لمحات من المعاد

المؤلف:

السيد علي الحسيني الصدر


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات دليل ما
المطبعة: نگارش
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-397-829-7
الصفحات: ١٦٤

١
٢

٣
٤

٥
٦

تمهيد

بِسمِ الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين ، وصلواته وتحيّاته على محمّد النبي الأمين وآله المعصومين ، واللعنة الدائمة على أعدائهم قاطبة من الأولية والآخرين

وبعد فان من العقائد الأصوليّة الثابتة في شريعة سيّد المرسلين عقيدة المعاد في يوم الدين.

يعني الايمان بالمعاد ، والتصديق بيوم القيامة ...

ذلك اليوم الذي تجد كلُّ نفس ما عملت محضرا ، وترى جزاء عملها خيراً ، أو شرّاً.

ذلك اليوم المصيري الذي ينتظرنا ، والنهاية الخالدة التي تواجهنا.

ذلك اليوم الرهيب ، الذي تذهل فيه كلّ مرضعة عمّا أرضعت ، وتضع كلّ ذات حملٍ حملها ، وترى الناس سُكارى وما هم بسكارى ولكنّ عذاب الله شديد.

فلابدّ من معرفة مواقف ذلك اليوم ، للاستعداد قبل حصول اللوم ... ولتكميل العقيدة بالأدلّة السديدة فنستعرض صورة القيامة ومنازل الآخرة على ضوء كتاب الله تعالى وأحاديث النبي والعترة الطاهرة عليهم السلام.

آملين شفاعتهم المرضيّة إلى ربّ العالمين ، فانّهم الوسيلة أحبّ الخلق إليه أجمين.

ليلة الخميس / ٣ ـ رمضان المبارك ١٤٢٤ هجرية

علي بن السيّد محمّد الحسيني الصدر

٧

المعاد

العقيدة الحقّة في المعاد هو الاعتقاد باعادة الله تعالى جسد الانسان بروحه في يوم القيامة ، ليجزى على أعماله السائدة ويعيش الحياة الخالدة.

لا اعادة الروح فقط كما هو المحكي عن جمهور الفلاسفة ..

ولا البدن فقط كما هو المحكي عن أصحاب نفي النفس الناطقة ..

بل اعادة جسم الانسان بروحه المعبّر عنه بالمعاد الجسماني ، فيعود الانسان بعينه وروحه وجسده بحيث لو رآه الرائى قال هذا فلان ،

كما يدلّ على هذا المعاد القرآن الكريم ، وأحاديث الشرع القويم ، ودليل العقل السليم ، وتحقّق فيه اجماع المسلمين ، بل جميع المليّين.

لذلك عرّفه الفاضل المقداد بأنه هو :

(الوجود الثاني للأشخاص الانسانيّة ، بعد موتها ، لأخذ الحق منها أو ايفائه) (١).

وعرّفه الشيخ الطريحي بقوله :

(بعث الأجسام البشريّة ، وتعلّق أنفسها بها ، للنفع والانتصاف والجزاء) (٢).

وعرّفه السيّد الخونساري بقوله :

(رجوع الانس والجن بعد الموت بالحياة ، حتّى يجدوا جزاء أعمالهم الصادرة قبل الموت) (٣).

__________________

(١) إرشاد الطالبيين : ص ٣٨٥.

(٢) مجمع البحرين : ص ٢١٩.

(٣) العقائد الحقّة : ص ١٦٤.

٨

والأدلّة القطعيّة متّفقة متظافرة ، وعلميّة متواترة في إثبات هذا الأصل الأصيل ، والاعتقاد النبيل ، الذي هو الأصل الخامس من اُصول الدين العظيم ، ودعائم الاسلام القويم بصريح الكتاب والسنّة والاجماع والعقل.

بل هو من ضروريّات الانسان ، ومرتكزات الوجدان ، وثابتٌ في جميع الأديان ، واعترف به جميع الأديان والمذاهب في جميع العصور ، إلاّ الدهريّين والطبيعيّين الذين شذّوا عن الحقّ المبين ، وادّعوا : إن هي إلاّ حياتنا الدنيا وما نحن بمبعوثين.

والأدلّة القطعيّة القائمة على المعاد تزيّف هذا الادّعاء والالحاد.

ويحسن أن نشرح الكلام ونبيّن المرام في مقامين :

الأول : الأدلّة القائمة على المعاد.

الثاني : مراحل القيامة للعباد ومن الله تعالى نسأل التوفيق والتسديد انّه هو الوليّ الحميد.

٩

(١)

أدلّة المعاد

المعاد حقيقة يقينيّة ثابتة بكلا الطريقين : الأدلّة الشرعيّة ، والبراهين العقليّة ، أمّا الأدلّة الشرعيّة فكما يلي :

١ ـ دليل الكتاب :

ما أكثر الآيات القرآنيّة الكريمة التي أثبتت هذه الحقيقة العظيمة ، وأكّدت على هذه الواقعة المنتظرة الصادقة.

بحيث جعلتها وعداً حقّاً لا يمكن تخلّفه فقال تعالى : (وَأَقْسَمُوا بِاللَّـهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّـهُ مَن يَمُوتُ بَلَىٰ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) (١).

بل أقسم عليه في قوله تعالى في : (زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن لَّن يُبْعَثُوا قُلْ بَلَىٰ وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ) (٢).

واستدلّ لوقوعه ودفع استبعاده بقوله تعالى : (وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا * قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا * أَوْ خَلْقًا مِّمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَن يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ) (٣).

وبقوله تعالى :

__________________

(١) سورة النحل ، الآية ٣٨.

(٢) سورة التغابن ، الآية ٧.

(٣) سورة الاسراء ، الآيات ٤٩ – ٥١.

١٠

(وَيَقُولُ الْإِنسَانُ أَإِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا * أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا) (١).

وبقوله عزّ اسمه :

(وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَىٰ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (٢).

وردّ الله تعالى على منكريه بقوله عزّ شأنه (٣) :

(وَكَانُوا يَقُولُونَ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ ...).

وقال أيضاً : (وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَن يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ) (٤).

وبيّن تعالى انّ الحشر للجميع بلا استثناء في قوله تعالى (٥) :

(وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا).

وأرشد الله جلّ جلاله إلى أنّ المعاد ضرورة لازمة وحكمة بالغة لمجازات المحسن والمسيء بالعدل فقال تعالى (٦) :

(لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى).

وبيّن البرهان الوجداني والدليل العياني بوقوعه فعلاً في هذه الدنيا لئلّا يبقى أدنى شك وريب واستبعاد في صدق هذه الحقيقة ووقوعها.

__________________

(١) سورة مريم ، الآية ٦٦ ـ ٦٧.

(٢) سورة الروم ، الآية ٢٧.

(٣) سورة الواقعة ، الآيات ٤٧ ـ ٦٢.

(٤) سورة يس ، الآيتان ٧٨ ـ ٧٩.

(٥) سورة الكهف ، الآية ٤٧.

(٦) سورة النجم ، الآية ٣١.

١١

فقال تعالى في قصّة ابراهيم الخليل عليه السلام (١).

(رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى) الخ.

وقال عزّ اسمه في قصّة النبي حزقيل (٢).

(أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَىٰ قَرْيَةٍ) الخ.

وقال جلّ وعلا في قصّة النبي أيّوب (٣).

(وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ) الخ. راجع التفصيل في التفسير.

فتلاحظ أنّ الحجّة الاهيّة قد تمّت في إعلان المعاد ، وتجلّت في بيان هذا اليوم للعباد ، فأعذرت حين أنذرت بهذا الموقف الرهيب ، والملتقى المهيب بقوله عزّ من قائل (٤) :

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَىٰ وَمَا هُم بِسُكَارَىٰ وَلَـٰكِنَّ عَذَابَ اللَّـهِ شَدِيدٌ).

وبيّنت صفات ذلك اليوم العجيب بما أشارت إليه في أسمائهم الحاكية عنه ، وحقّاً هو يوم عظيم كما تنبّىء عنه أسماء يوم القيامة :

١ ـ يوم الحساب : (إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّـهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ) (٥).

٢ ـ يوم التناد : (وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ) (٦).

__________________

(١) سورة البقرة ، الآية ٢٦٠.

(٢) سورة البقرة ، الآية ٢٥٩.

(٣) سورة ص ، الآية ٤٣.

(٤) سورة الحج ، الآيتان ١ ـ ٢.

(٥) سورة ص ، الآية ٢٦.

(٦) سورة غافر ، الآية ٣٢.

١٢

٣ ـ يوم الجمع : (تُنذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ ...) (١).

٤ ـ يوم التغابن : (يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَٰلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ) (٢).

٥ ـ يوم الفصل : (هَـٰذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْنَاكُمْ وَالْأَوَّلِينَ) (٣).

٦ ـ الطّامة الكبرى : (فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى) (٤).

٧ ـ اليوم الموعود : (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ * وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ) (٥).

٨ ـ اليوم المشهود : (ذَٰلِكَ يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ النَّاسُ وَذَٰلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ) (٦).

٩ ـ يوم الحسرة : (وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ) (٧).

١٠ ـ يوم التلاق : (لِيُنذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ * يَوْمَ هُم بَارِزُونَ لَا يَخْفَىٰ عَلَى اللَّـهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ) (٨).

١١ ـ يوم الآزقة : (وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ) (٩).

١٢ ـ الحاقّة : (الْحَاقَّةُ * مَا الْحَاقَّةُ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ) (١٠).

__________________

(١) سورة الشورى ، الآية ٧.

(٢) سورة التغابن ، الآية ٩.

(٣) سورة المرسلات ، الآية ٣٨.

(٤) سورة النازعات ، الآية ٣٤.

(٥) سورة البروج ، الآيتان ١ ـ ٢.

(٦) سورة هود ، الآية ١٠٣.

(٧) سورة مريم ، الآية ٣٩.

(٨) سورة غافر ، الآيتان ١٥ ـ ١٦.

(٩) سورة غافر ، الآية ١٨.

(١٠) سورة الحاقّة ، الآيات ١ ـ ٣.

١٣

١٣ ـ القارعة : (الْقَارِعَةُ * مَا الْقَارِعَةُ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ) (١).

١٤ ـ يوم القيامة : (فَاللَّـهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) (٢).

علماً بأن يوم القيامة ذكر في القرآن الكريم في ٧٠ موضعاً من القرآن الكريم كما جمعت في المعجم ، ص ٥٨١.

وهذا يدلّ على يقينيّة ذلك اليوم الرهيب ، وعظمة ذلك الموقف العجيب ، والله تعالى هو المعين ببركة أهل البيت الطيّبين عليهم السلام.

ولو أردنا استقصاء ما ورد في القرآن الكريم لشؤون القيامة من الآيات البيّنات لاستلزم الصفحات المفصّلات نتركه اختصاراً.

لذلك نكتفي بالاستدلال بجملة من الآيات المباركة التي تفيد المعاد بالجسم والروح لتكون دليلاً على أصل العود الانساني والمعاد الجسماني بالاضافة إلى عود الروح ، ومنها :

١ ـ قوله تعالى في سورة فصّلت ، الآية ٢١ :

(وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّـهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ).

والآية المباركة صريحة في بعثة الجلود في المعاد ، حيث تخاطب وتنطق بقدرة الله تعالى.

٢ ـ قوله تعالى في سورة يس ، الآيتان ٧٨ و٧٩ :

(قَالَ مَن يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ). وهي صريحة في إحياء العظام يوم القيامة.

__________________

(١) سورة القارعة ، الآيات ١ ـ ٣.

(٢) سورة البقرة ، الآية ١١٣.

١٤

٣ ـ قوله تعالى في سورة النور ، الآية ٢٤ :

(يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).

وهي صريحة في بعثة الأبدان بألسنتهم والأيدي والأرجل التي هي أعضاء الجسم.

٤ ـ قوله تعالى في سورة القيامة ، الآيتان ٣ و٤ :

(أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَلَّن نَّجْمَعَ عِظَامَهُ * بَلَىٰ قَادِرِينَ عَلَىٰ أَن نُّسَوِّيَ بَنَانَهُ).

وهي مفيدة لاعادة أجزاء وجزئيات بدن الانسان كالبنان وهي الأنامل بما تشتمل عليه من الخطوط.

٥ ـ قوله تعالى في سورة القمر ، الآية ٧ :

(خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ).

هذه الآية الشريفة تبيّن حتّى صفاتهم وحالاتهم البدنيّة وخشوعهم في معادهم وحشرهم.

٦ ـ قوله تعالى في سورة النساء ، الآية ٥٦ :

(كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُم بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ).

حيث يستفاد منها المعاد بالجلد وشعور الجلد بألم العذاب.

وهذه الآيات الكريمة تدلّنا بأوضح دلالة وأفصح بيان أن عودة الانسان تكون بيده ورجله وجلده وبصره ولسانه وعظامه مع ادراكه واحساسه ، ممّا يقطع معها بكون المعاد بالجسم والروح معاً لا الروح فقط بدن أيّ تردّد وتأويل ، أو شكّ أو احتمال عليل ، خصوصاً مع التعبير في سورة الحج ، الآية ٧ بقوله عزّ اسمه :

(وَأَنَّ اللَّـهَ يَبْعَثُ مَن فِي الْقُبُورِ).

فبديهي أن الذي في القبر هو البدن لا الروح ، وهو الذي يبعث بعد احياء الله تعالى له ونفخ الروح فيه.

وبهذا يظهر لك أنّ المعاد يوم القيامة حقيقة ثابتة جليّة في الآيات القرآنية التي هي

١٥

حجّة الهيّة وأدلّة علميّة ..

فهي عقيدة اسلاميّة حقّة يلزم تصديقها والاذعان بها ...

وقد تبث المعاد معاداً بالجسم حتّى في الكتب السماوية السابقة ..

ففي التوراة ، الكتاب الأول لصموئيل ، الباب ٢ ، الجملة ٦ : (الله يميت ويحيي ويُدخل في القبور ويبعث منها).

وفي زبور داود عليه السلام ، السورة العاشرة : (أيّها الناس لا تغفلوا عن الآخرة ولا تغرّنكم الحياة لبهجة الدنيا ونضارتها ، يا بني إسرائيل! لو تفكّرتم في منقلبكم ومعادكم وذكرتم القيامة وما أعددت فيها للعاصين قلّ ضحككم وكثر بكاؤكم ، ولكنكم غفلتم عن الموت ، ونبذتم عهدي وراء ظهوركم ، واستخففتم بحقّي كأنّكم لستم بمسيئين ولا محاسبين ...).

وفي انجيل يوحنا ، الباب ٥ ، الجملتين ٢٧ و٢٨ : (تأتي ساعة يسمع جميع من في القبور صوته ، ويخرجون منها ، فكلّ من عمل حسناً له الحياة السعيدة ، ومن عمل سيّئاً له الجزاء السيّء).

وعليه فالقرآن الكريم والكتب السماويّة ناطقة بالمعاد ، ومثبتة لعود العباد.

٢ ـ دليل السنّة :

الأحاديث الشريفة متظافرة متواترة في يوم الدين وحشر العالمين بصورةٍ تفيد العلم اليقين بيوم المعاد وقيامة العباد.

نختار منها جملة من أحاديث النبي والعترة سلام الله عليهم فيما يلي يستدلّ بها على أصل المعاد وكونه معاداً جسمانيّاً ، فمنها :

١ ـ خطبة أميرالمؤمنين عليه السلام المعروفة بالغرّاء ، جاء فيها :

«حَتَّى إِذَا تَصَرَّمَتِ الْأُمُورُ وَتَقَضَّتِ الدُّهُورُ وَأَزِفَ النُّشُورُ أَخْرَجَهُمْ مِنْ ضَرَائِحِ الْقُبُورِ وَأَوْكَارِ الطُّيُورِ وَأَوْجِرَةِ السِّبَاعِ وَمَطَارِحِ الْمَهَالِكِ سِرَاعاً إِلَى أَمْرِهِ مُهْطِعِينَ إِلَى

١٦

مَعَادِه ...» (١).

٢ ـ حديث الامام الصادق عليه السلام :

«إِذَا أَرَادَ اللهُ أَنْ يَبْعَثَ أَمْطَرَ السَّمَاءَ عَلَى الْأَرْضِ أَرْبَعِينَ صَبَاحاً فَاجْتَمَعَتِ الْأَوْصَالُ وَنَبَتَتِ اللُّحُوم» (٢).

٣ ـ حديث الاحتجاج عن الامام الصادق عليه السلام في جواب المسائل جاء فيه :

«أَفَتَتَلاشَى الرُّوحُ بَعْدَ خُرُوجِهِ عَنْ قَالَبِهِ أَمْ هُوَ بَاقٍ؟

قَالَ عليه السلام : بَلْ هُوَ بَاقٍ إِلَى وَقْتٍ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَعِنْدَ ذَلِكَ تَبْطُلُ الْأَشْيَاءُ وَتَفْنَى فَلا حِسَّ وَلا مَحْسُوسَ ثُمَّ أُعِيدَتِ الْأَشْيَاءُ كَمَا بَدَأَهاَ مُدَبِّرُهَا وَذَلِكَ أَرْبَعُمِائَةِ سَنَةٍ يَسْبُتُ فِيهَا الْخَلْقُ وَذَلِكَ بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ.

قَالَ : أَنَّى لَهُ بِالْبَعْثِ وَالْبَدَنُ قَدْ بَلِيَ وَالْأَعْضَاءُ قَدْ تَفَرَّقَت؟

قَالَ عليه السلام : إِنَّ الَّذِي أَنْشَأَهُ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ ، وَصَوَّرَهُ عَلَى غَيْرِ مِثَالٍ كَانَ سَبَقَ إِلَيْهِ ، قَادِرٌ أَنْ يُعِيدَهُ كَمَا بَدَأَه» (٣).

٤ ـ حديث الصدّيقة الطاهرة فاطمة الزهراء عليها السلام :

«قالت : يَا أَبَتِ أَخْبِرْنِي كَيْفَ يَكُونُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟

قَالَ : يَا فَاطِمَةُ يُشْغَلُونَ فَلا يَنْظُرُ أَحَدٌ إِلَى أَحَدٍ وَلا وَالِدٌ إِلَى الْوَلَدِ وَلا وَلَدٌ إِلَى أُمِّه ...» (٤).

٥ ـ حديث الامام الصادق عليه السلام :

«سُئِلَ عَنِ الْمَيِّتِ يَبْلَى جَسَدُهُ؟ قَالَ : نَعَمْ حَتَّى لا يّبْقَى لَهُ لّحْمٌ وَلا عَظْمٌ إِلّا طِينَتُهُ الَّتِي

__________________

(١) نهج البلاغة : ج ١ ، ص ١٣١ ، الخطبة ٨٠.

(٢) البحار : ج ٧ ، ص ٣٩ ، ح ٨.

(٣) الاحتجاج : ج ٢ ، ص ٩٧.

(٤) جامع الأخبار : ص ٤٤٩ ، الحديث ١٣٨٥.

١٧

خُلِقَ مِنْهَا ، فَإِنَّهَا لا تُبْلَى تَبْقَى فِي الْقَبْرِ مُسْتَدِيرَةً حَتَّى يُخْلَقَ مِنْهَا كَمَا خُلِقَ أَوَّلَ مَرَّةٍ» (١).

٦ ـ الحديث النبوي المبارك :

«يَا بَنِي عَبْدِالْمُطَّلِبِ إِنَّ الرَّائِدَ لا يَكْذِبُ أَهْلَهُ وَالَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ لَتَمُوتُنَّ كَمَا تَنَامُونَ وَلَتَبْعَثُنَّ كَمَا تَسْتَيْقِظُونَ وَمَا بَعْدَ الْمَوْتِ دَارُ إِلّا جَنَّةُ أَوْ نَارٌ وَخَلْقُ جَمِيعِ الْخَلْقِ وَبَعْثُهُمْ عَلَى اللهِ عَزَّوَجَلَّ كَخَلْقِ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَبَعْثِهَا ...» (٢).

٧ ـ حديث الخطبة العلويّة الشريفة :

«اسْمَعْ يَا ذَا الْغَفْلَةِ وَالتَّصْرِيفِ مِنْ ذِي الْوَعْظِ وَالتَّعْرِيفِ جُعِلَ يَوْمُ الْحَشْرِ يَوْمَ الْعَرْضِ وَالسُّؤَالِ وَالْحِبَاءِ وَالنَّكَالِ يَوْمَ تُقَلَّبُ إِلَيْهِ أَعْمَالُ الْأَنَامِ وَتُحْصَى فِيهِ جَمِيْعُ الْآثَامِ يَوْمَ تَذُوبُ مِنَ النُّفُوسِ أَحْدَاقُ عُيُونِهَا وَتَضَعُ الْحَوَامِلُ مَا فِي بُطُونِهَا وَتَفَرَّقُ مِنْ كُلِّ نَفْسٍ وَجِيبُهَا وَيَحَارُ فِي تِلْكَ الْأَهْوَالِ عَقْلُ لَبِيبِهَا ...

إلى قوله عليه السلام : يَا لَهَا مِنْ سَاعَةٍ مَا أَشْجَى مَوَاقِعَهَا مِنَ الْقُلُوبِ حِينَ مُيِّزَ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقُ فِي السَّعِيرِ ، مِنْ مِثْلِ هَذَا فَلْيَهْرَبِ الْهَارِبُونَ ، إِذَا كَانَتِ الدَّارُ الْآخِرَةُ لَهَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ».

٨ ـ كتاب أمير المؤمنين عليه السلام إلى أهل مصر مع محمّد بن أبي بكر :

«يَا عِبَادَ اللهِ إِنَّ بَعْدَ الْبَعْثِ مَا هُوَ أَشَدُّ مِنْ الْقَبْرِ يَوْمَ يَشِيبُ فِيهِ الصَّغِيرُ وَيَسْكَرُ فِيهِ الْكَبِيرُ وَيَسْقُطُ فِيهِ الْجَنِينُ وَتَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ يَوْمٌ عَبُوسٌ قَمْطَرِيرٌ يَوْمَ كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً ، إِنَّ فَزَعَ ذَلِكَ الْيَوْمِ لَيُرْهِبُ الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ لا ذَنْبَ لَهُمْ وَتَرْعُدُ مِنْهُ السَّبْعُ الشِّدَادُ وَالْجِبَالُ الْأَوْتَادُ وَالْأَرْضُ الْمِهَاد ...» (٣).

٩ ـ حديث الامام الرضا عليه السلام :

__________________

(١) الكافي : ج ٣ ، ص ٢٥١ ، باب النوادر ، ح ٧.

(٢) البحار : ج ٧ ، ص ٤٧ ، ب ٣ ، ح ٣١.

(٣) البحار : ج ٧ ، ص ١٠٢ ، ب ٥ ، ح ١٦.

١٨

«إِنَّ أَوْحَشَ مَا يَكُونُ هَذَا الْخَلْقُ فِي ثَلاثَةِ مَوَاطِنَ يَوْمَ يُولَدُ وَيَخْرُجُ مِنْ بَطْنِ أُمَّهِ فَيَرَى الدُّنْيَا ، وَيَوْمَ يَمُوتُ فَيُعَايِنُ الْآخِرَةَ وَأَهْلَهَا ، وَيَوْمَ يُبْعَثُ فَيَرَى أَحْكَاماً لَمْ يَرَهَا فِي دَارِ الدُّنْيَا» (١).

١٠ ـ الحديث العلوي الشريف :

«إِنَّ فِي الْقِيَامَةِ لَخَمْسِينَ مَوْقِفاً كُلُّ مَوْقِفٍ أَلْفُ سَنَةٍ فَأَوَّلُ مَوْقِفٍ خَرَجَ مِنْ قَبْرِهِ حُبِسُوا أَلْفَ سَنَةٍ عُرَاةً حُفَاةً جِيَاعاً عِطَاشاً ،

فَمَنْ خَرَجَ مِنْ قَبْرِهِ مُؤْمِناً بِرَبِّهِ ، وَمُؤْمِناً بِجَنَّتِهِ وَنَارِهِ ، وَمُؤْمِناً بِالْبَعْثِ وَالْحِسَابِ وَالْقِيَامَةِ ، مُقِرّا بِاللهِ ، مُصَدِّقاً بِنَبِيِّهِ صلى الله عليه وآله وَبِمَا جَاءَ مِنْ عِنْدِ اللهِ عَزَّوَجَلَّ نَجَا مِنَ الْجُوعِ وَالْعَطَش ...» (٢).

فالسنّة متوترة قطعيّة بل فوق التواتر مضافاً إلى الكتاب الكريم في اثبات المعاد ، وهي توجب الاعتقاد اليقيني بذلك اليوم المصيري.

وليست الأحاديث من طريق الخاصّة فقط بل حتّى من طريق العامّة كما تلاحظ أحاديثهم في أبواب الحشر من كنز العمّال ج ١٤ ، ص ٣٥٥ إلى ص ٦٧٦.

٣ ـ دليل الاجماع :

بالاضافة إلى الأدلّة المتقدّمة تحقّق الاجماع من كلّ أهل دينٍ وملّة على يوم المعاد وجزاء العباد.

بل أصبح في الاسلام من البديهيّات في الشرع المبين ، ومن الضروريّات عند المسلمين ، بحيث يوجب العلم واليقين على الصعيد الاعتقادي الصحيح.

قال الشيخ الصدوق رحمه الله :

__________________

(١) البحار : ج ٧ ، ص ١٠٤ ، ب ٥ ، ح ١٨.

(٢) البحار : ج ٧ ، ص ١١١ ، ب ٥ ، ح ٤٢.

١٩

(اعتقادنا في البعث أنّه حق) (١).

وقال العلّامة الحلّي من محكي كتاب أنوار الملكوت الذي هو شرح كتاب الياقوت لأبي اسحاق إبراهيم النوبختي من قدماء المتكلّمين :

(اتّفق المسلمون على اعادة الأجسام خلافاً للفلاسفة) (٢).

وقال المحقّق نصيرالدين الطوسي :

(الضرورة قاضية بثبوت الجسماني من دين النبي صلّى الله عليه وآله) (٣).

وقال المحقّق الدواني من محكي كتاب شرح العقائد العضديّة :

(والمعاد ـ أي الجسماني فانه المتبادر من إطلاق أهل الشرع ، إذ هو الذي يجب الاعتقاد به ويكفر من أنكره ـ حقّ باجماع أهل الملل الثلاثة) (٤).

وقال شيخ الاسلام المجلسي :

(اعلم أن القول بالمعاد الجسماني ممّا اتّفق عليه جميع المليّين ، وهو من ضروريّات الدين ، ومنكره خارج عن عداد المسلمين.

والآيات الكريمة في ذلك ناصّة لا يُعقل تأويلها.

والأخبار فيه متواترة لا يمكن ردّها ولا الطعن فيها.

وقد نفاه أكثر ملاحدة الفلاسفة تمسّكاً بامتناع اعادة المعدوم ولم يقيموا دليلاً عليه ، بل تمسّكوا تارة بادّعاء البداهة ، واُخرى بشبهات واهية لا يخفى ضعفها على من نظر فيها بعين البصيرة واليقين ، وترك تقليد الملحدين من المتفلسفين) (٥).

__________________

(١) الاعتقادات للشيخ الصدوق : ص ٦٤.

(٢) حكاه في حقّ اليقين : ج ٢ ، ص ٣٦.

(٣) تجريد الاعتقاد المفصلات : ص ٣٠٠.

(٤) حكاه في حقّ اليقين : ج ٢ ، ص ٣٧.

(٥) بحار الأنوار : ج ٢ ، ص ٤٧.

٢٠