تاريخ مدينة دمشق - ج ١

أبي القاسم علي بن الحسن ابن هبة الله بن عبد الله الشافعي [ ابن عساكر ]

تاريخ مدينة دمشق - ج ١

المؤلف:

أبي القاسم علي بن الحسن ابن هبة الله بن عبد الله الشافعي [ ابن عساكر ]


المحقق: علي شيري
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٠٢
الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٢ الجزء ٣٣ الجزء ٣٤ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١ الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠

١
٢

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

ربّنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا إنك على كل شيء قدير (١).

الحمد لله خالق الأرواح ، وبارىء الأجسام ، وفالق الأصباح ، بالضياء بعد غسق الظلام ، ورازق الطيور والإنس والجن والوحوش والأنعام ، وفاتق السّماء والأرض عن قطر الغمام ، والحبّ ذو العصف والنخل ذات الأكمام ، تبصرة لذوي العقول وتذكرة لأولي الأفهام.

أحمده على تواتر أنعامه بنعمه العظام ، وأستزيده من مزيد مننه الجسام.

وأشهد أن لا إله إلّا الله محيي العظام ، ذو الطّول والعزة والبقاء والجلال والإكرام.

وأشهد أن محمّدا عبده الصّادق الكلام ، الداعي بإذنه إلى اتّباع شريعة الإسلام ، الماحي بنبوّته عبّاد (٢) الأوثان والأصنام ، الماحق برسالته معالم الأنصاب والأزلام ، صلى الله عليه صلاة مقرونة بالمزيد والدّوام ، وعلى آله وأصحابه وأنصاره البررة الكرام ، وأحلّه وإيّاهم بفضله ورحمته دار السّلام ، كما طهّرهم من دنس العيوب ووضر الآثام.

أمّا بعد فإني كنت قد بدأت قديما [بالاعتزام](٣) ، لسؤال من قابلت سؤاله بالامتثال والالتزام ، على جمع (٤) تاريخ لمدينة دمشق أمّ الشام ، حمى الله ربوعها من

__________________

(١) العبارة بأكملها سقطت من مخطوط الخزانة العامة ـ الرباط.

وفي المطبوعة عن إحدى نسخه : «رب أعن ويسّر وسهّل ووفّق».

(٢) في المطبوعة : عبادة الأوثان.

(٣) زيادة عن المطبوعة.

(٤) بالأصل : جمع جمع تاريخ.

٣

الدثور والانقصام ، وسلّم جرعها من كيد قاصد يهمّ بالاختصام ، فيه ذكر من حلها من الأماثل والأعلام. فبدأت به عازما على الإنجاز له والإتمام. فعاقت عن إنجازه وإتمامه عوائق الأيام. من شدوة (١) الخاطر ، وكلال الناظر وتعاقب الآلام ، فصدفت عن العمل فيه برهة من الأعوام. حتى كثر عليّ في إهماله لوم اللوام. وتحشيم من تحشيمه سبب لوجود الاحتشام. وظهر ذكر شروعي فيه حتى خرج عن حدّ الاكتتام ، وانتشر الحديث فيه بين الخواصّ والعوام. وتطلّع إلى مطالعته أولوا النهى وذووا الأحكام ، ورقى خبر جمعي له إلى حضرة الملك القمقام (٢) ، الكامل العادل الزاهد المجاهد المرابط الهمام ، أبي القاسم محمود بن زنكي بن أبي (٣) سنقر ناصر الإمام. أدام الله ظلّ دولته على كافة الأنام ، وأبقاه مسلّما من الأسوأ منصور الأعلام ، منتقما من عداة [المسلمين](٤) الكفرة الطغام ، معظّما لحملة الدين بإظهار الإكرام لهم والاحترام. منعما عليهم بإدرار الإحسان إليهم والإنعام. عافيا عن ذنوب ذوي الإساءات والإجرام ). بانيا للمساجد والمدارس والأسوار ومكاتب الأيتام ، راضيا بأخذ الحلال ورافضا لاكتساب الحطام. آمرا بالمعروف زاجرا عن ارتكاب الحرام ، ناصرا للملهوف وقاهرا للظالم العسوف بالانتقام ، قامعا لأرباب البدع بالإبعاد لهم والإرغام ، خالعا لقلوب الكفرة بالجرأة عليهم والإقدام.

وبلغني تشوقه إلى الاستنجاز له والاستتمام ، ليلمّ بمطالعة ما تيسّر منه بعض الإلمام. فراجعت العمل فيه راجيا للظفر بالتمام ، شاكرا لما ظهر منه من حسن الاهتمام ، مبادرا ما يحول دون المراد من حلول الحمام ، مع كون الكبر مطية (٦) العجز ومظنة الأسقام ، وضعف البصر حائلا دون الإتقان له والإحكام. والله سبحانه وتعالى المعين فيه بلطفه عن بلوغ المرام.

وهو كتاب مشتمل على ذكر من حلّها من أماثل البرية أو اجتاز بها أو بأعمالها من

__________________

(١) كذا بالأصل ، والصواب : شده وهو الشغل كما في اللسان.

(٢) القمقام : القمقام والقماقم من الرجال : السيد الكثير الخير ، الواسع الفضل : اللسان : قمم).

(٣) كذا وفي المطبوعة : آق.

(٤) استدركت عن مخطوط الخزانة العامة بالرباط.

(٥) في المطبوعة : والاجترام.

(٦) في المطبوعة : مظنة العجز ومطية الأسقام.

٤

ذوي الفضل والمزيد من أنبيائها ، وهداتها ، وخلفائها ، وولاتها ، وفقهائها ، وقضاتها ، وعلمائها ، ودرّاتها ، وقرائها ، ونحاتها ، وشعرائها ، ورواتها من أمنائها ، وأبنائها ، وضعفائها ، وثقاتها. وذكر ما لهم من ثناء ومدح. وإثبات ما فيهم من هجاء وقدح. وإيراد ما ذكروه (١) من تعديل وجرح ، وحكاية ما نقل عنهم من جدّ ومزح ، وبعض ما وقع إليّ من رواياتهم. وتعريف ما عرفت من مواليدهم (٢) ووفاتهم.

وبدأت بذكر من اسمه منهم أحمد لأن الابتداء بمن وافق اسمه اسم المصطفى ، ثم ذكرتهم بعد ذلك على ترتيب الحروف مع اعتبار الحرف الثاني والثالث تسهيلا للوقوف ، وكذلك أيضا اعتبرت الحروف في أسماء آبائهم وأجدادهم ، ولم أرتبهم على طبقات أزمانهم أو كثرة أعدادهم وعلى قدر علوهم في الدرجات والرتب ، ولا لشرفهم في الأفعال والنّسب ، وأردفتهم بمن (٣) عرف بكنيته ولم أقف على حقيقة تسميته. ثم ذكر تنسيبه (٤) ، وبمن لم يسم في روايته ، وأتبعتهم بذكر النسوة المذكورات ، والإماء الشواعر المشهورات. وقدمت قبل جميع ذلك جملة من الأخبار في شرف الشام وفضله. وبعض ما حفظ من مناقب سكانه وأهله ، وما خصّوا به دون أهل الأقطار ، وامتازوا به على سائر سكان الأمصار ، ما خلا سكان الحرمين ، وجيران المسجدين المعظّمين ، وبوّبت ذلك جميعه تبويبا ورتبته في مواضعه ترتيبا ، وذلك مبلغ علمي ، وغاية جهدي ، على ما وقع إليّ أو ثبت عندي (٥).

فمن وقف فيه على تقصير أو خلل ، أو غير (٦) ذلك منه على تغيير أو زلل فليعذر أخاه في ذلك متطولا وليصلح منه ما يحتاج إلى إصلاح متفضلا ، فالتقصير من الأوصاف البشريّة ، وليست الإحاطة بالعلم إلّا لبارئ البرية فهو الذي وسع كل شيء علما ، وأحصى مخلوقاته عينا واسما ، ومع ذلك فمن ذكرت [أقل](٧) ممّن أهملت وما أصبت

__________________

(١) كذا ، وفي المجلدة الأولى «ذكروه».

(٢) كذا بالأصل وفي المجلدة الأولى «موالدهم ووفياتهم».

(٣) بالأصل «وأزد فيهم من» والمثبت عن المجلدة الأولى المطبوعة.

(٤) كذا بالأصل وعلى هامشه كتب مصححه : «لعل : نسبته» وفي المجلدة الأولى المطبوعة : ثم بمن ذكر بنسبته.

(٥) بالأصل «عند».

(٦) كذا بالأصل ، والعبارة في المطبوعة المجلدة الأولى : أو عثر فيه على تغيير.

(٧) سقط من الأصل ، زيدت عن المجلدة الأولى.

٥

في ذكره أكثر مما أغفلت. وليس يخلو من فائدة من الفوائد المستفادة ، وذكر حكاية من الحكايات (١) المستحسنة المستجادة ، لما جمعه من الأخبار الجامعة وانطوى عليه من الآثار اللامعة ، وحواه من الأذكار النافعة ، وتضمّنه من الأشعار الرائعة مما يرغب في حسنه الراغب ، ويستفيد لعزته وجودته الطالب ، والله سبحانه وتعالى ييسّر جمعه على من جمعه ، وينفع به من رواه ومن سمعه إنه جدير بإجابتي ، قدير على تحقيق رجائي ، وهو وليّ كل خير ، ودافع كل سوء وضير. والهادي في القول لصوابه ، ولا حول ولا قوة إلا به.

__________________

(١) عن المجلدة الأولى وتهذيب ابن عساكر ، وبالأصل «الحكاية».

٦

باب

في ذكر أصل اشتقاق تسمية الشام

عن العالمين بالنقل والعارفين بأصول الكلام

أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الباقي بن محمد بن عبد الله الأنصاري السّلمي ـ بقراءتي عليه ببغداد ـ قال : أخبرنا أبو محمد الحسين بن محمد بن عبد الله الجوهري أنا أبو عمر بن العباس بن حيوية ، أنا أبو الحسين أحمد بن معروف بن بشر بن موسى الخشاب ، أنا أبو محمد بن حارث بن أبي أسامة ، أنا أبو عبد الله محمد بن سعد ، أنبأنا هشام بن محمد عن أبيه قال : كان الذي عقد لهم ـ يعني ولد نوح عليه‌السلام ـ الألوية ببابل لوناطن (١) بن نوح فنزل بنو سام المجدل سرّة الأرض ، فيما بين ساتيدما (٢) إلى البحر وما بين اليمن إلى الشام وجعل الله النبوة والكتّاب والجمال والأدمة والبياض فيهم. ونزل بنو حام مجرى الجنوب ، والدبور ، ويقال لتلك الناحية الداروم ، وجعل الله [تعالى](٣) فيهم أدمة وبياضا قليلا ، وأعمر بلادهم وسماءهم ، ورفع عنهم الطاعون ، وجعل في أرضهم الأثل والأراك والعشر والغاف (٤) والنخل ، وحرت الشمس والقمر في

__________________

(١) في الطبري : يوناظر.

(٢) ساتيدما : قال العمراني : هو جبل بالهند لا يعدم ثلجه أبدا. وقال غيره : جبل بين ميافارقين وسعرت.

وقيل : هو الجبل المحيط بالأرض ، واستبعد ياقوت قول العمراني.

(٣) عن هامش الأصل ، وسقطت من المطبوعة المجلدة الأولى أيضا.

(٤) الأثل : شجر يشبه الطرفاء إلّا أنه أعظم منه وأكرم وأجود عودا ، تسوّى به الأقداح الصفر الجياد.

والأراك : شجر معروف ، وهو شجر السواك يستاك بفروعه.

والعشر : شجر له صمغ وفيه حراق مثل القطن يقتدح به ، صمغه حلو.

والغاف : شجر عظام تنبت في الرمل مع الأراك وتعظم ، وورقه أصغر من ورق التفاح. (انظر اللسان : أثل ـ أرك ـ عشر ـ غوف).

٧

سمائهم ، ونزل بنو يافث الصّفون تجري الشام والصبا ، وفيهم الشقرة والحمرة وأخلا الله تعالى أرضهم فاشتد بردها ، وأجلا سماءها فليس يجري فوقهم شيء من النجوم السبعة الجارية لأنهم صاروا تحت بنات نعش والجدي والفرقد وابتلوا بالطاعون. ثم لحقت عاد بالشحر فعليه هلكوا بواد يقال له مغيث ، فلحقت بعدهم مهرة بالشحر ، ولحقت عبيل بموضع يثرب ، ولحقت العماليق بصنعاء قبل أن تسمى صنعاء. ثم انحدر بعضهم إلى يثرب فأخرجوا منها عبيلا فنزلوا موضع الجحفة (١) فأقبل سيل فاجتحفهم فذهب بهم فسميت الجحفة ، ولحقت ثمود بالحجر وما يليه فهلكوا ، ثم لحقت طسم وجديس باليمامة ، وإنما سميت اليمامة بامرأة منهم ، فهلكوا ولحقت أميم بأرض أبار فهلكوا بها ، وهي يمين اليمامة والشحر لا يصل إليها اليوم أحد ، غلبت عليها الجن. وإنما سمّيت أبار بأبار بن أميم. ولحقت بنو يقطن بن عابر باليمن فسميت اليمن حيث تناهوا إليها ولحق قوم من بني كنعان بن حام (٢) بالشام فسميت بالشام حيث تشاءموا إليها. وكانت الشام يقال لها أرض بني كنعان. ثم جاءت بنو إسرائيل فقتلوهم بها [ونفوهم عنها ، فكانت الشام لبني إسرائيل. ووثبت الروم على بني إسرائيل فقتلوهم](٣) وأجلوهم إلى العراق إلّا قليلا منهم. وجاءت العرب فغلبوا على الشام.

وكان فالغ ، وكان فالغ (٤) بن عابر بن شالح بن ارفخشد بن سام بن نوح ، هو الذي قسم الأرض بين بني نوح كما (٥) سمينا في الكتاب.

قال : ويقطن هو قحطان بن عابر بن شالخ. وطسم وأميم وعمليق ، وهو غريب ، بنو لوذ بن سام بن نوح ، وثمود وجديس ابنا حاثر بن أرم بن سام بن نوح ، وعاد وعبيل ابنا عوص بن ارم بن سام بن نوح والروم بنو السقطان بن ثوبان بن يافث بن نوح عليه‌السلام.

أخبرنا أبو القاسم إسماعيل بن أحمد بن عمر بن أبي الأشعث السمرقندي

__________________

(١) الجحفة بالضم ثم السكون ، كانت قرية كبيرة على طريق المدينة من مكة على أربع مراحل ، وسميت الجحفة لأن السيل اجتحفها وحمل أهلها في بعض الأعوام.

(٢) بالأصل «حازم».

(٣) ما بين معكوفتين سقط من الأصل ، واستدرك عن الطبري ١ / ٢٠٩.

(٤) بالأصل «فانح» والمثبت موافق لما في المطبوعة. وكان فالغ ، كذا مكرر بالأصل.

(٥) عن الطبري ١ / ٢٠٩ ومخطوط الخزانة العامة بالرباط ، وبالأصل «فما».

٨

الحافظ ـ بقراءتي عليه ، ببغداد ـ قال : أنا أبو بكر محمد بن هبة الله بن الحسن بن منصور بن اللالكائي ، أنا أبو الحسين محمد بن محمد بن منصور بن الفضل المتوتي القطان ، أنا أبو محمد عبد الله بن جعفر بن درستويه النحوي ، أنا أبو يوسف يعقوب بن سفيان بن جوان الفسوي (١) قال : حدّثت عن الأصمعي ، عن النّمر بن هلاك ، عن قتادة ، عن أبي الخلد (٢) قال : الأرض أربعة وعشرون ألف فرسخا (٣) منها ألف فرسخ للعرب ، ولسائر الناس البقية.

أخبرنا أبو غالب أحمد بن الحسين بن أحمد بن عبد الله بن البنا ـ ببغداد ـ أنا أبو يعلى محمد بن الحسين بن محمد بن الفرا ، أنبأنا أبو القاسم إسماعيل بن سعيد بن سويد المعدّل قراءة عليه قال : قال أبو بكر محمد بن القاسم بن الأنباري : والشام فيه وجهان يجوز أن يكون مأخوذا من اليد الشؤمى وهي اليسرى ، وقال الشاعر :

وانحى على شؤمى يديه فرادها

بأظمأ من فرع الذّوابة أسحما (٤)

ويجوز أن يكون فعلى من الشؤم.

قال : ويقال : أنجد أتى نجدا ، وأعرق دخل العراق ، وأعمن أتى عمان ، وقد أشأم أتى إلى الشام ، وبصّر وكوّف ، وأمّن ويامن إذا أتى اليمن.

دفع إليّ أبو الفضل محمّد بن ناصر بن محمد بن علي بن محمّد بن عمر الحافظ الأديب البغدادي ببغداد كتاب «اشتقاق أسماء البلدان» لأبي الحسين محمد بن فارس بن زكريا اللغوي ـ وعليه خطه ـ فوجدت فيه : قال أبو الحسين بن فارس : أما الشام فهو فعل من اليد الشؤمى ، وهي اليسرى ، ويقال أخذ شآمة أي على يساره ، وشأمت القوم ذهبت على شمالهم. وقال قوم : هو من شوم الإبل وهو سودها ، وحضارها هي البيض قال أبو ذؤيب :

__________________

(١) الفسوي : بفتح الفاء ، والسين نسبة إلى فسا وهي بلدة من بلاد فارس يقال لها : بسا.

(٢) في المختصر ١ / ٤١ «أبو الجلد».

(٣) كذا بالأصل ، والصواب : فرسخ.

(٤) البيت للأعشى ديوانه ط بيروت ص ١٨٨ ، من قصيدة مطلعها :

ألم خيال من قتيلة بعد ما

وهي حبلها من حبلنا فتصرما

وفي الديوان : فذادها بدل فرادها. والبيت في اللسان «شأم» منسوبا للقطامي.

٩

فما تشتري إلّا بربح سباؤها

بنات المخاض شومها وحصارها (١)

وفي كتاب الله جل ثناؤه في المعنى الأول (وَأَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ)(٢). ثم قال الأعشى :

وأنحى على شؤمى يديها فرادها

بأظمأ من فرع الذوابة أسحما

ويقال شام وشآم.

قال النابغة : قال :

على أثر الأدلة والبغايا

وخفق الناعجات من الشآم (٣)

ورجل شأم من أهل الشام. قال ابن فارس : وسميت اليمن لأنها على يمين الكعبة.

قرأت بخط شيخنا أبي الفرج غيث بن علي بن عبد السلام بن محمد بن جعفر الشرخي الصّوري المعروف بابن الأرمنازي الخطيب قال : نقلت من كتاب فيه (٤) أخبار الكعبة وفضائلها وأسماء المدن والبلدان عن الواقدي والمدائني وابن المقفع.

قال ابن المقفع : سميت الشام بسام بن نوح. وسام اسمه بالسريانية شام ، وبالعبرانية شيم وقال الكلبي : سميت بشامات لها حمر وسود وبيض. ولم ينزلها سام قط. وقال غيره : سميت الشام لأنها عن شمال الأرض كما أن اليمن أيمن الأرض. فقالوا : تشامّ الذين نزلوا الشام ، وتيمّن الذين نزلوا اليمن ، كما تقول أخذت يمنة أي ذات اليمين ، وشآمة أي ذات الشمال. وقال بعض الرواة : إن اسم الشام الأول سورية وكانت أرض بني إسرائيل قسمت على اثني عشر سهما فصار لكل قسم تسعة أسباط ونصف ، في مدينة يقال له سامر (٥) وهي من أرض فلسطين ، فسار إليها متجر العرب في ذلك الدهر ، ومنها كانت ميرتهم ، فسموا الشام بسام بن نمر (٦) حذفوا فقالوا : الشام.

__________________

(١) شرح أشعار الهذليين ١ / ٧٤ برواية : شيمها وحضارها. قال أبو عمرو : شيمها : سودها.

(٢) سورة الواقعة الآية ٩.

(٣) ديوان النابغة الذبياني ط بيروت ص ١١٤ برواية : «وخفف الناجيات» يعني سير الإبل المسرعات.

والناعجات من الإبل : البيض الكريمة (قاله في اللسان).

(٤) بالأصل «الله» وما أثبت يوافق.

(٥) كذا بالأصل ومخطوط الخزانة العامة بالرباط ، وفي المطبوعة المجلدة الأولى ابن عساكر : شاموش.

(٦) كذا بالأصل ومخطوط الخزانة العامة بالرباط ، وفي المجلدة الأولى من ابن عساكر المطبوع : نوح.

١٠

باب

تاريخ بناء مدينة دمشق ومعرفة من بناها

وحكاية الأقوال في ذلك تسليما لمن حكاها :

قرأت على أبي محمد عبد الكريم بن حمزة بن الخضر بن العباس السليم الحداد المعروف بأخي سلمان بدمشق ، عن أبي محمد عبد العزيز بن أحمد بن محمّد التميمي ، أنبأنا تمام بن محمد الرّازي أنا أبو بكر أحمد بن عبد الله بن الفرج الدمشقي ، أنا أبو بكر محمد بن أيّوب بن إسحاق الرافقي ، نا محمد بن خضر ـ يعني ـ ابن علي الرافقي (١) نا أبو وهب ـ يعني ـ الوليد بن عبد الملك بن مسرج نا سليمان بن عطاء ، عن سلمة بن عبد الله الجهني ، عن كعب قال : أول حائط وضع على وجه الأرض بعد الطوفان حائط حرّان (٢) ودمشق ثم بابل (٣).

قرأت على أبي سعيد خلف بن إسماعيل بن أحمد الدمشقي بدمشق ، عن عبد العزيز بن أحمد بن محمد الكتاني ، أنا مكي بن محمد بن الغمر ، أنا [أبو](٤) سليمان بن زبر أنا أبي قال : وذكر أبو الحسن ـ يعني ـ المدائني ، عن إسحاق بن أيوب القرشي : أن جيرون (٥) من بناء سليمان بن داود بنته الشياطين ، وكان الشيطان الذي بناه يدعى جيرون (٦) ، وبنى سقيفة مستطيلة على عمد ، وسقائف على عمد وحوله مدينة

__________________

(١) عن مخطوط الخزانة العامة ، وبالأصل «الرائقي».

(٢) حران : قرية بالجزيرة على طريق الموصل والشام والروم ، بينها وبين الرها يوم وبينها وبين الرقة يومان.

(٣) بالأصل ومخطوط الخزانة العامة «ابل» والمثبت عن المجلدة الأولى من مطبوعة ابن عساكر.

(٤) سقطت من الأصل ، واستدركت عن هامش الأصل ومخطوطة الخزانة العامة.

(٥) بالأصل ومخطوطة الخزانة العامة «خيرون بن سليمان» والمثبت عن مختصر تاريخ دمشق لابن منظور ١ / ٤٣.

(٦) عن مختصر ابن منظور والمجلدة الأولى من مطبوعة ابن عساكر ، وبالأصل «خيروز» وفي مخطوط الخزانة العامة «خيرون».

١١

لطيفة [تطيف](١) بجيرون.

قرأت بخط أبي محمد عبد الرحمن بن أحمد بن علي بن عمر بن صابر شيخنا فيما ذكر أنه نقله من خط أبي الحسين محمد بن عبد الله الرازي ، أنا أبو إسحاق إبراهيم بن يوسف بن خالد الهسنجاني (٢) نا مخلد بن مالك الحرّاني (٣) ، نا (٤) عثمان بن عبد الرحمن الطرائفي (٥) ، عن يونس بن راشد ، عن خصيف قال : لما هبط نوح من السفينة وأشرف من جبل حسمى (٦) رأى تلّ (٧) حران بين نهرين : [جلاب وديصان](٨) فأتى حران فخطها [ثم أتى](٩) دمشق فخطها فكانت حرّان أول مدينة خطت بعد الطوفان ثم دمشق.

قال الرازي : وقال أبو القاسم عبيد الله بن عبد الله بن خرداذبه في كتاب التاريخ ، وحكاه عن غيره : أن أصحاب الرسّ كانوا (١٠) بحضور ، فبعث [الله](١١) إليهم نبيّا يقال له حنظلة بن صفوان فكذّبوه وقتلوه ، فسار عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح بولده بالرس (١٢) فنزل الأحقاف ، وأهلك الله تعالى أصحاب الرسّ وانتسبوا (١٣) ولد عاد في

__________________

(١) زيادة استدركت عن مختصر ابن منظور ، وبالأصل «بجيرن» والتصويب عن مختصر ابن منظور.

(٢) بالأصل ومخطوطة الخزانة العامة «الهيجاني» ، والمثبت والضبط عن الأنساب الهسنجاني ، وهذه النسبة إلى قرية من قرى الري هسنكان ، فعرب إلى هسنجان. واللفظة سقطت من المجلدة الأولى من مطبوعة ابن عساكر.

(٣) عن المجلدة الأولى ، وبالأصل ومخطوطة الخزانة العامة «احرانى».

(٤) عن مخطوطة الخزانة العامة ، وبالأصل «بن».

(٥) عن مخطوطة الخزانة العامة ، وبالأصل «الطرافقي» تحريف.

(٦) بالأصل ومخطوطة الخزانة العامة «حسما» والمثبت عن معجم البلدان. وفيه : حسمى أرض ببادية الشام قرب تبوك.

(٧) عن مختصر ابن منظور وبالأصل «أبي بكر».

(٨) الزيادة عن مختصر ابن منظور ، وفي المجلدة الأولى من ابن عساكر : حلان وديصان وفي الأصل والمخطوطة الخزانة العامة «حيران» بدل «حران».

(٩) زيادة عن مختصر ابن منظور.

(١٠) بالأصل ومخطوطة الخزانة العامة «كان» وحضور : بلدة باليمن من أعمال زبيد.

(١١) سقطت من الأصل واستدركت عن مخطوطة الخزانة العامة بالرباط.

(١٢) كذا بالأصل ومخطوطة الخزانة العامة ، وفي مختصر ابن منظور «من الرسّ» وهو الصواب.

(١٣) كذا بالأصل ومخطوطة الخزانة العامة ، وفي مختصر ابن منظور : «وانتشر» وفي المجلدة الأولى من ابن عساكر «وظهر».

١٢

اليمن كله ، وفشوا مع ذلك في الأرض حتى نزل جيرون بن سعد بن عاد بن عوص بدمشق وهي مدينتها ، وسمّاها جيرون وهي إرم ذات العماد ، وليس أعمدة الحجارة في موضع أكثر منها بدمشق. فبعث الله تعالى هود بن عبد الله بن رباح بن خالد بن الخلود (١) بن عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح نبيّا إلى عاد يعني إلى أولاد عاد بالأحقاف فكذبوه فأهلكهم الله تعالى.

قال أبو الحسن : وقرأت في بعض الكتب أن جيرون ويدبل (٢) كانا أخوين وهما ابنا سعد بن لقمان بن عاد ، وهما اللذان يعرف جيرون وباب البريد بدمشق بهما.

قال : نا أبو الحسين أخبرني أحمد بن حميد بن أبي العجائز قال : قال منصور بن يحيى بن سعيد الموصلي : المدن القديمة : الكعبة ومصر ودمشق والجزيرة والأبلّة ونينوى وحرّان والسوس الأقصى (٣).

قال : وأخبرني أبو القاسم أيوب بن سليمان بن ابنة الرازي ، نا أبو بكر عبد الله بن محمد بن أبي الدنيا ـ بسامرة ـ حدثنا محمد بن يحيى ، نا أحمد بن هارون ، نا خالد بن يزيد بن أسد بن عبد الله القشيري الدمشقي ، نا سعيد بن الحرث بن ميمون الصّنعاني :

عن وهب بن منبّه قال : ودمشق بناها العادر (٤) غلام إبراهيم الخليل وكان حبشيّا وهبه له نمرود (٥) بن كنعان حين خرج إبراهيم من النار ، وكان اسم الغلام دمشق ، فسمّاها على اسمه ، وذلك بعد الغرق. وكان إبراهيم صلى‌الله‌عليه‌وسلم جعله على كل شيء ، وسكنها الروم بعد ذلك بزمان.

قال أبو الحسين الرازي : وحدث في الكتاب الذي سمّاه أبو عبيدة محمّد بن

__________________

(١) في مختصر ابن منظور : الجلود.

(٢) كذا بالأصل ومخطوطة الخزانة العامة ، وفي مختصر ابن منظور ، والمجلدة الأولى من ابن عساكر المطبوع «بريد».

(٣) بالأصل «والسوس والأقصى» والسوس : بلدة بالمغرب ، والأبلّة : بلدة على شاطئ دجلة البصرة العظمى في زاوية الخليج الذي يدخل إلى مدينة البصرة.

ونينوى : قرية بالموصل.

(٤) في مختصر ابن منظور : العازر.

(٥) في مخطوطة الخزانة العامة الرباط بإعجام الذال.

١٣

المثنّى كتاب «فضائل الرس» (١) وحكاه عن عمر المعروف بعمر كسرى أن بيواراسب الملك الكيرواني (٢) بنى مدينة بابل ، ومدينة صور ومدينة دمشق.

قال أبو الحسين وحكى الدمشقيّون ـ ولم يقع إليّ إسناده ـ.

قالوا : كان في زمان معاوية بن أبي سفيان رجل صالح بدمشق من المعوزين (٣) وكان يقصده الخضر عليه‌السلام في أوقات يأتيه فيها فبلغ معاوية بن أبي سفيان ذلك. فجاء إليه راجلا فقال له : بلغني أن الخضر ينقطع إليك ، فأحبّ أن تجمع بيني وبينه عندك فقال له : نعم فجاءه الخضر على الرسم ، فسأله الرجل ذلك فأبى عليه وقال : ليس إلى ذلك سبيل. فعرّف الرجل ذلك إلى معاوية فقال : قل له : قد قعدنا مع من هو خير منك وحدّثناه وخاطبناه وهو محمّد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ولكن اسأله عن ابتداء [بناء](٤) دمشق كيف كان فقال : نعم صرت إليها رأيت موضعها بحرا مستجمعا فيه المياه ثم غبت عنها خمسمائة سنة ، ثم صرت إليها فرأيتها غيضة ، ثمّ غبت عنها خمسمائة سنة ، ثم صرت إليها فرأيتها بحرا كعادتها الأولى ، ثم غبت عنها خمسمائة عام وصرت إليها فرأيتها قد ابتدأ فيها البناء ونفر يسير فيها.

أخبرنا أبو القاسم إسماعيل بن أحمد بن عمر بن السمرقندي الحافظ ، نا أبو الحسين أحمد بن محمد بن النّقّور ، أنا أبو طاهر محمد بن عبد الرحمن المخلّص ، أنبأنا أبو بكر أحمد بن عبد الله بن سيف السّجستاني ، أنا أبو عبيد السري بن يحيى التميمي [أنا](٥) شعيب بن إبراهيم التميمي [نا سيف بن عمر التميمي](٦) الأسدي.

قال : وأما فارس والروم فإنهم لم يزالوا في ملك منظور مذ بادىء الدهر حتى بعث الله رسوله عليه الصلاة والسّلام فجمع له ملك الأشدّين إلى ملك العرب ، وملك من

__________________

(١) كذا بالأصل ومخطوطة الخزانة العامة ، وفي المجلدة الأولى من ابن عساكر المطبوع : الفرس.

(٢) كذا بالأصل ، وفي مخطوط الخزانة العامة «الكرواني» وفي مختصر ابن منظور ١ / ٤٤ والمجلدة الأولى من ابن عساكر المطبوع : «الكيوناني».

(٣) في مخطوطة الخزانة العامة : «المستورين».

(٤) سقطت من الأصل ، واستدركت فوق السطر فوق لفظة دمشق ، واللفظة مثبتة في مخطوطة الخزانة العامة.

(٥) ما بين معكوفتين سقط من الأصل ومخطوطة الخزانة العامة واستدركت عن المجلدة الأولى من ابن عساكر ١ / ١٢ وفيها «الأسيدي» بدل الأسدي.

(٦) ما بين معكوفتين سقط من الأصل ومخطوطة الخزانة العامة واستدركت عن المجلدة الأولى من ابن عساكر ١ / ١٢ وفيها «الأسيدي» بدل الأسدي.

١٤

الروم عشرة أهل أبيات فأوّل بيوتاتهم (١) ملك بالغ وبنوه ، في زمان بالغ صنع ماء الذهب ، ثم خرج منهم الملك إلى تمنع فمكث فيهم يسيرا ثم خرج منهم إلى علوي ، فمكث فيهم قليلا ثم خرج منهم إلى تبيت ثم خرج منهم إلى اهليما ثم صار بعده إلى إيليا وبه سميت إيلياء ثم تحول الملك إلى يمين فملك من ولده فترك ثم مبصر ثم جيرون وهو الذي نزل بدمشق وبه سمي باب جيرون. ثم ملك بعدهم مهاطيل وتحول (٢) الملك إليه وتزوج إلى النوبة (٣) فولد له الأصفر وكان الملك فيهم ، ثم انقرضوا فتحول إلى صيفون ومنهم القياصر فملك بعد قيصر هرقل وكان آخر بني هرقل الأخرم.

قرأت بخط شيخنا أبو الفرج غيث بن علي الصوري فيما ذكر أن نقله من كتاب فيه أخبار الكعبة وفضائلها وأسماء المدن والبلدان وأخبارها. قال أبو البختري : ولد إبراهيم عليه‌السلام على رأس ثلاثة آلاف ومائة وخمسين (٤) سنة من جملة الدهر الذي هو سبعة آلاف سنة. قال : وذلك بعد بنيان دمشق بخمس سنين. وهي جيرون عند باب مدينة دمشق من بناء سليمان بنته الشياطين ، وكان الشيطان الذي بناه يقال له جيرون فسمي به ، وهي سقيفة مستطيلة على عمد ، وحوله مدينة تطيف بجيرون.

وقيل : إن دمشق بناها دمشقيين (٥) غلام كان مع الإسكندرية.

وبلغني من وجه آخر أنه لما رجع ذو القرنين من المشرق وعمل السّدّ بين أهل خراسان وبين يأجوج ومأجوج وسار يريد المغرب ، فلما أن بلغ الشام وصعد على عقبة دمّر (٦) ابصر هذا الموضع الذي فيه اليوم مدينة دمشق. وكان هذا الوادي الذي يجري فيه نهر دمشق غيضة أرز. والأرزة التي وقعت في سنة ثلاثمائة وثلاث عشرة من بقايا تلك الغيضة. فلما نظر ذو القرنين إلى تلك الغيظة وكان هذا الماء ـ الذي في هذه الأنهار اليوم مفترق ـ مجتمعا في واد (٧) واحد. فأخذ الاسكندر وهو ذو القرنين يتفكر كيف يبني

__________________

(١) في مخطوطة الخزانة العامة : بنيانهم.

(٢) عن المجلدة الأولى من مطبوعة ابن عساكر ، وبالأصل ومخطوطة الخزانة العامة «ونحو».

(٣) بالأصل ومخطوطة الخزانة العامة «النبوة» والمثبت عن المجلدة الأولى.

(٤) في ياقوت : ومائة وخمس وأربعين سنة.

(٥) كذا بالأصل ومخطوطة الخزانة العامة. وفي مختصر ابن منظور : دمسقس.

(٦) دمّر : عقبة دمر مشرفة على غوطة دمشق ، وهي من جهة الشمال في طريق بعلبك.

(٧) بالأصل «وادي».

١٥

فيه مدينة. وكان أكثر فكره وتعجبه أنه نظر إلى جبل يدور بذلك الموضع وبالغيظة كلها. فكان له غلام يقال له دمشقيين (١) على جميع ملكه. ولما نزل ذو القرنين من عقبة دمّر سار حتى نزل في موضع القرية المعروفة بيلدا (٢) من دمشق على ثلاثة أميال فلما نزل ذو القرنين أمر أن يحفر له في ذلك الموضع حفرة ، فلما فعلوا ذلك أمر أن يردّ التراب الذي خرج (٣) منها إليها ، فلما ردّ التراب إليها لم تمتلئ الحفيرة فقال لغلامه دمشقيين (٤) : ارحل فإني كنت قد نويت أني أؤسس في هذا الموضع مدينة. فأمّا إذ بان لي منه هذا فلا يصلح أن يكون هاهنا مدينة. فقال له غلامه : ولم يا مولاي؟ قال ذو القرنين : إن بني هاهنا مدينة في هذا الموضع فإنها ما تكون تكفي أهلها زرعها.

قال المصنف للكتاب : وعلامة ذلك أن أهل غوطة دمشق لا تكفيهم غلّاتهم حتى يشتروا لهم من المدينة. وأن ذو القرنين رحل من هناك سائرا حتى صار إلى البثنيّة (٥) وحوران وأشرف على تلك البقعة (٦) ونظر إلى تلك التربة الحمراء ، فأمر أن يناول من ذلك (٧) التراب فلما صار في يده أعجبه لأنه نظر إلى تربة حمراء كأنها الزعفران ، فأمر أن ينزل هناك. فلما نزل ، أمر أن يحفر في ذلك الموضع حفيرة ، فلما حفر أمر أن يردّ ذلك التراب الذي حفر إلى المكان الذي أخرج منه ، فردّوه ففضل منه تراب كثير. فقال ذو القرنين لغلامه دمشقيين (٨) : ارجع إلى الموضع الذي فيه الأرز ، إلى ذلك الوادي ، فاقطع ذلك الشجر وابن على حافة الوادي مدينة وسمّها «دمشق» على اسمك ، فهناك يصلح أن يكون مدينة ، وهذا الموضع بحرها (٩) ومنه ميرتها يعني البثنية وحوران ، فرجع

__________________

(١ و ٤ و ٧) كذا ، وفي مخطوطة الخزانة العامة «دمشقين» وفي مختصر ابن منظور : «دمسقس» وفي المجلدة الأولى من ابن عساكر المطبوع : دمشقش.

(٢) يلدا : في ياقوت : يلدان ، من قرى دمشق. ثم ذكر حديث ابن أبي العجائز وفيه يلدا ـ كالأصل ـ ثم قال : كذا هي في الحديث بغير نون ، لا أدري أهما واحد أم اثنان.

(٣) الأصل ومخطوطة الخزانة العامة ، وفي مختصر ابن منظور ١ / ٤٥ أخرج.

(٥) البثنية : بالتحريك وياء مشددة ، يقال : بثنة وبثنية ، اسم ناحية من نواحي دمشق ، وقيل قرية بين دمشق وأذرعات.

وحوران : كورة واسعة من أعمال دمشق من جهة القبلة ، ذات قرى كثيرة ومزارع وحرار.

(٦) في مخطوطة الخزانة العامة : «البيعة» وفي مختصر ابن منظور ١ / ٤٥ والمجلدة الأولى من ابن عساكر المطبوع ص ١٤ «السّعة».

(٨) بالأصل «تلك» والمثبت عن مخطوطة الخزانة العامة.

(٩) البحر : الريف ، والعرب تسمي المدن والقرى بحارا (اللسان : بحر).

١٦

دمشقيين (١) ورسم المدينة وبناها وعمل لها حصنا. والمدينة التي كانت رسم دمشقيين هي المدينة الداخلة ، وعمل لها ثلاثة أبواب : [جيرون مع ثلاثة أبواب](٢) البريد مع باب الحديد الذي في سوق الأساكفة ، مع باب الفراديس الداخلة. هذه كانت المدينة. إذا أغلقت هذه الأبواب فقد أغلقت المدينة. وخارج هذه الأبواب كان مرعى. فبناها دمشق (٣) وسكنها ومات فيها وكان قد بنى هذا الموضع الذي هو المسجد الجامع اليوم كنيسة يعبد الله تعالى فيها إلى أن مات.

وبلغني من وجه آخر ، عن بعضهم : أن الذي بنى دمشق بناها على الكواكب السبعة ، وأن المشتري بيته دمشق ، وجعل لها سبعة أبواب وصوّر على كل باب أحد الكواكب السبعة وصوّر (٤) على الباب الذي يقال له اليوم باب كيسان زحل ، فخربت الصور كلها التي كانت على الأبواب إلّا باب كيسان ، فإن صورة زحل عليه باقية إلى السّاعة.

أنبأنا الشريف أبو القاسم علي بن إبراهيم بن العباس الخطيب المعروف بالنسيب ، وأبو محمّد هبة الله بن محمّد بن أحمد الأكفاني الأنصاري المزكّي قالا : حدثنا أبو محمّد عبد العزيز بن أحمد بن محمّد بن أحمد بن محمد التميمي ، أخبرني أبو القاسم تمّام بن محمد الرازي قال : قرأت في كتاب عتيق : بباب كيسان لزحل ، باب شرقي الشمس ، باب توما للزهرة ، باب الصغير للمشتري ، باب الجابية للمرّيخ ، باب الفراديس لعطارد ، باب الفراديس الآخر المسدد (٥) للقمر.

قرأت بخط أبي الحسين الرازي : حدثني أبو الفضل أحمد بن منده بن محمد بن يحيى حدثني أبي نا أبي عبد الله يحيى بن حمزة قال : قدم عبد الله بن علي دمشق وحاصر أهلها ، فلما دخلها هدم سورها فوقع منها حجر كان عليه مكتوب باليونانية ، فأرسلوا خلف راهب فقالوا : تقرأ ما عليه؟ فقال : جيئوني بقير فطبعه على الحجر ، فإذا

__________________

(١) كذا ، وفي مخطوطة الخزانة العامة «دمشقين» وفي مختصر ابن منظور : «دمسقس» وفي المجلدة الأولى من ابن عساكر المطبوع : دمشقش.

(٢) ما بين معكوفتين سقط من الأصل واستدرك عن مخطوطة الخزانة العامة ، والعبارة في مختصر ابن منظور.

(٣) كذا بالأصل هنا ، وقد تقدم ما فيه.

(٤) غير واضحة بالأصل ، والمثبت عن مخطوطة الخزانة العامة.

(٥) الأصل ومخطوطة الخزانة العامة ، وفي مختصر ابن منظور والمجلدة الأولى من ابن عساكر : المسدود.

١٧

عليه مكتوب : ويك إرم الجبابرة ، من رامك بسوء قصمه الله. إذا وهى منك جيرون الغربي من باب البريد ، ويلك من الخمسة أعين ، نقض سورك (١) على يديه بعد أربعة آلاف سنة تعيشين رغدا ، فإذا وحى منك جيرون الشرقي أديل لك (٢) ممن يعرض لك.

قال فوجدنا الخمسة أعين : عبد الله بن علي بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب (٣) ، عين بن عين بن عين بن عين (٤).

قرأت على أبي محمد عبد الكريم بن حمزة بن الخضر ، عن عبد العزيز بن أحمد الكتاني ، أنبأنا تمّام بن محمد الرازي ، أنبأنا أبو بكر أحمد بن الفرج عبد الله بن الفرج بن البراي (٥) حدثني محمد بن سعيد بن فطيس ، نا إبراهيم بن عتيق ، سمعت أبا مسهر يقول إن ملك دمشق بنى حصن دمشق الذي حول المسجد داخل المدينة على مسحة مسجد بيت المقدس. وحمل أبواب بيت المقدس فوضعها على أبوابه. فهذه الأبواب التي على الحصن هي أبواب مسجد بيت المقدس.

__________________

(١) بالأصل ومخطوطة الخزانة العامة : «نقص سويك على بيديه» والمثبت عن مختصر ابن منظور ١ / ٤٧.

(٢) بالأصل : «أن يراك» والمثبت عن مختصر ابن منظور.

(٣) عن مخطوطة الخزانة العامة ، وبالأصل «عبد الملك».

(٤) كذا ورد بالأصل ومخطوطة الخزانة العامة أربعة أعين ، ووقعت في المجلدة الأولى من ابن عساكر «خمسة أعين» وهو الصواب.

(٥) كذا ، وفي مخطوط الخزانة العامة «البراني» ولعل الصواب «البرامي» انظر الإكمال ١ / ٥٣٨ الحاشية ، والأنساب حاشية ١ / ٣٠٥.

١٨

فصل

في اشتقاق تسمية دمشق وأماكن من نواحيها

وذكر ما بلغني من الأقوال التي قيلت

ودفع إليّ أبو الفضل محمد بن ناصر بن محمد بن علي ببغداد كتاب : «اشتقاق اسماء البلدان» لأبي الحسين أحمد بن فارس بن زكريا اللغوي ، وعليه خطه ، فوجدت فيه : وأما دمشق فيقال إنها من دمشق ، وناقة دمشق أي سريعة.

قال :

وصاحبي ذات هباب دمشق

كأنها بعد الكلال زورق (١)

ويقال : دمشق الضرب دمشقة إذا ضرب ضربا سريعا خفيفا.

أخبرنا أبو غالب أحمد بن الحسن بن أحمد البنا ، أنبأنا أبو علي محمد بن الحسين بن الفرا ، أنبأنا أبو القاسم إسماعيل بن سعيد بن سويد المعدّل قال : قال أبو بكر محمد بن القاسم بن الأنباري : أنبأنا : دمشق فعل من قول العرب : ناقة دمشق الخطو إذا كانت خفيفة الخطو (٢).

وذكر أبو عبد الله الحسين بن خالويه النحوي ، فيما قرأته بخط أبي محمد عبد الله بن محمد الخطابي الشاعر : كتب إليّ سيف (٣) الدولة ـ لا شكت عشره ولا

__________________

(١) الأول في معجم البلدان «دمشق» منسوبا للزّفيان.

(٢) في مخطوطة الخزانة العامة : «ناقة دمشق اللحم إذا كانت خفيفة» وفي معجم البلدان : ناقة دمشقة اللحم.

وذكر بيت الزفيان السابق.

(٣) بالأصل ومخطوطة الخزانة العامة : «السيف والدولة» والتصويب عن مختصر ابن منظور ١ / ٤٨ والمجلدة الأولى من ابن عساكر ص ١٧.

١٩

أشلت يده (١) ـ يسأل عن دمشق هل يقال فيها دمشقة أم لا. فقلت : دمشق اسم هذه المدينة ليست عربية فيما ذكر ابن دريد (٢) بل هي معرّبة ، ولا يقال إلّا بغيرها.

فأما الدّمشقة : السرعة [في المشي](٣) دمشق يدمشق دمشقة ودمشاقا (٤) إذا أسرع. وكل سريع دمشق. أطال بقاء سيّدنا ، بك المسند ، وزيّن أم خنّور (٥) بكونه فيها ، فأعاد الرقعة ، وقد وقع عليها : مرّ بنا في كتاب. قال عبد الرحمن بن حنبل الحجيمي (٦) وهو بعسكر يزيد بن أبي سفيان عند حصارهم دمشق :

أبلغ أبا سفيان عنا بأننا

على خير حال كان جيش يكونها

وإنا على بابي دمشقة نرتمي

وقد حان من بابي دمشقة حينها (٧)

وفي الرقعة أيضا : أن الناقة السريعة يقال لها دمشق ، والمرأة السريعة اليد في العمل. فكتبت تحته : هذا جائز للشاعر ، يحتمل له ولا سيما إذا قصد بدمشق إلى مدينة فزاد هاء تأكيدا للتأنيث كما أن عقربا مؤنثا بغير علامة التأنيث ، والعقربان ذكرها ، فقالوا عقربة تأكيدا ، فكذلك دمشق ودمشقة. وذكر يونس وغيره أتانة وعجوزة وفرسة ، كل ذلك تأكيدا. وقرأ ابن مسعود (تسع وتسعون نعجة أنثى) (٨) فبعث يستحضرني. فلما مثلت بين يديه قلت : أيها الأمير رب علم كنت سببه. وقد استنقذته دمشقة إلّا أنه في النحو كما ذكرت ، والعرب تزيد المذكر بيانا كما قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ابن لبون ذكر» (٩) وتزيد المؤنث تأكيدا مثل نعجة أنثى ، وذكر كلاما غيره.

سمعت أبا بكر محمد بن عبد الباقي بن محمد الفرضي ـ ببغداد ـ وكان أسر وبقي ببلاد الروم مدة ، ثم أن رجلا من حكماء الروم قال له : إنما سميت دمشق بالرومية ، وإن

__________________

(١) الأصل ومخطوطة الخزانة العامة ، وصوبت العبارة في المجلدة الأولى ص ١٧ : لا شلّت عشره ولا ثلّ عرشه.

(٢) بالأصل «ابن أبي دريد».

(٣) زيادة عن مخطوطة الخزانة العامة.

(٤) في مخطوط الخزانة العامة : «ودمشاقة».

(٥) أم خنّور : الداهية ، وقيل من كنى الضبع ، ويقال : وقعوا في أم خنور إذا وقعوا في خصب ولين من العيش ، ولذلك سميت الدنيا أم خنّور. وهذا المعنى المطلوب هنا.

(٦) كذا بالأصل وفي الإصابة ٢ / ٣٩٥ «بن حسل الجمحي».

(٧) البيتان في الإصابة ٢ / ٣٩٥.

(٨) سورة ص الآية ٣٣.

(٩) الأصل ومخطوطة الخزانة العامة ، وصوبت العبارة في المجلدة الأولى ص ١٧ : لا شلّت عشره ولا ثلّ عرشه.

٢٠