غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ٢

الميرزا أبو القاسم القمّي

غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ٢

المؤلف:

الميرزا أبو القاسم القمّي


المحقق: عباس تبريزيان
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-424-250-5
الصفحات: ٦٣١

وفي الأدلّة من الآيات والأخبار لكلّ منها دليل. وتفصيل القول فيه يقتضي بسطاً لا يسعه هذا الكتاب.

وجملته : أنّ الأقوى الأوّل ، ويظهر من ابن البرّاج وغيره دعوى الإجماع عليه (١) ، ويدلّ عليه التبادر ، وعدم صحّة السلب ، وصحّة سلب اسم الليل ، فلا يصحّ أن يقال لما قبل طلوع الشمس إنّه ليس بنهار وإنه ليل ؛ كما لا يخفى على من راجع وجدانه في محاورات أهل العرف ، وهو الموافق لكلام عامّة أهل اللغة ، وتدلّ عليه الآيات الكثيرة ، والأخبار المستفيضة القريبة من التواتر ، والأدعية الواردة عن الأئمّة عليهم‌السلام.

وكفاك قوله تعالى (أَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ) (٢). فنقل العلامة (٣) اتّفاق المفسّرين على أنّ المراد بهما صلاة الفجر والعصر ، وما يمكن الاستدلال به من الآيات يبلغ عشرين أو يزيد عليه.

وأما الأخبار فلا تحصى كثرة ، وكفاك ما سيجي‌ء في مباحث الأذان والإقامة من صحيحة الحلبي (٤) وصحيحة عبد الله بن سنان (٥) وغيرهما (٦) المتضمّنة لأنّ ابن ام مكتوم كان يؤذّن بليل ، وبلال كان يؤذّن بعد الفجر ، فقوبل الليل بالفجر ، وسيجي‌ء ضعف الواسطة.

وفي صحيحة الحلبي حين سأل الصادق عليه‌السلام : عن الخيط الأبيض من الخيط الأسود ، فقال : «بياض النهار من سواد الليل» (٧).

__________________

(١) جواهر الفقه : ١٩ مسألة ٥٠.

(٢) هود : ١١٤.

(٣) المنتهي ١ : ٢٠٨.

(٤) الكافي ٤ : ٩٨ ح ٣ ، الوسائل ٤ : ٦٢٥ أبواب الأذان والإقامة ب ٨ ح ٣.

(٥) التهذيب ٢ : ٥٣ ح ١٧٧ ، الوسائل ٤ : ٦٢٦ أبواب الأذان والإقامة ب ٨ ح ٧.

(٦) الوسائل ٤ : ٦٢٥ أبواب الأذان والإقامة ب ٨.

(٧) الكافي ٤ : ٩٨ ح ١ ، الوسائل ٧ : ٧٨ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٤٢ ح ١.

١٨١

وفي الصحيفة السجاديّة في دعاء الصباح : «وهذا يوم حادث جديد إلى أن قال اللهم وفّقنا في يومنا هذا» إلى قوله : «واجعله أيمن يومٍ عَهِدناه» (١).

وفي دعاء سماع الأذان : «اللهم إنّي أسألك بإدبار ليلك وإقبالِ نهارك» (٢).

وفي دعاء الصباح عن الصادق عليه‌السلام : «الحمد لله الذي أذهب الليل بقدرته ، وجاء بالنهار برحمته» (٣) إلى غير ذلك من الدعوات الكثيرة جدّاً.

وأما ما يمكن أن يستدلّ به للقول الثاني ، فهي أيضاً أخبار كثيرة ، مثل صحيحة الحلبي عن الصادق عليه‌السلام : أنّه سئل عن الرجل يخرج من بيته وهو يريد السفر وهو صائم ، فقال : «إن خرج قبل أن ينتصف النهار فليفطر وليقض (٤) ذلك اليوم ، وإن خرج بعد الزوال فليتمّ صومه» (٥) حيث جعل الزوال ونصف النهار واحداً.

وجوابه الحمل على المجاز ، وأنّه مبنيّ على التقريب والتخمين ، والاعتماد في فهم الزوال عن نصف النهار إنّما هو بالقرائن وملاحظة سائر الأخبار الواردة في هذا الباب ، ومطلق الاستعمال لا يدلّ على الحقيقة ، والمجاز خير من الاشتراك ؛ مع أنّا قد بيّنا ما ينفي كونها حقيقة في غير ما ذكرنا.

وأما ما في نهج البلاغة أنّه سئل عليه‌السلام عن مسافة ما بين المشرق والمغرب ، قال : «مسيرةُ يومٍ للشمس» (٦) فهو أيضاً مبنيّ على التقريب.

مع أنّه روى في الاحتجاج ، عن الحسن بن محبوب ، عن سماعة قال ، قال

__________________

(١) الصحيفة السجاديّة : ٧١ دعاء ٦.

(٢) الفقيه ١ : ١٨٧ ح ٨٩٠ ، الوسائل ٤ : ٦٦٩ أبواب الأذان والإقامة ب ٤٣ ح ١ بتفاوت.

(٣) أمالي الصدوق : ٢٤ مجلس ٥.

(٤) في «م» ، «ح» : وليقصّر.

(٥) الكافي ٤ : ١٣١ ح ١ ، الفقيه ٢ : ٩٢ ح ٤١٢ ، التهذيب ٤ : ٢٢٨ ح ٦٧١ ، الاستبصار ٢ : ٩٩ ح ٣٢١ ، الوسائل ٧ : ١٣١ أبواب من يصحّ منه الصوم ب ٥ ح ٢.

(٦) نهج البلاغة : ٥٢٧ قصار الحكم رقم ٢٩٤.

١٨٢

أبو حنيفة لأبي عبد الله عليه‌السلام : كم بين المشرق والمغرب؟ قال : «مسيرة يوم ، بل أقلّ من ذلك» قال : فاستعظمه ، فقال : «يا عاجز ، لِمَ تنكر هذا؟ إنّ الشمس تطلع من المشرق وتغرب في المغرب في أقلّ من يوم» (١).

وقد يستدلّ على ذلك برواية عمر بن حنظلة المتقدّمة (٢) ، وهي أيضاً لا تدلّ على مطلوبهم ، إذ هي لا تتمّ إلّا في كوكب كان قوس نهاره موافقاً لقوس ليل درجة الشمس من منطقة البروج أو قريباً منه.

وجعل مثل ذلك قاعدة للعوام أو مناطاً لأحكامهم من باب الألغاز والتعمية ؛ مع أنّه يختلف الحال بحسب الليالي والأزمان ، وتعيين كوكب في كلّ ليلة من الأُمور العسرة بل المتعذّرة.

مع أنّ الانحدار أيضاً لا يظهر للعوام إلّا بعد تجاوزٍ كثير عن دائرة نصف النهار ، فالظاهر أنّ ذلك الاحتياط (٣) في صلاة الليل بملاحظة الكواكب التي تظهر فوق الأبنية عند ابتداء الظلمة.

وأيضاً معرفة كون الكواكب على الأُفق حين الغروب مما لا يظهر للحسّ فكيف يعرفه العوام؟!

وما كان على الأُفق عند ظهورها للحسّ فهو إذا بلغ نصف النهار فقد تجاوز الليل حينئذٍ عن النصف بكثير ، فلا يتم الاستدلال لهم بوجه.

وظنّي أنّ الذي أوجب توهّم كون اليوم والليل حقيقة فيما بين طلوع الشمس وغروبها هو اصطلاح أهل النجوم ومسامحة أهل العرف في الأشغال والأعمال والصناعات ، فيقولون لمن عمل من أوّل طلوع الشمس إلى غروبها : إنّه عمل يوماً ، وذلك مسامحة في الإضافة ، لا أنّه اصطلاح في اليوم ، فالمراد أنه شغل يوم ، وعمل

__________________

(١) الاحتجاج : ٣٦٢.

(٢) الفقيه ١ : ١٤٦ ح ٦٧٧ ، الوسائل ٣ : ١٩٨ أبواب المواقيت ب ٥٥ ح ١.

(٣) في «ص» : للاحتياط.

١٨٣

يوم ، لا أنّ اليوم هو هذا لا غير.

ألا ترى أنّهم يقولون : نمت هنا الليلة ، وهاهنا ليلتين ، ولا يريدون إلّا ما يتعارف من مقدار النوم ، ولا ريب أنه لا ينام عادة وغالباً إلّا بعد التعشّي وإتمام الصلاة وجلوس ما بعدهما.

وهذا ظاهر لا يخفى على من راجع وجدانه ، ولذلك اكتفينا في مبحث التراوح بنزح البئر من طلوع الشمس إلى غروبها ، فإنّه يصدق عليه عرفاً أنّه نزح يوم.

وأما التفصيل فتدلّ عليه بعض الأخبار ، مثل ما رواه عليّ بن إبراهيم في تفسيره ، عن عمر بن أبان الثقفي ، قال : سأل نصرانيّ الشام الباقر عليه‌السلام عن ساعةٍ ما هي من الليل ولا هي من النهار ، أيّ ساعة هي؟ قال أبو جعفر عليه‌السلام : «ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس».

قال النصراني : إذا لم تكن من ساعات الليل ولا من ساعات النهار فمن أيّ الساعات هي؟ فقال أبو جعفر عليه‌السلام : «من ساعات الجنّة ، وفيها تفيق مرضانا» فقال النصراني : أصبت (١).

وقيل : وهذا مبنيّ على اصطلاح كان مشهوراً بين أهل الكتاب أجاب الإمام عليه‌السلام على طبق طريقتهم (٢) ، ويمكن أن تنزّل عليه أكثر الأخبار الدالّة على أنّ الزوال نصف النهار ، وغيرها.

وكيف كان فلا يقاوم ما دلّ على المذهب المنصور كما لا يخفى.

ونقل عن أبي ريحان البيروني أنّ مذهب براهمة الهند أنّ ما بين طلوع الفجر وطلوع الشمس ، وكذلك ما بين غروب الشمس وغروب الشفق خارجان عن الليل والنهار ، بل هما بمنزلة الفصل المشترك ، ويضعفه ما تقدّم من الأدلّة.

__________________

(١) تفسير القمي ١ : ٩٨.

(٢) مفتاح الفلاح : ١١.

١٨٤

السادس : يجب الإتيان بالصلاة في أوقاتها عالماً بها فلو صادفت صلاة الجاهل والناسي الوقت فالأشهر الأظهر بطلانها ، لعدم صدق الامتثال والإطاعة ، وتحقيق ذلك في الأُصول ، وقد أطنبنا الكلام في شرح الألفية الشهيدية.

ولا يجوز الاعتماد على الظنّ مع التمكّن من تحصيل العلم بالوقت ، وهو المعروف من المذهب ، المدّعى عليه الإجماع (١).

ويدلّ عليه الأمر بإيقاع الصلاة في الأوقات المعلومة (٢) ، والألفاظ أسامٍ للأُمور النفس الأمريّة ، فلا يحصل الامتثال إلّا مع العلم.

وخصوص رواية عليّ بن جعفر عن أخيه عليه‌السلام : في الرجل يسمع الأذان فيصلّي الفجر ولا يدري أطلع الفجر أم لا ، غير أنّه يظنّ لمكان الأذان أنّه طلع ، قال : «لا يجزئه حتّى يعلم أنّه طلع» (٣).

وجوّز في المعتبر الاعتماد على أذان الثقة المستظهر ، لقوله عليه‌السلام : «المؤذّن مؤتمن» (٤) ولأنّ وضعه للإعلام ؛ فلو لم يجز تقليده لما حصل الغرض (٥).

وأُجيب بتقييد الأوّل وجعله مؤتمناً لذوي الأعذار ، وعن الثاني بذلك ، أو أنّه لتنبيه المتمكّن على الاعتبار (٦).

وأما إذا حصل العلم به فلا إشكال.

وربّما يحمل على ذلك مثل صحيحة ذريح المحاربيّ عن الصادق عليه‌السلام :

__________________

(١) كما في مجمع الفائدة والبرهان ٢ : ٥٢.

(٢) الوسائل ٣ : ٧٨ أبواب المواقيت ب ١.

(٣) مسائل عليّ بن جعفر : ١٦١ ح ٢٤٩ ، الذكرى : ١٢٩ ، الوسائل ٣ : ٢٠٣ أبواب المواقيت ب ٥٨ ح ٤.

(٤) التهذيب ٢ : ٢٨٢ ح ١١٢١ ، الوسائل ٤ : ٦١٨ أبواب الأذان والإقامة ب ٣ ح ٢.

(٥) المعتبر ٢ : ٦٣.

(٦) الذكرى : ١٢٩.

١٨٥

«صلّ الجمعة بأذان هؤلاء ، فإنّهم أشدّ شي‌ء مواظبة على الوقت» (١) وفيه نظر.

ومما ذكرنا يظهر عدم الاعتداد بإخبار الثقة عن علم أيضاً إلّا إذا أفاد العلم ، ويمكن الاعتماد على الثقتين. هذا إذا تمكّن من تحصيل العلم.

وأما إذا لم يتمكّن ، فالمشهور المدّعى عليه الإجماع (٢) جواز العمل على الأمارات الظنيّة ، لظواهر الروايات ، مثل رواية أبي الصباح الواردة في الإفطار (٣) ؛ لعدم القائل بالفصل ، وصحيحة زرارة ، وموثّقة أبي بصير ، ورواية إسماعيل بن رباح الآتيات (٤) وغيرها (٥).

وعن ابن الجنيد عدمه (٦) ، للأصل السابق ، ولرواية عليّ بن جعفر السابقة.

وأنت خبير بأنّ العام لا يقاوم الخاصّ ، فالأقوى المشهور ، والأحوط تحصيل اليقين.

وأما إذا انكشف فساد ظنّه ؛ فإن تبيّن وقوعها قبل الوقت بأجمعها فيعيد إجماعاً ، ولصحيحة زرارة عن الباقر عليه‌السلام : في رجل صلّى الغداة بليلٍ ؛ غرّه من ذلك القمر ، ونام حتى طلعت الشمس ، فأُخبر أنّه صلّى بليل ، قال : «يعيد صلاته» (٧).

وموثّقة أبي بصير عن الصادق عليه‌السلام : «من صلّى في غير وقت

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٨٤ ح ١١٣٦ ، الوسائل ٤ : ٨١٦ أبواب الأذان والإقامة ب ٣ ح ١.

(٢) كما في التنقيح الرائع ١ : ١٧١.

(٣) الفقيه ٢ : ٧٥ ح ٣٢٦ ، التهذيب ٤ : ١٧٠ ح ٨١٦ ، الاستبصار ٢ : ١١٥ ح ٣٧٤ ، الوسائل ٧ : ٨٨ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٥١ ح ٣.

(٤) تأتي الإشارة إلى مصادرها لاحقاً.

(٥) الفقيه ٢ : ٧٥ ح ٣٢٧ ، التهذيب ٢ : ٢٦١ ح ١٠٣٩ ، الاستبصار ٢ : ١١٥ ح ٣٧٦ ، الوسائل ٣ : ١٢٢ أبواب المواقيت ب ١٣ ح ٤.

(٦) نقله عنه في المختلف ٢ : ٤٧.

(٧) الكافي ٣ : ٢٨٥ ح ٤ ، التهذيب ٢ : ١٤٠ ح ٥٤٨ ، وص ٢٥٤ ح ١٠٠٨ ، الوسائل ٣ : ١٢٢ أبواب المواقيت ب ١٣ ح ٥.

١٨٦

فلا صلاة له» (١).

وإن ظهر دخول الوقت في البين ولو قبل التسليم فالأكثر على الصحّة ، وهو الأقوى ، لأنّ الأمر يقتضي الإجزاء ، ولصحيحة ابن أبي عمير ، عن إسماعيل بن رباح ، عن الصادق عليه‌السلام ، قال : «إذا صلّيت وأنت ترى أنّك في وقت ولم يدخل الوقت فدخل الوقت وأنت في الصلاة فقد أجزأت عنك» (٢).

وعن السيد (٣) وجماعة (٤) وجوب الإعادة ، تمسّكاً بموثّقة أبي بصير ، وضعف الرواية لجهالة إسماعيل ، ولعموم ما دلّ على وجوب أداء الصلاة في الوقت (٥) ولم يحصل الامتثال.

وفيه : أنّ الموثّقة لا تدلّ على أن ما لم يصلّ في الوقت فهو باطل ، بل إنّما تدلّ على أنّ من صلّى في غير الوقت فصلاته باطلة. ومع التسليم فنخصّصها برواية إسماعيل.

ولا وجه لتضعيفها ، بل هي قويّة ، لمكان ابن أبي عمير ، واعتضادها بالعمل ونفي الحرج ، مع أنّ الأمر يقتضي الإجزاء.

والعمومات مع أنّها قد انقطعت بما دلّ على جواز العمل بالظنّ فهي مخصّصة بالرواية ، وبقاء الأمر الأوّل بعد الثاني ممنوع.

ودعوى الاستصحاب مع ظهور وحدة التكليف ممنوعة.

ودعوى العرفيّة العامّة في الأمرين بأن يقال : تجب الصلاة في الوقت ما دام يمكن تحصيل العلم وإن كان بعد الفصل بالصلاة المذكورة ؛ ممنوعة ، بل غاية القضية

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٥٤ ح ١٠٠٥ ، الوسائل ٣ : ١٢٣ أبواب المواقيت ب ١٣ ح ٧.

(٢) الكافي ٣ : ٢٨٦ ح ١١ ، الفقيه ١ : ١٤٣ ح ٦٦٦ ، التهذيب ٢ : ٣٥ ح ١١٠ ، وص ١٤١ ح ٥٥٠ ، الوسائل ٣ : ١٥٠ أبواب المواقيت ب ٢٥ ح ١.

(٣) المسائل الرسيّة (رسائل الشريف المرتضى) ٢ : ٢٥٠.

(٤) كابن أبي عقيل وابن الجنيد على ما نقل عنهما العلامة في المختلف ٢ : ٤٩ واختاره هو أيضاً.

(٥) الوسائل ٣ : ٧٨ أبواب المواقيت ب ١.

١٨٧

هي المطلقة ، وهي مقطوعة بالمطلقة الأُخرى ، وهو جواز فعلها بظنّ الوقت. وقد حقّقنا هذه القاعدة في القوانين المحكمة.

وإذا ظنّ ضيق الوقت إلّا عن العصر أو العشاء فصلّاها ثمّ ظهر بقاء الوقت ، فهل يعيد الثانية بعد الاولى في الوقت لو وسعهما ، أو يكتفي بالأُولى بعدها؟

وهل يكتفى بالأُولى إذا لم يسع الوقت إلّا لها ، أو يعيد الثانية ثم يقضي الأُولى ، أم يعدل بنيّته إلى الاولى ثم يفعل الثانية؟ فيها وجوه واحتمالات يظهر وجهها مما تقدّم ومما يأتي.

ولعلّ الأظهر الاكتفاء بها عن الثانية ، لأنّ الأمر يقتضي الإجزاء ، ويفعل الاولى أداءً إن كان في الوقت المشترك على المشهور ، وقضاءً إن كان في المختصّ ، والأحوط عدم نيّة القضاء والأداء ، بل لو فعل أربعاً من دون تعيين الظهر والعصر لكفى.

السابع : من تمكّن من تحصيل الشرائط المفقودة وركعة من الصلاة في آخر الوقت لزمه أداؤها بمعنى أنّه وقت له لا بمعنى أنّه أداء في الوقت المعهود لمطلق تلك الصلاة ، بل هو حكم منفرد مستفاد من النصوص الواردة في ذلك.

فظهر بطلان الأقوال الثلاثة : بكونها أداءً ، أو قضاءً ، أو بعضها أداء وبعضها قضاء ، كما لا يخفى.

والأصل في المسألة الأخبار الكثيرة من الطرفين ، مثل قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة» (١).

وفي آخر : «من أدرك من الوقت ركعة فقد أدرك الوقت» (٢).

وموثّقة عمّار عن الصادق عليه‌السلام ، قال : «فإن صلّى ركعة من الغداة ثمّ

__________________

(١) الذكرى : ١٢٢ ، الوسائل ٣ : ١٥٨ أبواب المواقيت ب ٣٠ ح ٤.

(٢) المدارك ٣ : ٩٣ ، وورد مضمونه في الوسائل ٣ : ١٥٧ أبواب المواقيت ب ٣٠.

١٨٨

طلعت الشمس فليتمّ الصلاة وقد جازت صلاته» (١) وتؤدّي مؤدّاها رواية الأصبغ بن نباتة (٢).

والأظهر تحقّق الركعة بالرفع عن السجدة الثانية ، واحتمل في الذكرى الاجتزاء بالركوع (٣) ، وهو بعيد.

وكيف كان فأصل المسألة إجماعيّ.

ويترتّب عليها أنّه لو أدرك الشرائط المفقودة وخمس ركعات قبل الغروب لزمه الفرضان ، وأفتى به الأصحاب (٤).

وكذلك لو أدرك ذلك قبل انتصاف الليل.

وأما لو أدرك مقدار أربع قبل الانتصاف فقالوا : إنّه يختصّ بالعشاء (٥) وإن أمكن حينئذٍ إدراك ركعة من العشاء في الوقت ، لعدم وقوع المغرب حينئذٍ في وقتها إلّا على مذهب الصدوق (٦).

والتحقيق عندي : لزوم الفرضين حينئذٍ على المشهور أيضاً ، لأنّ غاية ما يستفاد من الأخبار ويدلّ على مذهب المشهور اختصاص الأوّل بالظهر بمقدار صلاة الظهر ، وكذلك الأخر بالنسبة إلى العصر ، وأما تعيين مقدار الأربع ركعات فكلّا.

وصلاة الظهر والعصر تختلفان باختلاف المكلّفين السالمين والمعذورين ، والحاضرين والمسافرين ، والواجدين للماء وغيره من الشرائط والفاقدين ، أتراك أن تقول إذا بقي للغروب مقدار أربع ركعات للمسافر فلا يصلّي إلّا العصر حينئذٍ؟! فحينئذٍ نقول : إنّ صلاة المضطر هي ما يكون ركعة منها في الوقت المعهود

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٨ ح ١٢٠ ، الوسائل ٣ : ١٥٧ أبواب المواقيت ب ٣٠ ح ١

(٢) التهذيب ٢ : ٣٨ ح ١١٩ ، الاستبصار ١ : ٢٧٥ ح ٩٩٩ ، الوسائل ٣ : ١٥٨ أبواب المواقيت ب ٣٠ ح ٢.

(٣) الذكرى : ١٢٢.

(٤) جامع المقاصد ٢ : ٣١ ، المدارك ٣ : ٩٤ ، الحدائق ٦ : ٢٧٤.

(٥) المدارك ٣ : ٩٤.

(٦) الفقيه ١ : ١٣٩ ح ٦٤٧.

١٨٩

ويستتبع الباقي في خارجه بدلالة تلك النصوص المتقدّمة ، ولا مخصص لعمومها.

وأما رواية داود بن فرقد الناصّة على اختصاص مقدار الأربع من الطرفين بالظهر والعصر (١) ، فمع تسليمها وقطع النظر عن ورودها مورد الغالب ، فلا تضرّنا ؛ إذ نحن نقول فيه بالاختصاص بالعصر.

وممّا يدلّ على ورودها مورد الغالب حكاية المسافر وعدم جواز اقتصاره على العصر حينئذٍ.

مع أنّ صحيحة ابن سنان عن الصادق عليه‌السلام فيمن نام أو نسي أن يصلّي المغرب والعشاء الآخرة واستيقظ قبل الفجر ، قال : «فإن خاف أن تفوته إحداهما فليبدأ بالعشاء» (٢) ، وكذلك رواية الحلبي (٣) مع انضمامها إلى النصوص السابقة تفيد ذلك ، فإنّ خوف الفوت فيما نحن فيه مع التنصيص بعدمه لمن أدرك ركعة منها كما ترى.

وبعد ملاحظة ما سبق منّا في معنى الأداء في صدر البحث مع التأمّل فيما ذكرناه في ذيل التحقيق يعرف أنه لا محصّل للنزاع في أنّ مقدار الثلاث ركعات للظهر في الأُولى والاثنان للمغرب في الثانية هل هو مختص بالأُوليين ، أو الثانيتين وتزاحمهما الأُوليان ، ولا للثمرة التي ذكرها بعضهم من لزوم وجوب العشاءين لو بقي مقدار الأربع على الأوّل ، والاكتفاء بالعشاء على الثاني (٤). مع أنّ هذه الثمرة إنّما يصح ترتّبها إذا قيل بجواز الشروع في المغرب حينئذٍ ، ومفروضهم عدم الجواز ، فاضبط ما ذكرناه واغتنم.

وأما لو أدرك شيئاً من الصلاة في أوّل الوقت فلا يكفي ، وانّما يجب عليه

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٥ ح ٧٠ ، الاستبصار ١ : ٢٦١ ح ٩٣٦ ، الوسائل ٣ : ٩٢ أبواب المواقيت ب ٤ ح ٧.

(٢) التهذيب ٢ : ٢٧٠ ح ١٠٧٦ ، الوسائل ٣ : ٢٠٩ أبواب المواقيت ب ٦٢ ذ. ح ٤.

(٣) التهذيب ٢ : ٢٦٩ ح ١٠٧٤ ، الاستبصار ١ : ٢٨٧ ح ١٠٥٢ ، الوسائل ٣ : ٩٤ أبواب المواقيت ب ٤ ح ١٨.

(٤) جامع المقاصد ٢ : ٣٢.

١٩٠

القضاء لو أدرك مقدار ما يتمّ فيه الصلاة مع شرائطها المفقودة ، للأصل ، والأخبار المستفيضة المعتبرة فيهما (١).

ولا تجري النصوص السابقة فيما نحن فيه ، لإمكان استتباع تتمّة الصلاة في آخر الوقت ؛ بخلاف الأوّل ، فإن عدم الحيض مثلاً شرط للصلاة ، سيّما مع ورود النصّ بذلك أيضاً فيما طرأ في الأثناء في الأخبار (٢).

وعن ظاهر المرتضى والصدوق وابن الجنيد كفاية إدراك أكثر الصلاة (٣) ، ولا يحضرني الان ما يدلّ عليه.

الثامن : من نسي الظهر أو المغرب واشتغل بالعصر أو العشاء ، فإن ذكر وهو في الصلاة فيعدل بنيّته بمعنى أنّه ينوي أنّ هذه الصلاة بأجمعها ما مضى منها وما بقي هي الصلاة السابقة. وهو المعروف من مذهب الأصحاب المدّعى عليه الإجماع (٤) ، المنصوص عليه في الصحاح وغيرها (٥).

والمشهور أنّ ذلك يجوز ما لم تحصل زيادة ركن ، فيجوز العدول من العشاء إلى المغرب ما لم يركع للرابعة. وعن المنتهي ما لم يزد واجباً (٦) ، والأوّل هو الموافق للأصل والإطلاقات.

والظاهر أنّه لا فرق في ذلك بين الحاضرة والفائتة ، بل يجوز العدول من الحاضرة

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٥٩٧ أبواب الحيض ب ٤٨.

(٢) الكافي ٣ : ١٠٣ ح ٥ ، التهذيب ١ : ٣٩٢ ح ١٢١٠ ، الاستبصار ١ : ١٤٤ ح ٤٩٥ ، الوسائل ٢ : ٥٩٧ أبواب الحيض ب ٤٨ ح ٣.

(٣) جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى) ٣ : ٣٨ ، الفقيه ١ : ٥٢ ، ونقله عن ابن الجنيد في المختلف ٣ : ٢٣.

(٤) المدارك ٣ : ١١٥.

(٥) الوسائل ٣ : ٢١١ أبواب المواقيت ب ٦٣.

(٦) المنتهي ١ : ٤٢٢.

١٩١

إلى الفائتة أيضاً ، ففي صحيحة زرارة ما يدلّ على العدول من المغرب إلى العصر لو ذكرها وهو فيها ، وكذلك من الفجر إلى العشاء (١) ، ويجي‌ء تمام الكلام في موارد العدول.

وأما لو ذكر بعد الفراغ فيكفي عن الأخيرة ويأتي بالأُولى بعدها ، كما في الأخبار ، منها صحيحة زرارة : «وإن كنت صلّيت العشاء الآخرة ونسيت المغرب فقم فصلّ المغرب» (٢).

وصحيحة صفوان : وقد سأله عن رجل نسي الظهر حتى غربت الشمس وقد كان صلّى العصر ، قال : «إن أمكنه أن يصلّيها قبل أن تفوت المغرب بدأ بها ، وإلّا صلّى المغرب ثمّ صلّاها» (٣).

ولكنهم ذكروا أنّ ذلك إذا وقعت الأخيرة في الوقت المشترك بناءً على ما اختاروا من اختصاص أوّل الوقت بالأُولى ، وأما على مذهب الصدوق فيكفي مطلقاً.

قلت : هذه الأخبار مطلقة ، فتشمل الوقت المختصّ أيضاً ، إلّا أن يقال : إنّ الظاهر منها الوقت المشترك ، لكمال بُعد فعل الثانية في أوّل الوقت نسياناً.

والحق أنّ ذلك تعبّد ، لأجل هذه الأخبار ، وإلّا فلا دلالة لاشتراك الوقت بينهما على ما هو مفاد أدلّتهم على كفايته في صورة النسيان ، فإن تقديم إحداهما على الأُخرى معتبر وملحوظ في تلك الأخبار ، وهو من أحكام الوضع.

فحينئذٍ نقول : موثّقة أبي بصير (٤) وما في معناها (٥) الدالّة على أنّه لا صلاة لمن

__________________

(١) الكافي ٣ : ٢٩١ ح ١ ، التهذيب ٣ : ١٥٨ ح ٣٤٠ ، الوسائل ٣ : ٢١١ أبواب المواقيت ب ٦٣ ح ١.

(٢) تقدّمت الإشارة إليها.

(٣) الكافي ٣ : ٢٩٣ ح ٦ ، التهذيب ٢ : ٢٦٩ ح ١٠٧٣ ، الوسائل ٣ : ٢١٠ أبواب المواقيت ب ٦٢ ح ٧.

(٤) التهذيب ٢ : ٢٥٤ ح ١٠٠٥ ، الوسائل ٣ : ١٢٣ أبواب المواقيت ب ١٣ ح ٧.

(٥) الوسائل ٣ : ١٢٢ أبواب المواقيت ب ١٣.

١٩٢

لم يصلّ في الوقت ؛ منضمّاً إلى الأخبار الدالّة على اعتبار تقديم الاولى على الثانية في جميع الوقت (١) ، المقتضية للاختصاص في الطرفين ؛ يقتضي وجوب الإعادة إذا تقدّمت الأخيرة ، خرجنا عن مقتضاها بتلك الأخبار فيما هو ظاهر فيها ، وهو غير أوّل الوقت ، وبقي الأوّل تحت المنع.

ثمّ إنّ في صحيحة زرارة قال : «إن نسيت الظهر حتى صلّيت العصر فذكرتها وأنت في الصلاة أو بعد فراغك فانوها الاولى ثمّ صلّ العصر ، فإنّما هي أربع مكان أربع» (٢) وتؤدّي مؤدّاها صحيحة الحلبي (٣).

ولا يبعد العمل عليها في خصوص الظهرين. وقد أوّلها الشيخ بما تذكّرها قريباً من الفراغ (٤).

وعلى تقدير العمل فالظاهر عدم الفرق بين ما لو كان في الوقت المختصّ أو غيره.

التاسع : إذا حصلت الآية في وقت فريضة حاضرة قدّمت المضيّقة إجماعاً ، وإن تضيّقتا قدّمت الحاضرة بلا خلاف ، كما صرّح به في الذكرى (٥) ، وتدلّ عليه الصحيحتان الآتيتان وغيرهما ، وعموم ما دلّ على كونها أهمّ.

ولو توسعتا فالمشهور التخيير ؛ للأصل.

وعن الصدوق تقديم الحاضرة وجوباً (٦) ، لصحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٩٢ أبواب المواقيت ب ٤ ح ٥ ، ٢٠ ، ٢١.

(٢) تقدّمت الإشارة إليها.

(٣) التهذيب ٢ : ٢٦٩ ح ١٠٧٤ ، الاستبصار ١ : ٢٨٧ ح ١٠٥٢ ، الوسائل ٣ : ٢١٣ أبواب المواقيت ب ٦٣ ح ٤.

(٤) الخلاف ١ : ٣٨٦.

(٥) الذكرى : ٢٤٦.

(٦) الفقيه ١ : ٣٤٧.

١٩٣

عليهما‌السلام : عن صلاة الكسوف في وقت الفريضة ، فقال : «ابدأ بالفريضة» (١).

وحملت على الاستحباب ؛ جمعاً بينها وبين صحيحة محمّد بن مسلم ويزيد بن معاوية عنهما عليهما‌السلام ، قالا : «إذا وقع الكسوف أو بعض هذه الآيات فصلّها ما لم تتخوّف أن يذهب وقت الفريضة ، فإن تخوّفت فابدأ بالفريضة واقطع ما كنت فيه من صلاة الكسوف ، فإذا فرغت من الفريضة فارجع إلى حيث كنت قطعت واحتسب بما مضى» (٢).

ثمّ إنّ وجوب القطع لا ريب فيه ، للإجماع نقله في المدارك (٣) ، ولخصوص هذه الصحيحة وغيرها من الأخبار الصحيحة (٤).

وأما البناء على ما مضى فهو مذهب الأكثر ، للأخبار الصحيحة (٥).

وعن المبسوط وجوب الاستئناف (٦) واختاره في الذكرى تحصيلاً لليقين (٧) ، والأقوى الأوّل.

تنبيه :

لو لم يعلم ضيق الآية كأوّل الانكساف إذا لم يعلم من الخارج بالحال فعلى اعتبار سعة الانكساف للصلاة الأصل عدم الوجوب حتّى يعلم ذلك ، فيجوز تقديم الحاضرة الموسّعة أيضاً.

وعلى عدمه كما رجّحنا سابقاً فيشكل الأمر ؛ من جهة أصالة عدم وجوب

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٦٤ ح ٥ ، الوسائل ٥ : ١٤٧ أبواب صلاة الكسوف ب ٥ ح ١.

(٢) الفقيه ١ : ٣٤٦ ح ١٥٣٠ ، الوسائل ٥ : ١٤٨ أبواب صلاة الكسوف ب ٥ ح ٤.

(٣) المدارك ٤ : ١٤٥.

(٤) الوسائل ٥ : ١٤٧ أبواب الكسوف ب ٥.

(٥) الوسائل ٥ : ١٤٧ أبواب الكسوف ب ٥.

(٦) المبسوط ١ : ١٧٢.

(٧) الذكرى : ٢٤٧.

١٩٤

الفور ، ومن جهة توقّف براءة الذمّة على البدار ، والأحوط تقديمه على الحاضرة حينئذٍ مع توسعة وقتها.

العاشر : المشهور تحريم النافلة في وقت الفريضة غير الرواتب لعموم الروايات المستفيضة ، مثل صحيحة زرارة المروية في الذكرى في مباحث الفوائت عن الباقر عليه‌السلام قال ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «إذا دخل وقت صلاة مكتوبة فلا صلاة نافلة حتى يبدأ بالمكتوبة» (١) الحديث.

وصحيحته الأُخرى المرويّة في التهذيب ، وفي آخرها : «ولا يتطوّع بركعة حتّى يقضي الفريضة» (٢).

ورواية محمّد بن مسلم (٣) ، ورواية أديم بن الحرّ عن الصادق عليه‌السلام : «لا يتنفّل الرجل إذا دخل وقت الفريضة» قال ، وقال : «إذا دخل وقت الفريضة فابدأ بها» (٤) إلى غير ذلك من الروايات ، خرج من عمومها النوافل الرواتب وبقي الباقي.

والأولى حمل تلك الأخبار على الكراهة وتعميمها للرواتب كما يظهر من جماعة من المتأخّرين (٥) مع تخصيص الوقت بوقت الفضيلة.

ويستفاد ذلك من ملاحظة مجموع الروايات مثل حسنة محمّد بن مسلم قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إذا دخل وقت الفريضة أتنفّل أو أبدأ بالفريضة؟ فقال : «إنّ الفضل أن تبدأ بالفريضة ، وإنّما أُخّرت الظهر ذراعاً من عند الزوال من

__________________

(١) الذكرى : ١٣٤ ، الوسائل ٣ : ٢٠٧ أبواب المواقيت ب ٦١ ح ٦.

(٢) التهذيب ٢ : ١٧٢ ح ٦٨٥ ، وص ٢٦٦ : ١٠٥٩ ، وانظر الكافي ٣ : ٢٩٢ ح ٣ ، والاستبصار ١ : ٢٨٦ ح ١٠٤٦ ، والوسائل ٣ : ٢٠٦ أبواب المواقيت ب ٦١ ح ٣.

(٣) الكافي ٣ : ٢٨٩ ح ٥ ، الوسائل ٣ : ١٦٧ أبواب المواقيت ب ٣٦ ح ٢.

(٤) التهذيب ٢ : ١٦٧ ح ٦٦٣ ، الوسائل ٣ : ١٦٥ أبواب المواقيت ب ٣٥ ح ٦.

(٥) كالشهيد في الدروس ١ : ١٤٢.

١٩٥

أجل صلاة الأوّابين» (١).

وصحيحة زرارة المتقدّمة في وقت نافلة الفجر المشتملة على المقايسة (٢) وما في معناها (٣).

وقد مرّت الأخبار الدالة على وسعة وقت النافلة وأنّها بمنزلة الهديّة قُبلت متى أتيت بها (٤).

وظهر من ملاحظة الأخبار المتقدّمة في مباحث الأوقات أنّ تلك التحديدات للمتنفّلين ، مثل صحيحة زرارة قال ، قال لي : «أتدري لِمَ جعل الذراع والذراعان؟» قال ، قلت : لِمَ؟ قال : «لمكان الفريضة ، لك أن تتنفّل من زوال الشمس إلى أن يبلغ الفي‌ء ذراعاً ، فإذا بلغ الفي‌ء ذراعاً بدأت بالفريضة وتركت النافلة» (٥).

فبملاحظة تلك الروايات منضمّاً إلى الأخبار المانعة تظهر كراهة الرواتب بعد خروج أوقاتها المحدودة أيضاً.

وتؤيّده رواية منهال قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الوقت الذي لا ينبغي لي إذا جاء الزوال ، قال : «الذراع إلى مثله» (٦).

والظاهر أنّ المراد بالزوال نافلته.

وموثّقة سماعة عنه عليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يأتي المسجد وقد صلّى أهله ، أيبتدئ بالمكتوبة أو يتطوّع؟ فقال : «إن كان في وقت حسن فلا بأس بالتطوّع قبل الفريضة ، وإن كان خاف الفوت من أجل ما مضى من الوقت فليبدأ بالفريضة ،

__________________

(١) الكافي ٣ : ٢٨٩ ح ٥ ، الوسائل ٣ : ١٦٧ أبواب المواقيت ب ٣٦ ح ٢ ، ٣.

(٢) التهذيب ٢ : ١٣٣ ح ٥١٣ ، الاستبصار ١ : ٢٨٣ ح ١٠٣١ ، الوسائل ٣ : ١٩٢ أبواب المواقيت ب ٥٠ ح ٣.

(٣) روض الجنان : ١٨٤ ، مستدرك الوسائل ٣ : ١٦٠ أبواب المواقيت ب ٤٦ ح ٣.

(٤) الوسائل ٣ : ١٦٨ أبواب المواقيت ب ٣٧.

(٥) التهذيب ٢ : ٢٤٥ ح ٩٧٤ ، الاستبصار ١ : ٢٤٩ ح ٨٩٣ ، علل الشرائع : ٣٤٩ ح ٢ ، الوسائل ٣ : ١٠٦ أبواب المواقيت ب ٨ ح ٢٠.

(٦) الكافي ٣ : ٢٨٨ ح ٢ ، الوسائل ٣ : ١٦٧ أبواب المواقيت ب ٣٦ ح ٤.

١٩٦

وهو حقّ الله ، ثم ليتطوّع بما شاء» (١).

وفي تتمّة هذه الرواية في الكافي وفي غيرها من الروايات الفرق بين الجماعة والمنفرد ، وأنّ الأفضل للمنفرد تقديم الفريضة.

ويظهر منها عدم كراهة المبادرة بالنافلة في وقت فضيلة الفريضة أيضاً إذا كان منتظراً للجماعة (٢).

ويؤيّد ما ذكرنا أيضاً صحيحة زرارة المرويّة في الذكرى ، فإن في آخرها في حكاية فعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من قضاء النافلة قبل قضاء فريضة الفجر حين نام عنها ، فقد قال الباقر عليه‌السلام تعليماً لزرارة في ردّ حكم بن عتيبة وأصحابه حيث ردّوا عليه ذلك وأخذوا عليه بالتناقض حيث روى ذلك بعد ما روى ما ذكرنا في أوّل الحديث ، فقال : «يا زرارة ، إلا أخبرتهم أنّه قد فات الوقتان» (٣).

وبالجملة الحكم بالحرمة في غاية الإشكال إلّا ما كان مفوّتاً للفريضة رأساً ، فإن أردت حمل أخبار المنع على التحريم فلا بد من إرادة ذلك.

وفي نهج البلاغة عن أمير المؤمنين عليه‌السلام أنّه قال : «لا قربة بالنوافل إذا أضرّت بالفرائض» (٤).

وقال عليه‌السلام : «إذا أضرّت النوافل بالفرائض فارفضوها» (٥).

والكلام في جواز النافلة لمن كان عليه قضاء فريضة أيضاً مثل ذلك وسيأتي.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٢٨٨ ح ٣ ، الفقيه ١ : ٢٥٧ ح ١١٦٥ ، التهذيب ٢ : ٢٦٤ ح ١٠٥١ ، الوسائل ٣ : ١٦٤ أبواب المواقيت ب ٣٥ ح ١.

(٢) الكافي ٣ : ٢٨٩ ح ٤ ، التهذيب ٢ : ٢٦٤ ح ١٠٥٢ ، الوسائل ٣ : ١٦٥ أبواب المواقيت ب ٣٥ ح ٢.

(٣) الذكرى : ١٣٤ ، الوسائل ٣ : ٢٠٧ أبواب المواقيت ب ٦١ ح ٦.

(٤) نهج البلاغة : ٤٧٥ قصار الحكم رقم ٣٩.

(٥) نهج البلاغة : ٥٢٥ قصار الحكم رقم ٢٧٩.

١٩٧

الحادي عشر : المشهور كراهة النافلة المبتدأة عند طلوع الشمس ، وعند غروبها ، وعند قيامها وهو وصولها إلى دائرة نصف النهار أو ما قاربها ، وبعد صلاة الصبح ، وبعد صلاة العصر.

وعمّم الشيخ الكراهة في النهار عند الطلوع والغروب ، ولم يفرّق بين ذات السبب وغيرها (١).

وعن الخلاف : عدم الفرق بين الصلوات والبلاد فيما نهي لأجل الوقت ، إلّا يوم الجمعة ، فيصلّي النوافل عند قيامها فيها ، وفرّق فيما بعد صلاة الصبح والعصر بين ذات السبب وغيرها ، فخص الكراهة بالثانية (٢).

وذهب السيّد في المسائل الناصريّة إلى عدم الجواز (٣).

ونسب إلى الصدوق التوقّف في هذا الحكم (٤). والظاهر أنّه ليس كذلك ، بل رجّح عدم الكراهة ، بل صرّح في الخصال بذلك (٥) كما يظهر من الوسائل (٦) ، وهو مختار جماعة (٧) ، وهو الأقوى عندي.

والأخبار الواردة من الطرفين في المنع عن ذلك محمولة على التقيّة ، كما حملها الشيخ أيضاً (٨) ، فإنّ ذلك مذهب العامّة.

ويدلّ على ذلك ما رواه الصدوق في الفقيه عن محمّد بن عثمان العمري

__________________

(١) النهاية : ٦٢.

(٢) الخلاف ١ : ٥٢٠ مسألة ٢٦٣.

(٣) المسائل الناصريّة (الجوامع الفقهيّة) : ١٩٤ مسألة ٧٧.

(٤) نسبه في المدارك ٣ : ١٠٨ ، وانظر الفقيه ١ : ٣١٥.

(٥) الخصال : ٧١.

(٦) الوسائل ٣ : ١٧٢.

(٧) المدارك ٣ : ١٠٨ ه‍ ٥ ، الذخيرة : ٢٠٥ ، الحدائق الناضرة ٦ : ٣٩٤.

(٨) الاستبصار ١ : ٢٩١.

١٩٨

رضي‌الله‌عنه ، وفي كتاب إكمال الدين في الصحيح عنه عن صاحب الدار عليه‌السلام : «وأما ما سألت عنه عن الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها ، فلئن كان كما يقول الناس : إنّ الشمس تطلع بين قرني الشيطان وتغرب بين قرني الشيطان ؛ فما أرغم أنف الشيطان بشي‌ء أفضل من الصلاة ، فصلّها وأرغم أنف الشيطان» (١).

وهناك أخبار كثيرة معتبرة مصرّحة بجواز ما فات من الصلاة في كلّ ساعة ، وفي الساعات كلّها ، منها صحيحة زرارة (٢) ، وفي بعضها خصوص النافلة (٣) ، وفي كثيرٍ منها التصريح بجواز قضاء النوافل بعد الظهر والعصر ، وعند طلوع الشمس ، وعند غروبها (٤).

وروى في الخصال عدّة أخبار عن عائشة في أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يترك صلاة ركعتين بعد العصر حتّى لقي الله عزوجل ، وفي بعضها بعد الغداة وبعد العصر ، وقال : مرادي من إيراد هذه الأخبار الردّ على العامة ، لأنّهم لا يرون بعد العصر وبعد الغداة صلاة (٥).

ومستند المشهور في التفصيل حمل المطلقات على المقيّدات ، للجمع بينها وبين تلك الأخبار.

وأما غيرها من ذوات الأسباب ؛ فلعموم ما دلّ على رجحانها ، فإنّ النسبة بينها وبين تلك الأخبار وإن كانت عموماً من وجه ؛ لكن الترجيح لإبقاء عموم ذوات

__________________

(١) الفقيه ١ : ٣١٥ ح ١٤٣١ ، إكمال الدين ٢ : ٥٢٠ ح ٤٩ ، وانظر التهذيب ٢ : ١٧٥ ح ٦٩٧ ، والاستبصار ١ : ٢٩١ ح ١٠٦٧ ، والاحتجاج : ٤٧٩ ، والوسائل ٣ : ١٧٢ أبواب المواقيت ب ٣٨ ح ٨.

(٢) الكافي ٣ : ٢٨٨ ح ٣ ، الفقيه ١ : ٢٧٨ ح ١٢٦٥ ، الخصال : ٢٤٧ ح ١٠٧ ، الوسائل ٣ : ١٧٤ أبواب المواقيت ب ٣٩ ح ١.

(٣) الكافي ٣ : ٤٥٤ ح ١٧ ، التهذيب ٢ : ٢٧٢ ح ١٠٨٣ ، الوسائل ٣ : ١٧٥ أبواب المواقيت ب ٣٩ ح ٣.

(٤) الوسائل ٣ : ١٧٤ أبواب المواقيت ب ٣٩.

(٥) الخصال : ٧٠.

١٩٩

الأسباب ؛ لتطرّق التخصيص إلى هذه الأخبار في الجملة ، ولاعتضاد تلك العمومات بعموم رجحان مطلق الصلاة وغير ذلك.

ويظهر جوابه ممّا مرّ ، سيّما وما رواه في الخصال يثبت المبتدأة أيضاً.

وكيف كان فالأظهر عدم الكراهة مطلقاً ، ويظهر دليل سائر الأقوال وجوابه من التأمّل فيما ذكرنا.

٢٠٠