تاريخ مدينة دمشق - ج ٣

أبي القاسم علي بن الحسن ابن هبة الله بن عبد الله الشافعي [ ابن عساكر ]

تاريخ مدينة دمشق - ج ٣

المؤلف:

أبي القاسم علي بن الحسن ابن هبة الله بن عبد الله الشافعي [ ابن عساكر ]


المحقق: علي شيري
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥١٩
الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٢ الجزء ٣٣ الجزء ٣٤ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١ الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠

١
٢

حرف الألف

ذكر من اسمه [أحمد]

(ومحمد والحاشر (١) والمقفّى (٢) والعاقب (٣))

ابن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصيّ بن كلاب بن مرّة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النّضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معدّ بن عدنان.

أبو القاسم المصطفى ، والرّسول المجتبى ، وخيرة رب العالمين ، وخاتم النبيين ، وإمام المتقين ، وسيّد المرسلين هادي الأمة ، ونبي الله صلى الله عليه وأزلفه لديه.

قدم بصرى (٤) من نواحي دمشق قبل أن يوحى [إليه](٥) وهو صغير مع عمه أبي طالب ، ومرة أخرى في تجارة لخديجة مع ميسرة غلام خديجة.

__________________

(١) الحاشر من أسماء النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وهو الذي يحشر الناس خلقه وعلى ملته دون ملة غيره ، اللسان عن ابن الأثير.

(٢) المقفي : نحو العاقب ، وهو المولى الذاهب ، يقال : قفا عليه أي ذهب ، وكأن المعنى أنه آخر الأنبياء المتبع لهم ، فإذا قفى فلا نبي بعده (اللسان : قفا).

(٣) قال أبو عبيد : العاقب آخر الأنبياء ، والعاقب : الذي يخلف من كان قبله في الخير. (اللسان : عقب).

(٤) بصرى : بالشام من أعمال دمشق ، وهي قصبة كورة حوران.

(٥) الزيادة عن خع.

٣

باب

ذكر قدوم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بصرى

ومعرفة وصوله إليها مرة أولى (١) وعوده إليها كرّة أخرى

أخبرنا أبو عبد الله الفراوي ، أنا أبو عثمان إسماعيل بن عبد الرّحمن بن أحمد بن إسماعيل الصابوني ، قال : وحدثنا الأستاذ أبو منصور محمد بن عبد الله بن حمشاد ـ إملاء ـ نا أبو العباس محمد بن يعقوب ، نا العباس بن محمد الدوري ، نا قراد أبو نوح (٢) ، أنا يونس ، عن أبي بكر بن (٣) موسى ، عن أبي موسى قال : خرج أبو طالب إلى الشام وخرج معه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في أشياخ من قريش ، فلما أشرفوا على الراهب ، هبطوا وحلوا رحالهم فخرج إليهم الراهب ، وكانوا قبل ذلك يمرّون ولا يخرج إليهم ولا يلتفت ، قال : فهم يحلّون رحالهم ، فجعل يتخللهم حتى جاء فأخذ بيد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : هذا سيد العالمين ، هذا رسول رب العالمين ، هذا يبعثه الله رحمة للعالمين. فقال له أشياخ من قريش : وما علمك؟ قال : إنكم حين أشرفتم من العقبة لم يبق شجر ولا حجر إلّا خرّ ساجدا ، ولا يسجدون إلّا لنبيّ ، وإني لأعرف خاتم النبوة أسفل من غضروف كتفه مثل التفاحة ، فصنع لهم طعاما فلما أتاهم به وهو في رعية الإبل ، فقال : أرسلوا إليه ، فأقبل وعليه غمامة تظلّه ، فلما دنا من القوم وجدهم سبقوا إلى فيء الشجرة ، فما جلس مال فيء الشجرة عليه. فقال : انظروا إلى فيء الشجرة مال عليه.

قال : فبينا هو قائم وهو يناشدهم أن لا يذهبوا به إلى الروم ، فإن الروم إن رأوه

__________________

(١) بالأصل وخع : «أوفى» والمثبت عن المطبوعة السيرة النبوية ص ١ قسم أول.

(٢) اسمه عبد الرحمن بن غزوان الخزاعي ، أبو نوح المعروف بقراد (انظر تهذيب التهذيب).

(٣) كذا بالأصل وخع ، وفي المطبوعة : بن أبي موسى. وانظر دلائل النبوة للبيهقي ٢ / ٢٤ وسيأتي صوابا ، في آخر الحديث.

٤

عرفوه بالصفة فقتلوه ، فالتفت فإذا هو بسبعة (١) نفر قد أقبلوا من الروم فاستقبلهم فقال : ما جاء بكم؟ قالوا : جئنا إن هذا النبي خارج في هذا الشهر ، فلم يبق طريق إلّا وبعث إليه ناس ، وإنّا أخبرنا خبره بعثنا إلى طريقك ، قال : هل خلفتم خلفكم أحدا هو خير منكم؟ قالوا : لا إنما أخبرنا خبره بطريقك. قال : أفرأيتم إن أراد الله أمرا أن يمضيه (٢) هل يستطيع أحد أن يرده؟ قالوا : لا. قال : فبايعوه (٣) وأقاموا معه قال : فأتاهم فقال : أنشدكم الله أيكم وليه؟ قالوا : أبو طالب فلم يزل يناشده حتى رده وبعث معه أبو بكر بلالا ، وزوده [الراهب](٤) من الكعك والزيت.

قال الأستاذ أبو منصور قال أبو العباس قال العباس : ليس في الدنيا مخلوق يحدّث به غير قراد أبي نوح. وسمع هذا الحديث أحمد بن حنبل ويحيى بن معين من قراد. وقالا (٥) : وإنما سمعناه من قراد لأنه من الغرائب والافراد التي نقر بروايتها عن يونس بن أبي إسحاق ، عن أبي بكر بن أبي موسى ، عن أبيه.

وأخبرنا أبو حامد أحمد بن نصر بن علي بن أحمد الطوسي ، ثنا والدي الحاكم أبو [الفتح](٦) نصر بن علي بن أحمد الطوسي ، نا القاضي أبو بكر أحمد بن الحسن ، نا أبو العباس محمد بن يعقوب ، نا العباس بن محمد الدوري ، نا قراد أبو نوح ، أنبأنا يونس ، عن أبي بكر بن أبي موسى ، عن أبي موسى قال : خرج أبو طالب إلى الشام وخرج معه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في أشياخ من قريش فلما أشرفوا على الراهب هبطوا فحلّوا رحالهم فخرج إليهم الراهب ، وكانوا قبل ذلك يمرّون به فلا يخرج إليهم ، ولا يلتفت قال فهم يحلّون رحالهم فجعل يتخلّلهم (٧) حتى جاء فأخذ بيد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : هذا سيد العالمين ، هذا رسول رب العالمين ، هذا يبعثه الله رحمة للعالمين. فقال له أشياخ

__________________

(١) كذا بالأصل وخع ومختصر ابن منظور ٢ / ٦ في رواية ، وفي رواية أخرى في دلائل البيهقي ٢ / ٢٥ بتسعة نفر.

(٢) في البيهقي ومختصر ابن منظور : أن يقضيه هل يستطيع أحد من الناس أن يرده (في المختصر : رده).

(٣) عن البيهقي والمختصر : فتابعوه.

(٤) سقطت من الأصل وخع ، واستدركت عن البيهقي.

(٥) بالأصل «وقال».

(٦) سقطت من الأصلين وخع.

(٧) بالأصل وخع «يتحللهم» والمثبت عن دلائل البيهقي ٢ / ٢٤.

٥

من قريش : ما علمك؟ فقال : إنكم حين أشرفتم من العقبة لم يبق شجرة ولا حجر إلّا خرّ ساجدا ، ولا يسجدون إلّا لنبيّ ، وإني أعرفه ، خاتم النبوة أسفل من غضروف كتفه مثل التفاحة ، ثم رجع فصنع لهم طعاما ، فلما أتاهم به وكان في رعية الإبل ، فقال : أرسلوا إليه فأقبل وعليه غمامة تظلّه ، فقال : انظروا إليه عليه غمامة تظله ، فلما دنا من القوم وجدهم قد سبقوا إلى فيء الشجرة ، فلما جلس مال فيء الشجرة عليه. فقال : انظروا إلى فيء الشجرة مال عليه. قال : فبينما هو قائم عليه ، وهو يناشدهم أن لا يذهبوا به إلى الروم. فإن الروم إن رأوه عرفوه بالصفة فقتلوه ، فالتفت فإذا هو بسبعة نفر قد أقبلوا من الروم ، فاستقبلهم. فقال : ما جاء بكم؟ قالوا : جئنا أن (١) هذا النبي خارج في هذا الشهر ، فلم يبق طريق إلّا بعث إليه ناس ، وإنّا أخبرنا خبره بعثنا إلى طريقك هذا [فقال لهم : هل خلّفتم خلفكم أحدا هو خير منكم؟ قالوا : لا ، إنّما أخبرنا خبره بطريقك هذا](٢) قال : أفرأيتم أمرا أراد الله أن يقضيه هل يستطيع أحد من الناس ردّه؟ قالوا : لا.

قال : فتابعوه وأقاموا معه. قال : فأتاهم ، فقال : أنشدكم بالله أيكم وليه؟ قالوا : أبو طالب ، فلم يزل يناشده حتى رده وبعث معه أبو بكر بلالا. وزوّده الراهب من الكعك والزيت.

وأخبرنا أبو الحسن علي بن المسلّم السّلمي الفقيه ، وأبو الفرج غيث بن علي بن عبد السّلام الخطيب ، وأبو محمد عبد الكريم بن حمزة السّلمي ، قالوا : أخبرنا أبو الحسن أحمد بن عبد الواحد بن محمد بن أبي الحديد ، أنبأ جدي أبو بكر ، أنا أبو بكر محمد بن جعفر بن سهل السامرّي (٣) الخرائطي ، نا عباس بن محمد الدوري ، نا قراد أبو نوح ، نا يونس بن أبي إسحاق ، عن أبي بكر بن أبي موسى ، عن أبيه قال : خرج أبو طالب إلى الشام فخرج معه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في أشياخ من قريش فلما أشرفوا على الراهب ـ يعني بحيرا ـ هبطوا فحلّوا رحالهم ، فخرج إليهم الراهب ، وكان قبل ذلك يمرّون فلا يخرج إليهم ولا يلتفت إليهم. قال : فنزل وهم يحلّون رحالهم فجعل

__________________

(١) كذا بالأصل وخع ومختصر ابن منظور ، وفي دلائل البيهقي : جئنا إلى هذا النبي.

(٢) ما بين معكوفتين سقط من الأصل وخع واستدركت عن دلائل النبوة للبيهقي ٢ / ٢٥ ومختصر ابن منظور ٢ / ٦.

(٣) بفتح السين المشددة والميم والراء المشددة أيضا ، هذه النسبة إلى بلدة فوق بغداد على الدجلة يقال لها سر من رأى. (الأنساب).

٦

يتخللهم (١) حتى جاء فأخذ بيد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : هذا سيد العالمين ، فقال له أشياخ من قريش ؛ وما علمك؟ فقال : إنكم حين أشرفتم من العقبة لم يبق شجرة ولا حجر إلّا خرّ ساجدا ، ولا يسجدون إلّا لنبيّ وإني أعرفه بخاتم النبوة أسفل من غضروف كتفه ، ثم رجع فصنع لهم طعاما ، فلما أتاهم به وكان هو في رعية الإبل ، فقال : أرسلوا إليه ، فأقبل وعليه غمامة تظلّه ، فلما دنا من القوم قال : انظروا إليه عليه غمامة ، فلما دنا من القوم وجدهم قد سبقوه إلى فيء الشجر ، فلما جلس مال فيء الشجر عليه. قال : انظروا إلى فيء الشجر مال عليه. قال : فبينما هو قائم عليهم وهو يناشدهم ألّا (٢) يذهبوا به إلى الروم ، فإن الروم إن رأوه عرفوه بالصفة فقتلوه ، فالتفت فإذا هو بسبعة نفر قد أقبلوا من الروم ، قال : فاستقبلهم ، فقال : ما جاء بكم؟ قالوا : جئنا أن (٣) هذا النبي خارج في هذا الشهر فلم يبق طريق إلّا بعث إليه ناس وإنّا أخبرنا خبره [بعثنا](٤) إلى طريقك هذا فقال : هل خلفتم أحدا هو خير منكم؟ قالوا : لا ، إنما أخبرنا خبرة من خبره (٥) قال : أفرأيتم أمرا أراد الله أن يقضيه هل يستطيع أحد من الناس ردّه؟ قالوا : لا. قال : فتابعوه وأقاموا عنده قال : فقال الراهب : أنشدكم بالله أيكم وليّه؟ قالوا : أبو طالب ، فلم يزل يناشده حتى ردّه وبعث معه أبو بكر بلالا وزوّده الراهب من الكعك والزيت.

وأخبرتنا أمّ البهاء فاطمة بنت محمد بن أحمد بن الحسن بن البغدادي ـ بأصبهان ـ قالت : أخبرنا أبو عثمان سعيد بن أحمد بن محمد بن نعيم العيّار (٦) ، نا أبو الحسين أحمد بن محمد بن عمر الخفّاف ، نا أبو حامد بن الشّرقي (٧) ، نا العبّاس بن محمد ، نا قراد أبو نوح ، نا يونس بن أبي إسحاق ، عن أبي بكر بن أبي

__________________

(١) بالأصل وخع : يتحللهم ، والمثبت عما سبق.

(٢) بالأصل «أن يذهبوا» والصواب مما سبق.

(٣) كذا بالأصل وخع.

(٤) سقطت من الأصلين هنا.

(٥) كذا بالأصل وخع : «خبرة من خبره» وفي المطبوعة : خبره من خبره.

(٦) بالأصل «العبار» وفي خع : «العبار» والتصويب عن اللباب لابن الأثير ١ / ٦٦ (الاشكابي) والعيّار لقب له ، وهو راوية كتاب صحيح البخاري.

(٧) بالأصل وخع «الشرفي» والمثبت عن الأنساب ، وهذه النسبة : قال السمعاني لا أدري أهذه النسبة إلى موضع بها (نيسابور) أو إلى غيره. وظني أنه كان يسكن الجانب الشرقي بنيسابور فنسب إليه (الأنساب : الشرقي).

٧

موسى ، عن أبي موسى ، قال : خرج أبو طالب إلى الشام وخرج معه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في أشياخ من قريش فلما أشرفوا على الراهب هبطوا فحلوا رحالهم ، فخرج إليهم الراهب ، وكانوا قبل ذلك يمرون به ، فلا يخرج إليهم ولا يلتفت ، قال : فهم يحلون ، فجعل يتخللهم (١) حتى جاء فأخذ بيد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : هذا سيد العالمين ، هذا رسول رب العالمين ، هذا يبعثه الله رحمة للعالمين. فقال له أشياخ من قريش : وما علمك بذلك؟ فقال : إنكم حين أشرفتم من العقبة لم يبق شجر ولا حجر إلّا خرّ ساجدا ولا يسجدون إلّا لنبيّ وإني أعرفه ، خاتم النبوة أسفل من غضروف (٢) كتفه مثل التفاحة ، ثم رجع فصنع لهم طعاما ، فلما أتاهم به ، وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في رعيّة الإبل ، فقال : أرسلوا إليه ، فأقبل وعليه غمامة فقال : انظروا إليه عليه غمامة تظله فلما دنا من القوم وجدهم قد سبقوه إلى فيء الشجرة ، فلما جلس مال فيء الشجرة عليه فقال : انظروا إلى فيء الشجرة مال عليه قال : فبينما هو قائم عليهم وهو يناشدهم أن لا يذهبوا به إلى الروم ، فإن الروم إن رأوه عرفوه بالصفة فقتلوه ، فالتفت فإذا هو بسبعة نفر قد أقبلوا من الروم ، فاستقبلهم. فقال : ما جاء بكم؟ قالوا : جئنا أن هذا النبي خارج في هذا الشهر ، فلم يبق طريق إلّا بعث [إليه](٣) ناس ، فإنا أخبرنا خبره بعثنا لطريقك هذا [قال لهم : هل خلفتم خلفكم أحدا هو خير منكم؟ قالوا : إنما أخبرنا خبره ، بعثنا إلى طريقك هذا](٤) قال : أفرأيتم أمرا أراد الله أن يقضيه هل يستطيع أحد من الناس ردّه؟ قالوا : لا.

قال : فتابعوه وأقاموا معه ، قال : فأتاهم الراهب فقال : أنشدكم بالله أيّكم وليّه؟ قالوا : أبو طالب ، فلم يزل يناشده حتى ردّه وبعث معه أبو بكر بلالا ، وزوّده الراهب من الكعك والزيت.

أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الباقي الأنصاري ، أنا أبو محمد الجوهري ، أنا أبو عمر بن حيوة ، أنا أبو الحسن أحمد بن معروف ، نا أبو محمد حارث بن أبي أسامة ، أنا أبو عبد الله محمد بن سعد (٥) ، أنا خالد بن خداش ، نا معتمر بن سليمان ، سمعت أبي

__________________

(١) بالأصل وخع : «يتحللهم».

(٢) بالأصل : «خضروف».

(٣) سقطت من الأصلين هنا.

(٤) ما بين معكوفتين سقط من الأصل واستدرك عن خع.

(٥) الخبر في طبقات ابن سعد ١ / ١٢٠.

٨

يحدث عن أبي (١) مجلز : أن عبد المطلب أو أبا طالب ـ شك خالد ـ قال : لما مات عبد الله عطف على محمد. قال : فكان لا يسافر سفرا إلّا كان معه فيه ، وإنه توجه نحو الشام ، فنزل منزلا (٢) ، فأتاه فيه راهب فقال : إنّ فيكم رجلا صالحا ، فقال : إن فينا من يقري الضيف ويفك الأسير ويفعل المعروف ، أو نحوا من هذا ، ثم قال : إن فيكم رجلا صالحا ، ثم قال : أين أبو هذا الغلام؟ قال : فقال : هذا (٣) وليه. أو قيل (٤) هذا [أخو](٥) وليه قال : احتفظ بهذا الغلام ولا تذهب به إلى الشام ، إن اليهود حسد ، وإني أخشاهم عليه قال : ما أنت تقول ذاك ولكن الله يقوله ، فردّه قال : اللهم إني استودعك محمدا ، ثم إنه مات.

قال : وأنا محمد بن سعد (٦) ، أنا محمد بن عمر ، حدثني محمد بن صالح وعبد الله بن جعفر ، وإبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة عن داود بن الحصين ، قالوا : لما بلغ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم اثنتي عشرة سنة ، خرج به عمه (٧) أبو طالب إلى الشام في العير التي خرج فيها للتجارة ، ونزلوا بالراهب بحيرا ، فقال لأبي طالب في السرّ (٨) ما قال ، وأمره أن يحتفظ به ، فردّه أبو طالب معه إلى مكة ، وشبّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مع أبي طالب يكلاؤه الله ويحفظه ويحوطه من أمور الجاهلية ومعايبها (٩). لما يريده (١٠) من كرامته وهو على دين قومه ، حتى بلغ أن رجلا أفضل قومه مروءة وأحسنهم خلقا وأكرمهم مخالطة ، وأحسنهم جوارا (١١) وأعظمهم حلما وأمانة ، وأصدقهم حديثا وأبعدهم من

__________________

(١) ضبطت نصا في تقريب التهذيب ، واسمه لا حق بن حميد بن سعيد السدوسي البصري ، أبو مجلز ، مشهور بكنيته ، ثقة. مات سنة ١٠٦ وقيل سنة ١٠٩.

(٢) في ابن سعد : فنزل منزله.

(٣) في ابن سعد : ها أنذا وليه.

(٤) بالأصل : «أو فيك» والمثبت عن الطبقات.

(٥) سقطت من الطبقات والأصل واستدركت عن هامشه. والعبارة من : «أو قيل هذا أخو وليه» ساقطة من خع.

(٦) الطبقات ١ / ١٢٠ ـ ١٢١.

(٧) سقطت اللفظة من ابن سعد ، وفي خع «معه» بدل «عمه».

(٨) كذا بالأصل وخع ، وفي ابن سعد : «في النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم».

(٩) عن ابن سعد ، وبالأصل وخع : ومعاينها.

(١٠) في ابن سعد : لما يريد به من كرامته.

(١١) بالأصل وخع «جوادا» بالدال ، والمثبت عن ابن سعد.

٩

الفحش والأذى ، ما رآه (١) ملاحيا ولا مماريا أحدا حتى سمّاه قومه : الأمين ، لما جمع الله من الأمور الصالحة فيه فلقد كان الغالب عليه بمكة الأمين ، وكان أبو طالب يحفظه ، ويحوطه ، ويعضده ، وينصره إلى أن مات.

أخبرنا أبو القاسم بن السمرقندي ، أنا أبو الحسين أحمد بن محمد بن النّقّور ، أنا أبو طاهر محمد بن عبد الرّحمن المخلّص ، أنا رضوان بن أحمد بن جالينوس ، قال : نا أحمد بن عبد الجبار العطاردي ، نا يونس بن بكير الشّيباني ، قال : قال ابن إسحاق : وكان (٢) أبو طالب : هو الذي إليه (٣) أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعد جده ، فكان إليه ومعه. ثم إن أبا طالب خرج في ركب إلى الشام تاجرا ، فلما تهيأ للرحيل وأجمع السير هبّ (٤) له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأخذ بزمام ناقته وقال : «يا عم إلى من تكلني؟ لا أب لي ولا أم لي» [٥١١] فرق له أبو طالب وقال : والله لأخرجن به معي ولا يفارقني ولا أفارقه أبدا أو كما قال. قال : فخرج به معه فلما نزل الركب (٥) بصرى من أرض الشام وبها (٦) راهب يقال له : بحيرا (٧) في صومعة له ، وكان أعلم أهل النصرانية ، ولم يزل في تلك الصومعة قط راهب إليه يصير علمهم من كتاب فيهم فيما يزعمون يتوارثونه كابرا عن كابر (٨) فلما نزلوا ذلك العام ببحيرا وكانوا كثيرا مما (٩) يمرون به قبل ذلك لا يكلمهم ولا يعرض لهم ، حتى إذا كان ذلك العام نزلوا به قريبا من صومعته ، فصنع لهم طعاما كثيرا وذلك ـ فيما يزعمون ـ عن شيء رآه وهو في صومعته [يزعمون أنه رأى

__________________

(١) في ابن سعد : ما رثي.

(٢) بالأصل وخع : «وقال» خطأ ، والصواب عن سيرة ابن هشام ١ / ١٩٠ ودلائل البيهقي ٢ / ٢٧ ، والخبر فيهما نقلا عن ابن إسحاق.

(٣) في ابن هشام : «يلي» ومثلها في البيهقي.

(٤) كذا بالأصل وخع ، وفي سيرة ابن هشام : «صب به» وصب به : مال إليه. وفي دلائل البيهقي : ضب به ، بالضاد المعجمة ، بمعنى تعلق به وامتسك ، وتروى أيضا : ضبث به بمعنى لزمه. وكله جائز.

(٥) بالأصل : المركب ، والمثبت عن خع وابن هشام والبيهقي.

(٦) بالأصل وخع : «وتهيأ» والمثبت عن ابن هشام ودلائل البيهقي.

(٧) بحيرا ، بالفتح ثم كسر الحاء المهملة آخره راء مقصورا ، وقيل ممدودا.

(٨) بالأصل وخع : «كانوا عن كائن» والمثبت عن ابن هشام ودلائل البيهقي.

(٩) كذا بالأصل وخع والبيهقي ، وفي ابن هشام : «ما».

١٠

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو في صومعته](١) في الركب حين أقبلوا وغمامة تظلّه من بين القوم ، ثم أقبلوا حتى نزلوا بظلّ شجرة قريبا منه فنظر إلى الغمامة حتى أظلت الشجرة وتهصرت (٢) أغصان الشجرة على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى استظل تحتها ، فلما رأى ذلك بحيرا نزل من صومعته ، وقد أمر بذلك الطعام ، فصنع ، ثم أرسل إليهم فقال : إني قد صنعت لكم طعاما يا معشر قريش ، وأنا أحبّ أن تحضروا كلكم ، صغيركم وكبيركم ، وحرّكم وعبدكم ، فقال له رجل منهم : يا بحيرا إن لك اليوم لشأنا ، ما كنت تصنع هذا فيما مضى وقد كنا نمرّ بك كثيرا فما شأنك اليوم؟ فقال له بحيرا : صدقت ، قد كان ما تقول ، ولكنكم ضيف ، وقد أحببت أن أكرمكم وأصنع لكم طعاما تأكلون (٣) منه كلكم فاجتمعوا إليه وتخلف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من بين القوم لحداثة سنة في رحال (٤) القوم تحت الشجرة ، فلما نظر بحيرا في القوم لم ير الصفة التي يعرف ويجد عنده. قال : يا معشر قريش لا يتخلف أحد منكم عن طعامي هذا ، قالوا له : يا بحيرا ما تخلّف عنك أحد ينبغي له أن يأتيك إلّا غلام هو أحدث القوم سنا تخلّف في رحالهم ، قال : فلا تفعلوا ، ادعوه فليحضر هذا الطعام معكم. فقال رجل من قريش مع القوم : واللّات والعزّى ، إن هذا للؤم (٥) بنا يتخلّف ابن عبد الله بن عبد المطلب عن الطعام من بيننا ثم قام إليه فاحتضنه ، ثم أقبل به حتى أجلسه مع القوم ، فلما رآه بحيرا جعل يلحظه لحظا شديدا ، وينظر إلى أشياء من جسده قد كان يجدها عنده في صفته ، حتى إذا فرغ القوم من الطعام وتفرقوا قام بحيرا فقال له : يا غلام أسألك باللّات والعزّى إلّا أخبرتني عما أسألك عنه ، وإنما قال له بحيرا ذلك لأنه سمع قومه يحلفون بهما ، فزعموا أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال له : لا تسألني (٦) باللّات والعزّى شيئا ، فو الله ما أبغضت بغضهما شيئا قط ، فقال له بحيرا : فبالله إلّا ما أخبرتني عما أسألك عنه. فقال : سلني عما بدا لك فجعل يسأله عن أشياء من

__________________

(١) ما بين معكوفتين سقطت من الأصل وخع والبيهقي واستدركت عن سيرة ابن هشام ١ / ١٩٢.

(٢) تهصرت : مالت وتدلّت ، (قاموس : هصر) وفي دلائل البيهقي : شمرت وبحاشيته عن إحدى نسخه : وتهصرت.

(٣) كذا بالأصول.

(٤) بالأصل وخع «رجال» تحريف والمثبت عن ابن هشام ودلائل البيهقي.

(٥) بالأصل وخع : «اللوم» والمثبت عن دلائل البيهقي ، وفي ابن هشام : إن كان للؤم.

(٦) عن ابن هشام ، وبالأصل وخع «لا تسألن» وفي البيهقي : لا تسلني.

١١

حاله : من نومه (١) وهيئته وأموره ، فجعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يخبره فيوافق ذلك ما عند بحيرا من صفته ، ثم نظر إلى ظهره فرأى خاتم النبوة بين كتفيه على موضعه من صفته التي عنده.

فلما فرغ منه أقبل على عمه أبي طالب فقال له : ما هذا الغلام منك؟ فقال : ابني ، فقال له بحيرا : ما هو بابنك ، وما ينبغي لهذا الغلام أن يكون أبوه حيا. قال : فإنه ابن أخي ، قال : فما فعل أبوه؟ قال : مات وأمه حبلى به ، قال : صدقت ، قال : ارجع بابن أخيك إلى بلده ، واحذر عليه اليهود ، فو الله لئن رأوه وعرفوا (٢) منه ما عرفت ليبغنّه شرّا فإنه كائن لابن أخيك هذا شأن. فأسرع به إلى بلاده.

فخرج به عمه أبو طالب سريعا حتى أقدمه مكة حين فرغ من تجارته بالشام ، فزعموا فيما يتحدث (٣) الناس أن زبيرا (٤) وتمّاما (٥) ودريسا وهم نفر من أهل الكتاب قد كانوا رأوا من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ في ذلك السفر الذي كان فيه مع عمه أبي طالب ـ أشياء فأرادوه ، فردّهم عنه بحيرا وذكّرهم الله ، وما يجدون في الكتاب من ذكره وصفته ، وإنهم إن أجمعوا لما أرادوا لم يخلصوا إليه ، حتى عرفوا ما قال لهم ، وصدّقوه بما قال. قال : فتركوه وانصرفوا.

وقال أبو طالب في ذلك من الشعر يذكر مسيره برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وما أراد منه أولئك النفر وما قال لهم فيه بحيرا :

إنّ ابن آمنة النبي محمّدا

عندي بمثل منازل الأولاد

لمّا تعلّق بالزمام رحمته

والعيس (٦) قد قلّصن (٧) بالأزواد (٨)

__________________

(١) عن ابن هشام والبيهقي ، وبالأصل وخع : «يومه».

(٢) الواو سقطت من الأصول ، والمثبت عن ابن هشام.

(٣) في ابن هشام : فيما روى الناس.

(٤) الأصل وخع ، والبيهقي ، وفي ابن هشام : زريرا.

(٥) في البيهقي : وثماما.

(٦) بالأصل وخع «والعيش» والمثبت عن المطبوعة السيرة قسم ١ / ٩.

(٧) قلصن : يقال : قلصت الإبل في سيرها : شمرت ، وقلصت الإبل تقليصا إذا استمرت في مضيها. (اللسان : قلص).

(٨) الأزواد : طعام السفر والحضر جميعا (اللسان : زود).

١٢

فارفض من عيني دمع ذارف

مثل الجمان مفرّق الأفراد

راعيت منه قرابة موصولة

وحفظت فيه وصية الأجداد

وأمرته بالسير بين عمومة

بيض الوجوه مصالت أنجاد

ساروا لأبعد طيّة معلومة

فلقد تباعد طيّة المرتاد

حتى إذا ما القوم بصرى عاينوا

لاقوا على شرك من المرصاد

خبرا فأخبرهم حديثا صادقا

عنه وردّ معاشر الحسّاد

قوما يهودا قد رأوا ما قد رأى

ظلّ الغمام وعزّ (١) ذي الأكباد

ساروا لقتل محمّد فنهاهم

عنه وأجهد أحسن الإجهاد

فثنى زبيرا بحيرا فانثنى

في القوم بعد تجاول وبعاد

ونهى دريسا فانتهى عن قوله

حبرا يوافق أمره برشاد

وقال أبو طالب أيضا :

ألم ترني من بعد همّ هممته

بفرقة حرّ لوالدين كرام

بأحمد لمّا أن شددت مطيّتي

رحلوا (٢) وقد ودّعته بسلام

بكا حزنا والعيس قد فصلت بنا

وأخذت (٣) بالكفين فضل زمام

ذكرت أباه ثم رقرقت عبرة

تجود من العينين ذات سجام (٤)

فقلت : يروح راشدا في عمومة

مواسير في البأساء غير لئام

فرحنا مع العير التي راح أهلها

شآم الهوى والأصل غير شآم (٥)

فلما هبطنا أرض بصرى تشرفوا

لنا فوق دور ينظرون جسام (٦)

فجاء بحيرا عند ذلك حاشدا

لنا بشراب طيب وطعام

فقال : اجمعوا أصحابكم لطعامنا

فقلنا : جمعنا القوم غير غلام

__________________

(١) في خع : «وعن» ورسمها بالأصل غير واضح تماما ، الحرف الأخير فيها بين الزاي والنون ، وأثبتنا ما وافق سيرة ابن إسحاق ص ٥٦.

(٢) كذا بالأصل وخع وفي سيرة ابن إسحاق ٥٦ : برحلي ، وفي الروض الأنف ١ / ٢٠٨ «لترحل إذ».

(٣) في الروض الأنف : وأمسكت.

(٤) بالأصل وخع : «سحام» والمثبت عن سيرة ابن إسحاق ٥٦ والروض الأنف ١ / ٢٠٨.

(٥) بالأصل «سمام» والمثبت عن سيرة ابن إسحاق ص ٥٦ والروض ١ / ٢٠٨.

(٦) بالأصل وخع : «حسام» والمثبت عن سيرة ابن إسحاق ص ٥٦ والروض ١ / ٢٠٨.

١٣

يتيما ، فقال : ادعوه إن طعامنا

كثير عليه اليوم غير (١) حرام

فلما رآه مقبلا نحو داره

يوقّيه حر الشمس ظل غمام

حنى رأسه شبه السجود وضمه

إلى نحره والصدر أي ضمام

وأقبل ركب يطلبون الذي رأى

بحيرا من الأعلام وسط خيام

فثار إليهم خشية (٢) لعرامهم

وكانوا ذوي دهى (٣) معا وعرام (٤)

دريسا وتماما وقد كان فيهم

زبيرا (٥) وكل القوم غير نيام

فجاءوا وقد همّوا بقتل محمد

فردهم عنه بحسن خصام

بتأويله التوراة حتى تفرقوا

فقال لهم ما أنتم بطغام (٦)

فذلك من أعلامه وبيانه

وليس نهار واضح كظلام

وقد (٧) ذكر أبو الحسن محمّد بن أحمد الورّاق أنه قدم مع أبي طالب لعشر ليال خلون من شهر ربيع الأول سنة ثلاث عشرة من الفيل وقدم الشام مع ميسرة لأربع عشرة ليلة بقيت من ذي الحجة سنة خمس وعشرين من الفيل. وكان الراهب الذي أخبر به في هذه القدمة اسمه نسطور الراهب.

أخبرنا أبو بكر محمّد بن عبد الباقي ، أنا أبو محمّد الجوهري ، أنبأ أبو عمر بن حيّوية أنا أحمد بن معروف بن بشار الخشاب ، نا أبو محمّد حارث بن أبي أسامة أنا محمّد بن سعد (٨) أنا محمّد بن عمر بن واقد الأسلمي نا موسى بن شيبة عن عميرة بنت عبيد الله بن كعب بن مالك عن أم سعد بنت سعد بن الربيع عن نفيسة بنت منية أخت يعلى بن منية قالت (٩) : لما بلغ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم خمسا وعشرين سنة قال له أبو طالب : أنا

__________________

(١) عن خع وبالأصل «عير».

(٢) بالأصل وخع «خشبة» والمثبت عن سيرة ابن إسحاق ص ٥٦.

(٣) عن سيرة ابن إسحاق وبالأصل وخع : ذهوا.

(٤) العرام : بالضم الشدة والقوة (اللسان : عرم).

(٥) بالأصل وخع : «زبير» والمثبت عن سيرة ابن إسحاق ص ٥٦.

(٦) في خع : «بطعام».

(٧) في خع : وذكر.

(٨) انظر الخبر في طبقات ابن سعد ١ / ١٢٩ ـ ١٣٠.

(٩) عن خع وابن سعد ، وبالأصل «قال».

١٤

رجل لا مال لي وقد اشتد الزمان علينا ، وهذه عير (١) قومك قد حضر خروجها ، وخديجة بنت خويلد تبعث رجالا من قومك في عيراتها (٢) ، فلو جئتها فعرضت نفسك عليها لأسرعت إليك ، وبلغ خديجة ما كان من محاورة (٣) عمه له. فأرسلت إليه في ذلك ، وقالت (٤) له : أنا أعطيك ضعف ما أعطي رجلا من قومك.

قال أبو طالب : هذا رزق قد ساقه الله إليك فخرج مع غلامها ميسرة ، وجعل عمومته يوصون به أهل العير حتى قدما بصرى من الشام ، فنزلا في ظل شجرة ، فقال نسطور الراهب : ما نزل تحت هذه الشجرة قط إلّا نبي ، ثم قال لميسرة : أفي عينيه (٥) حمرة؟ قال : نعم لا تفارقه ، قال : هو نبي ، وهو آخر الأنبياء ثم باع سلعته فوقع بينه وبين رجل تلاح فقال له : احلف باللات والعزى فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ما حلفت بهما قط ، وإني لأمر فأعرض عنهما. فقال الرجل : القول قولك ، ثم قال لميسرة : هذا والله نبي تجده أحبارنا مبعوثا (٦) في كتبهم ، وكان لميسرة (٧) إذا كانت الهاجرة واشتد الحر يرى ملكين يظلان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من الشمس فوعى ذلك كله. وكان الله قد ألقى المحبة من ميسرة فكان كأنه عبد له ، وباعوا تجارتهم وربحوا ضعف ما كانوا يربحون فلما رجعوا وكانوا بمرّ الظهران (٨). قال ميسرة : يا محمد انطلق إلى خديجة فأخبرها بما صنع الله لها على وجهك ، فإنها تعرف ذلك لك ، فتقدم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى دخل مكة في ساعة الظهيرة وخديجة في علّية لها فرأت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو على بعيره وملكان يظلان عليه ، فأرته نساءها فعجبن لذلك ، ودخل عليها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فخبرها بما ربحوا في وجههم ، فسرّت بذلك ، فلما دخل ميسرة عليها أخبرته بما رأت. فقال : ميسرة : قد رأيت هذا منذ خرجنا من الشام ، وأخبرها بما قال الراهب نسطور ، وبما قال الآخر

__________________

(١) عن خع وابن سعد وبالأصل «غير».

(٢) عيرات جمع عير ، يريد الإبل والدواب (اللسان).

(٣) بالأصل وخع «مجاورة» والمثبت عن ابن سعد.

(٤) بالأصل : «وقال» والمثبت : «وقالت له» عن ابن سعد.

(٥) عن ابن سعد ١ / ١٣٠ وبالأصل وخع «عينه».

(٦) في ابن سعد : منعوتا.

(٧) في ابن سعد : ميسرة.

(٨) موضع على مرحلة من مكة. قال عرام : مرّ : القرية ، والظهران : الوادي.

١٥

الذي خالفه في البيع ؛ وقدم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بتجارتها فربحت ضعف ما كانت تربح ، وأضعفت له ضعف ما سمت له.

وأعاده محمد بن سعد (١) في موضع آخر بهذا الإسناد فزاد فيه ونقص منه ألفاظا والمعنى قريب.

__________________

(١) انظر طبقات ابن سعد ١ / ١٥٥ ـ ١٥٧.

١٦

باب

معرفة أسمائه وأنه خاتم رسل الله وأنبيائه

أخبرنا أبو القاسم هبة الله بن محمد بن الحصين ، وأبو المواهب أحمد بن محمد بن عبد الملك بن عبد العزيز بن عبد الله بن أحمد الورّاق ، قالا : أنا القاضي أبو الطّيّب طاهر بن عبد الله ، نا أبو أحمد محمد بن أحمد بن الغطريف ، نا أبو خليفة ، نا عبد الله بن أسماء ، عن جويرية (١) ، عن مالك ، عن الزّهري ، عن محمد بن جبير بن مطعم ، عن أبيه أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : لي (٢) خمسة أسماء : أنا محمد وأنا أحمد وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر ، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي ، وأنا العاقب [٥١٢].

تفرد برفعه عن مالك عن (٣) جويرية (١) بن أسماء.

ورواه عبد الله بن وهب ، وبشر بن عمر الزهراني ، ويحيى بن عبد الله بن بكير المصري ، عن مالك مرسلا ، لم يذكروا فيه جبيرا. ورفعه صحيح عن الزّهري ، فقد وصله عنه يونس بن يزيد (٤) ، وشعيب بن أبي حمزة الحمصي ، وسفيان بن عيينة.

فأما حديث يونس : فأخبرناه أبو الوفاء عبد الواحد بن أحمد الشرابي ، أنا أبو طاهر أحمد بن محمود الثقفي ، أنبأ أبو بكر بن المقرئ ، أنا ابن قتيبة ، نا حرملة ، أنا ابن وهب ، أخبرني يونس عن ابن شهاب عن محمد بن جبير بن مطعم ، عن أبيه أن

__________________

(١) عن خع وبالأصل : جويرة.

(٢) انظر دلائل النبوة للبيهقي ١ / ١٥٢ وما بعدها.

(٣) بالأصل وخع «بن» تحريف.

(٤) بالأصل وخع : «بدير» والمثبت عن دلائل البيهقي ١ / ١٥٤.

١٧

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «لي أسماء أنا محمد وأنا أحمد وأنا الماحي الذي يمحو الله به الكفر ، وأنا (١) الحاشر الذي يحشر الناس على قدميّ ، وأنا العاقب الذي (٢) ليس بعده أحد» [٥١٣].

وقد سمّاه (٣) الله رءوفا رحيما (٤).

وأمّا حديث شعيب :

فأخبرناه أبو عبد الله الحسين بن محمد السّمناني (٥) ، وأبو الفضل محمد بن إسماعيل بن الفضيل ، وأبو المحاسن أسعد بن علي بن زياد ، وأبو بكر أحمد بن يحيى بن الحسن الأذرنجاني (٦) ، وأبو الوقت عبد الأول بن عيسى بن شعيب ـ بهراة ـ قالوا : أنا أبو الحسن الداودي ، أنا أبو محمد عبد الله بن أحمد بن حموية (٧) ، أنا أبو عمران عيسى بن عمر بن العبّاس السمرقندي ، أنا أبو محمد عبد الله بن عبد الرّحمن الدارمي ، أنبأ الحكم بن نافع.

وأخبرناه (٨) أبو الفتح نصر الله بن محمد بن عبد القوي الفقيه الأصولي ، أنا أبو منصور بن شكرويه ، نا أحمد بن موسى بن مردويه ، نا أحمد بن محمد بن زياد ، نا عبد الكريم بن الهيثم ، نا أبو اليمان ، أنا شعيب بن أبي حمزة ، عن الزّهري ، أخبرني محمد بن جبير بن مطعم ، عن أبيه قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «إن لي أسماء : أنا محمد ، وأنا أحمد ، وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر ،

__________________

(١) عن خع وبالأصل «فأنا».

(٢) عقب البيهقي بعد ذكره الحديث ١ / ١٥٤ : ويحتمل أن يكون تفسير العاقب ، من قول الزهري كما بينه معمر ، وقد جاء عنده قبل هذا الحديث عن معمر عن الزهري حديثا وبعد ما ذكره ، قال معمر قلت للزهري : وما العاقب؟ قال : الذي ليس بعده نبي.

(٣) قال البيهقي ١ / ١٥٤ وقوله : وقد سماه الله رءوفا رحيما من قول الزهري والله أعلم.

(٤) يشير إلى قوله تعالى في سورة التوبة الآية ١٢٨ (بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ).

(٥) في خع : «السماني» تحريف ، والسمناني بكسر السين وفتح الميم والنون هذه النسبة إلى سمنان وهما قريتان : بلدة من بلاد قومس ، والأخرى من قرى نسا ، ولعله ينتسب إلى هذه القرية.

(٦) بالأصل : «الأدربحاني» وفي خع : «الادريحاني» والمثبت عن المطبوعة السيرة قسم ١ / ١٣.

(٧) مطموسة بالأصل والمثبت عن خع ، والضبط عن تبصير ٢ / ٥١٥.

(٨) بالأصل : فأخبرناه والمثبت عن خع.

١٨

وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدميّ ، وأنا العاقب» [٥١٤] والعاقب الذي ليس بعده أحد (١).

وأمّا حديث ابن عيينة :

فأخبرناه أبو عبد الله محمّد بن الفضل الفراوي (٢) وأبو المظفر عبد المنعم بن عبد الكريم القشيري ، قالا : أنا محمد بن عبد الرّحمن الجنزرودي ، أنا محمد بن أحمد بن حمدان.

وأخبرتنا به أمّ المجتبى فاطمة بنت ناصر العلوية قالت : قرئ على إبراهيم بن منصور السّلمي ، أنا أبو بكر بن المقرئ ، قالا : أنا أبو يعلى الموصلي ، نا أبو خيثمة وإسحاق يعني ابن أبي إسرائيل جميعا ـ زاد ابن المقرئ : واللفظ لأبي خيثمة قالا : ـ نا سفيان ، عن الزّهري سمع محمد بن جبير ـ زاد ابن حمدان : بن مطعم ـ عن أبيه أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «أنا محمد ، وأنا أحمد ، وأنا الماحي الذي يمحى به الكفر ، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على عقبي ، وأنا العاقب» [٥١٥] ـ زاد ابن المقرئ : والعاقب الذي ليس بعده نبي.

وأخبرناه أبو القاسم هبة الله بن محمد ، أنبأنا الحسن (٣) بن علي التميمي ، أنا أحمد بن جعفر القطيعي ، نا عبد الله بن أحمد بن أحمد ، حدثني أبي ، نا سفيان [ح](٤).

وأخبرناه أبو سهل محمد بن إبراهيم ، أنا أبو الفضل عبد الرّحمن بن أحمد المقرئ ، أنا جعفر بن عبد الله بن يعقوب ، نا محمد بن هارون الرّوياني ح.

وأخبرناه أبو علي أحمد بن سعد بن علي العجلي الهمداني ـ ببغداد ـ أنا أبو الفرج علي بن محمد بن عبد الحميد البجلي ، أنا أحمد بن علي بن لال ، نا أبو سعيد

__________________

(١) انظر البخاري ٦١ كتاب المناقب (١٧) باب ما جاء في أسماء النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فتح الفتح ٦ / ٥٥٤ ، وانظر الدارمي ٢ / ٣١٧ الرقاق باب في أسماء النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(٢) الأصل وخع : الفزاري ، والمثبت عن المطبوعة السيرة قسم ١ / ١٣.

(٣) عن المطبوعة ، وبالأصل وخع : «الحشري».

(٤) الزيادة عن خع.

١٩

أحمد بن زياد بن الأعرابي ح.

وأخبرناه خالي أبو المعالي محمد بن يحيى القرشي قاضي دمشق ، أنا أبو الحسن علي بن الحسن بن الحسين ، أنا عبد الرّحمن بن عمر بن النحاس ، نا أبو سعيد بن الأعرابي ح.

وأخبرناه أبو الفتح يوسف بن عبد الواحد بن محمد الماهاني (١) ، أنا أبو منصور شجاع بن علي المصقلي (٢) ، أنا أبو عبد الله (٣) محمد بن إسحاق بن مندة ، أنا أحمد بن محمد بن زياد.

قالا : نا الحسن بن محمد ـ زاد ابن مندة : بن الصباح ، ثنا سفيان بن عيينة :

وأخبرناه أبو سهل بن سعدوية ، أنا أبو الفضل الرازي ، أنا أحمد بن إبراهيم بن فراس ، نا محمد بن إبراهيم الدّيبلي ، نا سعيد بن عبد الرّحمن المخزومي ، نا سفيان ، عن الزّهري ، عن محمد بن جبير بن مطعم ، عن أبيه ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : ـ وفي حديث ابن مندة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ـ «إن لي أسماء أنا محمد ، وأنا أحمد ، وأنا الماحي الذي يمحى بي الكفر ، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدميّ ، وأنا العاقب العاقب الذي ليس بعده نبي» [٥١٦].

وفي حديث المخزومي عن محمد قال : قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم سقط منه : «عن أبيه».

وأخبرناه أبو الفتح محمد بن الحسين بن حمزة العلوي ، وأبو المعالي طاهر بن الفضل بن محمد القرشي ، وأبو الفتح محمد بن الموفق بن نيازك (٤) الوكيل ، وأبو بكر أحمد بن يحيى بن الحسن الادربجاني (٥) المعدّل ، وأبو محمد عبد السلام بن أحمد بن إسماعيل المقرئ ، وأبو غزوان محمد بن عبد الله بن عبيد الله المهلّبي الشروطي ـ بهراة ـ قالوا : أنا أبو عاصم الفضيل بن يحيى بن الفضيل

__________________

(١) بفتح الميم والهاء ، هذه النسبة إلى ماهان اسم جدّ.

(٢) هذه النسبة ـ بفتح الميم والقاف ـ إلى مصقلة بن هبيرة.

(٣) بالأصل «أبو علي» والمثبت «أبو عبد الله» عن خع.

(٤) كذا بالأصل وخع وفي المطبوعة : يبارك.

(٥) كذا بالأصل وخع ، وفي المطبوعة : الأذرنجاني.

٢٠