غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ٢

الميرزا أبو القاسم القمّي

غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ٢

المؤلف:

الميرزا أبو القاسم القمّي


المحقق: عباس تبريزيان
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-424-250-5
الصفحات: ٦٣١

والصواب تقييدها بصحيحة عليّ بن يقطين : إنّه سأل أبا الحسن عليه‌السلام عن إنشاد الشعر في الطواف ، فقال : «ما كان من الشعر لا بأس به فلا بأس به» (١).

ولعلّه من ذلك ما يستشهد به من أشعار العرب في تفسير كتاب أو سنّة كما يظهر من الذكرى (٢) ، فلا يضرّ عدم حقّانية مضمونه حينئذٍ.

والبيع والشراء ، وتمكين المجانين والصبيان ، لرواية إبراهيم المتقدّمة (٣) ، وقد تخصص الصبيان بغير المميز ، ولا بأس به.

وإنشاد الضالّة ، ونشدها ، أعني تعريفها وطلبها ، لرواية عليّ بن جعفر عليه‌السلام (٤) ، ورواية عليّ بن أسباط (٥).

ورفع الصوت الخارج عن المعتاد.

وكذلك الأحكام ، للرواية الأخيرة.

وفي إطلاق الكراهة وعدمه بتخصيصها بمحض الإنفاذ كالحبس والتعزير وإجراء الحدود ، أو بصورة الإدمان ، أو بما فيه جدل وخصومة ؛ وجوه وأقوال.

والأظهر في الجمع بين الروايات القول بالكراهة في صورة الإدمان لا مطلقاً.

ولا تنافيه حكاية دكّة القضاء (٦) ، لإمكان وضعها لذلك إذا احتيج إليه في المسجد ، أو اختصاصه به عليه‌السلام.

وعمل الصنائع ، وحديث الدنيا ، وسائر الملاهي ، ومنه الرمي بالحصى خذفاً.

ففي صحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام قال : «نهى رسول الله

__________________

(١) التهذيب ٥ : ١٢٧ ح ٤١٨ ، الاستبصار ٢ : ٢٢٧ ح ٧٨٤ ، الوسائل ٩ : ٤٦٤ أبواب الطواف ب ٥٤ ح ١.

(٢) الذكرى : ١٥٦.

(٣) الموجود رواية عبد الحميد عن أبي إبراهيم ، التهذيب ٣ : ٢٥٤ ح ٧٠٢ ، الوسائل ٣ : ٥٠٧ أبواب أحكام المساجد ب ٢٧ ح ٢.

(٤) التهذيب ٣ : ٢٤٩ ح ٦٨٣ ، الوسائل ٣ : ٥٠٨ أبواب أحكام المساجد ب ٢٨ ح ١.

(٥) التهذيب ٣ : ٢٤٩ ح ٦٨٢ ، الوسائل ٣ : ٥٠٧ أبواب أحكام المساجد ب ٢٧ ح ١.

(٦) الفضائل لشاذان : ١٥٥ ، السرائر ١ : ٢٧٩ ، البحار ٤٠ : ٢٧٧ ح ٤٢.

٢٤١

صلى‌الله‌عليه‌وآله عن سلّ السيف في المسجد ، وعن بري النبل في المسجد ، قال : إنّما بني لغير ذلك» (١) وقد مرّت رواية جعفر بن إبراهيم (٢) ويستفاد منهما (٣) كراهة سائر الملاهي.

وروى ورّام بن أبي فراس في كتابه قال ، قال عليه‌السلام : «يأتي في آخر الزمان قوم يأتون المساجد فيقعدون حلقاً ، ذكرهم الدنيا وحبّ الدنيا ، لا تجالسوهم ، فليس لله فيهم حاجة» (٤).

وفي رواية السكوني : إنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أبصر رجلاً يخذف الحصاة في المسجد ، فقال : «ما زالت تلعنه حتى وقعت» ثمّ قال : «الخذف في النادي من أخلاق قوم لوط» (٥) الحديث.

وفسّر الخذف بالرمي بالأصابع مرّة ، وبوضع طرف الإبهام على السبابة اخرى ، وبغيرها أيضاً.

وإخراج الحصى من المسجد ، والمراد به غير القمامة ، فيردّ إلى مكانه أو إلى مسجد آخر ؛ فإنّها تسبّح كما في أخبار متعدّدة (٦).

ولا يبعد القول بوجوبه إذا كان جزءاً من المسجد أو آلاته ، والظاهر أنّه مراد المحقّق حيث حرّمه في الشرائع (٧).

ولا يكره النوم إلّا في مسجد النبيّ والمسجد الحرام ، ويتأكّد فيما كان منه مسجداً على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله. ويستفاد المجموع من أخبار عديدة ، منها

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٦٩ ح ٨ ، الوسائل ٣ : ٤٩٥ أبواب أحكام المساجد ب ١٧ ح ١.

(٢) في ص ٢٤٠.

(٣) في «ص» : منها.

(٤) تنبيه الخواطر ١ : ٦٩ ، الوسائل ٣ : ٤٩٣ أبواب أحكام المساجد ب ١٤ ح ٤.

(٥) التهذيب ٣ : ٢٦٢ ح ٧٤١ ، الوسائل ٣ : ٥١٤ أبواب أحكام المساجد ب ٣٦ ح ١.

(٦) الوسائل ٣ : ٥٠٥ أبواب أحكام المساجد ب ٢٦.

(٧) الشرائع ١ : ١١٨.

٢٤٢

صحيحة زرارة (١) في حكاية نوم الباقر عليه‌السلام في الموضع الذي لم يكن مسجداً على عهد رسول الله من المسجد الحرام.

وكشف العورة مع الأمن عن المطّلع ، للوقار والستر ، وعدم الاستخفاف ، وفي رواية السكوني أنّه قال : «كشف السرّة والفخذ والركبة في المسجد من العورة» (٢).

ورطانة الأعاجم ، ففي رواية السكوني (٣) ورواية مسمع (٤) : إنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله نهى عنها ، وهي كلام لا يفهمه الجمهور ، بل هي مواضعة بين اثنين أو جماعة ، والعرب تخصّ بها غالباً كلام العجم كذا قيل (٥).

وحكم الشهيد في الذكرى (٦) وكذا غيره (٧) بكراهة التكلّم بالعجمية ، وهو مشكل ، وظنّي أنّ تخصيص العرب كلام العجم بالرطانة إنّما هو من باب التشبيه ، لا أنه هو.

ويكره التوضّؤ عن البول والغائط في المسجد ، لصحيحة رفاعة ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الوضوء في المسجد فكرهه من البول والغائط (٨) ، وربّما حمل على الاستنجاء ، ولا وجه له ، لثبوت الحقيقة الشرعية.

ويؤيّده ما ورد في الموثّق : «إذا كان الحدث في المسجد فلا بأس بالوضوء في

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٧٠ ح ١١ ، التهذيب ٣ : ٢٥٨ ح ٧٢١ ، الوسائل ٣ : ٤٩٦ أبواب أحكام المساجد ب ١٨ ح ٢.

(٢) التهذيب ٣ : ٢٦٣ ح ٧٤٢ ، الوسائل ٣ : ٥١٥ أبواب أحكام المساجد ب ٣٧ ح ١.

(٣) التهذيب ٣ : ٢٦٢ ح ٧٣٩ ، الوسائل ٣ : ٤٩٥ أبواب أحكام المساجد ب ١٦ ح ٢.

(٤) الكافي ٣ : ٣٦٩ ح ٧ ، الوسائل ٣ : ٤٩٥ أبواب أحكام المساجد ب ١٦ ح ١.

(٥) النهاية لابن الأثير ٢ : ٢٣٣.

(٦) الذكرى : ١٥٧ ، الدروس ١ : ١٥٦.

(٧) نهاية الإحكام ١ : ٣٥٩.

(٨) الكافي ٣ : ٣٦٩ ح ٩ ، التهذيب ٣ : ٢٥٧ ح ٧١٩ ، وج ١ : ٣٥٦ ح ١٠٦٧ ، الوسائل ١ : ٣٤٥ أبواب الوضوء ب ٥٧ ح ١.

٢٤٣

المسجد» (١) إذ الظاهر عدم كونهما مما يقع في المسجد.

وكذا ما ورد من فضل التوضّؤ في البيت لمن أراد المسجد (٢) وإن كنّا لا نمنع كراهة الاستنجاء أيضاً بل تحريمه.

__________________

(١) التهذيب ١ : ٣٥٦ ح ١٠٦٦ ، الوسائل ١ : ٣٤٥ أبواب الوضوء ب ٥٧ ح ٢.

(٢) الوسائل ١ : ٢٦٦ أبواب الوضوء ب ١٠.

٢٤٤

المقصد الثالث

في لباس المصلي

وفيه مباحث :

الأوّل : ستر العورة في الصلاة واجب بإجماع العلماء ، وشرط في الصحّة أيضاً عند أصحابنا (١) ، وهو في الجملة إجماعيّ مستفاد من الأخبار (٢).

وهل هو شرط مع التمكّن منه مطلقاً ، أو إلّا في حال النسيان وعدم العلم مطلقاً ، (أو إذا لم يكن صلّى) (٣) غير مستور من أوّلها إلى آخرها دون ما صار غير مستور في الأثناء؟ فيه أقوال.

فعن ابن الجنيد لو صلّى وعورتاه مكشوفتان غير عامد أعاد في الوقت فقط ؛ (٤) ، ولعلّه لدعوى الشرطية مطلقاً ؛ فلا يتفاوت بسبب النسيان. وعدم القضاء ، لأنّه بفرض جديد.

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٩٩ ، المدارك ٣ : ١٩٠.

(٢) الوسائل ٣ : ٣٢٦ أبواب لباس المصلّي ب ٥٠.

(٣) في «ص» : أو لم يكن ، وفي «م» : أو إذا صلّى.

(٤) نقله عنه في المختلف ٢ : ٩٩ ، والذكرى : ١٤٠.

٢٤٥

وفيه : منع الشرطية مطلقاً ، وأنّه لو سلّم ذلك فيثبت القضاء لعموم ما ورد في قضاء الفائتة (١) ، لصدق الفوت حينئذٍ.

وعن المبسوط : إن انكشفت عورتاه في الصلاة وجب عليه سترهما ولا تبطل صلاته ، قَلّ المنكشف منهما أو كَثُر ، بعضها كان أو كلّها (٢) ، واختاره في المختلف (٣).

وفي المعتبر : لو انكشفت العورة ولم يعلم سَتَرها ولم تبطل صلاته ، تطاولت المدة قبل علمه أو لم تطل ، كثيراً كان الكشف أو قليلاً (٤).

ووجه هذا القول أنّ غير العالم غير مأمور به ؛ لقبحه ، ومنع الشرطية مطلقاً ، وصحيحة عليّ بن جعفر ، عن أخيه موسى عليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل صلّى وفرجه خارج لا يعلم به ، هل عليه إعادة أو ما حاله؟ قال : «لا إعادة عليه ، وقد تمّت صلاته» (٥).

وقال الشهيد في الذكرى بعد ذكر الأقوال والأدلّة كما ذكرنا : ولو قيل بأنّ المصلّي عارياً مع التمكّن من الساتر يعيد مطلقاً ، والمصلّي مستوراً ويعرض له التكشّف بغير قصد لا يعيد مطلقاً ؛ كان قويّاً ، نعم يبطل لو أخلّ بالستر عند الذكر (٦) ، انتهى.

والتحقيق : أنّ الصحيحة مع ملاحظة ترك الاستفصال تفيد العموم في الفرج بجميع أفراده وأجزائه ، وجميع أحوال التكشّف ، فيشمل ما لو كان مكشوفاً من أوّل الصلاة ولم يعلم بها.

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٣٤٧ أبواب قضاء الصلوات ب ١.

(٢) المبسوط ١ : ٨٧.

(٣) المختلف ٢ : ٩٩.

(٤) المعتبر ٢ : ١٠٦.

(٥) التهذيب ٢ : ٢١٦ ح ٨٥١ ، الوسائل ٣ : ٢٩٣ أبواب لباس المصلّي ب ٢٧ ح ١.

(٦) الذكرى : ١٤١.

٢٤٦

فهذه الصحيحة مع عدم ثبوت الشرطيّة إلّا في حال العلم والتذكّر وأنّ الأصل عدمه تكفي في عموم الحكم بالصحّة إلّا مع الإخلال بالستر بعد الذكر.

والتشكيك في أنّ أصل العدم لا يجري في مهيّة العبادات ليس بشي‌ء كما حقّق في محلّه.

ثمّ إنّ الأظهر عندي أنه إذا ساوى الورق والحشيش الثوب في الستر فلا ترتيب ، وما ورد في الأخبار (١) من أنّ أدنى ما يجزئ درع وملحفة ونحو ذلك ، فهو وارد مورد الغالب.

وما يتوهّم من أنّ الساتر في الأخبار لا ينصرف إليه فهو ضعيف ، إذ الستر المذكور في الأخبار المراد به مجرد حصول الستر ، ففي صحيحة عليّ بن جعفر : «إن أصاب حشيشاً يستر به عورته أتمّ صلاته بالركوع والسجود ، وإن لم يصب شيئاً يستر به عورته أومأ وهو قائم» (٢) وكذلك لا يستفاد من سائرها إلّا ذلك.

ولو لم يوجد الورق والحشيش ، فإن أمكن الستر بالطين اللازب بحيث يستر الحجم أيضاً وأمن من التناثر في البين فالظاهر أنّه يكفي لحصول الستر ، وعدم جواز الانتقال إلى الإيماء مع الإمكان ، وعدم انصراف أخبار الإيماء (٣) إلى ذلك ، والتكليف باقٍ يقيناً. ومفهوم آخر الصحيحة المتقدّمة أيضاً يؤيّده.

والظاهر مساواته حينئذٍ لغيره من الورق والحشيش ، بل الثوب أيضاً ، وإن كان الترتيب أحوط.

وإن لم يمكن إلّا ستر اللون كالنورة ففي الاكتفاء به إشكال وإن ورد في الأخبار ما يدلّ على كفايته في جواز النظر في أخبار آداب الحمّام (٤) بل الأظهر أنّه

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٢٩٣ أبواب لباس المصلّي ب ٢٨.

(٢) التهذيب ٢ : ٣٦٥ ح ١٥١٥ ، الوسائل ٣ : ٣٢٦ أبواب لباس المصلّي ب ٥٠ ح ١.

(٣) الوسائل ٣ : ٣٢٦ أبواب لباس المصلّي ب ٥٠.

(٤) الوسائل ١ : ٣٧٨ أبواب آداب الحمّام ب ١٨.

٢٤٧

يومي حينئذٍ ، والأحوط التستّر به حينئذٍ ثمّ الإيماء.

ويظهر من بعضهم إطلاق مساواة الطين حتّى مع الثوب (١) ، فإن أراد هذه الصورة فهو مشكل ، وإن أراد ما ذكرنا فنعم الوفاق.

فالقول بالترتيب بالثوب ، ثمّ الورق والحشيش ، ثمّ الطين ، وكذلك بالتخيير مطلقاً ، وكذلك تقديم الثوب ثمّ التخيير مما لم يقم عليه دليل.

وفي وجوب الولوج في الوحل ونحوه للستر إشكال ، وكذلك لو أمكنه ولوج حفيرة والصلاة فيها قائماً ، وأوجبه الشيخ (٢).

وهل يجب الركوع والسجود حينئذٍ؟ فعن المحقّق : نعم (٣) ، لحصول الستر ، ولمرسلة أيّوب بن نوح (٤).

ويشكل تخصيص الأخبار الصحيحة بها ؛ لإرسالها ، وأنّ المعتبر الساتر الملاصق ، وهو المتبادر من الأخبار.

ويقوى الإشكال فيما لو كانت الحفرة مماسّة للبدن ، بأن يسدّ الخلل بالتراب ونحوه ، وأمكن الركوع والسجود ، ولا يبعد حينئذٍ القول بالوجوب إذا لم يتعسّر عليه.

فإذا فقد الساتر مطلقاً حتّى بالشراء ما لم يحصل الضرر والحرج أو الاستئجار كذلك أو الاستعارة فيصلّي عرياناً مومئاً للركوع والسجود ، فلو ركع وسجد حينئذٍ تبطل صلاته ، عمداً كان أو سهواً ، لعدم الإتيان بفرضه حينئذٍ ، وليكن السجود أخفض.

وفي وجوب القيام في الصلاة أو الجلوس أقوال ، ثالثها : القيام إن أمن

__________________

(١) المختصر النافع : ٢٥ ، مجمع الفائدة ٢ : ١٠٦.

(٢) المبسوط ١ : ٨٨.

(٣) المعتبر ٢ : ١٠٥.

(٤) التهذيب ٢ : ٣٦٥ ح ١٥١٧ ، الوسائل ٣ : ٣٢٦ أبواب لباس المصلّي ب ٥٠ ح ٢.

٢٤٨

المطّلع (١) ، وهو الأشهر الأظهر ؛ جمعاً بين الأخبار الصحيحة ، مثل صحيحة عليّ بن جعفر المتقدّمة ، وصحيحة عبد الله بن سنان (٢) ، وحسنة زرارة لإبراهيم بن هاشم (٣) الدالّة على القيام.

وصحيحة عبد الله بن سنان عن الصادق عليه‌السلام ، قال : سألته عن قوم صلّوا جماعة وهُم عراة ، قال : «يتقدّمهم الإمام بركبتيه ويصلّي بهم جلوساً وهو جالس» (٤).

ولصحيحة عبد الله بن مسكان ، عن بعض أصحابه ، عن الصادق عليه‌السلام : في الرجل يخرج عرياناً فتدركه الصلاة ، قال : «يصلّي عرياناً قائماً إن لم يَرَه أحد ، فإن رآه أحد صلّى جالساً» (٥).

واحتمل في المعتبر التخيير مطلقاً استضعافاً للرواية (٦) ، وحسّنه في المدارك (٧).

ولا وجه له ، لأنّ العمل يجبر ضعفه بالإرسال. مع أنّ إرسال ابن مسكان غير مضرّ ، لأنّه ممن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه (٨) ، مع أنّ الراوي عنه ابن أبي عمير.

وروى في المحاسن في الصحيح ، عن محمّد بن أبي حمزة ، عنه (٩) ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في رجلٍ عريان ليس معه ثوب ، قال : «إذا كان

__________________

(١) الخلاف ١ : ٣٩٩ مسألة ١٥١.

(٢) الفقيه ١ : ١٦٦ ح ٧٨٢ ، التهذيب ٢ : ٣٦٦ ح ١٥١٩ ، الوسائل ٣ : ٣٢٦ أبواب لباس المصلّي ب ٥٠ ح ٤.

(٣) الكافي ٣ : ٣٩٦ ح ١٦ ، التهذيب ٢ : ٣٦٤ ح ١٥١٢ ، الوسائل ٣ : ٣٢٧ أبواب لباس المصلّي ب ٥٠ ح ٦.

(٤) التهذيب ٢ : ٣٦٥ ح ١٥١٣ ، الوسائل ٣ : ٣٢٨ أبواب لباس المصلّي ب ٥١ ح ١.

(٥) الفقيه ١ : ١٦٨ ح ٧٩٣ ، التهذيب ٢ : ٣٦٥ ح ١٥١٦ ، الوسائل ٣ : ٣٢٦ أبواب لباس المصلّي ب ٥٠ ح ٣.

(٦) المعتبر ٢ : ١٠٥.

(٧) المدارك ٣ : ١٩٥.

(٨) انظر رجال الكشي ٢ : ٦٧٣ ، ومعجم رجال الحديث ١٠ : ٣٢٤ رقم ٧١٦١.

(٩) يعني عن عبد الله بن مسكان.

٢٤٩

حيث لا يَرَاه أحد فليصلّ قائماً» (١).

ويجب الإيماء بالرأس إن أمكن ، لحسنة زرارة المتقدّمة (٢) ، وإلّا فبالعينين ، وأوجب في الذكرى ملاحظة الأصل ، فينحني بحسب المُكنة بحيث لا تبدو معه العورة (٣) ، وفي وجوبه إشكال بالنظر إلى إطلاقات الإيماء.

وكذا الإشكال (٤) في مراعاة الأصل في أوضاع السجود ، وكذا في وضع شي‌ء يسجد عليه على جبهته وتقريب مرتفع يسجد عليه إن أمكن.

ونفى البُعد في المدارك عن وجوب الأخير ، لصحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج الواردة في صلاة المريض (٥) و (٦) ، ويظهر من الذكرى التعدّي بطريق الأولى (٧).

والأظهر عندي عدم الوجوب في الجميع. والأولوية ممنوعة ، وفي الاستدلال بها إشكال.

وإطلاق كلام الأصحاب كظاهر الروايات أنّ المصلّي قائماً يومئ للسجود قائماً أيضاً ، ونقل في الذكرى عن شيخه عميد الدين تقوية الجلوس ، لأنّه أقرب إلى الأصل ، وإتيان بالمأمور به بحسب الاستطاعة.

وضعّفه الشهيد بأنّه تقييد للنصوص ، وألزم عليه وجوب القيام لإيماء الركوع لو جلس (٨).

وفيه : أنّ النصوص لا تنافي ما ذكره ، لأنّ المراد بالقيام فيها الصلاة بالقيام ،

__________________

(١) المحاسن : ٣٧٢ ح ١٣٥ ولكن فيه عن أبي جعفر عليه‌السلام.

(٢) المتقدّمة في ص ٢٤٩.

(٣) الذكرى : ١٤٢.

(٤) في «م» ، «ح» : وكذا لا إشكال.

(٥) المدارك ٣ : ١٩٥.

(٦) التهذيب ٣ : ٣٠٨ ح ٩٥٢ ، الوسائل ٣ : ٢٣٦ أبواب القبلة ب ١٤ ح ١. والرواية فيهما عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله.

(٧) الذكرى : ١٤٢.

(٨) الذكرى : ١٤٢.

٢٥٠

مقابل الصلاة جالساً ، لا أنّه يجب الإيماء قائماً مطلقاً كما لا يخفى على المتأمّل.

والنقض غير وارد ، لأنّ الجالس في الصلاة يركع جالساً ، كما أنّ القائم في الصلاة يسجد (قائماً) (١) فما نقله أقرب إن لم يلزم منه انكشاف العورة.

ثمّ إنّ صلاة العاري هل تصحّ مع سعة الوقت ورجاء حصول الساتر كما ذكره الشيخ (٢) ، أو لا تصح إلّا مع ضيق الوقت كما هو مذهب المرتضى (٣) وسلّار (٤) ، أو يجب التأخير مع ظنّ حصوله كما هو مذهب المعتبر (٥)؟ الأقوى وجوب التأخير مع ظنّ الحصول ، بل مع رجائه أيضاً ، للاستصحاب ، وعدم صدق عدم الوجدان عرفاً إلّا بعد الانتظار والطلب.

ويؤيّده ما رواه في قرب الإسناد ، عن السندي بن محمّد ، عن أبي البختري ، عن جعفر ، عن أبيه عليهما‌السلام ، أنّه قال : «من غرقت ثيابه فلا ينبغي له أن يصلّي حتّى يخاف ذهاب الوقت يبتغي ثياباً ، فإن لم يجد صلّى عرياناً جالساً يومئ إيماء ، يجعل سجوده أخفض من ركوعه ، فإن كانوا جماعة تباعدوا في المجالس ثمّ صلّوا كذلك فرادى» (٦).

ولو وجد الساتر في الأثناء ، فإن أمكنه الستر من غير فعل المنافي فعل ، وإلّا ففي صحّته مطلقاً لأنّ الصلاة على ما افتتحت عليه ، وللاستصحاب ، وقوله تعالى (وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ) (٧). وبطلانه إذا اتّسع الوقت ولو لركعة ؛ وجهان ، بل قولان ، أظهرهما الأوّل.

__________________

(١) في «ص» : قاعداً.

(٢) النهاية : ٥٥.

(٣) جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى) ٣ : ٤٩.

(٤) المراسم : ٧٦.

(٥) المعتبر ٢ : ١٠٨.

(٦) قرب الإسناد : ٦٦.

(٧) محمّد : ٣٣.

٢٥١

بقي أُمور :

الأوّل : قال في الذكرى : الستر يُراعى من الجوانب ومن فوق ، ولا يراعى من تحت فلو كان على طرف سطح تُرى عورته من تحته أمكن الاكتفاء ، لأنّ الستر إنّما يلزم من الجهة التي جرت العادة بالنظر منها ، وعدمه ، وهو الذي اختاره الفاضل ، لأنّ الستر من تحت إنّما لا يراعى إذا كان على وجه الأرض لعسر التطلّع حينئذٍ ، أما صورة الفرض فالأعين تبتدر لإدراك العورة ، ولو قام على محرم لا يتوقّع ناظر تحته فالأقرب أنّه كالأرض ، لعدم ابتدار الأعين (١) ، ولا بأس بما ذكره ؛ وذكره الفاضل رحمه‌الله (٢).

والأظهر عدم وجوب الستر عن نفسه ، للأصل ، وتنبيه بعض الأخبار عليه (٣) ، فلو بَدَت له العورة حال الركوع بحيث لا تبدو لغيره ممّن حاذاه فلا تبطل.

فما ورد في بعض الروايات من منع الصلاة في الثوب المحلول الأزرار إذا لم يكن عليه إزار (٤) محمول على الاستحباب ، كما هو ظاهر بعضها (٥) ، أو على ما يظهر للغير حيناً ما.

وفي بطلان الصلاة في مثله من أوّلها أو من حين الظهور وجهان ، أظهرهما الثاني ، ونقل الأوّل في الذكرى عن بعض العامّة (٦) ، ويتفرّع على ذلك ما لو استدرك الستر في الأثناء وغير ذلك.

الثاني : لو كان في الثوب خَرق يحاذي العورة وجمعها بيده فلا يضرّ وأمّا لو

__________________

(١) الذكرى : ١٤١.

(٢) التذكرة ٢ : ٤٦٢.

(٣) الوسائل ٣ : ٢٨٥ أبواب لباس المصلّي ب ٢٣.

(٤) الوسائل ٣ : ٢٨٥ أبواب لباس المصلّي ب ٢٣.

(٥) الوسائل ٣ : ٢٨٦ أبواب لباس المصلّي ب ٢٣ ح ٥.

(٦) الذكرى : ١٤١.

٢٥٢

سترها بوضع يده عليها أو يدِ الغير حيث يجوز فالأظهر البطلان ، لعدم انفهام ذلك من الستر في الأخبار ، وليس ذلك من باب الحشيش والورق والطين حتى يناقض ما قدّمناه فلا تغفل.

الثالث : لا يجوز لبس الحرير إذا فقد غيره لحرمته مطلقاً ، ولو وجد الحرير والنجس واضطرّ إلى أحدهما فيقدّم النجس ، لورود الرخصة به دونه ، ولأنّه ممنوع بالذات دون النجس.

الرابع : تستحبّ الجماعة للعراة رجالاً ونساءً خلافاً لبعض العامّة (١) ، ورواية أبي البختري المتقدّمة مع ضعفها محمولة على الجواز ، أو على التقية.

ويصلّون صفّاً واحداً يتقدّمهم الإمام بركبتيه كما في صحيحة عبد الله ابن سنان (٢).

ويومئون على المشهور المدّعى عليه الإجماع من ابن إدريس (٣) ، وقال الشيخ في النهاية : إنّ الإمام يومي ويركع ويسجد من خلفه (٤) ، لموثّقة (ابن بكير) (٥) وحسنته في المعتبر (٦) ، والأوّل أقوى.

ولو لم يمكن إلّا بتعدد الصفوف فالظاهر الجواز ، ويتفاوت حكم الأوّل والثاني بالنظر إلى قول الشيخ ، فيصير الصفّ الأوّل كالإمام بالنسبة إلى الثاني.

__________________

(١) الام ١ : ٩١ ، المجموع ٣ : ١٨٥ ، فتح العزيز ٤ : ٩٨ ، المهذّب للشيرازي ١ : ٧٣ ، المغني ١ : ٦٦٨ ، الشرح الكبير ١ : ٥٠٣.

(٢) التهذيب ٢ : ٣٦٥ ح ١٥١٣ ، الوسائل ٣ : ٣٢٨ أبواب لباس المصلّي ب ٥١ ح ١.

(٣) السرائر ١ : ٢٦٠.

(٤) النهاية : ١٣٠.

(٥) في «ص» : أبي بكر ، والرواية بهذا المعنى واردة عن إسحاق بن عمّار كما في المعتبر أيضاً ، انظر التهذيب ٢ : ٣٦٥ ح ١٥١٤ ، والوسائل ٣ : ٣٢٨ أبواب لباس المصلّي ب ٥١ ح ٢.

(٦) المعتبر ٢ : ١٠٧.

٢٥٣

الثاني : قد تقدّم الكلام في تحقيق العورة في كتاب الطهارة ، والذي يجب هنا ستره من الرجل فهو ما حقّقنا (١) أنّه العورة منه : من القُبُل والقضيب والأُنثيان والدبُر ؛ أعني نفس المخرج.

وأمّا المرأة فيجب عليها ستر تمام بدنها إلّا الوجه والكفّين والقدمين على المشهور بين الأصحاب ، ووجوب ستر ما عدا الأُمور المذكورة اتّفاق من أصحابنا ، عدا ابن الجنيد ، فإنّه جوّز للمرأة الحرّة وغيرها أن تصلّي مكشوفة الرأس حيث لا يراها غير ذي مَحرم (٢).

وربّما يشتبه كلام بعض الأصحاب (٣) في نقل قول ابن الجنيد بأنّه لا يقول بوجوب ستر غير القبل والدبر على المرأة في الصلاة ، وليس كذلك ، بل مراد ابن الجنيد بيان العورة بمعنى ما يجب ستره حتّى عن المحارم ، لا في خصوص حال الصلاة. واشتراط تجويزه كشف الرأس بعدم وجود غير ذي محرم شاهد صدق على ذلك.

قال في الذكرى (٤) : وأجمع العلماء على عدم وجوب ستر وجهها إلّا أبا بكر بن هشام ، وعلى عدم وجوب ستر الكفّين إلّا أحمد وداود.

قال : وأمّا القدمان فالمشهور عندنا أنّهما ليستا من العورة ؛ لبدوّهما غالباً ، ولقضية الأصل. ويظهر من كلام الشيخ في الاقتصاد (٥) وكلام أبي الصلاح (٦) منع

__________________

(١) في الجزء الأوّل.

(٢) نقله عنه في المختلف ٢ : ٩٦.

(٣) كالسبزواري في الذخيرة : ٢٣٧ ، والمجلسي في البحار ٨٠ : ١٨٠.

(٤) الذكرى : ١٣٩.

(٥) الاقتصاد : ٢٥٨.

(٦) الكافي في الفقه : ١٣٩.

٢٥٤

كشف اليدين والقدمين ، لعموم قول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : «المرأة عورة» (١) انتهى.

وليس في الأخبار تصريح في تحديد ما يجب ستره من المرأة ، لكن ظاهر بعضها يفيد ما قدّمنا ، مثل صحيحة محمّد بن مسلم عن الباقر عليه‌السلام ، وفيها : «والمرأة تصلّي في الدرع والمقنعة إذا كان الدرع كثيفاً ، يعني إذا كان ستيراً» قلت : رحمك الله الأمة تغطّي رأسها إذا صلّت؟ فقال : «ليس على الأمة قِناع» (٢).

وصحيحة زرارة ، قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن أدنى ما تصلّي فيه المرأة ، قال : «درع وملحفة تنشرها على رأسها وتجلّل بها» (٣).

وصحيحة عليّ بن جعفر ، عن أخيه موسى بن جعفر عليه‌السلام : عن المرأة ليس عليها إلّا ملحفة واحدة كيف تصلّي؟ قال : «تلتفّ بها وتغطّي رأسها وتصلّي ، فإن خرجت رجلها وليس تقدر على غير ذلك فلا بأس» (٤).

وجه الاستدلال : أنّ الدرع لا يستر اليدين والقدمين بل العقب غالباً ، أو نقول : إنّه عليه‌السلام أطلق جواز الصلاة فيه ، وقد تظهر معه اليدان والقدمان ، وكذلك المقنعة لا تستر الوجه غالباً.

ولكن الإشكال في استفادة وجوب ستر غير المذكورات ، وهو متوقّف على كون المقنعة ساترة للعنق وساتر الجيب الدِّرع حتّى لا يظهر شي‌ء من الصدر ، أو يكون الدرع ساتراً له ، وكلّ ذلك مشكل.

وكذلك ما يقرب الكفّ والقدم من الساقين ، فالعمدة هو الإجماع ، ولذلك

__________________

(١) سنن الترمذي ٣ : ٤٧٦ ح ١١٧٣.

(٢) الكافي ٣ : ٣٩٤ ح ٢ ، التهذيب ٢ : ٢١٧ ح ٨٥٥ ، الوسائل ٣ : ٢٩٧ أبواب لباس المصلّي ب ٢٩ ح ١.

(٣) التهذيب ٢ : ٢١٧ ح ٨٥٣ ، الاستبصار ١ : ٣٨٨ ح ١٤٧٨ ، الوسائل ٣ : ٢٩٥ أبواب لباس المصلّي ب ٢٨ ح ٩.

(٤) الفقيه ١ : ٢٤٤ ح ١٠٨٣ ، مسائل عليّ بن جعفر : ١٧٢ ح ٢٩٩ ، الوسائل ٣ : ٢٩٤ أبواب لباس المصلّي ب ٢٨ ح ٢.

٢٥٥

قالوا بلزوم ستر شي‌ء من الكفّين والقدمين من باب مقدّمة ستر الساق (١) ، فإن ثبت الإجماع فهو ، وإلّا لكان في ذلك للتوقّف مجال.

وأيضاً يشكل الأمر في تحديد الدرع والمقنعة وتعيينهما ، والظاهر أنّ المعتبر منه ما هو المتعارف في زمان الراوي والمروي عنه وبلادهم ، ولا يمكن معرفته إلّا بالنقل ، أو بأصالة عدم النقل ، وذلك يتمّ إذا كان الدرع والمقنعة المتداولة في بلاد الحجاز والعراق الان كذلك.

مع أنّ في بعض روايات أصحابنا الواردة في شأن نزول أية الحجاب (٢) أنّهن كنّ في عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يتقنّعن خلف أذانهن (٣) ، وبالجملة لا ملجأ في الحكم إلّا الإجماع.

نعم لو قلنا بأنّ حصول الشكّ في ذلك يكفي ؛ لعدم الصحّة إلّا مع ستر ما عدا المذكورات ، لاستصحاب شغل الذمة ووجوب الامتثال بالمجمل ، وهو لا يحصل إلا بستر ما يحصل اليقين معه لكان وجهاً آخر لإثبات المطلوب ، لكن يحتاج في إخراج مجموع الكفّين والقدمين حينئذٍ إلى الإجماع أيضاً.

مع أنّ المستفاد من تلك الأخبار تجويز خروج شي‌ءٍ ما من الكفّين والقدمين حينئذٍ على (إجمال) (٤) في انضمام شي‌ء آخر إليهما من الساق ، فهو في معنى المخصّص بالمجمل ، ولم تثبت حجيته في قدر الإجمال. وكون الأصل وجوب الستر إلا ما خرج بالدليل أيضاً محلّ تأمّل.

وأمّا الشعر والأذنان فيظهر من الذكرى أنّ في وجوب سترهما خلافاً ، فإنّه قال : الأقرب وجوب ستر الأُذنين والشعر من المرأة ، لرواية فضيل عن الباقر عليه‌السلام ،

__________________

(١) جامع المقاصد ٢ : ٩٧.

(٢) النور : ٣١.

(٣) الكافي ٥ : ٥٢١ ح ٥ ، الوسائل ١٤ : ١٣٨ أبواب مقدّمات النكاح وآدابه ب ١٠٤ ح ٤.

(٤) في «م» ، «ح» : إجماع.

٢٥٦

قال : «صلّت فاطمة عليها‌السلام وخمارها على رأسها ، ليس عليها أكثر مما وارَت به شعرها وأُذنيها» (١).

قال : وفي الصدغين وما لم يجب غسله من الوجه نظر ؛ من تعارض العرف اللغوي والشرعي ، وأما العنق فلا شكّ في وجوب ستره من الحرّة ، وأما الأمة فالأقرب تبعيّته للرأس لتعسّر ستره من دون الرأس (٢).

أقول : ورواية فضيل قد يُقدح في سندها باشتمالها على مهمل ، وتُمنع دلالتها ، والحقّ أنّه لا وجه للقدح في الدلالة ، فإنّ ظاهرها أنّه عليه‌السلام في مقام بيان أقلّ ما يجزئ.

ومع اعتضادها بما ذكرنا من الشكّ في حصول البراءة بدون ذلك ، وورود الرواية في الفقيه ، وتأيّدها بظاهر صحيحة زرارة وصحيحة عليّ بن جعفر المتقدّمتين (٣) يندفع القدح في السند أيضاً.

وأما قوله في حكاية الصدغين فلم نقف على رواية مصرّحة باستثناء الوجه حتّى يتفرّع عليه ما ذكره.

نعم روى الشيخ في الموثّق عن سماعة قال : سألته عن الرجل يصلّي فيتلو القرآن وهو متلثّم ، فقال : «لا بأس به ، وإن كشف عن فيه فهو أفضل» قال : وسألته عن المرأة تصلّي متنقّبة ، قال : «إذا كشفت عن موضع السجود فلا بأس ، وإن أسفرت فهو أفضل» (٤).

وكيف كان ، فالأظهر أنّ المعتبر هو ما يتعارف خروجه من المقنعة ، وبالنظر إلى هذه الموثّقة أيضاً الأظهر الرجوع إلى العرف.

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٦٧ ح ٨٧٥ ، الوسائل ٣ : ٢٩٣ أبواب لباس المصلّي ب ٢٨ ح ١.

(٢) الذكرى : ١٤٠.

(٣) في ص ٢٥٥.

(٤) التهذيب ٢ : ٢٣٠ ح ٩٠٤ ، الوسائل ٣ : ٣٠٧ أبواب لباس المصلّي ب ٣٥ ح ٦.

٢٥٧

وأما حجّة ابن الجنيد : فهي موثّقة ابن بكير عن الصادق عليه‌السلام ، قال : «لا بأس بالمرأة المسلمة الحرّة أن تصلّي وهي مكشوفة الرأس» (١) ولا تقاوم ما ذكرنا وما سنذكر ، وقد حملت على الصغيرة أو الضرورة.

وأما حجّة الاقتصاد : فهو ما روي عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله : «إنّ المرأة عورة» (٢) وهو مع أنّ دلالته ممنوعة مخصّصة بالأخبار الخاصّة. ثمّ إنّ هذا حكم الحرّة البالغة.

وأما الأمة والصبية فتصلّيان بغير خمار بإجماع العلماء إلّا الحسن البصري (٣) إذا تزوّجت الأمة أو اتّخذها الرجل لنفسه. قال في الذكرى : وهو محجوج بسبق الإجماع وتأخّره (٤) ، وتدلّ عليه الصحاح وغيرها من الأخبار المستفيضة (٥).

وفي استحباب الستر لهما إشكال ، وقال به المحقّق معترفاً بعدم النصّ ، لما فيه من الستر والحياء (٦).

ويظهر من بعض الأخبار العدم ، بل استحباب الترك ، مثل ما رواه الصدوق في العلل ، عن حمّاد اللحّام ، عن الصادق عليه‌السلام ، قال : سألته عن الخادم تقنّع رأسها في الصلاة ، قال : «اضربوها حتّى تعرف الحرّة من المملوكة» (٧) وتقرب منها روايته الأُخرى فيه أيضاً (٨).

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢١٨ ح ٨٥٧ ، الاستبصار ١ : ٣٨٩ ح ١٤٨١ ، الوسائل ٣ : ٢٩٧ أبواب لباس المصلّي ب ٢٩ ح ٥.

(٢) سنن الترمذي ٣ : ٤٧٦ ح ١١٧٣.

(٣) نقله عنه في المعتبر ٢ : ١٠٣ ، والمجموع ٣ : ١٦٩ ، والمغني ١ : ٦٧٤ ، والشرح الكبير ١ : ٤٩٢ ، وبداية المجتهد ١ : ١١٦.

(٤) الذكرى : ١٤٠.

(٥) الوسائل ٣ : ٢٩٧ أبواب لباس المصلّي ب ٢٩.

(٦) المعتبر ٢ : ١٠٣.

(٧) علل الشرائع : ٣٤٥ ح ١ ، الوسائل ٣ : ٢٩٨ أبواب لباس المصلّي ب ٢٩ ح ٨ ، ولكن في العلل وفي نسخة من الوسائل : حمّاد الخادم.

(٨) علل الشرائع : ٣٤٦ ح ٢ ، الوسائل ٣ : ٢٩٩ أبواب لباس المصلّي ب ٢٩ ح ٩.

٢٥٨

وروى مثله البرقي في المحاسن (١) ، ويؤدّي مؤدّاه ما رواه في الذكرى عن كتاب عليّ بن إسماعيل الميثمي (٢).

وإطلاق الأخبار وكلام الأصحاب يعطي عدم التفرقة بين القنّ والمدبّرة والمكاتبة المشروطة أو المطلقة الّتي لم تؤدِ شيئاً وأُم الولد. وصحيحة محمّد بن مسلم ناطقة بأكثرها (٣)

وأما مفهوم صحيحة محمّد بن مسلم عن الصادق عليه‌السلام قال ، قلت له : الأمة تغطّي رأسها؟ فقال : «لا ، ولا على أُم الولد أن تغطّي رأسها إذا لم يكن لها ولد» (٤) فلا يقاوم ما ذكرنا من الأدلّة.

واحتمل في المدارك إلحاقها مع حياة ولدها بالحرّة لذلك (٥) ، والأحوط العمل بمضمونها.

وأما المبعّضة فكالحرّة ، للعمومات (٦) وعدم صدق الأمة ، ولخصوص قويّة حمزة بن حمران (٧).

ولو أُعتقت في الأثناء وجب عليها الستر ، فإن افتقرت إلى فعلٍ كثير فقال في الذكرى : استأنفت مع سعة الوقت ، وأتمّت لا معه ، لتعذّر الشرط حينئذٍ ، فتصلّي بحسب المُكنة (٨).

__________________

(١) المحاسن : ٣١٨ ح ٤٥ ، الوسائل ٣ : ٢٩٩ أبواب لباس المصلّي ب ٢٩ ذ. ح ٩.

(٢) الذكرى : ١٤٠ ، الوسائل ٣ : ٢٩٩ أبواب لباس المصلّي ب ٢٩ ح ١١.

(٣) المتقدّمة في ص ٢٥٥ ، وهي في الكافي ٣ : ٣٩٤ ح ٢ ، والتهذيب ٢ : ٢١٧ ح ٨٥٥ ، الوسائل ٣ : ٢٩٧ أبواب لباس المصلّي ب ٢٩ ح ١.

(٤) التهذيب ٢ : ٢١٨ ح ٨٥٩ ، الاستبصار ١ : ٣٩٠ ح ١٤٨٣ ، الوسائل ٣ : ٢٩٧ أبواب لباس المصلّي ب ٢٩ ح ٤.

(٥) المدارك ٣ : ١٩٩.

(٦) الوسائل ٣ : ٢٩٣ أبواب لباس المصلّي ب ٢٨.

(٧) التهذيب ٨ : ٢٢٨ ح ٨٢٦ ، الاستبصار ٤ : ٦ ح ٢٠ ، الوسائل ٣ : ٢٩٥ أبواب لباس المصلّي ب ٢٨ ح ١٢.

(٨) الذكرى : ١٤٠.

٢٥٩

وفي الخلاف (١) : تستمرّ المعتقة وأطلق ، لأنّ دخولها كان مشروعاً والصلاة على ما افتتحت عليه (٢).

لنا : أنّ الستر شرط وقد أمكن فتجب مراعاته.

قال : أمّا الصبية فتستأنف لو بلغت في الأثناء ، لأنّ النفل لا يجزئ عن الفرض ، ولو ضاق الوقت عن الركعة والطهارة أتمّت مستترة إن أمكن.

الثالث : تجب طهارة الثوب والبدن في الصلاة ، وتشترط صحّتها بها فتبطل إذا علم بالنجاسة وصلّى معها عمداً ، سواء بقي الوقت أو خرج ، ونقل الإجماع على ذلك غير واحد من أصحابنا (٣).

ويدلّ عليه قوله تعالى (وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ) (٤) أمّا على ثبوت الحقيقة الشرعية فظاهر ، وأمّا على عدمه فلقرينة الأمر الدالّ على الوجوب ؛ لعدم القول بوجوب غيرها.

ويعاضده ما ورد في بطن الآية من أنّ المراد هو تقصير الثياب أو تشميرها ، فإنّ الظاهر أنّه للاحتراز عن النجاسات ، والإجماع على عدم الوجوب لنفسه يعيّن وجوبه للصلاة ، والأخبار المتظافرة ناطقة به أيضاً (٥) ، وستجي‌ء جملة منها.

والأظهر أنّ الجاهل بالحكم أيضاً كالعالم إذا كان مقصّراً في التحصيل.

وأمّا الجاهل بالنجاسة ، فإن علم بها بعد الفراغ وخروج الوقت فلا يقضي قولاً واحداً ، وادّعى عليه الإجماع العلّامة في المنتهي (٦) وابن إدريس (٧)

__________________

(١) الخلاف ١ : ٣٩٦ مسألة ١٤٦.

(٢) عوالي اللآلي ١ : ٢٥٠ ح ٣٤.

(٣) كالعلّامة في التذكرة ٢ : ٤٧٧ ، وصاحب الرياض ٢ : ٣٧٢.

(٤) المدثر : ٤.

(٥) الوسائل ٢ : ١٠٢٥ أبواب النجاسات ب ١٩.

(٦) المنتهي ١ : ١٨٣.

(٧) السرائر ١ : ١٨٣.

٢٦٠