تاريخ مدينة دمشق - ج ١١

أبي القاسم علي بن الحسن ابن هبة الله بن عبد الله الشافعي [ ابن عساكر ]

تاريخ مدينة دمشق - ج ١١

المؤلف:

أبي القاسم علي بن الحسن ابن هبة الله بن عبد الله الشافعي [ ابن عساكر ]


المحقق: علي شيري
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٢٠
الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٢ الجزء ٣٣ الجزء ٣٤ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١ الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠

١
٢

حرف التاء

تبّع

٩٨٤ ـ تبّع بن حسّان بن ملكي كرب بن تبّع بن الأقرن

ويقال : اسم تبّع هذا حسان بن تبّع بن أسعد (١) بن كرب الحميري.

وتبّع لقب للملك الأكبر بلغة أهل اليمن ، ككسرى بالفارسية ، وقيصر بالرومية ، والنجاشي بالحبشية (٢). ملك دمشق.

قرأت على أبي محمد السلمي ، عن أبي نصر بن ماكولا قال (٣) : وأما تبّان ـ أوله تاء معجمة باثنتين من فوق وبعد باء معجمة بواحدة ـ فهو تبّع الحميري ، واسمه أسعد تبّان أبو كرب بن ملكي كرب بن قيس بن زيد بن عمرو ذي الأذعار بن أبرهة ذى المنار بن الرائش بن قيس بن صيفي بن سبأ (٤). يقال : هو أول من كسا البيت.

أخبرنا أبو غالب بن البنّا ، أخبرنا أبو محمد الجوهري ، أخبرنا أبو عمر بن حيّوية ، حدّثنا عبد الله بن أبي داود ، قال : ذكر العباس بن الوليد بن مزيد ، عن أبيه ، عن سعيد بن عبد العزيز ، قال : كان تبّع إذا عرض الخيل قاموا صفا من دمشق إلى صنعاء اليمن.

أخبرنا أبو القاسم إسماعيل بن أحمد ، وأبو الحسن محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الجبار بن توبة الأسدي قالا : أخبرنا أبو الحسين بن النّقّور ، أخبرنا أبو الحسن علي بن عبد العزيز بن مردك البزار ، نا عبد الرحمن بن أبي حاتم ، حدّثنا محمد بن حمّاد

__________________

(١) بالأصل «سعد» والمثبت عن م وانظر مختصر ابن منظور ٥ / ٢٩٣ والاكمال لابن ماكولا.

(٢) بالأصل والمختصر : «بالحبشة».

(٣) الاكمال لابن ماكولا ١ / ٣٦٧.

(٤) بالأصل : «سيار» وفي م : سار والمثبت عن الاكمال.

٣

الطّهراني ، حدّثنا عبد الرزاق ، عن معمر [عن] ابن أبي ذئب ، عن المقرئ ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «ما أدري الحدود طهارة لأهلها أم لا ، ولا أدري تبّع لعينا كان أم لا ، ولا أدري ، ذو القرنين نبيا كان أم ملكا» قال غيره : «أعزيرا كان نبيا أم لا» ، قال الدار قطني : تفرد به عبد الرزاق.

أخبرنا أبو منصور محمد بن أحمد بن عبد المنعم الفقيه ، أنبأنا شجاع ، وأحمد ابنا (١) علي بن شجاع ، وعبد الرحمن بن محمد بن زياد ، ومحمد بن أحمد بن الحسن بن ماجة.

ح وأخبرنا أبو الفضل عبيد الله بن محمد بن إبراهيم بن سعدوية ، أخبرنا أبو الفضل المطهر بن عبد الواحد بن محمد البزاني (٢) ، وأبو عيسى بن زياد ، وأبو بكر بن ماجة.

ح وأخبرنا أبو شكر حمد بن أحمد بن محمد بن الخطاب ، أخبرنا محمد بن عمر الطّهراني ، والمطهر بن عبد الواحد.

ح وأخبرناه [أبو] العباس أحمد بن سلامة الفقيه ، وأبو المناقب ناصر بن حمزة بن ناصر الحسيني ، وأبو القاسم عبد الجبار بن أبي غالب بن أبي زيد الزعفراني البزار ، وأبو الوفاء عبد الله بن محمد بن عبد الله الدشتي ، وأبو (٣) عبد الله الحسين بن حمد بن محمد بن عمروية ، ومحمد بن حمد بن أحمد بن علي حموية ، ومحمد بن إبراهيم بن محمد بن محمد الصالحاني وإسماعيل بن الحسن النجاد ، وأبو منصور فادشاه بن أحمد بن نصر فادشاه ، وأبو نصر الحسين بن رجاء بن محمد بن سليم ، وأبو سعيد يسار بن عبد الله بن شيبان المؤدب ، وأبو غانم أحمد بن عبد الواحد بن محمد بن زياد العطار ، قالوا : أخبرنا أبو بكر [بن] ماجة.

ح وأخبرنا أبو القاسم رستم بن محمد بن أبي عيسى بن زياد ، وأبو المظفّر بندار بن أبي زرعة بن بندار البيع ، وأبو جعفر محمد بن غانم بن أبي نصر الشرابي ، قالوا : أخبرنا أبو عيسى بن زياد.

__________________

(١) بالأصل : «أنبأنا» والصواب ما أثبت.

(٢) بالأصل البراني بالراء المهملة ، والصواب ما أثبت. انظر ترجمته في سير أعلام النبلاء ١٨ / ٥٤٩ وفي المطبوعة ١٠ / ٤٠٨ «الهزّاني». وفي م : «البراي».

(٣) بالأصل «وأخبرنا» وفي المطبوعة ١٠ / ٤٠٨ «وأبا» وفيها تحريف ، وفي م : وأخبرنا عبد الحسين والصواب ما أثبت.

٤

ح وأخبرنا أبو غالب الماوردي ، أنبأنا المطهر بن عبد الواحد.

ح وأخبرنا أبو القاسم زاهر بن طاهر بن محمد ، أنبأنا عبيد الله بن محمد بن إسحاق بن منده ، قالوا : أخبرنا أحمد بن محمد بن المرزبان ، حدّثنا محمد بن إبراهيم بن يحيى الحزوري ، حدّثنا محمد بن سليمان [لوين] (١) حدّثنا حبان (٢) بن علي ، عن محمد بن كريب (٣) ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ثلاث وثلاث وثلاث ، فثلاث لا يمين فيهن ، وثلاث الملعون فيهنّ ، وثلاث أشكّ فيهن ، فأما الثلاث التي لا يمين فيهن : فلا يمين مع والد ، ولا امرأة مع زوجها ، ولا المملوك مع سيده ؛ وأما الملعون فيهن : فملعون من لعن والديه ، وملعون من ذبح لغير الله ، وملعون من غيّر تخوم الأرض ؛ وأما الذي أشكّ فيهن ، فعزير لا أدري أكان نبيا أم لا ، ولا أدري ألعن تبّع أم لا ، قال ؛ ونسيت يعني الثالثة» [٢٦٨٨].

وهذا الشك من النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، كان قبل أن يتبين له أمره ثم أخبر أنه كان مسلما.

وذاك فيما أخبرنا أبو القاسم بن الحصين : أخبرنا أبو علي بن المذهب ، أخبرنا أحمد بن جعفر ، حدّثنا عبد الله بن أحمد (٤) ، حدّثني أبي ، حدّثنا حسن ، حدّثنا ابن لهيعة ، حدّثنا أبو زرعة عمرو (٥) بن جابر ، عن سهل بن سعد قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «لا تسبّوا تبّعا فإنه قد كان أسلم» [٢٦٨٩].

أخبرنا أبو سهل بن سعدوية ، أخبرنا أبو الفضل البرازي ، حدّثنا جعفر بن عبد الله ، أخبرنا محمد بن هارون الرّوياني ، حدّثنا علي بن حرب ، حدّثنا زيد بن أبي الزرقاء ، عن ابن لهيعة ، عن أبي زرعة عمرو بن جابر ، عن سهل بن سعد الساعدي ، قال : قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا تسبّوا تبّعا فإنه قد أسلم» [٢٦٩٠].

أخبرنا أبو القاسم بن السّمرقندي ، أخبرنا أبو الحسين بن النّقّور ، أخبرنا أبو طاهر

__________________

(١) بياض بالأصل واللفظة مستدركة عن المطبوعة ١٠ / ٤٠٨ وانظر ترجمته في سير الأعلام ١١ / ٥٠٠ ولوين لقبه. واللفظة غير مقروءة في م.

(٢) رسمها غير واضح والصواب ما أثبت وحبان بالكسر ، وفي المطبوعة ١٠ / ٤٠٨ «جبار» تحريف. انظر في تهذيب التهذيب ومحمد بن كريب ٥ / ٢٦٨ وترجمة حبان بن علي فيه أيضا ١ / ٤٢٧ وفي م : جبان.

(٣) بالأصل «ذؤيب» تحريف والصواب ما أثبت ، انظر الحاشية السابقة.

(٤) مسند الإمام أحمد ٥ / ٣٤٠.

(٥) بالأصل «عمر» والمثبت عن مسند أحمد.

٥

المخلّص ، أخبرنا أبو محمد عبيد الله بن عبد الرحمن السكري ، حدّثنا أحمد بن يوسف بن خالد التغلبي ، حدّثنا صفوان بن صالح ، حدّثنا الوليد بن لهيعة ، عن أبي زرعة عن سهل بن سعد الساعدي ، أنه سمعه يقول : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا تسبّوا تبّعا فإنه قد كان أسلم» [٢٦٩١].

أخبرنا [أبو] القاسم علي بن إبراهيم ، وأبو الحسن علي بن أحمد ، قالا : حدّثنا وأبو منصور بن زريق ، قال : أخبرنا أبو بكر الخطيب ، أخبرنا طلحة بن علي بن الصقر الكناني ، حدّثنا أحمد بن يوسف بن خلاد ، حدّثنا محمد بن محمد بن صديق أبو حامد البلخي ، حدّثنا أحمد بن القاسم بن أبي برة ، حدّثنا مؤمل بن إسماعيل ، عن سفيان الثوري عن سماك عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا تسبّوا تبّعا فإنه قد أسلم» ، رواه غيره عن عكرمة فلم يرفعه [٢٦٩٢].

أخبرناه أبو القاسم بن السّمرقندي ، أخبرنا أبو الحسين بن النّقّور ، أخبرنا أبو طاهر المخلّص ، أخبرنا رضوان بن أحمد بن جالينوس ، أخبرنا أحمد بن عبد الجبار ، حدّثنا يونس بن بكير ، عن زكريا بن يحيى المدني ، حدّثنا عكرمة قال : سمعت ابن عباس يقول : لا يشتبهن عليكم أمر تبّع فإنه كان مسلما.

أنبأنا أبو القاسم علي بن إبراهيم ، وأبو الحسن الموازيني ، قالا : أخبرنا أبو الحسن بن أبي الحديد ، أخبرنا جدي أبو بكر ، أخبرنا محمد بن يوسف الهروي ، أخبرنا محمد بن حمّاد ، أخبرنا عبد الرزاق ، أخبرنا عمران أبو الهزيل ، أخبرني تميم بن عبد الرحمن ، قال : قال لي عطاء بن أبي رباح : أتسبون تبّعا يا تميم؟ قلت : نعم ، قال : فلا تسبّوه فإن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد نهى عن سبّه [٢٦٩٣].

قال : وأخبرنا عبد الرزاق ، أخبرنا بكار بن عبد الله ، قال : سمعت وهب بن منبه يقول : نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الناس عن سب أسعد وهو تبّع ، قلنا : يا أبا عبد الله وما كان أسعد؟ قال : كان على دين إبراهيم صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وكان إبراهيم يصلّي كل يوم صلاة ، ولم تكن شريعة.

قال : وأخبرنا عبد الرزاق ، أخبرنا معمر عن قتادة في قوله تبارك وتعالى : (قَوْمُ تُبَّعٍ) (١) أن عائشة أم المؤمنين قالت : كان تبّع رجلا صالحا ، قال كعب : ذم الله قومه ولم يذمه.

__________________

(١) سورة الدخان ، الآية : ٣٧.

٦

قال معمر : فأخبرني تميم بن عبد الرحمن أنه سمع سعيد بن جبير يقول : إن تبّعا كسى البيت ، ونهى سعيد عن سبه.

أخبرنا أبو القاسم بن السّمرقندي ، أخبرنا أحمد بن محمد بن أحمد ، أخبرنا محمد بن عبد الله بن الحسين (١) ، حدّثنا عبد الله بن عمر القواريري ، حدّثنا يزيد بن زريع ، حدّثنا عمران بن حدير (٢) ، عن أبي مجلز قال : جاء ابن عباس إلى عبد الله بن سلام فقال : إني أسألك عن ثلاث ، قال : تسألني وأنت تقرأ القرآن؟ قال : نعم ، أسألك عن تبّع ما كان ، وأسألك عن عزير ما كان ، وأسألك عن الهدهد لم تفقّده سليمان صلى‌الله‌عليه‌وسلم من بين الطير؟ قال : أما تبّع فإنه كان رجلا من العرب ظهر على الناس وسبى فتية من الأحبار فاشتد عليهم أوقات (٣) دعائهم ، فأنكر الناس تبّعا قالوا : قد ترك دينكم وآلهتكم ، فما تقولون ، أو فما تأمرون؟ فقالوا : بيننا وبينهم النار التي تحرق الكاذب وينجو منها الصادق ، فعرض ذلك على أصحابه ، فرضوا بذلك ، فعمد بهم تبّع إلى النار ، فأمر الفتية أن يدخلوا فيها ، فألقوا مصاحفهم في أعناقهم ، فلما أرادوا أن يدخلوها سفعت النار وجوههم فوجدوا حرّها فنكصوا ، فقال تبّع : لتدخلنّها ، فدخلوها فانفرجت عنهم حتى مضوا ، ثم أمر قومه أن يدخلوها (٤) ، فلما أرادوا أن يدخلوها سفعت وجوههم فوجدوا حرّها فنكصوا ، فأمر بهم تبّع أن يدخلوها [فدخلوها] (٥) فانفرجت لهم حتى توسّطوها فأحاطت (٦) بهم وأحرقتهم ، فأسلم تبّع ، وكان رجلا صالحا.

وأما عزير فإنه لما ظهر بخت نصّر على بني إسرائيل خرّب بيت المقدس وشقق المصاحف ودرست السّنّة وكان عزير توحش في الجبال ، وكانت له عين يشرب منها ، فمثلت له عند العين امرأة ، فلما جاء ليشرب فبصر بالمرأة فانصاع فلما جهده العطش ، أتاها وهي تبكي ، قال : ما يبكيك؟ قالت : أبكي على ابني ، قال : كان يخلق؟ قالت : لا ، فكان يرزق؟ قالت : لا ، وذكر الحديث ، قالت : ما بالك هاهنا تركت قومك؟ قال : وأين قومي؟

__________________

(١) بعدها في م والمطبوعة ١٠ / ٤١٠ نا عبد الله بن محمد.

(٢) بالأصل «جرير» والصواب ما أثبت عن م ، انظر ترجمته في سير الأعلام ٦ / ٣٦٣.

(٣) بالأصل وم والمطبوعة : «أو فاستدعاهم» والمثبت عن المختصر ٥ / ٢٩٤.

(٤) بالأصل : «أن يدخلوها فدخلوها فانفرجت لهم فلما أرادوا ...» والمثبت عن مختصر ابن منظور ٥ / ٢٩٤.

(٥) سقطت من الأصل وم واستدركت عن المختصر والمطبوعة ١٠ / ٤١٠.

(٦) بالأصل وم «فاحتاطت» والمثبت عن المختصر.

٧

قالت : ادخل هذه العين فامش فيها تبلغ قومك ، قال : فدخلها فجعل لا يرفع قدمه إلّا زيد في علمه ، فانتهى إلى قومه ، فأحيا لهم التوراة والسّنّة.

وأما الهدهد فإن سليمان صلى‌الله‌عليه‌وسلم نزل منزلا فلم يدر ما بعد الماء ، فسأل عن بعد الماء ، فقالوا : الهدهد ، فعند ذلك تفقّده.

أخبرني أبو القاسم الواسطي ، أخبرنا أبو بكر الخطيب ، أنبأنا أبو سعيد محمد بن موسى بن الفضل بن شاذان الصيرفي ـ بنيسابور ـ حدّثنا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم ، حدّثنا يحيى بن جعفر ، ويعرف بابن أبي طالب ، أخبرنا أبو المنذر إسماعيل بن عمر ، حدّثنا البراء بن سليم الضّبّي ، حدّثنا زيد البجلي أبو رجاء قال : قال ابن عباس [سألت] كعبا عن تبّع ، فإني أسمع الله يذكر في القرآن قوم تبّع ولا يذكر تبّعا ، قال : بلى ، أخبرك عن تبّع ، إن تبّعا كان رجلا من أهل اليمن ملكا منصورا ، فسار بالجيوش حتى [إذا] انتهى إلى سمرقند ، رجع أو انصرف فأخذ طريق الشام فأسر بها أحبارا فانطلق بهم أسراء معه نحو اليمن وقد أعجبه قول الأحبار وصغى إليه حتى إذا دنا من مكة طار في الناس أنه هادم الكعبة ، ودخل عليه الأحبار ، فقالوا (١) : ما هذا الذي تحدث به نفسك ، إن هذا البيت لله وإنك لم تسلط عليه ، فقال : إن هذا لله وإن أحق من خرب أو هدم هذا البيت أنا (٢) ـ شك أبو بكر يحيى بن أبي طالب ـ فأسلم مكانه وأحرم ، فدخلها محرما فقضى نسكه ثم انصرف نحو اليمن راجعا حتى قدم على قومه باليمن ، فدخل عليه أشرافهم ، فقالوا : يا تبّع أنت سيدنا وابن سيدنا خرجت من عندنا على دين وجئت على غيره ، فاختر منا أحد أمرين : إمّا أن تخلينا وملكنا وتعبد ما شئت ، وإمّا أن تذر دينك الذي أحدثت ، وبينهم يومئذ نار تنزل من السماء ، فقال الأحبار عند ذلك : اجعل بينك وبينهم النار ، [فتواعد القوم جميعا على أن جعلوا بينهم النار ، فجيء بالأحبار وكتبهم وجيء بالأصنام وعمالها وقدموا جميعا إلى النار] (٣) وقامت الرجال خلفهما بالسيوف فهدرت النار هدير الرعد [ورمت] (٤) شعاعا لها فنكصوا أصحاب الأصنام ، وأقبلت النار فأحرقت الأصنام وعمالها وسلم الآخرون ، وأسلم قوم واستسلم قوم ، فلبثوا بذلك عمر تبّع حتى إذا

__________________

(١) بالأصل «فقال».

(٢) بياض بالأصل وم مقدار كلمة ، والكلام متصل في المطبوعة ، إذ يبدو أن لا نقص فيها.

(٣) ما بين معكوفتين سقط من الأصل وم واستدرك عن المطبوعة ١٠ / ٤١١.

(٤) ما بين معكوفتين سقط من الأصل وم واستدرك عن المطبوعة ١٠ / ٤١١.

٨

نزل (١) تبّع الموت استخلف أخاه وهلك ، فقتل أخوه ، وكفروا صفقة واحدة.

أخبرنا أبو الحسن علي بن المسلّم الفقيه ، وعلي بن الحسن (٢) الموازيني ، فقالا : أخبرنا أبو الحسن بن أبي الحديد ، أخبرنا جدي أبو بكر ، أخبرنا محمد بن يوسف بن بشر الهروي ، أخبرنا محمد بن حمّاد الطهراني ، أخبرنا عبد الرزاق ، أخبرنا إسرائيل عن فرات ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : أربع آيات في كتاب الله تبارك وتعالى لم أدر ما هي حتى سألت عنهم كعب الأحبار : قوله تبارك وتعالى (قَوْمُ تُبَّعٍ) في القرآن ولم يذكر تبّعا قال : إن تبّعا كان ملكا وكان قومه كهانا ، وكان في قومه من أهل الكتاب ، فكان الكهان يبغون على أهل الكتاب ويقتلون تابعيهم فقال أهل الكتاب لتبّع : إنهم ليكذبون علينا ، قال تبّع : إن كنتم صادقين فقربوا قربانا ، فأيكم كان أفضل أكلت النار قربانه ، قال : فقرب أهل الكتاب والكهّان ، فنزلت نار من السماء فأكلت قربان أهل الكتاب فاتبعهم وأسلم ، فهكذا ذكر الله تبارك وتعالى قومه في القرآن ، ولم يذكره.

قال ابن عباس : وسألته عن قول الله تعالى : (وَأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنابَ) (٣) قال : شيطان أخذ خاتم سليمان الذي فيه ملكه ، فقذف به في البحر ، فوقع في بطن سمكة ، فانطلق سليمان يطوف إذا تصدّق عليه بتلك السمكة فاشتواها فأكلها فإذا فيها خاتمه ، فرجع إليه ملكه.

أخبرنا أبو القاسم زاهر بن طاهر ، أخبرنا أبو بكر البيهقي ، أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، أخبرنا أبو العباس القاسم بن القاسم القارئ (٤) بمرو ، حدّثنا عبد الله بن الغزال ، حدّثنا علي بن الحسن بن شقيق ، أخبرنا عبد الله بن المبارك ، حدّثنا [عمر بن] (٥) سعيد [بن أبي حسين أخبرني] (٦) ابن أبي مليكة عن عبيد بن عمير ، عن ابن عباس قال : أقبل تبّع يريد الكعبة حتى إذا كان بكراع الغميم (٧) بعث الله عليه ريحا لا يكاد

__________________

(١) بالأصل «ترك» والصواب ما أثبت.

(٢) بالأصل «الحسين» وهو : علي بن الحسن بن الحسين ، انظر ترجمته في سير أعلام النبلاء ١٩ / ٤٣٧.

(٣) سورة ص ، الآية : ٣٤.

(٤) في المطبوعة : السياري. وفي م كالأصل.

(٥ و ٦) الزيادة في الموضعين عن المطبوعة ، وانظر ترجمة ابن أبي مليكة واسمه عبد الله بن عبيد الله ، في سير أعلام النبلاء ٥ / ٨٨ (٣٠).

(٧) كراع الغميم : (بالضم) موضع بناحية الحجاز بين مكة والمدينة ، وهو واد أمام عسفان بثمانية أميال. (معجم البلدان).

٩

القائم يقوم إلّا بمشقة ، وذهب القائم يقعد ويصرع وقامت عليهم ولقوا منها عناء قال : ودعا تبّع حبريه فسألهما ما هذا الذي بعث علي؟ قالا : أو تؤمننا؟ قال : أنتم آمنون ، قالا : فإنك تريد بيتا يمنعه الله ممن أراده ، قالا : فما يذهب هذا عني ، قالا : تجرّد في ثوبين ثم تقول : لبيك ثم تدخل فتطوف بذلك البيت ولا تهيج أحدا من أهله ، قال : فإن أجمعت عليّ هذا ذهبت هذه الريح عني؟ قالا : نعم ، فتجرّد ، ثم لبى. قال ابن عباس : فأدبرت الريح كقطع الليل المظلم.

أخبرنا أبو طاهر بن الحنائي في كتابه ، حدّثنا أبي أبو القاسم الحسين بن محمد عن (١) أبي الحسن أحمد بن إبراهيم بن فراس ، حدّثنا محمد بن إبراهيم بن عبد الله ، حدّثنا سعيد بن عبد الرّحمن ، حدّثنا سفيان ، عن موسى بن أبي عيسى المديني ، قال : لما كان تبّع بالدف من جمدان (٢) دفت بهم ريح بدوابهم فأظلمت عليهم الأرض فدعا أحبارا كانوا معهم ، فقالوا : هل هممت لهذا البيت بشيء؟ قال : نعم ، أردت أن أهدمه ، فقالوا : فانو له خيرا أن تكتسوه وتنحر عنده قال : ففعل فانجلت عنهم ، وإنما سمي الدف من أجل ذلك.

أخبرنا أبو الفتح نصر الله بن محمد ، حدّثنا نصر بن إبراهيم المقدسي ، أخبرنا أبو الحسن علي بن الحسن القرشي قراءة ـ عليه ـ حدّثنا أبو بكر محمد بن علي بن محمد الغازي النيسابوري ، نا الأستاذ أبو سعيد عبد الملك بن أبي عثمان الواعظ.

أخبرنا أبو عمر محمد بن سهل بن هلال البستي ـ بمكة ـ حدّثنا أبو الحسن محمد بن أبي نافع الخزاعي ، حدّثنا أبو محمد إسحاق بن محمد ، حدّثنا أبو الوليد الأزرقي ، حدّثني جدي عن سعيد بن سنان عن عثمان بن ساج عن محمد بن إسحاق قال : سار تبّع الأول إلى الكعبة فأراد هدمها وكان من الخمسة الذين لهم الدنيا بأسرها ، وكان له وزراء فاختار منهم واحدا وأخرجه معه وكان يسمى (٣) عميارسنا لينظر إلى أمر مملكته ، وخرج في مائة ألف وثلاثين ألفا من الفرسان ، ومائة ألف وثلاثة عشر ألفا من الرّجالة (٤) ،

__________________

(١) بالأصل «بن» والصواب عن م.

(٢) جمدان : هو من منازل أسلم بين قديد وعسفان (معجم البلدان).

(٣) بالأصل : «يمسي» خطأ. والصواب عن م.

(٤) بالأصل وم «الرجال» وما أثبت أصوب ، عن المختصر.

١٠

وكان يدخل كل بلدة ، وكانوا يعظّمونه ، وكان يختار من كل بلدة عشرة أنفس من حكمائهم حتى جاء إلى مكة ومعه أربعة آلاف رجل من الحكماء والعلماء الذين اختارهم من بلدان مختلفة فلم يتحرك له أحد ولم يعظموه ، فدعا (١) عليهم ، ودعاء عميارسنا وقال : كيف شأن أهل هذا البلد الذين لم يهابوني ، ولم يهابوا عسكري ، كيف شأنهم وأمرهم؟ قال الوزير : إنهم غريبون (٢) جاهلون لا يعرفون شيئا ، وإن لهم بيتا يقال له الكعبة ، وانهم معجبون بها ويسجدون للطاغوت والأصنام من دون الله عزوجل ، قال الملك : إنهم معجبون بهذا البيت؟ قال : نعم ، فنزل ببطحاء مكة معه عسكره وتفكر في نفسه دون الوزير ودون الناس وعزم أن يأمر بهدم هذا البيت وأن التي سميت كعبة تسمى خربة ، وأن يقتل رجالهم ويسبي نساءهم وذراريهم ، فأخذه الله عزوجل بالصّداع ، وفتح في عينيه وأذنيه وأنفه وفمه ماء منتنا فلم يكن يستقر أحد عنده طرفة عين من نتن الريح فاستيقظ لذلك ، وقال لوزيره اجمع العلماء والأطباء وشاورهم في أمري ، فأجمع العلماء والأطباء عنده فلم يصبر أحد منهم ولم يمكنهم مداواته. فقال : قد جمعت حكماء بلدان مختلفة ووقعت في هذه العلة فلم يقم أحد في مداواتي؟ فقالوا بأجمعهم : يا قوم أمرنا أمر الدنيا ، وهذا أمر سماوي لا نستطيع مرد أمر السماء واشتد الأمر على الملك فتفرق الناس وأمره كل ساعة أشد ، حتى أقبل الليل وجاء أحد العلماء إلى وزيره فقال إن بيني وبينك سرا وهو أنه إن كان الملك يصدق لي في كلامه وما نواه عالجته ، فاستبشر بذلك الوزير وأخذ بيده وحمله إلى الملك وقال للملك : إن رجلا من العلماء ذكر : إن صدق الملك وما نواه في قلبه ولم يكتم شيئا منه عالجته ، فاستبشر الملك بذلك وأذن له بالدخول عليه ، فدخل فقال : إن بيني وبينك سرا أريد الخلوة فيه ، فخلا به وقال : هل نويت في هذا البيت أمرا؟ قال : نعم ، قال : نويت أن أخرب هذا البيت ، وأقتل رجالهم وأسبي نساءهم ، فقال : إن وجعك وبلاءك من هذا ، اعلم أن صاحب هذا البيت قوي يعلم الأسرار فيجب أن تخرج من قلبك جميع ما نويت من أذى هذا البيت وذلك خير الدنيا والآخرة. قال الملك : قد أخرجت جميع المكروهات من قلبي ، ونويت جميع الخيرات والمعروفات فلم يخرج العالم الناصح العالم حتى برأ من العلة وعافاه الله عزوجل ، فآمن بالله عزوجل من ساعته ، وخرج من منزله صحيحا على دين إبراهيم صلى‌الله‌عليه‌وسلم

__________________

(١) المختصر : فغضب عليهم.

(٢) في المختصر والمطبوعة : عربيون.

١١

وخلع على الكعبة سبعة أثواب ، وهو أول من كسى البيت ، ودعا أهل مكة فأمرهم بحفظ الكعبة وخرج هو إلى يثرب.

ويثرب هي بقعة فيها عين ماء ليس فيها نبت ولا بيت ولا أحد ، فنزل على رأس العين مع عسكره بجمع العلماء والحكماء الذين كانوا معه واختارهم من بلدان مختلفة ، ورئيس العلماء العالم الناصح الشفيق لدين الله عزوجل الذي أعلم الملك شأن الكعبة ثم انهم اجتمعوا وتشاوروا فاعتزل من بين أربعة آلاف [رجل عالم] (١) على أربعمائة رجل ، كل من كان أعلم ، وأفهم [وبايع كل واحد منهم صاحبه أنهم لا يخرجون من ذلك المقام وإن ضربهم الملك وقتلهم] (٢) وقرضهم وأحرقهم وجاءوا بجملتهم ووقفوا بباب الملك ، وقالوا : إنا خرجنا من بلداننا فطفنا مع الملك زمانا وحينا ونريد أن نقيم في هذا المقام إلى أن نموت فيه ، إنا قد عقدنا أن لا نخرج من هذا المقام إلى أن نموت ، وإن (٣) قتلنا وحرقنا. فقال الملك للوزير : انظر ما شأنهم يمتنعون عن الخروج معي وأنا احتاج إليهم ، ولا أستغني عنهم ، وأي حكمة في نزولهم في هذا المقام واختيارهم؟ فخرج الوزير وجمعهم وذكر لهم قول الملك ، فقالوا للوزير : اعلم أن شرف هذا البيت وشرف هذه البلدة بسبب هذا الرجل الذي يخرج يقال له محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم إمام الحق ، صاحب القضيب والناقة والتاج ، والهراوة ، وصاحب القرآن ، والقبلة ، وصاحب اللواء والمنبر يقول : لا إله إلّا الله ، مولده بمكة وهجرته إلى هاهنا ، فطوبى لمن أدركه وآمن به ، وكنا على رجاء أن ندركه أو يدركه أولادنا ، فلما سمع الوزير مقالتهم همّ أن يقيم معهم فلما جاء وقت الرحيل أمر الملك أن يرتحلوا فقالوا بأجمعهم : لا نرحل وقد أخبرنا الوزير بحكمة مقامنا هاهنا ، فدعا الملك الوزير [فقال له] لم تخبر بالمقالة؟ قال : لأني عزمت على المقام معهم وخفت أن لا تدعني ، وأعلم أنهم لا يخرجون فلما سمع الملك منه تفكّر أن يقيم معهم سنة رجاء أن يدرك محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأمر الملك أن يبنوا أربع مائة دارا لكلّ رجل من العلماء دارا ، واشترى لكل رجل منهم جارية وأعتقها وزوجها منه ، وأعطى لكل واحد منهم عطاء جزيلا ، وأمرهم أن يقيموا في ذلك الموضع إلى وقت محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وكتب كتابا وختمه بالذهب ودفع الكتاب إلى العالم الذي نصحه في شأن الكعبة ، وأمره أن يدفع الكتاب إلى محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم إن أدركه ،

__________________

(١) الزيادة عن مختصر ابن منظور.

(٢) الزيادة عن مختصر ابن منظور.

(٣) في المختصر والمطبوعة : وإن قتلتنا وحرقتنا.

١٢

وإن لم يدركه إلى أولاده وأولاد أولاده أبدا ما تناسلوا إلى حين رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وكان في الكتاب : أما بعد يا محمد فإني آمنت بك وبكتابك الذي أنزله الله عزوجل عليك ، وأنا على دينك وسنّتك ، وآمنت بربك ورب كل شيء وبكل ما جاءك من ربك عزوجل من شرائع الإيمان والإسلام إنني قبلت ذلك فإن أدركتك فبها ونعمت وإن لم يدركك فاشفع لي يوم القيامة ولا تنسى فإني من أمتك الأوابين وتابعيك قبل مجيئك وقبل إرسال الله تعالى إياك ، وأنا على ملّتك وملة أبيك إبراهيم صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وختم الكتاب بالذهب ونقش عليه : (لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ ، وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللهِ) (١) وكتب عنوان الكتاب : إلى محمد بن عبد الله خاتم النبيين ورسول رب العالمين صلوات الله عليه ، من تبّع الأول حمير بن وردع ، أمانة الله في يد من وقع [إليه] ، إلى أن يوصل إلى صاحبه ، ودفع الكتاب إلى العالم الذي نصح له في شأن الكعبة وأمره بحفظها ، وخرج تبّع من يثرب ، ويثرب هو الموضع الذي نزله العلماء ، وهو مدينة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم وسار تبّع حتى مر بغلسان ـ بلد من بلاد الهند ـ فمات بها.

ومن اليوم الذي مات فيه تبّع إلى اليوم الذي ولد فيه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ألف سنة لا زيادة ولا نقصان ، ثم إن أهل المدينة الذين نصروا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من أولاد أولئك العلماء الأربع مائة الذين سكنوا دور تبّع إلى أن بعث الله محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم فلما هاجر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وسمعوا بخروجه استشاروا في إيصال الكتاب فأشار عليهم عبد الرّحمن بن عوف ، وكان قد هاجر قبل النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن اختاروا رجلا ثقة ، وابعثوا بالكتاب معه إليه. فاختاروا رجلا يقال له أبو ليلى ـ وكان من الأنصار ـ ودفعوا إليه الكتاب وأوصوه بمحافظة الكتاب والتبليغ ، وخرج على طريق مكة فوجد محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم في قبيلة سليم ، فعرف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الرجل فدعاه فقال : «أنت أبو ليلى؟» [قال : نعم] (٢) قال : «ومعك كتاب تبّع الأول» ، فبقي الرجل متفكرا وذكر في نفسه أن هذا من العجب ، ولم يعرفه ، فقال : من أنت؟ فقال : فإني لست أعرف في وجهك أثر السجود ، وتوهم أنه ساحر فقال : «لا بل أنا محمد ، هات الكتاب» ، ففتح الرجل رحله وكان يخفي الكتاب فدفعه إليه ، فقرأه أبو بكر على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : «مرحبا بالأخ الصّالح» ثلاث مرات ، وأمر أبا ليلى بالرجوع إلى المدينة ، فرجع وبشّر القوم ،

__________________

(١) سورة الروم ، الآية : ٤ و ٥.

(٢) زيادة للإيضاح.

١٣

فأعطاه كل واحد منهم عطاء على تلك البشارة ، وجاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فسأله أهل القبائل أن ينزل عليهم وتعلقوا بناقته فقال : «دعوها فإنها مأمورة» حتى جاءت إلى دار أبي أيوب فبركت ، ونزل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في دار أبي أيوب ، وأبو أيوب كان من أولاد العالم الناصح تبّع في شأن الكعبة [وكانوا] ينتظرونه وهم من أولاد العلماء الذين سكنوا يثرب في دور تبّع التي بناها (١) لهم ، والدار التي نزل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيها هي الدار التي بنى تبّع لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم [٢٦٩٤].

أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الباقي ، أخبرنا أبو محمد الجوهري ، أخبرنا محمد بن العباس ، أخبرنا أحمد بن معروف ، حدّثنا حارث بن أبي أسامة ، أخبرنا محمد بن سعد (٢) ، أخبرنا محمد بن عمر بن واقد الأسلمي ، حدّثني سليمان بن داود بن الحصين ، عن أبيه ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، عن أبيّ بن كعب قال : لما قدم تبّع المدينة ونزل بقناة فبعث إلى أحبار يهود فقال : إنّي مخرّب هذا البلد حتى لا تقوم به يهودية ويرجع الأمر إلى دين العرب. قال : فقال له سامول اليهودي ـ وهو يومئذ أعلمهم ـ : أيها الملك إن هذا بلد يكون إليه مهاجر نبيّ من بني إسماعيل مولده بمكة اسمه أحمد ، وهذه دار هجرته ، إنّ منزلك هذا الذي أنت به يكون به من القتلى والجراح أمر كثير في أصحابه وفي عدوّهم. قال تبّع : ومن يقاتلهم يومئذ وهو نبي كما تزعم؟ قال : يسير إليه قوم فيقتتلون هاهنا ، قال : فأين قبره؟ قال : بهذا البلد ، قال : فإذا قوتل لمن تكون الدّبرة؟ قال تكون عليه مرة وله مرة ، وبهذا المكان الذي أنت عليه يكون عليه ، ويقتل (٣) به أصحابه مقتلة عظيمة لم يقتلوا في موطن ، ثم تكون العاقبة له ، ويظهر فلا ينازعه هذا الأمر أحد. قال : وما صفته؟ قال : رجل ليس بالقصير ولا بالطويل ، في عينيه حمرة ، يركب البعير ، ويلبس الشملة ، سيفه على عاتقه لا يبالي من لاقى : أخ أو ابن عمّ أو عمّ حتى يظهر أمره. قال تبّع : ما إلى هذا البلد من سبيل ، وما كان ليكون أن خرابها على يدي ، فخرج تبّع منصرفا إلى اليمن.

أخبرنا أبو القاسم بن السّمرقندي ، أخبرنا أبو الحسين بن النّقّور ، أخبرنا أبو طاهر المخلّص ، أخبرنا رضوان بن أحمد ، أخبرنا أحمد بن عبد الجبار ، حدّثنا يونس بن بكير ،

__________________

(١) بالأصل وم «بنى».

(٢) طبقات ابن سعد ١ / ١٥٨ ـ ١٥٩ وبالأصل «عبد الله بن سعد».

(٣) عن ابن سعد ، وبالأصل «لم يقتل» وفي المطبوعة : «تقتل».

١٤

أخبرنا محمد بن إسحاق ، قال (١) : ثم إن تبّعا أقبل من مسيره الذي كان سار يجول الأرض فيه حتى نزل على المدينة فنزل بوادي قناة (٢) فحفر فيها بئرا فهي اليوم تدعى بئر الملك ، قال : وبالمدينة إذ ذاك يهود والأوس والخزرج ، فنصبوا له فقاتلوه بالنهار فإذا أمسى أرسلوا إليه بالضيافة وإلى أصحابه ، فلما فعلوا به ليال (٣) ، استحيا فأرسل إليهم [يريد] (٤) صلحهم ، فخرج إليه رجل من الأوس يقال له أحيحة بن الجلاح بن حريش بن جحجبا بن كلفة بن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس ، وخرج إليه من يهود بنيامين القرظي. فقال له أحيحة : أيها الملك نحن قومك ، وقال بنيامين : أيها الملك هذه بلدة لا تقدر على أن تدخلها لو جهدت بجميع جهدك. فقال : ولم؟ قال : لأنها منزل نبي من الأنبياء يبعثه [الله] (٥) من قريش وجاء تبّعا مخبر خبره عن اليمن أنه بعث عليها نار تحرق كلّما مرت به ، فخرج سريعا وخرج معه نفر من يهود فيهم بنيامين وغيره وهو يقول (٦) :

إنّي نذرت يمينا غير ذي خلف

ألا أجوز وبالحجاز مخلّد

حتى أتاني من قريظة عالم

حبر لعمرك في اليهود مسوّد

ألقى إليّ نصيحة كي أزدجر

عن قرية محجورة بمحمّد

ولقد تركت بها رجالا وضعا

للنصر ينتظرون نور المهتدي

قال : ثم خرج يسير حتى إذا كان بالدّفّ من جمدان من مكة على ليلتين أتاه ناس من هذيل بن (٧) مدركة وتلك منازلهم فقالوا : أيها الملك ألا ندلك على بيت مملوء ذهبا وياقوتا وزبر جدا تصيبه وتعطينا منه؟ قال : بلى ، فقالوا : هو بيت بمكة (٨) ، فراح تبّع وهو مجمع لهدم البيت ، فبعث الله عليه ريحا فقعت يديه ورجليه ، وشجّت جسده ، فأرسل إلى من كان معه من يهود فقال : ويحكم ما هذا الذي أصابني قالوا : أحدثت شيئا؟ قال : وما أحدث؟ فقالوا : حدّثت نفسك بشيء؟ فقال : نعم ، جاءني نفر من أهل هذا المنزل الذي

__________________

(١) سيرة ابن إسحاق ص ٢٩.

(٢) كذا بالأصل والمطبوعة ١٠ / ٤١٧ وفي سيرة ابن إسحاق : بوادي قبا.

(٣) بالأصل : «لياليا».

(٤) زيادة عن سيرة ابن إسحاق.

(٥) زيادة عن سيرة ابن إسحاق.

(٦) الأبيات في سيرة ابن إسحاق ، والثاني في الطبري ٢ / ١١٠ من أبيات.

(٧) بالأصل «من» والمثبت عن سيرة ابن إسحاق ص ٣٠.

(٨) في الطبري ٢ / ١٠٧ إنما أراد الهذليون بذلك هلاكه لما قد عرفوا من هلاك من أراده من الملوك وبغى عنده.

١٥

رحنا منه ، فدلّوني على بيت مملوء ذهبا وياقوتا وزبر جدا ودعوني إلى تخريبه وإصابة ما فيه على أن أعطيهم منه شيئا فنويت لهم بذلك ، فبرحت وأنا مجمع لهدمه. قال النفر الذين كانوا معه من يهود : ذلك بيت الله الحرام ومن أراده هلك فقال : ويحكم فما المخرج مما دخلت فيه؟ قالوا : تحدث نفسك أن تطوف به كما يصنع به أهله ، وتكسوه وتهدي له ، فحدّث نفسه بذلك. فأطلقه.

وقال في شعره (١) :

بالدّفّ من جمدان فوز مصعد

حتى أتاني من هذيل أعبد

ذكروا لي البيت وقالوا كنزه

در وياقوت وفيه زبرجد

فأردت أمرا حال ربّي دونه

والرب يدفع عن خراب المسجد (٢)

قال : ثم سار حتى دخل مكة فطاف بالبيت سبعا ، وسعى بين الصفا والمروة ، فأري في المنام أن يكسو البيت فكساه الخصف وكان أول من كساه ، ثم أري أن يكسوه أحسن من ذلك فكساه المعافر ، ثم أري أن يكسوه أحسن من ذلك فكساه الوصائل ـ وصائلت اليمن ـ وأقام بمكة ستة أيام فيما ذكر لي ينحر بها للناس ويطعم من كان من أهلها ويسقيهم العسل ، قال : فكان تبّع فيما ذكر لي أول من كساه وأوصى به ولاته من جرهم ، وأمرهم بتطهيره ، وأن لا يقربوه ميتة ولا دما ولا مثلاثا وهي المحائض ـ وجعل له بابا ومفتاحا ، وقال تبّع في الشعر :

ونحرنا في الشعب ستة آلاف

ترى الناس نحوهن ورودا

وكسونا البيت الذي حرّم

الله [ملاء] (٣) معضدا وبرودا

وأقمنا به (٤) من الشهر ستا

فجعلنا لنا به إقليدا

وأمرنا للجرهميين خيرا

حين كانوا لحافتيه سهودا

ثم سرنا نؤمّ قصد سهيل

قد رفعنا لواءنا معقودا

قال : فلما أرادوا الشخوص إلى اليمن أراد أن يخرج الركن فخرج به معه ، فاجتمعت

__________________

(١) الأبيات في سيرة ابن إسحاق ص ٣٠ وتاريخ الطبري ٢ / ١١٠ من أبيات مرفوعة الروي.

(٢) في البيت إقواء.

(٣) سقطت من الأصل واستدرك فوق السطر.

(٤) في سيرة ابن إسحاق ص ٣١ لبابه.

١٦

قريش إلى خويلد بن أسد بن عبد العزّى (١) بن قصيّ فقالوا : ما دخل علينا يا خويلد أن ذهب هذا بحجرنا؟ قال : وما ذاك؟ قالوا (٢) : تبّع يريد أن يأخذ حجرنا نحمله إلى أرضه ، فقال خويلد : ثم أخذ السيف وخرج وخرجت معه قريش بسيوفهم حتى أتوا تبّعا فقالوا له : ما ذا تريد [يا تبّع إلى الركن؟ فقال : أردت] (٣) أن أخرج به إلى قومي فقالت قريش : الموت أقرب من ذلك ، ثم خرجوا حتى أتوا الركن ، فقاموا عنده فحالوا بينه وبين ما أراد من ذلك ، وقال خويلد في ذلك شعرا (٤) :

[دعيني أم عمرو ولا تلومي

ومهلا عاذلي لا تعذليني] (٥)

دعيني لأخذت الخسف منهم

وبيت الله حين يقتلوني

فما عذري وهذا السيف عندي

وعضب نال قائمه يميني

ولكن لم أجد عنها محيدا

وإنّي زاهق ما أزهقوني (٦)

قال : ثم خرج متوجها إلى اليمن بمن معه من جنود حتى إذا قدمها وكان لأهل اليمن مدينتين (٧) يقال لأحدهما (٨) مأرب وللأخرى ظفار ، وكان منزل الملك في مأرب مبني (٩) بصفائح الذهب وكان منزله في ظفار مبني (١٠) في الرخام ، فكان إذا شتا شتّى في مأرب ، وإذا صاف صاف في ظفار. وكانت مأرب بها نشوء أبناء الملوك ويتعلمون بها الكلام ، وكان ابن الحميري إذا بلغ قال : أرسلوا به إلى مأرب ليتعلم فيها المنطق ، وكان في ظفار اسطوان من البلد الحرام مكتوب في أعلاها بكتاب من الكتاب الأول : لمن الملك ظفار لحمير الأخيار ، لمن الملك ظفار لفارس الأحرار (١١) لمن الملك ظفار لقريش التجار.

__________________

(١) بالأصل وم : «عبد العزيز» والمثبت عن سيرة ابن إسحاق.

(٢) بالأصل : «قال» والمثبت عن سيرة ابن إسحاق.

(٣) ما بين معكوفتين زيادة عن سيرة ابن إسحاق ص ٣١.

(٤) الأبيات في سيرة ابن إسحاق ص ٣٢.

(٥) سقط البيت من الأصل واستدرك عن ابن إسحاق.

(٦) في ابن إسحاق :

وإني راهق ما أرهقوني

(٧) كذا بالأصل ، والصواب : مدينتان كما في ابن إسحاق.

(٨) كذا في الأصل وم.

(٩) كذا في الأصل وم ، والصواب «مبنيا».

(١٠) الصواب : مبنيا.

(١١) في سيرة ابن إسحاق : الأخيار.

١٧

فلما قدمها تبّع نشرت التوراة اليهود ، وجعلوا يدعون الله [على] (١) النار حتى أطفأها الله ، وكان لأهل اليمن شيطان يعبدونه (٢) قد بنوا له بيتا من ذهب وجعلوا بين يديه حياضا وكانوا يذبحون له فيها ، فيخرج فيصيب من ذلك الدم ويكلمهم ويسألونه وكانوا يعبدونه ، فلما أن أطفأت اليهود النار [قالوا] (٣) لتبّع : إن ديننا هذا الذي [نحن] (٤) عليه خير من دينك ، فلو أنّك تابعتنا على ديننا فقد رأيت أن إلهك هذا لم يغن عنك شيئا ولا عن قومك عند الذي نزل بكم. فقال تبّع : فكيف نصنع به ونحن نرى منه ما ترون من الأعاجيب؟ فقالوا : أرأيت إن أخرجناه عنك أتتبعنا على ديننا؟ قال : نعم ، فجاءوا إلى باب ذلك البيت فجلسوا عليه بتوراتهم ثم جعلوا يذكرون اسم الله ، فلما سمع بذلك الشيطان لم يثبت وخرج جهارا حتى وقع في البحر ، وهم ينظرون ، وأمر تبّع بيته ذلك الذي كان فيه فهدم وتهوّد بعض ملوك حمير ويزعم بعض الناس أن تبّعا كان قد تهوّد.

قال : ولما فعل تبّع ما فعل غضبت ملوك حمير وقالوا : اما كان يرضى أن يطيل غزونا ، ويبعدنا في المسير من أهلنا حتى طعن علينا أيضا في ديننا ، وعاب آباءنا فاجتمعوا على أن يقتلوه ويستخلفوا أخاه من بعده.

قرأت بخط عبد الوهاب بن عيسى بن ماهان ، أنا الحسن بن رشيق ، حدّثني الحسن بن آدم ، حدّثني عبيد بن محمد الكشوري ، حدّثني أحمد بن عبد الله بن عروة ، حدّثنا محمد بن عوسجة ، حدّثني عبد الرّحمن بن هشام ـ هو ابن يوسف ـ عن أبيه قال : ذكر حفص بن عمر عن عباد بن زياد المرّي عن من أدرك قال : أقبل تبّع يفتتح المدائن ويقاتل العرب حتى نزل المدينة وأهلها يومئذ يهود ، فظهر على أهلها وجمع أحبار اليهود فأخبروه أنه سيخرج نبي مكة يكون قراره بهذه البلدة اسمه أحمد ، وأخبروه أنه لا يدركه فقال تبّع للأوس والخزرج : أقيموا بهذه البلدة فإن خرج فيكم فوازروه وصدّقوه وإن لم يخرج فأوصوا بذلك أولادكم فقال في شعره :

حدثت أن رسول المليك

يخرج حقا بأرض الحرم

ولو مدّ دهري إلى دهره

لكنت وزيرا له وابن عمّ

__________________

(١) زيادة عن ابن إسحاق ص ٣٢.

(٢) سقطت من الأصل واستدركت على هامشه.

(٣) اسمه رئام كما في تاريخ الطبري ٢ / ١٠٩.

(٤) زيادة عن ابن إسحاق ص ٣٢.

١٨

أخبرنا أبو الحسن علي بن المسلّم الفرضي ، أنبأنا أبو الحسن بن أبي الحديد ، أخبرنا جدي أبو بكر ، أنبأنا محمد بن يوسف بن بشر ، أنبأنا محمد بن حمّاد ، أخبرنا عبد الرّزّاق ، أخبرنا ابن التيمي ـ يعني معتمر بن سليمان ـ أخبرني الخليل بن أحمد ، أخبرنا عثمان بن أبي حاصر ، قال : قال لي ابن عباس : لو رأيت إليّ وإلى معاوية وقرأت (فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ) (١) ، فقال معاوية : حامية ، فدخل علينا كعب فسأله معاوية فقال كعب :

أنتم أعلم بالعربية ، ولكنها تغرب في عين سوداء أو في حمأة لا أدري أي ذلك. قال الخليل شك. قال : فقلت ألا أنشدك قصيدة تبّع (٢) :

قد كان ذو القرنين عمّر (٣) مسلما

ملكا تدين له الملوك وتحشد

يأتي (٤) المشارق والمغارب يبتغي

أسباب ملك (٥) من حكيم مرشد

فرأى مغيب الشمس عند مآبها (٦)

في عين ذي خلب وثأط حرمد

قال : وأخبرنا عبد الرّزّاق ، أخبرنا ابن المبارك ، عن عمرو بن ميمون بن مهران ، عن عثمان بن أبي حاضر بنحو من هذا إلّا أن ابن عباس قال له : ما الخلب؟ قال : الطين ، بلسانهم ، قال : فما الثأط؟ قال : الحمأة ، قال : فما الحرمد؟ [قال :] الشديد السواد فقال ابن عباس : يا غلام ائتني بالدواة ، قال : فكتب.

أخبرنا أبو القاسم علي بن إبراهيم ، أنبأنا رشأ بن نظيف ، أخبرنا الحسن بن إسماعيل ، أخبرنا أحمد بن مروان ، حدّثنا أبو الحسن الرّبعي ، حدّثنا محمد بن الحسين البرجلاني (٧) أنشدنا أبو زيد لتبّع الأوس :

منع البقاء تقلّب الشمس

وطلوعها من حيث لا تمسي

وطلوعها بيضاء صافية

وغروبها صفراء كالورس

__________________

(١) سورة الكهف ، الآية : ٨٦.

(٢) الأبيات في الطبري ٢ / ١٠٩ ـ ١١٠ من قصيدة مطلعها :

ما بال نومك مثل نوم الارمد

أرقا كأنك لا تزال تسهّد

(٣) الطبري : قبلي.

(٤) الطبري : ملك.

(٥) الطبري : علم.

(٦) الطبري : غروبها.

(٧) رسمها مضطرب بالأصل والصواب ما أثبت ، عن الأنساب ومنه ضبطت ، وهذه النسبة إلى برجلان وهي قرية من قرى واسط. ذكره السمعاني وترجم له. وفي م : الرجلاني.

١٩

تجيء على كبد السماء كما

يجري حمام الموت بالنّفس

أخبرنا أبو القاسم بن السّمرقندي ، أخبرنا أبو الحسين بن النّقّور ، أخبرنا أبو طاهر المخلّص ، أخبرنا رضوان بن أحمد ، أخبرنا أحمد بن عبد الجبار ، حدّثنا يونس بن بكير ، أخبرنا محمد بن إسحاق ، قال (١) : لما فعل تبّع ما فعل غضبت ملوك حمير وقالوا : ما كان يرضى أن يطيل غزونا ويبعدنا في المسير من أهلنا حتى طغى (٢) علينا أيضا في ديننا وعاب أباءنا فاجتمعوا على أن يقتلوه ويستخلفوا أخاه من بعده. فاجتمع رأي الملوك على ذلك كلّهم إلّا ذو همدان (٣) فإنه أبى أن يمالئهم على ذلك ، فثاروا به ، فأخذوه ليقتلوه فقال لهم : أتراكم قاتلي؟ قالوا : نعم ، [قال :] أما لا فإذا قتلتموني فادفنوني قائما ، فإنه لن يزال لكم ملك قائم ما دمت قائما فقتلوه. قالوا : والله لا يملكنا حيا وميتا فنكسوه على رأسه فقال في ذلك ذو همدان في الذي كان من أمره :

إن كان (٤) حمير غدرت وخانت

فمعذرة الإله لذي رعين

ألا من يشتري سهرا بنوم (٥)

سعيد من يبيت قرير عين

وقال أيضا في ذلك عبد كلال بعد قتل أخيه واستخلافهم إياه حين قتل وجوه حمير :

شفيت النفس ممن كان أمسى

قرير العين قد قتلوا كريمي

فلما أن فعلت أصاب قلبي

بما قد جئت من قتل الزعيم (٦)

أشاروا إليّ بقتل أخ كريم

وليس له (٧) الضرائب باللئيم

فعدت كان قلبي في جناح بعي

يش ليس يرجع في نعيم

وعاد القلب كالمجنون ينمو

إلى الغايات ليس بذي حميم

فلما أن قتلت به كراما

وصاروا كلهم كالمستليم

رجعت إلى الذي قد كان مني

كأن القلب ليس بذي كلوم

__________________

(١) سيرة ابن إسحاق ص ٣٤ (واللفظ له) ، وتاريخ الطبري ٢ / ١١٥ ـ ١١٦ نقلا عن ابن إسحاق.

(٢) في ابن إسحاق : طعن.

(٣) في الطبري ٢ / ١١٥ : «ذو رعين الحميري» والمثبت مثل عبارة ابن إسحاق.

(٤) ابن إسحاق : «إن تك» وفي الطبري : «فإما حمير».

(٥) بالأصل : «شهرا بيوم» والمثبت عن ابن إسحاق والطبري.

(٦) ابن إسحاق : رغيم.

(٧) ابن إسحاق : أشاروا لي ... وليس لذي.

٢٠