غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ٢

الميرزا أبو القاسم القمّي

غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ٢

المؤلف:

الميرزا أبو القاسم القمّي


المحقق: عباس تبريزيان
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-424-250-5
الصفحات: ٦٣١

وابن فهد (١) ، ويدلّ عليه أنّ الأمر يقتضي الإجزاء ، والقضاء فرض جديد ، وكذلك الأخبار الاتية.

وأمّا لو علم بها في الوقت فالمشهور الأقوى عدم وجوب الإعادة أيضاً ، للصحاح وغيرها من الأخبار المستفيضة جدّاً ، مثل صحيحة محمّد بن مسلم عن الصادق عليه‌السلام ، قال : «إن رأيت المَني قبل أو بعد ما تدخل في الصلاة فعليك إعادة الصلاة ، وإن أنت نظرت في ثوبك فلم تُصبه ثمّ صلّيت فيه ثمّ رأيته بعد فلا إعادة عليك ، وكذلك البول» (٢)

وصحيحة أبي بصير عنه عليه‌السلام : في رجلٍ صلّى في ثوب فيه جنابة ركعتين ثمّ علم به ، قال : «عليه أن يبتدئ الصلاة».

قال : وسألته عن رجل صلّى وفي ثوبه جنابة أو دم حتّى فرغ من صلاته ثمّ علم ، قال : «قد مضت صلاته ولا شي‌ء عليه» (٣).

وصحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله أو موثّقته لأبان ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يصلّي في ثوبه وفيه عذرة من إنسان أو سنور أو كلب ، أيعيد صلاته؟ فقال : «إن كان لم يعلم فلا يعيد» (٤) إلى غير ذلك من الأخبار ، وسيجي‌ء بعضها أيضاً ، مثل صحيحة الجعفي الاتية في الدم المعفوّ (٥) وغيرها ممّا نذكره هنا.

وعن الشيخ في النهاية والمبسوط الإعادة في الوقت دون خارجه ، قياساً على

__________________

(١) المهذّب البارع ١ : ٢٤٦.

(٢) الفقيه ١ : ١٦١ ح ٧٥٨ ، التهذيب ١ : ٢٥٢ ح ٧٣٠ ، الوسائل ٢ : ١٠٢٢ أبواب النجاسات ب ١٦ ح ٢.

(٣) الكافي ٣ : ٤٠٥ ح ٦ ، التهذيب ٢ : ٣٦٠ ح ١٤٨٩ ، الاستبصار ١ : ١٨١ ح ٦٣٤ ، الوسائل ٢ : ١٠٥٩ أبواب النجاسات ب ٤٠ ح ٢.

(٤) الكافي ٣ : ٤٠٤ ح ٢ ، وص ٤٠٦ ح ١١ ، التهذيب ٢ : ٣٥٩ ح ١٤٨٧ ، الاستبصار ١ : ١٨٠ ح ٦٣٠ ، الوسائل ٢ : ١٠٦٠ أبواب النجاسات ب ٤٠ ح ٥ بتفاوت.

(٥) التهذيب ١ : ٢٥٥ ح ٧٣٩ ، الاستبصار ١ : ١٧٥ ح ٦١٠ ، الوسائل ٢ : ١٠٢٦ أبواب النجاسات ب ٢٠ ح ٢.

٢٦١

ما لو علم بالنجاسة في أثناء الصلاة كما سيجي‌ء (١) وهو باطل.

وقد يستدلّ له بصحيحة وهب بن عبد ربّه ، عن الصادق عليه‌السلام : في الجنابة تصيب الثوب ولا يعلم بها صاحبه ، فيصلّي فيه ثمّ يعلم ، قال : «يعيد إذا لم يكن علم» (٢).

قال في التهذيب : يعني إذا لم يكن عَلِم حال الصلاة وقد سبقه العلم به (٣).

أقول : ويمكن التوجيه بأنّ الإعادة لعلّها لمكان الجنابة لا النجاسة ، ولزوم إلغاء المفهوم مشترك الإلزام ، وربّما احتمل سقوط كلمة «لا» من يعيد ، وقد يحمل على الاستحباب.

وموثّقة أبي بصير عنه عليه‌السلام ، قال : سألته عن رجل صلّى وفي ثوبه بول أو جنابة ، فقال : «علم به أو لم يعلم فعليه إعادة الصلاة إذا علم به» (٤) ووجّهه أيضاً في التهذيب بما تقدّم (٥) ، ويجري فيها بعض ما تقدّم ، مع احتمال الاستفهام أيضاً.

وكيف كان فلا يقاومان ما ذكرنا.

وقال في الذكرى بعد ذكر صحيحة محمّد بن مسلم المتقدّمة : ولو قيل «لا إعادة على من اجتهد قبل الصلاة ويعيد غيره» أمكن ؛ لهذا الخبر ، ولقول الصادق عليه‌السلام في المني تغسله الجارية ثمّ يوجد : «أعد صلاتك ، أما أنّك لو كنت غسلت أنت لم يكن عليك شي‌ء» (٦) إن لم يكن إحداث قول ثالث (٧) ، انتهى ، وهذه

__________________

(١) النهاية : ٨ ، المبسوط ١ : ٣٨.

(٢) التهذيب ٢ : ٣٦٠ ح ١٤٩١ ، الاستبصار ١ : ١٨١ ح ٦٣٥ ، الوسائل ٢ : ١٠٦٠ أبواب النجاسات ب ٤٠ ح ٨.

(٣) التهذيب ٢ : ٣٦٠.

(٤) التهذيب ٢ : ٢٠٢ ح ٧٩٢ ، الاستبصار ١ : ١٨٢ ح ٦٣٩ ، وفي الوسائل ٢ : ١٠٦٠ أبواب النجاسات ب ٤٠ ح ٩ ، وفي التهذيب بدون كلمة «به».

(٥) التهذيب ٢ : ٢٠٢.

(٦) الكافي ٣ : ٥٣ ح ٢ ، التهذيب ١ : ٢٥٢ ح ٧٢٦ ، الوسائل ٢ : ١٠٢٤ أبواب النجاسات ب ١٨ ح ١.

(٧) الذكرى : ١٧.

٢٦٢

الأخيرة هي حسنة ميسر.

وقد يستدلّ عليه أيضاً برواية ميمون الصيقلي عنه عليه‌السلام ، قال ، قلت له : رجل أصابته جنابة بالليل فاغتسل وصلّى فلمّا أصبح نظر ؛ فإذا في ثوبه جنابة ، فقال : «الحمد لله الذي لم يَدَع شيئاً إلّا وقد جعل له حدّا ، إن كان حين قام نظر ولم يرَ شيئاً فلا إعادة عليه ، وإن كان حين قام لم ينظر فعليه الإعادة» (١).

والجواب عن الأوّل : أنّ الشرط وارد مورد الغالب.

وعن الثاني بمنع الدلالة ، فإنّ العلّة هنا عدم تحقّق الغسل الصحيح ، يعني : لو غسلته أنت لغسلته صحيحاً ولم تحتج إلى الإعادة.

وعن الثالث بضعف السند.

وعن الجميع بعدم المقاومة على فرض التسليم ، لعدم ظهور القول بها حتّى من الشهيد (٢).

وإن علم بها في الأثناء وحصل له العلم بالسبق أيضاً ، فعن جماعة من الأصحاب (٣) وجوب إزالة النجاسة وستر العورة مع الإمكان ، وعدم تحقّق المبطل والبطلان ، ووجوب الإعادة لو لم يمكن.

وبنى جماعة الإعادة هنا على القول بإعادة الجاهل في الوقت وعدمه بعد الفراغ (٤).

والأوّل لا دليل عليه من الأخبار ، والثاني أيضاً غير ظاهر الوجه ، لمنع الملازمة ، مع أنّ الشيخ في المبسوط قال بوجوب المضيّ في الصلاة مع التمكّن من إلقاء الثوب

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٠٦ ح ٧ وفيه : عن منصور الصيقل ، التهذيب ٢ : ٢٠٢ ح ٧٩١ ، وج ١ : ٤٢٤ ح ١٣٤٦ ، الاستبصار ١ : ١٨٢ ح ٦٤٠ ، الوسائل ٢ : ١٠٦٢ أبواب النجاسات ب ٤١ ح ٣ ، وفيها : ميمون الصيقل. وفي النسخة الحجريّة للغنائم : ميمون القدّاح الصيقلي.

(٢) انظر الذكرى : ١٧.

(٣) كالشيخ في النهاية : ٩٦ ، والمبسوط ١ : ٣٨ ، ٩٠ ، والمحقّق في الشرائع ١ : ٤٦.

(٤) كالمحقّق في المعتبر ١ : ٤٤٣.

٢٦٣

وستر العورة بغيره مع حكمه فيه قبل ذلك بلا فصل بإعادة الجاهل في الوقت (١).

والذي يظهر من الأخبار الكثيرة البطلان مطلقاً والإعادة (٢) مثل صحيحة زرارة الطويلة قال ، قلت : أصاب ثوبي دم رعاف أو غيره أو شي‌ء من مني فعلّمت أثره إلى أن أُصيب له الماء ، فأصبتُ وحَضَرَت الصلاة ونسيت أنّ بثوبي شيئاً وصلّيت ، ثمّ إنّي ذكرت بعد ذلك ، قال : «تُعيد الصلاة وتغسله» إلى أن قال ، قلت : إن رأيته في ثوبي وأنا في الصلاة ، قال : «تنقض الصلاة وتعيد إذا شككت في موضع منه ثمّ رأيته ، وإن لم تشك ثمّ رأيته رطباً قطعت الصلاة وغسلته ثمّ بنيت على الصلاة ، لأنّك لا تدري لعلّه شي‌ء أُوقع عليك» (٣).

ولا وجه للطعن بالإضمار من مثل زرارة كما لا يخفى ، مع أنّ الصدوق رواها في العلل مسنداً إلى الباقر عليه‌السلام في الحسن لإبراهيم بن هاشم (٤).

وصحيحة محمّد بن مسلم وصحيحة أبي بصير المتقدّمتين (٥).

ويؤيّده عموم قوله عليه‌السلام : «إذا علم» في موثّقة أبي بصير المتقدّمة (٦) ، فالعمل على هذه الأخبار أولى.

وجوّز في المدارك (٧) العمل على حسنة محمّد بن مسلم قال ، قلت له : الدم يكون في الثوب عليّ وأنا في الصلاة ، قال : «إن رأيته وعليك ثوب غيره فاطرحه وصلّ ، وإن لم يكن عليك غيره فامضِ في صلاتك ولا إعادة عليك ، وما لم يزد

__________________

(١) المبسوط ١ : ٣٨.

(٢) الوسائل ٢ : ١٠٠٦ أبواب النجاسات ب ٧.

(٣) التهذيب ١ : ٤٢١ ح ١٣٣٥ ، الاستبصار ١ : ١٨٣ ح ٦٤١ ، الوسائل ٢ : ١٠٠٦ أبواب النجاسات ب ٧ ح ٢ ، وص ١٠٦٣ ب ٤٢ ح ٢.

(٤) علل الشرائع : ٣٦١ ب ٨٠ ح ١.

(٥) في ص ٢٤٧.

(٦) في ص ٢٤٨.

(٧) المدارك ٢ : ٣٥٢.

٢٦٤

على مقدار الدرهم من ذلك فليس بشي‌ء ، رأيته أو لم تَرَهُ ، وإذا كنت قد رأيته وهو أكثر من مقدار الدرهم فضيّعت غسله وصلّيت فيه صلاة كثيرة فأعد ما صلّيت فيه» (١). واستدلّ على ذلك أيضاً بصحيحة عليّ بن جعفر الاتية (٢) وجعل العمل بالاستئناف أولى.

وفيه : إنّ الحسنة مع أنّها لا تقاوم ما ذكرنا من الأدلّة مختلفة المتن في الأُصول ، ففي التهذيب كما نقلنا ، وفي الكافي بحذف كلمة الواو من قوله «وما لم يزد» وزيادة «وما كان أقلّ» قبل قوله «من ذلك فليس بشي‌ء» وفي الاستبصار مثل التهذيب بحذف الواو ، والاستدلال إنّما يتمّ على ما في التهذيب ، وبذلك يحصل ضعف آخر فيها.

بل ويمكن الاستدلال بها على ما في الاستبصار والكافي بحسب المفهوم على ما اخترناه ، وإرجاع الاستثناء إلى الجملة الأخيرة فقط مع أنّه خلاف الظاهر يوجب قولاً لم يقل به أحد.

وأمّا صحيحة عليّ بن جعفر فستعرف حالها (٣).

وأمّا موثّقة داود بن سرحان عن الصادق عليه‌السلام : في الرجل يصلّي وأبصر في ثوبه دماً ، قال : «يتمّ» (٤) فمحمولة على الأقلّ من الدرهم.

وكذلك ما رواه في السرائر ، عن كتاب المشيخة للحسن بن محبوب ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «إن رأيت في ثوبك دماً وأنت تصلّي ولم تكن رأيته قبل ذلك فأتمّ صلاتك ، فإذا انصرفت فاغسله» ، قال :

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٩ ح ٣ ، الفقيه ١ : ١٦١ ح ٧٥٨ بتفاوت يسير ، التهذيب ١ : ٢٥٤ ح ٧٣٦ الاستبصار ١ : ١٧٥ ح ٦٠٩ ، الوسائل ٢ : ١٠٢٧ أبواب النجاسات ب ٢٠ ح ٦.

(٢) الكافي ٣ : ٦١ ح ٦ ، التهذيب ١ : ٢٦١ ح ٧٦٠ ، الوسائل ٢ : ١٠١٧ أبواب النجاسات ب ١٣ ح ١.

(٣) ص ٢٧٢.

(٤) التهذيب ١ : ٤٢٣ ح ١٣٤٤ ، الوسائل ٢ : ١٠٢٦ أبواب النجاسات ب ٢٠ ح ٣ ، وب ٤٤ ح ٢.

٢٦٥

«وإن كنت رأيته قبل أن تصلّي فلم تغسله ثمّ رأيته بعد وأنت في صلاتك فانصرف فاغسله وأعد صلاتك» (١).

وإن لم يحصل له العلم بالسبق ، فإن حصل العلم بعدمه فإطلاق كلام المعتبر يقتضي البناء على القول بإعادة الجاهل في الوقت (٢) ، وهو أشكل من سابقه.

والأقوى العمل على التفصيل المتقدّم ، للأصل ، والإطلاقات فيما لو لم يوجب الإزالة والبناء مبطلاً ، والروايات المتقدّمة ظاهرة في تقدّم النجاسة على الصلاة.

وأمّا الاستئناف فيما أوجبه فلكلّ ما دلّ على بطلان الصلاة بفعل المبطل (٣) ، والصحاح المستفيضة وغيرها ، مثل صحيحة إسماعيل بن عبد الخالق ، قال : سألته عن الرجل يكون في جماعة من القوم يصلّي بهم المكتوبة فيعرض له رعاف كيف يصنع؟ قال : «يخرج ، فإن وجد ماء قبل أن يتكلّم فيغسل الرعاف ثمّ ليعد وليبن على صلاته» (٤).

وصحيحة محمّد بن مسلم قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن الرجل يأخذه الرعاف أو القي‌ء في الصلاة كيف يصنع؟ قال : «ينفتل فيغسل أنفه ويعود في صلاته ، فإن تكلّم فليعد صلاته وليس عليه وضوء» (٥).

ولعلّ المراد بالتكلّم في الروايتين المثال ، فلا يرد أنّهما يقتضيان البناء مع عدم الكلام مطلقاً ، ولم يقل به أحد.

__________________

(١) السرائر ٣ : ٥٩٢ ، الوسائل ٢ : ١٠٦٦ أبواب النجاسات ب ٤٤ ح ٣.

(٢) المعتبر ١ : ٤٤٣.

(٣) الوسائل ٤ : ١٢٤٠ أبواب قواطع الصلاة ب ١.

(٤) التهذيب ٢ : ٣٢٨ ح ١٣٤٥ ، الاستبصار ١ : ٤٠٣ ح ١٥٣٧ ، قرب الإسناد : ٦٠ ، الوسائل ٤ : ١٢٤٦ أبواب قواطع الصلاة ب ٢ ح ١٢.

(٥) الكافي ٣ : ٣٦٥ ح ٩ ، التهذيب ٢ : ٣١٨ ح ١٣٠٢ ، وص ٣٢٣ ح ١٣٢٣ ، الاستبصار ١ : ٤٠٣ ح ١٥٣٦ ، الوسائل ٤ : ١٢٤٤ أبواب قواطع الصلاة ب ٢ ح ٤.

٢٦٦

وصحيحة ابن اذنيه عن الصادق عليه‌السلام : أنّه سأله عن الرجل يرعف وهو في الصلاة وقد صلّى بعض صلاته ، فقال : «إن كان الماء عن يمينه وعن شماله وعن خلفه فليغسله من غير أن يلتفت ، وليبنِ على صلاته ، فإن لم يجد الماء حتّى يلتفت فليعد الصلاة» قال : «والقي‌ء مثل ذلك» (١).

قال الصدوق : وفي رواية أبي بصير عنه عليه‌السلام : «إن تكلّمت أو صرفت وجهك عن القبلة فأعد الصلاة» (٢).

وحسنة الحلبي لإبراهيم بن هاشم عنه عليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يصيبه الرعاف وهو في الصلاة ، فقال : «إن قدر على ماءٍ عنده يميناً أو شمالاً أو بين يديه وهو مستقبل القبلة فليغسله عنه ثمّ ليصلّ ما بقي من صلاته ، وإن لم يقدر على ماء حتى ينصرف بوجهه أو يتكلّم فقد قطع صلاته» (٣) ويؤدّي مؤدّى ذلك صحيحة معاوية بن وهب (٤) وغيرها ، وبضميمة عدم القول بالفصل يتمّ الكلام في غير الرعاف.

وإن لم يحصل له العلم بعدم السبق أيضاً بأن يكون شاكّاً فلا يحضرني الان في كلام الأصحاب تفرقة بينه وبين السابق ، فإن ثبت إجماع على عدم الفرق فيلحق حكمه به ، وإلّا فالأظهر إلحاقه بهذه الصورة لصحيحة زرارة المتقدّمة (٥). هذه صور الجهل.

وأما صورة النسيان ، فإن علم بها ونسي حتّى فرغ من الصلاة فالأكثر على

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٣٩ ح ١٠٥٦ ، الوسائل ٤ : ١٢٤٣ أبواب قواطع الصلاة ب ٢ ح ١.

(٢) الفقيه ١ : ٢٣٩ ح ١٠٥٧.

(٣) الكافي ٣ : ٣٦٤ ح ٢ ، التهذيب ٢ : ٢٠٠ ح ٧٨٣ ، الاستبصار ١ : ٤٠٤ ح ١٥٤١.

(٤) التهذيب ٢ : ٣٢٧ ح ١٣٤٤ ، الوسائل ٤ : ١٢٤٦ أبواب قواطع الصلاة ب ٢ ح ١١.

(٥) مرّت في ص ٢٦٤ ، وهي في التهذيب ١ : ٤٢١ ح ١٣٣٥ ، والاستبصار ١ : ١٨٣ ح ٦٤١ ، والوسائل ٢ : ١٠٠٦ أبواب النجاسات ب ٧ ح ٢ ، وص ١٠٦٣ ب ٤٢ ح ٢.

٢٦٧

وجوب الإعادة مطلقاً (١) ، ونفى ابن إدريس (٢) الخلاف فيه بين أصحابنا ، إلا عن الشيخ في الاستبصار (٣).

وعن الشيخ في بعض أقواله عدمه مطلقاً (٤) ، ومال إليه في المعتبر (٥).

وقال في الاستبصار : يعيد في الوقت دون خارجه (٦) ، واختاره العلّامة في الإرشاد (٧)

والأوّل أقوى ، للصحاح المستفيضة وغيرها ، مثل صحيحة زرارة المتقدّمة (٨) ، وصحيحته الأُخرى ، قال : توضّأت يوماً ولم أغسل ذكرى ثمّ صلّيت ، فسألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن ذلك ، فقال : «اغسل ذكرك وأعد صلاتك» (٩).

وصحيحة عمرو بن أبي نصر قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أبول وأتوضّأ وأنسى استنجائي ثمّ أذكر بعد ما صلّيت ، قال : «اغسل ذكرك وأعد صلاتك ولا تعد وضوءك» (١٠) وفي معناها موثّقة ابن بكير (١١) وموثّقة سماعة (١٢) وصحيحة

__________________

(١) كالشيخ المفيد في المقنعة : ١٤٩ ، والشيخ الطوسي في النهاية : ٥٢ ، والمبسوط ١ : ٣٨ ، ونقله عن مصباح السيّد في المعتبر ١ : ٤٤١.

(٢) السرائر ١ : ١٨٣.

(٣) فإنّه فصّل بين الذكر في الوقت وخارجه (الاستبصار ١ : ١٨٤).

(٤) نقله في التذكرة ٢ : ٤٩٠.

(٥) المعتبر ١ : ٤٤١.

(٦) الاستبصار ١ : ١٨٤.

(٧) الإرشاد ١ : ٢٤٠.

(٨) التهذيب ١ : ٤٢١ ح ١٣٣٥ ، الاستبصار ١ : ١٨٣ ح ٦٤١ ، الوسائل ٢ : ١٠٠٦ أبواب النجاسات ب ٧ ح ٢ ، وص ١٠٦٣ ب ٤٢ ح ٢.

(٩) التهذيب ١ : ٥١ ح ١٤٩ ، الاستبصار ١ : ٥٣ ح ١٥٢ ، وص ٥٦ ح ١٦٤ ، الوسائل ١ : ٢٠٩ أبواب نواقض الوضوء ب ١٨ ح ٧ ، وفيها : ثمّ صلّيت فذكرت.

(١٠) التهذيب ١ : ٤٦ ح ١٣٣ ، الاستبصار ١ : ٥٢ ح ١٥٠ ، الوسائل ١ : ٢٠٨ أبواب نواقض الوضوء ب ١٨ ح ٣.

(١١) الكافي ٣ : ١٨ ح ١٦ ، الوسائل ١ : ٢٠٨ أبواب نواقض الوضوء ب ١٨ ح ٢.

(١٢) التهذيب ١ : ٤٧ ح ١٣٦ ، الاستبصار ١ : ٥٣ ح ١٥٣ ، الوسائل ١ : ٢٠٩ أبواب نواقض الوضوء ب ١٨ ح ٨.

٢٦٨

عبد الله بن أبي يعفور الاتية في الدم المعفوّ (١).

وموثّقة سماعة قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يرى بثوبه الدم فينسى أن يغسله حتّى يصلّي ، قال : «يعيد صلاته كي يهتم بالشي‌ء إذا كان في ثوبه عقوبة لنسيانه» (٢) الحديث ، والعلّة عامّة.

وصحيحة أبي بصير على الظاهر من كون ابن سنان في سندها هو عبد الله (٣) ، ورواية الحسن بن زياد (٤) ، ورواية ابن مسكان (٥) في مسألة الذي سأل من الصادق بواسطة إبراهيم بن ميمون إلى غير ذلك من الأخبار.

وحجّة القول الثاني : الأصل ، وأنّ الأمر يقتضي الإجزاء ، وما ورد من اغتفار الخطأ والنسيان (٦).

وصحيحة العلاء قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يصيب ثوبه الشي‌ء فينجّسه فينسى أن يغسله فيصلّي فيه ثمّ يذكر أنّه لم يكن غسله ، أيعيد الصلاة؟ فقال : «لا يعيد ، قد مضت صلاته وكتبت له» (٧).

وموثّقة عمّار بن موسى قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : «لو أنّ رجلاً نسي أن يستنجي من الغائط حتى يصلّي لم يعد الصلاة» (٨).

ورواية عمرو بن أبي نصر وفي طريقها المثنّى الحنّاط قال ، قلت لأبي عبد الله

__________________

(١) التهذيب ١ : ٢٥٥ ح ٧٤٠ ، الاستبصار ١ : ١٧٦ ح ٦١١ ، الوسائل ٢ : ١٠٢٦ أبواب النجاسات ب ٢٠ ح ١.

(٢) التهذيب ١ : ٢٥٤ ح ٧٣٨ ، الاستبصار ١ : ١٨٢ ح ٦٣٨ ، الوسائل ٢ : ١٠٦٤ أبواب النجاسات ب ٤٢ ح ٥.

(٣) التهذيب ١ : ٢٥٤ ح ٧٣٧ ، الاستبصار ١ : ١٨٢ ح ٦٣٧ ، الوسائل ٢ : ١٠٦٠ أبواب النجاسات ب ٤٠ ح ٧.

(٤) الكافي ٣ : ١٨ ح ١٠ ، الوسائل ٢ : ١٠٦٤ أبواب النجاسات ب ٤٢ ح ٦.

(٥) التهذيب ٢ : ٣٥٩ ح ١٤٨٦ ، الاستبصار ١ : ١٨١ ح ٦٣٣ ، الوسائل ٢ : ١٠٦٤ أبواب النجاسات ب ٤٢ ح ٤.

(٦) عوالي اللآلي ١ : ٢٣٢ ح ١٣١.

(٧) التهذيب ١ : ٤٢٣ ح ١٣٤٥ ، الاستبصار ١ : ١٨٣ ح ٦٤٢ ، الوسائل ٢ : ١٠٦٣ أبواب النجاسات ب ٤٢ ح ٣.

(٨) التهذيب ٢ : ٢٠١ ح ٧٨٩ ، وج ١ : ٤٩ ح ١٤٣ ، الاستبصار ١ : ٥٥ ح ١٥٩ ، الوسائل ١ : ٢٢٤ أبواب أحكام الخلوة ب ١٠ ح ٣.

٢٦٩

عليه‌السلام : إنّي صلّيت فذكرت أنّي لم أغسل ذكرى بعد ما صلّيت ، أفأُعيد؟ قال : «لا» (١).

ورواية هشام بن سالم عنه عليه‌السلام : في الرجل يتوضّأ وينسى أن يغسل ذكره وقد بال ، فقال : «يغسل ذكره ولا يعيد الصلاة» (٢). وستجي‌ء صحيحة عليّ بن جعفر أيضاً (٣).

والأصل لا يقاوم الدليل ، واقتضاء الأمر الإجزاء لا ينافي ثبوت الإعادة والقضاء بدليل آخر ، فيبقى بيان ترجيح الأخبار. ولا ريب أنّه مع الأكثر ، لأكثريّتها ، وأصحيّتها ، وأوفقيّتها بالعمل ، والعمومات الدالّة على وجوب إزالة النجاسة للصلاة (٤) ، وكون موثّقة سماعة (٥) معلّلة. وحكم الشيخ بشذوذ صحيحة العلاء (٦) ، وهو أعرف.

ولا وجه للقدح في دلالة أخبارنا بأنّ الإعادة ظاهرة في الوقت ، لمنع الحقيقة الشرعيّة ، ويستعمل في الخارج في غاية الكثرة في الأخبار ، منها الخبر المفصّل الاتي.

وأما دليل التفصيل : فهو الجمع بين الأخبار بحمل أخبار الإعادة (٧) على

__________________

(١) التهذيب ١ : ٥١ ح ١٤٨ ، الاستبصار ١ : ٥٦ ح ١٦٣ ، الوسائل ١ : ٢٠٩ أبواب نواقض الوضوء ب ١٨ ح ٦.

(٢) التهذيب ١ : ٤٨ ح ١٤٠ ، الاستبصار ١ : ٥٤ ح ١٥٧ ، الوسائل ١ : ٢٢٤ أحكام الخلوة ب ١٠ ح ٢.

(٣) ستجي‌ء في ص ٢٧٢ ، وهي في التهذيب ١ : ٥٠ ح ١٤٥ ، والاستبصار ١ : ٥٥ ح ١٦١ ، والوسائل ١ : ٢٢٤ أبواب أحكام الخلوة ب ١٠ ح ٤.

(٤) الوسائل ١ : ٢٢٢ أبواب أحكام الخلوة ب ٩.

(٥) مرّت في ص ٢٦٩ ، وهي في التهذيب ١ : ٢٥٤ ح ٧٣٨ ، والاستبصار ١ : ١٨٢ ح ٦٣٨ ، والوسائل ٢ : ١٠٦٤ أبواب النجاسات ب ٤٢ ح ٥.

(٦) مرّت في ص ٢٦٩ ، وهي في التهذيب ١ : ٤٢٣ ح ١٣٤٥ ، والاستبصار ١ : ١٨٣ ح ٦٤٢ ، والوسائل ٢ : ١٠٦٤ أبواب النجاسات ب ٤٢ ح ٣.

(٧) الوسائل ٢ : ١٠٦٣ أبواب النجاسات ب ٤٢.

٢٧٠

الوقت ، وأخبار العدم (١) على خارج الوقت ؛ بشهادة ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن عليّ بن مهزيار ، قال : كتب إليه سليمان بن رشيد يخبره أنّه بال في ظلمة الليل ، وأنّه أصاب كفّه برد نقطة من البول لم يشكّ أنّه أصابه ولم يَرَه ، وأنّه مسحه بخرقة ثمّ نسي أنّ يغسله ، وتمسّح بدهن فمسح به كفّيه ووجهه ورأسه ثمّ توضّأ وضوء الصلاة فصلّى ، فأجابه بجواب قرأته بخطه : «أمّا ما توهّمت مما أصاب يدك فليس بشي‌ء إلّا ما تحقّق ، فإن حقّقت ذلك كنت حقيقاً أن تعيد الصلوات اللواتي كنت صلّيتهن بذلك الوضوء بعينه ما كان منهنّ في وقتها ، وما فات وقتها فلا إعادة عليك لها ، من قِبَل أنّ الرجل إذا كان ثوبه نجساً لم يعد الصلاة إلّا ما كان في وقت ، وإذا كان جنباً أو صلّى على غير وضوء فعليه إعادة الصلوات المكتوبات اللواتي فاتته ، لأنّ الثوب خلاف الجسد ، فاعمل على ذلك إن شاء الله تعالى» (٢).

وأنت خبير بأنّ مطلق الجمع لا دليل له ، سيّما والجمع لا يصحّ مع عدم المقاومة.

وأما الرواية فمع كونها مكاتبة مضمرة فيها تشويشات واختلاطات وحكم جمع من المتأخّرين بتهافتها (٣) ؛ لا تقاوم ما ذكرنا من الأدلّة.

وقد يُتمحّل في توجيهها بتكلّفات بعيدة ، أوجهها أن يقال : لفظة «من قبل» ظرف محذوف الإضافة ، أي من قبل أن يتحقّق ويجزم به ، فيكون مرتبطاً بما تقدّم ، و «أنّ الرجل» ابتداء كلام وتحقيق في الفرق بين الثوب والجسد ، وتعليل للحكم السابق وتأكيده.

فمال الكلام التفرقة بين النجاسة الخبثيّة والحدثيّة المعبّر عنها بالثوب والجسد ، وعلى هذا فيصحّ الاستدلال مع عدم حزازة في مقاصد الحديث ، ولكنه غير ظاهر من اللفظ بحيث يمكن الاستدلال به ، هذا.

__________________

(١) الوسائل ٢ : ١٠٦١ أبواب النجاسات ب ٤٠ ، ٤١.

(٢) التهذيب ١ : ٤٢٦ ح ١٣٥٥ ، الاستبصار ١ : ١٨٤ ح ٦٤٣ ، الوسائل ٢ : ١٠٦٣ أبواب النجاسات ب ٤٢ ح ١.

(٣) كشف الرموز ١ : ١١٤ ، المهذّب البارع ١ : ٢٤٦ ، المدارك ٢ : ٣٤٨.

٢٧١

ولكن الإنصاف أنّه لو لم تكن الشهرة والتعليل في موثّقة سماعة لكان هذا القول في غاية القوّة ، لخصوص هذه الرواية ، ولو كان من جهة بعض كلماتها ، إذ لا يضرّ في حجية بعض ألفاظها تساقط الباقي ، ولعدم تبادر غير الوقت من الأخبار ، ولكن ذلك ليس بحيث يترجّح على مرجّحات المشهور.

وأما لو تذكّر في الأثناء فلم أجد في كلامهم تصريحاً بحكمه ، والأظهر إلحاقه بالجاهل الذي علم في الأثناء مع العلم بالسبق بطريق الأولى.

ويدلّ عليه التعليل في موثّقة سماعة المتقدّمة.

وصحيحة عليّ بن جعفر ، عن أخيه موسى عليه‌السلام ، قال : سألته عن رجل ذكر وهو في صلاته أنّه لم يستنجِ من الخلاء ، قال : «ينصرف ويستنجي من الخلاء ويعيد الصلاة ، وإن ذكر وقد فرغ من صلاته أجزأ ذلك ولا إعادة عليه» (١).

ويخدشها إنّ آخرها منافٍ لما حقّقناه سابقاً ، ولكنه لا يضرّ بالاستدلال بالجزء الأوّل.

وأما صحيحته الأُخرى عن أخيه عليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يصيب ثوبه خنزير فلم يغسله ، فذكر وهو في صلاته ، كيف يصنع به؟ قال : «إن كان دخل في صلاته فليمضِ ، وإن لم يكن دخل في صلاته فلينضح ما أصاب من ثوبه ، إلّا أن يكون فيه أثر فيغسله» (٢) فلا ينافي ما ذكرناه إن لم يؤيده.

وهذه الصحيحة هي التي وعدناك ذكرها ، وأنت خبير بأنّه لا دلالة فيها على ما استدلّ به في المدارك (٣) ، لأنّ الظاهر رجوع الاستثناء إلى الحكمين كما يشهد به اعتبار النضح قبل الدخول في الصلاة ، وأما الحكم بعد الغسل فغير معلوم من الخبر.

وأما لو تذكّر في الأثناء وضاق الوقت عن التدارك والاستئناف ففيه إشكال ،

__________________

(١) التهذيب ١ : ٥٠ ح ١٤٥ ، الاستبصار ١ : ٥٥ ح ١٦١ ، الوسائل ١ : ٢٢٤ أبواب أحكام الخلوة ب ١٠ ح ٤.

(٢) الكافي ٣ : ٦١ ح ٦ ، التهذيب ١ : ٢٦١ ح ٧٦٠ ، الوسائل ٢ : ١٠١٧ أبواب النجاسات ب ١٣ ح ١.

(٣) راجع ص ٢٦٥.

٢٧٢

والأحوط الإتمام والقضاء.

بقي هنا أُمور :

الأوّل : إذا علم بالنجاسة بعد التمام وشك أنّها كانت معه في الصلاة أو حصلت بعدها فالأصل يقتضي عدم الالتفات وظاهر المنتهي أنّه عليه الإجماع بين أهل العلم (١).

الثاني : إذا وقعت عليه النجاسة في الصلاة وزالت ثمّ اطّلع عليها فالأصل عدم الالتفات ولا تشمله أدلّة البطلان والإعادة.

وبناه في المعتبر على القول بإعادة الجاهل في الوقت (٢) ، وفيه ما فيه.

الثالث : لو علم بالنجاسة السابقة في الأثناء وتضيّق الوقت عن الإزالة والإعادة ، فعن الشهيد في البيان القطع بوجوب الاستمرار (٣). واحتمله في الذكرى ، مستنداً باستلزامه القضاء المنفي قطعاً (٤) ، وهو الظاهر من المحقّق في المعتبر (٥).

واستشكله في المدارك (٦) ، ومنع بطلان استلزام القضاء من جهة إطلاق الأمر بالاستيناف المتناول لهذه الصورة.

وأنت خبير بأنّ المتبادر من تلك الأخبار الاستئناف في الوقت ، والأظهر القول بالاستمرار والدوام ، لأنّ وجوب إزالة النجاسة إنّما هو للصلاة ، لا لنفسه ، والوجوب الغيري لا معنى له مع عدم التمكّن من الغير ، ووجوب القضاء بفرض

__________________

(١) المنتهي ١ : ١٨٤.

(٢) المعتبر ١ : ٤٤٣.

(٣) البيان : ٩٦.

(٤) الذكرى : ١٧.

(٥) المعتبر ١ : ٤٤٣.

(٦) المدارك ٢ : ٣٥٤.

٢٧٣

جديد ، وهو غير مستفاد من الأخبار المتقدّمة كما ذكرنا ، فيكون وجوب إزالة النجاسة هنا للصلاة في معنى سقوط فرض الصلاة عنه في الوقت ، ولا ريب أنّه لا يجوز القول بسقوط ما وجب عليه يقيناً بسبب احتمال اشتراطه بشي‌ء ، وهذا هو الكلام فيما لو علم بالنجاسة قبل الصلاة وضاق الوقت عنه ، ونظيره ما لو ضاق الوقت عن المائيّة مع وجود الماء فيتيمّم ويصلّي كما مرّ.

ويؤيّد ما ذكرنا سقوط القبلة والقراءة والركوع والسجود في أوقات الضرورة لمراعاة الوقت ، ومن قضاها بعد الوقت فقد احتاط.

وفذلكة المختار في هذا المبحث : أنّ المصلّي إذا دخل في الصلاة مع النجاسة ، فإما أن يكون عالماً بالنجاسة قبل الصلاة ، أو يكون جاهلاً.

وعلى الأوّل ، فإما أن يدخلها مع ذلك عامداً عالماً ، أو يدخلها ناسياً.

وعلى الأوّل ؛ فتبطل صلاته ، سواء كان عالماً بالمسألة أو جاهلاً بها ، وبطلان صورة العلم بالمسألة مخصوصة بما إذا اتّسع الوقت ، وإلّا فيجوز الدخول فيها مع النجاسة.

وعلى الثاني ؛ فإما أن يتذكّرها بعد الفراغ أو في الأثناء ، وعلى الأوّل فيعيد مطلقاً ، سواء بقي الوقت أو خرج ، وكذلك على الثاني ، ولو ضاق الوقت فالأحوط الإتمام والإعادة.

وأما مع الجهل بالنجاسة ، فإما أن يعلم بها بعد الفراغ أو في الأثناء ، وعلى الأوّل ، فلا يعيد سواء بقي الوقت أو خرج ، اجتهد في صورة حصول الشك قبلها أم لم يجتهد.

وعلى الثاني ، فإن حصل له العلم بسبق النجاسة على الصلاة فيعيد مطلقاً إلّا مع ضيق الوقت فيتمّ ، ولا يجب القضاء وإن كان أحوط. وإن حصل له العلم بحصولها في الأثناء فيزيلها ويبني على صلاته لو لم يوجب مبطلاً ، ويستأنف بعد الإزالة مع إيجابه ، والكلام مع ضيق الوقت كما تقدّم.

٢٧٤

والأظهر فيما لو شكّ في سبقها وعدمه أيضاً التفصيل.

وإذا رأى نجاسة بعد الصلاة وشكّ في استصحابها حال الصلاة فلا يلتفت ، وكذا لو وقعت النجاسة عليه في الصلاة وارتفعت ثمّ علم بها.

الرابع : قد عفي عن الصلاة مع النجاسة في مواضع :

الأوّل : دم القروح والجروح والظاهر عدم الخلاف فيه في الجملة ، ولكنّهم اختلفوا في الحدّ الموجب للترخيص ، فاعتبر بعضهم سيلان الدم دائماً من غير انقطاع ، مثل المفيد في المقنعة (١) ، والعلّامة والشهيد في بعض كتبهما (٢).

وزاد في المعتبر : أو تعاقب الجريان على وجه لا تتسع فتراته لأداء الفريضة (٣).

واعتبر في القواعد حصول المشقّة (٤).

وزاد في المنتهي والتحرير على ذلك عدم وقوف الجريان (٥).

وأوجب في المنتهي إبدال الثوب مع الإمكان ، معلّلاً بانتفاء المشقّة ، فينتفي الترخيص.

ويشكل اعتبار المشقّة : بأنّ المراد منها إن كان هي المشقّة والعسر والحرج المنفيّات في الشرع ، فلا اختصاص لها بهذه النجاسة ، وإن كان غيرها فلا دليل عليه ، مع أنّ الظاهر أنّهم متّفقون على ثبوت خصوصية لهذا الدم.

والأظهر أنّه معفوّ مطلقاً ما لم يبرأ ، كما اختاره المحقّق الشيخ عليّ (٦) ،

__________________

(١) المقنعة : ٧٠.

(٢) التذكرة ١ : ٧٣ ، الذكرى : ١٦.

(٣) المعتبر ١ : ٤٢٩.

(٤) القواعد ١ : ١٩٣.

(٥) المنتهي ١ : ١٧٢ ، التحرير ١ : ٢٤.

(٦) جامع المقاصد ١ : ١٧١.

٢٧٥

والشهيد الثاني (١) ، وجماعة من المتأخّرين (٢) ، وهو الظاهر من الصدوق في الفقيه (٣).

لنا : الإطلاقات الكثيرة ، بل العمومات المستفادة من ترك الاستفصال وغيره ، مثل صحيحة ليث المرادي قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الرجل يكون به الدماميل والقروح فجلده وثيابه مملوءة دماً وقيحاً ، فقال : «يصلّي في ثيابه ولا يغسلها ولا شي‌ء عليه» (٤) وتقرب منه صحيحته الأُخرى (٥).

بل صحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام كالصريحة في عدم اشتراط دوام السيلان ، قال : سألته عن الرجل يخرج به القروح فلا يزال يدمي ، كيف يصلّي؟ فقال : «يصلّي وإن كانت الدماء تسيل» (٦) فجعل فيها جواز الصلاة بدون السيلان الفرد الأظهر.

وقيد عدم زوال الإدماء في كلام الراوي لا يدلّ على اشتراطه ، مع أنّه لا يفيد الاستمرار عرفاً أيضاً ، كما يقال فلان يتكلّم دائماً بالبذاء ، ويراد بذلك حصوله منه مكرّراً لا دائماً.

وكذلك رواية سماعة عن الصادق عليه‌السلام ، قال : «إذا كان بالرجل جرح سائل فأصاب ثوبه من دمه فلا يغسل حتى يبرأ وينقطع الدم» (٧) مع أنّ ثبوت السيلان للجرح لا يستلزم ثبوته دائماً.

__________________

(١) روض الجنان : ١٦٥ ، الروضة البهيّة ١ : ٢٨٩.

(٢) المدارك ٢ : ٣٠٩ ، الرياض ٢ : ٣٨١.

(٣) الفقيه ١ : ٤٣.

(٤) التهذيب ١ : ٢٥٨ ح ٧٥٠ ، الوسائل ٢ : ١٠٢٩ أبواب النجاسات ب ٢٢ ح ٥.

(٥) التهذيب ١ : ٢٥٨ ح ٧٤٧ ، الوسائل ٢ : ١٠٢٨ أبواب النجاسات ب ٢٢ ح ١.

(٦) التهذيب ١ : ٢٥٨ ح ٧٤٩ ، وص ٣٤٨ ح ١٠٢٥ ، الاستبصار ١ : ١٧٧ ح ٦١٥ ، الوسائل ٢ : ١٠٢٩ أبواب النجاسات ب ٢٢ ح ٤.

(٧) التهذيب ١ : ٢٥٩ ح ٧٥٢ ، الوسائل ٢ : ١٠٣٠ أبواب النجاسات ب ٢٢ ح ٧.

٢٧٦

ومع ذلك كلّه فهذه الرواية لا تقاوم الصحاح وغيرها.

والظاهر أنّ المراد بالبرء : هو صيرورته بحيث ينقطع دمه ؛ لا الاندمال. ويحتمل الاندمال ، كما هو مقتضى ظاهر موثّقة أبي بصير قال : دخلت على أبي جعفر عليه‌السلام وهو يصلّي ، فقال لي قائدي : إنّ في ثوبه دماً ، فلما انصرف قلت له : إنّ قائدي أخبرني أنّ بثوبك دماً ، فقال : «إنّ بي دماميل ولست أغسل ثوبي حتّى تبرأ» (١).

ولا فرق بين القليل والكثير ، والثوب والبدن ، كما يستفاد من الأخبار (٢).

ولا يجب إبدال الثوب ، ولا تخفيف النجاسة ، ولا تعصيب موضع الدم ، وعن ظاهر الشيخ في الخلاف أنّه إجماعيّ بين الطائفة (٣) ، وكلّ ما ذكرنا مستفاد من الأخبار.

وأما صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله ، أو موثّقته لأبان ، عن الصادق عليه‌السلام قال ، قلت له : الجرح يكون في مكان لا يقدر على ربطه فيسيل منه الدم والقيح فيصيب ثوبي ، فقال : «دعه فلا يضرّك أن لا تغسله» (٤) فهو لا يفيد وجوب الربط لو قدر عليه كما لا يخفى ، غاية الأمر قصر الجواب على السؤال ، فلا ينفي حكم ما عداه.

والأحوط الاقتصار على ما تصله الدماء عادة من الثوب والبدن ، فلو تعدّى الدم عن محلّ الضرورة فالأظهر عدم العفو ، وإن كان محتملاً بالنظر إلى الإطلاقات.

وأما لو لاقاه جسم رطب فلاقى بدن المصلّي أو ثوبه ففيه وجهان ، ويجي‌ء نظيره

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٨ ح ١ ، التهذيب ١ : ٢٥٨ ح ٧٤٧ ، الاستبصار ١ : ١٧٧ ح ٦١٦ ، الوسائل ٢ : ١٠٢٨ أبواب النجاسات ب ٢٢ ح ١.

(٢) الوسائل ٢ : ١٠٢٨ أبواب النجاسات ب ٢٢.

(٣) الخلاف ١ : ٢٥٢ مسألة ٢٢٥.

(٤) التهذيب ١ : ٢٥٨ ح ٧٥٠ ، الوسائل ٢ : ١٠٢٩ أبواب النجاسات ب ٢٢ ح ٥.

٢٧٧

في الأقلّ من الدرهم. وأما مثل العَرَق الذي قلّ ما ينفك عنه البدن فالظاهر العفو.

ويستحبّ لصاحب القروح والجروح غسل ثوبه كلّ يوم مرّة ، لرواية سماعة قال : سألته عن الرجل به القرح أو الجرح ولا يستطيع أن يربطه ولا يغسل دمه ، قال : «يصلّي ولا يغسل ثوبه كلّ يوم إلّا مرّة ، فإنه لا يستطيع أن يغسل ثوبه كلّ ساعة» (١).

وحملناها على الاستحباب ، لعدم مقاومتها للأخبار الكثيرة المعتبرة (٢) وإن كان سندها لا يخلو من قوّة أيضاً.

الثاني : الدم المسفوح الأقلّ من الدرهم بإجماع أصحابنا ، نقله الفاضلان (٣) وغيرهما.

ولا خلاف في عدم العفو عن الأزيد منه أيضاً ، وادّعى عليه الإجماع العلّامة في جملة من كتبه.

ويستفاد الحكمان من الأخبار أيضاً (٤) كما سنذكر جملة منها.

واختلفوا فيما ساواه ، فعن السيّد (٥) وسلّار (٦) العفو ، والأكثرون على العدم (٧) ، وهو المختار ، لاستصحاب شُغل الذمّة ، والعمومات ، وخصوص صحيحة عبد الله بن أبي يعفور قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : ما تقول في دم البراغيث؟ قال : «ليس به بأس» قال ، قلت : إنّه يكثر ويتفاحش ، قال : «وإن كثر» قال ، قلت :

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٨ ح ٢ ، التهذيب ١ : ٢٥٨ ح ٧٤٨ ، الاستبصار ١ : ١٧٧ ح ٦١٧ ، الوسائل ٢ : ١٠٢٩ أبواب النجاسات ب ٢٢ ح ٢.

(٢) الوسائل ٢ : ١٠٢٩ أبواب النجاسات ب ٢٢.

(٣) المعتبر ١ : ٤٢٩ ، المختلف ١ : ٤٧٧ ، التذكرة ١ : ٧٣ ، نهاية الإحكام ١ : ٢٨٥.

(٤) الوسائل ٢ : ١٠٢٦ أبواب النجاسات ب ٢٠.

(٥) الانتصار : ١٣.

(٦) المراسم : ٥٥.

(٧) كالصدوق في الفقيه ١ : ٤٢ ، والمفيد في المقنعة : ٦٩ ، والشيخ في النهاية : ٥٢ ، وابن البرّاج في المهذّب ١ : ٥١ ، والمحقّق في الشرائع ١ : ٤٥.

٢٧٨

فالرجل يكون في ثوبه نقط الدم لا يعلم ، ثمّ يعلم به فينسى أن يغسله فيصلّي ، ثمّ يذكر بعد ما صلّى ، أيعيد صلاته؟ قال : «يغسله ولا يعيد صلاته ، إلّا أن يكون مقدار الدرهم مجتمعاً ؛ فيغسله ويعيد الصلاة» (١).

ورواية جميل بن درّاج ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي جعفر عليه‌السلام وأبي عبد الله عليه‌السلام أنّهما قالا : «لا بأس بأن يصلّي الرجل في الثوب وفيه الدم متفرّقاً شبه النضح ، وإن كان قد رآه صاحبه قبل ذلك فلا بأس به ما لم يكن مجتمعاً قدر الدرهم» (٢).

وأما صحيحة إسماعيل الجعفي عن الباقر عليه‌السلام ، قال : «في الدم يكون في الثوب إن كان أقلّ من قدر الدرهم فلا يعيد الصلاة ، وإن كان أكثر من قدر الدرهم وكان رآه ولم يغسله حتّى صلّى فليعد صلاته ، وإن لم يكن رآه ولم يغسله حتّى صلّى فلا يعيد الصلاة» (٣) فلا يمكن الاستدلال بها ، لتعارض المفهومين وتساقطهما ، ولعلّ عدم الالتفات إلى صورة المساواة لندرتها.

حجّة القول بالعفو : حسنة محمّد بن مسلم المتقدّمة في المبحث السابق (٤).

والجواب عنها عدم مقاومتها لما ذكرنا وإن قلنا بحجية الحسن وعدم ضرر الإضمار من مثل محمّد كما هو الحق. وفي دلالتها أيضاً تأمّل ، ويظهر وجهه بالتأمّل فيما ذكرنا في صحيحة الجعفي. ومن ذلك يظهر بطلان الاستدلال بصحيحة الجعفي على ذلك أيضاً.

ومرادهم من الدرهم سعته لا مقداره بالاتفاق ، وتدلّ عليه الأخبار أيضاً ، فلاحظ صحيحة ابن أبي يعفور وغيرها تجد ما ذكرنا ، هذا.

__________________

(١) التهذيب ١ : ٢٥٥ ح ٧٤٠ ، الاستبصار ١ : ١٧٦ ح ٦١١ ، الوسائل ٢ : ١٠٢٦ أبواب النجاسات ب ٢٠ ح ١.

(٢) التهذيب ١ : ٢٥٦ ح ٧٤٢ ، الاستبصار ١ : ١٧٦ ح ٦١٢ ، الوسائل ٢ : ١٠٢٦ أبواب النجاسات ب ٢٠ ح ٤.

(٣) التهذيب ١ : ٢٥٥ ح ٧٣٩ ، الاستبصار ١ : ١٧٥ ح ٦١٠ ، الوسائل ٢ : ١٠٢٦ أبواب النجاسات ب ٢٠ ح ٢.

(٤) ص ٢٦٤.

٢٧٩

ولكن الإشكال في تحديد مقدار سعة الدرهم والمراد منه ، وظاهرهم الاتفاق على أنّ المراد من هذا الدرهم ليس هو الدرهم المتداول في نصاب الزكاة والديّات وغيرها ، وهو ما كان وزنه ستّة دوانيق ، كلّ دانق ثمان حبّات من أوسط حبّ الشعير ، والمشهور أنّه الدرهم الوافي المضروب من درهم وثلث (١).

وقال المحقّق : إنّ ذلك المذكور يسمّى بالبغلي نسبةً إلى قرية بالجامعين (٢).

وعن جماعة أنّه على هذا التفسير بفتح الغين وتشديد اللام (٣).

وقيل : البغلي بسكون الغين منسوباً إلى رأس البغل (٤).

وعن ظاهر العلّامة الاتفاق على أنّ الدرهم المعفو يسمّى بالبغلي (٥).

ويظهر من ابن إدريس الخلاف ، فقال : إنّ الشارع عفا عمّا دون الدرهم الوافي المضروب من درهم وثلث ، وبعضهم يقول دون قدر الدرهم البغلي منسوب إلى مدينة يقال لها «بغل» قريبة من بابل ؛ بينها وبينها قريب من فرسخ متصلة ببلد الجامعين ، يجد فيها الحَفَرَةُ والغسالون دراهم واسعة شاهدت درهماً من تلك الدراهم ، وهذا الدرهم أوسع من الدرهم المضروب بمدينة السلام المعتاد ؛ تقرب سعته من سعة أخمص الراحة (٦) ، انتهى.

وقيل : إنّ الدراهم البغلية هي الدراهم الكسروية التي وزنها ثمانية دوانيق ، وحدثت له التسمية لنسبته إلى رأس البغل ، ضربه الثاني في ولايته بسكّة كسروية والمقدار بحاله ، وجرت في المعاملة مع الطبريّة التي هي أربعة دوانيق ، فلمّا كان زمن عبد الملك جمع بينهما ، واتّخذ الدراهم منهما ، واستقرّ أمر

__________________

(١) منهم الشيخ الصدوق في الفقيه ١ : ٤٢ ، والشيخ المفيد في المقنعة : ٦٩.

(٢) المعتبر ١ : ٤٣٠.

(٣) المدارك ٢ : ٣١٤.

(٤) نقله عن ابن دريد في الذكرى : ١٦.

(٥) المنتهي ١ : ١٧٢.

(٦) السرائر ١ : ١٧٧.

٢٨٠