الإمام على عليه السلام في آراء الخلفاء

الشيخ مهدي فقيه إيماني

الإمام على عليه السلام في آراء الخلفاء

المؤلف:

الشيخ مهدي فقيه إيماني


المترجم: يحيى كمالي البحراني
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة المعارف الإسلاميّة
المطبعة: پاسدار إسلام
الطبعة: ١
ISBN: 964-6289-50-9
الصفحات: ٢٢٣

١
٢

٣
٤

مقدمة الناشر

بسم الله الرحمن الرحيم

لا شك ان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام شخصية فذة نادرة ، وحياته مليئة بما يعجب الانسان ويستوقفه ، ومن غريب خصائصه اعتراف أعدائه بفضله مع اصرارهم على استمرار العداء له. وقد قيل في حقه : ان محبيه اخفوا فضائله خوفا ومبغضيه أخفوها بغضا ، ومع ذلك فقد ملات الخافقين.

وليس السبب الوحيد فيه بعض النوافذ التي افتتحت في طول تاريخ السلطنة الغاشمة ، بل ان السبب الاهم هو علو شان الامام ، وكمال عظمته ورفعته في سماء المجد والكرامة ، وتنمره في ذات الله ، والتفاته حول الحق ، والتفاف الحق حوله يدور حيثما دار ـ كما قال الرسول الاكرم صلى الله عليه واله ـ والحق يعلو ولا يعلى عليه ، وللحق دولة وللباطل جولة ، فالشمس لا تبقى مغيبة تحت الغيوم وان كانت كثيفة سوداء ، فلا بد لليل أن ينجلي ، ولا بد للحق ان يبدو للتاريخ رغم كل المحاولات البغيضة الحاقدة ، والامام نور الله في الارض ، ويابى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون.

وهذا هو الامر الذي اضطر مناوئيه ومنافسيه أن يعترفوا بفضله القاهر ، ومقامه المنيع.

فالانسان مهما كان مستسلما لا هوائه ، غامرا في طغيانه ووقوفه بوجه الحق الناصع ، فان له مواقف يضطر فيها الى العودة إلى فطرته ، والرجوع إلى رشده ، والخضوع أمام الحق ، وهذا هو الذي اضطر بعض المشركين المتعصبين الغالين في عدائهم للرسول صلى الله عليه واله وللكتاب العزيز الذي أذل كبرياءهم ، وأرغم انوفهم الى الاعتراف بان اعلاه لمغدق وأسفله لمورق ، وانه يعلو ولا يعلى عليه ، وهذا هو شان كل حق يحاول الانسان الطاغي أمام ربه وآيات ربه أن ينكره ويستكبره بوجهه.

والكتاب الذي بين يديك محاولة لاستخراج اعترافات المناوئين والمنافسين

٥

للامام عليه السلام ، وكذلك اعترافات من تبعوا ذلك الخط واستمروا في السلطة الجابرة والجائرة باسم الخلافة ، ولا شك ان ما لم يسجله التاريخ من اعترافات الخلفاء بهذا الشان أكثر بكثير ولكنه غيض من فيض.

عملنا في الكتاب :

١ ـ كان المعتمد عند المؤلف استخراج الاحاديث من المخطوطات والكتب المطبوعة قديما ، وهذا مما يصعب على القارئ مراجعتها أو عدم توفرها لديه ، فقمنا باستخراجها من المصادر نفسها ومن طبعاتها الحديثة المتناولة بين الايدي.

٢ ـ تكثير المصادر قدر المستطاع.

٣ ـ رأينا في بعض الموارد أن المؤلف قد اكتفى بذكر قسم من الحديث مما هو بيت القصيد فيه ، ولما كان الحديث بكامله بتضمن مناقب وفضائل اخرى لامير المؤمنين الامام علي عليه السلام أوردناه كاملا تتميما للفائدة ، وتكميلا للحجة.

٤ ـ أثبتنا تعليقات موجزة على بعض المواضيع والاحاديث التي رأينا فيها الحاجة إلى التوضيح والتفسير ، ورمزنا إلى ذلك بكلمة المعرب.

ومؤسسة المعارف الاسلامية إذ تشكر الجهود التي بذلها سماحة العلامة الحجة الشيخ محمد مهدي الفقيه إيماني الاصفهاني حفظه الله تعالى وفضيلة الشيخ الفاضل يحيى الكمالي البحراني حيث أرجعه إلى العربية ، وكذلك تشكر الفاضلين محمود البدري وفارس حسون كريم لجهودهما المشكورة في مراجعة واخراج هذا الكتاب ، تبتهل إلى الله تعالى أن يوفق الجميع للاستمرار على خط الولاء لاهل البيت عليهم السلام ، وخدمة الدين الحنيف على ضوء مذهب الامام وأهل بيته ، والاشادة بفضائلهم ومكارمهم انه قريب مجيب.

ومما تجرد الاشارة إليه ان هذا المشروع قد انجز بمساهمة مباركة من ثلث المرحوم الحاج عباس غلوم شرف وعقيلته غفر الله لهما وتغمدهما برحمته الواسعة.

٦

المقدمة

قال أبو بكر :

«أيها الناس ، عليكم بعلي بن أبي طالب ، فاني سمعت رسول الله صلى الله عليه واله يقول : علي خير من طلعت عليه الشمس وغربت بعدي».

قال عمر بن الخطاب :

«والله لو لا سيف علي لما قدم عمود الاسلام ، وهو بعد أقضى الامة ، ذو سابقتها وذو شرفها».

قال عثمان بن عفان :

«سمعت رسول الله صلى الله عليه واله يقول : النظر إلى علي عبادة».

قال معاوية بن أبي سفيان :

«ذهب الفقه والعلم بموت ابن أبي طالب».

* * *

ما أقول ـ أنا الضعيف ـ فيمن أنزل الله تعالى فيه (ويقول الذين كفروا لست مرسلا قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عند علم الكتاب) (١)؟

تلاحظ في هذه الاية الكريمة أن الله عز وجل جعل نفسه وكذا الذي عنده علم الكتاب ـ يعنى الامام علي عليه السلام العالم باسرار القرآن وعلومه ـ شاهدين على نبوة

__________________

(١) الرعد : ٣٤.

٧

رسوله الكريم صلى الله عليه واله (١). وصرح تعالى عزه بانه وعليا عليه السلام شاهدان على صدق رسول الله صلى الله عليه واله في دعوته ورسالته.

وما أقول فيمن قال فيه رسول الله صلى الله عليه واله : إن الله جعل لاخي علي فضائل لا تحصى كثرة. فمن ذكر فضيلة من فضائله مقرا بها غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، ومن كتب فضيلة من فضائله لم تزل الملائكة تستغفر له ما بقي لتلك الكتابة رسم ، ومن استمع إلى فضيلة من فضائله غفر الله له الذنوب التي اكتسبها بالاستماع ، ومن نظر إلى كتاب من فضائله غفر الله له الذنوب التي اكتسبها بالنظر.

ثم قال صلى الله عليه واله : النظر إلى أخي علي عبادة ، وذكره عبادة ، ولا يقبل الله إيمان عبد إلا بولايته والبراءة من أعدائه (٢).

وعندما نلقي نظرة على ما ورد من الدلائل الباهرة ، والبراهين الواضحة الغنية في القرآن والسنة والتاريخ والمصادر السنية والشيعية وكذا في كتب الخوارج التي تضمنت موضوع الامامة والخلافة بشكل عام وإمامة الامام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وولايته بشكل خاص بكونه الخليفة والوصي لرسول الله صلى الله عليه واله لم نر في شئ منها أي إيهام أو إجمال حتى يتذرع به المنحرفون عن علي عليه السلام ويجعلونه وسيلة وتبريرا لانحرافهم عنه وعدائهم له ومناوئتهم إياه عليه السلام.

__________________

(١) شواهد التنزيل ١ : ٤٠٠ ـ ٤٠٥ ح ٤٢٢ ـ ٤٢٧ وقد أخرج الحديث من سبعة طرق ، النور المشتعل «من كتاب ما نزل من القرآن في علي» : ١٢٥ ، المناقب لابن المعازلي : ٣١٣ ح ٣٥٨ ، الجامع لاحكام القرآن ٩ : ٣٣٦ ، ينابيع المودة : ١٠٢ ، تفسير الكشف والبيان ١ : ٢٥٨ النسخة الخطية ، توضيح الدلائل لشهاب الدين : ١٦٣ (انظر ملحقات إحقاق الحق ٢٠ : ٧٧) ، المناقب المرتضوية للكشفي : ٤٩ ، روضة الاحباب : وقائع سنة ٩ ، مفتاح النجاة : ٤٠ النسخة الخطية ، أرجح المطالب : ٨٦ أخره عن الثعلبي وابن المغازلي.

(٢) المناقب للخوارزمي : ٣٢ ح ٢ ، كفاية الطالب للكنجي : ٢٥٢ باب ٦٢ ، فرائد السمطين ١ : ١٩ ، ارجح المطالب : ١١ ، وجميعهم نقلوا عن المناقب لحسن بن أحمد العطار الهمداني شيخ القرطبي ، المتوفى ٥٦٩ ه‍.

٨

وهكذا حينما ننصت إلى قوله تعالى : (إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء) (١) نشاهد أن الله عز وجل يحذر نبيه الكريم صلى الله عليه واله ويخبره بان الهادي هو الله عز وجل.

وإذا استمعنا إلى مقالة الامام علي عليه السلام الذي قال : لو ضربت خيشوم المؤمن بسيفي هذا على أن يبغضني ما أبغضني ، ولو صببت الدنيا بجماتها على المنافق على أن يحبني ما أحبني ، وذلك انه قضي فانقضى على لسان النبي الامي صلى الله عليه واله انه قال : يا علي ، لا يبغضك مؤمن ولا يحبك منافق (٢) لعلمنا بان تغيير باطن المنحرفين عن أمير المؤمنين علي عليه السلام ، وتبديل أعدائه إلى شيعة له ومخالفيه إلى موافقين له يبدو من المحالات ، ولعرفنا أن جميع الطرق والسبل والذرائع حتى الكتب التي الفت خصيصا بهذا الموضوع لعاجزة عن هدايتهم.

ولكنا اعتمادا على المثل المشهور «الفضل ما شهدت به الاعداء» وانطلاقا من مبدأ «الزموهم بما التزم به الخصم» وإتماما للحجة على الخصم المخالف من شتى الجهات العقائدية والعملية ، اضطررنا إلى تأليف هذا الكتاب ، والذي يتضمن في ثناياه روايات وأحاديث خلفاء أهل السنة تروي لنا اعترافاتهم بافضلية الامام أمير المؤمنين علي عليه السلام واختصاصه بالفضائل والمناقب التي امتاز بها. وكلنا أمل في أن يصبح هذا الكتاب بابا مفتوحا أمام المثقفين الواعين الذين وضعوا عن أنفسهم اصر العصبية الجلفاء والتبعية العمياء لاسلافهم المقتدين بالخلفاء المختلقين ، ومن ثم يتداركوا مسؤوليتهم الحقيقية ووظيفتهم المصيرية في المجالات العقائدية والعملية ، ويعلموا أخيرا أن عاقبة التعصب واتخاذ موقف الحياد في العمل بالوظائف الدينية ، لم تكن إلا الهزيمة والقهقراء الديني والموت الجاهلي ، ومن بعده الانزلاق في نار جهنم.

__________________

(١) القصص : ٥٦.

(٢) نهج البلاغة : الحكمة رقم ٤٥.

٩

تحذير من الله ورسوله صلى الله عليه واله بظهور خلفاء مختلقين

قال تعالى : (يوم ندعو كل اناس بامامهم فمن اوتي كتابه بيمينه فاولئك يقرعون كتابهم ولا يظلمون فتيلا ومن كان في هذه أعمى فهو في الاخرة أعمى وأضل سبيلا) (١).

تشير هاتان الايتان إلى ظهور أئمة عديدين ، منهم من يقود فئة ياتون يوم القيامة وصحائف أعمالهم بايمانهم ، ومنهم من يسوق طائفة من الناس يحشرون يوم الدين عمي وضالين كما كانوا في حياتهم الدنيوية منحرفين وعمين ، ولا ريب أن هذه الطائفة يحشرون وكتبهم بشمالهم.

وفي قوله تعالى : (فقاتلوا أئمة الكفر انهم لا ايمان لهم) (٢) حيث يامر الله عز وجل بجهاد ومحاربة قادة الكفر الذين لا عهد لهم ولا ايمان.

وفي قوله تعالى : (قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين) (٣). يحذرنا الله ويبين فيها بان الامامة والخلافة منصب إلهي ومقام ربوبي جعله لنبيه إبراهيم الخليل عليه السلام وحظره على الظالمين المعتدين.

وقال عز من قائل : (وجعلناهم ائمة يدعون إلى النار ويوم القيامة لا ينصرون) (٤) ترشدنا هذه الاية أيضا إلى ظهور أئمة وخلفاء جائرين يجرون العباد

__________________

(١) الاسراء : ٧١ ـ ٧٢.

(٢) التوبة : ١٢.

(٣) البقرة : ١٢٤.

(٤) القصص : ٤١.

١٠

إلى النار ولا ينصرونهم وهم في الاخرة مصيرهم إلى جهنم (١).

هذه آيات تحذر من ظهور خلفاء مختلقين ، وثمة أيضا أحاديث نبوية مروية عن النبي صلى الله عليه واله تنبا فيها ذلك :

١ ـ منها قوله صلى الله عليه واله : إنه سيكون عليكم امراء يغشاهم غواش من الناس ، فمن صدقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم فانا برئ منه ، وهو برئ مني (٢).

٢ ـ ومنها قوله صلى الله عليه واله : إنه سيكون بعدي أئمة فسقة يصلون الصلاة لغير وقتها (٣).

٣ ـ ومنها قوله صلى الله عليه واله : إن بعدي أئمة إن أطعتموهم أكفروكم ، وإن عصيتموهم

__________________

(١) وفي بيان الخلفاء الداعين إلى النار نذكر ما أشار إليه السيد شرف الدين في كتابه النص والاجتهاد ص ٣٣١ مما أخرجه البخاري في صحيحه الجزء الرابع ص ٢٥ كتاب الجهاد والسير باب مسح الغبار عن الناس في السبيل ، وفي الجزء الاول ص ١٢٢ كتاب الصلاة باب التعاون في بناء المساجد ، وأخرج غيره نحو ثلاثين مصدرا تاريخيا وحديثيا من أهل السنة. باسنادهم عن عثمان بن عفان ومعاوية وابن العاص وآخرون يتجاوز عددهم اثنان وعشرون صحابيا انهم رووا عن النبي صلى الله عليه واله أنه قال : ويح عمار تقتله الفئة الباغية ، عمار يدعوهم إلى الله تعالى (إلى الجنة) ويدعوه إلى النار. وناهيك من هذا الحديث ـ انه عند ما استشهد عمار بسيف البغي وأيدي جلاوزة معاوية ـ أن يكون معاوية مصداقا بارزا للدعاة إلى النار كما ان عمار خير مصداق لمن يدعو إلى الجنة وهو من أهلها.

(٢) مسند أبي يعلى ٢ : ٤٠٤ ح ١١٨٧ وص ٤٦٥ ح ١٢٨٦ ، مسند أحمد بن حنبل ٣ : ٢٤ و ٩٢ ، وج ٣ : ٤٠٥ ح ١٠٨٠٨ وص ٥١٨ ح ١١٤٦٣ من الطبعة الحديثة ، مجمع الزوائد ٥ : ٢٤٦ باب فيمن يصدق الامراء بكذبهم ...

(٣) مسند أبي يعلى ٧ : ٢٩٣ ح ٤٣٢٣ ، المعجم الكبير ٣ : ١٦٠ ح ١٦٣٣ ، وج ٩ : ٣٤٥ ح ٩٤٩٥ بسند ثان ، وفيه : يميتون الصلاة ، مجمع الزوائد ١ : ٣٢٥ باب فيمن يؤخر الصلاة عن الوقت أخرجه عن الطبراني وأبي يعلى ، التاريخ الكبير ٣ : ٢٣٥ ترجمة رقم ٧٩٨ ، وج ٦ : ١٥٣ ترجمة رقم ٢٠٠٣.

١١

قتلوكم ، أئمة الكفر ورؤوس الضلالة (١).

٤ ـ ومنها قوله صلى الله عليه واله : سيكون امراء بعدي يقولون ما لا يفعلون ، ويفعلون ما لا يؤمرون (٢).

٥ ـ ومنها قوله صلى الله عليه واله : ألا إنه سيكون بعدي امراء يكذبون ويظلمون ، فمن صدقهم بكذبهم ومالاهم على ظلمهم فليس مني ولا أنا منه ، ومن لم يصدقهم بكذبهم ولم يمالئهم على ظلمهم فهو مني وأنا منه (٣).

٦ ـ ومنها قوله صلى الله عليه واله : اسمعوا ، هل سمعتم ، أنه سيكون بعدي امراء ، فمن دخل عليهم فصدقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم فليس مني ولست منه ، وليس بوارد علي الحوض ، ومن لم يدخل عليهم ولم يصدقهم بكذبهم ولم يعنهم على ظلمهم فهو مني وأنا منه ، وسيرد علي الحوض (٤)؟

٧ ـ ومنها قوله صلى الله عليه واله : من تقدم على قوم من المسلمين ، وهو يرى أن فيهم من هو أفضل منه ، فقد خان الله ورسوله والمسلمين (٥).

٨ ـ ومنها قوله صلى الله عليه واله لكعب بن عجرة : أعاذك الله يا كعب من أمارة السفهاء.

__________________

(١) مجمع الزوائد ٥ : ٢٣٨ باب في أئمة الظلم والجور وأئمة الضلالة ، مسند أبي يعلى ١٣ : ٤٣٦ ح ٧٤٤٠ م ٢ ، كنز العمال ١١ : ١١٨ ح ٣٠٨٤٩ أخرجه عن الطبراني.

(٢) مسند أحمد ١ : ٤٥٦ ، وج ٢ : ٤١ ح ٤٣٥٠ (الحديثة).

(٣) مسند أحمد ٤ : ٢٦٧ ، وج ٥ : ٣٣٣ ح ١٧٨٨٩ (الحديثة) ، المعجم الكبير ٣ : ١٨٦ ح ٣٠١٩ ، وأخرجه الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد باختلاف في لفظه ٥ : ٣٦٢ ترجمة محمد بن صالح أبي جعفر الصائغ رقم ٢٨٨٦ ، مجمع الزوائد ٥ : ٢٤٨ باب فيمن يصدق الامراء بكذبهم ...

(٤) راجع : تاريخ بغداد ٢ : ١٠٧ ترجمة محمد بن بنان الخلال رقم ٥٠٠ ، وج ٥ : ٣٦٢ ترجمة محمد بن صالح أبي جعفر الصائغ رقم ٢٨٨٦ ، المعجم الكبير ١٩ : ١٥٦ ح ٣٤٥.

(٥) التمهيد للباقلاني : ١٩٠.

١٢

قال : وما أمارة السفهاء ، يا رسول الله؟

قال صلى الله عليه واله : امراء يكونون بعدي ، لا يهدون بهديي ، ولا يستنون بسنتي ، فمن صدقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم فاولئك ليسوا مني ولست منهم ، ولا يردون علي حوضي ، ومن لم يصدقهم بكذبهم ولم يعنهم على ظلمهم فاولئك مني وأنا منهم ، ويردون علي حوضي (١).

وملخص القول : ان هذه الايات والروايات التي قرأتها ، تخبرنا عن ظهور أئمة فسقة وامراء كذابين وحكام دجالين يحكمون بعد النبي صلى الله عليه واله فهم سادة الكفر وقادة الضلالة والانحراف ، وانهم خونة خانوا الله ورسوله والمؤمنين ، يسوقون أولياءهم وأتباعهم نحو الكفر ، ويقتلون مخالفيهم على مخالفتهم لهم ، وهم يتخذون الصلاة وأحكام الدين لعبا ، فمن والاهم على ذلك وصدقهم وأعانهم في ذلك فلا يمت إلى رسول الله صلى الله عليه واله بشئ ، وانه صلى الله عليه واله برئ منهم وهم في يوم القيامة مزحزحون عن الحوض.

وأما الذين يضادون الخلفاء المزورين والامراء المختلقين الذين تبرأ منهم النبي صلى الله عليه واله ، وكذا الذين يمتنعون عن تأييد هؤلاء ويابون تصديقهم ، فهؤلاء لا ريب أنهم يكونون على دين النبي صلى الله عليه واله وتؤول عاقبتهم إلى الخير ويردون حوض الكوثر في يوم الدين.

ولا يخفى عليك ان طائفة كبيرة من الامراء الذين تصدوا أمارة المسلمين بعد النبي صلى الله عليه واله لم يتحلوا بالمواصفات والمعابير الدينية والعلمية التي يجب تواجدها في إمام المسلمين وزعيمهم وخليفتهم حتى تكون إطاعتهم واتباعهم واجبة وضرورة

__________________

(١) المستدرك على الصحيحين ٤ : ٤٢٢ كتاب الفتن والملاحم باب الترهيب عن أمارة السفهاء ، المعجم الكبير ١٩ : ١٥٩ ـ ١٦٠ ح ٣٥٤ ـ ٣٥٦ و ٣٥٨ رواه مختصرا.

١٣

من ضروريات الدين ، ومن جانب آخر فانه لم تنطبق عليهم الاحاديث المروية في صحاح القوم ومسانيدهم التي تبين وتقصر عدد الائمة بعد النبي صلى الله عليه واله على انهم اثني عشر إماما (١) ولذلك ترى ان طائفة كبيرة من المسلمين أعلنوا برأتهم من اولئك

__________________

(١) حديث الائمة من قريش وان عددهم كعدة نقباء بني إسرائيل وإنهم اثنا عشر خليفة وأمير حديث متواتر رواه عدة من الصحابة ، وأخرجه الكثير من أرباب الصحاح والسنن والمسانيد والتواريخ خاصة الصحيحان اللذان هما أصح الكتب عند أهل السنة بعد القرآن.

وهذا الحديث حيث إنه ثابت الصدور والصحة لقي من العناية أعلاها ، وأجمع الحفاظ على تواتره ، واهتم العلماء سنة وشيعة بتخريجه وتحريره ، إلا انه أصبح معضلة وماساة لعلماء السنة سلفا وخلفا ، ولذلك ترى الاضطراب واضح في تفسيرهم للحديث وحالة الحيرة والتذبذب بينة فيهم لعدم توفيقهم لبيان المعنى المراد من الحديث والائمة القرشيين الاثني عشر المعنيين في كلام رسول الله صلى الله عليه واله ، حتى ان بعض من لم يحط علما بالاخبار والاحاديث نفى صدوره عن النبي وتخرص بان هذا الحديث من موضوعات الشيعة.

ولكي تستلهم علما بالخبر وتحط بالحديث فهما نذكر لك المصادر المعتبرة عند القوم ومن ثم نشير إلى الاضطرابات التي حصلت عندهم في تفسير هذه الاحاديث وتعريفهم للخلفاء المعنيين. وقبل كل ذلك نشير إلى بعض نصوص هذه الاحاديث :

قال صلى الله عليه واله : يكون بعدي اثنا عشر أميرا ... كلهم من قريش.

وقال صلى الله عليه واله : لا يزال الدين قائما حتى تقوم الساعة ويكون عليكم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش. وقال صلى الله عليه واله : لن يزال هذا الدين قائما إلى اثني عشر أميرا من قريش فإذا هلكوا ماجت الارض باهلها.

وغير ذلك من النصوص.

وأما الذين أخرجوا هذه الاحاديث فكثيرون نشير إلى أسماء أهمهم فقط :

البخاري في صحيحه ٩ : ١٠١ كتاب الاحكام باب الاستخلاف.

مسلم في صحيحه ٣ : ١٤٥٢ كتاب الامارة باب «١» باب الناس تبع لقريش ... ح ١٨٢١ ـ ١٨٢٢ وفيه ٨ أحاديث.

الترمذي في سننه ٤ : ٤٣٤ باب «٤٦» ح ٢٢٢٣.

أبو داود في سننه ٤ : ١٠٦ ح ٤٢٧٩ ـ ٤٢٨٠.

أحمد بن حنبل في مسنده ٥ : ٩٠ عن جابر بن سمرة ضمن ٣٣ حديث.

أبو نعيم في حلية الاولياء ٤ : ٣٣٣.

١٤

__________________

الطيالسي في مسنده : ١٠٥ ح ٧٦٧.

السيوطي في تاريخ الخلفاء : ١٠ ـ ١١.

وفحوى هذه النصوص يدل على ان هؤلاء الائمة والخلفاء ياتون على التوالي ، وانهم باقون ما بقيت الدنيا ، وببقائهم استقرت الدنيا ولو لا هم لماجت باهلها ...

ولقد حار علماء السنة واضطربت أقوالهم في بيان وتفسير معنى هذه الاحاديث التي أخرجها أئمة الحديث والحفاظ حتى انك لو سالت أحدهم عن اسماء هؤلاء الاثني عشر المعنيين لرأيت العجاب وسمعت الصعاب لما تسمع وترى في كلامه مما يضحك الثكلى.

قال الحفاظ أبو العباس القرطبي : وقد اختلف فيهم على ثلاثة اقوال :

أحدها : انهم خلفاء العدل كالخلفاء الاربعة وعمر بن عبد العزيز ، ولا بد من ظهور من يتنزل منزلتهم في اظهار الحق والعدل حتى يكمل ذلك العدد ـ ١٢ ـ وهو أولى الاقوال.

ثانيها : اشارة الى مدة ولاية بني امية وعدد القائل ملوكهم فقال : أولهم يزيد بن معاوية ، ثم اتبعه معاوية بن يزيد ، وقال : ولم يذكر ابن الزبير لانه صحابي ، ولا مروان لانه غاصب لابن الزبير ، ثم عبد الملك ، ثم الوليد ، ثم سليمان ، ثم عمر بن عبد العزيز ، ثم يزيد بن عبد الملك ، ثم هشام بن عبد الملك ، ثم الوليد بن يزيد ، ثم يزيد بن الوليد ، ثم ابراهيم ، ثم مروان بن محمد ، فهؤلاء اثنا عشر ، ثم خرجت الخلافة منهم الى بني العباس.

ثالثها : ان هذا خبر عن اثني عشر خليفة من قريش يجتمعون في زمان واحد في آفاق مختلفة كما وقع ، فقد كان بالاندلس منهم في عصر واحد بعد اربعمائة وثلاثين ستة كلهم يدعيها ويلقب بها ومعهم صاحب مصر وخليفة بغداد.

ثم قال القرطبي : والاول أولاها لبعده عن الاعتراض. (المفهم لما اشكل من تلخيص كتاب مسلم ٤ : ٨ و ٩ شرح ح ١٣٩٨).

وقال أبو الطيب محمد شمس الحق العظيم آبادي في عون المعبود شرح سنن ابي داود : واما الخلفاء الاثنا عشر فقد قال جماعة منهم أبو حاتم بن حبان وغيره : ان آخرهم عمر بن عبد العزيز ، فذكر الخلفاء الاربعة ، ثم معاوية ، ثم يزيد ابنه ، ثم معاوية بن يزيد ، ثم مروان بن الحكم ، ثم عبد الملك بن مروان ابنه ، ثم الوليد بن عبد الملك ، ثم سليمان بن عبد الملك ، ثم عمر بن عبد العزيز.

وقال ايضا : فالتحقيق في هذه المسالة ان يعتبروا بمعاوية وعبد الملك وبنيه الاربعة وعمر بن عبد العزيز والوليد بن يزيد بن عبد الملك بعد الخلفاء الاربعة الراشدين. وقال : قد مضى منهم الخلفاء الاربعة ولا بد من تمام هذا العدد قبل الساعة. (عون

١٥

__________________

المعبود ١١ : ٣٦٢ ـ ٣٦٦ ، الاحسان في تقريب صحيح ابن حبان ١٥ : ٣٦ ح ٦٦٥٧).

وقال مفسر القوم ابن كثير في تفسيره لقوله تعالى : (وبعثنا منهم اثنا عشر نقيبا) (المائدة : ١٢) بعد إيراد حديث جابر بن سمرة من رواية الشيخين ... : ومعنى الحديث البشارة بوجود اثني عشر خليفة صالحا يقيم الحق ويعدل فيهم ولا يلزم من هذا تواليهم وتتابع ايامهم ، بل قد وجد منهم اربعة على نسق واحد وهم الخلفاء الاربعة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ومنهم عمر بن عبد العزيز بلا شك عند بعض الائمة ، وبعض بني العباس ولا تقوم الساعة حتى تكون ولايتهم لا محالة والظاهر ان منهم المهدي المبشر به في الاحاديث الواردة بذكره.

ثم قال : وليس المراد بهؤلاء الخلفاء الاثني عشر الائمة الاثني عشر الذين يعتقد فيهم الاثنا عشرية من الروافض لجهلهم وقلة عقلهم. (تفسير ابن كثير ٢ : ٣٤).

وقال السيوطي : فقد وجد من الاثني عشر خليفة ، الخلفاء الاربعة والحسن ومعاوية وابن الزبير وعمر بن عبد العزيز ، ويحتمل ان يضم إليهم المهتدي من العباسيين لانه فيهم كعمر بن عبد العزيز في بني امية ، وكذلك الظاهر لما اوتي من العدل وبقي الاثنان المنتظران احدهما المهدي لانه من آل بيت محمد صلى الله عليه واله (تاريخ الخلفاء : ١٢).

أقول : أين الثاني عشر يا جلال الدين ، لا بد انك لو كنت حيا في القرن الثاني عشر لعينت الشيخ محمد بن عبد الوهاب بانه المنتظر الثاني عشر حتى يتم العدد.

وهناك علماء وحفاظ قاموا بتوجيه هذه الاحاديث وتبريرها وحاولوا تفسير وتطبيق الاحاديث لمعتقداتهم وليس العكس كما هو الصحيح والمفروض ، في الاخذ بما يوافق القرآن والسنة الصحيحة وترك ما خالفهما.

وهذا ابن حجر تذرع إلى أصل اجتماع الامة واختلق حسب ذاك الاصل أئمة وجعلهم خلفاء النبي صلى الله عليه واله.

فقال : المراد بالاجتماع انقياد بيعته ، والذي وقع ان الناس اجتمعوا على ابي بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي ، الى أن وقع أمر الحكمين في صفين فسمى معاوية يومئذ بالخلافة ، ثم اجتمع الناس على معاوية عند صلح الحسن عليه السلام ، ثم اجتمعوا على ولده يزيد ، ولم ينتظم للحسين أمر بل قتل قبل ذلك ، ثم لما مات يزيد وقع الاختلاف الى أن اجتمعوا على عبد الملك بن مروان بعد قتل ابن الزبير ، ثم اجتمعوا على أولاده الاربعة : الوليد ، ثم سليمان ، ثم يزيد ، ثم هشام ، وتخلل بين سليمان ويزيد عمر بن عبد العزيز. فهؤلاء سبعة بعد الخلفاء الراشدين ، والثاني عشر الوليد بن يزيد عبد الملك.

١٦

__________________

وقال في موضع آخر : فالاولى أن يحمل قوله : يكون بعدي اثنا عشر خليفة على حقيقة البعدية ، فان جميع من ولي الخلافة من الصديق الى عمر بن عبد العزيز أربعة عشر نفسا منهم اثنان لا تصح ولايتهما ولم تطل مدتهما ، وهما : معاوية بن يزيد ، ومروان بن الحكم ، والباقون اثنا عشر نفسا على الولاء. (فتح الباري ١٣ : ١٨٢ وص ١٣).

أقول : لو تأمل الانسان المنصف البصير الى أقوال علماء السنة في تفسير هذا الحديث وتحديد المعنيين الاثني عشر المشار إليهم في الحديث سواء الاقوال التي تطرقنا إليها ام التي لم نشر إليها لعرف الحيرة والاضطراب وكذا التغريب والتشريق والتزلزل عندهم بحيث انهم لم يتحدوا ولم يتفقوا على رأي واحد ، ولا يخفى ما في هذه الاقوال من الضعف والايراد ، وان التطرق الى كل ذلك يخرجنا عن الايجاز المطلوب ، ولذلك ندعو القارئ اللبيب الى مراجعة ما كتب في هذا الموضوع. ولكن أهم تلك النقاط المأخوذة على علماء الجمهور :

١ ـ اننا لو جمعنا بين الاقوال المذكورة التي ذكرت فيها أسماء الخلفاء لرأيناها تزيد عن الاثني عشر.

٢ ـ تلاحظ ان بعض علماء السنة يختلق خلفاء حسب هواه ورأيه فينفي صحة خلافة احدهم والاخرون يثبتونها كما مر عليك في أمر خليفتهم مروان بن الحكم حيث عده بعضهم من الخلفاء ونفاه البعض لكونه غاصبا ، فلو كان هكذا فامر الخلفاء الذين جاءوا بعده واضح.

٣ ـ قيد بعضهم شرط العدالة في الخليفة فلو راجع القراء تاريخ حياة الخلفاء المذكورين لعرف ان أكثر هؤلاء الخلفاء يخرجون عن دائرة العدالة والخلافة حتى لم يبق منهم إلا القليل الواحد أو الاثنين.

٤ ـ وآخر ما نورده من ملاحظاتنا ان التفسير الواقعي والمعنى الصحيح لحديث الائمة الاثني عشر هو معتقد الشيعة التي تذهب الى امامة اثني عشر خليفة كلهم من قريش ، ومن بطن هاشم ، ومن العترة الطاهرة من آل الرسول صلى الله عليه واله ، كما أشار الى ذلك ابن كثير ثم اتهم الشيعة ـ كعادته ـ بالجهل فقال : وليس المراد بهؤلاء الخلفاء الاثني عشر ، الائمة الذين يعتقدون فيهم الاثنا عشرية من الروافض لجهلهم وقلة عقلهم (تفسير ابن كثير ٢ : ٣٤).

وهذه الاحاديث لما كانت إحدى أدلة أحقية الشيعة لاثبات صحة مذهبهم استشكل بعض علماء السنة في الحديث كالشيخ ولي الله المحدث في كتابه قوة العينين في تفضيل الشيخين حيث قال : وقد استشكل في حديث «لا يزال» ووجه الاشكال ، ان هذا الحديث ناظر الى مذهب الاثني عشرية الذين اثبتوا اثني عشر اماما (عون المعبود ١١ : ٣٦٤).

١٧

__________________

وقال أبو الطيب شمس الحق : قلت : زعمت الشيعة ـ خصوصا الامامية منهم ـ ان الامام الحق بعد رسول الله صلى الله عليه واله علي ، ثم ابنه الحسن ، ثم أخوه الحسين ، ثم ابنه علي زين العابدين ، ثم ابنه محمد الباقر ، ثم ابنه جعفر الصادق ، ثم ابنه موسى الكاظم ، ثم ابنه علي الرضا ، ثم ابنه محمد التقي ، ثم ابنه علي النقي ، ثم ابنه الحسن العسكري ، ثم ابنه محمد القائم عليه السلام (عون المعبود ١١ : ٢٦٧).

وبقي أن ألفت أنظار القراء الكرام ان دأب ابن كثير وأشباهه من المتعصبين والمتطرفين هو الافتراء والاتهام وإلصاق الاكاذيب على مخالفيهم خاصة الشيعة الامامية الاثني عشرية.

والجدير بالذكر ان الشيعة يعتقدون بامامة اثني عشر إماما وخليفة للنبي صلى الله عليه واله كلهم من قريش ، ومن البيت الهاشمي ، ومن عترة النبي صلى الله عليه واله.

وتظهر أحقية هذا المعتقد لو جمعنا هذا الحديث الى أحاديث اخرى مثل حديث الثقلين والكساء وآية التطهير والمباهلة وغيرها من النصوص الدالة على امامة اهل البيت عليهم السلام.

روى الحافظ القندوزي عن جابر بن سمرة قال : كنت مع أبي عند النبي صلى الله عليه واله فسمعته يقول : بعدي اثنا عشر خليفة ثم اخفى صوته.

فقلت لابي : ما الذي اخفى صوته؟

قال : قال : كلهم من بني هاشم. (ينابيع المودة : ٤٤٥).

ويؤيد هذا الحديث قول أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام : إن الائمة من قريش غرسوا في هذا البطن من هاشم ، لا تصلح على سواهم ، ولا تصلح الولاة من غيرهم. (نهج البلاغة : خطبة ١٤٤ صبحي الصالح).

وإني لاعجب من بعض الرواة والحفاظ الراوين لهذا الاخبار لما شاهدوا فيها ما يخالف هواهم ويباين مسلكهم حرفوها أو تغافلوها ولذلك تراهم يقولون : خفى علي ، أو نسيت ، أو لم أفهم ، أو أخفى صوته ، أو عبارات اخرى مما تدل على تعتيم الحقائق وتحريف الوقائع.

والدليل الاخر على اختصاص هذا الحديث بائمة أهل البيت عليهم السلام دون غيرهم هو ان بعض الاحاديث يشير ان الخلافة ممتدة الى قيام الساعة فإذا راجعنا حديث الثقلين الذي يومئ الى عدم افتراق الكتاب والعترة الى قيام يوم الدين. وانهما الوديعتان اللتان جعلهما النبي صلى الله عليه واله في امته وقال صلى الله عليه واله : إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا.

ومن جهة اخرى ، فلو سلمنا بان أحاديث العامة التي تروي بان النبي صلى الله عليه واله أكد على اتباع

١٨

__________________

سنة الخلفاء من بعده صحيحة وسليمة عن النقد والاخذ ، وهذه الاحاديث التي نقلناها لك تؤكد بان خلفاءه هم اثنا عشر بالعدد وفي طائفة اخرى افصح النبي صلى الله عليه واله قائلا : من بني هاشم ، أو عترتي ، فهل يبقى حينئذ شك أو ريب في موالاة واتباع الائمة من آل الرسول صلى الله عليه واله والانقياد لهم ، أو في عدم تبعية غيرهم لانهم ليسوا من بني هاشم ولا من العترة؟

وقد قلنا آنفا : إن التفسير المجسد في الواقع الخارجي لهذه الروايات الناطقة بالوصف ـ من بني هاشم ـ وبالعدد ـ اثنا عشر ـ لا يتاتى الا في ائمة اهل البيت الاثني عشر الذين تقتدي بهم الشيعة في فقهها وتفسيرها وعقائدها وأحكامها ، كما أشار الى ذلك الحافظ القندوزي الحنفي رواية عن عباية بن ربعي ، عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه واله : أنا سيد النبيين وعلي سيد الوصيين ، وإن أوصيائي بعدي اثنا عشر : أولهم علي ، وآخرهم القائم المهدي.

وأضاف الحافظ قائلا : قال بعض المحققين : إن الاحاديث الدالة على كون الخلفاء بعده صلى الله عليه واله اثنا عشر قد اشتهرت من طرق كثيرة ، فبشرح الزمان وتعريف الكون والمكان ، علم ان مراد رسول الله صلى الله عليه واله من حديثه هذا الائمة الاثنا عشر من أهل بيته وعترته ، إذ لا يمكن ان يحمل هذا الحديث على الخلفاء بعده من أصحابه لقلتهم عن اثني عشر ، ولا يمكن أن يحمله على الملوك الاموية فان سلطانهم ملك وليس بخلافة كما في بعض الروايات ولزيادتهم على اثني عشر ، ولظلمهم الفاحش الا عمر بن عبد العزيز ، ولكونهم غير بني هاشم ، لان النبي صلى الله عليه واله قال : كلهم من بني هاشم في رواية عبد الملك عن جابر ، واخفاء صوته في هذا القول يرجح هذه الرواية ، ولا يمكن حمله على الملوك العباسيين لزيادتهم على العدد المذكور ولقلة رعايتهم الاية (قل لا أسالكم عليه أجرا إلا المودة في القربى) (الشورى : ٢٣) وحديث الكساء فلا بد من ان يحمل هذا الحديث على الائمة الاثني عشر من اهل بيته وعترته عليهم السلام لانهم كانوا اعلم اهل زمانهم ، واجلهم ، وأورعهم ، واتقاهم ، وأعلاهم نسبا ، وأفضلهم حسبا واكرمهم عند الله ، وكانت علومهم من آبائهم عن جدهم صلى الله عليه واله وبالوراثة اللدنية ، كذا عرفهم اهل العلم والتحقيق وأهل الكشف والتوفيق.

ويؤيد هذا المعنى ـ أي ان مراد النبي صلى الله عليه واله الائمة الاثنا عشر من اهل بيته ، ويشهد به ويرجحه حديث الثقلين والاحاديث الكثيرة المذكورة في هذا الكتاب وغيره ، واما قوله صلى الله عليه واله : «كلهم تجتمع عليه الامة» في رواية جابر بن سمرة فمراده صلى الله عليه واله ان الامة تجتمع على الاقرار بامامة كلهم وقت ظهور قائمهم (ينابيع المودة : ٤٤٦).

١٩

الامراء وكشفوا عن مخالفتهم لهم بانها وظيفة دينية وتكليف شرعي ، وعلى هذا الاصل قاوموا خلفاء الزور وحاربوهم حتى الموت والشهادة.

وملخص الكلام : ان الله عز وجل وكذا رسوله الكريم صلى الله عليه واله حذرانا ـ نحن المسلمون ـ بانه سيظهر بعد النبي صلى الله عليه واله خلفاء جور وزور لا ايمان لهم ، يبطنون الكفر ، ويترقبون بالاسلام والمسلمين الدوائر ، وهم دعاة الباطل والضلال تماما كما كان في العصور قبل ظهور الاسلام وحتى بعده حيث ظهرت الهة مصطنعة ونبوءات مزورة ، ضلوا وأضلوا الناس السذج وساقوهم إلى الكفر والشرك والانحراف والفساد ، فعلى هذا فلا ينبغي أن يكتفى بالبراءة منهم وعدم إطاعتهم واتباعهم فحسب بل يجب جهادهم وقتالهم ومحاربتهم.

ومن هنا عرفنا أن في مقابل الائمة الهداة الصادقين والخلفاء الذين توفرت فيهم شرائط الامامة الصحيحة ومواصفات الخلافة القويمة ثمة ائمة مختلقون وخلفاء مزورون ظهروا في المجتمع وفرضوا على الناس شتى أنواع الظلم والجور وألزموهم بالانقياد إلى العقائد المبتدعة والمنحرفة في المجالات العقائدية والعملية وإن دل هذا على شئ فانما يدل على أنه ليس كل من ادعى الخلافة والامامة فهو محق في دعواه وصادق في ذلك.

__________________

وخلاصة القول :

ان الاخبار الواردة في هذا الموضوع هي من الادلة القاطعة والنصوص الجلية الواضحة على أحقية مذهب الشيعة الاثني عشرية وبطلان غيرهم ، وذلك لان هذه الاحاديث لا تنطبق أصلا وعقلا على ما تعتقده العامة وسائر المذاهب الاخرى ، لانهم اما يعتقدون باقل من اثني عشر اماما أو أكثر. ويؤيد أحقية الشيعة ايضا حسب هذه الاحاديث ، ما ورد من الاحاديث الاخرى المتواترة والمتظافرة من ان الامة تفترق على سبعين ونيف فرقة كلها في جهنم عدا واحدة. وقد رأينا ان جميع المذاهب تخالف الشيعة في اصولها وفروعها فهل يعقل ان الشيعة وحدها تكون في جهنم وسائر المذاهب هي الناجية؟ وهذا مناقض لقول رسول الله صلى الله عليه واله فتدبر. (المعرب).

٢٠