غاية المسؤول في علم الأصول

السيّد محمّد حسين بن محمّد علي الشهرستاني

غاية المسؤول في علم الأصول

المؤلف:

السيّد محمّد حسين بن محمّد علي الشهرستاني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٥٦

برجوع الأصول العدمية إليه وهو أيضا حجّة من باب الظّنّ النّوعي هذا حاصل ما ذكره القائلون بحجّيّة المذكورات بخصوصها وأمّا القائل بانفتاح باب العلم في اللّغات فله مسلك آخر وهو أنّ حجّيّته بعض ما ادّعوه من الظنون الخاصة مسلم لا كلّيّة والمسلم من حجّيّة نقل اللّغويّين هو النقل الّذي كان مشتملا على شرائط الشهادة من العدد والعدالة والإجماع فيما عدا ذلك ممنوع وما يوقع في الوهم هو أنهم كانوا يقولون على مطلق النّقل في حل اللّغات الواردة في الأشعار والخطب دون ما يتعلّق بالأحكام الشرعية ولا ريب في اعتبار الظّنّ المطلق في أمثال ذلك لأنّ المدار في أمثاله يكون على المسامحة ولا يثمر في المقام وأمّا الأصول العدمية فحجّيّتها بخصوصها مما لا يمكن إنكاره لكنّه لا يثمر غالبا إذ لا يثبت بها وضع لشيء معين بل ينفى بها الوضع الجديد إمّا مطلقا كأصالة عدم النقل والاشتراك أو في زمان خاص كأصالة التّأخّر وأصالة عدم القرينة فرع التّبادر بل الحق أنّ المدار في اللّغات على العلم إذا اللّغة إمّا مادة أو هيئة والعلم بالأوّل قد يحصل بنقل أهل اللّغة وإرسالهم المسلم فإذا شاهدناهم يذكرون للّفظ معنى بطريق التّسليم من دون نقل المخالف يحصل العلم بذلك خصوصا إذا تعدد الناقل وقد يحصل بالرّجوع إلى لسان أهل العرف وما يفهمونه بلا قرينة وهو أيضا يفيد العلم وإذا شكّ في استناد فهمهم إلى القرينة دفع بأصالة العدم الّتي ثبت حجّيّتها بخصوصها وإن احتاج إلى إثباته بالنّسبة إلى الزمان السّابق تمسّك بأصالة عدم النقل وهو أيضا كذلك والثّاني يعلم بالاستقراء القطعي وهو كثير وبالجملة المداد في اللغة غالبا على العلم وإن لم يتم بنفسه فبضميمة الظنون الخاصة وإذا لم يكون فالاحتياط أو البراءة لعدم استلزامهما العسر والخروج من الدين لأنّ المورد المحتاج إليها أقلّ قليل وإن لم يمكن إجراؤهما في مورد فحينئذ يعمل بالظنّ المطلوب كما لو اشتبه معنى الكلالة مثلا وتردد بين شخصين ولم يمكن تعيينه بالعلم والظّنون بخاصة فحينئذ يعمل بالظّنّ المطلوب إذ لا يمكن الاحتياط بإعطائهما معا المال الموروث ولا البراءة بمنعهما عنه والحاصل عدم حجّيّة الظّنّ المطلوب في اللّغة إلاّ في أمثال هذه الموارد هذا والحق حجّيّة الظّنّ المطلوب في اللّغات وبطلان القولين الآخرين أمّا القول الأوّل فنقول الاستدلال بالإجماع المذكور فيه غير تمام إذ الإجماع إنّما هو على العمل بالمذكورات ووجه العمل غير معلوم فلعلّه لحجّيّة الظّنّ المطلوب ولا تسلم أنّهم كانوا يعملون بالمذكورات وإن لم تفد الظّنّ فعلا ويؤيد ذلك أنّ بعض القائلين بحجّيّة نقل النقلة قد صرح في موضع آخر بتحقق الإجماع على حجّيّة الظّنّ في اللّغة أو حجّيّة الظّنّ المطلوب فيها والأوّل أيضا ظاهر في الظّنّ المطلوب لورود الحجّيّة على طبيعة الظّنّ فيه مع أنّ نقل النقلة إذا كان ظنّا خاصّا فإما يكون من باب النبإ أو الشهادة وليس كذلك لابتنائهما على العلم والحسّ

٢١

ونقل النقلة ليس مبنيا عليهما بل هو مبنيّ على اجتهاداتهم الظنّيّة واجتهاد شخص لا يكون حجّة على آخر إلاّ إذا أفاد له الظّنّ وحجّيّته حينئذ من باب الظّنّ المطلوب ويؤيده أنهم أوردوا على الاستدلال لحجّيّة مفهوم الوصف بفهم أبي عبيدة من قوله عليه‌السلام ليّ الواجد يحل عقوبته أنّ ليّ غير الواحد لا يحل عقوبته بأنّه كان عن اجتهاد وهو لا يكون حجّة ونظيره ما ذكروه من أنّ حجّيّة تعديل أرباب الرجال للرّاوي ليست لكونه من باب النبإ والشهادة بل هي لكونه مفيدا للظنّ المطلق لأنّه مبنيّ على اجتهاداتهم لا على العلم والحس فإن قلت إنّ عملهم على نقل النقلة كاشف عن أنّ نقلهم مبني على النقل القطعي من الواضع لا على الاجتهاد قلت إنّ هذا أمر وجداني يظهر لمن شاهد الاستدلالات المذكورات في تلك الكتب حيث يستدلّون بالوجوه الضّعيفة الّتي قد لا يحصل منها الظّنّ المطلق فضلا عن كونها مفيدة للعلم ومن العيان أنّ كل مصنّفي اللّغة لم يكن تصنيفهم ونقلهم مبنيا على الاستقراء القطعي بل كل منهم يعتمد على ما يفيد له الظّنّ وحينئذ فليجعل ذلك دليلا على أنّ وجه الإجماع على العمل بالمذكورات هو حجّيّة الظّنّ مطلقا وأمّا التّقرير فلعلّه أيضا لحجّيّة الظّنّ مطلقا بل لا يمكن أنّ يستدلّ به على الظّنّ النوعي إذا التّقرير إنّما هو لاحق لعمل العامة بالمذكورات فلا بد أن يكون عملهم بها مستندا إلى حكم العقل وهو لا يتعبّد بالشك والوهم والظّنّ النّوعي إن لم يكن فعليا فهو عين الشكّ والوهم فظهر أنّ التّقرير إنّما هو على العمل بها من باب الظّنّ الفعلي وهو عين القول بالظنّ المطلق إذ القائل بالظنّ الخاص قائل بكفاية الظّنّ النوعي وهو غير ما قرره الإمام عليه‌السلام وأمّا الثّاني فيما ذكرنا ظهر ما فيه بالنسبة إلى جعله الأصول حجّة بخصوصها وجعله نقل النقلة كذلك عند وجود شرائط الشهادة وأمّا ادعاؤه انفتاح باب العلم ففيه أنّ إرسال المسلم في كتبهم ليس كاشفا عن الاتّفاق حتى يحصل منه القطع بل ذلك لعدم عثورهم على المخالف مع أنّ ذكرهم معنى اللّفظ ليس بطريق النقل عن الواضع بل كل منهم يعتمد على ما حصل له الظّنّ به وربما كان اعتمادهم على الوجوه الّتي قد لا تفيد الظّنّ كما لا يخفى على من لاحظ استدلالهم على دلالة الأمر على الوجوب وغير ذلك من المباحث اللغوية ولو سلّم حصول القطع للنّقلة فلا يكون موجبا لحصول القطع لنا لأنّ قطعهم على فرض تسليمه مبنيّ على حدسهم واجتهادهم إذ لا ينقلون ذلك معنعنا عن الواضع وحدس شخص ليس مورّثا لحصول القطع للآخر ولهذا شرطوا في التّواتر أن يكون المخبر به محسوسا ليسلم من احتمال الخطإ لكثرة الخطإ في الحدسيات ويؤيده ما أوردوه على الأخباريين في استدلالهم لقطعية الأخبار بشهادة المحمّدين الثلاثة بصحّة ما في كتبهم ومعنى الصّحّة قطعيّة الصدور مضافا إلى ما كان دأب القدماء من النّقد والانتخاب في الأخبار وتمييز الأخبار الموضوعة عن غيرها فإذا

٢٢

لوحظ هذه الأمور مع قرائن أخرى أيضا حصل القطع بصحّة ما في الكتب الأربعة من أنّ حكمهم بالصّحة لا يدل على القطعية لاحتمال أن يكون الاعتماد عليه لحجّيّة الظّنّ المطلوب عندهم مع أنّه لو سلم حصول القطع بالصحة لهم فلا يحصل لنا إذ كان ذلك مبنيّا على حدسهم واجتهادهم في تنقيح الأخبار وحدس المجتهد ليس سببا لحصول القطع الآخر إذ الخطاء في الحدسيّات كثير بل ربما يدعي واحد منهم الاجتماع في مورد والآخر الإجماع على خلافه وذلك ليس إلاّ لاختلاف الحدسيّات أو جواز تطرّق الخطاء إليها وأمّا الرجوع إلى العرف فنقول إنّه لا يفيد العلم إذ لا أقلّ من احتمال أنّ فهمهم مبنيّ على قرائن حالية أو مقالية والقطع بعدمها مما يتعسّر أو يتعذّر وكيف يدعي ذلك مع ما نرى أنّ الألفاظ المتداولة كالأمر والنهي ونحوهما قد صار محل الاختلاف العظيم فإذا لم يحصل العلم من العرف بهذه الألفاظ المتداولة فكيف يحصل بغيرها وإتمامه بضميمة أصالة عدم القرينة لا يثبت المطلوب وهو حجّيّة الظّنّ الخاص لما عرفت أنّ حجّيّة الأصول ليست إلاّ من باب الظّنّ المطلوب وهكذا إتمامه بالنسبة إلى الزّمان السّابق بضميمة أصالة عدم النقل إذ هي أيضا من باب الظّنّ المطلوب على ما عرفت مضافا إلى تحقق العلم الإجمالي بثبوت النقل في الألفاظ الثّابتة في الزّمان السّابق فيرتفع أصالة عدم النقل بثبوت العلم الإجمالي كما أنّ بالعلم بثبوت التّكاليف الشرعيّة انقطع أصالة البراءة وترجيح أنّ هذا اللّفظ ليس من ألفاظ المنقولة دون ذلك اللّفظ إنّما يصير بالظنّ المطلق فثبت حجّيّة الظّنّ المطلق في اللّغات بالأدلّة المذكورة سابقا من تقرير المعصوم أو من باب الاستلزام أو لإجراء دليل الانسداد في نفس اللّغات إمّا بأن يقال إنّ باب العلم في أغلبها منسدّة أو أنها منسدّة في جملة منها لسريان الاحتياج إليها في غالب موارد الفقه كلفظ الصعيد مثلا للاحتياج إليه في أبواب الصّلاة والأقارير والوصايا والعهود وأمثال ذلك يستلزم إجراء أصل البراءة فيها للخروج عن الدين بسبب المخالفة القطعيّة والاحتياط للعسر والحرج هذا ويشكل الأمر في بعض الظنون الّتي اتّفقوا على عدم حجّيّتها في اللّغات كالقياس إذ لم يجوّزه هنا من جوّزه في الأحكام وكالظّنون اللّمّيّة كالّذي استدلّوا به في تعارض الأحوال على ترجيح الاشتراك على المجاز من أكثريّة الفائدة استدلّوا على العكس بالأوسعيّة وأمثال ذلك فإنّهم ذكروا الاتّفاق على عدم حجّيّتها أيضا فكيف يجتمع ذلك مع القول بحجّيّة الظّنّ مطلقا ويمكن الجواب بوجهين أحدهما أنهم لمّا اتّفقوا على توقيفيّة اللّغة ويلزمه عدم جواز إثباتها بالعقل وإلاّ لم تكن توقيفيّة وجب إجراء دليل الانسداد على الظّنون بحيث لا ينافي التّوقيفيّة بأن يكون مقتضاه حجّيّة الظّنون الإنّيّة دون اللّمّيّة ودون القياس ليجتمع مع الإجماع على التّوقيفيّة وهذا الوجه ضعيف والثّاني

٢٣

أنّ نتيجة دليل الانسداد مهملة وهي حجّيّة الظّنّ إمّا جميع الظّنون أو البعض فهو من الخارج إذ من مقدّماته استلزام الاحتياط في جميع الموارد العسر والحرج والبراءة الخروج من الدّين فلا بد من حجّيّة جملة من الظّنون لئلاّ يلزم المحذوران فإن ثبت هناك ظنون راجحة الاعتبار بحيث يكتفى بها في أغلب الموارد ويخرج به عن المحذورين فلا مانع من عدم حجّيّة سائر الظّنون حينئذ وإلاّ وجب الحكم بحجّيّة الجميع لئلا يلزم التّرجيح بلا مرجّح وحينئذ نقول إنّ لنا ظنونا راجحة ذاتا واعتبارا في أغلب الموارد وهو ما سوى ما علم أو ظنّ عدم اعتباره وبذلك نخرج عن المحذورين والقياس والظّنون اللّمّيّة من الظّنون المقطوعة بعدم الاعتبار للإجماع المذكور فلا يضر عدم حجّيّتها بحجّيّة دليل الانسداد أقول الجواب الثّاني أصحّ إلاّ أنّ عدم حجّيّة الظّنون اللّمّيّة كلّيّة ممنوع فإنّا نراهم يستدلّون بدليل الحكمة على إثبات وضع صيغة للعموم وباستقراء أرباب الحرف والصّناعات الخاصة على ثبوت الحقيقة الشّرعيّة فالأولى القول بالتفصيل وأنّ العلة المستفادة قد تكون من الأمور الّتي نعلم أنها معتبرة عند الواضع كالاحتياج إلى الإفادة والاستفادة في الموردين المذكورين فإنّ كون العام من المعاني المحتاج إليها علة لأن يوضع له لفظ والاحتياج معتبرة عند الواضع فهو لا يقصر عن سائر الظّنون ذاتا واعتبارا حتى يرجح البواقي عليه بخلاف تكثّر الفائدة في ترجيح الاشتراك على المجاز وهو إذ لا نعلم اعتبار ذلك عند الواضع كما لا يمكن الحكم بمحض وجود مناسبة ذاتيّة بين اللفظ والمعنى بأنّه موضوع لذلك المعنى لعدم العلم بأنها معتبرة عند الواضع وبذلك علم وهن ما قيل في جواب القائلين بأنّ دلالة الألفاظ ذاتيّة من أنّها لو كانت بالمناسبات الذاتية لما فهم المعنى بدون العلم بالمناسبات بل فهم المعنى للجاهل بها إنّما هو بالوضع نعم لو علم أحد بالمناسبة الذّاتيّة لم يحتج إلى العلم بالوضع بل نفس المناسبة حينئذ كاشفة عن الوضع بيان بطلانه أن كشف المناسبة عن الوضع مبنيّ على العلم بأنّ الواضع اعتبر المناسبات الذاتيّة وهو ممنوع إذ لا يمكن العلم بذلك فلعل المرجح له في الوضع لهذا المعنى دون غيره أمر آخر غير المناسبات الذاتيّة ثم اعلم أنّه لا يجوز العمل بالظّنون الحاصلة قبل الفحص والاجتهاد للاتّفاق على عدم حجّيّتها قبله ولذا ذكروا أنّ نقل النقلة ليس بحجّيّة إذا علم مستندهم بل يجب الاجتهاد في المستند إذ قبله يصير تقليدا إذ ليس النقل حينئذ مستندا لنا بل إنّما يكون النقل مستندا لنا إذا لم نعلم مستنده وبهذا اعتذر بعضهم عن تدوين الهيئات اللّغويّة في علم الأصول كالمشتق والأمر والنهي والعام والخاص وأمثال ذلك دون موادها لإمكان الاجتهاد في الأوّل بالرجوع

٢٤

إلى العرف المترادف له لاتّحاد المترادفات الهيويّة معنى بالنّسبة إلى اللغات فإن صيغة افعل لو كان للوجوب لكان مترادفاتها من سائر اللغات أيضا كذلك فإذا علم دلالة مترادفة مثلا على الوجوب ثبت دلالته أيضا بخلاف المواد لعدم العلم بالمستند وعدم إمكان الاجتهاد بالرّجوع إلى المرادف إذ لا يعلم التّرادف إلاّ بعد العلم بمعناه المادّي وبعده لا نحتاج إلى ملاحظة الترادف وفيه نظر سيأتي في نقل النّقلة فافهم هذا الكلام في الحجّيّة بقي الكلام في بيان كشفها عن الوضع وهو موقوف على التفصيل فنقول إن منها نقل النّقلة والمتواتر منه وكذا الآحاد المحفوفة بالقرائن القطعيّة وأمّا الآحاد المفيدة للظنّ فكشفها ظنّي وعلى أيّ تقدير فهو حجة على ما عرفت وخالف في ذلك بعضهم فقال إنّ المتواتر منه غير موجود وكذا الآحاد المحفوفة بالقرائن القطعية والآحاد الغير المحفوفة لا تفيد الظنّ واستدلّ على الأوّل بوجوه منها عدم تحقّق عدد التواتر في المدوّنين للّغة من الصدر الأول بل نقل إنّ المدوّنين لا يزيدون عن ستة أو سبعة ومنها عدم تحقق الشروط المعتبرة في التواتر في جميع الطبقات وهي أن يكون عدد كلّ منها عدد التواتر وينقل كلّ واحد من أهل الطبقة اللاحقة عن كلّ واحد من أهل الطبقة السّابقة وليس فيما نحن فيه كذلك وهو ظاهر فلم يوجد فيها التواتر وإلا لم يقع الاختلاف فكيف بالألفاظ الغير المتداولة وعلى الثالث بوجود الاختلالات العظيمة الواقعة في الناقلين كعمل بعضهم بالقياس فيها كالمازني حيث قال المقيس على لغة العرب لغة العرب وارتجال ناقلي أشعار العرب الألفاظ الموضوعة ونسبتها إليهم على ما نقل من أن الشعراء الّذين يستشهد بأشعارهم قد انقرضوا في زمان النّبيّ لكثرة القتال الواقع في زمانه صلى‌الله‌عليه‌وآله والحافظون لأشعارهم قد كانوا ينسبون الألفاظ المجعولة إليهم لأغراض دعتهم إلى ذلك ولذا قيل إن المنقول من لغة العرب أقل قليل وكذا وضع بعض النّاقلين للّغات كالأصمعي فإنه كان جعالا بوضع اللغة وكذا حكاية تصديق العرب الكسائي في المسألة الزّنبوريّة حيث أوشوا على ذلك على ما قيل ويؤيّده ما نقل عن ابن جني أنّه وضع في كتاب الخصائص بابا في تخطئة بعض الأكابر لبعض وبابا في غرائب اللغة وكتاب العين المنسوب إلى الخليل مشتمل على الأغاليط ولذا قيل إنّه ليس من الخليل وغير ذلك من وجوه الاختلالات التي بها يخرج النقل عن إفادة الظنّ نوعا فضلا عن إفادته فعلا وفي الجميع نظر أمّا الأول فلأن كلا من الوجهين الأوّلين في منعه مبني على اشتراط النقل المعنعن في حصول العلم وهو ممنوع إذ قد يحصل العلم بسبب التسامع والتظافر وإرسال المسلم بين ناقلي اللغة

٢٥

بأن ذلك واصل إليهم من الواضع لكشفه عن تسالم الطبقة الثانية لبعد تسالم الأولى واختلاف الثانية وهكذا إلى أن يصل إلى الواضع وهذا يفيد العلم وإن لم يكن تواتر اصطلاحيّا بل قد يحصل العلم من تعدّد الطريق وإن لم يكن على شرائط التّواتر والوجه الثالث أيضا باطل إذا الاختلاف لا يضر بالتّواتر إذ لعلّ المخالف كان مسبوقا بشبهة وقد اشترط في حصول العلم بالتواتر أن لا يكون السامع مسبوقا بشبهة وكيف يضرّ ذلك وقد وقع الاختلاف في الضروريّات كوجود الصانع واحتياج الممكن إلى المؤثّر وهو لا يضرّ بكون المسألة ضروريّة نعم يمكن منع التواتر بأن يقال إنّ ضبطهم اللغة ليس مبنيّا على النقل بل هو لاجتهادهم فيها وكلّ منهم عامل برأيه وحجيّة قولهم إنما هو لكونهم نظير أهل الخبرة كالمقوم والصيرفي لا لكونه نبأ أو شهادة حتّى يرد عليه أنه ليس مبنيّا على أمر محسوس (وأمّا الثّالث) فنقول هذه الاختلالات لا يضرّ بحصول الظنّ من خبر من نثق بضبطه وتدقيقه في تميز اللغات ونقدها وانتخابها كالفيروزآبادي والجوهري وأمثالهما مع أن ما ذكر من الاختلالات يوجب ارتفاع الظنّ فيما إذا اختلف النقلة أمّا إذا اتّفقوا في مورد فلا مجال لإنكار حصول الظنّ بقولهم وبالجملة هذه من الوضوح بحيث يستغني عن البيان إنّما الشأن في تميز الحقيقة والمجاز بالرّجوع إلى نقل النّقلة فنقول لا إشكال فيما إذا صرحوا بكونه حقيقة أو مجازا أو ذكروا ما يشعر بذلك ولو ظنا كان يقال إنّه يفيد كذا أو اسم لكذا في بيان الحقيقة وقد يستعمل في كذا وقد يفيد كذا ونحو ذلك في بيان المجاز وذكر معنى واحد للفظ ظاهر في الحقيقية لبعد عدم عثورهم على الحقيقة ونقلهم المجاز وكذا عدم وجود حقيقة له أو كونها مهجورة

وأمّا إذا اشتبه الأمر ولم يتميز فهل الأصل الحمل على إرادة ذكر الحقيقة أو المجاز أو يتوقف وجوه

واستدلّ على الأوّل بوجهين الأوّل أن المجاز مبنيّ على العلائق المنضبطة والقواعد الكلية فلا حاجة فيه إلى نقل الجزئيات فيعلم أن مقصودهم نقل الحقائق لأن الوضع الحقيقي توقيفي يتوقف على نقل الجزئيّات والثّاني أن الغرض الأقصى من تدوين اللغة هو فهم الكتاب والسنّة واللفظ المذكورة فيهما إن كان مقترنا بقرينة حمل على المجاز ولا حاجة إلى بيان اللّغوي وإلا فيحمل على الحقيقة ولا بد من تعيينها بالرّجوع إلى نقل اللغويّين فيعلم أن غرضهم نقل الحقائق ليكون مثمرا في فهم الكتاب والسنّة وفيه أمّا أولا فبأن هذا يستلزم كثرة الاشتراك إذ قلما يذكرون للّفظ معنى أو معنيين فقط إلا يقال إنّ الكلام إنّما هو في موارد الاشتباه وهو قليل فلا يوجب حملها على الحقيقة كثرة الاشتراك لأنا نقول الموارد المعلومة إمّا حقائق أو مجازات فعلى الأوّل يلزم المحذور لو حمل موارد الاشتباه أيضا على الحقيقة وعلى الثّاني يجب حمل الموارد المشتبهة على المجاز حملا للمشكوك على الأعمّ الأغلب وأمّا ثانيا فالوجهان

٢٦

اللّذان استدل بهما ليسا على وجههما إمّا الأوّل فلوجود الفوائد العظيمة في نقل موارد الاستعمالات ولا أقل من حصول العلم بالتواريخ والقصص الواقعة في الزمان الماضي وأمّا الثّاني فلأنه قد يكون المذكور فيهما قرينة صارفة عن المعنى الحقيقي للفظ دون المعيّنة لشياع اللّفظ في معنى مجازي في ذلك الزّمان فلا بدّ من حصول العلم بمحازات زمان الشارع ومعرفة الشّائع منها في ذلك الزّمان حتّى نحمل اللّفظ عليه ونحو ذلك من الفوائد فالأولى في مقام الاشتباه التوقف ثمّ إنه إذا اتّفق أهل اللّغة في النّقل فلا إشكال وإن اختلفوا فيجب الجمع مهما أمكن والاختلاف المذكور يتصوّر بوجوه منها أن يكون المعنيان المنقولان للفظ متباينين كأن ينقل أحدهم أن العين هو الذهب والآخر أنه الميزان مثلا ومنها أن يكون أحدهما أقل والآخر أكثر أمّا استقلاليّا كأن ينقل أحدهم أن العين هو الذّهب والآخر أنّه الذّهب والميزان أو ارتباطيّا كنقل أحدهم أن اليد هو الكفّ والآخر أنّها مجموع العضو من رءوس الأصابع إلى المنكب ومنها أن يكون بينهما عموم مطلق كنقل واحد أن الصّعيد وجه الأرض والآخر أنه التراب أو عموم من وجه كنقل واحد أن الغناء هو الصوت المطرب والآخر أنّه الصوت مع الترجيع وقد ذكروا في وجه الجمع القول بالاشتراك في المتباينين أخذا بما أثبته كلّ منهما وطرحا لما نفاه فإن كلاّ منهما يثبت ما ادعاه وينفي الآخر وتقديم المثبت على النّافي قاعدة مسلمة وبهذا أيضا قد جمع في الوجه الأخير بحمل الخاصّ على العام إذ ناقل العموم لا ينفي الخاصّ وناقل الخاصّ ينفي العام فمقتضى طرح النفي الحمل على العام ومقتضاه في العامين مطلقا الأخذ بالعام وفي العامين من وجه الأخذ بالقدر المشترك وهو في المثال المذكور والصوت الأعمّ من المطرب وما فيه ترجيع ولازمه صدق الغناء على ما وجد فيه أحدهما وقيل في وجه الجمع هنا بحمل المطلق على المقيّد إمّا لأنّه قاعدة اجتماعهما أو لأنّه القدر المتيقّن ومقتضاه في العام المطلق الحمل على الخاصّ وفي العامين من وجه الجمع بين الخصوصيين ففي المثال المذكور نحكم بأنّ الموضوع له للغناء هو الصوت المطرب المشتمل على الترجيع ويعلم بالمقايسة أن حكم الأقل والأكثر الاستقلالي حكم المتباينين والارتباطي حكم العامين من وجه فأمّا القول بالاشتراك أو الأخذ بالكلّ أو الجزء وتحقيق الحقّ في المقام يحتاج إلى بيان أمور الأوّل الحقّ أنّه لا تعارض بين قولي النقلة عند الاختلاف إذ غاية ما يتصوّر في توجيه التعارض أن يقال إنّ الظاهر من حال اللغوي حيث إنّه في مقام استيفاء موارد الاستعمال أنه حاكم بعدم ثبوت غير ما أثبته فكل من الناقلين يثبت ما يدعيه وينفي الآخر فبينهما تعارض وفيه أنّه على فرض التّصريح بالنفي أيضا لا تعارض بينهما فإنه إنما ينفيه بحسب وجدانه ولا ينفي الاستعمال واقعا وعدم الوجدان لا يدل على عدم الوجود الثاني

٢٧

الظاهر من حال النّاقل للمعنى إرادة أنّه تمام الموضوع له لا الأعمّ بأن يكون مراده من نقل المعنى أنّه مربوط بالوضع وله تعلّق به إمّا بكونه موضوعا له أو جزءا للموضوع له بأن يكون تفسيرا بالأعمّ فإنّ العام جزء للخاصّ أو يكون الموضوع له جزءا له بأن يكون تفسيرا بالأخصّ مثلا إذا قال إن الصعيد وجه الأرض فالظاهر إرادة أنّه تمام الموضوع له وإرادة أن يكون جزءا للموضوع له وهو التراب بعيد وكذا إذا قال إنه التراب فاحتمال أن يريد أن الموضوع له جزء له وهو مطلق وجه الأرض بعيد بل الظاهر من ذكر كلّ منهما إرادة أنّه تمام الموضوع له الثّالث تقديم المثبت على النافي لا يتم كليّة بل فيه تفصيل والحاصل أن المتصور هناك ثلاث صور أحدها أن يقول المثبت أدري ذلك ويقول النافي أدري عدمه كأن يقول الجارح رأيته يزني في الساعة الفلانية ويقول الثاني كنت عنده في تلك السّاعة وما رأيته منه والثّانية أن يقول المثبت أدري والثاني لا أدري كأن يقول الثاني في المثال المذكور لا أدري هل صدر منه الزنا أو لا والثّالثة أن يقول المثبت لا أدري والنافي أدري كأن يقول الجارح للشاهد العادل الّذي علموا أنّه عصى ما أدري توبته وقال النافي لفسقه رأيته تاب ولا إشكال في الصورتين الأخيرتين إذ لا تعارض قطعا بل القائل أدري مقدّم على نافيه إذ ليس لمن لم يعلم حجيته على من يعلم فيقدم المثبت في الأولى والثاني في الثّانية إنما الإشكال في الصورة الأولى وقد قيل في تقديم المثبت فيها وجهان أحدهما قوّة الظنّ في جانب الإثبات لكثرة الخطاء في نفي الأفعال بخلاف إثباتها لاستناد الثّاني إلى المشاهدة بالعيان والأول إلى نفي المشاهدة وثانيهما أن المثبت مدّع والنافي منكر وقول أهل اللغة لحجيته يكون نظير البيّنة وعند تعارض البيّنتين يقدم بنية المدعي لأنّها وظيفته واليمين على من أنكر وهذا وجه استحساني لا حجية فيه الرّابع حمل المطلق على المقيّد إنما يكون إذا وقعا في كلام من لا يجوز عليه التناقض كالكتاب والسّنة وفيه أيضا مشروط بحصول التعارض وحصول التعارض مشروط بشرطين أحدهما أن يتحد التكليف وكان عينيا والثّاني أن يكون الحكم إلزاميّا لا وضعيّا ولا استحبابيّا فيحصل التّعارض فإن مقتضى إيجاب الطبيعة المطلقة حصول الامتثال لذلك التكليف بأيّ فرد كان فيتخيّر ومقتضى الأمر بالمقيّد عدم حصوله بسائر الأفراد بخلاف ما إذا تعدّد التكليف لجواز أن يحصل الامتثال لأحد التكليفين في ضمن أي فرد كان ولا يحصل الآخر إلا بالفرد الخاصّ وكذا إذا اتّحد وكان تخييريا إذ لا ينافي وجوب الفرد الخاصّ تخييرا حصول الامتثال بسائر الأفراد وكذا إذا كان وضعيّا أو استحبابيّا لسريان الحكم فيها إذا تعلّقا بالطبيعة إلى جميع الأفراد استغراقا فلا ينافي خصوصيّة الحكم في الفرد فإنّ قوله أحل الله البيع يقتضي حلّيته

٢٨

جميع الأفراد فلا ينافي قوله أحل الله البيع المعاطاة كما لا ينافي قولنا أكرم العلماء مع قولنا بعده أكرم زيد العالم ولم يقل أحد بحمل العام على الخاصّ إذا كانا مثبتين والسرّ فيه ما ذكرنا من عدم التّعارض حينئذ بخلاف التخيير بين الأفراد وتعيين فرد واحد بالنسبة إلى التكليف الواحد فإنه تناقض يجب دفعه بحمل المطلق على المقيّد الخامس التعارض بين قول النّقلة قد يكون بضميمة مقدّمة خارجيّة فلا تعارض بالذّات بين نقل أحدهم أن العين هو الذّهب والآخر أنّه الفضة كما ذكرنا في الأمر الأوّل لكن بضميمة أصالة عدم الاشتراك يقع التعارض كما أنّه لا تعارض بالذّات بين القول بنجاسة ماء القربة بالملاقاة والقول بعدم نجاسة ماء الإناء بها لكن بضميمة الإجماع المركّب وعدم القول بالفصل بين أقسام المياه القليلة يقع التعارض بينهما فإن قلت إن أصالة عدم الاشتراك لا يعارض بها الدّليل وهو نقل النقلة أمّا على حجيتها من باب التعبد فظاهر إذ الاستصحاب مورده الشكّ ومع الدليل لا شكّ هناك وأمّا على حجيّتها من باب الظنّ فلأنه ظنّ حاصل من الغلبة لندرة الاشتراك وهي من أضعف الظّنون فلا يعارض بها الدّليل فإن موردها هو فيما إذا كان بحيث لولاها لحصل الشك وفيما كان هناك أمارة معتبرة لا يحصل الشكّ لو لا أصالة عدم الاشتراك ولذا لا يقول السّيّد المرتضى بأصالة الحقيقة في الاستعمال إذا عارضها دليل كنقل الناقلين مثلا قلنا قد علمت بطلان تعبديتها سابقا مع أن جماعة ذهبوا إلى أنّ الاستصحاب كسائر الأدلّة يعارض به الدليل والظنّ الحاصل من الغلبة ليس بأضعف من سائر الظنون بل هو أقوى ولذا لو أخبر واحد بأمر يخالف الغلبة كوجود إنسان ذي قرن ونحو ذلك لم يحصل لنا الظنّ من قوله مضافا إلى المفطورية على أصالة عدم الاشتراك فإنّ الطّبع السّليم إذا شاهد النّقلين المتخالفين يحكم بالتعارض ولا يلتفت إلى احتمال الاشتراك وأيضا يؤيدها أنّ الظاهر من نقل كل واحد معنى غير ما ذكره الآخر أنه لم يجد ذلك المعنى وإلا لنقله لأنّه في مقام استيفاء المعاني ويحصل الظنّ نوعا من عدم وجدان هذا الشخص المتفحّص المتتبّع لذلك المعنى عدم وجوده وكذا من الطرف الآخر فيقع التعارض ونظيره ما قيل من حجيّة أصالة البراءة فيما إذا كان الموضوع المشكوك الحكم من الأمور العامة البلوى بحيث لو كان له حكم لاقتضى العادة نقله لكثرة الدواعي إليه واللغة أيضا من الأمور العامة البلوى فمتى لم ينقل ذلك المعنى واحد منهما يحصل الظنّ بعدم وجدانه ومن ذلك يحصل الظنّ بعدم وجوده كما عرفت فالحاصل أن أصالة عدم الاشتراك بضميمة الظن الحاصل من عدم وجدان كل منهما للمعنى الّذي ذكره الآخر سبب لإيقاع التعارض بين النقلين المختلفين وإن لم يكن بينهما تعارض بالذات نعم لا

٢٩

تضايق عن القول بأنه إذا كان نقل النقلة موجبا لحصول ظنّ أقوى من الأصل كان متّبعا دون الأصل السادس إذا تردّد الحكم التكليفي الإلزامي بين المطلق والمقيّد أو بين العامين من وجه فحصول البراءة بفعل المقيّد في الأوّل ومورد الاجتماع في الثاني متيقّن إذ لو تعلق بالمطلق حصل الامتثال بالمقيّد وإن تعلّق بالمقيّد فواضح وكذا مورد الاجتماع وأمّا إذا تردّد الوضع بينهما فليس المقيّد ومورد الاجتماع قدرا متيقنا لعدم تحقق الوضع للمقيدان قلنا إن المطلق موضوع له لما عرفت أنّ الظاهر من كونه موضوعا له أنّه تمام الموضوع له وكذا مورد الاجتماع لا يدخل في الوضع للعام لما ذكرنا إذا عرفت هذه الأمور فلنعد إلى ما كنّا فيه ونقول إن الجمع بين النقلين بالحمل على الاشتراك باطل لما عرفت من أنّ أصالة عدم الاشتراك سبب لوقوع التعارض بين النقلين ومانع عن الحمل على الاشتراك والاستدلال بتقديم المثبت على النافي أيضا غير تمام لما عرفت في الأمر الثالث أنه إنما يسلم في موردين أحدهما أن يقول المثبت أدري الوجود وقال النافي أدري العدم والثاني فيما إذا قال المثبت أدري والنافي لا أدري بخلاف ما إذا قال المثبت لا أدري والنافي أدري كما هو الغالب في موارد نقل اللّغة فإن المثبت للوضع يقول إنّي رأيت الاستعمال ولم أر القرينة فهو حقيقة والنافي يقول إني رأيت القرينة وقد علمت أنّه حينئذ يقدم النافي وعلم من ذلك بطلان إرجاع الخاصّ إلى العام في العام المطلق والأخذ بالقدر المشترك في العامين من وجه لأنّه مبني على تقديم المثبت على النافي وقد عرفت خلافه في باب اللّغات وكذا الجمع بحمل المطلق على المقيّد لما عرفت في الأمر الرابع أن ذلك إنما هو إذا كانا في كلام من لا يجوز عليه التناقض مع باقي الشروط والجميع فيما نحن فيه مفقود ولذا لا يحمل المطلق في كلام فقيه على المقيّد في كلام آخر بل الفقيه الواحد أيضا لجواز التناقض على غير المعصوم وكذا الحمل على المقيّد لكونه المتيقن لما عرفت في الأمر السّادس أن الوضع إذا تردّد بين المطلق والمقيّد لا يكون المقيّد قدرا متيقّنا وإذا عرفت بطلان هذه الوجوه التي ذكروها في الجميع فالأولى حينئذ بحسب القواعد أن يقال بثبوت التّعارض والرّجوع إلى المرجحات الخارجيّة ولو لوجود أحدهما في كلام فقيه أو الأخذ بالمطلق لقوة الاشتراك المعنوي وبالجملة كلما كان الظنّ في طرفه أقوى فيأخذ به وإن فقد المرجّح فهل الحكم حينئذ التخيير أو الرجوع إلى الأصل المخالف لهما أو الأصل الموافق لأحدهما فنقول أمّا الأوّل فباطل إذا التخيير إمّا شرعيّ وإمّا عقلي والتخيير الشرعي مورده الخبران المتعارضان لا ما نحن فيه والتخيير العقلي إنما هو فيما إذا كان المصلحة الثابتة حين العلم باقيا حين الاشتباه كإنقاذ أحد الفريقين عند تعارضهما فإنّ المصلحة الكائنة في إنقاذ الغريق الواحد ثابتة حينئذ أيضا غاية الأمر مزاحمة الآخر وهي

٣٠

لا يوجب رفع المصلحة الثابتة بخلاف ما نحن فيه للعلم بأن أحدهما ليس بموضوع له فالمصلحة الثابتة حال العلم وهو إدراك الواقع لا تبقى حال الاشتباه مثلا ذكر بعضهم أن الجذع هو الضأن الّذي أتى عليه ستّة أشهر وقيل ما أتى عليه ثمانية فنعلم أن أحدهما ليس بموضوع له فكيف يحكم بالتخيير وأما الرّجوع إلى الأصل المخالف لهما بأن يقال في المثال إن الأصل البراءة من التعيين لتساقطهما فيكفي مطلق الغنم فهو مبني على عدم حجية الظن الإجمالي الحاصل من النقلين المتعارضين بنفي الثالث بأن يقال إن نتيجة دليل الانسداد مهملة لا يقتضي إلاّ حجيّة الظّنون المظنونة الاعتبار والظنّ التفصيلي أقوى من الظنون الإجمالية فنعمل به وتبقى الظنون الإجماليّة تحت أصالة حرمة العمل بالظنّ والأولى أن يقال إن حصل القطع بنفي الثالث فلا إشكال وكذا لو حصل الظنّ بناء على تعميم النتيجة بحيث يشمل جميع الظنون وأمّا على إهمال النتيجة فالأولى أيضا حجيّة الظن الإجمالي إذ لا نسلم قصورها ذاتا واعتبارا عن الظنون التفصيلية بل ربما كان أقوى مضافا إلى أنّه قد يستكشف من الأخبار حجيّته بخصوصه حيث حكم في مقام تعارض الخبرين بالتخيير أو الترجيح بالمرجّحات ولم يتعرض للطرح فلو لم يكن الظن فنفي الثالث حجّة لحكم بطرحهما والأخذ بالأصل للمخالف فثبت حجّية الظنّ الإجمالي ومقتضاه الرجوع إلى الأصل الموافق لأحدهما وهو في المثال المذكور أصالة البراءة عن الزائد على ما اتفقا عليه وهو الستّة فافهم تتميم قد أشرنا سابقا إلى أن حجية نقل النقلة إنما إذا لم يعلم مستندهم وإلاّ وجب الرجوع إليه والاجتهاد فيه وبهذا اعتذر بعضهم عن تدوين الهيئات في علم الأصول دون المواد فإن مستند الأوّل هو العرف ونحن نتمكن من الرّجوع إلى عرفنا واستعلام معنى الهيئة منه لترادف اللّغات في الهيئات فنقول لهذا أعني كلام المعتذر على إطلاقه غير تام بل لا بدّ من التفصيل بأن يقال إن المتصور في المقام صور خمسة (الأولى) أن نقطع بتغاير عرفنا مع اللّغة في المعنى و (الثّانية) أن نظن بالتغاير و (الثّالثة) أن نعلم اتحادهما و (الرابعة) أن نظن الاتحاد و (الخامسة) الشك في ذلك أمّا الصورة الأولى فيجب الرّجوع فيها إلى قول النقلة إن لم نعلم مستندهم والاجتهاد في مستندهم من الأشعار والشواهد إن علمناه ولا يمكن تعيينه بالرّجوع إلى عرفنا للعلم بالنقل وكذا في الصّورة الثّانية فإن حكم الظن في اللغات حكم العلم وأما الصورة الثّالثة أعني العلم باتحادهما فيجب الرّجوع إليهما لوجوب الفحص إذ يمكن ارتفاع الظن من قول اللغوي بالرّجوع إلى العرف وبالعكس والظنّ قبل الفحص ليس حجة فإن تعيّن المعنى بأحدهما حمل عليه الآخر للعلم بالاتحاد وإلاّ فالتّوقف وإن اختلف نقل النقلة وفهم عرفنا فالمتبع هو ما كان مظنونا بالظنّ

٣١

الفعلي ولا يمكن حصول الظنّ منهما معا لمنافاته لفرض العلم بالاتحاد وكذا الصّورة الرابعة وأما الخامسة وهي صورة الشك فلا بد فيها أيضا من الرجوع إليها فإن تعيّن المعنى بأحدهما حمل عليه الآخر بضميمة أصالة عدم النقل وإلاّ فالتّوقف وإن اختلفا وحصل الظنّ منهما فيتعارض مع أصالة عدم النقل فإن مقتضاها الاتحاد فينافي الظنّ بالاختلاف فإن رجّحنا الثّاني حكمنا بالاتحاد وارتفع الظنّ من اللّغة أو العرف والمتبع هو ما أفاد الظنّ فعلا وإن ارتفع منهما وجب التّوقف وإن رجحنا الأول حكمنا بالنقل وكان كالصورة الثانية من الصور الخمس فحكمه حكمها

ومنها التّبادر

وهو سبق المعنى إلى الذّهن بدون ملاحظة واسطة وبعبارة أخرى فهم المعنى من اللّفظ بلا توسط شيء وكشفه عن الوضع عقلي إنّي لأن السّبق إلى الذّهن يحتاج إلى مرجّح ضرورة استحالة الترجّح بلا مرجّح وهو إمّا الوضع أو المناسبة الذاتية أو القرينة والثالثة مفروضة الانتفاء والثاني باطل لعدم العلم بالمناسبات للأغلب فتعين الأوّل وهو من قبيل الاستدلال بوجود اللاّزم على الملزوم ويكفي في ذلك عدم كونه أعمّ سواء كان مساويا للوضع أو أخصّ إذ لا يشترط في العلامة الانعكاس بل يكفي الاطراد نعم لو أريد الاستدلال بعدمه على عدم الوضع أيضا لزم إثبات كونه مساويا أيضا وقد نوقش في اطراده بوجوده في أمور بدون تحقق الوضع فيها منها المجاز المشهور ومنها المعنى اللاّزم للموضوع له إمّا بأن يكون قيدا للموضوع له كالبصر للمعنى والمفهوم للشرط أو لا بل يكون عرفيّا كالجود للخاتم ومنها جزء الموضوع له فإن التّبادر ثابت في المذكورات بدون الوضع فهو لازم أعمّ لا يمكن إثبات الوضع به ومما ذكرنا في تعريف التّبادر من قولنا بلا توسط شيء ارتفع النقض بما ذكر ضرورة توسّط الشهرة في الأوّل والموضوع له في الأخيرين وزاد بعضهم في التعريف لإخراج المذكورات قيودا لا حاجة إليها بل هي مخلة فإنه قال إن التّبادر وهو فهم المعنى من حاق اللّفظ ابتداء استقلالا وبالقيد الأوّل أخرج المجاز المشهور وبالثاني اللازم وبالثالث الجزء وإنما لم يكتف بالقيد الثاني عن الثالث توهما منه أن الجزء لا يخرج بقيد الابتداء لتقدّمه على الكلّ فتبادره ابتدائي نعم هو ليس مستقلاّ فيخرج بقيد الاستقلال وفيه أمّا أولاّ فإن مقتضى ذكر تلك القيود أنه يجب اجتماعها في التّبادر والوضعي وهو منتقض بالكلّ فإن تبادره ليس ابتداء على زعمه وأمّا ثانيا فإن الجزء ليس مقدّما على الكل في التّبادر نعم هو مقدّم عليه في الخارج فالتّبادر أولا إنّما هو للكل وبتوسّطه يثبت للجزء فتبادر الكل واسطة في عروض التّبادر للجزء كما لو تعلّق الأمر بمركب كان المقصود بالذات هو المركب وبتبعيّته يسري ذلك الوجوب بعينه إلى الأجزاء كالحركة

٣٢

للسفينة بالنّسبة إلى الجالس فإنها أمر واحد يتعلّق بالسّفينة أوّلا ويعرض للجالس تبعا وبهذا يجاب عما قيل من أنّه لا ينبغي النزاع في وجوب المقدّمة إذا كانت جزءا لذي المقدّمة لدلالة الكلّ عليه تضمينا وذلك لأن الوجوب المتعلّق بالجزء هو عين الوجوب المتعلّق بالكل لا وجوب آخر لازم من وجوب الكلّ كما هو محل النّزاع في وجوب المقدّمة هذا وإن كان ولا بدّ من ذكر تلك القيود فليقدم الاستقلالي على الابتدائي ويلاحظ الابتدائية بالنّسبة إلى الاستقلال بمعنى أن لا يكون شيء آخر في الابتداء مستقلا غيره فيخرج الجزء أيضا إذ لو سلم كونه ابتداء فليس استقلاله ابتداء وكذا اللاّزم لعدم استقلاليته ويدخل الكل لابتدائية استقلاله والأولى الاقتصار على ما ذكرنا ثم إنه قد اعترض على الاستدلال بالتّبادر باستلزامه الدّور لتوقف التّبادر على العلم بالوضع فلو أثبت الوضع به لزم الدّور وأجيب عنه بوجوه أحدها أنّ تبادر العالمين بالوضع دليل على الوضع بالنسبة إلى الجاهل فالعلم بالوضع للجاهل موقوف على تبادر العالم بالوضع وهو غير متوقف على علم الجاهل بالوضع حتى يلزم الدّور فإن الجاهل بالوضع إذا رأى انسباق المعنى إلى ذهن العالمين بالوضع من أهل اللسان وعلم بانتفاء القرينة والمناسبات الذاتية على ما أشرنا إليه حصل له العلم بأنّه ناش عن الوضع والثّاني أنه قد يكون الشخص عالما بالوضع لكن لاغتشاش ذهنه وتخليط الأمر عليه ربما غفل عن علمه فبعد التخلية التّامة إذا رأى انسباق المعنى إلى ذهنه حصل له العلم التفصيلي بالوضع فالعلم التّفصيلي بالوضع يثبت بالتّبادر والتّبادر متوقف على العلم الإجمالي لا التفصيلي والثّالث منع توقف التّبادر على العلم بالوضع في الأوضاع التعيّنيّة وأكثر الأوضاع التعيّنيّة لأن صيرورة اللّفظ منقولا ناش من كثرة الاستعمال إلى حدّ ينسبق المعنى من اللّفظ إلى الذهن بدون ملاحظة الاستعمال فإذا حصل الانسباق بهذا المعنى يعرف النقل فالتّبادر كاشف عن النقل لا متوقف على العلم به وكذا في غالب الأوضاع التعيينيّة لأن انسباق المعنى فيها مستند إلى كثرة الاستعمال لا إلى الوضع بل لا يلتفت إلى الوضع أصلا واعترض عليه بعض المحققين بأن الغلبة المذكورة إمّا يجب ملاحظتها حتى يحصل التّبادر أو لا والأوّل ليس كاشفا عن الوضع بل اللّفظ حينئذ مجاز مشهور وعلى الثّاني فنقول التّبادر الكاشف عن الوضع لا بد أن يكون مستندا إلى الوضع ولا يكفي محض الغلبة في حصول التّبادر الكاشف لعدم كونها وضعا ولا يمكن استناد التّبادر الكاشف إليه وإلاّ لزم حصوله من أيّ سبب كان غير الوضع ولا يكفي نفس الوضع مع قطع النظر عن العلم به وإلاّ لزم العلم بجميع اللّغات لكل أحد وإن قلت إن الغلبة سبب لحصول الوضع

٣٣

وبملاحظته يحصل التّبادر فهو قول بمسبوقية التّبادر بالوضع ويرجع الدّور ورد بأنّه لا يقول باستناد التّبادر إلى نفس الوضع ولا إلى ملاحظة الشهرة بل يقول إن الغلبة سبب لحصول ربط وألفة ذهنيّة بين اللّفظ والمعنى بحيث صار سببا لتبادر المعنى من ذلك اللّفظ فالسامع ملتفت إلى الرّبط المذكور والناشئ من كثرة الاستعمال الّتي هي مركوزة في خزانة الخيال وإن لم يلتفت إليها في التّبادر لكن لا يعلم أن الربط المذكور هل هو وضع أم لا فالتّبادر الّذي هو من لوازم الوضع يعلم أن ذلك الرّبط هو الوضع والحاصل أن العلم بالوضع حاصل له قبل التّبادر إجمالا لا بعنوان أنه وضع بل بعنوان أنه ربط وبالتّبادر يحصل له العلم التفصيلي بأنه وضع نظير العلم بحدوث العالم بعنوان التّغيير ثم يحصل العلم التفصيلي بسبب ترتيب المقدمات بحدوث العالم بعنوان أنه عالم كيف ولا حدّ للاستعمال الكثير حتى يعرف به النقل بل لا يعرف النّقل بالتّبادر والفرق بين الاشتهاد هنا وفي المجاز المشهور وجوب ملاحظة الشهرة في المجاز فيحصل العلم بالمعنى المجازي في ضمن ملاحظة الشهرة لا بملاحظة الشهرة كما توهّم فإن معنى ملاحظة الشهرة أن يلاحظ كثرة استعمال اللّفظ في هذا المعنى فقد قصور المعنى حينئذ في ضمن تلك الملاحظة ولا يحتاج إلى قصور آخر بخلاف المجاز المستعمل مع القرينة كأسد يرمي فإن تصوّر المعنى يحصل فيه بملاحظة القرينة لا في ضمن ملاحظتها وأما المنقول فلا يحتاج إلى ملاحظة الشهرة بل الشهرة بلغت إلى حدّ حصل بها الرّبط الذّهني بين اللّفظ والمعنى بحيث لو قطع النظر عن تلك الشهرة لا تنسبق ذلك المعنى إلى الذّهن وإن كانت الغلبة مخزونة في خزانة الخيال لكن لا يلتفت إليها في التّبادر نظير ما ذكره بعض الأفاضل ردا على عصام الدّين في ادعائه تبعيّة الدلالة للإرادة مستدلاّ بأنّ شرط الدّلالة العلم بالوضع للمعنى فلا يمكن أن يكون المترتّب على الدلالة هو بالمعنى العام لحصوله قبله في ضمن العلم بالوضع فلا بدّ أن يكون الدلالة عبارة عن فهم المعنى بعنوان أنه مراد من أنه يجوز أن يكون الشخص عالما بالمعنى لكن لم يكن ملتفتا إلى علمه فبسماع اللّفظ يلتفت إلى علمه فلم يلزم تحصيل الحاصل لو لم يكن الدلالة تابعة للإرادة وبما ذكرنا علم الفرق بين المنقول والمجاز المشهور وسائر المجازات لعدم ملاحظة الشهرة في الأوّل وحصول العلم بالمعنى في ضمن ملاحظة القرينة أي الشهرة في الثّاني وبملاحظتها في الثالث هذا حاصل ما ذكر في الإيراد وفيه أن التّبادر ليس محض الخطور بالبال كيف وهو حاصل في المجاز أيضا فإن اللّفظ المستعمل في المعنى الحقيقي إذا سمع خطر المعنى المجازي بالبال أيضا فإنّ خطور أحد المتلابسين في الذهن بملاحظة الآخر مما لا يمكن إنكاره

٣٤

فقد يسمع المركوب ويخطر الراكب بالبال لتلابسهما وغير ذلك وأيضا هو أمر قلبي لا يمكن الاطّلاع عليه فكيف يمكن العلم بالوضع بالرّجوع إلى تبادر أهل اللّسان إذ لا نعلم أنه يخطر ببالهم أو لا ومحض الرّبط الذّهني ليس وضعا بل الحق أن التّبادر وهو فهم المعنى بعنوان أنه مراد كما قاله العصام وهو الّذي يعلم به بالرّجوع إلى أهل اللّسان حيث يحكمون بإرادة المعنى من اللّفظ ويعلم ذلك من علمهم على طبقه وهو لا يحصل بمحض الرّبط الذّهني الحاصل بالاشتهاد فإن حكم السامع بأن هذا المعنى مراد للمتكلّم مبنيّ على أن يعلم أنّ المتكلّم استعمله مع القرينة في ذلك المعنى أو بملاحظة الشهرة أو كان اللّفظ علامة لهذا المعنى عنده وهذا معنى الوضع والأوّلان مفروض العدم والحاصل أن السّامع قبل العلم بأن اللّفظ صار علامة لهذا المعنى عند المتكلم لا يمكن له الحكم بإرادته وإن خطر المعنى بباله لأن محض الخطور لا يكفي في الحكم بالإرادة ولذا قيل إن أصالة إرادة المعنى الحقيقي في الاستعمال مبني على مقدّمات وهي أن اللّفظ موضوع لهذا المعنى والمتكلّم عالم به والغرض من الوضع استعمال اللّفظ بدون قرينة والمتكلّم لم ينصب قرينة فيعلم أنه أراد هذا المعنى أما المعرفة بالنّقل فتحصل بالرّجوع إلى أهل اللّسان وأنّهم هل يلاحظون مناسبة المعنى المشهور مع المعنى الحقيقي أو لا فإذا رأى أنهم لا يعتبرون تلك المناسبة يعلم أن الكثرة وصلت إلى حدّ النقل فإلغاء المناسبة سبب للعلم بالنقل لا التّبادر بل التّبادر أعني الفهم بعنوان المرادية لا يحصل إلاّ بعد العلم بالنقل ويؤيّد ما هو المعروف من أن الحقيقة هو استعمال اللّفظ في الموضوع له من حيث هو كذلك وكذا المجاز فمتى لم يعلم السامع أن المتكلم استعمله في المعنى من حيث إنّه موضوع له كيف يعلم أنّه مراد وكذا في المجاز إذا لم يعلم أنّه استعمله فيه من حيث إنّه غير موضوع له بمناسبة الموضوع له لا يمكن له الحكم بأنّه مراد وبالجملة التّبادر بالمعنى المذكور مسبوق بالعلم بالنّقل نعم بعد ثبوت النّقل بما ذكرنا يكون تبادرهم كاشفا عن الوضع بالنّسبة إلى الجاهل وهو حينئذ عين الجواب الأوّل وبالجملة الجواب الأخير لا يسمن ولا يغني من جوع ولا يتم إلاّ بجعل التّبادر عبارة عن محض الخطور وقد عرفت فساده والباعث على جعله بمعنى الخطور توهم عدم وجوده في المشترك بالمعنى الّذي ذكرنا والجواب أمّا أوّلا فبعدم وجوب انعكاس العلامة كما عرفت وأمّا ثانيا فبوجوده في المشترك أيضا بالمعنى المذكور لتبادر جميع المعاني على أنه مراد لكن على سبيل البدلية فإن احتمال الإرادة كاف في إثبات الوضع لعدم وجود الاحتمال المذكور في المجاز بلا قرينة فإنا إذا رأينا أن السّيّد أمر عبده بإتيان العين فالعبد من باب الاحتياط أتى بالميزان والذهب والفضة نعلم أن احتمال الإرادة

٣٥

مقصور على الثلاثة فيثبت الوضع فيها لما عرفت هذا على القول بعدم جواز استعمال المشترك في أكثر من معنى وإلاّ فلا إشكال لتبادر الجميع بعنوان أنّه مراد وبهذا علم أنّ هذه العلامة على ما ذكرنا أيضا لازم مساو للعلم بالوضع فعدمها علامة المجازيّة ولا نحتاج إلى القول بأنها أخصّ منه لعدم وجوده في المشترك فلا يكون عدمها علامة المجاز وإلاّ لزم كون المشترك مجازا بل تبادر الغير علامة المجاز لما حقّقنا من وجودها في المشترك كما ذكره بعضهم من المفاتيح للسّيّد من أن عدم التّبادر علامة المجاز مع القول بوجوده في المشترك بتقريب أنّه إذا لم نعلم فيما إذا رأينا عدم التّبادر هل هو مشترك أو لا فبضميمة أصالة عدم الاشتراك وندرته نثبت أنه مجاز فعدم التّبادر كلية علامة المجاز بضميمة أصالة عدم الاشتراك لأنا نقول إنّ في هذا المقام إن كان هناك معنى متبادر غير المشكوك فقد ثبتت المجازية بتبادر الغير ولا نحتاج إلى ضميمة الأصل وإلاّ فلا يمكن إثبات المجازيّة بعدم التّبادر إذ يلزم وجود المجاز بلا حقيقة ضرورة تبادر الحقيقة لو وجدت

تتميم

لا إشكال فيما إذا علم استناد تبادر العرف إلى الوضع وكذا إذا علم استناده إلى القرينة وأمّا عند الشك أي عدم العلم بأحدهما فقيل يتصوّر حينئذ ثلاث صور الأولى أن يشك في أصل نصب القرينة والثانية أن يعلم ذلك ويشك في التفات السّامع إليها في التّبادر والثالثة أن يعلم ذلك ويشك في أن تلك القرينة هل كانت مؤكدة للموضوع له أو مؤسّسة وصارفة ففي الأوّلين يجري أصالة العدم فيثبت به الوضع وفي الثالث يجب التوقّف لمعارضة إجراء الأصل في إحدى الحادثين بإجرائه في الآخر ويمكن أن يرجح المؤكديّة بأن الأصل الاستناد إلى أقدم السّببين وهو الوضع إذا القرينة متأخّرة عن الوضع وبما ذكرنا سابقا من أن المدار في اللّغات على الظنّ وأن حجيّة الأصل فيها أيضا من باب أنّه ظنّ لا حاجة إلى هذه الشّقوق بل العنوان حينئذ أنه إذا شك في استناد التّبادر إلى الوضع أو القرينة فالمدار على قوة الظن الحاصل من الغلبة وأن الغالب هل هو الأوّل أو الثاني ويمكن ترجيح الأوّل بأن الغالب في المحاورات استعمال الحقيقة وأن كلا من المجاز والكناية وغيرهما نادر فيها وإن كثرت في الخطب والأشعار ونحوهما ويمكن منعه بأن الغالب في المحاورات تبادر بعض الأفراد من المطلق لشيوع ونحوه في ذلك الفرد دون سائر الأفراد فإنه إذا أمر المولى عبده بإتيان الماء فيأتي بالماء الحلو أو الخبز فيأتي بخبز الحنطة ونحو ذلك وجميع هذه التّبادرات مستند إلى القرينة وربّما قيل في منع استناد التّبادر غالبا إلى الوضع إن غالب الأفهام العرفية مستند إلى الشهرة إمّا في ضمن ملاحظتها أو لا ولا يلتفت إلى الوضع غالبا بل الفارق بين المعنى

٣٦

الموضوع له وغيره عدم ملاحظة الشّهرة في الأوّل دون الثاني والملاحظة أمر مخفي لا يمكن الاطلاع عليها على ملاحظتها وعدمه غالبا ومع ذلك فكيف يقال باستناد التبادر إلى الوضع غالبا وأجيب بندرة المجاز المشهور الّذي يلزم فيه ملاحظة الشّهرة والغالب عدم ملاحظتها حتى أنّه قيل بعدم وجود المجاز المشهور والظّنّ يلحق الشّيء بالأعمّ الأغلب وفيه أنّ تبادر الفرد من الكليّ شائع في العرف وليس مستندا إلى الوضع فإن قلت إنّه مجاز مشهور فقد بطل القول بندرته وإن قلت إنه مستند إلى غير الشّهرة من القرائن فقد بطل القول باستناد التّبادر إلى الوضع غالبا كما أشرنا إليه والحق أن المدار على الظن الفعلي في اللّغات كما عرفت فبأيهما حصل فهو المتّبع

ومنها صحّة السّلب وعدمها

والأوّل علامة المجاز كما أن الثّاني علامة الحقيقة والمراد صحة سلب المعنى الحقيقي عن المشكوك فيه حقيقة وعدمها كذلك إلاّ سلب اللّفظ عن اللّفظ ولا عن المعنى لبداهة صحته مطلقا ولا المعاني المجازيّة لأنّ صحّة سلب المعنى المجازي ليس دليلا للمجازيّة ولا عدمها على الحقيقة بل بالعكس ولا الأعمّ من اللّفظ والمعنى أو الحقيقي والمجازي لبطلان العام من حيث إنّه عام ببطلان الخاصّ ولا السّلب ادعاء لصحّته عن المعنى الحقيقي أيضا كما يقال عمرو ليس بإنسان وعدمه عن المعنى المجازي كما يقال زيد ملك ونحو ذلك وكونها علامتين وكاشفين عن الحقيقية والمجازية واضح إنما الشّأن في دفع ما أورد من استلزامهما الدّور وقرّر بوجهين مرجعهما أمر واحد وبيانه أن صحّة السّلب ترجع إلى الشّكل الثّاني وعدمها ترجع إلى الشّكل الأوّل أمّا الأوّل فلأنّ إثبات مجازية البليد بالنسبة إلى الحمار يتوقّف على إثبات تغايره مع الحيوان النّاهق الذي هو مقطوع الوضعيّة فإثبات تغايره معه صغرى وإثبات الوضع للحيوان النّاهق كبرى وهو هكذا البليد ليس بحيوان ناهق والموضوع له للحمار هو الحيوان النّاهق ينتج البليد ليس بموضوع له للحمار وأمّا الثّاني فلأنّ إثبات حقيقيّة الإنسان في البليد يتوقّف على إثبات اتحاده مع الحيوان النّاطق الذي هو الموضوع له قطعا فإثبات الاتحاد صغرى وإثبات الوضع للحيوان النّاطق كبرى وهو هكذا البليد حيوان ناطق والحيوان النّاطق هو الموضوع له للإنسان ينتج البليد موضوع له للإنسان وحينئذ فنقول التقرير الأوّل هو ما قيل إنّ الشّكّ في النّتيجة ناشئ من الشّكّ في المقدّمتين إذ مع العلم بهما ليس هناك شكّ في النّتيجة فالشّك في مجازيّة البليد للحمار أو حقيقيّة للإنسان ناشئ عن الشّكّ في اتّحاده مع الحيوان النّاطق وتغايره مع الحيوان النّاهق إذ العلم بالاتحاد والتغاير عين العلم بالحقيقيّة والمجازيّة فالعلم بالنتيجة يتوقّف على العلم بالمقدّمتين وهو متوقّف على العلم بالنتيجة وهذا دور ظاهر وهذا الإشكال يجري في

٣٧

جميع الإشكال ولا يختص بصحّة السّلب وعدمها إذا الشّكّ في حدوث العالم لا بد أن يكون ناشئا عن الشّكّ في المقدّمتين إذ مع العلم بهما لا يتصوّر الشّكّ في النّتيجة والحاصل أنه إذا كان الشّكّ في النّتيجة منافيا مع قطعيّة المقدّمتين فهو مستلزم للدّور كليّة على ما بينا والجواب ضع التنافي المذكور لجواز حصول العلم بشيء بعنوان مع الجهل به بعنوان آخر فنقول هناك ذاتان أحدهما مشكوك الوضعيّة وهو البليد والثاني مقطوع الوضعيّة وهو الحيوان النّاطق والنّاهق فإن كان الذّات المشكوك عين الذات المعلوم ثبت له الوضع وإلاّ فلا فبصغرى المقدمتين نثبت اتحادهما ذاتا فيتحدان وصفا أو نثبت تغايرهما ذاتا فيختلفان وصفا فالعلم بمجازيّة البليد للحمار يتوقّف على تغاير ذاته مع ذات الحيوان النّاهق وهو ليس عين العلم بالمجازية ولا متوقّف عليه بل هو مستلزم له لأنّه إذا سلب ذاته عنه يلزم سلب وصفه عنه أيضا والحاصل أن الشّخص عالم باختلاف الذّاتين غافل عن اختلاف الوصفين فيجعل الذات المعلوم حد الوسط فبسلبه عن المشكوك في الصغرى ويثبت له الوضع في الكبرى فيسلب عن المشكوك أيضا والتقرير الثّاني هو ما ذكره المحقّق القمي رحمه‌الله أمّا في صحّة السلب فبيانه أنّه لا يثبت مجازية البليد إلاّ بعد جعل كبرى الشّكل كليّة وهو قولنا الموضوع له للحمار هو الحيوان النّاهق بأن يكون الوضع منحصرا في الحيوان النّاهق وإلاّ لم يلزم من إثبات الوضع للحيوان النّاهق وسلبه عن البليد مجازية البليد للحمار لجواز أن يكون الحمار موضوعا له بوضع آخر وكلية الكبرى يتوقّف العلم بها على العلم بعدم كون البليد موضوعا له للحمار وإلاّ فمع احتمال وضعه للبليد لا يحصل العلم بانحصار الوضع في الحيوان النّاهق وبالجملة الشّكّ في النّتيجة مناف لقطعية المقدّمتين وهو مناط الدّور على ما أشرنا إليه والفرق بين التقريرين أنّ الشّكّ في الأوّل كان يرجع إلى الشّكّ في الصغرى أي الاتحاد والتغاير وهنا يرجع إلى كلية الكبرى مع فرض القطع بتغايره مع الحيوان النّاهق ومرجع التّقريرين إلى منافاة الشّكّ في النّتيجة مع قطعية المقدّمتين فافهم وأمّا في عدم صحة السّلب فقرره وإن لم يكن العلم بحقيقية البليد بالنسبة إلى الإنسان متوقّفا على عدم صحّة سلب جميع المعاني الحقيقيّة عنه لكفاية عدم صحة سلب بعض الحقائق في إثبات الوضع لكن لا يثبت به إلاّ الوضع في الجملة وهو مستلزم لتفكيك العلامتين حيث جعل الأوّل علامة للمجاز مطلقا وهنا للحقيقيّة في الجملة وإذا ثبت أن المراد إثبات الحقيقيّة المطلقة لئلاّ يلزم التفكيك يلزم الدّور ولأن كون البليد معنى حقيقيّا للإنسان موقوف على العلم بعدم صحّة سلب جميع المعاني الحقيقية الثّانية للإنسان عن البليد والعلم بعدم صحة سلب جميع المعاني

٣٨

الحقيقيّة عنه موقوف على العلم بعدم معنى حقيقي للإنسان يجوز سلبه عن البليد والعلم بذلك موقوف على العلم بكون البليد معنى حقيقيّا للإنسان وهذا دور ظاهر هذا حاصل تقريره وأقول أمّا جعله السالبة كلية في صحّة السّلب فصحيح إذ العلم بالمجازيّة وعدم كونه موضوعا له متوقّف على ذلك وأمّا جعل الموجبة كليّة في عدم صحّة السّلب وإيراد الدّور عليه فغير واضح أمّا الأوّل فلعدم الاحتياج إليه إذ الفرض إثبات الوضع وعدمه والأوّل يحصل بمحض عدم صحة سلب بعض الحقائق بخلاف الثاني وأمّا الثاني أعني إيراده الدّور فلأنّ عدم صحّة سلب جميع المعاني الحقيقيّة للإنسان عن البليد ليس موقوفا على عدم معنى حقيقي للإنسان يجوز سلبه عن البليد بل هو عينه إذ الفرض من جعل الموجبة كلية إثبات انحصار الموضوع له فيه إذ الحقيقيّة في الجملة للبليد تثبت بعدم سلب البعض أيضا وحينئذ فالمقصود نفي الغير والعلم بعدم صحة سلب جميع الحقائق عنه عين العلم بأنه موضوع له لا غيره وبعبارة أخرى إنا أثبتنا في الصغرى اتحاد الحيوان النّاطق مع البليد ذاتا ليثبت له الأوصاف الثابتة للحيوان النّاطق في الكبرى فإن كان الوصف الحقيقيّة في الجملة ثبت للبليد أيضا ذلك أو كليّة فكلية وإحراز أن الوصف الثابت للحيوان النّاطق هو الموضوع له المطلق أو في الجملة لا بد أن يرجع فيه إلى شيء آخر ولا يتوقّف على حقيقيّة البليد أصلا لا بواسطة ولا بلا واسطة بل الشّكّ في ذلك وعين الشّكّ في أن البليد مطلق الموضوع له أو في الجملة وبالجملة البليد حكمه حكم الحيوان النّاطق بحكم الصغرى فيثبت له الحكم الثابت له في الكبرى إن كان مطلقا فمطلقا وإن كان في الجملة ففي الجملة بخلاف صحّة السّلب لأن إثبات نفس عدم الوضع متوقّف على كليّة الكبرى لا أنه تثبت في الجملة ويثبت إطلاقه بكلية الكبرى فالعلم بتغاير البليد مع الحيوان النّاهق الذي هو موضوع له للحمار لا يوجب نفي الوضع عن البليد إلاّ إذا علم انحصار الموضوع له في الحيوان النّاهق وهو متوقّف على العلم بالنتيجة ولا يمكن إحراز الكليّة بالرجوع إلى العرف إذ ليس في العرف إلاّ قضيّة سالبة وهو قولهم البليد ليس بحمار وهو إنما يدلّ على مجازيته بالنسبة إلى بعض معاني الحمار بأن يكون المراد من الحمار المسلوب الحيوان النّاهق وبالجملة دفع الدور هنا مشكل جدّا ولا يمكن إلاّ برفع منافاة الشّكّ في النّتيجة مع العلم بالمقدّمتين وقد ذكر في رفع التنافي أجوبة أغلبها فاسدة فمنها ما ذكره الفاضل المذكور في منع كلية الكبرى وقد عرفت أن الإشكال كان ناشئا منه وقرره بأن المقصود إثبات المجازية في الجملة بالنّسبة ويكفي فيه صحة سلب بعض المعاني الحقيقيّة عنه كما في عدم صحّة السّلب وفيه ما عرفت أن الفرض من هذه العلامات إثبات الوضع وعدمه

٣٩

والأوّل يثبت بعدم صحة السّلب في الجملة دون الثّاني ومنها ما ذكره أيضا من أنّ المقصود تعيين فرد الموضوع له ومصداقه فبصحّة سلب الماء عن الجلاب المسلوب الطعم والرائحة نعلم أنه ليس من مصاديق الماء وبعدمها عن ماء السيل المخلوط بالطين نعلم أنّه من مصاديقه وبالجملة لا نشكّ في عدم وضع الماء للجلاب بخصوصه ولكن نشكّ في أنه داخل في مصاديقه أو لا فبصحّة السّلب نعلم عدم دخوله فيه وفيه أن الشّكّ في الفرديّة إمّا ناش عن عوارض لاحقة لنفس الفرد كالبلل المشتبه بالبول وإمّا ناش عن الشّكّ في أصل المعنى كالشّكّ في ماء السّيل فإنه ناش عن الشّكّ في أن الماء موضوع للمطلق مطلقا أو للمطلق الصّافي فإن أراد الأوّل قلنا إن تشخيص الموضوعات يجب أن يكون بالعلم وهذه الأمارات لا حجّيّة فيها في الموضوعات بل الغرض منها إثبات الأوضاع اللّغويّة من الحقيقيّة والمجازيّة لا تشخيص الموضوعات العرفيّة وإن أراد الثّاني بقي الدّور بحاله لرجوع الشّكّ حينئذ إلى الشّكّ في أصل المعنى لا إلى الشّكّ في الفردية ومنها ما ذكره بعضهم من أن كلية الكبرى في صحّة السّلب أعني صحة سلب جميع المعاني الحقيقيّة عن المشكوك فيه يعلم بالرجوع إلى العرف فإنه إذا سلب الحمار عن البليد في العرف فلا يخلو إمّا أن يكون الحمار متحدا أو مشتركا وعلى أيّ تقدير يلزم سلب جميع الحقائق أمّا على الأوّل فظاهر وأمّا على الثاني فلأنّ المراد من سلب المشترك عن شيء سلب مفهوم المسمّى عنه فإذا قيل هذا ليس بعين أريد به أنه ليس مسمّى بالعين ولازمه عدم كونه موضوعا له وإلاّ لم يجز سلب المسمّى عنه قال وهذا الجواب لا يجري في عدم صحة السّلب لأنّ معنى عدم السّلب صحة الحمل ولا يمكن العلم بكلية الكبرى وهي أنّه لا يصح سلب جميع الحقائق عنه بالرّجوع إلى العرف لأن حمل شيء على شيء لا يمكن أن يكون بإرادة مفهوم المسمّى من المحمول إذ يلزم حينئذ اتحاد المعنى الواحد مع المعاني المتعدّدة لو كان المحمول مشتركا وهو محال في غالب المشتركات حيث إن معانيها متباينة مفهوما ومصداقا نعم يصحّ ذلك فيما إذا كان المحمول معاني متعدّدة مفهوما متّفقة مصداقا كحمل العالم والنّاطق والضاحك على الإنسان مثلا وليس الكلام مختصّا بأمثال ذلك بل يعم المشترك بين المتباينين الذي لا يمكن حمله على شيء بإرادة مفهوم المسمّى وفيه أن ادّعاء أنّ سلب المشترك عن شيء يراد منه سلب مفهوم المسمّى ممنوع لأنّ إرادة مفهوم المسمّى عن المشترك مجاز لا يصار إليه بلا قرينة بل الظاهر من السّلب عرفا هو سلب الماهيّات والحقائق وحينئذ لا يمكن إرادة أكثر من واحد من المسلوب وإن كان في النّفي لما قرّر في محلّه من عدم جواز استعمال المشترك في الأكثر من المعنى مطلقا والفرق بين المثبت والمنفي شموله لجميع أفراد المعنى الواحد في النّفي دون الإثبات لا أنّه يشمل جميع المعاني لوقوعه في سياق النّفي وقوله إن ذلك لا يتم في عدم صحة السّلب لأن حمل المسمّى على شيء يستلزم اتحاد المعنى الواحد مع المعاني

٤٠