غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ٢

الميرزا أبو القاسم القمّي

غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ٢

المؤلف:

الميرزا أبو القاسم القمّي


المحقق: عباس تبريزيان
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-424-250-5
الصفحات: ٦٣١

ضعيف ، لمخالفته للمنقول عن فعله صلى‌الله‌عليه‌وآله (١) ، وظاهر الآية (٢) والصحاح المستفيضة مثل صحيحة زرارة : «إنما لها وقت واحد حين تزول» (٣).

ورواية وكيع الأسلمي في فعل أبي بكر (٤) لا حجّة فيها ، وعلى ما سنحقّقه من تأخير الخطبتين عن الزوال أيضاً فالأمر أوضح.

وأما أخره ، فالمشهور أنّه صيرورة ظلّ كلّ شي‌ء مثله ، نسبه في المعتبر إلى أكثر أهل العلم (٥) ، وعن المنتهي أنه مذهب علمائنا أجمع (٦).

وعن أبي الصلاح خروجه إذا مضى مقدار الأذان والخطبتين والركعتين فتقام ظهراً (٧).

وعن الجعفي وقتها ساعة من النهار (٨).

وقال ابن إدريس : يمتدّ وقتها بامتداد الظهر (٩).

وظاهر الأخبار الدالّة على أنّ وقتها أوّل الزوال مع أبي الصلاح ، وهو مقارب لمذهب الجعفي ، ويدلّ على مذهب الجعفي صريحاً مرسلة الصدوق الاتية (١٠) ، وملاحظة عموم البدليّة المستفادة من الأخبار مع ابن إدريس.

والتحقيق مع المشهور ، فإنّ الأخبار الدالّة على أنّ وقتها واحد وأنّها مضيّقة وأنّ وقتها حين تزول مع كثرتها وصحّتها إذا لوحظت عن آخرها سيّما مع ملاحظة ما

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٣٠ أبواب صلاة الجمعة ب ١٥.

(٢) الجمعة : ٩.

(٣) التهذيب ٣ : ١٣ ح ٤٦ ، الوسائل ٥ : ١٧ أبواب صلاة الجمعة ب ٨ ح ٣.

(٤) سنن الدارقطني ٢ : ١٧ ح ١.

(٥) المعتبر ٢ : ٢٧٥.

(٦) المنتهي ١ : ٣١٨.

(٧) الكافي في الفقه : ١٥٣.

(٨) نقله عنه في الذكرى : ٢٣٥.

(٩) السرائر ١ : ٣٠١.

(١٠) الفقيه ١ : ٢٦٧ ح ١٢٢٣ ، الوسائل ٥ : ١٩ أبواب صلاة الجمعة ب ٨ ح ١٣.

١٦١

دلّ على أنّ وقتها واحد في السفر والحضر ، وسيّما ما صرّح فيها بأنه إذا زالت الشمس لا يمنع من الظهر إلّا السبحة ؛ يعني النافلة ، وما سوّي فيها بينهما وبين صلاة المسافر مثل موثّقة سعيد الأعرج عن الصادق عليه‌السلام : عن وقت الظهر ، فقال : «بعد الزوال بقدم أو نحو ذلك ، إلّا في السفر أو يوم الجمعة ، فإنّ وقتها إذا زالت» (١) وفي معناها موثّقة إسماعيل بن عبد الخالق (٢) يستفاد منها أنّ المراد سقوط النافلة ؛ فلا وجه لتأخيرها ، لا عدم الجواز بعده. ويحمل التضييق والتأكيد في بعضها على الأفضليّة.

وبذلك يندفع قول أبي الصلاح والجعفي.

مع أنّ قول أبي الصلاح غير مضبوط المعنى ، والأخبار لا تدلّ عليه ، بل إنّما تدلّ على أنّ أوّل الزوال وقت الشروع فيها ، لا أنّ وقتها إلى أن يمضي مقدار المذكورات. ويؤكّده أيضاً وجوب السعي بعد النداء في الآية (٣) وعمل المسلمين في الأعصار والأمصار بمبادرتهم إليها بعده.

وتدلّ عليه أيضاً مرسلة الصدوق في الفقيه ، قال أبو جعفر عليه‌السلام : «أول وقت الجمعة ساعة زوال الشمس إلى أن تمضي ساعة» (٤). فإن الظاهر أنّ المراد وقت الشروع ؛ لا تحديد أوّل وآخر الصلاة كما لا يخفى.

وكذلك موثّقة عمّار عن الصادق عليه‌السلام ، قال : «وقت صلاة الجمعة إذا زالت الشمس شراك أو نصف» (٥).

وكذلك ما دلّ على استحباب ركعتي النافلة عند الزوال وبعده.

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٤٤ ح ٩٧٠ ، الاستبصار ١ : ٢٤٧ ح ٨٨٤ ، الوسائل ٣ : ١٠٦ أبواب المواقيت ب ٨ ح ١٧.

(٢) التهذيب ٣ : ١٣ ح ٤٥ ، الاستبصار ١ : ٤١٢ ح ١٥٧٧ ، الوسائل ٥ : ١٨ أبواب صلاة الجمعة ب ٨ ح ٧.

(٣) الجمعة : ٩.

(٤) الفقيه ١ : ٢٦٧ ح ١٢٢٣ ، الوسائل ٥ : ١٩ أبواب صلاة الجمعة ب ٨ ح ١٣.

(٥) التهذيب ٢ : ٢٧٣ ح ١٠٨٦ ، الوسائل ٣ : ١٧٨ أبواب المواقيت ب ٤٠ ح ١.

١٦٢

وأما قول ابن إدريس فهو وإن كان قويّاً لوضوح دلالة البدليّة على ذلك المستفادة من الأخبار المستفيضة ، إلّا أنّ المنقول عن فعله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه كان يفعلها إلى صيرورة الظلّ مثل الشي‌ء دائماً (١) ، والإجماع المنقول عن العلامة (٢) يحجبنا عن التعدّي.

والظاهر أنّ مراد ناقل الفعل أنّه علم من حاله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّ ذلك كان غاية ما يجوز أنّ تؤخّر فيه ، لا أنّه علم فعلها إلى ذلك الوقت مع عدم العلم بحال ما بعده ، حتّى يرد عليه أنّه عليه‌السلام كان يقدّمها في أوّل الوقت وكانت تنقضي الصلاة قبل ذلك في الأكثر ، وهو لا يدلّ على وجوبها في ذلك الحين عند المشهور ، فكذلك ما نحن فيه.

وتفوت الجمعة بفوات وقتها ، ثم تجب الظهر بقي وقتها أو خرج بالإجماع والأخبار (٣).

وتدرك بإدراك ركعة ، ويضيف إليها أُخرى ، للصحاح المستفيضة (٤) ، بل وبإدراك الإمام راكعاً لما سيجي‌ء في محلّه.

ولو أدرك منها ركعة وخرج الوقت فتصحّ ، لعموم قوله عليه‌السلام : «من أدرك ركعة كمن أدرك الوقت كلّه» (٥).

وعن الشيخ (٦) وجماعة (٧) كفاية مجرّد التلبّس بها في الوقت ، وهو مشكل ، هذا

__________________

(١) كما في الذكرى : ٢٣٥ ، وانظر الوسائل ٥ : ١٧ أبواب صلاة الجمعة ب ٨.

(٢) المنتهي ١ : ٣١٨.

(٣) الوسائل ٥ : ٤٠ أبواب صلاة الجمعة ب ٢٦.

(٤) الوسائل ٥ : ٤٠ أبواب صلاة الجمعة ب ٢٦.

(٥) المعتبر ٢ : ٤٧ ، الذكرى : ١٢٢ ، الوسائل ٣ : ١٥٨ أبواب المواقيت ب ٣٠ ح ٤ ، ٥.

(٦) المبسوط ١ : ١٤٥.

(٧) كيحيى بن سعيد في الجامع للشرائع : ٩٥ ، والمحقّق في المعتبر ٢ : ٢٧٦ ، والعلّامة في الإرشاد ١ : ٢٥٧ ، ونهاية الإحكام ٢ : ١١.

١٦٣

حال وقت الصلاة.

وأما الخطبة فمعظم الأصحاب على أنّ وقتها بعد الزوال ، لظاهر الآية ، وحسنة محمّد بن مسلم (١) ، ولكلّ ما دلّ على أنّ الخطبتين بدل الركعتين (٢) ، وكلّ ما دلّ على أنّ الخطبة صلاة (٣) ، وكلّ ما دلّ على استحباب الركعتين عند الزوال وبعده (٤) لوجوب وقوع الصلاة بعد الخطبة.

وجوّزها الشيخ قبل الزوال ، وادّعى عليه في الخلاف إجماع الفرقة (٥) ، وهو مختار المحقّق (٦) ، لصحيحة عبد الله بن سنان ، عن الصادق عليه‌السلام ، قال : «كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يصلّي الجمعة حين تزول الشمس قدر شراك ، ويخطب في الظلّ الأوّل ، فيقول جبرئيل : يا محمّد قد زالت الشمس فانزل فصلّ ، وإنّما جعلت الجمعة ركعتين من أجل الخطبتين ، فهي صلاة حتّى ينزل الإمام» (٧).

وهي لا تقاوم ما ذكرنا من الأدلّة ، مع أنّ دلالتها غير واضحة ، إذ الظلّ الأوّل وإن كان ظاهراً فيما قبل الزوال ، لكن القرائن المحفوفة به تضعف دلالتها ، فإنّ الصلاة عند صيرورة الفي‌ء قدر الشراك إذا تمّت الخطبة قبل الزوال تستلزم فصلاً كثيراً بين الخطبة والصلاة ، بل هو قرينة على أنّ التأخير إلى مقدار الشراك لأجل الخطبة ، فلا بد أن يحمل على إرادة الشروع في الخطبة في الظلّ الأوّل ، وهو لا يستلزم جواز إتمامها بحيث إذا تمّت زالت الشمس ، فنحملها على إرادة الشروع في منتهى الظلّ الأوّل

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٢٤ ح ٧ ، التهذيب ٣ : ٢٤١ ح ٦٤٨ ، الوسائل ٥ : ١٥ أبواب صلاة الجمعة ب ٦ ح ٧.

(٢) الوسائل ٥ : ١٤ أبواب صلاة الجمعة ب ٦.

(٣) التهذيب ٣ : ١٢ ح ٤٢ ، الوسائل ٥ : ١٥ أبواب صلاة الجمعة ب ٦ ح ٤.

(٤) الوسائل ٥ : ٢٢ أبواب صلاة الجمعة ب ١١.

(٥) الخلاف ١ : ٦٢ مسألة ٣٩٠ ، المبسوط ١ : ١٥١ ، النهاية : ١٠٥.

(٦) المعتبر ٢ : ٢٨٧.

(٧) التهذيب ٣ : ١٢ ح ٤٢ ، الوسائل ٥ : ١٨ أبواب صلاة الجمعة ب ٨ ح ٤.

١٦٤

بإرادة أوّل الفي‌ء مبالغةً.

أو يقال : إنّ المراد بالظلّ الأوّل الظلّ الحادث بعد الزوال ، والمراد بقول جبرئيل : «قد زالت الشمس» الزوال المعهود المذكور في الكلام ، وهو الزوال بقدر الشراك ، وما ذكرناه ليس ببعيد عند التأمّل والإنصاف.

ويؤيدّه تمام الخبر لما أشرنا إليه سابقاً.

وأوّلها العلامة ببعيد (١) ، فالرواية لنا لا علينا.

وعلى هذا فموثّقة عمّار عن الصادق عليه‌السلام ، قال : «وقت صلاة الجمعة إذا زالت الشمس شراك أو نصف» (٢) أيضاً تشهد بما ذكرنا ، فإنّ الظاهر أنّ ذلك لأجل الخطبة كالقدمين للظهر.

الثالث : لا خلاف في أنّ وقت صلاة العيدين ما بين طلوع الشمس إلى الزوال والمشهور أنّ أوّله من أوّل الطلوع.

وعن الشيخ إذا طلعت وارتفعت وانبسطت (٣) ، وربما يؤيّد بحسنة زرارة عن الباقر عليه‌السلام : «ليس في الفطر والأضحى أذان ولا إقامة ، أذانهما طلوع الشمس ، إذا طلعت خرجوا» (٤).

وموثّقة سماعة ، قال : سألته عن الغدوّ إلى المصلّى في الفطر والأضحى ، فقال : «بعد طلوع الشمس» (٥) فإنّ كون طلوع الشمس وقت الخروج يقتضي تأخّرها عن أوّل الطلوع.

__________________

(١) المختلف ٢ : ٢١٤.

(٢) التهذيب ٢ : ٢٧٣ ح ١٠٨٦ ، الوسائل ٣ : ١٧٨ أبواب المواقيت ب ٤٠ ح ١.

(٣) المبسوط ١ : ١٦٩.

(٤) الكافي ٣ : ٤٥٩ ح ١ ، التهذيب ٣ : ١٢٩ ح ٢٧٦ ، الوسائل ٥ : ١٣٥ أبواب صلاة العيد ب ٢٩ ح ١.

(٥) التهذيب ٣ : ٢٨٧ ح ٨٥٩ ، الوسائل ٥ : ١٣٥ أبواب صلاة العيد ب ٢٩ ح ٢.

١٦٥

وهو كما ترى ، فإنّ مساواة الطلوع للأذان يقتضي كونه أوّل الوقت كما لا يخفى.

وتستحب زيادة التأخير في الفطر عن الأضحى بإجماع العلماء ، نقله في المدارك ، وعلّل باستحباب الإفطار قبل الخروج ، ولتوسعة الوقت لإخراج الفطرة (١).

الرابع : وقت صلاة الكسوفين من ابتدائهما إلى انجلائهما وفاقاً للشيخ (٢) والمحقّق (٣) وجماعة (٤) ، لما روي عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله : «فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى ذكر الله تعالى والصلاة حتّى ينجلي» نقله في الذكرى (٥).

ومن طريق الخاصّة عموم قوله عليه‌السلام : «إذا انكسفتا أو واحدة منهما فصلّوا» (٦) وما في معناها من العمومات والإطلاقات.

وموثّقة عمّار عن الصادق عليه‌السلام قال ، قال : «إن صلّيت الكسوف إلى أن يذهب الكسوف عن الشمس والقمر وتطوّل في صلاتك فإن ذلك أفضل ، وإن أحببت أن تصلّي فتفرغ من صلاتك قبل أن يذهب الكسوف فهو جائز» (٧) وللاستصحاب.

وتؤيّده الأخبار الصحيحة الدالّة على رجحان الإعادة ما لم ينجلي بالتمام (٨) ،

__________________

(١) المدارك ٤ : ١٠٠.

(٢) المبسوط ١ : ١٧٢ ، النهاية : ١٣٧ ، الجمل والعقود (الرسائل العشر) : ١٩٤.

(٣) الشرائع ١ : ٩٣.

(٤) كالشهيد في الدروس ١ : ١٩٥ ، والمحقّق الكركي في جامع المقاصد ٢ : ٤٧١ ، وصاحب المدارك ٤ : ١٢٩.

(٥) الذكرى : ٢٤٤ ، وانظر سنن البيهقي ٣ : ٣٤١.

(٦) الكافي ٣ : ٤٦٣ ح ١ ، التهذيب ٣ : ١٥٤ ح ٣٢٩ ، المحاسن : ٣١٣ ح ٣١ ، الوسائل ٥ : ١٤٣ أبواب صلاة الكسوف ب ١ ح ١٠.

(٧) التهذيب ٣ : ٢٩١ ح ٨٧٦ ، الوسائل ٥ : ١٤٦ أبواب صلاة الكسوف ب ٤ ح ٥.

(٨) الوسائل ٥ : ١٥٣ أبواب صلاة الكسوف ب ٨.

١٦٦

فإن الظاهر من الإعادة هو الإتيان في الوقت ، وإن لم نقل بثبوت الحقيقة الشرعيّة فيها أيضاً.

ونقل في الذكرى عن الأكثر القول بأنّ وقته إلى حين الأخذ في الانجلاء (١) ، لصحيحة حمّاد بن عثمان عن الصادق عليه‌السلام ، قال : ذكرنا انكساف القمر وما يلقى الناس من شدّته قال ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «إذا انجلى منه شي‌ء فقد انجلى» (٢).

ودلالتها ممنوعة ، لأنّ ظاهرها إرادة بيان مساواة الحال في الشدّة والخوف ورفعهما ، لا بيان الوقت.

ويمكن أن يستدلّ لهم بصحيحة جميل عنه عليه‌السلام ، قال : «وقت صلاة الكسوف في الساعة التي تنكسف عند طلوع الشمس وعند غروبها» (٣).

وفيه : أنّ المضارع مشترك بين الحال والاستقبال ، ولو سلّم كونه مجازاً في الحال فالقرينة هنا قائمة على إرادتها ليشمل حالة احتراق القرص بأجمعه ، وإذا غاب القرص بعد الانكساف أو سترة غيم فهو أداء حتى يتيقّن الانجلاء ، للاستصحاب.

وأما الزلزلة ، فوقت صلاتها تمام العمر على المشهور ، لإطلاق الأدلّة ، وقيل بقضائها بعد السكون (٤) ، وهو ضعيف.

والأظهر كونه موسّعاً ، وقال في الذكرى بوجوبها فوراً وإن لم يصر قضاءً بالتأخير كالحج (٥) ، وهو ممنوع.

__________________

(١) الذكرى : ٢٤٤.

(٢) الفقيه ١ : ٣٤٧ ح ١٥٣٥ ، التهذيب ٣ : ٢٩١ ح ٨٧٧ ، الوسائل ٥ : ١٤٦ أبواب صلاة الكسوف ب ٤ ح ٣.

(٣) الكافي ٣ : ٤٦٤ ح ٤ ، التهذيب ٣ : ١٥٥ ح ٣٣١ ، وص ٢٩٣ ح ٨٨٦ ، الوسائل ٥ : ١٤٦ أبواب صلاة الكسوف ب ٤ ح ٢.

(٤) البيان : ٢٠٧.

(٥) الذكرى : ٢٤٤.

١٦٧

وألحق العلامة الصيحة بها (١) ، وهو حسن.

وأما سائر الآيات كالرياح المخوفة ، والظلم ، وغيرها ، فأسند في الذكرى إلى الأصحاب اشتراط سعة وقتها لأداء الصلاة (٢).

وجعلها في الدروس كالزلزلة (٣) ، واختاره العلامة في بعض أقواله (٤).

واستدلّ على الأوّل بصحيحة زرارة ومحمّد بن مسلم قال ، قلنا لأبي جعفر عليه‌السلام : هذه الرياح والظلَم التي تكون هل يصلّى لها؟ فقال : «كلّ أخاويف السماء من ظلمة أو ريح أو فزع فصلّ له صلاة الكسوف حتّى يسكن» (٥).

وتؤيّده صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله ، حيث سوّى فيها بين صلاتها وصلاة الكسوف (٦).

وعلى الثاني بالإطلاقات.

ويمكن ترجيح الأوّل بحمل المطلق على المقيّد ، فإنّ كلمة «حتّى» تحتمل الغاية وتحتمل التعليل ، وكلاهما يفيدان التوقيت.

ولكنه يشكل بما لا يسع الصلاة ؛ فلا يمكن تقييد الإطلاق بذلك مطلقاً ، ولا قائل بالفرق.

فالأولى جعلها من باب الأسباب كالزلزلة.

مع أنه تحتمل إرادة سكون الخوف والفزع لا نفس الآية ، وربّما احتملت إرادة التكرار كالكسوفين ، وهو لا ينافي المشهور.

__________________

(١) التذكرة ٤ : ١٨٠.

(٢) الذكرى : ٢٤٤.

(٣) الدروس ١ : ١٩٥.

(٤) المنتهي ١ : ٤٥٢ ، التحرير ١ : ٤٧.

(٥) الكافي ٣ : ٤٦٤ ح ٣ ، الفقيه ١ : ٣٤٦ ح ١٥٢٩ ، التهذيب ٣ : ١٥٥ ح ٣٣٠ ، الوسائل ٥ : ١٤٤ أبواب صلاة الكسوف ب ٢ ح ١.

(٦) الفقيه ١ : ٣٤١ ح ١٥١٢ ، الوسائل ٥ : ١٤٤ أبواب صلاة الكسوف ب ٢ ح ٢.

١٦٨

وعن التذكرة : كلّ أية يقصر وقتها عن العبادة يكون وقتها دائماً ، أما ما ينقص من فعلها وقتاً دون وقت فإنّ وقتها مدّة الفعل ، فإن قصر لم يصلّ (١).

وفيه : منع اقتضاء وسعة الآية للوقت التوقيت ، وكذلك قصورها عن الفعل لنفي الوجوب كما مرّت الإشارة ، مع أنّ مراده من ذلك جعل توقيت الصلاة بالعمر مختصّاً بالزلزلة والصيحة ، وهو إنّما يتمّ إذا لم تتحقّق زلزلة تَسَع للصلاة ، وهو ممنوع ، إلّا أن يراد الغالب.

ثمّ إنّ الظاهر عدم تداخل الأسباب ، فيجب تكرار الصلاة لزلازل متعدّدة وغيرها ، مع إشكال فيما لا يسع بينهما للصلاة ، سيّما على القول بوجوب الفور ، والأحوط التكرار مطلقاً.

الخامس : في وقت نافلة الظهر أقوال ، أظهرها أنه من أوّل الزوال إلى أن يبلغ الفي‌ء ذراعاً مقدّمةً على الفريضة ، والعصر إلى أن يبلغ ذراعين كذلك للأخبار المعتبرة المستفيضة جدّاً.

منها صحيحة زرارة عن الباقر عليه‌السلام ، قال : سألته عن وقت الظهر فقال : «ذراع من زوال الشمس ، ووقت العصر ذراع من وقت الظهر ، فذلك أربع أقدام من زوال الشمس».

وقال زرارة : قال لي أبو جعفر عليه‌السلام حين سألته عن ذلك : «إنّ حائط مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان قامة ، فكان إذا مضى من فيئه ذراع صلّى الظهر ، وإذا مضى من فيئه ذراعان صلّى العصر» ثم قال : «أتدري لم جعل الذراع والذراعان؟» قلت : لم جعل ذلك؟ قال : «لمكان الفريضة ، فإنّ لك أن تتنفّل من زوال الشمس إلى أن يمضي الفي‌ء ذراعاً ، فإذا بلغ فيئك ذراعاً من الزوال

__________________

(١) التذكرة ٤ : ١٨٠.

١٦٩

بدأت بالفريضة وتركت النافلة ، وإذا بلغ فيئك ذراعين بدأت بالفريضة وتركت النافلة» (١) وهو قول الشيخ في النهاية (٢).

وقال في الخلاف والمبسوط على ما نقله في المختلف والمدارك : إنّه من أوّل الزوال إلى أن يبقى لصيرورة الفي‌ء مثل الشاخص مقدار ما يصلّي الفريضة للظهر ، ومثليه كذلك للعصر (٣).

وأما في المعتبر فأطلق نقل المثل والمثلين كالذراع والذراعين (٤).

واستدلّ في المعتبر على هذا القول بصحيحة زرارة المتقدّمة ، لما دلّ على أنّ المراد بالقامة الذارع من الأخبار ، مثل رواية عليّ بن حنظلة وغيرها (٥) ، وقال : فيعود اختلاف كلام الشيخ لفظيّاً (٦).

وأنت خبير بأنّ ذلك خلاف مقتضى تلك الأخبار المعتبرة ، بل خلاف صريح الصحيحة المذكورة أيضاً ، لإضافة الفي‌ء إلى المخاطب في آخرها ، مع أنّ القامة ظاهرة في قامة الإنسان.

وأما رواية عليّ بن حنظلة وغيرها ، فهي مع عدم مقاومتها لتلك الأخبار محمولة على ما لو كان الشاخص مقدار الذراع.

وتوضّحه رواية أبي بصير عن الصادق عليه‌السلام أنّه قال له : كم القامة؟ فقال :

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٤٠ ح ٦٥٣ ، التهذيب ٢ : ١٩ ح ٥٥ ، الاستبصار ١ : ٢٥٠ ح ٨٩٩ ، الوسائل ٣ : ١٠٣ أبواب المواقيت ب ٨ ح ٣.

(٢) النهاية : ٦٠.

(٣) الخلاف ١ : ٥٢٥ ، المبسوط ١ : ٧٦ ، المختلف ٢ : ٣٣ ، المدارك ٣ : ٦٨. والموجود في المبسوط : يصلّى نوافل الزوال من بعد الزوال إلى أن يبقى إلى آخر الوقت مقدار ما يصلّى فيه فريضة الظهر ، وقال بعد نقل ذلك في المختلف : مع أنّه جعل أوّل وقت الظهر فيه للمختار إذا صار كلّ شي‌ء مثله ، انظر المبسوط ١ : ٧٢.

(٤) المعتبر ٢ : ٤٨.

(٥) التهذيب ٢ : ٢٣ ح ٦٥ ، الاستبصار ١ : ٢٥١ ح ٩٠١ ، الوسائل ٣ : ١٠٥ أبواب المواقيت ب ٨ ح ١٥.

(٦) المعتبر ٢ : ٤٨.

١٧٠

«ذراع ، إنّ قامة رحل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كانت ذراعاً» (١) فلذلك عبر عن أحدهما بالآخر.

والأولى الاستدلال على هذا القول بعموم ما ورد من الأخبار في تحديد وقت الفريضتين بالمثل والمثلين (٢) ، مضافاً إلى ما ورد من الأخبار الكثيرة الدالّة على استحباب النافلة مقدّمةً على الفريضة ، وما ورد أنّه لا يمنعك من الفريضة إلّا سبحتك (٣).

ونقل في الشرائع قولاً بامتداد وقتها بامتداد الفريضة (٤) ، وهو أيضاً مقتضى الإطلاقات.

وهاهنا أخبار أُخر معتبرة تدلّ على جواز تقديمها على أوقاتها وتأخيرها ، مثل حسنة محمّد بن عذافر ، عن الصادق عليه‌السلام : «صلاة التطوّع بمنزلة الهدية ؛ متى ما اتي بها قبلت ، فقدّم منها ما شئت وأخّر ما شئت» (٥).

وحملها الشيخ على الرخصة لمن علم من حاله أنّه إن لم يقدّمها اشتغل عنها (٦) ، لرواية محمّد بن مسلم عن الباقر عليه‌السلام : عن الرجل يشتغل عن الزوال ، أيعجّل من أوّل النهار؟ فقال : «نعم ، إذا علم أنه يشتغل فيعجّلها في صدر النهار كلّها» (٧).

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٣ ح ٦٦ ، الاستبصار ١ : ٢٥١ ح ٩٠٢ ، الوسائل ٣ : ١٠٦ أبواب المواقيت ب ٨ ح ١٦ ، والرحل ما يوضع على ظهر الحيوان ويركب عليه. لسان العرب ١١ : ٢٧٤.

(٢) التهذيب ٢ : ٢٢ ح ٦٢ ، الاستبصار ١ : ٢٤٨ ح ٨٩١ ، الوسائل ٣ : ١٠٥ أبواب المواقيت ب ٨ ح ١٣.

(٣) الوسائل ٣ : ٩٦ أبواب المواقيت ب ٥.

(٤) الشرائع ١ : ٤٨.

(٥) التهذيب ٢ : ٢٦٧ ح ١٠٦٦ ، الاستبصار ١ : ٢٧٨ ح ١٠١٠ ، الوسائل ٣ : ١٧٠ أبواب المواقيت ب ٣٧ ح ٨.

(٦) التهذيب ٢ : ٢٦٧.

(٧) الكافي ٣ : ٤٥٠ ح ١ ، التهذيب ٢ : ٢٦٨ ح ١٠٦٧ ، الاستبصار ١ : ٢٧٨ ح ١٠١١ ، الوسائل ٣ : ١٦٨ أبواب المواقيت ب ٣٧ ح ١.

١٧١

ولكن عموم أكثرها بل صريح بعضها الجواز مطلقاً ، إلّا أنّ الأفضل الإتيان في أوقاتها المحدودة.

وأما ما ورد في التحديد بمقدار النافلة طوّلت أو قصّرت (١) ، وبأربعة أقدام في الظهر ، وكذلك ثلث القامة ، فهي محمولة على مراتب تطويل النافلة وتقصيرها ، وتفويض الأمر إلى المكلّف في ذلك. ولعلّ الأفضل التقصير كما هو صريح بعضها (٢) ، فالجميع جائز إن شاء الله تعالى.

ولكن الأفضل التعجيل بها إلى أن يبقى للمثل والمثلين مقدار الفريضة ، فذلك آخر مراتب الفضل ، ثمّ يجوز فعلها بعد ذلك مقدّماً وإن كان تأخيرها أفضل ، وترك قصد القضاء والأداء حينئذٍ أولى ، سيّما على المختار في النيّة.

وكيف كان : فلو خرج الوقت وقد تلبّس من النافلة بركعة زاحم بها الفريضة مخفّفة ، كما نقل عن الشيخ وأتباعه (٣) ، لموثّقة عمّار (٤) ، وليس فيها الدلالة على التخفيف ، لكن لا بأس به.

وينبّه عليه ما دلّ على تخفيف نافلة الزوال في أوّل الوقت ، مثل رواية أبي بصير قال : ذكر أبو عبد الله عليه‌السلام أوّل الوقت وفضله ، فقلت : كيف أصنع بالثمان ركعات؟ قال : «خفّف ما استطعت» (٥).

ويستفاد ذلك من صحيحة زرارة المتقدّمة أيضاً.

وذكروا في التخفيف الاكتفاء بالحمد والذكر الواحد في الركوع والسجود ونحو ذلك (٦). ولا بأس به.

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٩٦ أبواب المواقيت ب ٥.

(٢) التهذيب ٢ : ٢٥٧ ح ١٠١٩ ، الوسائل ٣ : ١٢٦ أبواب المواقيت ب ١٥ ح ١.

(٣) النهاية : ٦٠ ، المهذّب ١ : ٧١ ، السرائر ١ : ٢٠٢.

(٤) التهذيب ٢ : ٢٧٣ ح ١٠٨٦ ، الوسائل ٣ : ١٧٨ أبواب المواقيت ب ٤٠ ح ١.

(٥) التهذيب ٢ : ٢٥٧ ح ١٠١٩ ، الوسائل ٣ : ١٢٦ أبواب المواقيت ب ١٥ ح ١.

(٦) السرائر ١ : ٢٠٢ ، المسالك ١ : ١٤٣.

١٧٢

وأوّل وقت نافلة المغرب بعدها إلى ذهاب الحُمرة المغربية ، قال في المعتبر : وهو مذهب علمائنا (١) ، وظاهر هذه العبارة دعوى الإجماع على عدم الجواز بعده ، وهو بعيد.

ونسب القول في الذكرى إلى الشيخ في النهاية (٢) ، ومال هو إلى امتدادها بامتداد المغرب (٣).

واستوجهه في المدارك (٤) واستشهد عليه بصحيحة أبان بن تغلب قال : صلّيت خلف أبي عبد الله عليه‌السلام المغرب بالمزدلفة ، فقام فصلّى المغرب ثمّ صلّى العشاء الآخرة ، ولم يركع بينهما ، ثمّ صلّيت خلفه بعد ذلك بسنة فلمّا صلّى المغرب قام فتنفّل بأربع ركعات ، ثمّ أقام فصلّى العشاء الآخرة (٥). وهو حسن ، وهو مقتضى الإطلاقات والعمومات.

وأما ما استدلّ به في المعتبر من أنّ عند ذهاب الحمرة يقع الاشتغال بالفرض فلا يصلح للنافلة ، مستنداً بما ورد من أنه لا تطوّع في وقت فريضة (٦) ، فهو ضعيف ، لأنه منقوض بجوازها قبل ذلك أيضاً عندنا.

نعم يمكن القول بأفضليّة التأخير حينئذٍ لو قلنا باستحباب تقديم العشاء والتعجيل بها عند سقوط الشفق ، ولا دليل عليه إلا ما دلّ على أفضلية أوائل الأوقات (٧) ؛ مع خروج ما قبل سقوط الشفق هنا بالدليل.

وأما ما ورد في بعض الأخبار من تحديد وقت العتمة بغيبوبة الشفق ، مثل

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٥٣.

(٢) النهاية : ٦٠.

(٣) الذكرى : ١٢٤.

(٤) المدارك ٣ : ٧٤.

(٥) الكافي ٣ : ٢٦٧ ح ٢ ، الوسائل ٣ : ١٦٣ أبواب المواقيت ب ٣٣ ح ١ بتفاوت.

(٦) انظر الوسائل ٣ : ١٦٥ أبواب المواقيت ب ٣٥.

(٧) الوسائل ٣ : ٨٦ أبواب المواقيت ب ٣.

١٧٣

حسنة الحلبي (١) ، ورواية بكر بن محمّد الأزدي (٢) وغيرهما (٣) ، فهي محمولة على الفضيلة ، أو لرفع الحظر التنزيهي عمّا قبله ، أو لرفع توهّم وجوب التأخير ، أو رجحان التأخير كما يستفاد الطرفان من الأخبار ، وقد تقدّم الكلام فيهما.

وبالجملة الأقرب الجواز ، إلّا أنّ الأفضل التقديم عليه لما مرّ ، وللتأسّي بالنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله كما رواه عمرو بن حريث (٤).

وبما ذكرنا ظهر أنّه لو شرع في ركعتين منها ثم زالت الحمرة أتمّهما ، سواء كانت الأُوليين أو الأُخريين بطريق الأولى.

وجزم به الشهيد في الذكرى على القول بفوات الوقت بذهاب الحمرة أيضاً (٥) ، لأنّ الصلاة على ما افتتحت عليه (٦) ، وللمنع عن إبطال العمل (٧) ، بل يتمّ الأربع لو شرع فيها أيضاً كما نقله عن ابن إدريس (٨).

وهل الأفضل تقديم النافلة على كلّ شي‌ء كما اختاره ابن الجنيد (٩) ، أو تأخيرها عن التسبيح فقط كما اختاره المفيد (١٠)؟ قولان ، والثاني أوجه.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٢٨٠ ح ١١ ، التهذيب ٢ : ٣٤ ح ١٠٣ ، الاستبصار ١ : ٢٧٠ ح ٩٧٧ ، الوسائل ٣ : ١٤٩ أبواب المواقيت ب ٢٣ ح ١.

(٢) الفقيه ١ : ١٤١ ح ٦٥٧ ، التهذيب ٢ : ٣٠ ح ٨٨ ، الاستبصار ١ : ٢٦٤ ح ٩٥٣ ، الوسائل ٣ : ١٢٧ أبواب المواقيت ب ١٦ ح ٦.

(٣) الوسائل ٣ : ١١٤ أبواب المواقيت ب ١٠ ح ٢.

(٤) الكافي ٣ : ٤٤٣ ح ٥ ، التهذيب ٢ : ٤ ح ٤ ، الاستبصار ١ : ٢١٨ ح ٧٧٤ ، الوسائل ٣ : ٣٣ أبواب أعداد الفرائض ب ١٣ ح ٦.

(٥) الذكرى : ١٢٤.

(٦) التهذيب ٢ : ١٩٧ ح ٧٧٦ ، وص ٣٤٣ ح ١٤١٩ ، الوسائل ٤ : ٧١٢ أبواب النيّة ب ٢ ح ٢.

(٧) ولا تُبطلوا أعمالكم ، محمّد : ٣٣.

(٨) السرائر ١ : ٢٠٢.

(٩) نقله عنه في مفتاح الكرامة ٢ : ٣٣.

(١٠) المقنعة : ١١٦.

١٧٤

وأما الوتيرة فيمتدّ وقتها بامتداد العشاء بلا خلاف ، وهو مقتضى الإطلاقات.

وعن الشيخ (١) وأتباعه (٢) استحباب جعلها خاتمة كلّ نافلة يصلّيها في تلك اللّيلة ، ولا يحضرني الان مستنده ، ويكفي في ذلك فتواهم.

ووقت صلاة اللّيل بعد انتصافه بلا خلاف ، للصحاح وغيرها (٣) ويعرف بانحدار النجوم كما في رواية عمر بن حنظلة أنه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام ، فقال له : زوال الشمس نعرفه بالنهار ، فكيف لنا باللّيل؟ فقال : «للّيل زوال كزوال الشمس» قال : فبأيّ شي‌ء نعرفه؟ قال : «بالنجوم إذا انحدرت» (٤).

قيل : والمراد بها النجوم الطالعة عند غروب القرص (٥) ، وهو غير مطّرد في الكواكب والأحوال ، وسيأتي الكلام فيه.

واعتبر الجعفي منازل القمر وقاعدة طلوعه وغروبه ، قال : ويغرب في ليلة الهلالي في نصف السبع ، وهكذا إلى اللّيلة الأربع عشرة ، ثمّ يتأخّر هكذا إلى الثمان والعشرين ، وبذلك تتمّ منازل القمر (٦).

والمشهور أنّه كلما قرب من الفجر كان أفضل ، واستدلّوا عليه بقوله تعالى (وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) (٧) منضمّاً إلى ما ورد في الصحيح أنّ المراد به الاستغفار في الوتر (٨) ، وهو لا يدلّ إلّا على استحباب قرب الوتر إلى الفجر ، وكذلك صحيحة إسماعيل بن سعد (٩).

__________________

(١) المبسوط ١ : ٧٦ ، النهاية : ٦٠.

(٢) كابن حمزة في الوسيلة : ٨٣ ، والقاضي في المهذّب ١ : ١٤٥.

(٣) الوسائل ٣ : ١٨٠ أبواب المواقيت ب ٤٣.

(٤) الفقيه ١ : ١٤٦ ح ٦٧٧ ، الوسائل ٣ : ١٩٨ أبواب المواقيت ب ٥٥ ح ١.

(٥) الوسائل ٣ : ١٩٨.

(٦) نقله عنه في الذكرى : ١٢٥.

(٧) الذاريات : ١٨.

(٨) التهذيب ٢ : ١٣٠ ح ٤٩٨ ، علل الشرائع : ٣٦٤ ح ١ ، الوسائل ٤ : ٩١٠ أبواب القنوت ب ١٠ ح ٧.

(٩) التهذيب ٢ : ٣٣٩ ح ١٤٠١ ، الوسائل ٣ : ١٩٧ أبواب المواقيت ب ٥٤ ح ٤.

١٧٥

وأما رواية مرازم عن الصادق عليه‌السلام قال ، قلت له : متى أُصلّي صلاة الليل؟ فقال : «صلّها آخر الليل» قال ، فقلت : إنّي لا أستنبه ، فقال : «تستنبه مرّة فتصلّيها ، وتنام فتقضيها ، فإذا اهتممت بقضائها بالنهار استنبهت» (١) فمع سلامتها غير واضحة الدلالة ، فإن مقام السؤال والجواب طلب الرخصة للتقديم ، فإنّ من لا يستنبه آخر اللّيل كيف يستنبه نصفه أو إناءه!؟

ويمكن أن تكون فتواهم بذلك في مقابل فعلها أجمع في منتصف الليل ، وذلك لا ينافي أفضليّة توزيعها على إناء اللّيل ، وتوسيط نومتين ، والإيتار بين الفجرين ؛ كما ورد في الأخبار المعتبرة من فعل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله (٢) ؛ وأفتى على طبقها ابن الجنيد (٣).

فلا يبعد القول بأفضليّة ذلك لهذه الروايات ، ولما ورد في الصحيح وغيره : «إنّ الساعة التي لا يدعو فيها العبد ربه إلّا استجيب له في اللّيل وهو ما بين نصف اللّيل إلى الثلث الباقي» (٤).

والمشهور جواز تقديمها على النصف للمعذور ، كالمسافر والخائف من غلبة النوم وغيرهما ، للصحاح المستفيضة (٥) ، خلافاً لما نقل عن زرارة (٦) وابن إدريس والعلامة في المختلف (٧) ، بل ويستفاد من الصحيح (٨) وغيره (٩) الجواز مطلقاً ، وأنّ

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٣٥ ح ١٣٨٢ ، الوسائل ٣ : ١٨٦ أبواب المواقيت ب ٤٥ ح ٦.

(٢) الوسائل ٣ : ١٩٥ أبواب المواقيت ب ٥٣.

(٣) نقله عنه في المختلف ٢ : ٣٣٠.

(٤) التهذيب ٢ : ١١٨ ح ٤٤٤ ، أمالي الطوسي ١ : ١٤٨ ، الوسائل ٤ : ١١١٨ أبواب الدعاء ب ٢٦ ح ٣.

(٥) الوسائل ٣ : ١٨١ أبواب المواقيت ب ٤٤.

(٦) التهذيب ٢ : ١١٩ ح ٤٤٨ ، الاستبصار ١ : ٢٨٠ ح ١٠١٦ ، الوسائل ٣ : ١٨٦ أبواب المواقيت ب ٤٥ ح ٧.

(٧) السرائر ١ : ٣٠٧ ، المختلف ٢ : ٥٢.

(٨) التهذيب ٢ : ٣٣٧ ح ١٣٩٣ ، الوسائل ٣ : ١٨٣ أبواب المواقيت ب ٤٤ ح ١٤.

(٩) التهذيب ٢ : ٣٣٧ ح ١٣٩٤ ، وج ٣ : ٢٣٣ ح ٦٠٧ ، الوسائل ٣ : ١٨٣ أبواب المواقيت ب ٤٤ ح ٩.

١٧٦

التأخير إلى النصف أفضل. ويؤيده ما مرّ من الأخبار العامّة في النوافل.

والمعروف من مذهبهم أنّ القضاء أفضل من التقديم ، لصحيحة معاوية بن وهب (١) ، وصحيحة محمّد بن مسلم ، (٢) وغيرهما (٣).

وآخر وقتها الفجر الثاني عند الأكثر ، وعن السيد الفجر الأوّل (٤) ، وهو الضوء المستدقّ المستطيل الذي يتوسّط بينه وبين الأُفق ظُلمة ، محتجّاً بأن ذلك وقت ركعتي الفجر ، وسيجي‌ء بطلان اختصاصه بهما.

والمعروف من مَذهب الأصحاب أنه إذا تلبّس بأربع فيتمّها مخفّفة وإن طلع الفجر ، لرواية مؤمن الطاق (٥).

ورواية يعقوب البزّاز مشتملة على أنه إذا تخوّف طلوع الفجر بعد ما صلّى أربعاً فيوتر ويؤخّر الركعات حتّى يقضيها في صدر النهار (٦) ، ولا بأس به.

والمشهور أنّه إذا لم يتلبّس بأربع أخّرها ، وبدأ بركعتي الفجر مع بقاء وقتها ثمّ يصلّي الفريضة ، لرواية مفضّل بن عمر (٧) ، وصحيحة إسماعيل بن جابر قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أوتر بعد ما يطلع الفجر؟ قال : «لا» (٨) تتميماً بالأولوية في غير الوتر.

وفي الأخبار الصحيحة جواز فعلها جميعاً بعد طلوع الفجر مقدّماً على الفريضة ،

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٤٧ ح ٢٠ ، الفقيه ١ : ٣٠٢ ح ١٣٨١ ، التهذيب ٢ : ١١٩ ح ٤٤٧ ، الاستبصار ١ : ٢٧٩ ح ١٠١٥ ، الوسائل ٣ : ١٨٥ أبواب المواقيت ب ٤٥ ح ١.

(٢) التهذيب ٢ : ٣٣٨ ح ١٢٩٥ ، الوسائل ٣ : ١٨٥ أبواب المواقيت ب ٤٥ ح ٥.

(٣) الفقيه ١ : ٣٠٢ ح ١٣٨٠ ، الوسائل ٣ : ١٨٥ أبواب المواقيت ب ٤٥ ح ٣.

(٤) المسائل الناصريّة (الجوامع الفقهيّة) : ١٩٤ مسألة ٧٦.

(٥) التهذيب ٢ : ١٢٥ ح ٤٧٥ ، الاستبصار ١ : ٢٨٢ ح ١٠٢٥ ، الوسائل ٣ : ١٨٩ أبواب المواقيت ب ٤٧ ح ١.

(٦) التهذيب ٢ : ١٢٥ ح ٤٧٦ ، الاستبصار ١ : ٢٨٢ ح ١٠٢٦ ، الوسائل ٣ : ١٨٩ أبواب المواقيت ب ٤٧ ح ٢.

(٧) التهذيب ٢ : ٣٣٩ ح ١٤٠٢ ، الوسائل ٣ : ١٩٠ أبواب المواقيت ب ٤٨ ح ٤.

(٨) التهذيب ٢ : ١٢٦ ح ٤٧٩ ، الاستبصار ١ : ٢٨١ ح ١٠٢١ ، الوسائل ٣ : ١٨٨ أبواب المواقيت ب ٤٦ ح ٦.

١٧٧

مقيّداً بعدم الاعتياد (١) ، ولا بأس بالعمل عليها ، إلّا أنّ تقديم الفريضة أفضل.

وإذا ضاق الوقت عن صلاة اللّيل فيقتصر على الوتر ، لصحيحة محمّد بن مسلم (٢) ، وصحيحة معاوية بن وهب (٣).

والظاهر أنّ قضاء الباقي لا يسقط عنه بذلك ؛ للعمومات.

وفي رواية معتبرة عن الصادق عليه‌السلام قال ، قال : «إذا قام الرجل من اللّيل فظنّ أنّ الصبح قد أضاء فأوتر ، ثمّ نظر فرأى أنّ عليه ليلاً ، قال : «يضيف إلى الوتر ركعة ، ثم يستقبل صلاة اللّيل ثمّ يوتر بعده» (٤) ، وعلى هذا فيمكن القول بإعادتها في القضاء أيضاً إذا ضاق الوقت إلّا عنها.

وأما وقت ركعتي الفجر فأوّله بعد الفراغ من صلاة اللّيل على المشهور الأقوى ، للصحاح وغيرها من الأخبار الكثيرة (٥). وعن السيّد والشيخ في المبسوط طلوع الفجر الأوّل (٦) ، ولم نقف على ما يصلح مستنداً لذلك ؛ مع تصريح الأخبار الصحيحة بجوازها بعد الصبح (٧).

واخره طلوع الحمرة ، لصحيحة عليّ بن يقطين (٨).

وعن ابن الجنيد أنّه طلوع الفجر الثاني (٩) ، لصحيحة زرارة عن الباقر عليه‌السلام ، قال : سألته عن ركعتي الفجر ، قبل الفجر أو بعد الفجر؟ فقال : «قبل الفجر ، إنّهما

__________________

(١) الوسائل ٣ : ١٨٩ أبواب المواقيت ب ٤٨.

(٢) الكافي ٣ : ٤٤٩ ح ٢٨ ، التهذيب ٢ : ١٢٥ ح ٢٧٤ ، الاستبصار ١ : ٢٨١ ح ١٠٢٠ ، الوسائل ٣ : ١٨٧ أبواب المواقيت ب ٤٦ ح ٢.

(٣) التهذيب ٢ : ٣٣٧ ح ١٣٩١ ، الوسائل ٣ : ١٨٧ أبواب المواقيت ب ٤٦ ح ٣.

(٤) التهذيب ٢ : ٣٣٨ ح ١٣٩٦ ، الوسائل ٣ : ١٨٧ أبواب المواقيت ب ٤٦ ح ٤.

(٥) الوسائل ٣ : ١٩١ أبواب المواقيت ب ٥٠.

(٦) نقله عن السيّد في المختلف ٢ : ٣٦ ، المبسوط ١ : ٧٦.

(٧) الوسائل ٣ : ١٩٤ أبواب المواقيت ب ٥٢. أقول : عبارة المتن تحتمل كونها تصحيف : بعد صلاة الليل.

(٨) التهذيب ٢ : ٣٤٠ ح ١٤٠٩ ، الوسائل ٣ : ١٩٣ أبواب المواقيت ب ٥١ ح ١.

(٩) نقله عنه في المختلف ٢ : ٣٦.

١٧٨

من صلاة الليل ، أتريد أن تقايس ، لو كان عليك من شهر رمضان أكنت تتطوّع ، إذا دخل عليك وقت الفريضة فابدأ بالفريضة» (١).

وتؤيّده صحيحة البزنطي القائلة : «احش بهما صلاة اللّيل وصلّهما قبل الفجر» (٢) وما في معناها (٣).

والأولى حملها على الأفضليّة جمعاً بين الأخبار.

والظاهر أنّ الإمام عليه‌السلام أراد في صحيحة زرارة تعليمه المجادلة بالتي هي أحسن.

وأما صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج قال ، قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «صلّهما بعد ما يطلع الفجر» (٤) فهي مع جهالة مرجع الضمير محمولة على الرخصة. وربّما تحمل على الفجر الأوّل (٥) ، فتكون دليلاً للسيّد والشيخ.

ويمكن الحمل على التقية كما يظهر من الشيخ في التهذيب (٦) ، وتدلّ عليه رواية أبي بصير قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : متى أُصلّي ركعتي الفجر؟ قال ، فقال لي : «بعد طلوع الفجر» قلت له : إنّ أبا جعفر عليه‌السلام أمرني أن أُصلّيهما قبل طلوع الفجر ، فقال : «يا أبا محمّد إنّ الشيعة أتوا أبي مسترشدين فأفتاهم بمرّ الحقّ ، وأتوني شكاكاً فأفتيتهم بالتقية» (٧).

والحاصل أنّ المستفاد من مجموع الأخبار والجمع بينها جوازها قبل الفجر وبعده

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٣٣ ح ٥١٣ ، الاستبصار ١ : ٢٨٣ ح ١٠٣١ ، الوسائل ٣ : ١٩٢ أبواب المواقيت ب ٥٠ ح ٣.

(٢) التهذيب ٢ : ١٣٣ ح ٥١٦ ، الاستبصار ١ : ٢٨٣ ح ١٠٣٤ ، الوسائل ٣ : ١٩٢ أبواب المواقيت ب ٥٠ ح ٦.

(٣) الوسائل ٣ : ١٨٧ أبواب المواقيت ب ٤٦.

(٤) التهذيب ٢ : ١٣٤ ح ٥٢٣ ، الاستبصار ١ : ٢٨٤ ح ١٠٤٠ ، الوسائل ٣ : ١٩٣ أبواب المواقيت ب ٥١ ح ٥.

(٥) كما في الحدائق ٦ : ٢٤٢.

(٦) التهذيب ٢ : ١٤٤.

(٧) التهذيب ٢ : ١٣٥ ح ٥٢٦ ، الاستبصار ١ : ٢٨٥ ح ١٠٤٣ ، الوسائل ٣ : ١٩١ أبواب المواقيت ب ٥٠ ح ٢.

١٧٩

كما هو مقتضى صريح طائفة من الأخبار (١) ، وأنّ تعيين ما قبله كما هو مقتضى طائفة منها (٢) محمول على الأفضليّة ، وأنّ تعيين ما بعده محمول على التقية ، كما هو مقتضى الروايتين (٣).

ثمّ إنّ جماعة من الأصحاب حكموا باستحباب إعادتهما بعد الفجر لو صلّاهما قبله (٤) ، ولا بأس به ، لكن الأولى تقييده بما إذا نام بعدها كما هو مقتضى صحيحة حمّاد بن عثمان (٥) ، وموثّقة زرارة (٦) ، ويؤيّده ما ورد من كراهة النوم بعدهما (٧).

تنبيه :

المشهور بين الأصحاب أنّ اليوم حقيقة فيما بين الفجر والغروب ؛ كالليل فيما بينهما.

وعن الأعمش (٨) أنه ما بين طلوع الشمس إلى الغروب حتّى في الصوم (٩).

ونقل الشيخ في الخلاف عن طائفة أنّ ما بين طلوع الفجر وطلوع الشمس ليس من الليل ولا من النهار (١٠).

__________________

(١) الوسائل ٣ : ١٩٤ أبواب المواقيت ب ٥٢.

(٢) الوسائل ٣ : ١٩١ أبواب المواقيت ب ٥٠.

(٣) يعني : صحيحة زرارة ورواية أبي بصير المتقدّمتين.

(٤) منهم الشيخ في المبسوط ١ : ١٣٢ ، والمحقّق في الشرائع ١ : ٤٩ ، والشهيد في الدروس ١ : ١٤١.

(٥) التهذيب ٢ : ١٣٥ ح ٥٢٧ ، الاستبصار ١ : ٢٨٥ ح ١٠٤٤ ، الوسائل ٣ : ١٩٤ أبواب المواقيت ب ٥١ ح ٨.

(٦) التهذيب ٢ : ١٣٥ ح ٥٢٨ ، الاستبصار ١ : ٢٨٥ ح ١٠٤٥ ، الوسائل ٣ : ١٩٤ أبواب المواقيت ب ٥١ ح ٩.

(٧) التهذيب ٢ : ١٣٧ ح ٥٣٤ ، الوسائل ٤ : ١٠٦٢ أبواب التعقيب ب ٣٥ ح ١.

(٨) هو أبو محمّد سليمان بن مهران الأسدي مولاهم الكوفي معروف بالفضل والثقة والجلالة والتشيّع والاستقامة ، عدّه الشيخ في رجاله من أصحاب الإمام الصادق عليه‌السلام ، وذكره السمعاني في أنسابه بعنوان الكاهلي ، وأثنى عليه علماء العامّة وأقرّوا بفضله مع اعترافهم بتشيّعه ، توفّي سنة ١٤٨ ه‍ ، انظر رجال الطوسي : ٢٠٦ ، والأنساب للسمعاني : ٤٧٣ ، وتهذيب التهذيب ٤ : ٢٢٢.

(٩) نقله عنه في الخلاف ١ : ٢٦٦.

(١٠) الخلاف ١ : ٢٦٦.

١٨٠