مفاتيح الجنان

الشيخ عباس القمي

مفاتيح الجنان

المؤلف:

الشيخ عباس القمي


المحقق: الشيخ علي آل كوثر
الموضوع : العرفان والأدعية والزيارات
الناشر: مجمع إحياء الثقافة الإسلاميّة
المطبعة: پاسدار إسلام
الطبعة: ١
الصفحات: ٩٠٤

عائدات من الشام وهو يوم ورود جابر بن عبد الله الأنصاري كربَلاءِ لزيارة الحسين وهو أول من زاره عليه‌السلام ويستحب فيه زيارته عليه‌السلام وعن الإمام العسكري عليه‌السلام قال : علامات المؤمن خمس : صلاة احدى وخمسين الفرائض والنوافل اليومية ، وزيارة الأَرْبعين ، والتختم في اليمين ، وتعفير الجبين ، والجهر ببسم الله الرحمن الرحيم (١).

وقد روى الشيخ في (التهذيب) و (المصباح) زيارة خاصة لهذا اليوم عن الصادق عليه‌السلام سنوردها في باب الزيارات إن شاء الله.

اليوم الثامن والعشرون : من سنة إحدى عشرة يوم وفاة خاتم النبيين صلوات الله عليه وآله وقد صادفت يوم الاثنين من أيام الأسبوع باتفاق الآراء وكان له عندئذ من العمر ثلاث وستون سنة هبط عليه الوحي وله أربعون سنة ثم دعا الناس إلى التوحيد في مكة مدة ثلاث عشرة سنة ثم هاجر إلى المدينة وقد مضى من عمره الشريف ثلاث وخمسون سنة وتوفي في السنة العاشرة من الهجرة ، فبدأ أمير المؤمنين عليه‌السلام في تغسيله وتحنيطه وتكفينه ثم صلى عليه ثم كان الأصحاب يأتون أفواجاً فيصلون عليه فرادى من دون إمام يأتمون به وقد دفنه أمير المؤمنين صلوات الله عليه في الحجرة الطاهرة في الموضع الذي توفي فيه (٢).

عن أنس بن مالك قال : لما فرغنا من دفن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أتت إلى فاطمة عليها‌السلام فقالت : كيف طاوعتكم أنفسكم على أن تهيلوا التراب على وجه رسول الله ثم بكت وقالت : يا أبتاه أجاب ربّاً دعاه يا أبتاه من ربه ما أدناه .. الخ (٣). وعلى رواية معتبرة أنها أخذت كفّا من تراب القبر الطاهر فوضعته على عينيها وقالت :

ماذا على المُشتَمِّ تُربَة أحمدَ

أن لايَشَمَّ مَدى الزَّمانِ غَوالِيا

صُبَّتْ عَلَيَّ مَصائِبُ لَوْ أَنَّها

صُبَّتْ عَلى الأيامِ صِرْنَ لَيالِيا (٤)

وروى الشيخ يوسف الشّامي في كتاب الدّرّ النظيم أنها قالت في رثاء أبيها :

قُلْ لِلمُغَيَّبِ تَحْتَ أَثْوابِ (٥) الثَّرى

إن كُنْتَ تَسْمَعُ صَرخَتي ونِدائِيا

صُبَّت عَليَّ مَصائِبُ لَو أَنَّها

صُبَّتْ على الاَيامِ صِرْنَ لَيالِيا

_________________

١ ـ مصباح المتهجّد : ٧٨٧.

٢ ـ الارشاد ١ / ١٨٩ وانظر البحار ٢٢ / ٥٠٣ عن كشف الغمّة.

٣ ـ رواه الحاكم في المستدرك ١ / ٣٨٢ مع اختلاف في الالفاظ.

٤ ـ رواه الشهيد الثاني في مسكّن الفؤاد المطبوع ضمن المصنّفات الاربعة : ٩٥ ، فصل في النوح. وفيه : ماذا على من شمّ.

٥ ـ أطباق : خ.

٣٨١

قَد كُنْتُ ذاتَ حِمىً بظِلِّ مُحَمَّدٍ

لا أخشَ من ضَيمٍ وكانَ حِمالِيا (١)

فَاليومَ أَخضعُ لِلذَّلِيلِ وأتَّقي

ضَيمِي وَأَدفعُ ظالِمي بِردائِيا

فَإذا بَكتْ قَمَريّةٌ في لَيلِها

شَجَنا على غُصنٍ بَكيتُ صَباحِيا

فَلاجعَلَنَّ الحُزنَ بَعدَكَ مُؤنِسي

ولا جعَلنَّ الدَّمعَ فِيكَ وِشاحِيا (٢)

اليوم الأخير من الشهر : فيه في سنة ثلاث ومائتين على رواية الطبرسي وابن الأثير استشهد الإمام الرضا عليه‌السلام بعنب دس فيه السم وكان له من العمر خمس وخمسون سنة (٣) وقبره الشريف في بيت حميد بن قحطبة في قرية سناباد بأرض طوس وفي ذلك البيت دفن الرشيد أيضاً (٤).

الفصل التاسع

في شهر ربيع الأول

الليلة الأولى : فيها في السنة الثالثة عشرة من البعثة هاجر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله من مكة إلى المدينة المنورة فاختبأ هذه الليلة في غار ثور وفاداه أمير المؤمنين صَلَواتُ الله وسَلامُهُ عَلَيهِ بنفسه فنام في فراشه غير مجانب سيوف قبائل المشركين وأظهر بذلك على العالمين فضله ومواساته وإخاءه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فنزلت فيه الآية : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرضاةِ اللهِ) (٥).

اليوم الأول : قال العلماء يستحب فيه الصيام شكراً لله على ماأنعم من سلامة النبي وأمير المؤمنين صَلَواتُ الله وسَلامُهُ عَلَيهِما ، ومن المناسب زيارتهما عليهما‌السلام في هذا اليوم (٦).

وقد روى السيد في (الاقبال) دعاءً لهذا اليوم (٧) وفيه كانت وفاة الإمام الحسن العسكري عليه‌السلام على قول الشيخ والكفعمي (٨) والمشهور على أنّها في اليوم الثامن (٩). ولعل في هذا اليوم كان بدء مرضه عليه‌السلام.

اليوم الثامن : سنة مائتين وستين توفي الإمام الحسن العسكري عليه‌السلام فنصب صاحب

_________________

١ ـ في المصدر : جماليا.

٢ ـ الدر النظيم : ١٩٨.

٣ ـ أعلام الورى : ٣٢٨ ، الكامل في التاريخ ٦ / ٣٥١.

٤ ـ رواه المفيد في الارشاد ٢ / ٢٧١.

٥ ـ زاد المعاد : ٤٠٣.

٦ ـ زاد المعاد : ٤٠٤.

٧ ـ الاقبال ٣ / ١١١ فصل ٢ من باب ٤. أوّله : اللّهمّ لا اله إلّا أنت ...

٨ ـ مصباح المتهجّد : ٧٩١ ، ومصباح الكفعمي : ٥١٠ ، فصل ٤٢.

٩ ـ زاد المعاد : ٤٠٤.

٣٨٢

الأمر عليه‌السلام إماماً على الخلق ومن المناسب زيارتهما عليهما‌السلام في هذا اليوم (١).

اليوم التاسع : عيد عظيم وهو عيد البقر وشرحه طويل مذكور في محله (٢).

وروي أن من أنفق شَيْئاً في هذا اليوم غفرت ذنوبه. وقيل يستحب في هذا اليوم إطعام الاخوان المؤمنين وإفراحهم والتوسُّع في نفقة العيال ولبس الثياب الطيِّبة وشكر الله تعالى وعبادته. وهو يوم زوال الغموم والأحزان وهو يوم شريف جداً (٣) ، واليوم الثامن من الشهر كان يوم وفاة الامام الحسن العسكري عليه‌السلام ، فهذا اليوم يكون أوّل يوم من عصر امامة صاحب العصر أرواح العالمين له الفداء ، وهذا ممّا يزيد اليوم شرفاً وفضلاً (٤).

اليوم الثاني عشر : ميلاد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله علي رأي الكليني والمسعودي وهو المشهور لدى العامة ويستحب فيه الصلاة ركعتان في الأولى بعد الحمد ، (قل يا أيُّها الكافرون) ثلاثاً ، وفي الثانية التوحيد ثلاثاً. وفي هذا اليوم دخل صلى‌الله‌عليه‌وآله المدينة مهاجراً من مكة (٦).

وقال الشيخ إن في مثل هذا اليوم في سنة اثنتين وثلاثين ومائة انقضت دولة بني مروان (٧).

اليوم الرابع عشر : سنة أربع وستين مات يزيد بن معاوية فأسرع إلى دركات الجحيم (٨) وفي كتاب (اخبار الدول) أنه مات مصاباً بذات الجنب في حوران فأتي بجنازته إلى دمشق ودفن في الباب الصغير وقبره الان مزبلة وقد بلغ عمره السابعة والثلاثين ودامت خلافته ثلاث سنين وتسعة أشهر انتهى (٩).

الليلة السابعة عشرة : ليلة ميلاد خاتم الأنبياء (صلوات الله عليه) وهي ليلة شريفة جداً وحكى السيد قولاً بأن في مثل هذه الليلة أيضاً كان معراجه قبل الهجرة بسنة واحدة (١٠).

اليوم السابع عشر : ميلاد خاتم الأنبياء محمد بن عبد الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على المشهور بين الإمامية والمعروف أن ولادته كانت في مكة المعظمة في بيته عند طلوع الفجر من يوم الجمعة في عام الفيل (١١) في عهد أنوشروان العادل. وفي هذا اليوم الشريف أيضاً في سنة ثلاث وثمانين ولد الإمام

_________________

١ ـ زاد المعاد : ٤٠٤ ، الارشاد ٢ / ٣٣٦ ، تاريخ مواليد الائمّة ووفياتهم لابن الخشاب : ٤٢ ضمن مجموعة نفيسة.

٢ ـ انظر زاد المعاد : ٤٠٤.

٣ ـ زاد المعاد : ٤١١.

٤ ـ الاقبال ٣ / ١١٤ فصل ٣ من باب ٤.

٥ ـ الكافي ١ / ٤٣٩. أمّا المسعودي في مروج الذهب ٢ / ٢٧٤ قال : كان مولده عليه الصلاة والسلام لثمان خلون من ربيع الاوّل.

٦ ـ الاقبال ٣ / ١١٦ فصل ٦ من باب ٤.

٧ ـ مصباح المتهجّد : ٧٩١.

٨ ـ مصباح المتهجّد : ٧٩١.

٩ ـ أخبار الدول وآثار الأول ٢ / ١٤.

١٠ ـ الاقبال ٣ / ١١٨ فصل ٩ من باب ٤.

١١ ـ الاقبال ٣ / ١٢٢ فصل ١١ من باب ٤.

٣٨٣

جعفر الصادق عليه‌السلام فزاده فضلاً وشرفاً (١). والخلاصة أن هذا اليوم يوم شريف جداً وفيه عدة أعمال :

الأول : الغسل (٢).

الثاني : الصوم وله فضل كثير وروي أن من صامه كتب له صيام سنة (٣). وهذا اليوم هو أحد الأيام الأَرْبعة التي خصّت بالصيام بين أيام السنة.

الثالث : زيارة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عن قرب أو عن بعد (٤).

الرابع : زيارة أمير المؤمنين عليه‌السلام بما زار به الصادق عليه‌السلام وعلمه محمد بن مسلم من ألفاظ الزيارة ، وستأتي في باب الزيارات إن شاء اللهِ ص ٤٦٩.

الخامس : أن يصلي عند ارتفاع النهار ركعتين يقرأ في كل ركعة بعد الحمد سورة (إنا أنزلناه) «عشر مرات» والتوحيد «عشر مرات» ، ثم يجلس في مصلاه ويدعو بالدعاء : اللّهُمَّ أَنْتَ حَيُّ لاتَمُوتُ ... الخ وهو دعاء مبسوط لم أجده مسنداً إلى المعصوم لذلك رايت أن أتركه رعاية للاختصار فمن شاء فليطلبه من زاد المعاد (٥).

السادس : أن يعظم المسلمون هذا اليوم ويتصدقون فيه ويعملوا الخير ويسرّوا المؤمنين ويزوروا المشاهد الشريفة (٦). والسيد في الاقبال قد بسط القول في لزوم تعظيم هذا اليوم وقال وجدت النّصارى وجماعة من المسلمين يعظّمون مولد عيسى عليه‌السلام تعظيماً لا يعظمون فيه احداً من العالمين وتعجبت كيف قنع من يعظم ذلك المولد من أهل الإسلام كيف يقنعون أن يكون مولد نبيهم الذي هو أعظم من كل نبي دون مولد واحد من الأنبياء (٧).

الفصل العاشر

في شهر ربيع الثاني ، وجمادى الأولى ، وجمادى الآخِرة

قد خص السيد ابن طاووس غُرَّة كل من هذه الشهور الثلاثة بدعاء (٨) ، وقال الشيخ

_________________

١ ـ اعلام الورى : ٢٦٦.

٢ ـ زاد المعاد : ٤١٣.

٣ ـ زاد المعاد : ٤١٣.

٤ ـ زاد المعاد : ٤١٣.

٥ ـ زاد المعاد : ٤٣٢.

٦ ـ الاقبال ٣ / ١٢٢ فصل ١١ من باب ٤.

٧ ـ الاقبال ٣ / ١٤٢ فصل ١٤ من باب ٤.

٨ ـ الاقبال ٣ / ١٤٥ و ١٥١ و ١٥٧ في فصل ١ من ابواب ٥ و ٦ و ٧.

٣٨٤

المفيد رحمه‌الله إن في اليوم العاشر من شهر ربيع الثاني سنة مائتين واثنتين وثلاثين ولد الإمام الحسن العسكري عليه‌السلام وهو يوم شريف جداً ويستحب فيه الصيام شكراً لله على هذه النعمة العظمى (١). والمناسب في الثالث عشر ، والرابع عشر ، والخامس عشر ، من جمادى الأولى زيارة فاطمة الزهراء صلوات الله عليها وإقامة مأتمها فقد روي بسند صحيح أنها عاشت بعد أبيها خمسة وسبعين يوماً وقد كانت وفاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في الثامن والعشرين من صفر على المشهور فيلزم أن تكون وفاتها عليها‌السلام في أحد هذه الأيام الثلاثة (٢).

وفي يوم النصف منه سنة ست وثلاثين فتح أمير المؤمنين عليه‌السلام البصرة وفيه كانت ولادة الإمام زين العابدين عليه‌السلام وزيارة هذين الإمامين عليهما‌السلام في هذا اليوم مناسبة (٣).

وأما اعمال شهر جمادي الآخِرة فهي : أن يصلي كما روى السيد بن طاووس : أربع ركعات أي بسلامين في أي وقت شاء من الشهر يقرأ الحمد في الأولى مرّة وآية الكرسي مرّة و (إنا أنزلناه) خمساً وعشرين مرة وفي الثانية الحمد مرة و (ألهاكم التكاثر) مرة و (قل هو الله أحد) خمساً وعشرين مرة ، وفي الثالثة الحمد مرة و (قل يا أيّها الكافرون) مرة و (قل أعوذ برب الفلق) خمساً وعشرين مرة وفي الرابعة الحمد مرة و (إذا جاء نصر الله والفتح) مرة و (قل أَعوذ برب الناس) خمساً وعشرين مرة ، ويقول بعد السلام من الرابعة سبعين مرة : سُبحانَ الله وَالحَمْدُ لله وَلا إِلهَ إِلاّ الله وَالله أَكْبَرُ ، وسبعين مرة : اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، ثم يقول ثلاثاً : اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِناتِ. ثم يسجد ويقول في سجوده ثلاث مرات : يا حَيُّ يا قَيُّومُ يا ذا الجَلالِ وَالاِكْرامِ يا رَحْمنُ يا رَحِيمُ يا أرْحَمَ الرَّاحِمِينَ ، ثم يسأل الله حاجته يصان من فعل ذلك في نفسه وماله وأهله وولده ودينه ودنياه إلى مثلها في السنة القادمة ، وإن مات في تلك السنة مات على الشهادة أي كان له ثواب الشهداء (٤).

اليوم الثالث من الشهر سنة إحدى عشرة توفيت فاطمة صلوات الله عليها فينبغي أن يقيم الشيعة عزاءها ويزوروها ويلعنوا ظالميها وغاصبي حقها وان السيد ابن طاووس في (الاقبال) قد ذكر وفاتها في هذا اليوم ثم ذكر لها هذه الزيارة : السَّلامُ عَليكِ يا سَيِّدَةَ نِساءِ العالَمِينَ السَّلامُ عَلَيْكِ يا والِدَةَ الحُجَجِ عَلى النّاسِ أَجْمَعِينَ السَّلامُ عَلَيْكِ أَيَّتُها المَظْلومَةُ

_________________

١ ـ حدائق الرياض للمفيد كما عنه السيّد في الاقبال ٣ / ١٤٩ فصل ٢ من باب ٥.

٢ ـ زاد المعاد : ٤٥٥.

٣ ـ زاد المعاد : ٤٥٥ عن المفيد والطوسي.

٤ ـ زاد المعاد : ٤٥٦ ، الاقبال ٣ / ١٦٠ فصل ٢ من باب ٧.

٣٨٥

المَمْنُوعَةُ حَقَّها. ثم يقول : اللّهُمَّ صَلِّ عَلى أَمَتِكَ وَابْنَةِ نَبِيِّكَ وَزَوْجَةِ وَصِيِّ نَبِيِّكَ صَلاةً تُزْلِفُها فَوْقَ زُلْفى عِبادِكَ المُكَرَّمِينَ مِنْ أَهْلِ السَّماوات وَأَهْلِ الأَرْضِينَ. فقد روي أن من زارها بهذه الزيارة وإستغفر الله غفر الله له وأدخله الجنة (١). أقول : قد أورد هذه الزيارة نجل السيد ابن طاووس أيضاً في كتاب زوائد الفوائد وقال : إنها تخص يوم وفاتها عليها‌السلام وهو الثالث من جمادى الآخِرة. وقال في كيفية الزيارة تصلي صلاة الزّيارة أو صلاتها عليها‌السلام وهي ركعتان تقرأ في كل منهما بعد الحمد سورة (قل هو الله أحد) ستين مرة فإن لم تقدر فاقرأ بعد الحمد في الأولى (قل هو الله أحد) وفي الثانية : (قل يا أيّها الكافرون) فإذا سلمت فقل : السَّلامُ عَلَيْكِ ... إلى آخر الزيارة (٢).

اليوم العشرون : ولدت فيه فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) بعد البعثة بخمس سنين أو سنتين (٣) ويناسب فيها عدّة أعمال :

الأول : الصيام (٤).

الثاني : الخيرات والصَّدقات على المؤمنين (٥).

الثالث : زيارة سيدة نساء الدنيا والآخِرة وستأتي صفة زيارتها عليها‌السلام ص ٤٠٧.

الفصل الحادي عشر

في اعمال عامة الشهور ، وأعمال النيروز ،

وأعمال الأشهر الرومية

وأمّا أعمال عامة الشهور فعديدة :

أولها : الدعاء عند رؤية الهلال بالأدعية المأثورة وأفضلها الدعاء الثالث والأَرْبعون من الصحيفة الكاملة المذكور في خلال أعمال غرة شهر رمضان ص ٢٩٠.

الثاني : قراءة الحمد سبع مرات لدفع وجع العين (٦).

_________________

١ ـ الاقبال ٣ / ١٦١ فصل ٣ من باب ٧.

٢ ـ الاقبال ٣ / ١٦٦ فصل ٦ من باب ٧ وفيه : فاذا سلّمت قلت : اللّهمّ إنّي أتوجّه اليك ...

٣ ـ مصباح المتهجّد : ٧٩٣.

٤ ـ زاد المعاد : ٤٥٧.

٥ ـ مسارّ الشيعة : ٥٤.

٦ ـ انظر البحار ٩٢ / ٢٣١ ح ١٣ و ٢٥٧ ح ٥٠.

٣٨٦

الثالث : أكل شي من الجبن وروي أن من يعتد أكله رأس الشّهر أو شك أن لاتردّ له حاجة (١).

الرابع : أن يصلِّي في الليلة الأولى من الشهر ركعتين يقرأ بعد الحمد في كل منهما سورة الأنعام ويسأل الله أن يكفيه كل خوف ووجع وأن لا يرى في ذلك الشهر ما يكرهه (٢).

الخامس : أن يصلي في أول يوم من الشهر ركعتين يقرأ في الأولى بعد الحمد ، التوحيد ثلاثين مرّة وفي الثانية بعد الحمد ، القدر ثلاثين مرة ثم يتصدق بما تيسر فإذا فعل ذلك فقد اشترى السَّلامة في ذلك الشهر. وزاد في بعض الرّوايات وتقول إذا فرغت من الرّكعتين :

(بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ وَما مِنْ دابَةٍ فِي الأَرْضِ إِلاّ عَلى الله رِزْقُها وَيَعلَمُ مُستَقرَّها وَمُسْتَوْدَعَها كُلٌ فِي كتابٍ مُبينٍ) (٣).

(بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ وَإِن يَمسَسْكَ الله بِضُرٍ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلاّ هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَهُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ) (٤). بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ : سَيَجْعَلُ الله بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً. ماشاءَ الله لاقُوَّةَ إِلاّ بِالله حَسْبُنا الله وَنِعْمَ الوَكِيلُ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلى الله إِنَّ الله بَصِيرٌ بِالعِبادِ ، لا إلهَ إِلاّ أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظّالِمِينَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إلى مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ، رَبِّ لاتَذَرْنِي فَرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الوارِثِينَ.

وأمّا أعمال يوم النيروز فهي : ماعلّمها الصادق عليه‌السلام معلى بن خنيس قال : إذا كان يوم النيروز فاغتسل والبس أنظف ثيابك وتطيب بأطيب طيبك وتكون ذلك اليوم صائماً فإذا صليت النوافل والظهر فصل بعد ذلك أربع ركعات أي بسلامين تقرأ في أول ركعة فاتحة الكتاب وعشر مرات إنا أَنزلناه وفي الثانية فاتحة الكتاب وعشر مرات (قل يا أَيّها الكافرون) وفي الثالثة فاتحة الكتاب وعشر مرات (قل هو الله أحد) وفي الرابعة فاتحة الكتاب وعشر مرات (قل أعوذ برب الفلق) و (قل أعوذ برب الناس) وتسجد بعد فراغك من الركعات

_________________

١ ـ بحار الانوار ٩٧ / ١٣٣ عن الصادق عليه‌السلام مع اختلاف قليل لفظي.

٢ ـ بحار الانوار ٩٧ / ١٣٣ عن الصادق عليه‌السلام مع اختلاف قليل لفظي.

٣ ـ هود : ١١ / ٦.

٤ ـ يونس : ١٠ / ١٠٧.

٥ ـ بحار الانوار ٩٧ / ١٣٣ عن الجواد عليه‌السلام.

٣٨٧

فتقول :

اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ الأَوْصِياء المَرْضِيِّينَ وَعَلى جَمِيعِ أَنْبِيائِكَ وَرُسُلِكَ بِأَفْضَلِ صَلَواتِكَ وَبارِكْ عَلَيْهِمْ بِأَفْضَلِ بَرَكاتِكَ وَصَلِّ عَلى أَرْواحِهِمْ وَاجْسادِهِمْ ، اللّهُمَّ بارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَبارِكْ لَنا فِي يَوْمِنا هذا الَّذِي فَضَّلْتَهُ وَكَرَّمْتَهُ وَشَرَّفْتَهُ وَعَظَّمْتَ خَطَرَهُ ، اللّهُمَّ بارِكْ لِي فِيما أَنْعَمْتَ بِهِ عَلَيَّ حَتّى لاأَشْكُرَ أَحَداً غَيْرَكَ وَوَسِّعْ عَلَيَّ فِي رِزْقِي يا ذا الجَلالِ وَالاِكْرامِ ، اللّهُمَّ ماغابَ عَنِّي فَلا يَغِيبَنَّ عَنِّي عَوْنُكَ وَحِفْظُكَ وَما فَقَدْتُ مِنْ شَيٍْ فَلا تُفْقِدْنِي عَوْنَكَ عَلَيْهِ حَتّى لا أتَكَلَّفَ مالا أَحْتاجُ إِلَيْهِ ، يا ذا الجَلالِ وَالاِكْرامِ. يغفر لك ذنوب خمسين سنة وتكثر من قولك : يا ذا الجَلالِ وَالاِكْرامِ (١) (٢).

وأما أعمال الشهور الرومية فنقتصر منها هنا على ما في كتاب زاد المعاد : روى السيد الجليل علي بن طاووس (رض) أن قوماً من الأصحاب كانوا جلوساً إذ دخل عليهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فسلم عليهم فردوا عليه‌السلام. فقال : ألا أعلّمكم دواءً علمني جبرائيل عليه‌السلام حيث لا أحتاج إلى دواء الأطباء؟ وقال علي عليه‌السلام وسلمان وغيرهم : وما ذلك الدواء فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لعلي عليه‌السلام : تأخذ من ماء المطر بنيسان وتقرأ عليه كلاًّ من فاتحة الكتاب وآية الكرسي و (قل هو الله أحد) و (قل أعوذ برب الفلق) و (قل أعوذ برب الناس) و (قل يا أيها الكافرون) سبعين مرة ، وزادت رواية أخرى سورة (إنا أنزلناه) أيضاً سبعين مرة والله أكبر سبعين مرة ولا إِلهَ إِلاّ الله سبعين مرة وتصلي على محمد وآل محمد سبعين مرة وتشرب من ذلك الماء غدوة وعشية سبعة أيام متواليات. والذي بعثني بالحق نبياً إنّ جبرائيل عليه‌السلام قال : إن الله يرفع عن الذي يشرب هذا الماء كل داء في جسده ويعافيه ويخرج من جسده وعظمه وجميع أعضائه ويمحو ذلك من اللّوح المحفوظ. والذي بعثني بالحق نبياً إن لم يكن له ولد بعد فشرب من ذلك الماء كان له ولد وإن كانت المراة عقيما وشربت من ذلك الماء رزقها الله ولداً وإن أحببت أن تحمل بذكر أو أنثى

_________________

١ ـ روي في كتب غير مشهورة استحباب الاكثار من هذا الدعاء ساعة تحوّل الشمس الى برج الحمل ، وقيل : يقرأ ٣٦٦ مرّة : يا محوّل الحول والاحوال حوّل حالنا الى احسن الحال. وعلى رواية اخرى : يا مقلّب القلوب والابصار ، يا مدبّر الليل والنهار ، يا محوّل ... الخ ، كذا في زاد المعاد : ص ٥٣١. (منه).

٢ ـ زاد المعاد : ٥٣٠.

٣٨٨

حملت وتصديق ذلك في كتاب الله تعالى : (يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرانا وإِناثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشاءُ عَقِيماً) (١). ثم قال عليه‌السلام : وإن كان به صداع فشرب من ذلك يسكن عنه الصداع بإذن اللهِ ، وإن كان به وجع العين يقطر من ذلك الماء في عينيه ويشرب منه ويغسل به عينه ، ويشدّ أصول الأسنان ويطيب الفم ولايسيل من أصول الأسنان اللعاب ويقطع البلغم ولايتخم إذا أكل وشرب ولايتأذى بالريح (من القولنج وغيره) ولايشتكي ظهره ولاينجع بطنه ولا يخاف من الزكام ووجع الضّرس ولايشتكي المعدة ولا الدُّود ولا يحتاج إلى الحجامة ولايصيبه البواسير ولايصيُبه الحكة ولا الجدري ولا الجنون ولا الجذام ولا البرص ولا الرعاف ولا القي ولايصيبه عمىً ولا بكمٌ ولا خرسٌ ولا صممٌ ولا مقعد ولا يصيبه الماء الأسود في عينيه ولايصيبه داء يفسد عليه صومه وصلاته ولايتأذى بوسوسة الجن ولا الشياطين.

وقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : قال جبرائيل عليه‌السلام : إنه من شرب من ذلك ثم كان به جميع الأوجاع التي تصيب الناس فإنه شفاء له من جميع الأوجاع فقال جبرائيل عليه‌السلام والذي بعثك بالحق من يقرأ هذه الآيات على هذا الماء فيشرب منه ملأ الله تعالى قلبه نوراً وضياءً ويُلقي الالهام في قلبه ويجري الحكمة على لسانه ويحشو لُبَّه من الفهم والبصيرة وأعطاه من الكرامات مالم يعط أحداً من العالمين ويرسل عليه ألف مغفرة وألف رحمة ويخرج الغش والخيانة والغيبة والحسد والبغي والكبر والحرص والغضب من قلبه والعداوة والبغضاء والنميمة والوقيعة في الناس ، وهو الشفاء من كل داء.

أقول : هذه الرواية المشهورة ينتهي سندها إلى عبد الله بن عمر ولأجل ذلك يكون السند ضعيفاً وإنّي قد وجدت هذه الرواية بخط الشيخ الشهيد مروية عن الصادق عليه‌السلام بنفس هذه الآثار ولكن ترتيب الآيات فيها كما يلي : تقرأ على ماء المطر في نيسان فاتحة الكتاب ، وآية الكرسي ، و (قل يا أيّها الكافرون) ، و (سبح اسم ربك الأعلى) ، و (قل أعوذ برب الفلق) ، و (قل أعوذ برب الناس) ، وقل هو الله أحد كلا منها سبعين مرة ، وتقول : سبعين مرة : لا إِلهَ إِلاّ اللهِ ، وسبعين مرة : الله أَكْبَرُ ، وسبعين مرة : اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وسبعين مرة : سُبْحانَ الله وَالحَمْدُ للهِ وَلا إِلهَ إِلاّ الله وَالله أَكْبَرُ ، وقد ذكر فيها في آثاره أنه إذا كان مسجوناً فشرب من ذلك الماء نجا من السجن وأنه لم يغلب على طبعه البرودة ،

_________________

١ ـ الشورى : ٤٢ / ٥٠.

٣٨٩

وقد وردت في هذه الرواية أيضاً أكثر تلك الآثار المذكورة في الرّواية السالفة. وماء المطر ماء مبارك ذو منافع سواء مطر في نيسان أو في غيره من الشهور كما في الحديث المعتبر عن أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : إشربوا من ماء السماء فإنه مطهر لأبدانكم ومزيل للداء كما قال تعالى : (وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماء ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رجْزَ الشَّيْطانِ وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الاَقْدامَ) (١). وإذا اجتمع قوم لهذا الدعاء فالأحسن أن يستوفي كل واحد منهم قراءة كل من تلك السورة والأذكار سبعين مرة والنَّفع لمن قرأها بنفسه أَعظم والأجر أوفر ، وشهر نيسان يبدأ في هذه السنين عند مضي ثلاثة وعشرين يوماً تقريباً من النيروز وهو ثلاثون يوماً.

وعن الصادق عليه‌السلام قال : لا تدع الحجامة في سبع حزيران فإن فاتك فالأَرْبع عشرة ، ويبدأ شهر حزيران عند مضي أربعة وثمانين يوماً تقريباً من النيروز وهو أيضاً ثلاثون يوماً وهو شهر نحس كما روي أن الصادق عليه‌السلام ذكر عنده حزيران فقال : هو الشهر الذي دعا فيه موسى عليه‌السلام على بني إسرائيل فمات في يوم وليلة من بني إسرائيل ثلاثمائة ألف من الناس.

وأيضاً بسند معتبر عنه عليه‌السلام قال : إن الله تعالى يقرب الآجال في شهر حزيران أي يكثر فيه الموت.

واعلم أنّ الشهور الرومية شهور شمسية يؤخذ حسابها من مسير الشمس وهي اثنا عشر شهراً كما يلي : تشرين الأول ، تشرين الثاني ، كانون الأول ، كانون الثاني ، شباط ، آذار ، نيسان ، أيّار ، حزيران ، تموز ، آب ، أيلول. وهم يعتبرون كلاًّ من الشهور الأَرْبعة : (تشرين الثاني) و (نيسان) و (حزيران) و (أيلول) ثلاثين يوماً والشهور الباقية كلاًًّ منها واحداً وثلاثين يوماً سوى شهر شباط الذي يختلف عدد أيّامه فيعتبر ذا ثمانية وعشرين يوماً في ثلاث سنين متوالية وفي السنة الرابعة وهي سنة كبيستهم (٢) يُحسب له تسعة وعشرون يوماً وسنتهم ثلاثمائة وخمسة وستون يوماً وربع يوم ، وغرة تشرين الأول وهي مبدأ سنتهم توافق في هذه السنين يوم اجتياز الشمس الدرجة التاسعة عشرة من برج الميزان. وتفصيل ذلك في كتاب (بحار الأنوار) ونحن قد أوردنا هذا الموجز لكون هذه الشهور مذكورة في الاخبار انتهى (٣).

_________________

١ ـ الانفال : ٨ / ١١.

٢ ـ لمعرفة السنة الكبيسة تقسّم عدد السنين التي أنت فيها على الرقم ٤ فإن خرج حاصل القسمة دون باقٍ فالسنة كبيسة ، وإن بقي شيء فالسنة عادية مثلاً : ١٩٨٤ تقسيم ٤ يكون الخارج ٤٩٦ دون باقٍ ، فالسنة كبيسة ، وشباط فيها ٢٩ يوماً.

٣ ـ زاد المعاد : ٥٣٢ ـ ٥٣٥.

٣٩٠

الباب الثالث

في الزيارات

ويحتوي على مقدمة وفصول وخاتمة :

المقدمة في آداب السفر

إذا أردت الخروج إلى السفر فينبغي لك أن تصوم الأَرْبعاء والخميس والجمعة ، وأن تختار من أيام الأسبوع يوم السبت أو يوم الثلاثاء أو يوم الخميس ، واجتنب السفر في يوم الاثنين والأَرْبعاء ، وقبل الظهر من يوم الجمعة.

هفت روزي نحس باشد در مهى

زان حذر كن تا نيابي هيچ رنج

سه وپنج وسيزده با شانزده

بيست ويك با بيست وچار وبيست وپنج

واجتنب السفر في اليوم الثالث من الشهر والخامس منه والثالث عشر والسادس عشر والحادي والعشرين (١) والرابع والعشرين والخامس والعشرين ، ولا تسافر في محاق الشهر ولا إذا كان القمر في برج العقرب وإن دعت ضرورة إلى الخروج في هذه الأحوال والأوقات فليدع المسافر بدعوات السفر ويتصدق ويخرج متى شاء (٢).

وروي أن رجلاً من أصحاب الباقر عليه‌السلام أراد السفر فأتاه ليودعه فقال له : إنّ أبي علي بن الحسين عليه‌السلام كان إذا أراد الخروج إلى بعض أمواله اشترى السلامة من الله عزَّ وجلَّ بما تيسر ، أي بالصدقة بما تيسر له ويكون ذلك إذا وضع رجله في الركاب وإذا سلمه الله وعاد من سفره حمد الله وشكره أيضاً بما تيسر له فودعه الرجل ومضى ولم يعمل بما وصاه الباقر عليه‌السلام فهلك في الطريق فأتى الخبر الباقر عليه‌السلام فقال : قد نُصح الرجل لو كان قَبِلَ (٣).

وينبغي أن تغتسل قبل التّوجه ثم تجمع أهلك بين يديك وتصلي ركعتين وتسأل الله الخيرة وتقرأ آية الكرسي وتحمد الله وتثني عليه وتصلي على النبي وآله (صَلَواتُ الله عَليَهم) وتقول :

اللّهُمَّ إِنِّي اسْتَوْدِعُكَ اليَوْمَ نَفْسِي وَأَهْلِي وَمالِي وَوُلْدِي وَمَنْ كانَ مِنِّي بِسَبِيلِ الشَّاهِدَ

_________________

١ ـ وفي بعض الروايات أنّه يحسن السفر في اليوم الحادي والعشرين من الشهر ولا يحسن في الثامن منه ولا في الثالث والعشرين منه. رواه ابن طاووس في مصباح الزائر : ٢٧.

٢ ـ مصباح الزائر لابن طاووس : ٢٦ ـ ٢٧ فصل ١.

٣ ـ المحاسن البرقي ٢ / ٨٦ ح ١٢٢٦ ـ ١٢٢٧.

٣٩١

مِنْهُمْ وَالغائِبَ ، اللّهُمَّ احْفَظْنا بِحِفْظِ الإيْمانِ وَاحْفَظْ عَلَيْنا ، اللّهُمَّ اجْعَلْنا (١) فِي رَحْمَتِكَ وَلاتَسْلُبْنا فَضْلَكَ إِنَّا إِلَيْكَ راغِبُونَ ، اللّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ وَعَثاءِ (٢) السَّفَرِ وَكَآبَةِ المُنْقَلَبِ وَسُوءِ المَنْظَرِ فِي الأهْلِ وَالمالِ وَالوَلَدِ فِي الدُّنْيا وَالآخِرةِ ، اللّهُمَّ إِنِّي أَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ هذا التَّوجُّهِ طَلَباً لِمَرْضاتِكَ وَتَقَرُّباً إِلَيْكَ اللهم (٣) فَبَلِّغْنِي مااُؤَمِّلُهُ وَأَرْجُوهُ فيكَ وَفِي أَوْلِيائِكَ يا أرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.

ثم ودع أهلك وانهض وقف بالباب فسبح الله بتسبيح الزهراء عليها‌السلام وإقرأ سورة الحمد أمامك وعن يمينك وعن شمالك وكذلك آية الكرسي وقل :

اللّهُمَّ إِلَيْكَ وَجَّهْتُ وَجْهِي وَعَلَيْكَ خَلَّفْتُ أَهْلِي وَمالِي وَماخَوَّلْتَنِي وَقَدْ وَثِقْتُ بِكَ فَلا تُخَيِّبْنِي يا مَنْ لايُخَيِّبُ مَنْ أَرادَهُ وَلايُضَيِّعُ مَنْ حَفِظَهُ ، اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَاحْفَظْنِي فيما غِبْتُ عَنْهُ وَلاتَكِلْنِي إِلى نَفْسِي يا أرْحَمَ الرَّاحِمِينَ ، الدعاء. ثم اقرأ سورة (قل هو الله أحد) إحدى عشرة مرة (٤) وسورة (إنا أَنزلناه) وآية الكرسي وسورة (قل أعوذ برب الناس) و (قل أعوذ برب الفلق) ثم أمرر بيدك على جميع جسدك وتصدق بما تيسر وقل : اللّهُمَّ إِنِّي اشْتَرَيْتُ بِهِذِهِ الصَّدَقَةِ سَلامَتِي وَسَلامَةَ سَفَرِي وَمامَعِي اللّهُمَّ احْفَظْنِي وَاحْفَظْ مامَعِي وَسَلِّمْنِي وَسَلِّمْ مامَعِي وَبَلِّغْنِي وَبَلِّغْ مامَعِي بِبَلاغِكَ الَحَسَن الجَمِيلِ. وتأخذ معك عصاً من شجر اللوز المر فقد روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال : من خرج إلى السفر ومعه عصى لوز مر وتلا قوله تعالى : (وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ ... إلى ... وَالله عَلى مانَقُولُ وَكِيلٌ) وهو في سورة القصص (٥) ، آمّنه الله تعالى من كل سبعٍ ضارٍ ومن كل لصٍ عادٍ ومن كل ذات حمةٍ حتى يرجع إلى منزله وكان معه سبع وسبعون من المعقبات الملائكة يستغفرون له حتى يرجع ويضعها (٦).

ويستحب أن يخرج معتما متحنكا لكي لايصيبه السرق ولا الغرق ولا الحرق وتأخذ معك شَيْئاً من تربة الحسين عليه‌السلام وقل إذا أخذتها : اللّهُمَّ هذِهِ طِينَةُ قَبْرِ الحُسَيْنِ عليه‌السلام وَلِيِّكَ

_________________

١ ـ اجمعنا ـ خ ـ.

٢ ـ الوعثاء : التعب.

٣ ـ اللّهمّ : خ.

٤ ـ في مصباح الزائر : عشر مرّات.

٥ ـ القصص : ٢٨ / ٢٢ ـ ٢٨.

٦ ـ مصباح الزائر : ٢٨ ـ ٣٣ مع اضافات.

٣٩٢

وَابْنِ وَلِيِّكَ اتَّخّذْتُها حِرْزاً لِما أَخافُ وَما لاأَخافُ (١). وخذ معك خاتم العقيق والفيروزج ، والأحسن أن يكون العقيق أصفر منقوشاً على أحد وجهيه : ماشاءَ الله لاقُوَّةَ إِلاّ بِالله أسْتَغْفِرُ اللهِ ، وعلى الوجه الثاني : مُحَمَّد وَعلي.

روى السيد ابن طاووس في أمان الاخطار عن أبي محمد قاسم بن علا عن الصافي خادم الإمام علي النقي عليه‌السلام قال : استأذنته في الزيارة إلى طوس فقال لي : يكون معك خاتم فصة عقيق أصفر عليه : ما شاءَ الله لا قُوَّةَ إِلاّ بالله أستغفرُ اللهِ ، وعلى الجانب الآخِر : محمد وعلي ، فإنه أمان من القطع وأَتم للسلامة وأصون لدينك. قال فخرجت وأخذت خاتما على الصفة التي أمرني بها ثم رجعت إليه لوداعه فودعته وانصرفت فلما بعدت أمر بردي فرجعت إليه فقال : يا صافي فقلت : لبيك يا سيدي قال : ليكن معك خاتم آخر من فيروزج فآنه يلقاك في طريقك أسد بين طوس ونيشابور فيمنع القافلة من المسير فتقدم إليه وأره الخاتم وقل له : مولاي يقول لك تنح عن الطريق ، ثم قال ليكن نقشه : الله الملك ، وعلى الجانب الآخِر : المُلكُ للهِ الواحِدِ القَهَّارِ ، فإنه خاتم أمير المؤمنين عليه‌السلام كان عليه : الله المَلِكُ ، فلما ولي الخلافة نقش على خاتمه : المُلكُ للهِ الواحد القهار ، وكان فصه فيروزج : وهو أمان من السباع خاصة وظفر في الحرب.

قال الخادم فخرجت في سفري ذلك فلقيني والله السبع فقلت ما أُمرت به فلما رجعت حدثته فقال لي بقيت عليك خصلة لم تحدثني بها إن شئت حدثتك بها فقلت يا سيدي أذكر عَلَيَّ لعلّي نسيتها فقال : نعم بتَّ ليلة بطوس عند القبر فصار إلى القبر قوم من الجن لزيارته فنظروا إلى الفص في يدك وقرأوا نقشه فأخذوه عن يدك وصاروا به إلى عليل لهم وغسلوا الخاتم بالماء وسقوه ذلك الماء فبري ، وردوا الخاتم إليك وكان في يدك اليمنى فصيروه في يدك اليسرى فكثر تعجبك من ذلك ولم تعرف السبب فيه ووجدت عند رأسك حجراً يا قوتاً فأخذته وهو معك فاحمله إلى السوق فإنك ستبيعه بثمانين ديناراً وهو هدية القوم إليك فحملته إلى السوق فبعته بثمانين ديناراً ، كما قال سيدي عليه‌السلام (٢).

وعن الصادق عليه‌السلام قال من قرأ آية الكرسي في السفر في كل ليلة سَلِمَ وسَلِمَ ما معه (٣) ويقول : اللّهُمَّ اجْعَلْ مَسِيري عِبَراً وَصَمْتِي تَفَكُّراً وَكَلامِي ذِكْراً (٤).

_________________

١ ـ مصباح الزائر : ٣٤.

٢ ـ الامان : ٤٨ ، فصل ٣.

٣ ـ من لا يحضره الفقيه ٢ / ١٧٧ باب ٧٢.

٤ ـ من لا يحضره الفقيه ٢ / ٢٧٤ باب ٧٤ عن أحدهما عليهما‌السلام ح ٢٤٢١.

٣٩٣

وعن الإمام زين العابدين عليه‌السلام قال : لا أبالي إذا قلت هذه الكلمات أن لو اجتمع عليَّ الجن والإنس : بِسْمِ الله وَبِالله وَمِنَ الله وَإِلى الله وَفِي سَبِيلِ اللهِ ، اللّهُمَّ إِلَيْكَ أَسْلَمْتُ نَفْسِي وَإِلَيْكَ وَجَّهْتُ وَجْهِي وَإِلَيْكَ فَوَّضْتُ أَمْرِي فَاحْفَظْنِي بِحِفْظِ الإيْمانِ مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ وَمِنْ خَلْفِي وَعَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمالِي وَمِنْ فَوْقِي وَمِنْ تَحْتِي ، وَادْفَعْ عَنِّي بِحَوْلِكَ وَقُوَّتِكَ فَإِنَّهُ لاحَوْلَ وَلاقُوَّةَ إِلاّ بِالله العَلِيِّ العَظِيمِ (١).

أقول : دعوات السفر وآدابه كثيرة ، ونحن هنا نقتصر بذكر عدّة آداب : ـ

الأول : ينبغي للمر أن لا يترك التسمية عند الركوب (٢).

الثاني : أن يحفظ نفقته في موضع مصُون. فقد روي أنَّ من فقه المسافر حفظُ نفقته (٣).

الثالث : أن يساعد أصحابه في السفر ولايحجم عن السعي في حوائجهم كي ينفس الله عنه ثلاثاً وسبعين كربة ويجيره في الدنيا من الهم والغم وينفس كربه العظيم يوم القيامة (٤).

وروي أنَّ الإمام زين العابدين عليه‌السلام كان لا يسافر الاّ مع رفقة لا يعرفونه ليخدمهم في الطريق فإنهم لو عرفوه منعوه عن ذلك (٥) ، ومن الاخلاق الكريمة للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه كان مع صحابته في بعض الأسفار فأرادوا ذبح شاة يقتاتون بها فقال أحدهم : عليَّ ذبحها ، وقال آخر : عليَّ سلخ جلدها ، وقال الآخِر : عليَّ طبخها فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : عليَّ الإحتطاب ، فقالوا يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : نحن نعمل ذلك فلا تتكلّفه أنت فأجاب : أنا اعلم أنّكم تعملونه ولكن لايسرني أن أمتاز عنكم فإن الله يكره أن يرى عبده قد فضّل نفسه على أصحابه (٦).

وأعلم أنّ أثقل الخلق على الأصحاب في السفر من تكاسل في الاعمال وهو في سلامة من أعضائه وجوارحه فهو لايؤدِّي شَيْئاً من وظائفه مرتقباً رفقته يقضون له حوائجه.

الرابع : أن يصاحب الرجل من يماثله في الأنفاق (٧).

الخامس : أن لا يشرب من ماء أي منزل يرده إِلاّ بعد ان يمزجه بماء المنزل الذي سبقه (٨).

_________________

١ ـ مصباح الزائر : ٣٨.

٢ ـ الكافي ٤ / ٢٨٥ ح ٢ عن الصادق عليه‌السلام.

٣ ـ من لا يحضره الفقيه ٢ / ٢٨٠ باب ٨١ عن الصادق عليه‌السلام ح ٢٤٤٨.

٤ ـ من لا يحضره الفقيه ٢ / ٢٩٣ ح ٢٤٩٧ عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

٥ ـ رواه الصدوق في عيون اخبار الرضا عليه‌السلام ٢ / ١٥٦ باب ٤٠ ح ١٣ عن الصادق عليه‌السلام مع اضافات.

٦ ـ مكارم الاخلاق ١ / ٥٣٦ ح ١٨٦٦.

٧ ـ انظر الكافي ٤ / ٢٨٦ ـ ٢٨٧.

٨ ـ بحارالانوار ٦٢ / ٣٢٦ عن الرسالة الذهبيّة في الطب التي بعث بها الامام الرضا عليه‌السلام الى المأمون.

٣٩٤

ومن اللازم أن يتزود المسافر من تربة بلده وطينته التي ربّي عليها ، وكلما ورد منزلاً طرح في الأناء الذي يشرب منه الماء شَيْئاً من الطين الذي تزوده من بلده ويشوب الماء والطين في الآنية بالتحريك ويؤخر شربه حتى يصفو (١).

السادس : أن يحسن أخلاقه ويتزين بالحلم (٢) وسيأتي في آداب زيارة الحسين عليه‌السلام ما يناسب المقام ص ٥١٠.

السابع : أن يتزود لسفره ، ومن شرف المرء أن يطيِّب زاده لا سيما في طريق مكة (٣) ، نعم لايستحسن في سفر زيارة الحسين عليه‌السلام أن يتخذ زاداً لذيذاً كاللحم المشوي والحلويات وغير ذلك كما سيأتي في آداب زيارته عليه‌السلام وقال ابن الأعسم :

مِنْ شَرَفِ الإنْسانِ فِي الأسْفارِ

تَطْييبُهُ الزَّادَ مَعَ الاِكْثارِ

وَلْيُحْسِنِ الإنْسانُ فِي حالِ السَّفَرِ

أخْلاقَهُ زِيادَةً عَلى الحَضَرِ

وَلْيَدْعُ عِنْدَ الوَضْعِ لِلْخِوان‌ِ

مَنْ كانَ حاضِراً مِنَ الاخْوانِ

وَلْيُكْثِرِ المَزْح مَعَ الصَّحْبِ إِذا

لَمْ يُسْخِطِ الله وَلَمْ يَجْلِبْ أَذى

مَنْ جاءَ بلدةً فَذا ضَيْفٌ عَلى

اخْوانِهِ فِيها إِلى أَنْ يَرْحَلا

يُبَرُّ لَيْلَتَيْنِ ثُمَّ لِيَأْكُل‌َ

مِنْ أَكْلِ أَهْلِ البَيْتِ فِي المُسْتَقْبَلِ

الثامن : من أهم الأشياء في السفر المحافظة على الفرائض بشرائطها وحدودها ، وأداؤها في بد أوقاتها فما أكثر ما يشاهد الحجاج والزوار في الأسفار يضيعون الفرائض بتأخيرها عن أوقاتها أو بأدائها راكبين أو في المحامل أو متيممين بلا وضوء أو مع نجاسة البدن أو الثياب أو غيرها من أشباهها. فهذه كلها تنشأ عن استخفافهم بشأن الصلاة وعدم مبالاتهم بها. وقد روي في الحديث عن الصادق عليه‌السلام قال : صلاة الفريضة أفضل من عشرين حجة ، وحجة واحدة أفضل من دار ملئت ذهباً يتصدق به حتى تفرغ (٤).

ولا تدع بعد الصلاة المقصورة أن تقول ثلاثين مرّة : سُبْحانَ الله وَالحَمْدُ للهِ وَلا إلهَ إِلاّ الله وَالله أَكْبَرُ ، فهو من السنن المؤكدة (٥).

_________________

١ ـ بحارالانوار ٦٢ / ٣٢٦ عن الرسالة الذهبيّة في الطب التي بعث بها الامام الرضا عليه‌السلام إلى المأمون.

٢ ـ انظر مكارم الاخلاق ١ / ٥٣٦ ح ١٨٦٤.

٣ ـ من لا يحضره الفقيه ٢ / ١٨٤ باب ٨٤.

٤ ـ وسائل الشيعة ٤ / ٤٠ مع اختلاف لفظي.

٥ ـ العروة الوثقى : المسئلة ١٥ من احكام صلاة المسافر.

٣٩٥

الفصل الأول

في آداب الزيارة

وهي عديدة نقتصر منها على أمور :

الأول : الغسل قبل الخروج لسفر الزيارة (١).

الثاني : أن يتجنب في الطريق التكلم باللغو والخصام والجدال.

الثالث : أن يغتسل لزيارة الأئمة عليهم‌السلام (٢) وأن يدعو بالماثورة من دعواته. وستذكر في أول زيارة الوارث ص ٥٢٥.

الرابع : الطهارة من الحدث الأكبر والأصغر (٣).

الخامس : أن يلبس ثياباً طاهرة نظيفة جديدة ويحسن أن تكون بيضاء (٤).

السادس : أن يقصِّر خطاه إذا خرج إلى الروضة المقدسة وأن يسير وعليه السكينة والوقار وأن يكون خاضعاً خاشعاً وأن يطأطئ رأسه فلا يلتفت إلى الاعلى ولا إلى جوانبه (٥).

السابع : أن يتطيَّب بشي من الطيب فيما عداً زيارة الحسين عليه‌السلام (٦).

الثامن : أن يشغل لسانه وهو يمضي إلى الحرم المطهر بالتكبير والتسبيح والتهليل والتمجيد ويعطر فاه بالصلاة على محمد وآله عليهم‌السلام (٧).

التاسع : أن يقف على باب الحرم الشريف ويستأذن ويجتهد لتحصيل الرقة والخضوع والانكسار والتفكير في عظمة صاحب ذلك المرقد المنور وجلاله ، وأنه يرى مقامه ويسمع كلامه ويرد سلامه كما يشهد على ذلك كله عندما يقرأ الاستئذان ، والتدبر في لطفهم وحبهم لشيعتهم وزائريهم والتأمل في فساد حال نفسه وفي جفائه عليهم برفضه ما لا يحصى من تعاليمهم وفيما صدر عنه نفسه من الأذى لهم أو لخاصتهم وأحبابهم وهو في المال أذى راجع إليهم عليهم‌السلام فلو التفت إلى نفسه التفات تفكير وتدقيق لتوقفت قدماه عن المسير وخشع قلبه ودمعت عينه وهذا هو لبُّ آداب الزيارة كلها (٨).

_________________

١ ـ الامام للسيد ابن طاووس : ٣٤.

٢ ـ المقنعة للمفيد : ٤٩٤.

٣ ـ المقنعة : ٤٩٤.

٤ ـ مصباح الزائر لابن طاووس : ١٩٧.

٥ ـ مصباح الزائر لابن طاووس : ١٩٧.

٦ ـ انظر مصباح الزائر لابن طاووس : ١٤٠.

٧ ـ مصباح الزائر لابن طاووس : ١٩٧.

٨ ـ انظر الدروس ٢ / ٢٣.

٣٩٦

وينبغي لنا هنا ان نورد أبيات السخاوي والحديث الذي رواه العلامة المجلسي (رض) في البحار نقلا عن كتاب عيون المعجزات. أما أبيات السخاوي وهي ما ينبغي أن يتمثل به في تلك الحالة فهي :

قالُوا غَداً نَأْتِي دِيارَ الحِمى

وَيَنْزِلُ الرَّكْبُ بِمَغْناهُمُ

فكُلُّ مَنْ كانَ مُطيعاً لَهُم

أَصْبَحَ مَسْرُوراً بِلُقْياهُمُ

قُلْتُ فَلِي ذَنْبٌ فَما حِيلَتِي

بِأَيّ وَجْهٍ أَتَلَقَّاهُمُ

قالُوا أَلَيْسَ العَفْوُ مِنْ شَأْنِهِم

لاسِيَّما عَمَّنْ تَرَجَّاهُمُ

فَجِئْتُهُمْ أَسْعى إِلى بابِهِم

أَرْجُوهُمُ طَوْراً وَأَخْشاهُمُ (١)

وينبغي أن يتمثّل بهذه الابيات :

ها عبدك واقف ذليل

بالباب يمدّ كفّ سائل

قد عزّ عليّ سوء حالي

ما يفعل ما فعلت عاقل

يا أكرم من رجاه راج

عن بابك لا يردّ سائل (٢)

وأما الرواية الشريفة فهي أنه استأذن إبراهيم الجمّال وكان من الشيعة على علي بن يقطين وهو وزير هارون الرشيد فحجبه لأنه جمّال. فحج علي بن يقطين في تلك السنة فاستأذن بالمدينة على موسى بن جعفر عليه‌السلام فحجبه فرآه ثاني يومه خارج الدار فقال علي بن يقطين : يا سيدي ما ذنبي؟ فقال : حجبتك لأنك حجبت أخاك إبراهيم الجمّال ، وقد أبى الله أن يشكر سعيك أو يغفر لك إبراهيم الجمّال. قال علي : فقلت يا سيدي ومولاي من لي بإبراهيم الجمّال في هذا الوقت وأنا بالمدينة وهو بالكوفة فقال إذا كان الليل فامض إلى إلبقيع وحدك من غير أن يعلم بك أحد من أصحابك وغلمانك وتجد نجيباً هناك مسرَجاً فاركبه وامض إلى الكوفة. فوافى البقيع وركب النجيب ولم يلبث أن أناخه على باب إبراهيم الجمال بالكوفة (في مدة قصيرة). فقرع الباب وقال : أنا عليّ بن يقطين. فقال إبراهيم الجمّال من داخل الدّار : وما يعمل عليّ بن يقطين الوزير ببابي؟

_________________

١ ـ البداية والنهاية لابن كثير ١٣ / ١٨١ ، في وقائع سنة ٦٤٣.

٢ ـ وبعدها أشعار بالفارسيّة :

شاها چه ترا سگى ببايد

گر من بود آن سگ تو شايد

 هستم سگكى زحبس جتسه

بر شاخ گل هوات بسته

خود را بخودى كشيده داخل

پيش تو كشيده از سر ذل

 افكن نظري بر اين سگ خويش

سنگم مزن ومرانم از پيش

منه رحمه‌الله.

٣٩٧

فقال عليّ بن يقطين ما هذا إن أمري عظيم وآلى عليه أن يأذن له. فلما دخل قال : يا إبراهيم إن المولى عليه‌السلام أبى أن يقبلني أو تغفر لي فقال : يغفر الله لك فآلى علي بن يقطين على إبراهيم الجمال أن يطأ خده فامتنع إبراهيم من ذلك فآلى عليه ثانياً ففعل فلم يزل إبراهيم يطأ خدَّه وعلي بن يقطين يقول : اللهم إشهد. ثم انصرف وركب النجيب ورجع إلى المدينة من ليلته وأناخه بباب المولى موسى بن جعفر عليه‌السلام فأذن له ودخل عليه فقبله (١).

من هذا الحديث يعرف مبلغ حقوق الاخوان.

العاشر : تقبل العتبة العالية المباركة. قال الشيخ الشهيد (رض) ولو سجد الزائر ونوى بالسجدة الشكر للهِ تعالى على بلوغه تلك البقعة كان أولى (٢).

الحادي عشر : أن يقدم للدخول رجله اليمنى ويقدم للخروج رجله اليسرى كما يصنع عند دخول المساجد والخروج منها (٣).

الثاني عشر : أن يقف على الضريح بحيث يمكنه الالتصاق به وتوهم العبد أن البعد أدب وهم فقد نص على الاتكاء على الضريح وتقبيله (٤).

الثالث عشر : أن يقف للزيارة مستقبلاً القبر مستدبراً القبلة وهذا الأدب ممّا يخص زيارة المعصوم على الظاهر فإذا فرغ من الزيارة فليضع خده الأيمن على الضريح ويدعو الله بتضرع ثم ليضع الخد الأيسر ويدعو الله بحق صاحب القبر أن يجعله من أهل شفاعته ويبالغ بالدعاء والالحاح ثم يمضي إلى جانب الرأس فيقف مستقبل القبلة فيدعو الله تعالى (٥).

الرابع عشر : أن يزور وهو قائم على قدميه إلاّ إذا كان له عذر من ضعف أو وجع في الظهر أو في الرجل ، أو غير ذلك من الاعذار.

الخامس عشر : أن يكبر إذا شاهد القبر المطهر قبل الشروع في الزيارة. وفي رواية أن من كبر أمام الإمام عليه‌السلام وقال : لا إِلهَ إِلاّ الله وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ ، كتب له رضوان الله الأكبر (٦).

السادس عشر : أن يزور بالزيارات المأثورة المروية عن سادات الأنام عليه‌السلام ويترك الزيارات المخترعة التي لفقها بعض الأغبياء من عوام الناس إلى بعض الزيارات فأشغل بها الجهال. روى الكليني رحمه‌الله عن عبد الرحيم القصير قال : دخلت على الصادق عليه‌السلام فقلت : جعلت فداك قد

_________________

١ ـ بحار الانوار ٤٨ / ٨٥ ح ١٠٥ عن عيون المعجزات للشيخ حسين بن عبدالوهاب : ١٠٣.

٢ ـ الدروس ٢ / ٢٥.

٣ ـ الدروس ٢ / ٢٣.

٤ ـ الدروس ٢ / ٢٣.

٥ ـ الدروس ٢ / ٢٣.

٦ ـ البحار ٢٤ / ٣٩٦ عن بصائر الدرجات.

٣٩٨

اخترعت دعاءً من نفسي. فقال عليه‌السلام : دعني عن اختراعك ، إذا عرضتك حاجة فَلُذْ برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وصل ركعتين وأهدهما إليه ... إلخ (١).

السابع عشر : أن يصلي صلاة الزيارة وأقلها ركعتان. قال الشيخ الشهيد فإن كانت الزيارة للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فليصل الصلاة في الروضة ، وإن كانت لاحد الأئمة فعند الرأس ولو صلاها بمسجد المكان أي مسجد الحرم جاز (٢).

وقال العلامة الجلسي رحمه‌الله : إن صلاة‌الزيارة وغيرها فيما أرى يفضل أن تؤتى خلف القبر أو عند الرأس الشريف (٣). وقال أيضاً العلامة بحر العلوم في الدّرة :

وَمِنْ حَدِيثِ كَرْبَلاءِ وَالكَعْبَة‌ِ

لِكَرْبَلاءِ بانَ عُلُوُّ الرُّتْبَةِ

وَغَيْرُها مِنْ سائِرِ المَشاهِدِ

أَمْثالُها بِالنَّقْلِ ذِي الشَّواهِدِ

وَراعِ فِيهِنَّ اقْتِرابَ الرَّمْس‌ِ

وَآثِرِ الصَّلاةَ عِنْدَ الرَّأْسِ

وَصَلِّ خَلْفَ القَبْرِ فَالصَّحِيح

كَغَيْرِهِ فِي نَدْبِها صَريحُ

وَالفَرْقُ بَيْنَ هذِهِ القُبُورِ

وَغَيْرِها كَالنُّورِ فَوْقَ الطُّورِ

فَالسَّعْيُ لِلصَّلاةِ عِنْدَها نُدِب‌َ

وَقُرْبُها بَلِ اللّصُوقُ قَدْ طُلِبَ (٤)

الثامن عشر : تلاوة سورة يَّس في الركعة الأولى وسورة الرحمن في الثانية إن لم تكن صلاة الزيارة التي يصليها مأثورة على صفة خاصَّة وأن يدعو بعدها بالمأثور أو بما سنح له في أمور دينه ودنياه وليعمِّم الدُّعاء فإنه أقرب إلى الإجابة (٥).

التاسع عشر : قال الشهيد رحمه‌الله : ومن دخل المشهد والإمام يصلي بدأ بالصلاة قبل الزيارة. وكذلك لو كان قد حضر وقتها وإِلاّ فالبد بالزيارة أولى لأنها غاية مقصده ولو أقيمت الصلاة استحب للزائرين قطع الزيارة والاقبال على الصلاة ويكره تركه وعلى ناظر الحرم أمرهم بذلك (٦).

العشرون : عد الشهيد رحمه‌الله من آداب الزيارة تلاوة شي من القرآن عند الضريح وإهداءه إلى المزور والمنتفع بذلك الزائر وفيه تعظيم للمزور (٧).

الحادي والعشرون : ترك اللغو ومالا ينبغي من الكلام وترك الاشتغال بالتكلم في أمور

_________________

١ ـ الكافي ٣ / ٤٧٦.

٢ ـ الدروس ٢ / ٢٣.

٣ ـ بحارالانوار ١٠٠ / ١٣٤.

٤ ـ الدرّة النجفية : ١٠٠ في عنوان المشاهد.

٥ ـ الدروس ٢ / ٢٣.

٦ ـ الدروس ٢ / ٢٥.

٧ ـ الدروس ٢ / ٢٣.

٣٩٩

الدنيا فهو مذموم قبيح في كل زمان ومكان وهو مانع للرزق ومجلبة للقساوة لا سيما في هذه البقاع الطاهرة والقباب السامية التي أخبر الله تعالى بجلالها وعظمتها في سورة النور : (في بيوتٍ أَذِنَ الله أَنْ تُرْفَعَ) الآية (١).

الثاني والعشرون : أن لا يرفع صوته بما يزور به كما نبهت عليه في كتاب (هدية الزائر).

الثالث والعشرون : أن يودع الإمام عليه‌السلام بالمأثور أو بغيره إذا أراد الخروج من البلد (٢).

الرابع والعشرون : أن يتوب إلى الله ويستغفر من ذنوبه وأن يجعل أعماله وأقواله بعد الزيارة خيراً منها قبلها (٣).

الخامس والعشرون : الانفاق على سدنة المشهد الشريف وينبغي لهؤُلاءِ أن يكونوا من أهل الخير والصلاح والدين والمرؤة وأن يحتملوا ما يصدر من الزوار فلا يصبّوا سخطهم عليهم ولا يحتدموا عليهم ، قائمين بحوائج المحتاجين مرشدين للغرباء إذا ضلّوا وبالاجمال فالخدم ينبغي أن يكونوا خدّاماً حقاً قائمين بما لزم من تنظيف البقعة الشريفة وحراستها والمحافظة على الزائرين وغير ذلك من الخدمات (٤).

السادس والعشرون : الانفاق على المجاورين لتلك البقعة من الفقراء والمساكين المتعففين والاحسان إليهم لا سيما السادة وأهل العلم المنقطعين الذين يعيشون في غربة وضيق وهم يرفعون لواء التعظيم لشعائر الله وقد اجتمعت فيهم جهات عديدة تكفي إحداها لفرض إعانتهم ورعايتهم (٥).

السابع والعشرون : قال الشهيد : إن من جملة الآداب تعجيل الخروج عند قضاء الوطر من الزيارة لتعظيم الحرمة وليشتدَّ الشوق. وقال أيضاً : والنساء إذا زُرن فليكنَّ منفردات عن الرجال والأولى أن يزرن ليلا وليكنَّ متنكرات أي يبدلن الثياب النفيسة بالدّانية الرّخيصة لكي لايعرفن وليبرزن متخفيات متسترات. ولو زرن بين الرجال جاز وإن كره (٦).

أقول : من هذه الكلمة يعرف مبلغ القبح والشناعة في ما دأبت عليه النسوة في زماننا من أن يتبرجن للزيارة فيبرزن بنفايس الثياب فيزاحمن الأجانب من الرجال في الحرم الطاهر ويضاغطنهم بابدانهنّ مقتربات من الضرايح الطاهرة أو يجلسن في قبلة المصلين من الرجال

_________________

١ ـ النور : ٢٤ / ٣٦.

٢ ـ الدروس ٢ / ٢٤.

٣ ـ الدروس ٢ / ٢٤.

٤ ـ الدروس ٢ / ٢٤ مع اختلاف لفظي.

٥ ـ انظر الدروس ٢ / ٢٤.

٦ ـ الدروس ٢ / ٢٤ و ٢٥.

٤٠٠