دروس موجزة في علمي الرجال والدراية

الشيخ جعفر السبحاني

دروس موجزة في علمي الرجال والدراية

المؤلف:

الشيخ جعفر السبحاني


الموضوع : رجال الحديث
الناشر: المركز العالمي للدّراسات الإسلامية
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٠٨

الدرس السادس عشر

مشايخ الزعفراني والطاطُري والنجاشي

٤.مشايخ محمد بن إسماعيل الزعفراني

قد قيل (١) انّ مشايخ محمد بن إسماعيل ثقات ، مستدلاً بما ذكره النجاشي في حقّه حيث قال : محمد بن إسماعيل بن ميمون الزعفراني ، أبو عبد اللّه ، ثقة ، عين ، روى عن الثقات ورووا عنه ، ولقي أصحاب أبي عبد اللّه عليه‌السلام. (٢)

يلاحظ عليه بمثل ما مرّ في مشايخ جعفر بن بشير فلا نعيد.

٥. مشايخ علي بن حسن الطاطري

ربّما يتصوّر انّ مشايخ علي بن حسن الطاطري ثقات تمسّكاً بما ذكره الشيخ في ترجمته ، حيث قال : كان واقفياً شديد العناد في مذهبه ، صعب العصبية على من خالفه من الإمامية ، وله كتب كثيرة في نصرة مذهبه ، وله كتب في الفقه رواها عن الرجال الموثوق بهم وبروايتهم فلأجل ذلك ذكرناها. (٣)

__________________

١. خاتمة مستدرك الوسائل : ٢٥ / ١١٠ ، الفائدة العاشرة.

٢. رجال النجاشي : ٢ / ٢٣٨ برقم ٩٣٤.

٣. الفهرست : ٩٢ ، رقم ٣٨٠.

٨١

استدلّ بذيل كلام الشيخ على أنّ كلَّ من روى علي بن الحسن الطاطري عنه فهو ثقة ، لأنّ الشيخ شهد على أنّه روى كتبه عن الرجال الموثوق بهم وبروايتهم.

يلاحظ عليه : أنّ غاية ما يستفاد من هذه العبارة أنّ الطاطري لا يروي في كتبه إلاّ عن ثقة ، وأمّا أنّه لا يروي مطلقاً إلاّ عن ثقة فلا يدلّ عليه.

وعلى ذلك كلّما بدأ الشيخ سند الحديث باسم الطاطري ، فهو دليل على أنّ الرواية مأخوذة من كتبه الفقهية ، فعندئذ فالسند صحيح إلى آخره ، وهذا غير القول بأنّه لا يروي إلاّ عن ثقة ، حتّى يحكم بصحّة كلّ سند وقع فيه الطاطري إلى أن ينتهي إلى المعصوم ، على أنّه من المحتمل أن يكون كلام الشيخ محمولاً على الغالب ، حيث لاحظ كتابه واطمأنّ بوثاقة كثير من رواة كتابه ، فقال في حقّه ما قال ، واللّه العالم.

نعم هذه التوثيقات في حقّ هؤلاء الرجال ، قرائن ظنيّة على وثاقة كلّ من يروون عنه ولو انضمّت إليه القرائن الأُخر ، ربّما حصل الاطمئنان على وثاقة المروي عنه.

٦. أحمد بن علي النجاشي صاحب « الرجال »

إنّ لأبي العباس أحمد بن علي المعروف بالنجاشي ( ٣٧٢ ـ ٤٥٠ هـ ) مؤلّف أحد الأُصول الرجالية ، مشايخ معروفين بالوثاقة ، نشير إليهم ويظهر من كلماته انّه لا ينقل إلاّ عن مشايخه الثقات ، وإليك نماذج من كلماته :

١. قال في ترجمة أحمد بن محمد بن عياش الجوهري ( المتوفّى عام ٤٠١ هـ ) : « كان سمع الحديث فأكثر واضطرب في آخر عمره » ؛ وذكر مصنفاته ، ثمّ قال :

٨٢

« رأيت هذا الشيخ وكان صديقاً لي ولوالدي وسمعت منه شيئاً كثيراً ورأيت شيوخنا يضعّفونه ، فلم أرو عنه شيئاً وتجنّبته ، وكان من أهل العلم والأدب القوي وطيّب الشعر وحسن الخط ، رحمه اللّه وسامحه ، ومات سنة ٤٠١ هـ ». (١)

٢. وقال في ترجمة إسحاق بن الحسن بن بكران : أبو الحسين العقرائي ، التمّار ، كثير السماع ، ضعيف في مذهبه ، رأيته بالكوفة وهو مجاور ، وكان يروي كتاب الكليني عنه ، وكان في هذا الوقت علواً فلم أسمع منه شيئاً ، له كتاب الردّ على الغلاة ، وكتاب نفي السهو عن النبي ، وكتاب عدد الأئمّة. (٢)

٣. وقال في ترجمة أبي المفضّل محمد بن عبد اللّه بن محمد بن عبيد اللّه بن البهلول : كان سافر في طلب الحديث عمره ، أصله كوفي ، وكان في أوّل أمره ثبتاً ، ثمّ خلط ، ورأيت جلّ أصحابنا يغمزونه ، له كتب ـ إلى أن قال : ـ رأيت هذا الشيخ وسمعت منه كثيراً ، ثمّ توقفت عن الرواية عنه إلاّ بواسطة بيني وبينه. (٣)

إلى غير ذلك من كلمات صريحة في أنّه لم يكن يجوِّز لنفسه الرواية عن غير الثقة من الحديث (٤) ، ولأجل ذلك يمكن أن يقال : إنّ عامة مشايخه ثقات إلاّ إذا صرّح بنفسه بضعفه ; وقد استخرج المحدّث النوري مشايخه في المستدرك (٥) فبلغ

__________________

١. رجال النجاشي : ١ / ٢٢٥ برقم ٢٠٥.

٢. رجال النجاشي : ١ / ١٩٩ برقم ١٧٦.والمراد من العلوّ ، هو كبر سنّه بشهادة انّه يروي كتاب الكافي عن نفس الكليني وقد ذكر النجاشي نفس هذه الكلمة في حقّ ابن الزبير وقال وكان علوّاً في الوقت. فلاحظ.

٣. رجال النجاشي : ١ / ٣٢١ برقم ١٠٦٠.

٤. فلاحظ رجال النجاشي ، ترجمة جعفر بن محمد بن مالك برقم ٣١١ وترجمة هبة اللّه بن أحمد بن محمد الكاتب المعروف بابن برنية برقم ١١٨٦ وترجمة عبيد اللّه بن أبي زيد أحمد برقم ٦١٥.

٥. خاتمة مستدرك الوسائل : ٢١ / ١٥٣ ، الفائدة الثالثة.

٨٣

٣٢ ، ونقل أسماءهم العلاّمة المامقاني في خاتمة التنقيح. (١)

تمرينات

١. ما هو الدليل على أنّ مشايخ الزعفراني كلّهم ثقات؟ وما هو جوابه؟

٢. ما هو الدليل على أنّ مشايخ الطاطري ثقات؟ وما هو جوابه؟

٣. ما هي القرائن على أنّ مشايخ النجاشي كلّهم ثقات؟

__________________

١. تنقيح المقال : ٣ / ٩٠ ، في الفائدة السادسة.

٨٤

الدرس السابع عشر

مشايخ محمد بن أحمد بن يحيى

صاحب « نوادر الحكمة »

إنّ محمد بن أحمد بن يحيى بن عمران الأشعري القميّ من أجلاّء الأصحاب ، ومؤلّف كتاب « نوادر الحكمة » ، وهو يشتمل على كتب أوّلها كتاب التوحيد وآخرها كتاب القضايا والأحكام. (١)

ويعرّفه النجاشي بقوله : له كتب منها كتاب نوادر الحكمة وهو كتاب حسن كبير يعرفه القمّيّون بـ « دبّة شبيب » ، قال : وشبيب فاميٌّ ، كان بقم ، له دبّة ذات بيوت يعطي منها ما يُطلب منه من دهن ، فشُبّهوا هذا الكتاب بذلك. (٢)

ثمّ إنّه يروي عن مشايخ كثيرة منهم :

١. ابن أبي عمير ( المتوفّى عام ٢١٧ هـ ).

٢. أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي ( المتوفّى عام ٢٢١ هـ ).

٣. أحمد بن محمد بن خالد البرقي ( المتوفّى عام ٢٧٤ هـ ).

__________________

١. فهرست الشيخ : ١٧٠.

٢. رجال النجاشي : ٢ / ٢٤٢ برقم ٩٤٠.

٨٥

ويروي عنه نخبة من الأعلام منهم :

١. سعد بن عبد اللّه القمي ( المتوفّى عام ٢٩٩ أو ٣٠١ هـ ).

٢. أحمد بن إدريس الأشعري ( المتوفّى عام ٣٠٦ هـ ).

وعلى هذا ، فشيخنا المترجم من أساتذة الحديث في النصف الثاني من القرن الثالث ، ولعلّه توفّي حوالي ٢٩٠ هـ. هذا.

ثمّ إنّ محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد شيخ القمّيّين وفقيههم وأُستاذ الصدوق ( المتوفّى عام ٣٤٣ هـ ) قد استثنى من مشايخ محمد بن أحمد بن يحيى في « نوادر الحكمة » جماعة طُعِن فيهم ، وذكر أسماءهم بالنحو التالي :

١. محمد بن موسى الهمداني. (١)

٢. محمد بن يحيى المعاذي.

٣. أبو عبد اللّه الرازي الجاموراني. (٢)

٤. أبو عبد اللّه السيّاري. (٣)

٥. يوسف بن سخت.

٦. وهب بن منبه.

٧. أبو علي النيشابوري.

٨. أبو يحيى الواسطي.

٩. محمد بن علي أبو سمينة. (٤)

١٠. سهل بن زياد الآدمي. (٥)

__________________

١. لاحظ ترجمته في رجال النجاشي : ٢ / ٢٢٧ برقم ٩٠٥.

٢. رجال النجاشي : ٢ / ٤٣٨ برقم ١٢٣٩.

٣. رجال النجاشي١٠ / ٢١١ برقم ١٩٠.

٤. رجال النجاشي : ٢ / ٢١٦ برقم ٨٩٥.

٥. رجال النجاشي : ١ / ٤١٧ برقم ٤٨٨.

٨٦

١١. محمد بن عيسى بن عبيد. (١)

١٢. أحمد بن هلال. (٢)

١٣. محمد بن علي الهمداني. (٣)

١٤. عبد اللّه بن محمد الشامي.

١٥. عبد اللّه بن أحمد الرازي.

١٦. أحمد بن الحسين بن سعيد. (٤)

١٧. أحمد بن بشير الرقي.

١٨. محمد بن هارون.

١٩. ممويه بن معروف ( أو معاوية بن معروف ، كما في بعض النسخ ).

٢٠. محمد بن عبد اللّه بن مهران. (٥)

٢١. الحسن بن الحسين اللؤلؤي.

٢٢. جعفر بن محمد بن مالك. (٦)

٢٣. يوسف بن الحارث.

٢٤. عبد اللّه بن محمد الدمشقي.

وزاد الشيخ في الفهرست شخصين آخرين وهما :

٢٥. جعفر بن محمد الكوفي.

٢٦. الهيثم بن علي. (٧)

والظاهر انّ الأصحاب يومذاك تلقّوا هذا الاستثناء بالقبول إلاّ في حقّ

__________________

١. رجال النجاشي : ٢ / ٢١٨ برقم ٨٩٧.

٢. رجال النجاشي : ١ / ٢١٨ برقم ١٩٧.

٣. رجال النجاشي : ٢ / ٢٣٦ برقم ٩٢٩.

٤. رجال النجاشي : ١ / ٢٠٧ برقم ١٨١.

٥. رجال النجاشي : ٢ / ٢٤٦ برقم ٩٤٣.

٦. رجال النجاشي : ١ / ٣٠٢ برقم ٣١١.

٧. الفهرست : ١٧٠ ـ ١٧١.

٨٧

محمد بن عيسى بن عبيد ، فقد اعترض على هذا الاستثناء أبو العباس بن نوح ـ شيخ النجاشي ـ قال :

وقد أصاب شيخنا أبو جعفر محمد بن الحسن بن الوليد في ذلك كلّه وتبعه أبو جعفر بن بابويه رحمه‌الله على ذلك إلاّ في محمد بن عيسى بن عبيد ، فلا أدري ما رابه فيه لأنّه كان على ظاهر العدالة والثقة. (١)

ثمّ استدلّوا بأنّ في استثناء المذكورين وبالأخص بالنظر إلى ما ذكره ابن نوح في حقّ محمد بن عيسى بن عبيد ، دلالة واضحة على وثاقة كلّ من روى عنه محمد بن أحمد بن يحيى ولم تُسْتَثنَ روايته.

وباختصار : قالوا باعتبار كلّ من يروي عنه محمد بن أحمد بن يحيى إذا لم يكن ممن استثناه ابن الوليد ، فإنّ اقتصاره على ما ذكر من موارد الاستثناء يكشف عن اعتماده على جميع روايات محمد بن أحمد بن يحيى في غير الموارد المذكورة.

ثمّ الظاهر انّ التصديق والاستثناء راجعان إلى مشايخه بلا واسطة لا كلّ من جاء اسمه في اسناد ذلك الكتاب منتهياً إلى الإمام ، وبما انّ ابن نوح شيخ النجاشي خالف ابن الوليد في مورد واحد ، يظهر منه موافقته لابن الوليد في غيره ، وعلى ذلك فالرجلان ـ أعني : ابن الوليد وابن نوح قد حكما بوثاقة كلّ من روى عنه محمد بن أحمد بن يحيى إلاّ ما استثني ، وتعديلهما حجّة سواء أكان من باب الشهادة أو من باب أهل الخبرة. وإذا أُضيف إليه موافقة الصدوق لشيخه في عامّة الموارد يبلغ عدد المعدِّلين إلى ثلاثة.

__________________

١. رجال النجاشي : ٢ / ٢٤٢ برقم ٩٤٠.

٨٨

نقد وتحليل

ربما يقال : بأنّ اعتماد ابن الوليد أو غيره من الأعلام المتقدّمين ، فضلاً عن المتأخّرين ، على رواية شخص والحكم بصحّتها لا يكشف عن وثاقة الراوي أو حسنه ، وذلك لاحتمال انّ الحاكم بالصحة يعتمد على أصالة العدالة ، ويرى حجّية كلّ رواية يرويها مؤمن لم يظهر منه فسق ، وهذا لا يفيد من يعتبر وثاقة الراوي أو حسنه في حجّية خبره. (١)

يلاحظ عليه : أنّ ما ذكره من الاحتمال لا يوافق ما نقله النجاشي عن ابن نوح ، فانّه قد اعترض على ابن الوليد في استثناء محمد بن عيسى بن عبيد حيث قال : لا أدري ما رابه فيه ـ أي ما هو السبب الذي أوقعه في الريب والشكّ فيه ـ لأنّه كان على ظاهر العدالة والثقة. والمتبادر من العبارة انّ الباقين ممّا قد أُحرزت عدالتهم ووثاقتهم ، لا أنّ عدالتهم كانت محرزة بأصالة العدالة.

وبذلك يظهر ضعف ما ذكره : « لعلّه كان يرى حجّية كلّ رواية يرويها مؤمن لم يظهر منه فسق » فانّ هذا الاحتمال لا يناسب تلك العبارة.

والذي يدلّ على أنّ ابن الوليد أحرز وثاقة الباقين بدليل لا بالأصل ، ما ذكره الصدوق في موردين :

الأوّل : يقول الصدوق : كان شيخنا محمد بن الحسن لا يصحح خبر صلاة يوم غدير خم والثواب المذكور فيه لمن صامه ، ويقول : إنّه من طريق محمد بن موسى الهمداني وكان كذّاباً غير ثقة ، وكلّ ما لم يصحّحه ذلك الشيخ ـ قدس اللّه روحه ـ ولم يحكم بصحته من الأخبار فهو عندنا متروك غير صحيح. (٢)

__________________

١. معجم رجال الحديث : ١ / ٧٦ ؛ عيون أخبار الرضا عليه‌السلام : ٢ / ٢١ ، ح ٤٥.

٢. الفقيه : ٢ / ٩٠ ، ذيل الحديث المرقم ١٨١٧ ، طبعة جماعة المدرسين ، قم.

٨٩

الثاني : كان شيخنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد ( رضي اللّه عنه ) سيّئ الرأي في محمد بن عبد اللّه المسمعي ، راوي هذا الحديث ، وانّي قد أخرجت هذا الخبر في هذا الكتاب ، لأنّه كان في كتاب الرحمة وقد قرأته عليه ، فلم ينكره ورواه لي. (١)

فإنّ هذه التعابير تعرب عن أنّ وصف الباقين بالوثاقة ، كوصف المستثنين بالضعف ، كان بالإحراز لا بالاعتماد على أصالة العدالة في كلّ راو ، أو على القول بحجّية قول كلّ من لم يظهر منه فسق.

إذ لو كان المناط في صحّة الرواية هذين الأصلين ، لما احتاج الصدوق في إحراز حال الراوي إلى توثيق أو تضعيف شيخه ابن الوليد ، لأنّ نسبة الأصل إلى الأُستاذ والتلميذ على حدّ سواء.

فتلخص انّ كون الراوي من مشايخ مؤلّف كتا ب « نوادر الحكمة » يورث الظن أو الاطمئنان بوثاقته إذا لم يكن أحد هؤلاء المستثنين.

تمرينات

١. من هو ابن الوليد؟ وما هي عبارته في حقّ كتاب « نوادر الحكمة »؟

٢. كيف يُستدلّ على أنّ مشايخ صاحب « نوادر الحكمة » كلّهم ثقات ، إلاّ ما استثناه ابن الوليد؟

٣. ما هو الإشكال على هذا الاستدلال؟ وما هو جوابه؟

__________________

١. عيون أخبار الرضا : ٢ ، باب في ما جاء عن الرضا عليه‌السلام من الأخبار المأثورة ، ذيل الحديث ٤٥.

٩٠

الدرس الثامن عشر

ما وقع في أسناد كتاب « كامل الزيارات »

إنّ مؤلف كتاب « كامل الزيارات » هو الشيخ الأقدم والفقيه المقدّم أبو القاسم جعفر بن محمد بن قولويه ( المتوفّى عام ٣٦٧ أو ٣٦٩ هـ ) من أجلاّء الأصحاب في الحديث والفقه ، ووصفه النجاشي بقوله بأنّه من ثقات أصحابنا وأجلاّئهم في الفقه والحديث ، وتوارد عليه النصّ بالوثاقة في « فهرست » الشيخ ، و « الوجيزة » و « البحار » للعلاّمة المجلسي ، و « بلغة الرجال » للشيخ سليمان الماحوزي ، و « المشتركات » للشيخ فخرالدين الطريحي ، و « المشتركات » للكاظمي ، و « الوسائل » للحرّ العاملي ، و « منتهى المقال » للشيخ أبي علي في ترجمة أخيه ، والسيد رضي الدين بن طاووس ، وغيرهم من الأعلام. (١)

وكتابه هذا من أهمّ كتب الطائفة وأُصولها المعتمد عليها في الحديث ، وقد ذكر هو قدس‌سره في مقدّمة كتابه ما دعاه إلى تصنيفه ، ثمّ قال : ولم أخرج فيه حديثاً روي عن غيرهم إذا كان فيما روينا عنهم من حديثهم ـ صلوات اللّه عليهم ـ كفاية عن حديث غيرهم ، وقد علمنا أنّا لا نحيط بجميع ما روي عنهم في هذا المعنى ولا في غيره ، ولكن ما وقع لنا من جهة الثقات من أصحابنا ـ رحمهم اللّه برحمته ـ ولا

____________

١. لاحظ : مقدّمة كامل الزيارات ، بقلم المحقّق الاردو بادي.

٩١

أخرجت فيه حديثاً روي عن الشُّذاذ من الرجال يؤثّر ذلك عنهمعليهم‌السلام المذكورين ، غير المعروفين بالرواية ، المشهورين بالحديث والعلم ، وسمّيته كتاب « كامل الزيارات » وفضلها وثواب ذلك. (١)

وقد استظهر الشيخ الحر العاملي (٢) ( المتوفّـى ١١٠٤ هـ ) وغيره من تلك العبارة أنّ جميع الرواة المذكورين في اسناد أحاديث ذلك الكتاب من روي عنهم إلى أن ينتهي إلى الإمام ، من الثقات عند المؤلف ، فلو اكتفينا بشهادة الواحد في الموضوعات يعدّ كلّ من جاء في أسناد ذلك الكتاب من الثقات بشهادة الثقة العدل ، أعني : ابن قولويه ، وقد استخرج بعض الأفاضل أسماء الواردين في أسناد ذلك الكتاب فبلغوا ٣٨٠ شخصاً.

وممّن أصرّ على هذا القول السيد المحقّق الخوئي ، فقال بعد نقل ما حكيناه عن كتاب كامل الزيارات : انّ هذه العبارة واضحة الدلالة على أنّه لا يروي في كتابه رواية عن المعصوم إلاّوقد وصلت إليه من جهة الثقات من أصحابنا ، ثمّ أيّد كلامه بما نقلناه عن صاحب الوسائل ، ثمّ قال : ما ذكره صاحب الوسائل متين ، فيحكم بوثاقة من شهد جعفر بن محمد بن قولويه بوثاقته ، اللّهم إلاّأن يبتلى بمعارض. (٣)

ولكن الحقّ ما استظهره المحدّث النوري حيث قال : بأنّ العبارة المذكورة تدلّ على توثيق كلّ من صُدِّر بهم سندُ أحاديث كتابه لا كلّ من ورد في أسناد الروايات.

وبعبارة أُخرى تدلّ على توثيق كلّ مشايخه لا توثيق كلّ من ورد في أسناد

__________________

١. مقدّمة كامل الزيارات : ص ٤.

٢. الوسائل : ٢٠ / ٦٨.

٣. معجم رجال الحديث : ١ / ٥٠. وسيوافيك انّه قدس‌سره عدل عنه.

٩٢

ذلك الكتاب. (١)

ويدلّ على ما ذكرنا أُمور :

١. انّه استرحم لجميع مشايخه حيث قال : من أصحابنا ـ رحمهم اللّه برحمته ـ ومع ذلك نرى أنّه روى فيه عمّن لا يستحقّ ذلك الاسترحام ، فقد روى في هذا الكتاب عن عشرات من الواقفة والفطحية ، وهل يصحّ لشيخ مثل ابن قولويه أن يسترحم لهم؟

٢. روى في الباب الثامن في فضل الصلاة في مسجد الكوفة عن ليث بن أبي سليم وهو عامي بلا إشكال. (٢)

كما روى عن علي بن أبي حمزة البطائني المختلف فيه ، فقد روى عنه في هذا الكتاب في الصفحات : ٦٣ ، ٨٤ ، ١٠٨ ، ١١٩ ، ٢٤٦ ، ٢٤٨ ، ٢٩٤.

كما روى عن حسن بن علي بن أبي حمزة البطائني في الصفحات : ٤٩ ، ١٠٠.

كما روى عن عمر بن سعد الذي هو من مشايخ نصر بن مزاحم مؤلف كتاب « صفين » المتوفّى عام ٢١٢ هـ في الصفحات : ٧١ ، ٧٢ ، ٩٠ ، ٩٣.

كما روى فيه عن بعض أُمهات المؤمنين التي لا يركن إلى حديثها ( الصفحة ٣١ ، الباب الثامن ، الحديث ١٦ ).

٣. كان القدماء من المشايخ ملتزمين بعدم أخذ الحديث إلاّ ممّن صلحت حاله وثبتت وثاقته ، والعناية بحال الشيخ كانت أكثر من عنايتهم بمن يروي عنه الشيخ ، وقد عرفت التزام النجاشي بأن لا يروي إلاّ عن شيخ ثقة ، ولم يلتزم بكون

__________________

١. لاحظ مستدرك الوسائل : ٢١ / ٢٥٢ ، الفائدة الثالثة ؛ وج : ٢٥ / ١٠٩ ، الفائدة العاشرة.

٢. كامل الزيارات : ٣١ ، الباب ٨.

٩٣

جميع من ورد في سند الرواية ثقات.

ولأجل ذلك كانت الرواية بلا واسطة عن المجاهيل والضعفاء عيباً ، وكانت من أسباب الجرح ، ولم يكن نقل الرواية المشتملة على المجهول والضعيف من أسباب الطعن.

كلّ ذلك يؤيد ما استظهره المحدّث النوري.

ثمّ إنّ السيد الخوئي قدس‌سره ممّن كان يعتمد على رأيه طوال سنين لكنّه عدل عمّا بنى عليه ، وصرّح برأيه في ورقة خاصة ونشرت.

فالحقّ ما استظهره المحدّث النوري وانّ العبارة لا تدلّ إلاّ على وثاقة مشايخه ، وأمّا أسماؤهم فهي لا تتجاوز عن اثنين وثلاثين شخصاً حسب ما أنهاهم ذلك المحدِّث. (١)

تمرينات

١. من هو مؤلّف « كامل الزيارات »؟ وما هي عبارته في ديباجة الكتاب؟

٢. بيّن كيفية استظهار الشيخ الحرّ العاملي من هذه العبارة؟

٣. ما هو موقف المحدّث النوري من العبارة المذكورة؟

٤. ما هو المختار من القولين؟ وما هي أدلّته؟

__________________

١. مستدرك الوسائل : ٢١ / ٢٥٢ ، الفائدة الثالثة.

٩٤

الدرس التاسع عشر

ما ورد في أسناد تفسير القمي

« علي بن إبراهيم »

إنّ علي بن إبراهيم بن هاشم القمي أحد مشايخ الحديث في أواخر القرن الثالث وأوائل القرن الرابع ، وكفى في عظمته انّه من مشايخ الكليني وقد أكثر في « الكافي » الرواية عنه حتى بلغت رواياته سبعة آلاف وثمانية وستين مورداً. (١)

وقد وقع في أسناد كثير من الروايات تبلغ سبعة آلاف ومائة وأربعين مورداً. (٢)

وعرّفه النجاشي بقوله : علي بن إبراهيم ، أبو الحسن القمي ، ثقة في الحديث ، ثبت ، معتمد ، صحيح المذهب ، سمع فأكثر ، وصنّف كتباً. (٣)

وقال الشيخ الطوسي في « الفهرست » : علي بن إبراهيم بن هاشم القمي ، له كتب : منها كتاب التفسير ، وكتاب الناسخ والمنسوخ. (٤)

__________________

١. معجم رجال الحديث : ١٨ / ٥٤ ، برقم ١٢٠٣٨.

٢. معجم رجال الحديث : ١١ / ١٩٤ ، برقم ٧٨١٦.

٣. رجال النجاشي : ٢ / ٨٦ ، برقم ٦٧٨.

٤. الفهرست : ١١٥ ، برقم ٣٨٢.

٩٥

ثمّ إنّه استظهر بعضهم ممّا ذكره في مقدّمة التفسير انّ كلّ من ورد في أسناده ثقة ، حيث قال : نحن ذاكرون ومخبرون بما ينتهي إلينا ورواه مشايخنا وثقاتنا عن الذين فرض اللّه طاعتهم ، وأوجب رعايتهم ، ولا يقبل العمل إلاّ بهم. (١)

وقال صاحب الوسائل : قد شهد علي بن إبراهيم أيضاً بثبوت أحاديث تفسيره ، وانّها مروية عن الثقات عن الأئمّة. (٢)

وقال صاحب معجم رجال الحديث معترفاً بصحّة ما ذهب إليه صاحب الوسائل : إنّ علي بن إبراهيم يريد بما ذكره ، إثبات صحّة تفسيره وأنّ رواياته ثابتة وصادرة من المعصومين عليهم‌السلام وانّها انتهت إليه بوساطة المشايخ والثقات من الشيعة ، وعلى ذلك فلا موجب لتخصيص التوثيق بمشايخه الذين يروي عنهم علي بن إبراهيم بلا واسطة ، كما زعمه بعضهم. (٣)

يلاحظ عليه : أوّلاً : بالمناقشة في دلالة العبارة على ما يتبنّاه ، فإنّ الظاهر انّ مراده هو خصوص مشايخه بلا واسطة ، ويؤيده عطف « وثقاتنا » على « مشايخنا » الظاهر في نقله عن الأساتذة بلا واسطة ، ولمّا كان النقل عن الضعيف بلا واسطة من وجوه الضعف ، دون النقل عن الثقة ، إذا روى عن غيره خصّ مشايخه بالوثاقة ليدفع عن نفسه تهمة النقد والاعتراض ، كما ذكرنا مثله في مشايخ ابن قولويه.

وثانياً : المناقشة في نسبة التفسير المذكور إلى علي بن إبراهيم فانّ تفسيره ملفّق من إملاءين :

الأوّل : ما أملاه علي بن إبراهيم على تلميذه أبي الفضل العباس بن محمد بن القاسم بن حمزة بن موسى بن جعفر.

__________________

١. تفسير علي بن إبراهيم القمي : ١ / ٤.

٢. الوسائل : ٢٠ / ٦٨ ، الفائدة السادسة.

٣. معجم رجال الحديث : ١ / ٤٩ ـ ٥٠ ، المقدمة الثالثة.

٩٦

الثاني : ما أملاه الإمام الباقر لتلميذه أبي الجارود ونقله أبو الفضل العباس ابن محمد بسنده المنتهي إلى أبي الجارود.

وإليك البيان :

أمّا الأوّل : فقد ابتدأ علي بن إبراهيم بسورة الفاتحة والبقرة وشطراً قليلاً من سورة آل عمران إلى الآية ٤٥.

فقد ورد في مفتتح سورة الفاتحة هكذا : حدّثني أبو الفضل العباس بن محمد بن القاسم بن حمزة بن موسى بن جعفر ، قال : حدثنا أبو الحسن علي بن إبراهيم ، قال : حدثني أبي رحمه‌الله ، عن محمد بن أبي عمير ، عن حماد بن عيسى ، عن حريث ، عن أبي عبد اللّه عليه‌السلام وساق الكلام بهذا الوصف إلى الآية ٤٥ من سورة آل عمران.

وأمّا الثاني : فهو لمّا وصل إلى قوله سبحانه : ( إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ يُبَشِّركِ بِكَلِمَة مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسيحُ عيسى ابنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُنْيا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبين ) (١) أدخل في التفسير ما أملاه الإمام الباقر عليه‌السلام لزياد بن منذر أبي الجارود في تفسير القرآن ، حيث قال بعد نقل تفسير لغاتها : حدّثنا أحمد الهمداني ، قال : حدثني جعفر بن عبد اللّه ، قال : حدّثنا كثير بن غياث ، عن زياد بن المنذر أبي الجارود ، عن أبي جعفر محمد بن علي عليهما‌السلام. (٢)

ثمّ إنّه في ثنايا الكتاب تارة ينقل عن علي بن إبراهيم وأُخرى عن أبي

__________________

١. آل عمران : ٤٥.

٢. تفسير علي بن إبراهيم : ١ / ١٠٢ ، فلو كان الجامع للتفسير هو العباس بن محمد ، فلم يعلم من هو الراوي عنه حيث قال : حدّثني أبو الفضل العباس بن محمد ... وهذا يورث غموضاً في صحّة التفسير المنسوب إلى القمّي.

٩٧

الجارود على نحو يظهر انّ الكتاب مؤلّف من إملاءين على ما عرفت ، فلا يمكن الاعتماد على كلّ ما ورد في أسانيد أحاديث ذلك التفسير ، فإنّ قسماً من الأحاديث يرجع إلى علي بن إبراهيم ومشايخه ، وقسماً آخر يرجع إلى مشايخ جامع التفسير حتى ينتهي إلى الإمام الباقر عليه‌السلام.

وثالثاً : انّ أقصى ما يمكن أن يقال انّه يجب التفريق بين ما روى جامع التفسير عن نفس علي بن إبراهيم إلى أن ينتهي إلى الإمام ، وما رواه جامع التفسير عن غيره من المشايخ فانّ شهادة القمّي تكون حجّة فيما يرويه نفسه عن مشايخه لا فيما يرويه تلميذه من مشايخه إلى أن ينتهي إلى الإمام. وقد روى جامع التفسير عن عدّة من الأعلام وليس لعلي بن إبراهيم أيّ رواية عنهم وقد ذكرنا أسماءهم في كتابنا « كليّات في علم الرجال ». (١)

ورابعاً : انّ جامع التفسير ـ أعني : أبا الفضل العباس بن محمد ـ مجهول الحال ولا ذكر له في الأُصول الرجاليّة ، بل المذكور فيها ترجمة والده المعروف بـ « محمد الاعرابي » وجدّه « القاسم » فقد ترجم والده الشيخ الطوسي في رجاله في أصحاب الإمام الهادي عليه‌السلام تحت عنوان محمد بن القاسم بن حمزة بن موسى العلوي. (٢)

نعم ، ترجم العباس في كتب الأنساب ، فقد ذكر المحقّق الطهراني في ذريعته انّه رأى ترجمته في كتب الأنساب مثل « عمدة الطالب » و « بحر الأنساب » وغيرهما. (٣)

__________________

١. كليات في علم الرجال : ٣١٧ ـ ٣١٩.

٢. رجال الطوسي : ٤٢٤ في أصحاب الهادي عليه‌السلام برقم ٤١.

٣. الذريعة : ٤ / ٣٠٨.

٩٨

إكمال

إنّ جامع التفسير ذكر بعد خطبة الكتاب قوله : قال أبو الحسن علي بن إبراهيم بن هاشم القمّي ، فالقرآن منه ناسخ ومنه منسوخ ، ومنه محكم ومنه متشابه ... واستغرق هذا النوع من التقسيم والذي يرجع إلى علوم القرآن حوالي ٢٢ صفحة ، وظاهر العبارة يعرب انّ ما جاء في تلك الصحائف يرجع إلى نفس علي بن إبراهيم مع أنّ محمد بن إبراهيم بن جعفر الكاتب النعماني تلميذ الكليني مؤلّف كتاب « الغيبة » رواها باسناده عن الإمام الصادق عليه‌السلام عن جدّه أمير المؤمنين ، وجعلها مقدّمة لتفسيره.

ومن العجب انّ تلك المقدّمة مفردة مع خطبة مختصرة طبعت باسم « المحكم والمتشابه » ونسب إلى السيد المرتضى ، والحقّ انّها من العلوم العلوية التي رواها الإمام الصادق عليه‌السلام ووصلت إلينا عن المشايخ.

تمرينات

١. بيّن مكانة « علي بن إبراهيم » في الحديث؟ واذكر نصّ عبارته في ديباجة الكتاب.

٢. ما هو مختارنا في تفسير هذه العبارة؟

٣. اذكر كيفية تأليف التفسير المسمّى بـ « تفسير القمّي ».

٤. من هو جامع هذا التفسير؟

٩٩
١٠٠