دروس موجزة في علمي الرجال والدراية

الشيخ جعفر السبحاني

دروس موجزة في علمي الرجال والدراية

المؤلف:

الشيخ جعفر السبحاني


الموضوع : رجال الحديث
الناشر: المركز العالمي للدّراسات الإسلامية
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٠٨

٣. إذا أجاز رواية كتاب لم تثبت نسبته إلى مؤلّفه

إذا أجاز رواية كتاب لم تثبت نسبته إلى مؤلّفه إلاّ بواسطة الشيخ المجيز ، لا شكّ انّه تشترط وثاقة الشيخ المجيز عند المستجيز ، إذ لولاها لما ثبتت نسبته إلى المؤلّف ، وبدونها لا يثبت الكتاب ولا ما احتواه من السند والمتن وعادت الإجازة أمراً لغواً.

وباختصار ، انّ الهدف الأسمى في هذا القسم من الاستجازة والاستمداد من ذكر الطريق إلى أصحاب هذه الكتب ، هو إثبات نسبة هذه الكتب إلى أصحابها ومؤلّفيها لا غير ، ولا يتحقّق هذا الهدف إلاّ أن يكون الشيوخ المجيزون واحداً تلو الآخر ثقاتاً يُعتمد على قولهم ، ولو لم يكن الشيخ ثقة عند المستجيز لما كان للاستناد إليه أيّة فائدة.

هل كثرة تخريج الثقة عن شخص آية الوثاقة؟

إذا أكثر الثقةُ الروايةَ عن شخص فهل يدلّ هذا النوع من التخريج على أنّ المروي عنه ثقة؟

وقبل أن نشير إلى المختار ، نسلّط الضوء على أمرين :

الأوّل : انّ مجرّد نقل الثقة عن شخص لا يدلّ على وثاقة المروي عنه ، لشيوع نقل الثقات من غيرهم ؛ لأنّ الهدف من النقل لا ينحصر في الاحتجاج والعمل حتّى يقال : انّه لا يحتجّ بقول غير الثقة فلماذا نقلوا عن غير الثقات ، بل ربّما يكون الغرض دعم سائر الأحاديث التي يتّحد مضمونها مع ما يرويه عن الضعيف ، وبهذا السبب كانت الثقات يروون عن الضعاف أيضاً.

الثاني : انّ كثرة النقل عن الضعاف كان أمراً معرضاً عنه بين مشايخ

٤١

الحديث في العصور الأُولى ، وتعدّ من أسباب الطعن على الثقة ، ولذلك أخرج زعيم القمّيّين أحمدُ بن محمد بن عيسى ( المتوفّى حوالي ٢٨٠ هـ ) معاصرَه أحمد بن محمد بن خالد البرقي ( المتوفـّى عام ٢٧٤ هـ ) عن قم ، لكثرة نقله عن الضعفاء.

قال العلاّمة في ترجمة البرقي : إنّه أكثر الرواية عن الضعفاء واعتمد المراسيل.

وقال ابن الغضائري : طعن عليه القمّيون وليس الطعن فيه ، إنّما الطعن فيمن يروي عنه ، فإنّه كان لا يبالي عمّن أخذ على طريقة الأخبار ، وكان أحمد بن محمد بن عيسى أبعده من قم ثمّ أعاده واعتذر إليه. (١)

إذا اتّضح هذان الأمران فاعلم :

إنّ نقل الثقة عن غيره إذا كان قليلاً يدخل في الأمر الأوّل ولا يدلّ على وثاقة المروي عنه وقلنا انّ الثقة يروي عن غيره أحياناً ; وأمّا إذا أكثر النقل عنه ، فلو كان المروي عنه ضعيفاً يدخل في الأمر الثاني ويعدّ طعناً في الراوي ، ويُسجِّل التاريخ ذلك في حقّه ، فإذا أكثر النقل ولم يتعرّض له التاريخ بطعن ، نستكشف عن أنّ المروي عنه ثقة.

أضف إلى ذلك انّه لو لم يكن المروي عنه ثقة لعاد النقل الكثير أمراً لغواً ، وهذا بخلاف قلّة النقل فإنّها لا تكون كذلك لما عرفت من أنّ للنقل أهدافاً أُخرى غير الاحتجاج وهو دعم سائر الروايات والنقول المتّحدة معها في المضمون ، وهذه الفائدة منتفية فيما لو أكثر النقل عن شخص.

__________________

١. الخلاصة ، القسم الأوّل : ١٤ ، رقم ٧.

٤٢

كثرة الرواية عن المعصوم

إنّ كثرة الرواية عن المعصوم من دون فرق بين أن يكثر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو الإمام عليه‌السلام لا يصلح دليلاً على وثاقة الراوي ، وكم من ضعيف في تاريخ الحديث اتّجر بالحديث المكذوب على لسان النبي حتى قام النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالبراءة من تلك الطغمة وقال : « كثرت الكذّابة عليّ ، فمن كذب عليَّ متعمّداً فليتبوّأ مقعده من النار ». (١)

وعلى ضوء ذلك لا يمكن أن تعدّ كثرة الرواية عن المعصوم دليلاً على الوثاقة.

نعم هناك طريق لكشف حاله ، وهو انّه إذا كان القسم الكبير من رواياته ، مطابقاً مضموناً مع الروايات التي رواها سائر الثقات ، فعند ذلك نستكشف منه انّ الرجل ثقة ، له رغبة بالحديث ونشره ، فيحتجّ بعامّة رواياته.

تمرينات

١. ما هو المراد من شيخوخة الإجازة؟

٢. اذكر صور الاستجازة.

٣. لماذا تعدّ كثرة تخريج الثقة عن راو دليلاً على وثاقة المخرج؟

٤. هل كثرة الرواية عن المعصوم أمارة على الوثاقة أو لا؟

__________________

١. الصراط المستقيم : ٣ / ٢٥٨ ؛ وروى نحوه مسلم في صحيحه : ١ / ٧.

٤٣
٤٤

الدرس التاسع

أصحاب الإمام الصادق عليه السلام الثقات

إنّ الإمام الصادق عليه‌السلام قام بتثقيف الأُمّة في عصر تضاربت فيه الآراء والأفكار واشتعلت فيه نار الحرب بين الأمويين ومعارضيهم ؛ ففي تلك الظروف الصعبة القاسية استغلّ الإمام الفرصة ونشر من أحاديث جدّه وعلوم آبائه ما سارت به الركبان ، وتربّى على يديه الآلاف من المحدّثين والفقهاء ، وهذه فضيلة رابية لم تُكتب لأحد من الأئمّة لا قبله ولا بعده.

هذا هو الشيخ المفيد يصف مدرسته بقوله : نقل الناس عن الصادق عليه‌السلام من العلوم ما سارت به الركبان ، وانتشر ذكره في البلدان ، ولم ينقل عن أحد من أهل بيته العلماء ، ما نقل عنه ، ولا لقي أحد منهم من أهل الآثار ونقلة الأخبار ولا نقلوا عنهم كما نقلوا عن أبي عبد اللّه ، فإنّ أصحاب الحديث قد جمعوا أسماء الرواة عنه من الثقات على اختلافهم في الآراء والمقالات ، فكانوا أربعة الآف رجل. (١)

ونقل قريباً من ذلك النصّ ابن شهر آشوب في مناقبه (٢) ، والفتّال في « روضة الواعظين » (٣) ، والطبرسي في « إعلام الورى ». (٤)

__________________

١. الإرشاد : ٢٧٠ ـ ٢٧١ ، مؤسسة الأعلمى للمطبوعات ، بيروت

٢. مناقب ابن شهر آشوب : ٣ / ٢٤٩.

٣. روضة الواعظين : مؤسسة الأعلمى للمطبوعات ، بيروت.

٤. إعلام الورى : ١ / ٥٣٥ ، مؤسّسة آل البيت عليهم‌السلام.

٤٥

وهؤلاء الأقطاب الأربعة وصفوا تلك الصفوة من تلاميذ الإمام بالثقات ، فلو كان هناك طريق للتعرّف عليهم ، نحتجّ بأحاديثهم جميعاً.

ويمكن التعرّف عليهم بملاحظة أمرين :

١. إنّ الحافظ أحمد بن محمد بن سعيد المكنّى بأبي العباس المعروف بابن عقدة ( المتوفّى ٣٣٣ هـ ) ممّن ضبط أصحاب الصادق كلّهم في كتابه الرجالي ، ونقله النجاشي عنه حيث قال في ترجمة ابن عقدة : له كتاب الرجال ، وهو كتاب من روى عن جعفر بن محمد. (١) ونقل ذلك النصّ الشيخ أيضاً في رجاله. (٢) ومع الأسف أنّ رجال ابن عقدة ـ ذلك الحافظ الكبير ـ لم يصل إلى المتأخّرين ، وقد فحصنا عنه في المكتبات العامّة حتى مكتبات اليمن ، فلم نجد له أثراً ، ومع ذلك يمكن الوقوف على ما في طيّاته من طريق آخر ، وهذا هو الذي نذكره في الأمر الثاني.

٢. الظاهر انّ كلام الشيخ المفيد ناظر إلى ما جمعه ابن عقدة من أسماء أصحاب الإمام الصادق عليه‌السلام في رجاله ، وقد أدخل الشيخ الطوسي قسماً كبيراً ممّا ذكره ابن عقدة في رجاله ، فبالرجوع إلى ذلك الكتاب يمكن الوقوف على أصحاب الإمام الصادق عليه‌السلام الثقات. وبذلك يقف المتتبع على آلاف من الثقات.

ولكن الاعتماد على هذا النوع من التوثيق مشكل ، وذلك لعدّة أُمور :

أوّلاً : إنّ بعض المتأخّرين من علمائنا ، اكتفوا بذكر عدد الرواة عن الصادق عليه‌السلام دون وصفهم بالثقات. (٣)

_________________

١. رجال النجاشي : ١ / ٢٤٠ برقم ٢٣٣.

٢. رجال الشيخ الطوسي : ٤٠٩ برقم ٥٩٤٩ ، مؤسسة النشر الإسلامي.

٣. المحقّق في المعتبر : ٥ ؛ العلاّمة في الخلاصة : ٢٠٣ ؛ الشهيد الأوّل في الذكرى : ٦ ، إلى غير ذلك من الأعاظم.

٤٦

ثانياً : إن أراد الشيخ المفيد بكلامه هذا انّ أصحاب الصادق عليه‌السلام كانوا أربعة آلاف وكلّهم كانوا ثقاتاً ، فهذا أشبه بما عليه الجمهور من أنّ أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كانوا كلّهم عدولاً.

وإن أراد انّ أصحاب الصادق عليه‌السلام كانوا كثيرين ، إلاّ أنّ الثقات منهم كانوا أربعة آلاف ، فهذا أمر يمكن التسالم عليه ، لكنّه غير مفيد ، إذ لا سبيل إلى معرفة الثقات منهم وتمييزهم عن غيرهم. (١)

ثالثاً : انّ الشيخ قد ضعّف عدّة من أصحاب الصادق عليه‌السلام ، فقال : في الباب المختص بهم :

إبراهيم بن أبي حبّة ضعيف ، الحارث بن عمر البصري أبو عمر ضعيف الحديث ، عبد الرحمن بن الهلقام ضعيف ، عمرو بن جميع البصري الأزدي ضعيف الحديث ، محمد بن حجّاج المدني منكر الحديث ، محمد بن عبد الملك الأنصاري الكوفي ضعيف ، محمد بن مقلاص الأسدي الكوفي : ملعون غال. (٢)

إلى غير ذلك من العبارات في حقّ بعض أصحاب الإمامعليه‌السلام ، فكيف يمكن أن يقال : إنّ كلّ ماجاء به رجال الشيخ ، نفس ما ذكره الشيخ المفيد؟!

رابعاً : انّ المتبادر من أمثال عبارة الشيخ المفيد الواردة في مقام الإطراء والثناء ، هو وجود كثرة معتدّ بها من الثقات بين أصحاب الإمام عليه‌السلام ، لا انّ الوثاقة تعمّهم بلا استثناء ، وهذا نظير من يصف طلاب الجامعة بالذكاء والفطنة ، فلا يبغي من وراء كلامه هذا ، ذكاء الجميع دون استثناء بل غالبيتهم.

ثمّ إنّ في كلام الشيخ إلماعاً إلى ما ذكرناه ، حيث قال : مع اختلافهم في

__________________

١. معجم رجال الحديث : ١ / ٥٩.

٢. لاحظ : رجال الشيخ الطوسي : الصفحة١٤٦ ، ١٧٨ ، ٢٣٢ ، ٢٤٩ ، ٢٨٥ ، ٢٩٤ ، ٣٠٢.

٤٧

الآراء والمقالات.

والمراد منها هو المسائل العقائدية والكلاميّة ، فكيف يمكن عدّ جميعهم من الثقات العدول مع اختلافهم في بعض الأُصول كالجبر والتفويض ، وعينية الصفات وزيادتها على ذاته تعالى وعصمة الأنبياء ، ومحاربي الإمام علي عليه‌السلام ، إلى غير ذلك من المقالات؟! فلا محيص من حمله على الغالبية التي تُبهر العيون.

وعلى ضوء ذلك فلا تثبت وثاقة كلّ من عدّه الشيخ أو النجاشي انّه من أصحاب الإمام الصادق عليه‌السلام.

تمرينات

١. اذكر كلمة الشيخ المفيد في حقّ أصحاب الإمام الصادق عليه‌السلام.

٢. بماذا يمكن التعرّف على أعيانهم وأسمائهم؟

٣. هل يصحّ الاعتماد على ظاهر عبارة المفيد أو لا؟ ولماذا؟

٤. ما هو المراد من عبارة الشيخ المفيد في هذا المقام؟

٤٨

الدرس العاشر

أصحاب الإجماع

البحث عن أصحاب الإجماع من أهمّ بحوث علم الرجال ، وقد أشار إليه المحدّث النوري وقال : إنّه من مهمّات هذا الفن ، إذ على بعض التفاسير يُحكم على كثير من الأحاديث بالصحّة وعلى كثير من الرواة بالوثاقة ، والأصل في ذلك ما ذكره أبو عمرو الكشّي في رجاله في مواضع ثلاثة ، ولا محيص عن سرد نصوصه كي نعود إلى تفسيرها.

عنون باباً باسم تسمية الفقهاء من أصحاب أبي جعفر وابي عبد اللّه عليهما‌السلام وقال تحت هذا العنوان :

١. أجمعت العصابة على تصديق هؤلاء الأوّلين من أصحاب أبي جعفر عليه‌السلام وأصحاب أبي عبد اللّه عليه‌السلام وانقادوا لهم بالفقه ، فقالوا : أفقه الأوّلين ستة : زرارة ، ومعروف بن خرَّبوذ ، وبريد ، وابو بصير الأسدي ، والفضيل بن يسار ، ومحمد بن مسلم الطائفي ، قالوا : أفقه الستة زرارة ، وقال بعضهم مكان أبي بصير الأسدي ، أبو بصير المرادي وهو ليث بن البختري. (١)

__________________

١. انظر : رجال الكشي : ٢٠٦.

٤٩

ثمّ ذكر عنواناً آخر باسم « تسمية الفقهاء من أصحاب أبي عبد اللّه عليه‌السلام » وقال بعده :

٢. أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عن هؤلاء وتصديقهم لما يقولون ، وأقرّوا لهم بالفقه من دون أُولئك الستة الذين عددناهم وسمّيناهم ، وهم ستة نفر : جميل بن دراج ، وعبد اللّه بن مسكان ، وعبد اللّه بن بكير ، وحمّاد بن عثمان ، وحماد بن عيسى ، وأبان بن عثمان. قالوا : وزعم أبو إسحاق الفقيه يعني ثعلبة بـن ميمـون (١) أنّ أفقه هـؤلاء جميـل بن دراج وهـم أحـداث (٢) أصحـاب أبي عبد اللّه عليه‌السلام. (٣)

ثمّ ذكر تحت عنوان ثالث ، أعني : تسمية الفقهاء من أصحاب أبي إبراهيم وأبي الحسن عليهما‌السلام قوله :

٣. أجمع أصحابنا على تصحيح ما يصحّ عن هؤلاء وتصديقهم وأقرّوا لهم بالفقه والعلم ، وهم ستة نفر آخر دون ستّة نفر الذين ذكرناهم في أصحاب أبي عبد اللّه عليه‌السلام منهم : يونس بن عبدالرحمن ، وصفوان بن يحيى بيّاع السابري ، ومحمّد بن أبي عمير ، وعبد اللّه بن مغيرة ، والحسن بن محبوب ، وأحمد بن محمد بن أبي نصر ، وقال بعضهم مكان الحسن بن محبوب : الحسن بن علي بن فضال وفضالة بن أيوب ، وقال بعضهم مكان فضالة بن أيوب (٤) : عثمان بن عيسى ، وأفقه هؤلاء يونس بن عبد الرحمن ، وصفوان بن يحيى. (٥)

__________________

١. ثعلبة بن ميمون ، كان وجهاً في أصحابنا ، قارئاً ، فقيهاً ، نحوياً ، لغوياً ، راويةً ، وكان حسن العمل ، كثير العبادة والزهد ( راجع : رجال النجاشي : ١ / ٢٩٤ برقم ٣٠٢.

٢. الأحداث : الشباب.

٣. رجال الكشي : ٣٢٢.

٤. في نسخة اختيار معرفة الرجال طبعة المصطفوي : ابن فضال بدل فضالة بن أيّوب.

٥. رجال الكشي : برقم ١٠٥٠.

٥٠

وقبل تفسير كلام الكشي نقدّم أُموراً :

الأوّل : أصحاب الإجماع اصطلاح جديد

إنّ التعبير عن هذه الجماعة بـ « أصحاب الإجماع » أمر حدث بين المتأخّرين ، وجعلوه أحد الموضوعات التي يُبحث عنها في مقدّمات الكتب الرجالية أو خواتيمها ، ولكن الكشي عبّر عنهم بـتسمية الفقهاء من أصحاب الباقرين عليهما‌السلام ، أو تسمية الفقهاء من أصحاب الصادق عليه‌السلام ، أو تسمية الفقهاء من أصحاب الكاظم والرضا عليهما‌السلام ، فهو رحمه اللّه كان بصدد تسمية الفقهاء من أصحاب هؤلاء الأئمّة ، الذين لهم شأن كذا وكذا ، والهدف من تسميتهم دون غيرهم ، هو تبيين انّ الأحاديث الفقهية تنتهي إليهم غالباً ، فكأنّ الفقه الإمامي مأخوذ منهم ، ولو حذف هؤلاء وأحاديثهم من بساط الفقه ، لما قام له عمود ، ولا اخضرَّ له عود.

الثاني : عدد أصحاب الإجماع

ذكر الكشي في الطبقة الأُولى ، ستة نفر من أصحاب الصادقين عليهما‌السلام وهم :

١. زرارة بن أعين.

٢. معروف بن خرّبوذ.

٣. بريد بن معاوية.

٤. أبو بصير الأسدي.

٥. الفضيل بن يسار.

٦. محمد بن مسلم الطائفي.

هذا ما اختاره الكشي ، ولكن نقل انّ بعضهم قال مكان أبي بصير الأسدي : أبو بصير المرادي.

٥١

وذكر الكشي في الطبقة الثانية ستة من أحداث أصحاب أبي عبد اللّه عليه‌السلام وهم :

٧. جميل بن درّاج.

٨. عبد اللّه بن مسكان.

٩. عبد اللّه بن بكير.

١٠. حمّاد بن عثمان.

١١. حمّاد بن عيسى.

١٢. أبان بن عثمان.

وهؤلاء محط اتّفاق الجميع.

كما ذكر أيضاً في الطبقة الثالثة ستة من أصحاب الإمامين الكاظم والرضا عليهما‌السلام ، وهم :

١٣. يونس بن عبد الرحمن.

١٤. صفوان بن يحيى بيّاع السابُري.

١٥. محمّد بن أبي عمير.

١٦. عبد اللّه بن مغيرة.

١٧. الحسن بن محبوب.

١٨. أحمد بن محمد بن أبي نصر.

فخمسة من هذه الطبقة مورد اتّفاق بين الكشي وغيره إلاّ واحداً منهم حيث قال :

وذكر بعضهم مكان الحسن بن محبوب : الحسن بن علي بن فضّال ، وفضالة بن أيوب.

٥٢

وذكر بعضهم مكان فضالة بن أيوب : عثمان بن عيسى ، وحيث إنّ خمسة من الطبقة الثالثة مورد اتّفاق بينه وبين غيره ، فيكون مجموع ما اتّفق عليه ستة عشر شخصاً.

نعم انفرد الكشي بنقل الإجماع على شخصين وهما : أبو بصير الأسدي من الطبقة الأُولى والحسن بن محبوب من الثالثة.

كما نقل الآخرون الاتّفاق على أربعة وهم : أبو بصير المرادي من الطبقة الأُولى ، والحسن بن علي بن فضّال ، وفضالة بن أيوب وعثمان بن عيسى من الطبقة الثالثة فيكون المجموع اثنين وعشرين شخصاً ، بين ما اتّفق الكلّ على أنّهم من أصحاب الإجماع ، أو قال به الكشي وحده أو غيره ، فالمتيقن هو ١٦ شخصاً ، والمختلف فيه هوستة أشخاص.

الثالث : أصحاب الإجماع في منظومة بحر العلوم

إنّ السيد بحر العلوم ( ١١٥٥ ـ ١٢١٢ هـ ) جمع أسماء من ذكره الكشي في منظومته ، لكن خالفه في أبي بصير ، حيث حمله على المرادي دون الأسدي ، وقال :

قد أجمع الكلّ على تصحيح ما

يصحّ عن جماعة فليعلما

وهم أُولوا نجابة ورفعة

أربعة وخمسة وتسعة

فالستَّة الأُولى من الأمجاد

أربعة منهم من الأوتاد

زرارة كذا بريد (١) قد أتى

ثمّ محمّد (٢) وليث (٣) يا فتى

كذا الفضيل (٤) بعده معروف (٥)

وهو الّذي ما بيننا معروف

__________________

١. المراد : بريد بن معاوية.

٢. المراد : محمد بن مسلم.

٣. أبو بصير المرادي وهو ليث بن البختري ، وقد خالف فيه مختار الكشي.

٤. الفضيل بن يسار.

٥. معروف بن خرّبوذ.

٥٣

والستّة الوسطى أُولوا الفضائل

رتبتهم أدنى من الأوائل

جميل الجميل (١) مع أبان (٢)

والعبدلان (٣) ثمّ حمّادان (٤)

والستّة الأُخرى هم صفوان (٥)

ويونس (٦) عليهما الرضوان

ثمّ ابن محبوب (٧) كذا محمّد (٨)

كذاك عبد اللّه (٩) ثمّ أحمد (١٠)

وما ذكرناه الأصحّ عندنا

وشذَّ قول من به خالفنا (١١)

قوله : « وما ذكرناه الأصحّ » إشارة إلى الاختلاف الّذي حكاه الكشّي في عبارته ، حيث اختار الكشّي أنّ أبا بصير الأسدي منهم ، واختار غيره أنّ أبا بصير المرادي منهم ، واختار السيّد بحر العلوم القول الثّاني ونسب القول الأوّل إلى الشّذوذ.

تمرينات

١. ما هو المراد من أصحاب الإجماع؟ وهل هو اصطلاح جديد؟

٢. اذكر عدد أصحاب الإجماع من الطبقات الثلاث في كلام الكشي.

٣. اذكر أسماء من اتّفقت كلمة الأصحاب عليهم.

__________________

١. جميل بن درّاج.

٢. أبان بن عثمان.

٣. عبداللّه بن مسكان وعبداللّه بن بكير.

٤. حمّاد بن عثمان وحمّاد بن عيسى.

٥. صفوان بن يحيى ، المتوفّى عام ٢١٠ هـ.

٦. يونس بن عبدالرحمن.

٧. الحسن بن محبوب ، المتوفّى عام ٢٢٤.

٨. محمد بن أبي عمير ، المتوفّى عام ٢١٧.

٩. عبد اللّه بن المغيرة.

١٠. أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي.

١١. قد مضى القولان في عبارة الكشي.

٥٤

الدرس الحادي عشر

التفسير الأوّل

لقولهم « تصحيح ما يصحّ عنهم »

قد تلقّى الأصحاب ما ذكره الكشي في حق الطبقات الثلاث بالقبول ويظهر ذلك بالتتبع في كلماتهم ، ونحن نذكر أسماءَهم ومواضع كلامهم :

١. محمد بن الحسن الطوسي حيث اختصر رجال الكشي وترك العبارات الثلاث على حالها.

٢. رشيد الدين محمد بن علي بن شهر آشوب ( ٤٨٨ ـ ٥٨٨ هـ ) في كتابه المناقب. (١)

لكنّه ذكر الطبقة الأُولى والثانية باختلاف يسير وترك ذكر الثالثة.

٣. العلاّمة الحلي ( ٦٤٨ ـ ٧٢٦ هـ ) فقد أشار إلى ما ذكره الكشي في خلاصته في موارد من كتابه. (٢)

٤. ابن داود الحلي ( ٦٤٨ ـ ٧٠٧ هـ ) مؤلف الرجال المعروف برجال ابن

__________________

١. المناقب : ٤ / ٢١١ ، في أحوال الإمام الباقر عليه‌السلام ، وص ٢٨٠ في أحوال الإمام الصادق عليه‌السلام.

٢. الخلاصة : لاحظ ترجمة عبد اللّه بن بكير ، صفوان بن يحيى ، البزنطي ، وأبان بن عثمان.

٥٥

داود ، حيث قال : أجمعت العصابة على ثمانية عشر رجلاً فلم يختلفوا في تعظيمهم غير أنّهم يتفاوتون ثلاث درج. (١)

٥. الشهيد الأوّل ( ٧٣٤ ـ ٧٨٦ هـ ) في غاية المراد عند البحث عن بيع الثمرة ، حيث نقل حديثاً في سنده الحسن بن محبوب وقال : وقد قال الكشي : أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عن الحسن بن محبوب. (٢)

٦. الشهيد الثاني ( ٩١١ ـ ٩٦٦ هـ ) : قال في شرح الدراية : نقلوا الإجماع على تصحيح ما يصحّ عن أبان بن عثمان. (٣)

إلى غير ذلك من النصوص الحاكية عن تلقّي الأصحاب ما ذكره الكشي بالقبول ، وفيما ذكرناه غنى وكفاية.

في تفسير قوله : « تصحيح ما يصحّ عنهم »

هذا هو البحث المهم الذي عقدنا له هذا الدرس :

إنّ قولهم « تصحيح ما يصحّ عنهم » مركّب من جزءين :

١. « تصحيح ما ».

٢. « يصحّ عنهم ».

أمّا الجزء الثاني ، فنوضحه بالمثال التالي :

كثيراً ما يروي الشيخ الكليني بالسند التالي ويقول : علي بن إبراهيم ، عن أبيه إبراهيم بن هاشم ، عن ابن أبي عمير ، عن ابن أُذينة ، عن أبي عبد اللّه عليه‌السلام ، فابن أبي عمير من أصحاب الإجماع ، فإذا كان السند من الكليني إلى ابن أبي

__________________

١. رجال ابن داود : ٢٠٩ ، خاتمة القسم الأوّل ، الفصل الأوّل.

٢. غاية المراد : ٢ / ٤١

٣. شرح الدراية : ٨٢. ولاحظ الروضة البهية : ٢ / ١٣١ ، كتاب الطلاق ، الطبعة الحجرية.

٥٦

عمير صحيحاً ، يقال : صحّ عنه ، ومثله سائر أصحاب الإجماع ، فإذا كان السند من بدئه إليهم صحيحاً ، يقال : صحّ عنهم.

إنّما الكلام في تفسير الجزء الأوّل « تصحيح ما » ، والخلاف في تفسيره يكمن فيما هو المراد من الموصول الذي أُضيف التصحيح إليه؟ فهناك احتمالان أساسيّان (١) :

الأوّل : انّ المراد من الموصول : التحديث والحكاية ، فيكون المعنى : تصديق تحديثهم وحكاياتهم.

الثاني : المراد من الموصول : المروي ونفس الحديث ، فيكون المعنى : تصديق رواياتهم وأحاديثهم ؛ فتعيين أحدهما هو المفتاح لفهم معنى العبارة.

فلو قلنا بالاحتمال الأوّل أي تصديق حكاياتهم التي يتضمّنها قول ابن أبي عمير « حدّثنا ابن أُذينة » لدلّ على أنّ هؤلاء ثقات ، ـ دون دلالة على وثاقة من يروون عنهم ـ لأنّ اتّفاق الصحابة على تصديق هؤلاء في حكايتهم يلازم القول بوثاقتهم ، فيكون مفاد الجملة حسب الدلالة المطابقية هو تصديق حكاياتهم ، وحسب الدلالة الالتزامية هو توثيق هؤلاء ، لأجل تصديق العصابة حكايتهم ونقولهم عن مشايخهم.

ولو قلنا بالاحتمال الثاني وانّ المراد من الموصول هو تصديق مرويّاتهم وأحاديثهم وما يروونه عن المعصوم. فلو كان مستند تصديق مرويّاتهم منحصراً في وثاقة هؤلاء ووثاقة من يروون عنه إلى أن يتصل السند بالإمام ، تدخل طائفة كبيرة من الرواة ، أعني : الذين روى عنهم أصحاب الإجماع ، في عداد الثقات ، فإنّ لمحمد بن أبي عمير وحده ، قرابة أربعمائة شيخ.

__________________

١. احترزنا عن بعض الاحتمالات الفرعية للتفسير الثاني.

٥٧

وعلى ضوء ذلك فالثمرة الرجالية تترتب على الاحتمال الثاني دون الاحتمال الأوّل ، لأنّ لازم المعنى الأوّل ( تصديق حكاياتهم ) هو وثاقة نفس هؤلاء ـ وهي أمر ثابت ـ فإنّ وثاقتهم كالشمس في رائعة النهار ، بخلاف المعنى الثاني فإنّ لازم صحّة مرويّاتهم ـ إذا كانت الصحة مستندة إلى وثاقة مشايخهم إلى الإمام ـ ثبوت وثاقة مشايخهم الذين يروون عنهم ، وهذه هي الثمرة الرجالية المترتبة على الاحتمال الثاني.

إنّما الكلام في بيان ما هو المراد؟

أقول : إنّ القرائن والشواهد تدلّ على أنّ المراد هو الأوّل وانّ العصابة اتّفقت على تصديق حكاياتهم. ويدلّ عليه الأُمور التالية :

١. انّ الكشي اكتفى في تسمية الطبقة الأُولى ، بقوله : « اجتمعت العصابة على تصديق هؤلاء الأوّلين من أصحاب أبي جعفر وابي عبد اللّه عليهما‌السلام وانقادوا لهم بالفقه ، فقالوا : أفقه الأوّلين ستة » ، ولم يذكر في حقّهم غير تلك الجمل ، فلو كان المفهوم من قوله « تصحيح ما يصحّ عن جماعة » إجماعهم على تصديق مروياتهم ( لا تصديق حكاياتهم ) ، كان عليه أن يذكر تلك العبارة في حقّ الستة الأُولى ، لأنّهم في الدرجة العالية بالنسبة إلى الطبقتين الأخيرتين ، وهذا يعرب عن كون المقصود من التصحيح ، هو الحكم بصدقهم وتصويب نفس نقلهم بالدلالة المطابقية ، ووثاقتهم فقط بالدلالة الالتزامية لا على وثاقة من يروون عنه.

٢. إمعان النظر فيما يتبادر من قوله « يصحّ عنهم » فإذا قال الكليني : حدّثنا علي بن إبراهيم ، قال : حدثنا إبراهيم بن هاشم ، قال : حدّثنا ابن أبي عمير ، قال : حدّثنا ابن أُذينة قال : قال أبو عبد اللّه عليه‌السلام.

فلو فرضنا وثاقة الأوّلين من السند ـ كما هو كذلك ـ يقال صحّ عن ابن أبي

٥٨

عمير كذا ، فيجب علينا تصحيح ما صحّ عن ابن أبي عمير. وأمّا الذي صحّ عنه وتعلّق به التصحيح ، فيحتمل أحد أمرين :

١. حكاية كلّ واحد عن الآخر.

٢. نفس الحديث ومتنه.

لا سبيل إلى الثاني ، لأنّ من صُدِّر به السند ، لا ينقل إلاّ حكاية الثاني. ولا ينقل نفس الحديث ، وإنّما يكون ناقلاً له لو نقله من الإمام بلا واسطة ، ومثله من وقع في السند بعد الأوّل ، فانّه لا ينقل إلاّ حكاية الثالث له ، فعندئذ ما صحّ عن ابن أبي عمير ليس نفس الحديث ، بل حكاية الأُستاذ لتلميذه ، وعليه يكون هذا بنفسه متعلّقاً للتصحيح في مورد ابن أبي عمير وانّه مصدَّق في حكايته عن ابن أُذينة ، وصادق في نقله عنه ، وأمّا ثبوت نفس الحديث فهو متوقّف على كون ابن أبي عمير ومن روى عنه ثقاتاً حتى ينتهي إلى الإمام ، والعبارة لا تدلّ على ذلك ، غاية ما يمكن أن يقال : انّها تدلّ بالدلالة الالتزامية على وثاقة نفس ابن أبي عمير فقط وأمّا من بعده فلا.

تمرينات

١. اذكر أسماء العلماء الذين جاء ذكر أصحاب الإجماع في كتبهم.

٢. اذكر التفسيرين المطروحين للموصول في قولهم : « تصحيح ما يصحّ عنهم ».

٣. بيّن الثمرة الرجالية المترتّبة على التفسيرين.

٤. ما هو المختار في المقام؟ وما هي دلائله؟

٥٩
٦٠