غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ٢

الميرزا أبو القاسم القمّي

غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ٢

المؤلف:

الميرزا أبو القاسم القمّي


المحقق: عباس تبريزيان
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-424-250-5
الصفحات: ٦٣١

وأمّا العشرة المتردّدة في غير البلد فلم يعتبرها أحد ، وادّعى في روض الجنان على عدم اعتبارها الإجماع (١). وألحق الشهيد بذلك العشرة المتردّدة بعد الثلاثين متردّداً (٢).

وتحقيق هذا الاشتراط من أصله لا يخلو عن إشكال ، إذ الأخبار التي ترتبط بذلك ما بين ضعيف في السند وقاصر في الدلالة مشتمل على ما لا يقول به الأصحاب.

وأسلمها من حيث الدلالة مرسلة يونس ، عن بعض رجاله ، عن الصّادق عليه‌السلام ، قال : سألته عن حدّ المكاري الّذي يصوم ويتمّ ، قال : «أيّما مكارٍ أقامَ في منزله أو في البلد الذي يدخله أقلّ من عشرة أيّام وجب عليه الصيام والتمام أبداً ، وإن كان مقامه في منزله أو في البلد الذي يدخله أكثر من عشرة أيّام فعليه التقصير والإفطار» (٣).

ومع ضعفها لا تدلّ على حكم نفس العشرة إلّا بضميمة عدم القول بالفصل ، فإنّه أعمّ من الأحد عشر ونحوه ، وممّا يوجب سلب الاسم.

ولكنه يظهر منها وجوب القصر وإن بقي صدق العناوين ، وهو مشكل ، والعمل بها مع الاكتفاء بصدق الاسم في ابتداء العمل أشكل ، سيّما مع بقاء الاسم.

نعم له وجه على قول من يعتبر فعلية كثرة السفر ، وهو أيضاً يتمّ لو سلب عن ذلك اسم كثير السفر.

وبالجملة اعتضاد الرواية بالروايتين الأخيرتين مع صحّة إحداهما وعمل جمهور الأصحاب ، بل إجماعهم ، كما يظهر من بعض المتأخّرين (٤) وإن غلّطه المحقّق

__________________

(١) روض الجنان : ٣٩١.

(٢) الدروس ١ : ٢١٢.

(٣) التهذيب ٤ : ٢١٩ ح ٦٣٩ ، الاستبصار ١ : ٢٣٤ ح ٨٣٧ ، الوسائل ٥ : ٥١٧ أبواب صلاة المسافر ب ١٢ ح ١.

(٤) السرائر ١ : ٣٤١.

١٢١

في الدعوى (١) يشجّع على تخصيص العمومات بها ، ولكن الظاهر أنّها محض تعبّد ، أما كون العلّة هو زوال كثرة السفر فيحتاج إلى تجدّد الكثرة ، فلا نجد عليه دليلاً.

فعلى ما بيّنا وحقّقنا فعملُنا على هذه الرواية محض تعبّد ، فنقتصر على ما به يحصل الامتثال ، وهو التقصير في سفرٍ واحد ، وفاقاً لابن إدريس (٢) وغيره (٣) ، وتبقى العمومات في الباقي سليمةً عن المعارض.

واعتبر الشهيد في الذكرى في العود إلى الإتمام هنا المرّة الثالثة ، لأن الاسم قد زال بالإقامة (٤) ، وهو ممنوع.

ثمّ إنّي لم أقف في هذه الأخبار على ما يدلّ على الفرق بين بلدهم وغير بلدهم في كون العشرة منويّة وغير منويّة ، فإن حملنا مقام عشرة أيّام وإقامة عشرة الواردتين في الروايات على المنويّة فالكلام فيهما سواء ، وإن أبقيناهما على الإطلاق فتحتاج النيّة في غير البلد إلى دليل ، إلّا أن يقال : الإجماع الذي ادّعاه في روض الجنان (٥) على عدم اعتبار المتردّدة يخصّصه ، وإن قلنا بظهورهما في المنوية ، فعدم اعتبار المشهور إيّاها في بلدهم يحتاج إلى دليل.

وأما إلحاق الثلاثين والعشرة بعدها فإنّما هو من باب التخريج.

ويمكن تعميم العشرة في الأخبار بحيث تشمل العشرة الحاصلة في الثلاثين ، لكن يقدحه دعوى الإجماع المتقدّم. إلّا أن يقال : إنّ ما علم من دعواه ، هو ما إذا لم يضمّ إليها شي‌ء آخر ، وحينئذٍ فاعتبار العشرة اللاحقة أولى بالاعتبار.

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٤٧٣.

(٢) السرائر ١ : ٣٣٨.

(٣) المدارك ٤ : ٤٥٣.

(٤) الذكرى : ٢٥٨.

(٥) روض الجنان : ٣٩١.

١٢٢

ثمّ إنّ المشهور إتمام هؤلاء لو لم يقيموا عشرة أيّام ، واكتفى ابن الجنيد بالخمسة (١) كما فعله في الإقامة للإتمام.

وخالف الشيخ وابن حمزة وابن البرّاج في إقامة الخمسة إلى ما دون العشرة ، فقالوا بوجوب تقصير صلاة النهار وأمّا الصوم وصلاة اللّيل فلا (٢) ، لرواية عبد الله بن سنان المرويّة في التهذيب (٣) ، وصحيحته المرويّة في الفقيه (٤).

وهما تدلان على أنّ الأقلّ من الخمسة أيضاً كذلك (٥) ، فالاستدلال بهما للشيخ وأتباعه أضعف من استدلال المشهور بهما في حكم العشرة ، واستدلال ابن الجنيد بهما أضعف منهما.

أمّا الأوّل ، فلاقتران الخمسة فيهما بالأقلّ وانفراد العشرة.

وأمّا الثاني ، فلبُعده عن الصواب بمرحلتين.

ويدلّ على المشهور مضافاً إلى العمومات قوله عليه‌السلام : «إذا قصّرت أفطرت» (٦).

ثم إنّ الروايات مخصوصة بحكم المكاري ، ويظهر منهم اتّحاد حكم الباقين ، ولم ينقل أحد منهم خلافاً في إلحاق الباقين إلّا المحقّق في النافع (٧). وقال ابن فهد : لعلّه سمع من بعض معاصريه ، وإلّا فليس تخصيص ذلك بالمكارين في كتاب ولا مصنّف (٨) ، وفيه إشكال.

__________________

(١) نقله في المهذّب البارع ١ : ٤٨٦.

(٢) المبسوط ١ : ١٤١ ، النهاية : ١٢٢ ، الوسيلة : ١٠٨ ، المهذّب ١ : ١٠٦.

(٣) التهذيب ٣ : ٢١٦ ح ٥٣١ ، الاستبصار ١ : ٢٣٤ ح ٨٣٦ ، الوسائل ٥ : ٥١٩ أبواب صلاة المسافر ب ١٢ ح ٦.

(٤) الفقيه ١ : ٢٨١ ح ١٢٧٨ ، الوسائل ٥ : ٥١٩ أبواب صلاة المسافر ب ١٢ ح ٥.

(٥) في «م» ، «ح» زيادة : كما ذهب إليه ابن الجنيد.

(٦) الفقيه ١ : ٢٨٠ ح ١٢٧٠ ، التهذيب ٣ : ٢٢٠ ح ٥٥١ ، الوسائل ٥ : ٥٢٨ أبواب صلاة المسافر ب ١٥ ح ١٧.

(٧) المختصر النافع : ٥١.

(٨) المهذّب البارع ١ : ٤٨٨.

١٢٣

الثامن : أن لا يكون سفره معصية كالفرار من الزحف ، ولا عاصياً بسفره في نفسه كالراكب للدابّة المغصوبة في طريق الحج ، أو في غايته كالّذي يذهب ليسعى في فساد وإضرار.

والحاصل أن لا يكون مقصوده من السفر حصول ما هو معصية ، فلا يضرّ حصولها فيه اتّفاقاً ، ولا ما هو من لوازم شقاوة النفس وإن استمرّ مع السفر ، كمن يشتغل بالغيبة غالباً ، أو بسائر المناهي مع قطع النظر عن السفر.

وأمّا ما يتوهّم من عدم جواز القصر لمن كانت ذمّته مشغولة بواجب لا يتمكّن منه في السفر ، كتحصيل العلم الواجب ونحوه (١) ، فهو بعيد ، لأنّه إنّما يتمشّى على القول باقتضاء الأمر بالشي‌ء النهي عن ضدّه الخاص ، وهو خلاف التحقيق.

وجعل الإباق والنشوز وقطع الطريق المخوف من هذا القبيل أبعد ، لأنّ هذه أفعال يقصد بها ما هو معصية ، ولكن التارك للتحصيل لا يقصد بسفره ترك التحصيل وإن حصل له ذلك اتّفاقاً.

وترك الضدّ وإن سُلّم كونه من مقدّمات المأمور به ، ولكن فعله ليس علّة لترك الواجب مع وجود الصارف ، وإذا انضمّ إليه عدم القصد أيضاً فلا يبقى مجال للإشكال ، سيّما والقول بكون علّة الحرام حراماً أيضاً ممنوع كوجوب المقدّمة.

واعلم أنّا نقول باقتضاء الأمر وجوب مقدّمته والنهي عن ضدّه اقتضاءً تبعيّاً من باب دلالة الإشارة ، لكنّه ليس من الأحكام الأصليّة ، بل هو من الخطابات التوصليّة .. فالوجوب والتحريم فيهما لأجل الغير ، والمعصية التي اعتبر كونها موجبة للتمام في السفر هي ما كان العقاب على تركه بالذات ، إذ هو المتبادر من المعصية.

__________________

(١) الروضة البهيّة ١ : ٧٨٦.

١٢٤

وأصل هذا الشرط إجماعيّ مدلول عليه بالأخبار المعتبرة ، ففي صحيحة عمّار بن مروان : «من سافر قصّر وأفطر ، إلّا أن يكون رجلاً سفره إلى صيد ، أو في معصية الله ، أو رسولاً لمن يعصِ الله ، أو في طلب شحناء أو سعاية أو ضرر على قوم مسلمين» (١).

ومن جملة ذلك السفر لصيد اللهو بلا خلاف ، ففي الموثّق : «يتمّ لأنه ليس بمسير حق» (٢) ، وفي اخرى : «إنّه مسير باطل» (٣) ، والأخبار ناطقة بوجوب التمام ، وذلك إما لكون اللهو حراماً مطلقاً كما يظهر من المحقّق في المعتبر (٤) ، أو في خصوص الصيد لتلك الأخبار.

وأمّا لو كان لقوتِ عياله فلا إشكال ولا خلاف في جوازه ، وتدلّ عليه الأخبار أيضاً ، خصوصاً مرسلة عمران بن محمّد المفصّلة (٥).

وأمّا للتجارة فالأقوى أيضاً جواز القصر ؛ للعمومات والإطلاقات ، وخصوص صحيحة صفوان (٦) ، وصحيحة العيص (٧) وغيرهما (٨) ، ومطلق ما نهى عن التقصير في الصيد محمول على اللهو.

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٩٢ ح ٤٠٩ ، الوسائل ٥ : ٥٠٩ أبواب صلاة المسافر ب ٨ ح ٣.

(٢) الكافي ٣ : ٤٣٨ ح ٨ ، التهذيب ٣ : ٢١٧ ح ٥٣٧ ، الاستبصار ١ : ٢٣٦ ح ٨٤١ ، الوسائل ٥ : ٥١١ أبواب صلاة المسافر ب ٩ ح ٤.

(٣) الكافي ٣ : ٤٣٧ ح ٤ ، التهذيب ٣ : ٢١٧ ح ٥٣٦ ، الاستبصار ١ : ٢٣٥ ح ٨٤٠ ، المحاسن : ٣٧١ ح ١٢٩ ، الوسائل ٥ : ٥١٢ أبواب صلاة المسافر ب ٩ ح ٧.

(٤) المعتبر ٢ : ٤٧١.

(٥) الكافي ٣ : ٤٣٨ ح ١٠ ، الفقيه ١ : ٢٨٨ ح ١٣١٢ ، التهذيب ٣ : ٢١٧ ح ٥٣٨ ، الاستبصار ١ : ٢٣٦ ح ٨٤٥ ، الوسائل ٥ : ٥١٢ أبواب صلاة المسافر ب ٩ ح ٥.

(٦) التهذيب ٣ : ٢١٨ ح ٥٤١ ، الاستبصار ١ : ٢٣٦ ح ٨٤٣ ، الوسائل ٥ : ٥١١ أبواب صلاة المسافر ب ٩ ح ٢.

(٧) الفقيه ١ : ٢٨٨ ح ١٣١٤ ، الوسائل ٥ : ٥١٢ أبواب صلاة المسافر ب ٩ ح ٨.

(٨) كتاب زيد النرسي : ٥٠ ، مستدرك الوسائل ٦ : ٥٣٢ أبواب صلاة المسافر ب ٧ ح ١.

١٢٥

وذهب جماعة (١) منهم ابن إدريس إلى وجوب التقصير في الصوم دون الصلاة ، وقال ابن إدريس : روى أصحابنا بأجمعهم أنّه يتمّ الصلاة ويفطر الصوم (٢) ، وفهم العلّامة من ذلك دعوى الإجماع (٣).

ولم أقف على هذه الروايات ، ويدفعه مضافاً إلى ما مرّ الصحيحة الدالّة على ملازمة القصر والإفطار (٤) المدّعى على مضمونها الإجماع في الانتصار (٥).

التاسع : الخروج إلى حدّ الترخّص فعن أكثر المتقدّمين اعتبار أحد الأمرين من خفاء الجدران والأذان (٦) ، للجمع بين صحيحة محمّد بن مسلم الدالّة على اعتبار التواري (٧) ، وصحيحة عبد الله بن سنان الدالّة على اعتبار خفاء الأذان (٨).

وعن أكثر المتأخّرين اعتبارهما معاً (٩) للجمع بتخصيص كلّ منهما بالآخر.

وقيل باختفاء الأذان للصحيحة الثانية (١٠).

وعن الصدوق في المقنع : اختفاء حيطان المدينة عنه (١١) للصحيحة الاولى.

وعن أبيه : إذا خرجت من منزلك فقصّر إلى أن تعود إليه (١٢) ، لما رواه مرسلاً

__________________

(١) منهم الشيخ في المبسوط ١ : ١٣٦ ، والقاضي في المهذّب ١ : ١٠٦.

(٢) السرائر ١ : ٣٢٧.

(٣) انظر المختلف ٣ : ٩٦.

(٤) الفقيه ١ : ٢٨٠ ح ١٢٧٠ ، التهذيب ٣ : ٢٢٠ ح ٥٥١ ، الوسائل ٥ : ٥٢٨ أبواب صلاة المسافر ب ١٥ ح ١٧.

(٥) الانتصار : ٥١.

(٦) الخلاف ١ : ٥٧٢ مسألة ٣٢٤ ، المراسم : ٧٥ ، المهذّب ١ : ١٠٦.

(٧) الكافي ٣ : ٤٣٤ ح ١ ، الفقيه ١ : ٢٧٩ ح ١٢٦٧ ، الوسائل ٥ : ٥٠٥ أبواب صلاة المسافر ب ٦ ح ١.

(٨) التهذيب ٤ : ٢٣٠ ح ٦٧٥ ، الاستبصار ١ : ٢٤٢ ح ٨٦٢ ، الوسائل ٥ : ٥٠٦ أبواب صلاة المسافر ب ٦ ح ٣.

(٩) كالعلّامة في المختلف ٣ : ١١٠ ، والشهيد الأوّل في البيان : ٢٦٤ ، والشهيد الثاني في الروضة البهيّة ١ : ٧٨٧.

(١٠) السرائر ١ : ٣٣١.

(١١) نقله في المختلف ٣ : ١١٠ ، والموجود في المقنع : ١٠ يجب التقصير على الرجل إذا توارى من البيوت.

(١٢) نقله عنه في المختلف ٣ : ١١٠ ، والذكرى : ٢٦٠.

١٢٦

عن الصادق عليه‌السلام (١).

والتحقيق : أنّ الصحيحتين متوافقتان غالباً ، والمرسلة لا تقاومهما.

والمعتبر الأذان المتوسّط والأرض المتوسّطة كما هو الغالب المتعارف.

وأمّا حكاية التواري فلفظ الحديث : متى يقصّر؟ قال : «إذا توارى من البيوت» والمقصود التواري من جهة البُعد ، فلا يضرّ الحائل.

والذي أفهمه أنّ المراد أن تتوارى عنه البيوت من حيث إنّها بيوت ، فلا عبرة بسواد المدينة وشبحها ، ولا بالمنائر والقلاع ونحوها ، فيتقارب مع خفاء الأذان.

وأما التعبير بالجدران والحيطان فلا أعرف وجهه ، إلّا أنّ يكون مبنيّاً على أنّ البيوت لما كان الغالب سيّما في البلاد الكبيرة والأمصار ـ مختفية بالسور أو بنفس الجدران فاعتبر تميّز السور والجدران عن الأشجار والبساتين والنّسمات وغيرها ، أو تمييز الجدران من حيث إنّها من اللّبن أو الحجر أو الطين ونحو ذلك.

وأما ما قيل : من أنّ المراد اختفاؤه من البيوت أي عن أهلها (٢) ، للجمع بين الروايتين ، لكمال التفاوت بينهما لو أُريد اختفاء السواد والشبح. ففيه : مع أنّه مستلزم للحذف لا يحصل به الجمع أيضاً ، إذ البُعد على هذا أيضاً أكثر من اختفاء الأذان.

وإن اعتبر اختفاؤه على أهل البيوت من حيث الشكل والهيئة متميّزاً عن غيره ، ففيه : مع أنه لا يفهم من الرواية لا يحصل به الجمع أيضاً ، لأنه يصير أقلّ من اختفاء الأذان بكثير.

فما اعتبرنا وإن كان يستلزم القلب أيضاً ، ولكنه أوجه وأوفق بفهم جمهور الأصحاب.

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٧٩ ح ١٢٦٨ ، الوسائل ٥ : ٥٠٨ أبواب صلاة المسافر ب ٧ ح ٥.

(٢) الحدائق ١١ : ٤٠٦.

١٢٧

وفي رواية عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه إذا سار فرسخاً قصّر (١) ، فهو مع أنّه فعل ، فإن وافق ما ذكرنا وإلّا فنحمله على الاستحباب.

ويكفي سماع الأذان من آخر البلد ، وكذا آخر البيوت في الرؤية ، إلّا إذا اتّسعت خطّة البلد بحيث خرج عن العادة ، فتعتبر محلّته وأذانها ، كذا في الذكرى وغيرها (٢) ، ولا بأس بذلك ، لأنّ ذلك موافق لإطلاق الأدلّة وفهم العرف.

وهل يعتبر ذلك في الرجوع؟ المشهور نعم ، لصحيحة عبد الله بن سنان المتقدّمة المعتضدة بالاعتبار.

وذهب جماعة إلى استمرار القصر إلى الدخول (٣) ، لصحيحة إسحاق بن عمّار (٤) ، وصحيحة العيص (٥) ، وما رواه الصدوق مرسلاً.

والمسألة محلّ إشكال ، وإن كان المشهور لا يخلو عن رجحان ، لعدم إمكان التأويل في صحيحة ابن سنان ، وقربه في صحيحة العيص ؛ بأن المراد أنّه لا يقصّر بعد الدخول ، فيكون ردّاً على من يعتبر حال الوجوب في المسألة الاتية ، فإنّه روى هذه في رواية أُخرى بعد ذكر حكاية دخول الوقت في الطريق والحكم بالتمام بعد الوصول كما سيأتي.

وفي موثّقة إسحاق بن عمّار أيضاً بأنّ المراد منها أنّ المعتبر في حدّ الترخّص في مثل الكوفة من البلاد العظيمة هو اعتبار محلّته الّتي بيته فيها ، فلا يقصّر بمجرد ورود الكوفة ، لا أنّه يقصّر حتّى يدخل البيت.

وهل يعتبر ذلك في بلد يريد فيه إقامة عشرة أيام قبل الوصول إليه ، أو إذا

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٢٢٤ ح ٦٥٩ ، الاستبصار ١ : ٢٢٦ ح ٨٠٣ ، الوسائل ٥ : ٥٠٦ أبواب صلاة المسافر ب ٦ ح ٤.

(٢) الذكرى : ٢٥٩ ، المدارك ٤ : ٤٥٨.

(٣) نقله عن عليّ بن بابويه وابن الجنيد في المختلف ٣ : ١١١ ، وعن السيّد المرتضى في المعتبر ٢ : ٤٧٤.

(٤) الفقيه ١ : ٢٨٤ ح ١٢٩١ ، التهذيب ٣ : ٢٢٢ ح ٥٥٥ ، الاستبصار ١ : ٢٤٢ ح ٨٦٣ ، الوسائل ٥ : ٥٠٨ أبواب صلاة المسافر ب ٧ ح ٣.

(٥) التهذيب ٣ : ٢٢٢ ح ٥٥٦ ، الاستبصار ١ : ٢٤٢ ح ٨٦٤ ، الوسائل ٥ : ٥٠٨ أبواب صلاة المسافر ب ٧ ح ٤.

١٢٨

خرج منه؟ وجهان ، من جهة كونه بمنزلة الوطن في الأحكام كما مرّت الإشارة إليه ، ومن جهة عدم الدليل بالخصوص.

وربّما يقال : إنّ التواري من البيوت في صحيحة ابن مسلم يشمله (١) ، وفيه إشكال.

وأما فيمن كان سفره معصية أو بلا قصد فتبدّل ففيه الوجهان ، والأقرب عدم الاعتبار ، للعمومات وعدم المخصّص.

المبحث الثالث : إذا اجتمعت الشرائط المذكورة يجب القصر ، ولا يجزئ التمام إلّا في أربعة مواطن : مكّة ، والمدينة ، ومسجد الجامع بالكوفة ، والحائر ، فيجوز التمام ، بل يستحبّ على المعروف من جمهور أصحابنا ، للأخبار الكثيرة الّتي كادت تبلغ حدّ التواتر (٢) ، المشتملة على الصحاح والحسان والموثّقات وغيرها.

وقال السيّد : لا يقصّر (٣).

وقال الصدوق : يقصّر (٤) ؛ لأخبارٍ منها الصحاح الأربعة التي هي عمدتها صحيحة أبي ولّاد المتقدّمة (٥) ، وصحيحة محمّد بن إسماعيل (٦) وصحيحة معاوية بن عمّار (٧) ، وصحيحة معاوية بن وهب التي رواها في العلل (٨) ، الدالّة على أنّ

__________________

(١) المدارك ٤ : ٤٦١.

(٢) الوسائل ٥ : ٥٤٣ أبواب صلاة المسافر ب ٢٥.

(٣) جمل العلم والعمل (رسائل السيّد المرتضى) ٣ : ٧٧.

(٤) الفقيه ١ : ٢٨٣ ، الخصال : ٢٥٢.

(٥) الفقيه ١ : ٢٨٠ ح ١٢٧١ ، التهذيب ٣ : ٢٢١ ح ٥٣٣ ، الاستبصار ١ : ٢٣٨ ح ٨٥١ ، الوسائل ٥ : ٥٣٢ أبواب صلاة المسافر ب ١٨ ح ١.

(٦) الفقيه ١ : ٢٨٣ ح ١٢٨٥ ، التهذيب ٥ : ٤٢٦ ح ١٤٨٢ ، الاستبصار ٢ : ٣٣١ ح ١١٧٨ ، عيون أخبار الرّضا (ع) ٢ : ١٨ ح ٤٤ ، الوسائل ٥ : ٥٥٠ أبواب صلاة المسافر ب ٢٥ ح ٣٢.

(٧) التهذيب ٥ : ٤٧٤ ح ١٦٦٨ ، الوسائل ٥ : ٥٤٣ أبواب صلاة المسافر ب ٢٥ ح ٣.

(٨) علل الشرائع : ٤٥٤ ب ٢١٠ ح ١٠ ، الوسائل ٥ : ٥٤٩ أبواب صلاة المسافر ب ٢٥ ح ٢٧.

١٢٩

الأمر بالتمام لأجل التقيّة ؛ رواها الشيخ أيضاً بسند ضعيف (١).

وحمل أخبار التمام على التقية تأبى عنه ملاحظة نفس تلك الأخبار ، والتصريح بالتخيير في كثيرٍ منها ودلالة أكثرها على أنّ ذلك أمر مخصوص بتلك الأماكن ، ولا وجه لتخصيص التقيّة بها ، لأنّ العامّة يخيّرون بين القصر والإتمام مطلقاً من غير تفصيل ، مع تصريح رواية عبد الرحمن بن الحجّاج بأن ذلك ليس من أجل التقية ، بل لتحصيل الفضل (٢)

مع أنّه يمكن أن يقال : التقيّة في التقصير ، لأنّ ذلك الفرق من مذهب الشيعة أغرب من حتم القصر ، فهذه أيضاً مخالفة جديدة لهم ، والقصر كان معروفاً من مذهبهم ، فالتمام أولى بالتقيّة فيه.

مع أنّه يمكن أن يكون المراد في صحيحة معاوية بن وهب ردع الأصحاب عن تخلّفهم عن الناس في الصلاة ، لا عن مخالفتهم في القصر والإتمام.

وحمل الأخبار الكثيرة على صورة الإقامة أيضاً ممّا لا تقبله ملاحظة تلك الأخبار ، مع سهولة حمل أخبار الصدوق على الجواز ، أو على أنّ قصد الإقامة والإتمام مستحبّ آخر.

وبالجملة الأقوى أفضليّة التمام ، لأكثريّة رواياته وأصحيّتها وأوضحيّتها وموافقتها للأصحاب ، وإن كان الاحتياط في القصر ، سيّما ويظهر ممّا رواه في كامل الزيارات أنّ أجلّاء فقهاء الأصحاب كانوا يقصّرون (٣).

والأظهر اعتبار نيّة القصر والإتمام ، لتغاير ماهيّتهما ، وحكم جماعة من الأصحاب بعدمه (٤) ، وهو مشكل.

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٤٢٨ ح ١٤٨٥ ، والرواية ضعيفة بعبد الرّحمن فإنّه مشترك بين الضعيف والثّقة.

(٢) التهذيب ٥ : ٤٢٨ ح ١٤٨٦ ، الاستبصار ٢ : ٣٣٢ ح ١١٨٢ ، الوسائل ٥ : ٥٤٤ أبواب صلاة المسافر ب ٢٥ ح ٦.

(٣) كامل الزيارات : ٢٤٨ ، مستدرك الوسائل ٦ : ٥٤٥ أبواب صلاة المسافر ب ١٨ ح ٣.

(٤) منهم المحقّق في المعتبر ٢ : ١٥٠ ، وصاحب المدارك ٤ : ٤٧٠.

١٣٠

ثمّ إنّ الظاهر استحباب النافلة المقصورة أيضاً ، لأنّه من باب الإتمام ، وتدلّ عليه رواية عليّ بن حديد (١) ، والترغيبات في أخبار التمام على إكثار الصلاة (٢).

وأما الصوم فلا يجوز كما حكم به جماعة من الأصحاب (٣) ، لعدم الدليل ، وبطلان القياس ، وإشعار موثّقة عثمان (٤).

وقد يستشكل بعكس نقيض قوله عليه‌السلام : «إذا أفطرت قصّرت» (٥).

ويمكن دفعه باحتمال إرادة إذا جاز لك الفطر جاز لك القصر ، مع ثبوت الإشكال في أصل الاستدلال.

بقي الكلام في تحديد الأماكن ، فالأشهر الأظهر ما ذكرنا ، وفي كلام السيد وابن الجنيد : مكّة ومسجد النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ومشاهد الأئمّة عليهم‌السلام (٦).

وعن الشيخ : مكّة والمدينة والكوفة (٧).

وعن يحيى بن سعيد في البلدان الأربعة ، لورود الحديث بحرم الحسين عليه‌السلام ، وقدّر بخمسة فراسخ ، وبأربعة ، وبفرسخ ، قال : والكلّ حرم وإن تفاوت في الفضيلة (٨).

وعن ابن إدريس والشهيد الثاني نفس المسجد الحرام ومسجد المدينة ومسجد

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٤٢٦ ح ١٤٨٣ ، الاستبصار ٢ : ٣٣١ ح ١١٧٩ ، الوسائل ٥ : ٥٥١ أبواب صلاة المسافر ب ٢٥ ح ٣٣.

(٢) انظر الوسائل ٥ : ٥٤٤ أبواب صلاة المسافر ب ٢٥ ح ٤ ، ١٨.

(٣) منهم المقدّس الأردبيلي في مجمع الفائدة ٣ : ٤٢٧.

(٤) الكافي ٤ : ٥٢٤ ح ٢ ، التهذيب ٥ : ٤٢٥ ح ١٤٧٧ ، الاستبصار ٢ : ٣٣٠ ح ١١٧٣ ، الوسائل ٥ : ٥٤٧ أبواب صلاة المسافر ب ٢٥ ح ١٧.

(٥) انظر مجمع الفائدة والبرهان ٣ : ٤٢٧ ، والوسائل ٥ : ٥٢٨ أبواب صلاة المسافر ب ١٥ ح ١٧.

(٦) جمل العلم (رسائل الشريف المرتضى) ٣ : ٤٧ ، ونقله عن ابن الجنيد في المختلف ٣ : ١٣٦.

(٧) التهذيب ٥ : ٢٥٧.

(٨) نقله في الذكرى : ٢٥٧.

١٣١

الكوفة والحائر (١) ، وهو أحوط.

وأمّا الحائر ففي تحديده إشكال ، فعن المفيد في الإرشاد أنّ الحائر محيط بالشهداء إلّا العباس ، فإنّه قتل في المسنّاة (٢) ، وقال ابن إدريس : ما دار عليه سور المشهد لا سور البلد (٣) ، والأحوط الأوّل ، سيّما وفي بعض الأخبار : «وعند قبر الحسين عليه‌السلام» (٤).

الرابع : لو دخل الوقت وكان المصلّي قادراً على الصلاة تماماً ولم يفعل وسافر فالأقرب وجوب القصر وفاقاً لمعظم الأصحاب.

وذهب ابن أبي عقيل والصدوق في المقنع والعلّامة إلى وجوب التمام (٥) ، ونسبه في روض الجنان إلى المشهور بين المتأخّرين (٦).

وقيل : باستحباب التمام (٧).

وقيل : إن وسع الوقت يتمّ ، وإلّا فيقصّر (٨).

لنا : ظاهر الآية ، والعمومات والإطلاقات الموجبة للتقصير على المسافر ، وخصوص صحيحة إسماعيل بن جابر الصريحة المؤكّدة بتأكيدات عديدة (٩) ،

__________________

(١) السرائر ١ : ٣٤٢ ، الروضة البهيّة ١ : ٧٨٧.

(٢) الإرشاد ٢ : ١١٤.

(٣) السرائر ١ : ٣٤٢.

(٤) الوسائل ٥ : ٥٤٥ أبواب صلاة المسافر ب ٢٥ ح ١٢ ، ٢٢.

(٥) نقله عن ابن أبي عقيل واختاره العلّامة في المختلف ٣ : ١١٧ ، المقنع (الجوامع الفقهيّة) : ١٠.

(٦) روض الجنان : ٣٨٩.

(٧) الخلاف ١ : ٥٧٧ مسألة ٣٣٢.

(٨) التهذيب ٣ : ٢٢٣ ، الاستبصار ١ : ٢٤٠.

(٩) الفقيه ١ : ٢٨٣ ح ١٢٨٨ ، التهذيب ٣ : ٢٢٢ ح ٥٥٨ ، الاستبصار ١ : ٢٤٠ ح ٨٥٦ ، الوسائل ٥ : ٥٣٥ أبواب صلاة المسافر ب ٢١ ح ٢.

١٣٢

وصحيحة محمّد بن مسلم الواردة في حدّ الترخّص (١).

احتجّ المتمّمون بالاستصحاب ، وبأنّ اليقين يحصل بالتمام ، وبصحيحة محمّد بن مسلم الدالّة على اعتبار حال الوجوب في الموضعين (٢) ، ورواية بشير النبّال (٣) ، وموثّقة عمّار (٤) ، ورواية الوشّاء (٥).

أما الاستصحاب ؛ فمع أنّه لا يقاوم الدليل لا يجري فيما نحن فيه ، لأنّ استصحاب نفس الحضر قد انقطع ، وأمّا حكمه فتعلّق الإتمام به عيناً أوّل الكلام ، لأنّه مكلّف في أوّل الوقت بإيقاع صلاة الظهر في أجزاء وقته مخيّراً بينها ، والتخيير بين إيقاعها في الأوان يستلزم تخييره بين ما يستتبعه كلّ ان ، فقد يصير تكليفه الصلاة بالتيمّم ، وقد يصير تكليفه صلاة الخوف والمطاردة إلى غير ذلك ، فهذا وإن كان ليس تخييراً بالذات وبدلاً بالأصالة لكنه يصير تخييراً وبدلاً بالعرض ، فافهم ذلك.

وأمّا حصول اليقين بالتمام فغريب ، لأن القصر والتمام ماهيّتان مختلفتان ، ولا يستلزم مجرّد الزيادة حصول اليقين ، بل اليقين إنّما يحصل بإتيانهما معاً.

وأمّا رواية بشير والوشّاء فضعيفتان (٦) ، مع أنّ الثانية ممنوعة الدلالة ، فتبقى الصحيحة والموثّقة.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٣٤ ح ١ ، الفقيه ١ : ٢٧٩ ح ١٢٦٧ ، التهذيب ٣ : ٢٢٤ ح ٥٦٦ ، الوسائل ٥ : ٥٣٤ أبواب صلاة المسافر ب ٢١ ح ١.

(٢) الفقيه ١ : ٢٨٤ ح ١٢٨٩ ، التهذيب ٣ : ٢٢٢ ح ٥٥٧ ، الاستبصار ١ : ٢٣٩ ح ٨٥٣ ، الوسائل ٥ : ٥٣٥ أبواب صلاة المسافر ب ٢١ ح ٥.

(٣) الكافي ٣ : ٤٣٤ ح ٣ ، التهذيب ٣ : ٢٢٤ ح ٥٦٣ ، الاستبصار ١ : ٢٤٠ ح ٨٥٥ ، الوسائل ٥ : ٥٣٦ أبواب صلاة المسافر ب ٢١ ح ١٠.

(٤) التهذيب ٢ : ١٨ ح ٤٩ ، الوسائل ٣ : ٦٢ أبواب أعداد الفرائض ب ٢٣ ح ١.

(٥) الكافي ٣ : ٤٣٤ ح ٢ ، التهذيب ٣ : ٢٢٤ ح ٥٦٢ ، الاستبصار ١ : ٢٤٠ ح ٨٥٤ ، الوسائل ٥ : ٥٣٧ أبواب صلاة المسافر ب ٢١ ح ١٢.

(٦) أمّا الاولى فلأنّ راويها لم يثبت توثيقه ، والثانية في طريقها معلّى بن محمّد وهو مضطرب الحديث والمذهب كما قال النجاشي في رجاله : ٤١٨ رقم ١١١٧ ، وطريق الشيخ إليه ضعيف.

١٣٣

وأمّا الموثّقة ؛ فمع اشتمالها على عدم اعتبار أوّل الوقت ، بل تدلّ على اعتبار الوقت إذا مضى وقت النافلة والفريضة معاً ، فلا تقاوم ما ذكرنا من الأدلّة. وكذلك الصحيحة ؛ فإنّها أوفق بالكتاب ، والسنة ، وعمل الأصحاب ، ومذهب الإماميّة ونفي الحرج والعسر ، مع إمكان التأويل في الصحيحة بالحمل على ما لم يبلغ حدّ الترخّص ، بخلاف صحيحة إسماعيل.

وأمّا التخيير ؛ فوجهه الجمع بين الأخبار (١) ، وهو إنّما يتمّ لو تكافأت وقد عرفت خلافه.

وأمّا التفصيل بالمواسعة والمضايقة فتمسّكوا فيه برواية إسحاق بن عمّار الاتية في المسألة الثانية (٢) ، وهي غير دالّة على المطلوب بالأصل ، فكيف بالفرع وستعرف.

وأمّا لو دخل الوقت في السفر وكان قادراً ولم يصلّ ودخل فالأقوى أيضاً التمام ، وفاقاً للمعظم.

وقيل : يقصّر (٣).

وقيل بالتخيير (٤).

وقيل باعتبار المواسعة والمضايقة (٥).

لنا : الإطلاقات والعمومات الدالّة بمفهوم الغاية على وجوب القصر حتّى يدخل.

وخصوص صحيحة إسماعيل بن جابر المتقدّمة.

وصحيحة العيص بن القاسم : عن الرجل يدخل عليه وقت الصلاة في السفر ،

__________________

(١) في «ح» زيادة : الصحيحة.

(٢) التهذيب ٣ : ٢٢٣ ح ٥٥٩ ، الاستبصار ١ : ٢٤٠ ح ٨٥٧ ، الوسائل ٥ : ٥٣٦ أبواب صلاة المسافر ب ٢١ ح ٦.

(٣) نقله عن ابن بابويه في المختلف ٣ : ١٢٦ ، والذكرى : ٢٥٧.

(٤) حكاه عن ابن الجنيد في الذكرى : ٢٥٧.

(٥) التهذيب ٣ : ٢٢٢ ، الاستبصار ١ : ٢٤٠.

١٣٤

ثم يدخل بيته قبل أن يصلّيها ، قال : «يصلّيها أربعاً» وقال : «لا يزال يقصّر حتّى يدخل بيته» (١).

وصحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام : في الرجل يقدم من الغيبة فيدخل عليه وقت الصلاة ، فقال : «إن كان لا يخاف أن يخرج الوقت فليدخل فليتمّ ، وإن كان يخاف أن يخرج الوقت قبل أن يدخل فليصلّ وليقصّر» (٢).

واستدلّ الشيخ بذلك على اعتبار المواسعة والمضايقة ، وأنت خبير بأنّه لا دلالة فيها عليه أصلاً.

وعلى ذلك تحمل موثّقة إسحاق بن عمّار ، ورواية حكم بن مسكين (٣) ، وكذلك رواية منصور بن حازم (٤) الّتي استدلّ بها في المختلف (٥) للتخيير محمولة على أنّه إن شاء صلّى في السفر وقصّر ، وإن شاء جاء إلى المنزل وأتمّ.

وأمّا حجّة التقصير فصحيحة محمّد بن مسلم المتقدّمة (٦) ، ورواية زرارة (٧) الواردة في قضاء هذه الصلاة لو لم يفعلها في المنزل أيضاً ، وهما لا تقاومان ما ذكرنا.

__________________

(١) التهذيب ٣ : ١٦٢ ح ٣٥٢ ، الوسائل ٥ : ٥٣٥ أبواب صلاة المسافر ب ٢١ ح ٤.

(٢) التهذيب ٣ : ١٦٤ ح ٣٥٤ ، الوسائل ٥ : ٥٣٦ أبواب صلاة المسافر ب ٢١ ح ٨.

(٣) الفقيه ١ : ٢٨٤ ح ١٢٩٠ ، التهذيب ٣ : ٢٢٣ ح ٥٦٠ ، الاستبصار ١ : ٢٤١ ح ٨٥٨ ، الوسائل ٥ : ٥٣٦ أبواب صلاة المسافر ب ٢١ ح ٧.

(٤) التهذيب ٣ : ٢٢٣ ح ٥٦١ ، الاستبصار ١ : ٢٤١ ح ٨٥٩ ، الوسائل ٥ : ٥٣٦ أبواب صلاة المسافر ب ٢١ ح ٩.

(٥) المختلف ٣ : ١٢٨.

(٦) ه ٢.

(٧) التهذيب ٣ : ١٦٢ ح ٣٥١ ، الوسائل ٥ : ٣٥٩ أبواب قضاء الصلوات ب ٦ ح ٣.

١٣٥
١٣٦

الفصل الثاني

في مقدّمات الصلاة

وقد مرّ الكلام في الطهارة بقسميها

نذكر الباقي في طيّ مقاصد

١٣٧
١٣٨

المقصد الأول

في المواقيت

وفيه مباحث :

الأوّل : توقيت الصلوات الخمس بوقت محدود إجماعيّ.

والمشهور أنّ لكلّ منها وقتين ، للصحاح المستفيضة وغيرها (١).

وقيل : للمغرب وقت واحد عند غروب الشمس (٢) ، لأخبارٍ كثيرة منها صحيحة الشحّام : «فإنّ وقتها واحد ، ووقتها وجوبها» (٣).

وفي صحيحة زرارة والفضيل : «إن لكلّ صلاة وقتين ؛ غير المغرب ، فإنّ وقتها وجوبها ، ووقت فوتها غيبوبة الشفق» (٤).

وربّما يرفع التنافي بينهما بجعل الأُولى محمولة على بيان وقت المغرب

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٨٦ أبواب المواقيت ب ٣.

(٢) حكاه ابن البرّاج عن بعض أصحابنا في المهذّب ١ : ٦٩.

(٣) الكافي ٣ : ٢٨٠ ح ٨ ، التهذيب ٢ : ٢٦٠ ح ١٠٣٦ ، الاستبصار ١ : ٢٤٥ ح ٨٧٣ ، الوسائل ٣ : ١٣٦ أبواب المواقيت ب ١٨ ح ١.

(٤) الكافي ٣ : ٢٨٠ ح ٩ ، الوسائل ٣ : ١٣٧ أبواب المواقيت ب ١٨ ح ٢.

١٣٩

بشرائطها وآدابها ونوافلها مع السكوت ، فالمراد أنّه يجب الابتداء بها عند وجوب الشمس ، وهو حينئذٍ يتمّ مع سقوط الشفق. والأولى حمل هذه الأخبار على تأكّد الاستحباب.

فأمّا الوقت الأوّل للظهر : فهو زوال الشمس إلى أن يصير الفي‌ء مثل الشاخص عند الأكثر ؛ للأخبار المعتبرة ، خلافاً للشيخ في التهذيب (١) ، فاعتبر المماثلة بين الفي‌ء والظلّ الباقي لرواية ضعيفة (٢) ، وهو وقت فضيلتها على الأقوى ، خلافاً للشيخ في الخلاف ، حيث جعله وقتاً للمختار (٣).

والثاني إلى أن يبقى للغروب مقدار أربع ركعات على الأشهر الأقوى ، وهو وقت للمضطر عند الشيخ (٤).

لنا على امتداده إلى بقاء مقدار الأربع ركعات : ظاهر الآية (٥) ، وصحيحة زرارة الدالّة على امتدادهما إلى الغروب أو العصر فقط (٦) مضافاً إلى عدم القول بالفصل بين الظهر والعصر كما نقله في المنتهي (٧).

وصحيحة عبيد بن زرارة على الظاهر المصرّحة بامتدادهما إلى الغروب ، إلّا أنّ هذه قبل هذه (٨).

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٣.

(٢) الكافي ٣ : ٢٧٧ ح ٢ ، التهذيب ٢ : ٢٤ ح ٦٧.

(٣) الخلاف ١ : ٢٥٧ مسألة ٤.

(٤) المبسوط ١ : ٧٢.

(٥) أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل ، الإسراء : ٧٨.

(٦) الكافي ٣ : ٢٧١ ح ١ ، الفقيه ١ : ١٢٤ ح ٦٠٠ ، التهذيب ٢ : ٢٤١ ح ٩٥٤ ، تفسير العيّاشي ١ : ١٢٧ ح ٤١٦ ، علل الشرائع : ٣٥٤ ح ١ ، معاني الأخبار : ٣٣٢ ، الوسائل ٣ : ٥ أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب ٢ ح ١ وفيها : ففيما بين دلوك الشمس إلى غسق الليل أربع صلوات سمّاهنّ الله وبيّنهنّ ووقّتهنّ ، قال في المدارك ٣ : ٣٩ ومقتضى ذلك امتداد وقت الظهرين أو العصر خاصّة إلى الغروب.

(٧) المنتهي ١ : ١٩٩.

(٨) التهذيب ٢ : ٢٥ ح ٧٢ ، الاستبصار ١ : ٢٦١ ح ٩٣٨ ، الوسائل ٣ : ١١٥ أبواب المواقيت ب ١٠ ح ٤ ففيها : منها صلاتان أوّل وقتهما من عند زوال الشمس إلى غروب الشمس إلّا أنّ هذه قبل هذه.

١٤٠