بحوث في الفقه المعاصر - ج ٢

الشيخ حسن الجواهري

بحوث في الفقه المعاصر - ج ٢

المؤلف:

الشيخ حسن الجواهري


الموضوع : الفقه
الناشر: دار الذخائر
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٨٠
  الجزء ١   الجزء ٢
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

للسهام ، حيث يكون شرطه هنا مخالفاً للكتاب والسُنَّة فيكون باطلاً.

١١ ـ إذا كانت معاملات الشركة المساهمة ربوية ، فهل يجوز شراء هذه السهام ؟

نقول : إنَّ شراء هذه السهام مع بقاء الشركة ربوية معناه أنَّ المشتري دخل في المعاملات الربوية بعد شرائه لسهم أو أكثر منها ، وهو عبارة عن الربا المحرَّم الذي نهت عنه الشريعة بصورة شديدة.

ولا يقال بأنّنا نحكم بأنَّ أصل الشراء صحيح ، وإنّما المحرم هو التعامل الربوي الحاصل بعد ذلك ، إذ أنَّ أصل الشراء هو عبارة عن الدخول في المعاملات الربوية عرفاً فيكون محرماً.

وهناك صورة ذكرها بعضٌ لتجويز شراء سهام هذه الشركات الربوية ، خلاصتها : أنَّ تجويز شراء هذه السهام من قبل الأفراد المسلمين سوف يجرّ في نهاية المطاف الى استملاك الشركة وتغيير قانونها الأساسي إلى المنع من العمليات الربوية ، فالغاية المتوخاة من تجويز شراء السهام في الشركة الربوية غاية شريفة يجعل شراء السهام والدخول في المعاملات الربوية أمراً جائزاً.

ولكن هذا التوجيه يرجع إلى القول المعروف بأنّ الغاية الشريفة تبرر الواسطة حتى المحرّمة ، وهو أمر غير مقبول شرعاً لأنَّ الله سبحانه وتعالى لا يطاع من حيث يعصى ، فإذا أردنا أن نغيّر الشركة الربوية بمنعها من الربا بواسطة دخولنا معهم فترة من الزمن في التعامل بالربا فهو عبارة عن تحليل الربا لفترة من الزمن لأجل الحدّ منه في الزمن الآتي ، وهو أمر لا يجوز.

نعم ، ذكر الإمام الخوئي رحمه‌الله فتوى هي : « يجوز بيع هذه السهام والسندات وكذا شراؤها ، نعم إذا كانت معاملات الشركة المساهمة ربوية فلا يجوز شراؤها

٢٠١

بغرض الدخول في تلك المعاملات فإنَّه غير جائز وإنْ كان بنحو الشركة » (١).

وواضح أنَّ الإمام الخوئي حرّم الشراء بغرض الدخول في تلك المعاملات ، فهو ينظر إلى شراء لا بغرض الدخول في المعاملات الربوية وهو ينحصر في صورة شراء كل سهام الشركة المساهمة الربوية دفعة واحدة بحيث يخرج السهام كلها من الربا أو يُخرج سهمه الذي كان موجوداً سابقاً مع السهام الربوية ، فإنّ هذه الصورة جائزة بلا شبهة لأنَّ شراءه للسهام لم يكن بغرض الدخول في تلك المعاملات الربوية :

فالنتيجة : هي صحة شراء السهام في الشركة الربوية إذا كان الشراء يؤدّي الى منع الربا فوراً وبصورة دفعيّة لا بصورة تدريجية.

١٢ ـ ربط الحقوق والالتزامات الآجلة بمستوى الاسعار

من الحقوق والالتزامات : اُجرة العامل التي يجب أن يدفعها المؤجر إلى الأجير ، وأداء الدين الذي يجب على المدين اداؤه في الوقت المحدَّد ، وعندما يكون عقد العمل لفترة زمنية طويلة نسبياً ( شهوراً أو أعواماً ) وكذا عندما يكون أجل أداء الدين كذلك ، كالمهور الآجلة التي يجب على الزوج اداؤها بعد فترة طويلة قد تكون عشرين سنة أو أكثر ، وتكون هناك زيادة مطَّردة في تكاليف المعيشة سوف تحدث مشكلة قد طرقت في عدّة مجالس علمية وهي : هل يجب على المدين أداء تلك الكمية من الدين التي اصبحت الآن نتيجة التضخم الحالي تساوي كمية قليلة من السلع ، بينما كانت فيما سبق تساوي كمية كبيرة منها ؟ وهل يجب على صاحب العمل أن يدفع نفس الكمية من الأجر المتّفق عليه سابقاً وإن اصبحت هذه الكمية نتيجة التضخم غير قادرة على سدِّ احتياجات العامل الضرورية ، بخلافها

__________________

(١) منهاج الصالحين : ج ١ ، ص ٤١١ الطبة الثامنة والعشرون سنة ١٤١٠ ه‍.

٢٠٢

وقت عقد العقد حيث كانت تفي بذلك وربما تزيد عليها شيئاً ما ؟

وطبعاً يكون الجواب الفقهي : إذا كان عقد العمل قد حدد الأجر بالنقد ، وكان عقد الدين قد نص عليه بوجوب دفع مقدار الدين هو أداء نفس الكمية المتّفق عليها في عقد الايجار وعقد الدين.

ولكن في هذا البحث نريد أن يتّفق العامل مع صاحب العمل على صيغة اُخرى للايجار مفادها ربط الأجر بالمستوى العام للاسعار الذي يعلن من قبل الاقتصاديين المتخصّصين الفنيين ، وكذلك ربط الديون بالمستوى العام للاسعار ، فهل يجوز هذا العقد من الناحية الشرعية ؟

ولأجل توضيح الفكرة أكثر نضرب المثال التالي لبيان ربط الأجر أو الدين بالمستوى العام للاسعار :

إذا كان عقد العمل يستمر لمدّة خمس سنوات على أن يدفع في كل سنة ألف ومائتين ديناراً ، أو كان القرض بهذا المقدار يُدفع في كل شهر مئة دينار ، ففي الشهر الثاني إذا زادت الاسعار بمقدار ١٠ % فيجب على المؤجر أن يدفع مئة وعشرة دنانير ، وكذا المقترض ، فإن ارتفعت الاسعار في الشهر السادس بمقدار ٣٠ % فيجب أن يدفع مئة وثلاثين ديناراً وهكذا ، ومعنى هذا : أنَّ في الشهر الواحد يدفع المؤجر أو المدين مئة دينار بالاضافة الى نسبة ارتفاع الاسعار.

والجواب : أنّ هذا العقد بالنسبة للاُجرة إذا كان بصيغة الاتفاق منذ بداية العقد على أن يزداد الأجر النقدي الأساسي في كل سنة ـ أو كل شهر إذا كان التضخم سريعاً ـ لاحقة بنسبة الزيادة العامّة في الاسعار الذي يقاس من قبل المتخصّصين المستقلين عن طرفي العقد ، فيكون معنى ذلك : أنَّ الأجر هو نقد معين بإضافة زياد نسبة التضخم ، فيكون العقد صحيحاً إذا قلنا إنَّ جهالة نسبة التضخّم غير مضرّة بهذا العقد. وليس من البعيد أنَّ مثل هذه الجهالة غير مضرّة في العقود ، كما نرى أمثلة كثيرة للعقد الصحيح الذي فيه نوع من الجهالة ، مثل إجارة العامل

٢٠٣

على أن يشتغل ثمان ساعات في اليوم ، فكم ينتج هذا العامل في عمله ؟ وكم يحتاج من الوقت للذهاب إلى المرافق وشرب السجائر والصلاة وحضور الجمعة أو الجماعة ؟ كل هذا جهالة ، إلاّ أنّها لا تفسد العقد لأنها لا تؤدّي الى نزاع ، وقد رأينا أن في الروايات كثيراً من الأحكام التي تنهى عن الجهالة إذا أدّت الى نزاع بين المتعاملين ، وتجيز الجهالة إذا كانت لا تؤدّي الى نزاع بين المتعاملين ، ففي بيع الحليب في الاسكرجة مع ما في الضرع توجد جهالة إلاّ أن الشرع قد أجاز هذا البيع ، وكذا في بيع العبد الآبق مع الضميمة ، إذ توجد جهالة الحصول على العبد الآبق ، ولكن بما أنَّ هذه الجهالة لم تؤدِّ الى نزاع بين المتعاملين حيث يكون الثمن كلّه في مقابل الضميمة ـ كما قالت النصوص ـ كان العقد صحيحاً ، وكذا في صحة بيع الثمار لسنتين إذا ظهرت الثمرة ، وغيرها من الأمثلة الكثيرة التي جوَّز الفقهاء فيها العقد مع وجود جهالة غير مفضية الى نزاع. كما قد يدعى أنَّ هذه الجهالة معلومة للطرفين على وجه الترتيب.

وقد فسّر الغرر ـ الذي جاء عن النبي النهي عنه ـ بالخطر الذي يقدم عليه الإنسان لا مطلق الجهالة.

وقد يرى بعضٌ أنَّ الغرر المنهي عنه في الشريعة الإسلامية هو لأجل حفظ العدل بين طرفي العقد ، لأنَّ الخطر الذي يقدم عليه الإنسان في العقد إذا كان بحدّ يؤدّي إلى الحاق ظلم بأحد الطرفين لم يرضَ به لو علم الحقيقة قبل العقد ، أمّا الجهالة هنا فحتى لو قلنا أنّها خطر فهي لا تؤدّي الى ظلم بأحد الطرفين ، بل على العكس هي تؤدّي الى تحقيق العدل بينهما في ظلّ ارتفاع الأسعار وذلك : لأنّ زيادة نسبة الاسعار معناه تخفيض القوة الشرائية للاجور ، وهذا الأمر يجعل المؤجر ( صاحب العمل ) قد حصل على أرباح من زيادة الأجور يوازي التضخم ، فإنْ اقتطعنا منه جزءاً من هذه الارباح نتيجة زيادة الاسعار وقدمناه للعامل كان هذا اقرب إلى العدل ، ومن الواضح ان هذا العقد لا يؤدّي في بعض الضروف الى نقيصة

٢٠٤

الأجر الذي عُيّن للعامل حتى إذا تحسن وضع النقد ، لأنَّ الأجر محدد بإضافة نسبة ارتفاع الأسعار ، فان لم يكن ارتفاع في الاسعار بل انخفضت في ضروف معينة فلا يقل الأجر الذي حدّد للعامل.

على أنّه يمكن من الأول أن يتّفق العامل مع صاحب العمل على أن يكون اجرة ما يسمى بسلة السلع ، وهي عبارة عن مجموعة من سلع مختلفة محددة وخدمات موصوفة ، أو ما يقابلها من النقد الورقي على أن يكون الخيار في اختيار احدهما إلى العامل. وليس هذا من قبيل التردد في الأجرة ، لأنَّها معينة وهي مجموعة السلع والخدمات ولكن للعامل الحقّ في أخذ قيمتها نقداً.

وهذا التكييف الثاني يختلف عن الأول من ناحية أنَّ وضع النقد الورقي إذا تحسن ، فمعنى ذلك امكان شراء سلة السلع والخدمات بنقد أقل ، وبهذا سوف يقل أجر العامل الذي ربط نفسه بسلة السلع والخدمات عن العامل الذي كان أجره محدداً من الأول بالنقد ، فمثلاً العامل الذي ربط نفسه بسلة السلع والخدمات إذا كانت قيمتها ألف دينار ، وقد هبطت السلع وتحسن النقد فصارت هذه السلع والخدمات توفر بخمسمئة دينار ، فلا يستحق العامل إلاّ نفس السلع أو الخمسمئة دينار ، بخلاف العامل الذي عُيّن أجره من الأول بألف دينار ، ففي حالة تحسن النقد وازدياد القوة الشرائية له لا ينخفظ أجره الى أقل من ألف دينار التي حددت في العقد.

١٣ ـ هل يمكن ربط الدين وغيره بمستوى الاسعار ؟

ونحن في هذا البحث لا نتكلم عن الدين لوحده وربطه بالمستوى العام للاسعار ، بل لابدّ من الكلام بنحو عام عن كل عقد يتم بين طرفين ، كالإعارة ، ومال المضاربة ، والمال المبيع إذا انخفضت قيمته السوقية نتيجة ارتفاع الأسعار ، فلو

٢٠٥

استعرتُ بيتاً وقد اشترط عليّ المالك ارجاع البيت مع نسبة التضخم الذي حصل في ارتفاع قيمة البيوت ، وكذا إذا اعطيت مال المضاربة واشترطت ارجاع هذا المال مع نسبة التضخم عند التصفية ، وكذا إذا اشتريت مالاً ولم يسلمه البائع ولكن اشترطت عليه أن يسلمني المال المبيع بإضافة نسبة التضخم التي حصلت نتيجة تأخيره في الدفع ، وكذا اذا استقرضت مالاً واشترط عليّ المقرض أن اُرجع هذا المال مع نسبة التضخم عند الأداء ، فهل يصح هذا الربط لهذه الاُمور بالمستوى العام للاسعار بحيث ترجع السلعة أو النقد مع نسبة التضخم التي نشأت من ارتفاع الاسعار ؟

وهذا معناه في الحقيقة اشتراط ضمان القيمة الشرائية إذا تنزلت في النقد وفي السلعة المعارة أو حتى السلعة المستأجرة ، فهل هذا الشرط صحيحاً ؟

والجواب : لا بأس بالاشارة الى أقسام الضمان هنا بعد معرفة معناه ، فلا نقصد من الضمان إلاّ : جعل الشيء بعهدة الغير بحيث لو تلف كان مسؤولاً عنه. فالمال لمالكه وخسارته عليه ولكن يتداركها الضامن بالشرط أو العقد. وهذا ضمان عقلائي يختلف عن الضمان الاصطلاحي ويتصور في الديون والأعيان.

أقسام الضمان :

١ ـ تضمين المال على تقدير تلفه أو نقصه « فهو مثل ضمان الغرامة ».

٢ ـ تضمين قيمة المال ، بمعنى أنَّ المال الذي يكون تحت يدي وقد اشتريته بثمن معين لو انخفضت قيمته السوقية نتيجة لتقلبات الأسعار في السوق فيجب على الضامن تدارك قيمته ، كما إذا اشتركتُ معك بالنصف في شراء بيت قيمته مليون تومان ثم ضمنت لك قيمة البيت ، فلو نزلت قيمته السوقية الى نصف مليون تومان كانت الخسارة علينا معاً بقانون الشركة ، ولكن الضمان الذي قمتُ به يجعلني ادفع لك قيمة ما دفعته لي وهو نصف مليون تومان.

٢٠٦

٣ ـ تضمين تنزل المنفعة الاستعمالية للسلعة.

٤ ـ تضمين تنزل القيمة الشرائية للنقد ، بمعنى أنَّ المقترض يشترط ارجاع العين مع نسبة تنزل القيمة الشرائية إن حصلت نتيجة التضخم.

أمّا القسم الأول من الضمان : فو ضمان صحيح حتى على الأمين غير المحسن مع الشرط ، أمّا الأمين المحسن فهو كالودعي الذي استؤمن لحفظ المال فلا يمكن أن يقال بتضمينه ، للتنافي بين إحسانه وتضمينه عرفاً في صورة التلف السماوي وقد قال تعالى ( وما على المحسنين من سبيل ).

وأمّا الأمين غير المحسن وهو الذي نشأت أمانته من الإذن له في كون المال تحت يده كالمستأجر الذي بيده الدار فيصح تضمينه المال في صورة التلف السماوي ، إذ لا منافاة بين وضع المال تحت يده وتضمينه في صورة التلف ، وما ورد من الأدلّة على عدم تضمين الأجير مثلاً أو أي أمين آخر فهو في صورة كون العقد مطلقاً ( غير مقيّد بالضمان ) فكأنّ هذه الروايات أرادت أن تقول إنَّ ارتكازية ضمان على اليد ما أخذت حتى تؤدي مرتفعة في الأمين الذي سُلّط على العين ، فلا نحكم بضمانه إلاّ في صورة التعدي أو التفريط ، أمّا إذا كان العقد مقيداً بالضمان في صورة كون التلف سماوياً أو من قبل شخص آخر فهو ضمان قد جاء من قبل الشرط ولا مبرر لعدم نفوذه كما لا مبرر لعدم نفوذ عقد الضمان إذا حدث حتى بالنسبة للوديعة ، فإنَّه ضمان بواسطة العقد لما تحدثه السماء ، وبه يخرج المودع عن كونه محسناً لمقابلة تضمينه هنا للمنفعة التي يستلمها عوض الضمان العقدي. ولعل هذا هو المقصود من قول العلماء : « إنَّ عدم الضمان على المستأجر وأمثاله هو بالإطلاق ، فلا ينافي اشتراط الضمان عليه بالشرط أو العقد ».

وقد تقدّمت الأدلّة من الروايات على صحة شرط الضمان على الأمين الذي وضعت السلعة تحت يده في مبحث « صيانة العين المستأجرة » فلا نعيد.

أمّا القسم الثاني من الضمان : بمعنى جعل مالية المال وقيمته في عهدة

٢٠٧

شخص آخر ، أي أن القيمة مضمونة بحيث لو نزلت قيمة المال يكون الشخص الضامن مسؤولاً عن هذا النزول ولو كانت العين باقية ، وهو ما يسمى باشتراط عدم الخسران من الناحية التجارية ، وهو عبارة عن جبران تنزل القيمة السوقية على الغير رغم أن العين هي ملك لشخص آخر.

وهذا الضمان مشروع دلّت عليه الروايات ، منها :

١ ـ صحيحة الحلبي عن الإمام الصادق عليه‌السلام « في رجلين اشتركا في مال فربحا فيه ، وكان من المال دين ، وعليهما دين ، فقال احدهما لصاحبه : أعطني رأس المال ولك الربح وعليك التوى ، فقال الإمام عليه‌السلام : لا بأس إذا اشترطا ، فإذا كان شرطاً يخالف كتاب الله فهو ردّ الى كتاب الله عزّوجلّ » (١).

وهذا يدل على مشروعية المضمون في نفسه وكونه قابلاً للاشتراط وقابلاً لانشائه في عقد مستقل ، وهذا المضمون هو عبارة عن تصدي أحد الشريكين لضمان قيمة المال الذي تشارك به أولاً ، مع كون الشركة باقية على ملكية الشريكين معاً.

٢ ـ صحيحة رفاعة قال : « سألت أبا الحسن موسى عليه‌السلام عن رجل شارك رجلاً في جارية له وقال : إنّ ربحنا فيها فلك نصف الربح ، وإن كانت وضيعة فليس عليك شيء ، فقال عليه‌السلام : لا أرى بهذا بأساً إذا طابت نفس صاحب الجارية » (٢). فمع كون الشركة باقية لغرض المناصفة في الربح قد ضمن أحدهما للآخر مالية شريكه بحيث لو خسر فتكون الخسارة في عهدته.

وهذا الضمان لمالية المال وقيمته (٣) يتمشى في كل سلعة تكون لها قيمة ولا

__________________

(١) وسائل الشيعة : ج ١٣ ، ب ٤ من الصلح ، ح ١.

(٢) المصدر السابق : ب ١ من كتاب الشركة ، ح ٨.

(٣) المراد من القيمة هي المالية الخالصة للسلع المشتركة بين جميع الأموال ، سواء كانت تلك السلع مثلية أو

٢٠٨

يشمل ( مالية النقود الورقية ) لأنَّ النقد الورقي ليس سلعةً ، بل هو قوّة شرائية متجسدة ، وهو محض القيمة فيختلف عن السلع التي دلّ الدليل الشرعي المتقدّم على ضمان ماليتها.

وعلى صحة هذا الضمان ، فإذا استعار شخص العين ـ كالسيارة ـ لمدّة معينة واشترطتُ عليه الضمان إن نزلت قيمتها السوقية ، فيجب عليه ضمان تنزل القيمة السوقية إن ارجعها وقد إنخفضت بسبب السوق. وكذا إذا كان الأجر على العمل الذي أملكه وقت ابرام العقد وكان عيناً مشخصة لها قيمة سوقية ، واشترطتُ على المالك أن يضمن لي قيمتها وماليتها إذا نزلت وقت الدفع ، وكذا في مهر الزوجة إذا كان عيناً مشخصة إذا اشترطت الزوجة مالية العين إذا نزلت القيمة السوقية وقت الدفع. وكذا المال المبيع إذا انخفضت القيمة السوقية وكان عيناً مشخصة وقد اشترط المشتري ضمان القيمة وقت الدفع مع التأخير من قبل البائع. كما ويشمل هذا الضمان غصب العين مع ارجاعها وقد انخفضت القيمة السوقية ، ولكن هذا الضمان قد يكون هنا من باب أنَّ الغاصب قد ضرّر المشتري ، فيجب عليه جبران ضرره ، وهو ما يقال من أن الغاصب يؤخذ بأشق الأحوال.

وقد نقول : يمكن الاستدلال على ضمان القيم ومالية الشيء بإدلة نفوذ الشرط « المسلمون عند شروطهم » لمن لم تثبت عنده الروايات المتقدّمة ، ولكن يقال : إنَّ صحة هذا الشرط ووجوب الوفاء به متوقّف على اثبات كونه ليس خلاف القرآن والسُنَّة فنحتاج الى دليل على جواز هذا الفعل ( وهو ضمان قيمة الشيء ) حتى يكون اشتراطه في العقد صحيحاً وملزماً ، فما هو الدليل على جواز هذا الضمان ؟

الجواب : أنَّ الدليل هو ما ثبت عند علماء المسلمين من ضمان قيمة الأشياء عند إقراضها للغير وهي قيمية ، فيكون المقترض مسؤولاً عن ارجاع القيمة ، لأنّ

__________________

قيمية ، من دون أن تلاحظ فيها أي خصوصية من الخصوصيات التي تتفاوت بها الرغبات ، فالسلع تكون مضمونة مع أوصافها الدخيلة في ماليتها ، كما أنَّها مضمونة بخصوصياتها النوعية والشخصية.

٢٠٩

القرض هو : عبارة عن تمليك للعين مع الضمان ، وبما أنَّ العين قد انتقلت الى ملك الغير فيكون المقترض مسؤولاً عن قيمتها فقط ، فلو فرضنا أنَّ القيمة للعين قد نزلت ، فيجب على المقترض ارجاع القيمة قبل نزولها ( أي حين الاقتراض ) وهذا يكفي لاثبات جواز ضمان قيمة الشيء ، فإذا جاز ، جاز اشتراطه ولا يكون مخالفاً للكتاب والسنة.

وأمّا القسم الثالث : وهو تضمين تنزل المنفعة الاستعمالية للسلعة ، بمعنى أنَّ الثوب الضخم الذي استعاره أحد ، ثم ارجعه وقد خفت ضخامته ( أي خفت وقايته من البرد ) نتيجة للاستعمال يكون لصاحب الثوب الحق في تضمين هذا التنزل للمنفعة الاستعمالية بالشرط. وكذا الدواء الذي استعاره أحد وأرجعه بعد أن خفّ تأثيره نتيجة لافتقاره لبعض الخواص التي كان موجودة فيه بسبب مرور الزمان.

ودليل هذا الضمان هو كل ما دلّ على أنَّ الاوصاف الذاتية للشيء هي مضمونة على آخذها لو تلفت مع شرط الضمان عليه ، كما تقدّمت الأدلّة في بحث صيانة العين المستأجرة فلا نعيد.

وبما أن تنزل المنفعة الاستعمالية بالمعنى الذي ذكرناه يعتبر نقصاً في السلعة وتغييراً في وصفها الذاتي فهي مضمونة على الآخذ لو شرط عليه المضان.

وأمّا القسم الرابع من الضمان وهو : تضمين القيمة الشرائية للنقد الورقي ، فقد يقال بصحة هذا الضمان بدون شرط ، بمعنى أنَّ النقد الورقي الذي يؤخذ من أحد بعنوان القرض أو الاعارة أو بأي عنوان آخر ، يكون على الآخذ إرجاع نفس القوة والقيمة الشرائية للنقد الورقي حين التسليم ، فإذا انخفضت القوة الشرائية له بإزدياد التورم ، كان على المستلم أن يرد نفس الشيء الذي أخذه مع زيادة تساوي قيمة التورم ، بحيث يكون هذان الأمران مساويين للنقد حين تسلمه أولاً.

ولكن الجواب : هو أنَّ العرف لا يرى في دفع النقد الورقي إلاّ مسؤولية ارجاعه بنفسه كما سُلّم ، لأنَّ الاعطاء كان بنفسه فالارجاع يكون كذلك ، وما ذاك

٢١٠

إلاّ لأنّ هذه الأوراق النقديّة هي أموال اعتبارية تحمل قيمة شرائية ونحن لم نأخذ منه إلاّ الأوراق الاعتبارية فيجب ارجاعها بنفسها ، وأما القوة الشرائية فهو أمر معنوي تحمله الأوراق النقدية فلا يجب ارجاعه لأنّه ليس قيمة حقيقية ، وبعبارة اُخرى أنَّ الأوراق النقدية أصبحت أموالاً بالاعتبار ، بمعنى أنَّ قيمتها متقومة به فهي كالسلع ولكنها تحمل قيمة اعتبارية لا حقيقية ، فلا يجب ارجاعٌ إلاّ النقد الورقي ، لا قيمته الشرائية.

على أن هذا التكييف مشترك بين زيادة التورم ونقيصته ، فيجب أن يلتزم من يقول به بدفع الأقل ممّا أخذه لو انخفض التورم ، ولا يلتزم بهذا أحد ، ممّا يكشف على أن القوة الشرائية ليست هي المنظورة حين تسلّم النقد الورقي.

ثم إن الضمان إذا كان للنقد الورقي عرفاً ، وليست القوة الشرائية مضمونة ـ لما قلناه ـ فيكون ارجاع القوة الشرائية على أنَّ الآخذ مسؤول عنها بالعقد من باب أكل المال بالباطل ، حيث لا يستحقها الطرف الآخر ، وعلى هذا سوف يكون اشتراطها بالعقد غير جائز أيضاً.

هذا وقد يقال : بأنّ صحة هذا الضمان يؤدّي الى حلية الربا القرضي ، ولكنه قول باطل حيث اننا إذا قلنا بصحة هذا الضمان فتقيد ادلّة حرمة الربا في صورة ارجاع العين مع الزيادة مع عدم تنزل القيمة السوقية أو مع ارتفاعها.

وجه آخر لضمان القوة الشرائية للنقد :

وخلاصته أنَّ النقد بأقسامه ( الذهب والفضة والاوراق النقدية ) هي أموال ( حقيقة أو اعتباراً ) وهذه الأموال مثلية ، وتكون قوتها الشرائية من صفات المثل ، فلابدّ من الاحتفاظ بها لدى الأداء ، ولذا يجب ارجاع مبلغ أكبر لدى ضعف القوة الشرائية في وقت الأداء بواسطة التورم.

وهذا الوجه يختلف عن سابقه الذي كيّف الزيادة عند شدة التورم والنقيصة

٢١١

عند انخفاض التورم ، وحيث يكيّف هذا الوجه الزيادة عند شدة التورم فقط ، وذلك : لأنّ المستلم للنقد مسؤول عن كميته وعن قوته الشرائية التي فيه معاً ، فإذا انخفظت القوة الشرائية كان عيه ارجاع مقدار أكبر ، حفاظاً على القوة الشرائية التي هو مسؤول عنها ، وإذا ارتفعت القوة الشرائية كان عليه ارجاع نفس الكمية حفاظاً على الكمية.

ويرد على هذا الوجه :

١ ـ لا تعتبر القوة الشرائية من صفات المثل التي يجب الاحتفاظ بها من قبل الطرف الآخر في ما أخذه من النقد. وسوف نوضح هذا الأمر أكثر فيما يأتي.

٢ ـ إنَّ اختلاف القوة الشرائية في النقد الذهبي والفضي كان أمراً مبتلى به في زمن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمة عليهم‌السلام بسب تعرضهما للصعود والنزول ، ولم يرد أثر شرعي يشير الى أنَّ القوة الشرائية ينبغي أن ترجع فيما إذا انخفظت بالاضافة الى ارجاع نفس العين ، بل لم يكن يؤثر هذا في تحريم الزيادة عند الردّ واعتبارها رباً محرّماً لشمولها لقوله تعالى : ( وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تُظلمون ) ، فكيف يقال بضمان القيمة الشرائية للنقد الورقي الاعتباري ؟!

ثم أنَّ تكييف ضمان القيمة الشرائية إذا تنزل النقد الورقي كان مبتنياً على أنَّ القوة الشرائية من أوصاف المثل ، فلابدّ لنا من تحقيق في معرفة اوصاف المثل التي تضمن وتفريقها عن الاوصاف التي لا تضمن ، فنقول :

إن الشارع المقدّس لم يرد منه نص على تحديد مثلية المثل ، فلابدّ من الرجوع إلى النظر العرفي ، والعرف يرى أنَّ الاوصاف الدخيلة في مثلية المثل وتكون مضمونة إذا زالت هي الاوصاف الذاتية ، ونقصد بها الاوصاف التي تكون ثابتة للشي ومطلوبة بحدِّ ذاتها بغضّ النظر عن نسبتها الى حاجة الإنسان أو سائر الأموال ، كالطعم في البطيخ واللون في القماش ، والسُمك في الثوب لوقايته من البرد ، وخواص الدواء المؤثرة في الشفاء ، وكمية الخبز المؤثرة في الشبع.

٢١٢

أمّا الاوصاف في الشيء الراجعة الى قياس حاجات الإنسان كالثوب السميك الذي يُستعار في الشتاء ويُرجع في الصيف ، والدواء الذي يُستعار مثلاً في حالة كثرة الأمراض وقلة الدواء ويُرجع في حالة شيوع السلامة أو كثرة الدواء ، والخبز الذي يقترض ـ مثلاً ـ أو يستعار في حالة جوع المالك ويُرجِع إليه حالة شبعه ، كل هذه الاوصاف لا تعتبر تغييراً في الوصف الذاتي للسلعة ، فلا يقال عن هذا أنَّه تصرّفٌ في السلعة وتقليل من المنفعة الاستعمالية.

وكذا الاوصاف الراجعة الى مقايسة الشيء مع باقي السلع في الرخص أو الغلاء ، كالقيمة أو القوة الشرائية للنقد ، فهي ليست أوصافاً ذاتية للنقد ، فلو نقصت القوة الشرائية للنقد المقترض أو المأخوذ بإذن حين ارجاعه فلا يُعتبر هذا تغييراً في النقد الورقي وتصرفاً فيه يتبعه تقليل المنفعة الاستعمالية عرفاً.

وقد يقال : إنّ إرجاع المثل والصفات الذاتية للنقد مع قلّة المنفعة الاستعمالية ( قلّة القوة الشرائية ) بالقياس الى حاجات الإنسان يوجب ضماناً عند الفقهاء ، وذلك في مثل مَنْ غصب ثلجاً في شدّة الحرّ ثم أرجع نفس المقدار الى مالكه في الشتاء الشديد البرد ، فقد يقال : إنّ المنفعة الاستعمالية التي انتفت ببرد الهواء توجب ضماناً وإن لم تكن من أوصاف المثل ، فيجب على الغاصب الفرق بين ثلج الشتاء وثلج الصيف.

والجواب : أنّ الضمان الذي أوجبه الفقهاء هنا ليس ناشئاً من انتفاء المنفعة الاستعمالية بواسطة برد الهواء ، والدليل على ذلك هو عدم الحكم بالضمان في صورة ما إذا اقترضتُ ثلجاً في الصيف أو استعرته على أن اُرجعه في الشتاء ، وارجعته في شدة البرد ، مع أنَّ القيمة الاستعمالية قد انتفت في المثالين ، فلابدّ لنا من الفحص عن سبب الضمان في مثال الغصب فنقول :

١ ـ إنّ الغاصب قد أرجع المثل حقيقة فلا وجه لتضمينه من هذه الناحية.

٢ ـ لقد تضرر المالك بتفويت المنفعة الاستعمالية ، ولكن تفويتها لا يوجب ضماناً كما تقدّم في مثال القرض والاستعارة.

٢١٣

نعم ، إنّ تضمين المنفعة الاستعمالية في مثال الغصب كان له سبب خاص وهو الحيلولة بين المالك وبين ما كان يقدر عليه من الانتفاع بثلجه في الصيف ، وهو ما يسمى بالاضرار بمالك الثلج ، بينما هذا الاضرار ( الحيلولة ) لم يوجد في مثال اقدام المالك على الإقراض على أن يُرجع في الشتاء ، لأنَّ الاضرار هو المنع عن الانتفاع بالشيء رغم الحاجة إليه. اذن نتمكن من التفصيل بين مَنْ غصب سلعة أو مالاً (١) وأرجعه بعد مدّة الى صاحبه وقد تنزلت قوته الشرائية والتبادلية نتيجة لزيادة التضخم ، وبين استعارة السلعة أو المال أو الاقراض أو الاجارة ، وقد اُرجعت السلعة أو اُرجع المال ( الورق النقدي ) وقد تنزلت القيمة السوقية أو الشرائية نتيجة لزيادة التضخم ، ففي الصورة الأولى يجب على الغاصب ارجاع ما يناسب التورم بالاضافة الى ارجاع نفس العين ، وذلك لأنّه منع المالك من الانتفاع بعينه رغم حاجته إليه ، فقد اضرّه ضرراً يحكم الارتكاز العقلائي بتداركه ، بالاضافة الى قاعدة نفي الضرر.

أمّا في الصورة الثانية فلا يجب إلاّ ارجاع نفس العين التي دخلت في الضمان وأوصافها الذاتية الدخيلة في المثلية.

أمّا القوة الشرائية والتبادلية فهي ليست مضمونة هنا لأنّها ليست اوصافاً ذاتية دخيلة في المثلية ، ولم يكن هنا أي اضرار بالمالك حتى نقول بوجوب التدارك بالارتكاز العقلائي أو بقاعدة نفي الضرر.

هل حكم السلطة المزيدة للورق النقدي كالغاصب ؟

إنّ السلطة المعتبِرة للاوراق النقدية إذا أدخلت من نقدها مبلغاً كبيراً الى

__________________

(١) ان هذا التفصيل لا يفرق فيه بين السلع والأوراق المالية الاعتبارية لأنَّ منفعته السوقية هي المنفعة الاستعمالية عرفاً.

٢١٤

السوق ، فانخفضت القوة الشرائية ، وبما أنَّ القوة الشرائية للورق النقدي هي القوة الاستعمالية ، فهل تضمن الدولة ـ كالغاصب ـ ما نقص من القوة الشرائية للنقد الورقي ؟

والجواب : بوجود فرق بين الدولة والغاصب ، لأنَّ الدولة هي التي أعطت الاعتبار للاوراق النقدية وهو حقّ لها ، فالقوة الشرائية من أساسها مستمدة من الدولة والسلطة ، وحينئذ يكون من حقّ الدولة إضافة هذه الأوراق النقدية ، لأنّها لم تعمل إلاّ ما كان من حقّها ، وحينئذ لا يحكم عقلائياً بوجود ضمان على الدولة التي أعملت حقها ، بخلاف الغاصب الذي ليس له أي حقّ في الغصب.

ونتمكن أن نُشبّه ما نحن فيه بعصر النقد الذهبي والفضي ، فمن حقّ أي انسان أن يكتشف منجماً للذهب أو الفضة رغم أدائه الى نزول القوة الشرائية للنقد الذهبي والفضي عند الناس ، ولا يقول أحد بالضمان على المكتشِف ، كما أنَّ من حقّ أي انسان أن يزرع حنطة أو شعيراً أو غيرهما رغم أدائه الى تنزل القيمة التبادلية لهذه الأشياء عند كثرة السلعة خارجاً ، ولا يقول أحد بضمان الزارع لأنّه تسبب في انخفاض القوة التبادلية للسلع.

١٤ ـ هل تتعلّق الزكاة بالنقود الورقية ؟

كان يصح في زمان سابق القول بأنّ الأوراق المالية هي نائبة عن رصيدها من الذهب أو الفضة المحتفظ به في خزانة مصدِّر الأوراق ( الدولة ) ، فهي حاكية عن تلك الارصدة ، كما كان يصح سابقاً القول بتبدل الاحتفاظ بالذهب والفضة إلى التعهد بدفع الرصيد لمن جاء بالورقة النقدية الى مصدِّرها. ومعنى هذا أنّ مصدِّر الورقة تعهد تعهداً مستقلاً بإعطاء الرصيد عوضاً عن الورقة التي تقدّم له.

أمّا في هذه المرحلة التي نعيش فيها ، فلا يصح شيء ممّا تقدّم ، بل إنّ المعروف.

٢١٥

عالمياً هو إلغاء التعهد بدفع الرصيد ( الذهب والفضة ) من قبل المصدِّر للورقة النقدية نهائياً ، وأصبح المفهوم من الرصيد الورقي في الوضع العالمي اليوم لكل دولة هو : عبارة عن مجموع ما تمتلكه الدولة من سلع أو أعمال ( القوة الاقتصادية ) بمعنى أن هذه الأوراق النقدية تمكّن صاحبها من امتلاك قدر من السلع أو الأعمال مختلف المقدار وفقاً للوضع الاقتصادي للدولة وقاعدة العرض والطلب ، فإذا ازدهر وضع الدولة اقتصادياً تقوّت الأوراق النقدية وكان ما يناسبها شيئاً مهماً من السلع والخدمات ، وإذا تدهور الوضع الاقتصادي ضعفت هذه الأوراق وكان ما يناسبها شيئاً غير مهم من السلع والخدمات ، ولهذا خرجت هذه الأوراق النقدية عن كونها سنداً ، لأنّ السند إذا كان يحكي عن شيء في ذمة الدولة أو مصدِّر الأوراق فليس من المعقول نزوله أو صعوده أحياناً.

هذا هو معنى هذه الأوراق النقدية في هذا الزمان ، وهذا هو معنى الرصيد الذي يُذكر لها ، ولذا نرى أنَّ القوة الاقتصادية للبلد ( سلع ، اعمال ) توزّع على مجموع النقود التي أصدرتها الدولة ، فلو طبعت الدولة مبلغاً أكثر من النقد انخفضت قوة هذا النقد ، وإذا ألغت الدولة قسماً من الأوراق بدون بدل لها إرتفعت قوة النقد.

وبهذا يتّضح أنَّ الأوراق النقدية في هذا الزمان تعتبر أموالاً بسبب تعهد الجهة المصدِّرة لدفع كمية من السلع أو الأعمال لمن يبرز هذه الأوراق وفقاً لوضعها الاقتصادي ، فإنَّ هذا التعهد يمنح الورقة النقدية اعتباراً أو قيمةً لدى الناس باعتبار ثقتهم بالجهة المصدِّرة.

وعلى هذا تأتي الشبهة القائلة : بتعلق الزكاة بهذه الأوراق ، لأنَّ الأدلّة دلّت على أنّ الزكاة إنّما تكون في اُمور منها ( الذهب والفضة ) ، ولا خصوصية للذهب والفضة إلاّ لكونهما نقدين رائجين ، كما يشهد له اشتراط كونها مسكوكين ، والأوراق النقدية في هذا الزمان هي نقد رائج ، اذن يتعدى العرف من الذهب والفضة إلى هذه الأوراق النقدية ، فهل نجزم بالتعدي أو نقول بوجود فرق بين النقد

٢١٦

الذهبي والفضي والأوراق النقدية فلا يكون الحكم واحداً لهما ؟

الجواب : أنّ احتمال الفرق بين الأوراق النقدية والنقد الذهبي والفضي موجود ، ومع هذا الاحتمال لا نعدّي حكم الزكاة إلى الأوراق النقدية ، وتوضيح ذلك :

إنّ الشريعة الإسلامية قد فرضت ضرائب على أصحاب الأموال وجعلتها للدولة وللمحتاجين من أتباع الدولة وللمصارف العامة الاُخرى ، وهذا شيء واضح ، ومن البديهي أيضاً أنَّ مِلاك هذه الضرائب هو سدّ حاجات الدولة أو المحتاجين أو سدّ الحاجات الاجتماعية العامّة كما اشارت الى ذلك آية الفيء ( كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم ) فعلى هذا لو جزمنا بأنَّ الـمِلاك من زكاة النقدين منحصرٌ في سدّ الحاجات ، فيكون هذا الملاك مشتركاً بين النقدين والأوراق المالية ، ولكن من المحتمل أنَّ هذا الـمِلاك المتقدّم هو أهم ملاكات زكاة النقدين ، وهناك ملاك آخر يشترك معه وهو « المنع من الكنز وركود مبلغ من النقد السابق » الذي يسبب اختلالاً في الوضع الاقتصادي القائم نقده على الذهب والفضة (١).

وإذا جاء هذا الاحتمال وعرفنا أنَّ مقاييس تحسين الاقتصاد القائم على النقد الذهبي والفضي المحدود تختلف عن مقاييس تحسين الاقتصاد القائم على أساس النقد الورقي غير المحدود ، القائم على أساس الجعل والاعتبار وثقة الناس بالجهة المعتبرة ( سواءٌ لم يكن لها رصيداً وكان لها رصيد من السلع أو الخدمات التي تعينها الدولة ، كأن يكون ذهباً أونفطاً أو معدناً آخر أو غير ذلك ) فيكون بالإمكان الاحتفاظ بسيولة الأوراق النقدية رغم كنز بعضها ، ولا يضرّ هذا بالاقتصاد الحالي للبلد ، فلا حاجة الى وضع الزكاة عليه ، بينما كان الاحتفاظ بسيولة الذهب والفضة مضرّاً بالاقتصاد القديم لمحدودية النقد ، فقد وضع الإسلام ضريبة

__________________

(١) وممّا يؤيّد هذا الملاك تعلق الزكاة بالنقدين بشرط كونهما مسكوكين ، أمّا إذا كانا حُليّاً ( أي ليسا نقدين ) فلا يكون كنزهما مضرّاً بالوضع الاقتصادي لخروجهما عن كونهما نقداً مربحاً.

٢١٧

على كنزه.

وبهذا نصل الى نتيجة عدم إلحاق الأوراق النقدية بالنقدين ( الذهبي والفضي ) في الزكاة ، لاحتمال أنَّ ما هو دخيل في ملاك تعلق الزكاة هو اكتنازهما مع كونهما محدودين ، فيضران بالوضع الاقتصادي القديم.

أمّا الأوراق النقدية فبما أنّها ليست محدودة فلا يكون اكتنازها مضرّاً بالاقتصاد الحديث ، فلا داعي لسريان حكم الزكاة على النقدين للأوراق النقدية.

ثم إنّ مَنْ يقول بإلغاء خصوصية الذهب والفضة ويجعل الحكم دائراً مدار النقدية فيعدّيه عرفاً الى هذه الأوراق النقدية ـ كما جاء عن مجمع الفقه الإسلامي المؤتمر التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي ـ يواجه مشكلة وهي : كيف يعين النصاب ؟ وهل تقاس قيمة الأوراق النقدية بقيمة الذهب أو الفضة ؟ فالذهب الذي نصابه عشرون ديناراً ، وكل دينار عبارة عن ثلاثة أرباع المثقال الصيرفي يساوي في هذا اليوم من النقد الورقي ما يقارب سبعمئة وخمسين دولاراً أمريكياً ، بينما الفضة التي نصابها عبارة عن مائتين درهماً والتي تساوي في الأوراق النقدية خمسة وسبعين دولاراً أمريكياً ، فهل يكون النصاب على الأوراق النقدية هو الأول أو الثاني ، أو بالتخيير ؟ وبأيِّ دليل ؟

وعلى هذا ، فبناءً على شرط القبض في مبادلة الذهب والفضة ـ كما هو المشهور ـ فهل نتعدى من ذلك إلى الأوراق الاعتبارية إذا كانت من عملتين ؟

والجواب : إنّ التعدي مشكل لأنَّ الحكم في النقدين تعبدي لا نعرف له ملاكاً ، خصوصاً مع عدم اختصاص شرط القبض بالذهب والفضة المسكوكين حتى نحمله على مطلق النقد الرائج ، بل انّ الحكم مطلق يشمل حتى الذهب والفضة غير المسكوك.

والنتيجة : إننا ندعو مجمع الفقه الإسلامي الموقّر باعادة النظر في الحاق الأوراق النقدية بالنقدين في وجوب التقابض وفي وجوب الزكاة.

٢١٨

١٥ ـ الزكاة في البنوك الإسلامية لأموالها وودائعها

انتهينا في البحث السابق الى عدم وجوب الزكاة على الأوراق النقدية الرائجة في هذا الزمان خلافاً لمن ذهب الى قياسها على النقدين ( الذهب والفضة ).

والآن نتكلم على فرض أنَّ الزكاة واجبة على الأوراق النقدية فنقول :

هل تجب الزكاة في الأوراق النقدية التي تملكها البنوك الإسلامية باعتبارها أموال لها اودعت من قبل العملاء ، فصارت ملكاً للبنك ، لأنَّ الوديعة هي قرض للبنك مع الضمان ؟

والجواب : أنَّ هذه البنوك الإسلامية إذا كان لها اشخاص حقيقيون يملكونها حسب سهامهم ، فتكون هذه الأوراق النقدية ملكاً لهم بما أنَّ كل واحد منهم يملك شخصية حقيقية ، وحينئذ يجب على كل واحد منهم الزكاة بمقدار حصته التي يملكها من البنك بشروط وجوب الزكاة.

أمّا إذا كان البنك تابعاً للدولة ( الحكومة ) أو لأي جهة من الجهات كوزارة معينة ، أو للمستضعفين أو غيرهما من الأشخاص غير الحقيقيين ، فهل يجب في الأوراق النقدية التابعة لها زكاة ؟

الجواب : لابدّ لنا أن نرى إمكان تصور الملكية للشخصية المعنوية أولاً وتحقّقها في الخارج من ناحية الشرع ، وهل أن ثبوت الضرائب الشرعية هو على الأشخاص الحقيقيين فقط أو يشمل الشخصية المعنوية أيضاً ؟

والجواب عن التساؤل الأول : هو إمكان التصور لملكية الجهة بل وقيام الدليل عليها في الخارج كملكية الزكاة للجهة التي منها الفقراء ، وكملكية حقّ الامام لمنصب الامامة وكملكية حقّ السادات ـ كرمهم الله تعالى ـ لهم ، وكملكية المسلمين للأراضي الخراجية والوقف على حسب ما يوقفه أهله ، وبعدم الفرق بين

٢١٩

تملك هذه الجهات وجهة البنك أو الوزارة أو النقابة أو المؤسسة يتم القول بملكية البنك للنقد الورقي.

والجواب : عن التساؤل الثاني : هو ثبوت جعل الضرائب في الشريعة المقدّسة على الاشخاص الحقيقيين ، أمّا الشخصية المعنوية وان ملكت إلاّ أن ثبوت الضرائب عليها غير ثابت ، فإنّ حقّ الإمام عليه‌السلام وحقّ الفقراء والصدقات ( الزكاة ) وأموال المسلمين التي كانت في زمن الأئمة عليهم‌السلام لم يرد فيها نص على خضوعها لقانون الضرائب على طول خط الأئمة عليهم‌السلام وحياة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله . وهذا دليل على أنَّ الشخصية المعنوية غير خاضعة للضرائب.

٢٢٠