الأوّل ، لظاهر النصّ (١).

وجعل جماعة من الأصحاب إيقاعه في آخر النهار لتقع الصلوات الأربع على الطهارة بحسب المقدور أولى (٢) ، ولا بأس به.

قال في الذخيرة : ولو أخلّت بالغسل فالظاهر وجوب قضاء آخر الصلوات ، لجواز تأخير الغسل إلى وقته (٣).

وألحق بثوب المربية جماعة من الأصحاب (٤) نجاسة ثوب الخصي الذي يتواتر بوله إذا غسله مرّة في النهار ، للحرج ، ورواية عبد الرحيم القصير ، قال : كتبت إلى أبي الحسن عليه‌السلام أسأله عن خصي يبول فيلقى من ذلك شدّة ويرى البلل بعد البلل ، فقال : «يتوضّأ وينضح ثوبه في النهار مرّة واحدة» (٥).

وأنت خبير بأنّ الرواية مخالفة للفتوى مع ضعفها ، وظاهره في المنتهي العمل بمضمون الرواية ، والأولى الاعتماد على العسر والحرج والدوران مدارهما ، فإن آل أمرهما إلى العمل بالرواية فلا بأس به كما يظهر من التذكرة.

الخامس : لو لم يقدر على تطهير الثوب ولم يكن له غيره فلا خلاف بين الأصحاب ظاهراً في جواز الصلاة عرياناً قال في المنتهي : فلو صلّى عارياً لم يعد

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٦ ح ٦ ، التهذيب ١ : ٢٤٩ ح ٧١٥ ، الاستبصار ١ : ١٧٣ ح ٦٠٢ ، الوسائل ٢ : ١٠٠٣ أبواب النجاسات ب ٣ ح ٢.

(٢) الشرائع ١ : ٤٦ ، المنتهي ١ : ١٧٦ ، البيان : ٩٥.

(٣) الذخيرة : ١٦٥.

(٤) كالعلامة في التذكرة ٢ : ٤٩٤ ، والمنتهي ١ : ١٧٦ ، والشهيد في الذكرى : ١٧ ، والدروس ١ : ١٢٧.

(٥) الكافي ٣ : ٢٠ ح ٦ ، الفقيه ١ : ٤٣ ح ١٦٨ ، التهذيب ١ : ٤٢٤ ح ١٣٤٩ ، وص ٣٥٣ ح ١٠٥١ بتفاوت ، وراويها لم يثبت توثيقه. معجم رجال حديث رقم ٦٤٨٩.

٢٩٢

الصلاة قولاً واحداً (١).

وهل تجوز له الصلاة في الثوب النجس أم لا؟ فذهب الفاضلان في بعض أقوالهما (٢) ، والشهيدان (٣) وجماعة من المتأخّرين (٤) وابن الجنيد من المتقدّمين (٥) إلى الجواز ، ولكن ابن الجنيد قال بأنّه أفضل ، وتبعه الشهيدان ، فمقتضى قولهم التخيير.

وعن الشيخ (٦) وابن البرّاج (٧) وابن إدريس (٨) والمحقّق في الشرائع (٩) والعلّامة في أكثر كتبه (١٠) وجماعة اخرى (١١) وجوب طرحه والصلاة عرياناً ، وهذا أقوى.

لنا : الإجماع المنقول ، نقله الشيخ في الخلاف (١٢) ، وعمومات ما دلّ على اشتراط طهارة الثوب (١٣) ، فإنّ الظاهر من الأدلّة اشتراط طهارة الساتر ، فلا عبرة بالساتر النجس ، فلا يرد أن يقال إنّ ستر العورة شرط وطهارة الثوب أيضاً شرط ولا وجه لترجيح أحدهما على الأخر (١٤).

وخصوص موثّقة سماعة ، قال : سألته عن رجل يكون في فلاة من الأرض وليس عليه إلّا ثوب واحد ، وأجنب فيه ، وليس عنده ماء ، كيف يصنع؟ قال :

__________________

(١) المنتهي ١ : ١٨٢.

(٢) المحقّق في المعتبر ١ : ٤٤٤ ، والعلامة في المختلف ١ : ٤٨٩ ، والمنتهى ١ : ١٨٢.

(٣) الشهيد الأوّل في اللّمعة : ٢٩ ، والدروس ١ : ١٢٧ ، والذكرى : ١٧ ، والشهيد الثاني في روض الجنان : ١٦٩.

(٤) كالمحقّق الكركي في جامع المقاصد ١ : ١٧٨.

(٥) نقله عنه في المختلف ١ : ٤٨٩.

(٦) النهاية : ٥٥ ، المبسوط ١ : ٩٠ ، الخلاف ١ : ٣٩٨ مسألة ١٥٠.

(٧) نقله عن كتاب الكامل في المنتهي ١ : ١٨٢.

(٨) السرائر ١ : ١٨٦.

(٩) الشرائع ١ : ٤٦.

(١٠) التذكرة ٢ : ٤٥٨ ، الإرشاد ١ : ٢٤٠ ، المختلف ١ : ٤٨٧.

(١١) كالمقداد في التنقيح الرائع ١ : ١٥٤ ، وصاحب الرياض ٣ : ٤٠٧.

(١٢) الخلاف ١ : ٣٩٨ مسألة ١٥٠.

(١٣) الوسائل ٢ : ١٠٢٥ أبواب النجاسات ب ١٩.

(١٤) كما في المعتبر ١ : ٤٤٥.

٢٩٣

«يتيمّم ويصلّي عرياناً قاعداً ويومئ إيماء» (١).

وموثّقته الأُخرى قال : سألته عن رجل يكون في فلاة من الأرض فأجنب ، وليس عليه إلّا ثوب فأجنب فيه ، وليس يجد الماء ، قال : «يتيمّم ويصلّي عرياناً قائماً يومئ إيماء» (٢).

ورواية محمّد بن عليّ الحلبي عن الصادق عليه‌السلام : في رجل أصابته جنابة وهو بالفلاة وليس عليه إلّا ثوب واحد وأصاب ثوبه منيّ ، قال : «يتيمّم ، ويطرح ثوبه ، ويجلس مجتمعاً ، ويصلّي فيومئ إيماء» (٣).

وليس في سندها من يتأمّل فيه إلّا محمّد بن عبد الحميد وسيف بن عميرة ، أما محمّد بن عبد الحميد فالظاهر أنّه ابن سالم العطار الثقة بقرينة رواية محمّد بن أحمد بن يحيى عنه (٤)

وأما سيف بن عميرة فقد وثّقه الشيخ (٥) والعلّامة (٦) والشهيد في شرح الإرشاد ، وضعّف فيه القول بتضعيفه.

وقال ابن شهرآشوب : إنّه واقفي (٧) ، فلو ثبت ما ذكره فتكون الرواية موثّقة ، وظاهر الشهيد عدم الوقف ، ووصف الرواية بالصحّة الفاضل المجلسي في شرح الفقيه (٨).

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٩٦ ح ١٥ ، التهذيب ٢ : ٢٢٣ ح ٨٨١ ، الوسائل ٢ : ١٠٦٨ أبواب النجاسات ب ٤٦ ح ١.

(٢) التهذيب ١ : ٤٠٥ ح ١٢٧١ ، الاستبصار ١ : ١٦٨ ح ٥٨٢ ، الوسائل ٢ : ١٠٦٨ أبواب النجاسات ب ٤٦ ح ٣.

(٣) التهذيب ١ : ٤٠٦ ح ١٢٧٨ ، وج ٢ : ٢٢٣ ح ٨٨٢ ، الاستبصار ١ : ١٦٨ ح ٥٨٣ ، الوسائل ٢ : ١٠٦٨ أبواب النجاسات ب ٤٦ ح ٤.

(٤) هداية المحدّثين إلى طريقة المحمّدين : ٢٤١.

(٥) الفهرست : ١٠٤.

(٦) رجال العلامة الحلّي : ٨٢.

(٧) معالم العلماء : ٤٩ رقم ٣٦٨.

(٨) روضة المتقين ٢ : ١٢٧.

٢٩٤

وكيف كان فالرواية في غاية الاعتبار ، فإذا تعاضدت بمثل هذا العمل فلا يبقى للتأمّل في سندها مجال.

وأنت خبير بأنّ ظاهرها الحكم بالصلاة عرياناً ، وحملها على الجواز خروج عن الظاهر.

وهناك أخبار صحيحة أُخر ظاهرها الحكم بالصلاة فيه بعنوان الحتم ؛ أوّلها الآخرون وجمعوا بينهما بالتخيير ، منها صحيحة الحلبي قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل أجنب في ثوبه وليس معه ثوب غيره ، قال : «يصلّي فيه ، وإذا وجد الماء غسله» (١) وصحيحته الأُخرى (٢).

وصحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله عنه عليه‌السلام : عن الرجل يجنب في ثوب وليس معه غيره ولا يقدر على غسله ، قال : «يصلّي فيه» (٣).

قال الصدوق : وفي خبرٍ آخر قال : «يصلّي فيه ، فإذا وجد الماء غسله وأعاد الصلاة» (٤).

وصحيحة عليّ بن جعفر ، عن أخيه عليه‌السلام ، قال : سألته عن رجل عريان حضرت الصلاة فأصاب ثوباً نصفه دم أو كلّه ، يصلّي فيه أو يصلّي عرياناً؟ فقال : «إن وجد ماء غسله ، وإن لم يجد ماء صلّى فيه ، ولم يصلّ عرياناً» (٥).

وأجاب الشيخ عنها بحمل الصلاة على صلاة الجنازة ، أو بأنّ المراد الصلاة فيه إذا لم يتمكّن من نزعه ، وحمل الدم في صحيحة عليّ بن جعفر على دم تجوز فيه الصلاة ؛ كدم السمك (٦).

__________________

(١) الفقيه ١ : ٤٠ ح ١٥٥ ، الوسائل ١ : ١٠٦٦ أبواب النجاسات ب ٤٥ ح ١.

(٢) الفقيه ١ : ١٦٠ ح ٧٥٣ ، الوسائل ٢ : ١٠٦٧ أبواب النجاسات ب ٤٥ ح ٣.

(٣) الفقيه ١ : ١٦٠ ح ٧٥٤ ، الوسائل ٢ : ١٠٦٧ أبواب النجاسات ب ٤٥ ح ٤.

(٤) الفقيه ١ : ٤٠ ح ١٥٦.

(٥) التهذيب ٢ : ٢٢٤ ح ٨٨٤ ، الاستبصار ١ : ١٦٩ ح ٥٨٥ ، الوسائل ٢ : ١٠٦٧ أبواب النجاسات ب ٤٥ ح ٥.

(٦) التهذيب ٢ : ٢٢٤.

٢٩٥

وأنت خبير بأنّ ذلك كلّه بعيد ، وارتكابه شاهد صدق على عدم الاعتماد على ظاهر هذه الأخبار. ولذلك حمل الشيخ رواية عمّار الاتية (١) على حال الضرورة ، مع أنّه لا دلالة فيها على ذلك.

ولا يخفى أنّ حمل الأخبار على التخيير خروج عن ظاهر الطرفين ، وهو إنّما يتمّ مع التكافؤ.

ولا ريب أنّ العمل على الروايات الأوّلة موجب ليقين البراءة بالإجماع ، بخلاف هذه ، مع أنّ العمل بهذه الصحاح أيضاً ليس بذلك البعيد.

وأما القول بالأفضليّة بسبب أنّه يوجب الستر وحصول كمال الصلاة بأركانها فيشكل ، مع أنّ المرجّحات في الطرف الأخر.

ومما يضعّف التخيير كثرة هذه الأخبار وصحّتها ، فإنّها مع ذلك مهجورة عند قدماء الأصحاب إلى زمان المحقّق والعلّامة ، وهما أيضاً تختلف فتاواهما فيه في كتبهما.

والكلام في القيام والقعود قد مرّ ، واختلاف الروايتين منزّل على ما اخترناه من التفصيل بحالتي الأمن من المطّلع وعدمه ، هذا كلّه في غير صورة الاضطرار.

وأما لو اضطرّ إلى لبس الثوب لأجل البرد ونحوه فتجوز الصلاة فيه اتفاقاً ، بل قد تجب.

وعن الشيخ (٢) وجماعة (٣) أنّه يعيد مع ذلك ، لموثّقة عمّار عن الصادق عليه‌السلام : إنّه سئل عن رجل ليس عليه إلّا ثوب ولا تحلّ له الصلاة فيه ، وليس يجد ماء يغسله ، كيف يصنع؟ قال : «يتيمّم ويصلّي ، فإذا أصاب ماء غسله وأعاد الصلاة» (٤) ويمكن أن يكون

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٢٤ ح ٨٨٦ ، الاستبصار ١ : ١٦٩ ح ٥٨٧ ، الوسائل ٢ : ١٠٦٧ أبواب النجاسات ب ٤٥ ح ٨.

(٢) التهذيب ٢ : ٢٢٤ ، الإستبصار ١ : ١٦٩ ، النهاية : ٥٥ ، المبسوط ١ : ٩١.

(٣) حكاه في المدارك ٢ : ٣٦٢ ، والرياض ٢ : ٤٠٨.

(٤) التهذيب ٢ : ٢٢٤ ح ٨٨٦ ، الاستبصار ١ : ١٦٩ ح ٥٨٧ ، الوسائل ٢ : ١٠٦٧ أبواب النجاسات ب ٤٥ ح ٨.

٢٩٦

ما نقلنا عن الصدوق إشارة إلى هذه.

وحملها في الاستبصار على حال الضرورة (١) ، وفي التهذيب على إيجاب إعادة الصلاة مع الثوب ، فلو صلّى عارياً لم تجب عليه الإعادة (٢) ، فإن كان مراده الإعادة مطلقاً فيكون هذا قولاً آخر في المسألة ، أو مراده أنّه يعيد لأنّه فعل ما لا يجوز ، ويمكن إرادة حمله على الاضطرار كما في الاستبصار.

وأسند في الذخيرة عدم الإعادة إلى المشهور (٣). ولعلّه نظر إلى إطلاقات فتاوى المتأخّرين بالتخيير ، استناداً إلى الجمع بين الأخبار ، فإنّه يقتضي سقوط القضاء رأساً ، وفي صورة الاضطرار بطريق أولى ، فلا تقاوم هذه الموثّقة الأصل والإطلاقات ، مع أنّ الإعادة تحتاج الى دليل جديد.

وأما لو كان مراده الشهرة بين القائلين بلزوم الصلاة عرياناً أيضاً وحملناها على صورة الضرورة ، فليس لزوم القضاء بذلك البعيد بالنسبة إلى فتاويهم ، ولا أخبارهم ، وإن كان مخصصاً بحال الضرورة اتفاقاً ، وليس معهم ما ينافي لزوم القضاء على مذاقهم من جهة الأخبار ، فلا يبقى من جهة نفي الإعادة على مذاقهم إلّا القدح في سند الرواية أو دلالتها ، والظاهر حجيّة الموثّق ؛ ولكن حمل الرواية على الاضطرار تأويل لها ، لأنّهم لا يجوّزون الصلاة في حال الاختيار. والتأويل لا ينهض حجّة في إثبات الدعوى المخالفة للأصل.

مع أنّه إنّما يدلّ على ذلك إذا كان متيمّماً ، فالأقوى عدم الوجوب ، وإن كان الأحوط الإعادة.

السادس : لو كان مع المصلّي ثوبان وأحدهما نجس ولا يعلمه بعينه

__________________

(١) الاستبصار ١ : ١٦٩ ذ. ح ٥٨٧.

(٢) التهذيب ٢ : ٢٢٤ ذ. ح ٨٨٦.

(٣) الذخيرة : ١٦٩.

٢٩٧

فالشيخ (١) وأكثر الأصحاب (٢) على وجوب الصلاة في كلّ منهما منفرداً.

ونقل الشيخ عن بعض علمائنا أنّه يطرحهما ويصلّي عرياناً (٣) ، واختاره ابن إدريس بعد نقله عن بعض الأصحاب (٤).

والأوّل أقوى ، للتمكّن من الصلاة مع الشرائط فلا يتجاوز إلى غيره.

ولحسنة صفوان لإبراهيم بن هاشم عن أبي الحسن عليه‌السلام : أنّه كتب إليه يسأله عن رجل كان معه ثوبان فأصاب أحدهما بول ولم يدرِ أيّهما هو ، وحضرت الصلاة ، وخاف فوتها ، وليس عنده ماء ، كيف يصنع؟ قال : «يصلّي فيهما جميعاً» (٥) قال ابن بابويه : يعني على الانفراد (٦) ، ولا قائل بالفصل بين البول وغيره فيتمّ الاستدلال.

وقد يستدلّ أيضاً بأنّ الصلاة في المتيقّن النجاسة جائزة كما مرّ ، فتجوز في المشكوك بطريق أولى.

وفيه : منع الأصل أولاً كما مرّ ، ووجود الفارق ثانياً ، لأنّ غاية ما ثبت ثمّة التخيير ، والمطلوب ههنا الحتم ، مع أنّ ذلك يقتضي الجواز في أحدهما أيضاً إلّا أنّ يقال : إنّ الصورة الاولى في ما لو فقد الطاهر مطلقاً ، لا في علم المكلّف.

ولا يذهب عليك أنّه لا يمكن أن يقال هنا نظير ما مرّ في الوضوء بالماء المشتبه بالنجس أنّ الدليل لم يقتضِ إلّا الاجتناب عن الماء النجس في الوضوء ، لا ثبوت الطهارة ؛ ففي صورة الاشتباه لم ينتقض يقين الطهارة السابقة بالشكّ في كلّ واحدٍ

__________________

(١) النهاية : ٥٥ ، المبسوط ١ : ٩٠.

(٢) منهم المحقّق في الشرائع ١ : ٤٦ ، والمعتبر ١ : ٤٣٩ ، والعلامة في المختلف ١ : ٤٨٦ ، والتذكرة ٢ : ٤٨٣ ، وصاحب المدارك ٢ : ٣٥٦.

(٣) المبسوط ١ : ٩١.

(٤) السرائر ١ : ١٨٤.

(٥) الفقيه ١ : ١٦١ ح ٧٥٧ ، التهذيب ٢ : ٢٢٥ ح ٨٨٧ ، الوسائل ٢ : ١٠٨٢ أبواب النجاسات ب ٦٤ ح ١.

(٦) الفقيه ١ : ١٦١ ذ. ح ٧٥٧.

٢٩٨

منهما ، فتصحّ الطهارة بأحدهما ، لأنّه ماء ولم تثبت نجاسته ، لأنّ الظاهر أنّ اشتراط الطهارة في الثوب ثابت فيما نحن فيه باستقراء الأخبار ، فلا تتمّ الصلاة في الثوب الطاهر إلّا بإتيانها فيهما معاً.

واحتجّ ابن إدريس (١) بما حاصله أنّه يجب اقتران الصلاة بقصد الوجوب ، ولا يمكنه الحكم بوجوب أحدهما إلّا بعد تمامها ؛ وبأنّه يجب أن يقطع بطهارة الثوب عند افتتاح الصلاة ، وهو منتفٍ عند كلّ واحدٍ منهما.

ويرد على الأوّل : المنع أوّلاً ، وفي خصوص حال الضرورة ثانياً ، وبأنّ الواجب هو المجموع من باب المقدّمة فيقترن به الوجوب ثالثاً.

وعن الثاني : أيضاً بمنع الاشتراط ، سيّما في حال الاضطرار.

ثمّ إنّ الظاهر عدم الفرق بين ثوبين وأكثر ، فيصلّي على قدر الثياب النجسة مع زيادة واحدةٍ في تلك الثياب ، إلّا أن يستلزم الحرج بسبب كثرتها فيحتمل حينئذٍ التخيير والقرعة ، ويحتمل الوجوب بقدر المكنة.

ولو ضاق الوقت عن الصلاة صلّى فيما يحتمله الوقت مخيّراً بينها ، إلّا أن يظنّ طهارة أحدها فلا يبعد القول بالتعيّن فيه حينئذٍ كما اختاره في المدارك (٢).

وذهب في الشرائع إلى الصلاة عارياً إذا تكثّرت الثياب وضاق الوقت (٣) ، وليس ببعيد ، نظراً إلى المسألة المتقدّمة إن قلنا بأنّ العلّة فيها فقد الثوب المتيقّن الطهارة ، وإن قلنا بأنّ العلّة هي كون الثوب معلوم النجاسة فلا تجوز الصلاة فيشكل الاطراد.

والأظهر جواز الصلاة فيه ، بل تعيّنها ؛ للاستصحاب.

وقد يستدلّ عليه بأنّ فقد الوصف أولى من فوات الموصوف ، وفيه تأمّل.

__________________

(١) السرائر ١ : ١٨٥.

(٢) المدارك ٢ : ٣٥٨.

(٣) الشرائع ١ : ٤٦.

٢٩٩

ولو كان معه ثوب طاهر متعيّن ، فهل يجوز حينئذٍ الاكتفاء بالصلاة في المشتبهين؟ الأقوى العدم كما اختاره في المنتهي (١) لأنّ الأصل انفراد الصلاة ، والخروج عن الأصل إنّما يصحّ بالدلالة ولم يثبت هنا ، ومنع وجوبه في المدارك (٢) ، ولعلّه نظر إلى صدق الامتثال ، وهو في معرض المنع.

ولو فقد أحد المشتبهين قيل : صلّى في الأخر وعارياً (٣) ، واكتفى في المدارك بالصلاة في الثاني ، نظراً إلى الأولوية بالنسبة إلى المتيقّن النجاسة (٤) ، والأوّل أحوط.

والأحوط فيما لو كان عليه صلوات مرتّبة أن يفعل كلا منها في كلّ من الأثواب ، ثمّ يفعل اخرى هكذا وهكذا ، وإن كان الظاهر أنّه يجوز فعل كلّ واحدةٍ منها في ثوب ثمّ هكذا في ثوب آخر وهكذا ، لحصول الترتيب بذلك أيضاً.

وأما لو فعل الظهر مثلاً في ثوب والعصر في آخر ، ثمّ الظهر في ذلك الأخر ، ثمّ العصر في الأوّل ، فلم تصحّ إلّا الظهر ، لإمكان كون الطاهر هو الأخر ولم يحصل فيه الترتيب بين الصلاتين.

السابع : لا تجوز الصلاة في جلد الميتة ولو كان مما يؤكل لحمه بإجماع علمائنا ، سواء دبغ أو لم يدبغ ، من غير فرق بين كونه ساتراً للعورة أم لا.

وقول ابن الجنيد بطهارته بالدباغ (٥) مع أنّه باطل لمخالفته للإجماعات المنقولة (٦)

__________________

(١) المنتهي ١ : ١٨١.

(٢) المدارك ٢ : ٣٥٨.

(٣) الذكرى : ١٧.

(٤) المدارك ٢ : ٣٥٨.

(٥) نقله عنه في المنتهي ١ : ١٩١ ، وعنه وعن الشلمغاني في الذكرى : ١٦.

(٦) المختلف ١ : ٥٠١ ، والمنتهى ١ : ١٩١ ، الذكرى : ١٦.

٣٠٠